إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر





مناورة الحيثيون بقواتهم
مبادئ/ قواعد الإستراتيجية
ميدان القتال وتمركز الجانبين
أسلوب الموقعة/ المعركة
معركة اليرموك
معركة باتل إكس
معركة بدر الكبرى
معركة جوكيمالا
معركة حطين
الهجوم الخاطف لقوات الحيثيون
المجال القومي للإستراتيجية
الإستراتيجية عبر العصور
المسير إلى أرض فينيقيا
الاقتحام المصري لخط بارليف
التسلل الإسرائيلي
العملية (ضربة صهيون)
العملية العين (حوريب)
بناء السياسات والإستراتيجيات العسكرية
يوم أرماث ويوم أغواث
يوم أعماس ويوم القادسية
عملية عاصفة الصحراء
عملية قادش المعدلة
عناصر القدرة الإستراتيجية للدولة
فكرة العملية الهجومية




الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر

المبحث الرابع

إستراتيجية الاقتراب غير المباشر ـ في عصر الثورة الصناعية

(من القرن الثامن عشر حتى العقد الأخير من القرن العشرين)

ابتداء من أواخر القرن السابع عشر، وعندما دخلت الآلة البخارية في حياة البشر، بدأت المصانع في الانتشار، وبدأ الإنتاج الكبير يحل محل الزراعة، وأصبحت الحرب أيضاً صناعية، وظهر عصر البندقية والمدفع والآلات البخارية، وصولاً إلى عصر الدبابة والطائرة والصاروخ والقنبلة الذرية، أطلق عليه عصر الثورة الصناعية، أو عصر الموجة الثانيـة The 2nd Wave، والذي بدأ مع مطلع القرن الثامن عشر، حيث توازن الإنتاج الكبير مع الجيوش الضخمة، وساعدت الحرب على تسارع عملية التصنيع، وأصبحت فكرة الحروب الشاملة والتدمير الشامل تناسب المجتمعات الكبرى وحضارة الموجة الثانية. وبعد أن كانت الحرب صداماً، بين الحكام أصبحت صداماً بين الشعوب، وأظهرت الحرب العالمية الثانية وما بعدها الجهد الرهيب لصناعة الموت في عصر الصناعة.

أولاً: حروب القرن الثامن عشر

عكست تطورات الأوضاع في مطلع القرن الثامن عشر، مرحلة جديدة من تطور العلاقات الدولية، وظهور نظام تعدد الأقطاب من الدول الأوربية، واتجاه كل قوة إلى اتخاذ قراراتها إزاء الحرب والسلام، على أساس المصالح القومية، كما لعب الموقع الإستراتيجي والمال دورهما في نتائج الحروب.

    انفردت حرب الوراثة الأسبانية (1701ـ 1713م) بازدواج طبيعتها، حيث كان لها هدف سياسي محدود، وآخر كبير، يرمى إلى تدمير القوة الفرنسية، وكان التخطيط لإستراتيجية الاقتراب غير المباشر موجوداً، لكن تنفيذه كان بعيد المنال، وكان النصر في المعارك غالي الثمن، وخسائره كبيرة على جميع الأطراف، واختصت بالحركة البطيئة للقوات، بمعدل 17كم/ يوم، وكانت على الصعيد الإستراتيجي عبارة عن سلسلة متوالية من الهجوم المباشر والمناورة غير المباشرة. وفي مجال إستراتيجية الاقتراب غير المباشر نذكر منها:

1. المناورة الواسعة للقوات النمساوية، في شمال إيطاليا، عبر ممر جبلي صعب، لم يستخدم منذ زمن طويل، حققت مفاجأة عالية للقوات المعادية وهزمتهم. وأعطى هذا الاقتراب غير المباشر ونجاحه، قوة معنوية دافعة للقوات النمساوية وحلفائها في مرحلة بدء الصراع المسلح.

2. برع مارلبورو في تطبيق قاعدة تفتيت العدو وتدميره على مراحل، مبتدئاً بالأضعف، وذلك عام 1704م في الدانوب لتدمير الجيوش الفرنسية وحلفائها.

3. المناورة الإستراتيجية المخادعة لاتجاه التقدم، وتهديد عدة أهداف في وقت واحد، وفي كل مرحلة، مما يمنع العدو من اكتشاف الهدف الحقيقي، وهي تُعد من أساليب مارلبورو في تحريك جيوشه.

4. جذب احتياطات العدو في اتجاه، ثم تركيز الهجوم في اتجاه آخر، وهو ما طبقه مارلبورو عام 1706م في موقعة رامبي، حيث قام بهجوم غير مباشر على الجناح الأيسر للقوات الفرنسية، مما أجبرهم على استدعاء الاحتياط في هذا الاتجاه، ثم قام بإعادة تجميع لقواته، وقام بهجوم مركز على الجانب الأيمن للعدو، وتوافق ذلك مع تهديد مؤخرة القوات الفرنسية، والضغط على طول المواجهة الأمامية.

انشغلت أوروبا بحوادث حرب وراثة العرش النمساوي (1740ـ 1748م)، والتي عرفت باسم الحروب السيليزية، ثم حرب السنوات السبع (1756ـ 1763م)، وظهرت بروسيا قوة كبيرة منذ بداية الحرب، بفضل فردريك الثاني الذي يرجع إليه الفضل في الانتصارات العظمى للدولة، نتيجة لأفكاره العسكرية التحررية، ونبذ لأساليب الحرب الموضعية البطيئة وحرب الحصار التي كانت شائعة، وتبنيه لأفكار أقرب ما تكون لقواعد الحرب الخاطفة، وعلى الرغم من صغر مساحة الدولة، وقوة جيشه المحدودة، مقارنة بجيرانه من كل جانب، كان بارعاً في استخدام قواته بحكمة بالغة، وإذا تعرضنا إلى إستراتيجية الاقتراب غير المباشر خلال حروب تلك الفترة، فهي ترجع إلى فردريك الثاني، وقد طبق الآتي:

1. أسس ما هو معروف باسم "الحرب من خطوط داخلية". نظراً لأن بروسيا تحتل موقعاً متوسطاً بين أعدائها المحيطين، النمسا وفرنسا وروسيا، فكان فريدريك يقوم بالدفاع في مواجهة كل دولة معادية، ثم توجيه القوة الرئيسية لضرب الخصم الأكثر خطراً والأشد تهديداً، ثم الانتقال إلى الجبهة الثانية، أي تدمير القوى المعادية على التتابع، ومن دون أن يتيح فرصة للخصوم بالتجمع ضده، مستفيداً بقدرة قواته العالية على الحركة.

