إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر





مناورة الحيثيون بقواتهم
مبادئ/ قواعد الإستراتيجية
ميدان القتال وتمركز الجانبين
أسلوب الموقعة/ المعركة
معركة اليرموك
معركة باتل إكس
معركة بدر الكبرى
معركة جوكيمالا
معركة حطين
الهجوم الخاطف لقوات الحيثيون
المجال القومي للإستراتيجية
الإستراتيجية عبر العصور
المسير إلى أرض فينيقيا
الاقتحام المصري لخط بارليف
التسلل الإسرائيلي
العملية (ضربة صهيون)
العملية العين (حوريب)
بناء السياسات والإستراتيجيات العسكرية
يوم أرماث ويوم أغواث
يوم أعماس ويوم القادسية
عملية عاصفة الصحراء
عملية قادش المعدلة
عناصر القدرة الإستراتيجية للدولة
فكرة العملية الهجومية




الإستراتيجية والاقتراب غير المباشر

المبحث الخامس

إستراتيجية الاقتراب غير المباشر ـ في عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا

(من العقد الأخير للقرن العشرين حتى القرن الواحد والعشرين)

بعد انتهاء عصر الثورة الزراعية، أخذت هذه الثورة معها حروب السيف والرماح، وانطلق عصر الثورة الصناعية، التي غيرت من أساليب البشر، وأصبح التدمير الشامل هو سمة العصر الصناعي، ولا زال يمثل العلامة المميزة لحرب الموجة الثانية. مع بداية العقد الثامن من القرن العشرين، بدأت تكنولوجيات جديدة، وأفكار جديدة، تتحدى مجتمع الموجة الثانيـة، وكانت انطلاقة جديدة لعصر جديد، هو "عصر المعلومات والتكنولوجيا" Info & Tech Age الذي بدأ العالم قريباً الدخول فيه اعتباراً من الحقبة الأخيرة من القرن العشرين، وتحديدا منذ حرب الخليج عام 1991م، حيث استخدم فيها كل ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا، واتفق المحللون على توصيفه بعصر الموجة الثالثة The 3rd Wave أو حضارة المعرفة ـ إستراتيجية الاقتراب غير المباشر عبر العصور (اُنظر شكل الإستراتيجية عبر العصور).

إن عصر المعلومات والتكنولوجيا، يشمل تطوراً هائلاً، في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية، والسياسية، والاجتماعية والحضارية، ويحمل كماً هائلاً من المعلومات والمعرفة والتكنولوجيا، سمة القرن الواحد والعشرين، كما أطلق على التخطيط لمواجهته "إستراتيجية المعرفة"، وأصبح من يملك المعلومات والمعرفة، يملك اليد العليا في أي صراع اقتصادي أو عسكري أو حضاري جديد.

    إن القوة الحقيقية في ثورة المعلومات والتكنولوجيا، تكمن في قدرتها على قلب المفاهيم التقليدية، التي هيمنت على الفكر الإنساني، طوال عصر الصناعة، وأصبح هناك خصائص وأشكال جديدة للحرب، وأصبح هناك تغير في الفكر الفلسفي والعقائد العسكرية، التي تبنى على التحول من عقيدة ترتكز على تدمير القدرة المادية للخصم، إلى مفهوم آخر ينظر إلى الخصم على أنه نظام معقد، يمكن شل قدرته على المقاومة، من خلال استهداف وظائفه الحيوية، وهدم بنيانه التنظيمي، طبيعة لا مادية، أو من خلال حرب غير قاتلة Non- lethal war، وعلى الرغم من ذلك فإن إستراتيجية الاقتراب غير المباشر هي محور أو أساس تطور النظريات وأساليب الحرب الحديثة إضافة إلى دورها في الرؤية الحديثة للمجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والمعنوية على المستوى القومي للدولة.

