إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الدولة العثمانية وأحداثها حسب التسلسل التاريخي من عام 656هـ، 1258م إلى عام 816هـ، 1413م






الحدود أثناء حكم يلدرم بايزيد
الحدود بعد وفاة مراد الأول
الحدود خلال حكم جلبي محمد
الحدود عند وفاة محمد الثاني
الحدود في عصر محمد الثاني
الفتوحات العثمانية وتواريخها



795هـ/1393م

مراد الثاني

(الفترة الثانية للحكم)

849-855هـ/1445-1451م

 

849هـ/1445م

جلوس "مراد الثاني" على سدة الحكم، في "أدرنة"

ويروى أيضاً عام 847هـ/1443م، وعام 848هـ/1444م. وقد أثبتت المسكوكات، التي تعود للفترة الأولى من حكم "محمد الثاني"، والتي ضربت عام 848هـ/1444م، أن التاريخ الأول خطأ. أما الرواية الثانية (أي التاريخ الثاني)، فهي ضعيفة. وعلى الرغم مما قاله الأمير آلاي "علي بك"، في "مجلة مجمع التاريخ العثماني"، بالاستناد إلى الفلوس المضروبة في "تيرة" و"آماسيا" و"بورصا"، في عام 848هـ/1444م، وحكم على جلوس "مراد الثاني"، للمرة الثانية، في هذا التاريخ، فيمكن أن تكون تلك الفلوس، ضربت قبل تخليه الأول عن الحكم بفترة وجيزة.

وبناءً على أقوى الروايات، فإن "مراداً الثاني"، الذي ولد عام 806هـ/1403-1404م، كان له من العمر، في هذا الجلوس الثاني، 41-42 سنة.

وكانت الفترة الأولى لحكم السلطان "مراد الثاني" ثلاثاً وعشرين سنة؛ وذلك من عام 824هـ/1421م وحتى 848هـ/1444م. أما الفترة الانتقالية، بين حكمه الأول وحكمه الثاني، وهي الفترة الأولى من حكم "محمد الثاني"، فهي سنة أو ما يزيد عليها قليلاً.

وتشرح المصادر العثمانية مسألة تخلي السلطان "مراد" عن الحكم، ثم جلوسه، للمرة الثانية، بصورتين اثنتين: فبموجب إحدى الروايات، شارك السلطان "مراد" في معركة "فارنا"، لا بصفة السلطان؛ وإنما بصفته قائداً عاماً، ممثلاً لابنه الجالس على سدة الحكم، في "أدرنة". فانتصر في الحرب، فعُلم، في أثناء عودته من فارنا إلى "أدرنة"، أن له ميلاً في الحكم، فقام السلطان "محمد الثاني" بتقديم اقتراح إلى والده بالعودة إلى الحكم؛ وذلك بتلقين من الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي". وترجى منه كل أركان الدولة، ومال إليه الجنود، وبعد تردد طويل، قبل "مراد الثاني" العودة إلى تولي الحكم، من جديد، فأرسل ابنه، "محمداً الثاني" إلى "مغنيسيا"، على الفور. إلا أن "محمداً الثاني"، الذي توهم من كلام الوزير الأعظم، "خليل باشا"، أن والده لن يقبل العودة إلى الحكم ـ لم يسر بتلك النتيجة، ولم يكن ينتظرها؛ بل إنه قال للقاضي عسكر الشهير "ملا خسرو"، الذي رافقه إلى "مغنيسيا" مشتكياً من "خليل باشا": كيف خدعني هذا الرجل! فطيب "الملا خسرو" خاطره. إلا أن هذه الحيلة من "خليل باشا" توطنت في نفس "محمد الفاتح"، فأبغضه حتى النهاية؛ بل إن هذا البغض والضغينة على "الباشا" كان لهما تأثير في مصيره.