2. الحرص على المفاجأة، وسرية الاستعداد للحرب، وتنفيذ خطط خداعية لإخفاء نشاط القوات، فبينما كان يظهر أن الهدف من مسير القوات هو التقدم نحو الغرب، كان يوجه قواته بسرعة نحو الشرق مستفيداً من الظلام ومن طبيعة الأرض الجبلية الصعبة.

3. التقويم الإستراتيجي السليم للحرب، والانسحاب، عندما تكون الظروف غير مواتية للقوات وفي مصلحة الخصم، وبرز ذلك عام 1742م في معركة سيليزيا.

4. التظاهر بالانسحاب، ثم التحول المفاجئ للهجوم المضاد القوي.

5. المحافظة على الهدف، وتجنب الدفاعات القوية، والمناورة على الأجناب لتوجيه الضربات في عمق العدو، باستغلال قوة الخيالة خفيفة الحركة، عام 1758م في معركة بوزنان ضد القوات الروسية.

ثانياً: الحروب النابليونية

بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789م، وانتهاء عصر حروب الملوك، وبدء عصر حروب الشعوب، نشبت أولى حروب الثورة عام 1792م، دفاعاً عن الجمهورية الفرنسية ضد التدخل الأجنبى، ومع تجدد التحالفات الأوربية ضد الثورة، استمرت الحروب، وانتصرت جيوش الثورة الفرنسية، وتوغلت في أراضى الدول المعادية، بصورة لم تحدث من قبل، وكانت الحروب النابليونية (1796ـ1815م)، السبب الأول في ظهور فن الحرب الحديث والخروج به من ظلمات القرون الوسطى، إلى ضياء عصر النهضة، حيث قدمت صوراً متعددة للحرب الخاطفة وحرب الحركة، وتقليل الاعتماد على الحصون الدفاعية، والاعتماد الإداري على الموارد المحلية للبلاد المحتلة، أو التي تقاتل الجيوش فيها، كما برزت مفاهيم جديدة على ما أطلق عليه "إستراتيجية الحسم"، ودور الروح المعنوية في موازين القوى. وبغض النظر عن أخطاء نابليون بونابرت السياسية والإستراتيجية فإنه كان عبقرياً في ميدان القتال وتطبيقه لإستراتيجية الاقتراب غير المباشر، وكان منها الآتي:

1. الاعتماد على العمل الهجومى، لم يلجأ نابليون إلى الدفاع في كل أعماله، والاقتراب المفاجئ السريع من العدو، وخلق أفضل الظروف لحسم الموقف في موقعة رئيسية.

2. استغلال نابليون توزيع قوى الأحلاف المعادية وتدميرها على أقسام، بالمناورة السريعة لتدمير أحد الجيوش المعادية، ثم المناورة لتدمير جيش آخر في اتجاه آخر، وفي الوقت نفسه الحرص على عدم تجزئة قواته وتوحيد جهودها بصفة مستمرة، في أثناء المسير أو الاشتباك. وظهر ذلك بعد انتصاره على القوات النمساوية في موقعة أولم 1805م، حيث تحول إلى مهاجمة الجيش الروسي/ النمساوي، ودمره في أوسترليتز، وبينما كان يحقق انتصاره عام 1806م على القوات البروسية في يينا، كان يعيق تقدم القوات الروسية المتحالفة في اتجاه آخر.

3. كانت فكرة نابليون لإدارة معاركه، على رغم تكرارها، تتلخص في إيجاد التفوق في الاتجاه الحاسم، والعمل ضد خطوط مواصلات وإمداد العدو، حتى في ظروف ضعف قواته عن العدو، فإنه كان يحقق التفوق في الاتجاه الحاسم، مع الاقتصاد في القوى في الاتجاهات الأخرى، تكرر هذا الأسلوب في موقعة مارنجو عام 1800م، وموقعة أولـم 1805م، وموقعة يينا 1806م.

4. أسلوب الموقعة/ المعركة: (اُنظر شكل أسلوب الموقعة/ المعركة)

على رغم تكرار أساليب نابليون في إدارة الموقعات والمعارك، فإنها جديرة بالدراسة وتتلخص في الآتي:

أ. المرحلة الأولى

دفع المقدمات للاتصال بالدفاعات المعادية، وتأمين قاعدة دفاعية تنطلق منها قواته المهاجمة، وتعود إليها إذا فشلت، وبينما يحتفظ نابليون بقواته الرئيسية الضاربة الخفيفة الحركة في العمق البعيد عن ملاحظة العدو، يقوم بدفع قواته الثانوية لمشاغلة العدو وتثبيته، للقيام بهجوم مخادع يجبر العدو على إضعاف قواته المدافعة واستنزافها وتشتيتها.

ب. المرحلة الثانية

عند ظهور اللحظة المناسبة، التي يترقبها نابليون، يبدأ على الفور بتوجيه ضربة بقواته الرئيسية، تخترق جناح العدو الضعيف، وتسيطر على خطوط انسحابه، وتعزل منطقة القتال، وبتعاون القوات الرئيسية والثانوية، يتم تفتيت العدو وتدميره، ثم التحول إلى المطاردة لإبادة ما تبقى من العدو.