أولاً: حرب الخليج: (عاصفة الصحراء 1991م)

أدارت قوات التحالف حربها في منطقة الخليج، من منظور ما أطلق عليه "الحرب المزدوجة"، حيث استخدمت شكلين مختلفين من الحروب، شكلاً خاصاً بالموجة الثانية، بما تحمله من أسلحة تقليدية، وبما أحدثت من خسائر مدمرة واسعة، وشكلاً آخر خاصاً بالموجة الثالثة بما تحمله من أسلحة ذكية ذات قدرات إصابة دقيقة للأهداف، وأقل تدمير مصاحب Collateral Damage، إضافة إلى نظم متقدمة للاستطلاع والمخابرات، ودخول البعد الفضائي إلى مجال الاختبار والتطبيق، وغيرها من نظم التسليح الحديثة، وشملت حرب الخليج تطوراً في مفاهيم الحرب الحديثة وأشكال ونظريات قتال متطورة. ويقول أنتوني كوردسمان: "كانت هناك ثورة في الشؤون العسكرية، قد بدأت وهي تمضي قدماً بخطوات ثابتة"حيث كانت ثورة في تكنولوجيا الحرب، وأخرى في فن الحرب، وثالثة في الهياكل التنظيمية، والتي انفردت بها حرب الخليج عام 1991م، مقارنة بمعظم الحروب، ووصفها بعض المحللين بالشكل النموذجي للحرب الذي سيستمر لفترة 10ـ20 سنة قادمة، وقل ما يحدث مثلها في المستقبل، لقد شملت الحرب العديد من أساليب إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، على المستويات المختلفة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر الآتي:

1. المستوى السياسي

أ. نجاح الولايات المتحدة ودول أوروبا، في وضع أهداف للحرب، تخدم، بشكل غير مباشر، المصالح العليا لهم في منطقة الخليج العربي.

ب. نجاح الولايات المتحدة ودول أوروبا في إقناع الرأي العام الدولي بقـرار التحالف، لضمان الشرعية والتأييد الدولي، ومشاركة الدول العربية في هذا التحالف، كان يحمل أكثر من مغزى سياسي، خاصة في مجال الرأي العام، والتأييد العربي لقرارات التحالف، إضافة إلى ضمان التسهيلات التي حصلت عليها قوات التحالف.

ج. كان من نتائج حرب الخليج، ما عقد من اتفاقيات أمنية بين دول الخليج ودول أوروبا وأمريكا، وعلى الجانب العربي كان هناك اتفاق إعلان دمشق.

2. المستوى السياسي العسكري

أ. فرض الحصار التجاري على العراق، طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 660، 661 وما تلاه من حصار على المستوى السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري. بهـدف الضغط على العراق حكومة وشعباً، لتسهيل الأعمال القتالية التالية.

ب. خطة خداع متكاملة تغطى جميع المستويات وشاملة الأبعاد السياسية والعسكرية، لخداع الجانب العراقي عن اتجاه الضربة الرئيسية، توقيت بدء الهجوم، أو هل هناك هجوم أم لا؟

ج. الحملة الجوية لقوات التحالف، التي استمرت من 17يناير حتى 24فبراير 1991م، نفذتها بأكثر من 40000 طلعة هجومية جوية. وقصفات الصواريخ كروز وتوماهوك، والصواريخ جو أرض، والقنابل المنزلقة الموجهة، والتي وجهت ضد 535 هدفاً عراقياً، تشمل مراكز القيادة، يليها في الأسبقية أهداف الصناعات الحيوية، فالبنية التحتية، فالتجمعات السكانية، وأخيراً القوات المسلحة. وكان مركز الثقل الرئيسي المستهدف هو مراكز القيادة، التي تدير عمليات النظام السياسي والعسكري ـ وحققت الحملة تأثيرها المادي والمعنوي على العراق.

د. استخدام العراق للصواريخ سكود ـ ب، 91 صاروخاً، ضد السعودية والبحرين وإسرائيل، وكان تأثيرها معنويا، وكان هدف العراق من ضرب إسرائيل، هو محاولة إشراكها في الحرب، بما يخلق انشقاقاً في التحالف العربي، وتغيراً في الطبيعة السياسية الإستراتيجية للحرب. كما خلقت العراق تهديداً مستمراً بالتصعيد إلى حرب كيماوية أو بيولوجية استمر حتى نهاية الحربوهو ما يُعد عملاً غير مباشر على المستوى السياسي العسكري.