أما الرواية الثانية، الواردة في المصادر العثمانية، فهي مختلفة عن الرواية الأولى؛ فبناءً على هذه الرواية الثانية، فإن "مراداً الثاني" غادر "مغنيسيا"، وجاء إلى "أدرنة"، فجلس، للمرة الثانية، وذهب إلى معركة "فارنا"، بصفته سلطاناً، ورجع منها كذلك. إلا أنه تخلى عن عرضه، للمرة الثانية، وذهب إلى "مغنيسيا". وبتلك الصورة، وبناءً على انتصار "فارنا"، جلس "محمد الثاني" على سدة الحكم، للمرة الثانية. إلا أنه بعد مضي فترة من الوقت، ونظراً إلى الحريق الكبير، الذي نشب في "أدرنة"، قام الإنكشارية بتمرد، بحجة نقص وزن الآقجة العثمانية، التي ضربت في الفترة الأولى من حكم "محمد الثاني"، طالبين رفع وزن الآقجة. فمنحوا نصف الآقجة زيادة، وتم تسكين هياجهم. إلا أن الوزير الأعظم، "خليل جاندارلي"، الذي تيقن أن هذه الأزمة، لا يمكن أن تستمر على هذا النحو، وغيره من الوزراء، أرسلوا دعوة سرية إلى السلطان "مراد الثاني" للحضور. فقام "مراد الثاني"، بناءً على ذلك، بالانتقال، على وجه السرعة، إلى "كلي بولي" متوجهاً إلى "أدرنة". ودخل المدينة، بعد أن أُسقط ابنه، "محمد الثاني" من السلطة؛ فجلس على سدة الحكم، للمرة الثالثة. وأرسل "محمد الثاني" إلى "مغنيسيا"، من جديد، مع "صاروجا باشا"، الذي عين مربياً له. ويروى أن "زاغانوس باشا"، الذي كان مؤيداً للسلطان الصغير، أحيل إلى التقاعد، وأرسل إلى "باليكسير". ولما علم "محمد الثاني" دور الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي" فيما بعد، عقد عقدة عليه في قلبه بصورة دائمة.

فإذا كان هذا الشرح الأخير صحيحاً، فإن "مراداً الثاني" وابنه، "محمداً الثاني"، لم يجلسا مرتين، وإنما جلس كل منهما ثلاث مرات على سدة الحكم. وهذا يعني أن الروايتين متفقتان على وجود نزاع ومنافسة، بين الأب والابن، في الحكم.

ويبدو أن كل تلك الروايات الغريبة، والأوضاع المختلطة، لا يمكن توضيحها بدقة، إلا إذا وجدت وثائق جديدة في المسألة.

 

850هـ/1446م

حملة "مراد الثاني" على "المورة"، وفرض الخراج عليها

مات أمير "المورة"، "تيودورس الثاني" في عام 847هـ/1443م، وحل محله أخو الإمبراطور البيزنطي، "يؤانس الثامن"، "كوستانتينوس دراغاسيس" و"توماس بالأولوغوس". والحقيقة أن هذين الأميرين، كانا مديرين لقسم من "المورة" من السابق. فبناءً على وفاة "تيودورس الثاني"، بقيت الأراضي البيزنطية في هذه المنطقة، بيد الأميرين المذكورين. وكان "كوستانتينوس"، الذي يطلق عليه "دراغاسيس"، أصبح، فيما بعد، خلفاً للإمبراطور البيزنطي، "يؤانس الثامن"، وهو الإمبراطور الأخير للإمبراطورية البيزنطية، الذي انهزم أمام السلطان "محمد الفاتح". وقد رقي كرسي الإمبراطورية البيزنطية بعد سنتين، لما مات "يؤانس الثامن".

وكان السبب، الذي أدى بالسلطان "مراد الثاني" إلى القيام بالحملة على "المورة"، قيام أمير "المورة" "كوستانتينوس" بالاستيلاء على المدن المورية، التي كانت للعثمانيين، مستفيداً من الحروب البلقانية. ولم يكتف بذلك، بل استمر في التوجه إلى شمال اليونان، حيث استولى على بعض الأماكن في "تساليا". بل تذكر رواية، أنه تجاوز الحدود إلى درجة أنه قام بمطالبة السلطان "مراد الثاني"، بالتخلي عن الأراضي الواقعة في شمال برزخ "كورنتوس".

ويوجد في برزخ "كورنتوس" سد كبير، على امتداده، بغية منع الأتراك من القيام بالاستيلاء على "المورة"، وذلك منذ عهد الإمبراطور البيزنطي، "مانوئيل الثاني". وهذا السد، الذي سماه البيزنطيون بـ"أكسامليون"، والأتراك بـ"كرمة حصار"، كان قد استحكم بالعديد من الأبراج المنيعة، كما حفر على أطرافه خندق عميق. وتقع بلدة "كورنتوس"، التي سماها الأتراك "كوردوس"، خلف هذا السد. وبناءً على اسم المدينة واسم السد، أطلق الأتراك على هذا "كرمة حصار"، "سد كوردوس". غير أن تلك الاستحكامات الكبيرة، قد تم هدمها من لدن الأتراك، بعد ثماني سنوات من بنائه. ولقد قام، هذه المرة، أميرا "المورة" الأخوان بتجديد السد وتعميره؛ بغية الدفاع عن "المورة" ضد الاستيلاء التركي. فبناءً على هذا الوضع، قام "مراد الثاني" بالحملة على "المورة".