ثالثاً: الحرب الأهلية الأمريكية

تُعد الحرب الأهلية الأمريكية (1861ـ1865م) بداية التاريخ العسكري لفن الحرب الأمريكي، حيث كانت ميداناً لتطبيق المبادئ والفنون، التي درست في كلية "وست بوينت" العسكرية منذ عام 1817م بواسطة دراسة تاريخ الحروب، خاصة الحروب النابليونية، وكانت هناك قناعة بمبادئ الحرب الخاطفة وحرب الحركة، وذلك قبل نشوب الحرب الأهلية. ومن ثم فإن الحرب الأهلة كانت ذات طابع غير مباشر في إستراتيجيتها، واعتمدت على المناورة والسرعة والمفاجأة والمبادأة. وكان لتطور السكك الحديدية أثره في الحرب، خاصة في مجال سرعة نقل القوات وتأمين الإمدادات، خاصة في الشمال، كما لعبت السيطرة البحرية دوراً هاماً في نقل القوات إلى أجناب الخصم الإستراتيجية، وبرز العديد من القادة البارزين مثل جرانت، لي، شريدان، شيرمان وبشكل عام فإن قوات الشمال والجنوب قد طبقت إستراتيجية الاقتراب غير المباشر بنجاح، وتمثل ذلك في الآتي:

1. قامت خيالة القوات الجنوبية، بإغارات قوية على مراكز السكك الحديدية للشمال، مما أصابها بالشلل التام، وأدى بالقائد الإستراتيجي " شيرمان " للتحرر من العلة، وتخلصه من الاعتماد الكلي على السكك الحديدية الثابتة، والاستقلال عنها للحصول على إمكانية المناورة الإستراتيجية، والتغلغل في عمق وأجناب العدو.

2. تبنى شيرمان دائماً تحديد هدفين متناوبين لقواته، يحتل واحداً فقط أثناء التنفيذ، لتنفتح أمامه اتجاهات وأهداف أخرى.

3. المناورة الإستراتيجية الكبرى، التي قامت بها القوات الشمالية بقيادة شيرمان ، بعد احتلال أتلانتا واختراق جورجيا وكارولينا لمسافة حوالي 720كم بدون توقف، مخترقاً أراضي صعبة، وإستراتيجية الرعب والتدمير، التي نفذت والتي اشتهر بها القادة القدامى، مثل الإسكندر ، و قيصر ، و جنكيزخان ، و فردريك الثاني ، ونابليون أدت إلى ضغط معنوي كبير على الجنوبيين وحرمانهم من الموانئ الرئيسية، ووقف الإمدادات المتجهة نحو ريتشموند في الشمال وجيش لي الاتحادي في الجنوب.

رابعاً: الحرب العالمية الأولى (1914ـ1918م)

بعد سقوط إمبراطورية نابليون، وتأسيس الإمبراطورية الألمانية الجديدة، كانت هناك إشارة نحو توحيد أوروبا بزعامة ألمانيا، وتنافست كل الشعوب في التسليح، وظهرت الدبابة والطائرة والغواصة، وعلى رغم امتلاك كل الدول الصناعية لهذه الأسلحة، أكثر مما كانت تملكه ألمانيا، فإن استخدام هذه الأسلحة بصورتها الصحيحة، أعطى للألمان ميزة التفوق، خاصة في المرحلة الأولى من الحرب، وعندما جاءت الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918م)، كانت صراعاً حول الثروة والقوة، وليست حرباً سياسية، وعلى رغم تحقيق معدلات عالية من الإنتاج، وعملية تحديث صناعي وتجاري، وطفرة في النشاط الاقتصادي، لكل أطراف الصراع، مع تقدم نسبي لصالح ألمانيا، فإن الثروة والقوة لكل دول أوروبا لم تستطع الصمود طويلاً أمام الحرب، ووصلت إلى مرحلة الضعف والإنهاك في نهاية الحرب، ولم يحسمها إلا تدخل الولايات المتحدة عام 1917م لصالح الحلفاء.

    شملت الحرب إستراتيجيات متعددة، فكان فيها حرب الخنادق والحرب الميكانيكية، وحرب الحركة، وحرب العصابات، وإستراتيجية الهجوم المباشر وغير المباشر، وإستراتيجية الحرب الشاملة، والتي تشمل تعبئة موارد الدولة للحرب، والحرب النفسية.

1. تطبيقات إستراتيجية الاقتراب غير المباشر (على المستوى السياسي العسكري)

أ. الحصار

إن الحصار الذي فرض على ألمانيا، منذ بداية الحرب، والذي أحكمته الولايات المتحدة في المراحل الأخيرة من الحرب، تسبب في إضعاف الاقتصاد الألماني، وعجل بالثورة الشعبية داخل ألمانيا؛ نتيجة لمعاناة الشعب الألماني مادياً ومعنوياً.

ب. حرب الغواصات

كان الخطر الكامن في الحصار، سبباً لبدء ألمانيا حرب الغواصات في فبراير 1915، خاصة في مجال قطع خطوط المواصلات البحرية البريطانية، حيث كانت تعتمد عليه بريطانيا لتموين شعبها وجيشها، وحققت هذه الحرب نتائج ملموسة، فقد وصلت بريطانيا إلى وضع حرج للغاية خلال تلك المرحلة.

ج. العمل من خطوط داخلية

ارتكزت الإستراتيجية العليا للقوات الألمانية على الدفاع في جبهة، والهجوم في جبهة أخرى، حيث كانت تناور إستراتيجياً بقواتها الرئيسية لتنفيذ عمليات هجومية في اتجاه مسرح العمليات الشرقي، مع الدفاع النشط في مسرح العمليات الغربى أو العكس.

د. الحرب النفسية

بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب عام 1917م، لجأت إلى أساليب الحرب النفسية لتفجير الجبهات الداخلية في ألمانيا والدولة العثمانية.

2. تطبيقات إستراتيجية الاقتراب غير المباشر (على المستوى الإستراتيجي العسكري)

أ. حققت ألمانيا المفاجأة الإستراتيجية في مرحلة بدء الحرب، أغسطس 1914م، بالمناورة الإستراتيجية بالقوة الرئيسية، متجنبة الدفاعات الفرنسية الحصينة، واجتياح بلجيكا، ثم مجابهة القوات الفرنسية في العمق.