هـ. كان لدور الحرب النفسية التأثير المباشر على القوات المسلحة والشعب العراقي، وإفقاد المقاتلين العراقيين الرغبة في القتال، وذلك من خلال خطة‍ إستراتيجية للحرب النفسية لقوات التحالف، حيث تم إلقاء 25مليون منشور ـ تهديد/ دعوة.

3. المستوى الإستراتيجي العسكري

أ. المعركة البرية الجوية

شملت المعركة البرية الجوية لقوات التحالف أساليب متعددة لإستراتيجية الاقتراب غير المباشر ونركز هنا على المعركة البرية:

(1) في مرحلة التمهيد للعملية، شملت أهدافها عزل مسرح عمليات الكويت من خلال تدمير الكباري وطرق الاقتراب، مع الاستمرار في شل مراكز القيادة والسيطرة الإستراتيجية والتعبوية.

(2) تم تنفيذ العملية البرية (24 ـ 26فبراير) من خلال ضربة رئيسية، وأربع ضربات معاونة، على مرحلتين: (اُنظر شكل عملية عاصفة الصحراء)

(أ) المرحلة الأولى: الضربات المعاونة بقوة المنطقة الشرقية وقطاع مشاة الأسطول وجزء من قطاع الفيلق 18.

(ب) المرحلة الثانية: ضربات معاونة بقوة المنطقة الشمالية، وضربة رئيسية بقوة الفيلق 7 والفيلق 18.

ب. أعمال الإغارات المتعددة، التي قامت بها قوات التحالف، وعملية الخفجي التي قامت بها القوات العراقية في 29 يناير.

ج. دور الحرب الإلكترونية، البرية والبحرية والمحمولة جواً، لقوات التحالف في تعميه القوات الجوية، ووسائل الدفاع الجوي، ومراكز الاتصالات والقيادة والسيطرة العراقية.

د. حرب الألغام التي شنتها العراق، أمام السواحل الكويتية، وعلى أجناب السواحل العراقية، والتي أثرت على أفكار التحالف في عمليات الإبرار البحري، وكثير من العمليات البحرية، إضافة إلى تأمين سواحلها ضد أي غزو من اتجاه البحر.

هـ. استمرار أعمال القتال 24 ساعة يومياً، مع تفوق في القتال الليلي، وفي كل الأجواء، وفيما وراء الرؤية البصرية.

و. القتال عن بعد، وفيما وراء الرؤية البصرية، بما توفره تكنولوجيا التسليح من إمكانيات فنية. وما وفره من توسيع  نطاق العمليات إلى عمق الأراضي العراقية ـ الضرب العميق.

ز. أعمال الإبرار الجوي التي قامت بها قوات التحالف، في عمق الدفاعات العراقية، والتي وصلت إلى فرقة إبرار جوي.

ح. أعمال الخداع الإستراتيجي لقوات التحالف، التي كان أبرزها حشد 31 سفينة إبرار، في اتجاه السواحل الكويتية، للخداع عن اتجاه الضربة الرئيسية.

ثانياً: حرب البلقان: (أبريل ـ يونيه 1999م)

بعد انتهاء حرب الخليج 1991م، التي أكدت نجاح العملية البرية الجوية، ودور التكنولوجيا في ثورة التسليح، كانت هناك قناعة بنموذج "الحرب عن بعد"، ودار نقاش حول اعتماد العمليات العسكرية على "الحرب الجوية"، حيث لا تحتاج إلى حشود عسكرية تقليدية، أو جبهة قتال واضحة تدور حولها الحرب، والتي يمكن من خلال ما يحدث فيها التعرف على أوضاع الأطراف، وتمييز القوات، والتنبؤ برد الفعل ونتائج الحرب. وقد كانت الحرب الجوية موضع اختبار في عملية عاصفة الصحراء ومازالت في عملية ثعلب الصحراء في العراق، وقد أظهرت الحرب أهمية الأسلحة الدقيقة الموجهة، ونظم الحصول على المعلومات والاستشعار عن بعد، وأهمية استغلال التطور التكنولوجي في نظم التسليح ونظم المعلومات والفضاء الخارجي، لتوسيع طبيعة الحرب في مسرح العمليات.