في هذه الفترة، لم تكن كل "المورة" بيد الأمراء البيزنطيين؛ فعلى الرغم من قيام هذين الأخوين باسترداد المدن المورية، التي كانت تحت إدارة اللاتين، فإن "كورون" و"مودن"، الواقعتين في الجنوب، ما زالتا في حكم المستعمرات البندقية. بل يذكر أن البنادقة، طلبوا منهما ترك مدينة "كرمة حصار" لهم؛ بغية القيام بالدفاع عنها ضد الأتراك، على وجه أحسن من دفاعهما عنها. ومن جهة أخرى، فقد طلب أمير "أتينا"، الفلورانسي "نري"، الذي تعرض لتهديد أميرَيْ "المورة"، حماية الدولة العثمانية، ودخل تحت تبعيتها.

ولقد فتح "مراد الثاني"، تحت ضغط نيران المدفعية، ثقوباً في سور "كرمة حصار"، فاستولى على بلدة "كورندوس/كوردس"، أولاً، ثم استولى على "المورة"، من أقصاها إلى أقصاها. ولقد تم الحصول على الأسرى، إلى درجة "أن الجارية الجميلة، كانت تباع بمائة آقجة". وتم استرداد مدينة "باتراس"، التي سماها الأتراك "باليابادرة"، ووضعت عليها قطع من المحافظين.

ولما تردت الأوضاع على هذا النحو، لم يجد أمير "المورة"، "كوستانتينوس بالأولوغوس"، ملاذاً من اللجوء إلى "مراد الثاني"، حيث أمن على كيانه، من خلال الموافقة على الشروط، التي فرضت عليه، ومنها هدم الأماكن السليمة من سد "كرمة حصار"، وقبول الحكم العثماني، ودفع خراج سنوي إلى الخزينة العثمانية.

 

851هـ/1447م

تمرد "إسكندر بك" في ألبانيا، ووضع الحصار الأول على "كرويا/آقجة حصار"

إن مدينة "كرويا /كروجا"، التي سماها الأتراك "آقجة حصار"، كانت مركزاً وقاعدة أساسية لأمير "ألبانيا"، الذي اشتهر، في المصادر الغربية، باسم "سكاندربرج"، نظراً إلى الحروب، التي خاضها ضد العثمانيين، في عهدي "مراد الثاني" و"محمد الثاني" (الفاتح). وهذا الأمير الألباني، الذي سماه الألبان بـ"سكاندربكا"، ينتسب إلى أسرة "كاستريو"، التي كانت تحكم شمالي ألبانيا. واسمه الحقيقي "جورجس كاستريوت". وهو ابن "جيون كاستريوت"، أمير "ميرديتا"، الواقعة في شمالي "ألبانيا". وفي حملة على "ألبانيا"، قبل أربع وعشرين سنة، قبل "جيون كاستريوت" الحكم العثماني، واضطر إلى ترك أربعة من أولاده رهائن لدى العثمانيين، وذلك بموجب رواية؛ أو أنه ترك أصغر أولاده "جورج كاستريوت"، بموجب رواية أخرى. وهذا الأمير، الذي ربي، منذ ذلك الوقت، في القصر العثماني، يروى أنه اهتدى إلى الإسلام، وأخذ اسم "إسكندر بك"، بعده اسماً إسلامياً. وقد استخدم في الجيش التركي سنوات عديدة، بل إنه أصبح قائداً لبعض القطاعات العسكرية.

ولما مات والد "إسكندر بك"، "جيون كاستريوت"، لم تمنح إمارة "ميرديتا"، التي كانت تحت الحكم العثماني لابنه، "إسكندر"؛ وإنما ألحقت مباشرة بالدولة، بعد أن تم الاستيلاء عليها. فيروى أن "إسكندر بك"، تأثر بهذا التصرف، وقام بالتمرد في وجه الدولة.

ويشار إلى أن هروب "إسكندر بك"، من الجيش العثماني، وتوجهه إلى "ألبانيا"، كان في الفترة، التي تجري فيها معركة "إزلادي"، عام 847هـ/1443م. وبناءً على إحدى الروايات، فإنه بعد مرور أسبوع واحد على تلك المعركة، التي وقعت في يوم الأحد، 10 رجب، الموافق 3 نوفمبر من تلك السنة، هرب "إسكندر بك" من الجيش العثماني، مستفيداً من خضم الأوضاع، التي أعقبت تلك الهزيمة. ومع ذلك، فهناك رواية أخرى، تفيد أنه هرب قبل المعركة بفترة وجيزة، أي يوم الإثنين، 4 رجب، الموافق لـ 28 أكتوبر. بل يذكر أنه لما هرب، هدد رئيس الكتاب، أو صاحب طغراء "مراد الثاني"، بالخنجر، وأخذ منه مرسوماً مزوراً بتسليم "آقجة حصار" إليه؛ ثم قام بقتل الرجل، الذي كتب له المرسوم، وتوجه إلى البلد. وبناءً على هذه الرواية الغريبة، ذهب، "إسكندر بك"، مع ابن أخيه، "حمزة بك"، إلى "ألبانيا الشرقية"، وأبرز الوثيقة المزورة لمحافظ القلعة، حيث تمكن من التوطن في "آقجة حصار". ثم قام بقتل كل الأتراك فيها، وجمع حوله أمراء "ألبانيا"، وارتد عن الإسلام إلى النصرانية، من جديد؛ وترك اسمه السابق "إسكندر بك"، وأخذ اسمه القديم "جورجس كاستريوت". وبتلك الصورة، أصبح قائد الحركة الوطنية الألبانية.