ب. سادت معظم المعارك أعمال هجوم غير مباشرة، كان لها أثر مادي ومعنوي على الخصم، وكانت المبادأة والمبادرة من القوات الألمانية، إلا أنها محدودة الأهداف، وكانت القوات البريطانية والحلفاء تعمل بإستراتيجية رد الفعل.

ج. ساد معظم أعمال الهجوم الألماني، ما أطلق عليه تكتيكات "لودندورف" التي تتلخص في الآتي:

(1) إعادة تجميع القوات في قواعد الهجوم ليلاً، واتخاذ المدفعية لأوضاعها في أماكن مستورة قرب الجبهة.

(2) بعد تحديد نقاط الضعف في دفاعات العدو، تقوم القوات بالتسلل منها، متجاوزة مراكز المقاومة القوية، والتغلغل، كلما أمكن، بعمق، حتى تتم مهاجمة مدفعية العدو، وباستغلال نجاح قوات التسلل، يتم دفع الاحتياطي في المعركة لتطوير أعمال القتال في العمق. وفي نفس الوقت يتم تنفيذ أعمال هجوم خداعي ومشاغلة متتالية في اتجاهات أخرى، ويسمح بتوسيع نطاق الهجوم.

د. وفي مسرح عمليات فلسطين، نجحت حرب العصابات للقوات العربية بمساعدة "لورانس" في سبتمبر 1918م، في عمليات الثورة العربية، في التأثير على الحرب النظامية ضد القوات التركية، حيث نجحت هذه الحرب في تثبيت القوات التركية في أوضاعها، وإضعاف حجم الإمدادات إليها بصورة يزداد معها ضعفهم مادياً ومعنوياً، كما أدت إلى بعثرة القوات التركية وتجزئتها، واستخدم في ذلك أقل القوى، في أصغر وقت، وفي أبعد مكان. ومثال آخر عندما شكل "اللنبي" قوة قتالية من الخيالة والدبابات، في عام 1918م، وقام بدفعها عبر الممرات الجبلية حتى سهل مرج بن عامر قرب عفولة وبيسان، ووصول هذه القوة إلى مؤخرة الجيش التركي وعملت ما يسمى "سداً إستراتيجياً"، مما أجبر القوات التركية على الانسحاب شرقاً نحو الأردن، ثم تم تدميرهم بالطيران البريطاني.

خامساً: الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945م)

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وتوقيع معاهدة فرساي عام 1919م، كان أكبر تغير شهدته أوروبا، ظهور العديد من الدول القومية، وفقدت بعض الدول العظمى، أجزاء من مستعمراتها، وعودة التراجع الأمريكي إلى عزلته السياسية النسبية بعد عام 1920م، المتمثل في عقيدة مونرو[1] وعلى رغم تأثر الاقتصاد الدولي من خسائر الحرب، التي تعرضت لها الدول من الحرب العالمية الأولى، والتي بلغت في أحد التقديرات مقتل وإصابة وجرح حوالي 30 مليون فرد في ميدان القتال، وفقدت أوروبا باستثناء روسيا حوالي 5 ملايين مدني، ووصلت تكلفة الحرب إلى حوالي 260 مليون دولار، فإن معظم الدول قامت بتحسين أوضاعها الإنتاجية والاقتصادية، وانعكس ذلك على الاهتمام بالتسليح والنفقات العسكرية حيث رفعت معظم الدول نفقاتها العسكرية لتكون حوالي 30ـ40 ضعفاً عن عام 1930م، مع زيادة النفقات للقوة الألمانية بشكل عالٍ مقارنة بقوة الدولة، عن مثيلتها لباقي القوى الكبرى. وهكذا كان الاهتمام العالمي بالتسليـح، خاصة في مجال إدخال تكنولوجيا التسليح الحديثة، لتغيير نظم التسليح في كل الأفرع الرئيسية.

يُعد تزايد الإنتاج الألماني، وتنامي القوة العسكرية من حيث الكم والنوع أحد الأسباب الرئيسية لدعم أفكار هتلر التوسعية في الحرب العالمية الثانية، حيث مثلت القوة العسكرية الألمانية بحوالي 15% من القوى العالمية، واعتبرت ثاني قوة عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة، وكانت بريطانيا حينها 1.2%. بعد أن أصبح هتلر سيد ألمانيا عام 1933م، بدأ حرباً سياسية، تمثلت في إجراء مجموعة من المعاهدات مع بعض دول الجوار لضمان حيادها، وإسقاطه لمعاهدة فرساي المفروضة على تسليح ألمانيا عام 1935م. وفي عام 1936م أعاد تسليح الراين، وساعد فرانكو على قلب نظام الحكم في أسبانيا. وبدأت مرحلة الاحتواء وقياس رد الفعل، في ظروف غياب الإرادة السياسية للحلفاء لدخول الحرب، حيث لم يكن أمامهم إلا استخدام سياسة الحصار الاقتصادي والسياسي، وإمداد الدول المعتدى عليها بالسلاح، وقام هتلر في مارس 1938م بدخول النمسا، وفي سبتمبر 1938م استرد إقليم السوديت، وفي مارس 1939م احتل تشيكوسلوفاكيا، وفي أبريل 1939م احتلت إيطاليا ألبانيا، وفي سبتمبر 1939م اجتاحت ألمانيا حدود بولندا، التي تُعد بداية لمرحلة إعلان حالة الحرب الحقيقية، التي بدأت في 10 مايو 1940م باختراق حدود بلجيكا وسقوط فرنسا في 25 يونيه، وكانت مثالاً للتفوق العسكري الألماني في أساليب القتال، والسيطرة الجوية، وحرب الغواصات.