   إن الحرب الجوية مضمونها الكلى إستراتيجية اقتراب غير مباشر تهدف إلى إخضاع الخصم أو شل إرادته، وعندما بدأت العمليات العسكرية لحلف الناتو ضد يوغسلافيا، كانت عبارة عن حملة جوية لقوات التحالف استمرت حوالي 79 يوماً، ووصل عدد الطلعات الجوية إلى عدد 35000 طلعة جوية، وتم إلقاء حوالي 20 ألف صاروخ وقنبلة، وكان عدد القتلى الصرب 6200 مدني وعسكري، إضافة إلى حوالي مليون من لاجئي كوسوفا، وكانت النفقات الأمريكية 2,2 مليار دولار، ونفقات حلف شمال الأطلسي (الناتو) أكثر من 3 مليارات دولار، واستهدفت الحملة شل القدرة العسكرية اليوغسلافية، وافتقدت الهدف السياسي من الحرب.

وإذا استبعدنا عدم وجود أهداف سياسية للحرب، فإن الحملة نجحت عسكرياً بالعمل غير المباشر، والضغط على القوة العسكرية اليوغسلافية لتغير موقفها، وإجبارها على الانسحاب من كوسوفا، في 10 يونيه 1999م واعتبار ذلك وسيلة للسياسة الخارجية للتحالف.

    وتتشابه الحملة الجوية في البلقان مع الحملة الجوية في عملية عاصفة الصحراء، في القـدرات والإمكانيـات وأسلوب التنفيذ، وأسبقية الأهداف مع إضافة بعض أنواع من تكنولوجيا التسليح.

ثالثاً: المجال القومي لإستراتيجية الاقتراب غير المباشر في عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا (اُنظر شكل المجال القومي للإستراتيجية)

إن هدف إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، هو تفتيت أو إضعاف مقاومة الخصم، ويكون ذلك بتدميره أو قهره من الداخل، بأقل تكاليف ممكنة، وفي أقل زمن متاح. إن المجال القومي للإستراتيجية، هو من الضروريات لتحقيق الأهداف والغايات القومية للدولة، وإذا كان ضرورياً في المجال العسكري، فلا يقل أهمية عنها في المجال السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والمعنوي لتحقيق الأهداف من دون صراع.

1. إستراتيجية الاقتراب غير المباشر في المجال السياسي

أ. ويعني اتخاذ موقف تعبيري بين طرفين أو أكثر، فئات أو طبقات أو مجموعات في المجتمع، حول قضية، يتم من خلالها عرض وتبادل وتقريب وجهات النظر، باستخدام أساليب غير مباشرة، للحفاظ على المصالح العامة للدولة، أو الحصول على منفعة أو تعظيمها. إن طبيعة العلاقة بين النظام الحاكم والشعب، وطبيعة المشكلات السياسية المطلوب مواجهتها، تحدد المناهج المستخدمة، وطبيعة الأساليب المطلوب تطبيقها.

(1) منهج المصلحة المشتركة

ويعتمد على إبراز أهمية خلق علاقة تعاون بين الأطراف، وذلك بفرض حلول لتطوير التعاون القائم أو تحقيق التكامل.

(2) منهج الصراع

ويعتمد على الخداع والتمويه، والإحباط، والتشتيت أو التفتيت.

ب. تتعدد أساليب إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، وإن كانت تعتمد على تحقيق الهدف بأسلوب غير مباشر، "مثل وضع السم في العسل"، وعلى أن تبدأ بكسب الثقة والاحترام المتبادل، ثم تجزئة القضية وتفتيتها إلى أجزاء أو مراحل، ثم اتخاذ الأسلوب المناسب بعدها، مثل "الإغراء، وإخفاء قضايا وإبراز أخرى، والتشويه والتضليل، وقلب الحقائق، والمناورة بالمواقف وأن لكل شئ ثمناً، وهناك ثمن لكل شيء، والحلول الوسط، وإجهاض المبادرات والمطالب المقدمة".