وحتى ينجح "إسكندر بك" في محاولته، استند، أولاً، إلى البنادقة، حيث قام بجمع ممثلي الأسر الألبانية، في كنيسة "سنت نيكولاس" في بلدة "لش/آلسيو"، التي كانت تحت إدارة البنادقة، وذلك في يوم الأحد، 11 من ذي القعدة 847هـ، الموافق للأول من مارس 1444م. وعلى الرغم من أنه أقنعهم بانتخابه قائداً عاماً، فإنه لم يستطع إقناع كل الألبان بقيادته. وعلى سبيل المثال، فإن أسرة "دوكاكين"، لم تعترف به قائداً عاماً أبداً. وعلى الرغم من ذلك، فإن الذين تمكن من جمعهم حوله، ضمنوا له القيام بالتمرد، حيث التقى "علي بك بن أفرنوس" في أول معركة له ضد القوات التركية، في يوم الإثنين، 12 ربيع الأول 848هـ، الموافق لـ 29 يونيه 1444م في قرية "تورفيوللي"، بجوار مدينة "دبرة"، وخاض فيها أهم معركة له. ومع أنه خسر في هذه المعركة نحو أربعة آلاف مقاتل، فإنه نجا من الموت؛ وعد الألبان هذه النجاة انتصاراً.

وقد بدأت الحملة، التي قام بها "مراد الثاني" على "ألبانيا"، بسبب ذلك التمرد المستمر، حيث تم استرداد بعض المواقع والاستيلاء عليها. وعلى الرغم من ضرب الحصار على قلعة "آقجة حصار"، فإنه لم يتم الاستيلاء عليها، بسبب منعة استحكاماتها. ونظراً إلى عدم التمكن من القبض على "إسكندر بك"، الذي فر إلى الجبال، فقد استمرت المشكلة الألبانية لمدة خمس وعشرين سنة، وذلك في عهدي "مراد الثاني" و"محمد الفاتح". وبموجب الروايات العثمانية، فإن "آقجة حصار"، استسلمت بعد مرور شهرين على الحصار، نظراً إلى نفاد المياه.

ويذكر مختلف الروايات، أن "إسكندر بك" هذا، هو من السلافيين، سواء من جهة الأب أو من جهة الأم. وكان الموقع الأصلي لأسرة "كاستريوت" هو "ماتيا". وهذه الأسرة، لم تتمكن من مدينة "آقجة حصار/كرويا"، إلا من خلال المرسوم المزور. ولذلك، فإن إشارة بعض المصادر إلى أن قيام "إسكندر بك" بالاستيلاء على "آقجة حصار"، بالحيلة، في يوم الأربعاء، 20 رجب، الموافق لـ12 نوفمبر، إنما كان استرداداً لملك آبائه ـ غير صحيحة. وهناك أسطورة أخرى، شبيهة بتلك؛ تفيد أن ممثلي الأسر الألبانية، الذين اجتمعوا في بلدة "لش/آلسيو"، أعلنوا "إسكندر بك" ملكاً على "ألبانيا". والحقيقة أن "إسكندر بك"، لم يصبح ملكاً، في وقت من الأوقات. إلا أنه لقب بالقائد العام الألباني ضد الأتراك.

ميلاد الأمير بايزيد بن "محمد الثاني"

الأمير "بايزيد" هذا، هو، الذي رقي العرش العثماني، بعد والده "محمد الثاني" (الفاتح)؛ وهو والد السلطان "سليم"؛ الملقب بـ"الياوز". ويذكر أيضاً أن ميلاده كان في عام 856هـ/1452م، أو في عام 857هـ/1453م.

وبموجب إحدى الروايات، فإن اسم أمه، هو "جول بهار خاتون". إلا أن هناك رواية أقوى منها، تفيد أن أم "بايزيد الثاني"، هي أميرة من بني "دولقادر"، اسمها "مكرمة خاتون". إلا أن تاريخ زواج والده هذه الأميرة، كان يصادف عام 853هـ/1449م؛ وإذا كانت هذه الرواية الثانية صحيحة، فينبغي أن يكون "بايزيد الثاني" قد ولد في إحدى السنتين المذكورتين. واحتمال تصحيح هذا التاريخ وارد، من خلال السجلات الوقفية الثابتة.