كان قرار هتلر بغزو روسيا في 1941، بمثابة تغير للأبعاد الكاملة للصراع، فمن الناحية الإستراتيجية، يعنى أن تقاتل ألمانيا على عدة جبهات، إضافة إلى الاتساع الجغرافي الهائل لمسرح العمليات في عمق روسيا، وما يتطلبه من دعم مادي وإمدادات ومعاونة جوية، وعلى رغم تفوق القوات الألمانية ونجاحها، لم تكن مهيأة أو قادرة على استمرارها، وأظهرت أن طموحاتهم أكبر من إمكانياتهم، ودلت التجربة على أن هناك حدوداً لا يمكن تجاوزها عند تنفيذ إستراتيجية هجومية في مسرح غير محدود، وبدأت ألمانيا في التخلي عن مكاسبها منذ عام 1943م، والارتداد تحت وطأة الضربات الروسية.

وعندما دخلت اليابان الحرب في سبتمبر 1940م، كانت حربها في الباسفكى وسنغافورة والفلبين والهند الصينية والهند الشرقية، وتوسعت في مناطق جنوب شرق آسيا، وهاجمت القوات الأمريكية في بيرل هاربر، وكلما زاد توسعهم زاد ضعفهم، ثم عادوا إلى الانكماش منذ مايو 1942م، تحت ضغط القوات الأمريكية، إلى أن تم استسلامهم عام 1945م، على أثر القذف الذرى الأمريكي على هيروشيما ونجازاكى.

   وفي مسرح عمليات شمال أفريقيا 1941م، تمكنت القوات الألمانية من الوصول إلى الحدود المصرية، وأخذت المعارك بين شد وجذب، ولكنها انتهت لصالح الحلفاء. حيث امتد هذا النصر إلى القارة الأوروبية، وأودت بألمانيا وآلتها العسكرية إلى النهاية.

   لقد كانت الحرب العالمية الثانية، وأطراف القتال فيها، مجالاً زاخراً بتطبيقات إستراتيجية الاقتراب غير المباشر وعلى المستويات المختلفة كالآتي:

1. على المستوى السياسي

أ. هتلر وإستراتيجية الاقتراب غير المباشر

(1) لقد درس هتلر التاريخ وقرارات القادة العظماء وتوجيهاتهم، واستخلص أن: "الإستراتيجية السليمة تقوم على تأخير العمليات، حتى تنهار معنويات العدو بشكل يسمح بتوجيه ضربة قاضية له"، وأن "الحرب الحقيقية تبدأ قبل بدء العمليات الحربية"، كما أن "الناس لم يلجؤوا إلى القتل إلا عندما عجزوا عن الحصول على هدفهم بطريقة أخرى، وأن هناك إستراتيجية أوسع تقودها أسلحة فكرية، فهل أحطم معنويات العدو بوسائط عسكرية، إذا كنت أستطيع ذلك بوسائط أخرى أفضل وأقل نفقة؟"، "إن إستراتيجيتنا تقوم على أساس تدمير العدو من الداخل، وقهره بتحطيم معنوياته".

(2) أن الدولة قد تدخل الحرب، لأسباب مختلفة، ولكن هدف الحرب الأساسي هو تأمين استمرار سياسة الدولة، على رغم إرادة دولة معادية تطبق سياسة مضادة، ويتحقق ذلك بوسائل الإستراتيجية العليا، التي تشمل المجالات المكملة للعمل العسكري، كالضغط الاقتصادي والدعاية والعمل الدبلوماسي، ويفضل إشراك العوامل الفعالة القليلة التكاليف، والملائمة للموقف، بقصد تحطيم إرادة العدو بأقل ثمن.

ب. المناورات السياسية

(1) عقد هتلر العديد من المعاهدات مع دول مجاورة؛ من أجل حيادها قبل بدء الحرب بفترات متباعدة، مثل معاهدة عدم اعتداء مع بولونيا؛ لتغطية جناحه الشرقي، ومع روسيا لضمان حيادها. وفي المقابل قامت فرنسا وإنجلترا قبلها بتطبيق نفس السياسة؛ لاحتواء وحصار ألمانيا، وذلك بعقد سلسلة من التحالفات الدفاعية، فمثلاً في الشرق الأوسط مع مصر وسوريا وشرق الأردن وفلسطين وتركيا، وفي البلقان مع اليونان ورومانيا، وقبلها خلال العقد الثالث من القرن العشرين، كان هناك تحالفات منفصلة مع بلجيكا، وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، ويوغسلافيا.

(2) عمليات الاجتياح السلمي

اجتاح هتلر كلاً من النمسا وتشيكوسلوفاكيا، بمناورات سلمية من دون سفك دماء، تحت ستار الدعاية البارعة، لإقناع الرأي العام بشرعية أعماله.

(3) إخفاء/ خداع النوايا السياسية

(أ) حققت تحركات هتلر السياسية، أو مناوراته السلمية نحو دول الجوار، المفاجأة لدول الحلفاء، حيث كان دائماً يلجأ إلى وضع خصومه في حيرة من أهدافه.

(ب) أحياناً كان هتلر يلجأ إلى الصراحة التامة، وأشار أن الصراحة التامة قد تكون أفضل طريقة للمحافظة على السر. وأن العمل المباشر يكون في بعض الحالات أقل توقعاً من غيره.

(4) اعتمد هتلر في اجتياحه للدول المعادية على الأنصار الموالين، للتمهيد للغزو، ومساعدته في تحقيق أهدافه، بإضعاف مقاومة البلاد، وتوزيع جهودها، مع إعداد حكومة مماثلة جاهزة لاستلام الحكم، ولم يعتمد على المال، بقدر اعتماده على طموح الأشخاص، وتنمية رغبتهم في تولي السلطة.

2. على المستوى السياسي العسكري

أ. العمل من خطوط داخلية

لجأ هتلر إلى تأمين جبهته الشرقية بالمعاهدات والتحالفات، أو باجتياح بعض الدول ثم تحويل الجهود لغزو فرنسا، وبعد سقوط فرنسا، قام بتأمين الجبهة الغربية وتحويل جهوده لغزو روسيا في الشرق.

ب. أعمال الخداع

شملت الحرب على العديد من الأمثلة التاريخية لكل أطراف الصراع تحمل أعمالاً كبيرة لخداع الطرف الآخر عن توقيت أو مكان أو أهداف العمليات الكبرى.