ج. من الطبيعي في أي دولة أن يواجه النظام الحاكم بعض المشاكل أو الأزمات التي تنتج عن صراع بين إرادتين، سواء بين الحكومة وبعض فئات المجتمع أو بين بضع فئات المجتمع وبعضها الآخر، ومن الضروري مواجهة هذه المشاكل والأزمات بدبلوماسية غير مباشرة لكل قضايا المجتمع. ومن أمثلة ذلك مشاكل الفتنة الطائفية، أو الصراعات الحزبية، أو الصراع الطبقي بين الأغنياء والفقراء، أو عند اختلاف الآراء في مجال تحرير الاقتصاد أو تبعيته للدولة، أو بين من ينادى بالسلام ومن ينادي بالحرب، إلخ.

2. إستراتيجية الاقتراب غير المباشر في المجال الاقتصادي

أ. على المستوى الداخلي

(1) ويدخل في إطارها فن التسويق باستخدام أساليب غير مباشرة، بغرض الترويج التجاري.

(2) الأساليب المختلفة لجذب الاستثمار في مجالات الزراعة واستصلاح الأراضي والصناعة والمجالات الخدمية وخلافه، وذلك بإجراء بعض التسهيلات والدعاية والإعلام، والقضاء على الروتين، والمصارحة بالحقائق.

(3) إن تنمية قدرة الدولة، تنعكس بشكل غير مباشر على قدرتها الاقتصادية.

ب. على المستوى الخارجي

(1) الأساليب غير المباشرة، لجذب المستثمرين من الخارج.

(2) الأساليب المختلفة للصراع الاقتصادي:

(أ) الحصار الاقتصادي للخصم واحتواؤه داخل وحول مناطق نفوذه وتشديد الضغط عليه.

(ب) أسلوب التسلل غير المباشر؛ لهدم البنيان الاقتصادي للخصم ـ مادياً ومعنوياً.

(ج) تطبيق أساليب الاحتكار، والإغراق والمضاربة المالية.

(د) قد يكون التوسع الجغرافي أحد الأساليب غير المشروعة لحل مشكلات اقتصادية داخلية.

(3) الأساليب المختلفة لدعم التعاون الاقتصادي الدولي:

(أ) الانفتاح على السوق العالمي، وتحقيق المنافسة العالمية، واحتياج السوق العالمي.

(ب) الأحلاف والتكتلات الاقتصادية، والمناطق الحرة.

(ج) الإعلام والدعاية والمصداقية والشفافية، في إبراز مزايا أو قوة وضع الاقتصاد الوطني.

(د) خلق نوع من التبعية الاقتصادية، خاصة مع دول أقل ثراء.

3. إستراتيجية الاقتراب غير المباشر في المجال الدبلوماسي والسياسة الخارجية

أ.  إن الدبلوماسية إحدى أدوات السياسة الخارجية، ومجال نشاطها في دعم وإدارة العلاقات الدولية والتأثير على الرأي العام العالمي، والتعاون الدولي، وبحث التسهيلات والتحالفات والتكتلات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وذلك من خلال التمثيل والتفاوض الخارجي للدول أو مع المنظمات الإقليمية والدولية.

ب. وتتعلق السياسة الخارجية بمفهوم توازن القوى، ومفهوم الأمن الجماعي

(1) توازن القوى:

(أ) يتحقق بالتعادل أو شبه التعادل، في توازن القوى، بين محاور القـوى المضادة، وعندما يتحقق ذلك يسود السلام الدولي واستقلال الدول المعنية.

(ب) الوسائل المتبعة في تحقيقه

·   سياسة فرق تسد.

·      سياسة التعويضات الإقليمية وإعادة توزيع مناطق النفوذ.

·      سياسة التسلح للحصول على التوازن المطلوب.

·      التحالفات والتكتلات والتسهيلات والتعاون.

·      المناطق العازلة.

·      التدخل العسكري.