 

852هـ/1448م

معركة "كوسوفا" الثانية

لقد أراد البطل الوطني المجري، "يانكو هونياد" الاستفادة من المشكلة الألبانية، بغية الانتقام للضربة الموجعة، التي أصابته في معركة "فارنا". وقد تولدت معركة "كوسوفا" الثانية من رغبة المجر في الانتقام. وفي هذه المرة، طلب "يانكو هونياد" المساعدة من الأوروبيين، ووفق في تشكيل قوة، تشكلت من الألمان والإيطاليين والمجر والتشيكيين والرومانيين. ويذكر أن عدداً من الألبان أيضاً، كانوا موجودين في هذا التشكيل. بل يشار إلى أن الفارس الألباني الشهير "إسكندر"، تعهد بالالتحاق بالجيش، على رأس قوة. إلا أن الحركة السريعة، التي قام بها الجيش التركي، لم تمنح أي فرصة لتحقيق ذلك. ونظراً إلى وفاء الملك الصربي، "برانكوفيج"، والإمبراطور البيزنطي، "يؤانس الثامن" بما عاهدا عليه "مراداً الثاني"، فإن في هذه المرة، العساكر الروم والصرب، لم يشتركوا في معركة "كوسوفا" الثانية. وكانت معركة "كوسوفا" الأولى، قد وقعت في عهد "مراد الأول".

وتذكر بعض المصادر الغربية، أن عدد أفراد الجيش التركي، في معركة "كوسوفا" الثانية هذه، كان مائة وخمسين ألفاً؛ في الوقت، الذي كان فيه عدد الجيش الصليبي، بين 24 و25 ألف نسمة. ولقد تأكد عدم صحة هذه الأرقام، من خلال الأبحاث الأخيرة؛ إذ إن الحقيقة أن عدد جيوش الطرفين، كانت بحدود الخمسين ألفاً.

ولقد أرسل حاكم دولة "قره مان" في هذه المعركة، قوات مساندة للعثمانيين؛ على الرغم من أن "مراداً الثاني"، لم يطلبها.

وبما أن الملك المجري، في تلك الفترة، كان صغيراً، فقد قاد "يانكو هونياد" الحرب بصفته نائباً عن الملك.

وكان الجيش المجري، الذي تقدم إلى الأمام، بعد أن اجتاز نهر "طونا"، بدأ بالاستيلاء على "صربيا"، التي كانت تحت الحماية العثمانية. وكان هذا الجيش، يود أن يتحد مع القوات، التي يأتى بها "إسكندر بك"، بغية الاستيلاء على "مقدونية".

وبما أن "مراداً الثاني"، قد أخبر بهذه السياسة، في حينها، فقد تقدم إلى الأمام، حتى صحراء "كوسوفا"، فالتقى العدو. وبناءً على هذا الوضع، فإن "يانكو هونياد"، لم ينتظر مجيء قوات "إسكندر بك"، واضطر إلى خوض الحرب.

ولقد استمرت معركة "كوسوفا" ثلاثة أيام. وقد مر اليوم الأول، الذي يصادف يوم الخميس، 18 شعبان، الموافق لـ17 أكتوبر من هذه السنة، ببعض المصادمات. أما في اليوم الثاني، الجمعة، 19 شعبان، الموافق لـ 18 أكتوبر، فقد وقعت معركة كبيرة، لاذ، على إثرها، الرومانيون والمجر بالفرار، في حالة بائسة. بل يذكر أن "يانكو هونياد"، لم يجد أمامه، في تلك الليلة، سوى الهروب؛ للنجاة بروحه من موت محقق. وفي اليوم الثالث، الذي يوافق السبت، 20 شعبان، الموافق لـ19 أكتوبر، تم تدمير القوات الألمانية، التي كانت تستند إلى المدافع، وتم الحصول على العديد من الأسرى.

ويذكر أن فاتح "إستانبول" المستقبلي، "محمد الثاني"، شارك والده في هذه المعركة. وبما أن المؤرخ الشهير، "عاشق باشا زاده"، قد شارك في المعركة، فإنه يذكر أنه قتل أحد الكفار بيده.

وبما أن "يانكو هونياد" قد هرب، مع بعض أتباعه، في هذه المعركة، وأنقذ روحه، كما كان أمره في معركة "فارنا" ـ فقد أفل نجمه الساطع تماماً، بل إنه اتهم بالخيانة أيضاً.