ج. الحصار

لجأ الحلفاء إلى أسلوب الحصار الاقتصادي والسياسي لألمانيا، وعندما تدخلت الولايات المتحدة، تم إحكام الحصار وانعكس أثره على الاقتصاد الألماني، والشعب الألماني، وأعمال القتال بشكل عام، وذلك على رغم لجوء ألمانيا إلى حرب الغواصات للخروج من الحصار.

د. القذف الجوي الإستراتيجي

(1) نفذته ألمانيا ضد بريطانيا للتأثير على الاقتصاد البريطاني، والروح المعنوية للشعب البريطاني. كما نفذته أيضاً ضد روسيا لإحداث نفس الغرض.

(2) كما نفذته دول الحلفاء ضد ألمانيا واليابان بغرض تدمير البنية الاقتصادية، وخطوط المواصلات، والتأثير على الشعوب، وكان لاستخدام الولايات المتحدة القنبلة الذرية في هيروشيما ونجازاكي أثره على استسلام اليابان.

هـ. إن مشاركة ألمانيا الحرب في مسرح شمال أفريقيا على المستوى السياسي العسكري يمثل عملاً مباشراً لتحقيق أهداف غير مباشرة، حيث تمثل الهدف الألماني في الاستيلاء على مصر وقناة السويس، بما يحقق قطع خطوط المواصلات للحلفاء، وعزل الشرق عن الغرب، والاندفاع نحو الخليج العربي، ومصادر البترول بها، والسيطرة على العراق وإيران وعزل روسيا من الجنوب، وفتح جبهة جديدة في هذا الاتجاه، تحقق الاستيلاء على القوقاز، مصادر البترول، وحرمان روسيا منه، وتطويق القوات الروسية والقضاء عليها.

3. على المستوى الإستراتيجي العسكري

شملت الحرب العالمية الثانية على العديد من تطبيقات إستراتيجية الاقتراب غير المباشر بأساليب مختلفة كالآتي:

أ. الحرب الخاطفة أو الهجوم الخاطف

كانت ألمانيا مثالاً لتطبيق أسلوب الحرب الخاطفة في عملياتها العسكرية، والتي اعتمدت على القوة المدرعة والسيطرة الجوية، ويشمل هجوماً عاماً بالمواجهة، وهجوماً ثانوياً أو خداعياً، وضربة رئيسية ضد أجناب العدو ومؤخرته، بالتعاون مـع قـوات إبـرار/ إسقاط جوي في العمق، وحققت ألمانيا نجاحاً في تطبيقها لهذا الأسلوب.

ب. استخدام قوات الإبرار الجوي والبحري

(1) اعتبرت الحرب العالمية الثانية، بداية عصر استخدام قوات الإبرار الجوي والبحري، حيث برع الألمان في استخدام قوات الإبرار في المرحلة الأولى عام 40/1941م، مثل الاستيلاء على الموانئ الرئيسية للدول الإسكندنافية بالإبرار البحري، واستخدام الإبرار الجوي لمعاونة الهجوم الرئيسي عند غزو فرنسا، وبولونيا، وروسيا، وهولندا.

(2) كما استخدمت الولايات المتحدة الإبرار البحري في مسرح الباسفيك، وفي إيطاليا، وتوسعت قوات الحلفاء معها في أعمال الإبرار الجوي في عمليات غزو نورماندي.

(3) كما تعددت أعمال الإبرار الجوي والبحري لكل الأطراف؛ لتنفيذ أعمال التخريب على مدى الحرب.

ج. اختيار الأهداف المتناوبة

تعددت تطبيقات العمل بأسلوب الأهداف المتناوبة، لكل الأطراف، لإخفاء اتجاه الهدف الحقيقي أو الرئيسي.

(1) ألمانيا

القوات الألمانية في تطبيق العمل بالأهداف المتناوبة، على المستوى الإستراتيجي، فعندما احتل هتلر النمسا عام 1938م، عجز الحلفاء عن تحديد أهدافه التالية، وعندما احتل تشيكوسلوفاكيا عام 1939م، فتح الطريق لغزو بولندا والمجر ورومانيا، وعندما تحول نحو الغرب احتل النرويج عام 1940م، واحتل هولندا وبلجيكا، وعندما أصبح الفرنسيون في حيرة من اتجاه الهجوم الرئيسي الألماني هل هو نحو باريس، أم في اتجاه مؤخرة قواتهم في بلجيكا، وعندما استدارت القوات الألمانية نحو الغرب أصبحت أهدافها متناوبة نحو أميان وليل وباريس. كما طبقت القوات الألمانية هذا الأسلوب على المستوى التعبوي والتكتيكي، وكانت دائماً تستولي على الأهداف الحيوية التي تحقق تهديد أكثر من هدف تالي.

(2) قوات الحلفاء

طبق الحلفاء هذا الأسلوب بنجاح وساعدتهم طبيعة المسرح والإمكانيات القتالية، فكان حضوهم في شمال أفريقيا يهدد صقلية وسردينيا، وكان مجهودهم الرئيسي نحو الشواطئ الغربية لإيطاليا، وعند التقدم عبر البحر الأدرياتيكي كان أمامهم شمال إيطاليا وغرب البلقان، وأيضاً محور بحر إيجه، الذي يهدد القوات الألمانية في اليونان وبلغاريا ورومانيا. كما طبق الحلفاء أسلوب العمل بالأهداف المتناوبة على المستوى التعبوي والتكتيكي في غزو إيطاليا وفرنسا.

د. صور مختلفة للاقتراب غير المباشر

(1) في العملية الدفاعية

(أ) اعتبرت إستراتيجية روسيا الدفاعية في المراحل الأولى من الحرب عام 1941م، وانسحابهم لأعماق واسعة، وفي مساحة كبيرة، عملاً غير مباشر لتحقيق النصر، وذلك بالاستفادة من طبيعة المسرح وأعماقه الكبيرة وطبيعة الطقس؛ لاستنزاف القوات الألمانية وتهيئة الظروف المناسبة للتحول للهجوم العام منذ عام 1943م.