(2) الأمن الجماعي

(أ) هدف إلى الحيلولة دون تغير الواقع الدولي، أو الإخلال بأوضاعه وعلاقاته أو تبديلها، في اتجاه يخدم مصلحة دولة على حساب دولة أخرى، وذلك باتخاذ تدابير دولية جماعية لقوة ضاغطة ومضادة لمحاولات التغير.

(ب) بني تقديرات نظام الأمن الجماعي، في عدم الاحتكام إلى المنطق أو الأخلاقيات لردع العدوان، وإنما وضع العدوان في مواجهة قوى متفوقة، وهذا التفوق يشكل قوة رادعة تضمن بقاء الوضع القائم.

(ج) من الأساليب غير المباشرة، لبناء النظام خلق مصالح مشتركة، دعم/ خلق تهديد محتمل، إضعاف الأطراف، الدعاية لمزايا النظام، وبما يحقق احتياج الدول لبناء نظام إقليمي.

4. إستراتيجية الاقتراب غير المباشر في المجال الاجتماعي

أ. ويشمل كل ما يتعلق بالمجتمع والسكان، من حيث المجتمع وفئاته، ومستويات الصحة والتعليم والرفاهية والبطالة، والتنمية الاجتماعية، والتوجهات الثقافية والدينية والعقائدية.

ب. وهناك مجال اجتماعي داخلي، وتتشابه أساليبه مع المجال السياسي الداخلي، أما الخارجي فيشمل جميع الإجراءات التي تتخذ لإضعاف الدولة الخصم، مثل التفرقة بين المجتمعات والطبقات والفئات المختلفة.

(1) تجنيد عناصر موالية في الدولة الخصم؛ لتنفيذ مهام معينة ـ طابور خامس.

(2) دعم أعمال الإرهاب، والمخدرات، ونشر الأمراض المستعصية الفتاكة، والحروب البيولوجية ضد الدولة الخصم.

ج. كما أن الصراع الحضاري والغزو الثقافي من الوسائل الحديثة في حروب القرن الواحد والعشرين، والتي تكون موجهة لتحقيق أهداف محددة وغير مباشرة.

5. إستراتيجية الاقتراب غير المباشر في المجال المعنوي

أ. وتهدف إلى التأثير النفسي في القوى البشرية، وتوجيه الأفكار والعقائد توجيهاً خاصاً يتفق ومطالب الدولة. وتعمل على تحطيم الروح المعنوية وقوة إرادة الخصم، وفي مجال آخر تقوية الروح المعنوية وقوة إرادة الشعب دون ضعف أو استسلام.

ب. ويلعب الإعلام الموجة وأساليب الحرب النفسية وأساليب الدعاية السوداء ضد المجتمع دوراً هاماً وحيوياً في المجال السياسي والدبلوماسي، والسياسي الخارجي، والاقتصادي، والعسكري.

ج. ويستخدم في ذلك أساليب مختلفة مثل الإذاعة والتليفزيون، والصحافة والسينما، والنشرات، والعملاء، والشائعات، والحصار، والطابور الخامس.

د. ومن أبرز الأساليب التكرار، وعرض الحقائق، وتحديد هدف للإعلام أو الحرب النفسية أو الدعاية.

6. إستراتيجية الاقتراب غير المباشر وحروب المستقبل

أ.  في ذروة الحرب البرية ضد العراق، في أثناء عملية عاصفة الصحراء، ذكر أحد المتحدثين باسم القوات المسلحة الأمريكية، أن الهدف من وراء العمليات العسكرية الأمريكية هو "النفاذ إلى داخل دورة اتخاذ القرار للقيادة العراقية ولم يتضح وقتها ما هو المقصود بهذا التصريح، إذ ظنت وسائل الإعلام أنه يشير إلى نجاح أجهزة الاستخبارات لدول التحالف في كشف تفاصيل خطط الحرب العراقية، إلا أن الحقيقة هي أن فكرة اختراق دورة صنع القرار للعدو، هي الفكرة المحورية التي يتبلور حولها مفهوم أطلق عليه "حرب المعلومات"، والتي تهدد الحواسب الآلية، ومراكز التحكم الآلي، ونظم القيادة والسيطرة، إلا أن هذا النوع من الحروب قد تطور كثيراً في العصر الحديث ليشمل العديد من أعمال المخابرات، والاستطلاع، والحرب الإلكترونية، والتخريب الفني لنظم المعلومات، بما في ذلك حل شفرة البرقيات، والمحادثات وغيرها. وعندما بدأت فكرة حرب المعلومات، خلال الثمانينيات، ظهر معها مفهوم حروب المستقبل وتصوراتها المختلفة في الدول المتقدمة.