 

853هـ/1449م

حفلة عرس "محمد الثاني"، في "أدرنة"

لقد تزوج فاتح "إستانبول" المستقبلي، "محمد الثاني"، "الست مكرمة خاتون"، ابنة حاكم "دولقادر"، "سليمان بك". ويذكر أن العرس الحافل، الذي أقيم له، استمر ثلاثة أشهر؛ حيث جرى في هذه الفترة العديد من الأفراح، اشترك فيها الأهالي والعساكر.

ويوجد اختلاف في تاريخ هذه الحفلة؛ وقد قيل إنها كان في عام 850هـ/1446م؛ وقيل في عام 854هـ/1450م.

وهذا العرس الحافل، استمر من يوم الإثنين، 27 رجب، الموافق لـ 15 سبتمبر من هذه السنة، لثلاثة أشهر، حيث انتهى في يوم الإثنين، 29 شوال، الموافق لـ15 ديسمبر. ورجع بعدها "محمد الثاني" من "أدرنة" إلى مركز ولايته، "مغنيسيا". وبناءً على أقوى الروايات، فإن محمداً الثاني، الذي ولد في عام 835هـ/1432م، كان له من العمر، في تلك الفترة، سبعة عشر عاماً.

وبتلك الصورة، فقد أسس العثمانيون قرابة سياسية مع بني "دولقادر"، وللمرة الثانية، ضد بني "قره مان" و"آق قيونليلر". وأول من تزوج من هذه الأسرة، من سلاطين الدولة العثمانية، هو "محمد الأول". ويذكر أنه تزوج "أمينة خاتون"، ابنة حاكم "دولقادر"، "سُلي بك"؛ وأن "مراداً الثاني"، كان قد ولد من هذا الزواج. وبناءً على هذا الوضع، فإن "محمداً الثاني" تزوج ابنة من أسرة جدته.

وأم "بايزيد الثاني"، هي هذه، "مكرمة"، أو "مكرمة خاتون". وعلى الرغم من أن هذه الرواية، تستند إلى بعض النصوص الوقفية، فإن التأليف بينها وبين هذا التاريخ غير ممكن؛ لأنه بناءً على أقوى الروايات، فإن "بايزيد الثاني"، ولد قبل هذا التاريخ بسنتين، أي في عام 851هـ/1447م. وعلى الرغم من أن والدته، هي "مكرمة خاتون"، فيبدو أن التاريخ، الذي أشير إلى أنه تاريخ زواج "محمد الثاني" (الفاتح)، وهو عام 850هـ/1446م ـ ينبغي أن يكون صحيحاً؛ ثم أن يكون تاريخ 853هـ/1449م، الذي روي بوجه أقوى، خاطئاً.

وبموجب رواية أخرى، فإن والدة "بايزيد الثاني"، ليست هي "مكرّمة" أو "مكرمة خاتون"؛ وإنما هي "جول بهار خاتون".

فتوحات "ألبانيا"

في الوقت، الذي كان يقوم فيه القائد الألباني، "جورج كاستريوت/إسكندر بك"، بالمقاومة ضد الأتراك، كان يعمل اتحاداً مع البنادقة ضد الأتراك أيضاً. بل إنه بذلك التصرف، كان يدخل في وضع كأنه موظف مرتزق لدى البنادقة. فعلى سبيل المثال، كان، بموجب معاهدة، عقدها في يوم الجمعة، 5 شعبان 852هـ، الموافق لـ 4 أكتوبر 1448م، مع البنادقة، خصص هو وورثته البنين، في السنة، بـ1400 دوقة ذهباً، وإضافة إلى أنه ترك المدينة، مقابل هذا المبلغ الزهيد، للبنادقة، فقد تعهد للمتملكين، أنه لن يقوم بهجوم عليهم أبداً. وهذا يعني أن حملة "مراد الثاني" على "ألبانيا"، كانت ضرورة فرضتها الظروف. ولقد تم في هذه الحملة الاستيلاء على مدينتي "دبرة" و"سفتيجراد"؛ كما تم الحصول على بعض الأسرى؛ إلا أنه لم يتم القبض على "إسكندر"، بسبب وجوده في الجبال.

 

854هـ/1450م

الحملة الأخيرة لـ"مراد الثاني"، والحصار الثاني لـ"كروفا/آقجه حصار"

وبما أن عام 853هـ/1449م، يذكر أيضاً تاريخاً لهذه الحملة، فإن فتوحات "ألبانيا"، الواردة في الفقرة السابقة، قد تكون هذه الحملة استمراراً لها. والمصادر، الشرقية والغربية، تخلط بينهما.

ويذكر أن عدد أفراد الجيش العثماني، في هذه الحملة، هو مائة ألف رجل، أو مائتا ألف؛ ولكن المؤكد وجود مبالغة كبيرة في هذه الأرقام.