(ب) ومن تطبيقات الإستراتيجية الدفاعية الهجومية، التي تعتمد على جذب العدو في منطقة قتل مخططة، ما قامت به القوات الألمانية عام 1943م، وذلك عندما اخترقت القوات الروسية الجبهة شمال نهر الدونيتز، واندفعت للغرب من خلال ثغرة عرضها حوالي 340كم وتجاوزت أجناب القوات الألمانية، واستعادت خاركوف، وفي هذا الوقت قامت القوات الألمانية بتجميع احتياطيها كاملاً، وقامت بتوجيه ضربة على جنب ومؤخرة الروس، مما أفقدها السيطرة والتوازن، وتراجعت في فوضى تامة بعد خسائر أكثر من 600 دبابة و1000 مدفـع، وذلك رغم تفوق القوات الروسية بنسبة 8 إلى 1 على القوات الألمانية.

(ج) وفي مسرح عمليات شمال أفريقيا، كان روميل أبرز من عمل بإستراتيجية الاقتراب غير المباشر، في كل عملياته الهجومية، على رغم تكرارها، وكان بارعاً لدرجة عالية، ولم تقف أعماله الدفاعية عند حد الدفاع، بل شملت نشاطاً إيجابياً وأعمالاً هجومية، دفاعية هجومية، ومن أمثلة تطبيقاته الماهرة معركة "باتل إكس" في 15 يونيه 1941م، (اُنظر شكل معركة باتل إكس)، وذلك عندما نجح في جذب المجموعة الوسطى من المدرعات البريطانية إلى منطقة قتل في كابتزو، عبارة عن ستارة من المدافع 88مم المضادة للدبابات، وحقول ألغام منتشرة على نطاق واسع في المنطقة، وبعد صد الهجوم البريطاني واستنزافه نتيجة للخسائر الكبيرة، قام روميل بالتحول للهجوم نحو مؤخرة القوات البريطانية في ممر حلفاية، لقطع خط الانسحاب إلى الشرق.

(2) في عمليات الانسحاب

(أ) برعت القوات الألمانية في تطبيق إستراتيجية الاقتراب غير المباشر في الانسحاب، خاصة على مسرح عمليات روسيا، وذلك عند انسحاب مجموعة جيوش كليست من قلب القوقاز حتى ممر روستوف، في أثناء تعرضها لهجوم دائم على أجنابها من الجيوش الروسية المتقدمة من نهر الدون.

(ب) كما يعد انسحاب جيش روميل في أفريقيا من العلمين إلى تونس، لمسافة حوالي 3300 كم، من أعظم الأعمال العسكرية غير المباشرة في الارتداد المنظم، من دون خسائر كبيرة.

هـ. الحرب النفسية

برع هتلر في تطبيق أساليب الحرب النفسية وحرب الدعاية، كان مستشاره البارع "جوبلز" في حرب الدعاية، واستخدم في ذلك العديد من الأساليب، مثل الإذاعة والنشرات، والشائعات، الخ، كما برعت الولايات المتحدة في تطبيق أساليب الحرب النفسية على اليابان، منذ بدء غزوها للفيليبين عام 1944م.

سادساً: الجولات العربية الإسرائيلية

1. الجولة العربية الإسرائيلية الأولى (مايو 1948ـ مارس 1949م)

أ. المستوى السياسي العسكري

(1) كانت أهداف الأطراف مباشرة في مجملها، وان تميزت إسرائيل في تحديدها للأهداف المتناوبة والمتتالية في شكل خطط ذات مراحل متتالية، للاستيلاء على فلسطين.

(2) كانت فكرة العملية الهجومية للدول العربية تشمل توجيه الضربات للقوات الإسرائيلية.

ب. على المستوى الإستراتيجي العسكري

(1) دخول ومشاركة القوات المصرية للحرب، بقوات خفيفة الحركة عملت في اتجاه بئر سبع، ثم الخليل وبيت لحم، حققت المفاجأة للقوات الإسرائيلية في المرحلة الأولى من الحرب.

(2) أعمال الإغارات والكمائن لكل أطراف الصراع.

(3) حصار القوات المصرية لمستعمرات النقب، وحصار إسرائيل للقوات المصرية في الفالوجا.

(4) شملت أعمال قتال القوات الإسرائيلية في معظمها، على الهجوم غير المباشر، مثل عملية مافيت لابوليش، الموت للغزاة، في 17ـ 18يولية 1948، والعملية يوءاب، الطوعيه العشرة، في 16 - 31/10/1948، العملية حوريب، العين، 22 ديسمبر حتى 7 يناير 1949م (اُنظر شكل العملية العين (حوريب)).

2. الجولة العربية الإسرائيلية الثانية (أكتوبر ـ ديسمبر 1956م)

أ. المستوى السياسي العسكري

إن فكرة الهجوم للقوات البريطانية والفرنسية على بورسعيد، والقوات الإسرائيلية في سيناء، تُعد عملاً غير مباشر على الحكومة والقوات المصرية، على المستوى السياسي العسكري.

ب. المستوى الإستراتيجي العسكري

(1) أعمال الإبرار الجوي الإسرائيلي في ممر متلا، ليلة 29/30 أكتوبر1956م.

(2) المناورة الإستراتيجية للقوات المصرية في ارتدادها غرب القناة، بعد التأكد من دخول فرنسا وإنجلترا للحرب، وأصبح الموقف في غير صالح القوات المصرية بسيناء.

(3) عملية قادش الإسرائيلية عام 1956م. (اُنظر شكل العملية قادش (المعدلة))

3. الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة (يونيه 1967م)

أ. المستوى السياسي العسكري

(1) عمل القوات الإسرائيلية من خطوط داخلية، بتركيز الجهود في اتجاه وإدارة أعمال نشطة في الاتجاهات الأخرى، ثم نقل الجهود بعد تحقيق النجاح.