ب. نتيجة لاستمرار وتسارع التطور التكنولوجي العالمي، فإنه لم يستقر حتى الآن على شكل نهائي لحروب المستقبل Futurity Wars، وإن كان هناك بعض الصور، التي تم التوصل إليها واختبارها، في حروب العقد الأخير من القرن العشرين، ارتباطاً بما وصل إليه العلم والمعرفة من تطور، والخطط المستقبلية لهذا التطور، ويعتمد ذلك على عقيدة أطلق عليها "الحرب عن بعد" Tele-Warfare، وعقيدة "الحرب بدون قتل" Non - lethal Warfare، وعقيدة "حرب المعلومات" Info-warfare، وجوهر تلك العقائد يعتمد على الحرب بدون قتل، أو بلا دماء Without Blood، وفي صورة أخرى، تؤدى إلى تدمير الهدف المطلوب بأقل تدمير مصاحب حوله.

ج. ومن صور حروب المستقبل، حرب المعلومات وتشمل الآتي:

(1) حرب القيادة والسيطرة ـ C2W.

(2) حرب الاستطلاع ـ IBW.

(3) الحرب الإلكترونية ـ EW.

(4) العمليات النفسية ـ Psyops.

(5) حرب التحكم الآلي ـ Cyber War.

(6) الحرب من الداخل ـ Inside Warfar أو مهاجمة برامج النظم الآلية.

(7) الحرب في مجال الفضاء الخارجي.

د. وهناك صور أخرى متعددة للحروب، مثل الحرب البيئية، وحروب أسلحة البيئة المتطورة، التي تحقق إحداث زلازل وبراكين، وأعاصير، أو تغير طبيعة الأحوال الجوية، أو إرسال الحشرات المعدلة جنسياً لتدمير محصول زراعي معين. وهناك أيضاً حرب الطاقة الموجهة، والتي تؤدى إلى تلويث وقود الدبابات والعربات؛ لشل قدرتها على الحركة، وهو ما أطلق عليه الأسلحة المضادة للجر والحركة، أو باستخدام مواد أخرى، تؤدى إلى هشاشة المعدن Liquid Metal Embitterment، والتي بنثرها على أي منشأة أو معدة معدنية تجعلها هشة، قابلة للكسر، وغير صالحة للاستخدام أو "الحرمان من الاستخدام".

هـ. وتقسم حروب المستقبل إلى الآتي:

(1) الحروب صغيرة المدى (حرب محدودة)

وهي الأكثر احتمالا، والأكثر انتشاراً في المستقبل، ويستخدم فيها قوات ذات طبيعة خاصة، وتدريب وإعداد خاص، ويطلق عليهـا قوات العمليات الخاصة Special Operations، حيث تتخصص في تنفيذ عمليات عسكرية ذات طابع خاص، مع توفير تكنولوجيا متقدمة Hig-Tech من التسليح، تتناسب مع هذا النوع من الحروب المحدودة، فتكون أكثر فعالية، وتحدث أقل خسائر ممكنة، وتستخدم التكنولوجيا المتقدمة في التخطيط والإعداد والتدريب وتنفيذ العمليات، كما تستخدم التكنولوجيا في توفير أسلحة ذات مهام متعددة، وسهلة الاستخدام، وتوفر إمكانية العمل في الظروف الصعبة، وخاصة الإعاقة والاكتشاف المنخفض، وكذلك الاستفادة من مشروعات التطوير المخططة في استخدام الجينات والهندسة الوراثية، مثل خلق جندي محترف ذي صفات خاصة وبالعدد المطلوب أو باستخدام توارد الأفكار الصناعي.