وبما أن الرواية الواردة، تفيد أن حصار "كرويا/آقجة حصار"، قد استمر خمسة أشهر، ثم رفع في شهر شوال، الموافق لشهر نوفمبر، فإنه ينبغي أن يكون بدؤها في شهر جمادى الآخرة، الموافق لشهر يوليه.

ويذكر أنه بالإضافة إلى المحاصَرين، كان الألمان والفرنسيون والإنجليز والصرب، يدافعون عن القلعة. وكانت ثلاثون مدفعاً استخدمت في القلعة، بإدارة فرنسية. وهذا الموقع الصربي، المستحكم، الذي اتخذه العاصي "إسكندر بك"، أو بالأحرى "جورجس كاستريوت"، مركزاً للمقاومة ـ كان يقوم، في تلك الفترة، بوظيفة إزعاج الجيش التركي، من خلال حرب العصابات، من الخارج. وكان يوجد على محافظة القلعة الكونت "أورانا".

ويذكر أن ولي العهد، "محمداً الثاني"، كان موجوداً أيضاً في حصار "آقجة حصار" مع والده "مراد الثاني".

والسبب الذي أدى رفع الحصار عن القلعة، التي تقع على تلة مرتفعة، قبل فتحها، بعد أن تم ضربها بالمدافع، التي تزن قذيفتها قنطارين، ولمدة خمسة أشهر متواصلة ـ كان وصول الأنباء، التي تفيد باستعدادات القوات المجرية، للقيام بهجوم جديد على الجيش العثماني. ولذلك، فإن حملة "مراد الثاني" الأخيرة على "ألبانيا"، قد انتهت بفتح "برات".

وقد ذكرت بعض المصادر الغربية، أن السلطان "مراداً الثاني"، قد مات في هذا الحصار؛ إلا أن ذلك غير صحيح.

 

855هـ/1451م

وفاة "مراد الثاني"

لقد توفي السلطان "مراد الثاني" في "أدرنة". والروايات، التي تورد نبأ وفاته، مختلفة؛ فبناءً على إحدى الروايات، فإنه في أثناء تجوله في جزيرة "كرشيجي"، الواقعة على نهر "مريج"، وفي عودته منها راكباً فرسه، أخذ البرد، فمرض. وبموجب رواية أقوى منها، أنه توفي إثر إصابته بمرض النزلة. ويروى أن والده، "محمداً الأول"، مات أيضاً بهذا المرض.

وإن كان هناك اتفاق في سنة الوفاة بشكل عام، فإن هناك اختلافاً في تاريخ اليوم والشهر. فبموجب المصادر العثمانية، توفي في أول أربعاء من شهر المحرم، وذلك بعد أن وقع طريح الفراش، لمدة ثلاثة أيام، حيث مات في اليوم الثالث؛ وأول يوم من المحرم، يصادف يوم الأربعاء، الثالث من شهر فبراير، والثالث من المحرم، يوافق يوم الجمعة، الخامس من شهر فبراير. ويذكر في بعض المصادر الغربية يوم الثلاثاء، 7 المحرم، الموافق لـ 9 فبراير؛ إلا أنه بالنظر إلى الكتابة الموجودة على قبره، في "بورصا"؛ وهي الرواية الصحيحة، فإن الوفاة حصلت الأربعاء، الأول من المحرم، الموافق لـ3 فبراير في وقت الضحى، أي ما بين الساعتين 10 و11 صباحاً.

وبناءً على ميلاد السلطان "مراد"، بموجب أقوى الروايات، في عام 806هـ/1403-1404م، فإنه لما توفي، كان له من العمر 47-48 سنة. وأمه هي "أمينة خاتون"، ابنة حاكم "دولقادر"، "سُلي بك".

وقد حكم السلطان "مراد الثاني"، في الفترة الأولى من سلطته، ثلاثاً وعشرين سنة، من عام 824هـ/1421م، وحتى عام 848هـ/1444م. أما الفترة الثانية، فقد كانت ست سنوات، من عام 849هـ/1445م، وحتى عام 855هـ/1451م؛ وبذلك حكم الدولة العثمانية، بمجموعهما، تسعاً وعشرين سنة.

ويذكر أن السلطان "مراداً"، قد سجل وصيته، قبل وفاته. وذكر فيها، أن خلفه في الحكم، هو "محمد الثاني"؛ وأنه عين الوزير الأعظم، "خليل باشا جاندارلي" وصياً عليه؛ وأنه أبرز هذه الوثيقة لوزرائه، على فراش الموت، حتى يكونوا شهداء عليها. بل يذكر أنه وصى بأن فتح "إستانبول"، هو أهم أساس، ينبغي العمل على تحقيقه.