(2) الحصار البحري الذي فرضته البحرية المصرية في خليج العقبة.

ب. المستوى الإستراتيجي العسكري

طبقت إسرائيل إستراتيجية الحرب الخاطفة، والحرب الميكانيكية، باستغلال القوات المدرعة والسيطرة الجوية، والتي برز في تطبيقها الآتي:

(1) اختيار الاتجاه الأقل توقعاً، والخط الأضعف مقاومة.

(2) الاختيار الدقيق لتوقيت الضربة الجوية الشاملة وأسلوب تنفيذها.

(3) استخدام طرق اقتراب غير متوقعة في الوصول إلى عمق القوات.

(4) تركيز أعمال قتال القوات في العمل على مواجهات ضيقة، وتحقيق سرعة اختراق عميق من دون التورط في أعمال قتال رئيسية مع القوات الأمامية.

(5) استخدام قوات الإبرار الجوي التكتيكي ليلاً، في مهاجمة الدفاعات ومراكز القيادة في عمق الدفاعات.

(6) دفع مفارز متقدمة للاستيلاء على المضايق؛ لقطع طرق ارتداد القوات المنسحبة.

(7) تنفيذ عدد من العمليات الخاصة لتخريب محاور المواصلات الخطية، إضافة إلى أعمال الحرب الإلكترونية لإفقاد القيادات سيطرتها على القوات.

(8) العملية الإستراتيجية ضربة صهيون عام 1967م. (اُنظر شكل العملية (ضربة صهيون))

4. الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة (أكتوبر1973م)

أ. المستوى السياسي العسكري

(1) تُعد حرب الاستنزاف التي تمت في الفترة من حرب 1967 حتى 1973 عملاً غير مباشر للإعداد لحرب 1973.

(2) إن حرب أكتوبر 1973م، في مجملها وما حققته من نصر عسكري، تُعد عملاً غير مباشر لإجهاض نظرية الأمن الإسرائيلي، وحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وفرضت موقفاً إستراتيجياً جديداً أرغم إسرائيل على قبول التفاوض من أجل السلام.

(3) تمشى الهدف من الحرب مع الإمكانيات العربية، وبأسلوب العمليات المتتالية، حيث كان الهدف الأول من الحرب هو إهدار نظرية الأمن الإسرائيلية، وعلى ذلك كانت المهام الإستراتيجية تشمل استعادة أجزاء من الأراضي المحتلة، والاستعداد لتطوير الهجوم لاستعادة الأرض بعد وقفة تعبوية أو بدونها.

(4) لقد كان فرض الحصار البحري على باب المندب والبحر الأحمر وإغلاق خليج السويس، من الأعمال الإستراتيجية غير المباشرة لإقناع إسرائيل بعدم جدوى وجودها العسكري في جنوب سيناء، وإيقاف اغتصابها لبترول سيناء، وتقييد تحركاتها البحرية في مسرح العمليات البحري بالبحر الأحمر، إضافة إلى ما حققته من فرض الحصار الاقتصادي طوال فترة الحرب.

(5) على رغم نجاح إسرائيل في تحقيق نصر عسكري في جولاتها مع العرب إلا أنها لـم تحقـق نصـر سياسي في أي منها، إلا أن الدول العربية في حرب 1973 قد حققت نصراً عسكرياً ونصراً سياسياً في الوقت نفسه.

(6) التنسيق المصري السوري لإدارة الحرب، يُعد عملاً غير مباشر، كما أنه حرم إسرائيل من تطبيقها لنظرية العمل من خطوط داخلية في المراحل الأولى من الحرب.

(7) المفاجأة التي حققتها القوات العربية على المستوى السياسي العسكري والإستراتيجي العسكري والمستوى التعبوي والتكتيكي.

(8) خطة الخداع المصرية كانت عملاً بارعاً وتطبيقها بأسلوب غير مباشر على المستوى السياسي والسياسي العسكري.

(9) ومن أعظم الأعمال السياسية والسياسية العسكرية، مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات بالسلام مع إسرائيل، وما تلاها من اتفاقيات السلام والذي يعد عملاً سياسياً غير مباشر لتحقيق غاية قومية، هي السلام، والذي ينعكس على دور القوات المسلحة في المجال السياسي العسكري.

ب. المستوى الإستراتيجي العسكري

(1) على رغم أن فكرة إستراتيجية الهجوم العربي على إسرائيل كانت عملاً مباشراً، الهجوم المباشر باستخدام قوة الصدمة، ارتباطاً بظروف مشاكل المانع المائي والدفاعات الإسرائيلية المحصنة في خط بارليف على طول المواجهة، فإنها حققت أهدافاً غير مباشرة على المستوى الإستراتيجي، هذا إضافة إلى الأعمال التكتيكية المتعددة، والتي نفذت بأساليب قتال غير مباشرة.

(2) لقد كان للمفاجأة وقوة النيران المباشرة وغير المباشرة، خاصة في المراحل الأولى للحرب، أثر بالغ في التأثير المعنوي على القادة والقوات الإسرائيلية في سيناء، مما أفقدها الثقة وعدم القدرة على رد الفعل، وخلق شعوراً عاماً بالعجز والذعر الناتج من الموقف المعنوي الصعب.

(3) تُعد العملية الإسرائيلية "الغزالة" لاختراق القوات المصرية في منطقة الدفرسوار، لتوجيه ضربة قوية في مؤخرة القوات المصرية غرب القناة، من الأعمال غير المباشرة، حيث شملت الاختراق العميق في مواجهة ضيقة، ثم الانتشار في مؤخرة القوات.

ج. الاقتحام المصري لخط بارليف في حرب 1973م، (اُنظر شكل الاقتحام المصري لخط بارليف)، التسلل الإسرائيلي يوم 22 أكتوبر 1973م (اُنظر شكل التسلل الإسرائيلي)



[1] عقيدة مونرو: 1823م عقيدة أمريكية مبنية على العزلة الأمريكية، مع عدم التدخل في شؤون أوروبا.