(2) الحرب الفضائية Space War

وتمثل البعد الرابع للحرب، بالاعتماد المتزايد على الصواريخ والأقمار الصناعية، ويمكن من خلال الفضاء، التحكم في عوامل فنية معينة، تؤثر على ميزان القوى، وتصبح عمليات التجسس أكثر سهولة، وتظهر أنواع جديدة من الحرب الممتدة زمنيا، مثل ما يطلق عليه "القتل اللين" أو القتل الناعم Soft Killing، حيث يمكن تدمير أو إعادة برمجة الصواريخ ومراكز المعلومات لأي دولة، دون الاشتباك الفعلي في حرب دموية، ومتحاشياً التعرف على هوية الدولة المعتدية.

(3) حرب الروبوت Robot War

ظهر الروبوت في استخدامات متعددة، عسكرياً ومدنياً، وتم تطويره إلى الميكرو روبوت Micro Robot وبرز لنا جيل جديد أطلق عليه النانو روبوت Nano Robot اعتماداً على تكنولوجيا النانو، تكنولوجيا التصغير، (النانو جزء من ألف مليون من الميكرو)، ثم تكنولوجيا البيكو، (جزء من ألف جزء من النانو)، ومن ثم يصبح الروبوت بحجم الخلية الحية، ولذلك أمكن إنتاج الجندي المبيد Terminator، والذي يدار عن بعد، ويتميز بالذكاء الصناعي العالي في التعامل مع الأهداف في ميدان القتال، ويستخدم في تنفيذ مهام الاستطلاع أو الحراسة والتأمين، أو الإصلاح، أو فتح الثغرات، أو المهام ذات الخطورة العالية، عند استخدام الأسلحة الكيماوية، البيولوجية والنووية، وهناك أيضا الطائرات الموجهة بدون طيار RPV، ذات المهام المتعددة والحجم الصغير، والدبابة والعربة واللنش الروبوت.

(4) الحرب باستخدام الأسلحة الذكية

وتشمل دوائر الاستشعار، والألغام الإلكترونية والصواريخ الذكية، والدروع الإلكترونية، والأسلحة غير القاتلة المتعددة التأثير، والأسلحة ذات القدرة على التوالد الذاتي، وهي الأكثر خطورة بسبب عدم القدرة على التحكم في حصر أعدادها بعد إطلاق الدفعة الأولى، إضافة إلى العديد من الأسلحة الذكية الأخرى، حيث يتشكل منها ميدان حرب إلكتروني، والذي يُعد بديلاً عن الأسلحة التقليدية.

(5) حرب الليزر

وتشمل الاستخدامات المتعددة لطاقة الليزر في الميدان، لتخفيض حجم القتلى والوفيات، مع إحداث الآثار المطلوبة للأهداف الأخرى، وأيضا استخدام العوامل غير المرئية في الإخفاء والخداع وتشتيت العدو.

و. وإذا نظرنا إلى جميع صور حروب المستقبل، نجد أنها صور مختلفة لأساليب إستراتيجية الاقتراب غير المباشر، حيث نجد أن حرب المعلومات في جميع صورها تستهدف النفاذ إلى داخل دورة اتخاذ القرار للخصم، وهو في حقيقة الأمر اقتراب غير مباشر يحقق شل الخصم وإفقاده السيطرة على القوات. كما أن الاستخدامات المختلفة لأسلحة البيئة المتطورة وحرب الطاقة الموجهة والأسلحة المضادة للجر والحركة، تحقق إما تدمير الخصم بدون دماء، أو شل حركة قواته. وإذا انتقلنا إلى حروب المستقبل من حيث النوع، نجد أن الحروب صغيرة المدى أو الحروب المحدودة والحروب الفضائية، وحرب الروبوت، واستخدامات الأسلحة الذكية، والليزر، تطبيق لأساليب إستراتيجية الاقتراب غير المباشر لتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين، فهي تحقق تدمير الخصم بأقل خسائر أو بدونها، وبأقل تكاليف ممكنة، وأقل زمن متاح، أو تؤدى إلى شل الخصم وسهولة فرض الإرادة السياسة عليه.