ويعد هذا السلطان أول من أرسل "الصرة" إلى أهالي الحرمين الشريفين، حيث أصبح ذلك سياسة إسلامية متبعة لديه؛ حتى يكسب مرضاتهم. وعلى الرغم من ذلك، فهناك رواية تفيد، أن تنظيم "الصرة"، بدأ في عهد سلفه "محمد الأول".

ومن ضمن أهم الآثار العمرانية، التي قام ببنائها السلطان "مراد الثاني"،الجامع الموجود في "أدرنة" بثلاث شرفات؛ وجسر "أركنة".

ويعد السلطان "مراد" مهماً أيضاً، من حيث تاريخ التتريك؛ إذ إنه أمر بكتابة وترجمة العديد من المؤلفات باللغة التركية، ووضع شعراء الأتراك وعلماءهم تحت حمايته. وبذلك، أصبح باكورة لحركة الثقافة الوطنية، التي قال عنها المستشرقون: أولى الحركة الأدبية التركية. وكان من أهم المؤلفات التركية، التي كتبت بأمر السلطان "مراد الثاني"، كتاب "تواريخ آل سلجوق"، الذي يحوي تقاليد قبيلة "أوغوز" (الغز)، لمؤلفه "علي أفندي يازيجي أغلو"، وكتاب "دانشمند نامه"، الذي يتناول فتح الأناضول، في القرن الحادي عشر الميلادي، لمؤلفه "ملا عارف علي"؛ وكتاب "حسرو وشرين"، لمؤلفه "شيخي"؛ وكتاب "قابوس نامه"، لمؤلفه "مرجمك أحمد"؛ وغير ذلك من المصادر القيمة، من حيث تاريخ اللغة التركية. وكان من أهم تلك الكتب أيضاً كتاب "المحمدية"، الذي يعد كتاباً نادراً، من حيث الأدب الديني، لمؤلفه "محمد أفندي يازيجي أغلو". والسلطان "مراد الثاني" مؤيد للغة التركية الواضحة؛ إذ إن كتاب "قابوس نامه"، الذي ترجمه "مرجمك أحمد" من اللغة الفارسية، وجد مترجمه أن السلطان لم يرض بالترجمة، التي قام بها غيره، وأنه لما حضر مجلس السلطان، في "كلي بولي" في أحد الأيام، قال له:

ـ ترجمه شخص، إلا أنه ليس ولي روشن.

ثم قال، بعد ذلك:

ـ لو كان هناك أحد، وقام بترجمة واضحة.

وأنه (أي مرجمك أحمد) قام بترجمة جديدة للكتاب باللغة التركية. والسلطان "مراد الثاني"، هو أول من قام بضرب المسكوكات العثمانية، التي تحوي "أن أتراك الأوغوز (الغز) هم من فخذ قايي". والحقيقة أن الحديث عن ارتباط النسب العثماني، أول مرة، بنسل "قايي خان"، يبدأ في هذا العهد؛ بل إن إضافة أسماء، مثل: "أوغوز" و"قورقود"، إلى التاريخ التركي ما قبل الميلاد ـ كانت امتداداً لحركة التتريك، التي شكلها "مراد الثاني". وبناءً على رأي "بول ويتك"، فإن "مراداً الثاني"، أخذ هذه الآراء القومية في شبابه، لما كان والياً على منطقة "آماسيا"؛ فمنذ عهد الدانشمنديين، كانت هذه المنطقة محافظة على التقاليد والعادات التركية، حيث أصبحت أهم عامل في قيام الدولة العثمانية، بعد تجميع أوصالها بالروح الوطنية، التي منحتها للسلطان "محمد جلبي الأول"، بعد كارثة "أنقرة". ثم لقنت ابنه، "مراداً الثاني" شعوراً وطنياً قوياً، بحيث يقوم بفتح تيار التتريك. ويبدو أن السلطان "مراداً الثاني"، يعد وجهاً مهماً، ومشرقاً، وله مكانته العالية في تاريخ القومية التركية. ولذلك، فإن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث وتمحيص.

ويعد "مراد الثاني" هو أول شاعر من بين السلاطين العثمانيين.

ولما توفي السلطان "مراد الثاني"، أخفي نبأ موته 12-13 يوماً؛ أو بموجب رواية أخرى، 16 يوماً، إلى حين وصول ابنه، "محمد الثاني" من "مغنيسيا" إلى "أدرنة". ثم نقلت جثته إلى "بورصا"؛ والسلطان "مراد الثاني" هو آخر السلاطين العثمانيين المدفونين في "بورصا".

والسلطان "مراد الثاني"، هو ثاني سلطان عثماني، يخفى نبأ موته، بعد السلطان "محمد الأول".