إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الجن









مقدمة

المبحث الأول

عالم الجن

أولاً: أنواع الجن عند العرب

ذكر (الجاحظ) أن الأعراب تجعل الخوافي والمستجنات جنسين، يقولون جنَّ وحَنَّ. وقصد بـ (الخوافي) الأرواح؛ لأنها لا ترى. وذكر غيره أن (الحن)، حي من الجن، كانوا قبل آدم، (يقال منهم الكلاب السود البهم، يقال كلب حِنِّي)، أو سفلة الجن وضعفاؤهم أو كلابهم، ومنه حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، " الكلاب من الحن، وهي ضعفة الجن، فإن كان عندكم طعام فألقوا لهن، فإن لهن أنفساً، أي تصيب بأعينها ". وذُكر أن (الحن) خلق بين الجن والإنس.

ثانياً: خلق الجن

الجن مخلوقون من النار، كما في قوله تعالى: ]وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ[ (سورة الحجر: الآية 27)، وكذلك في قوله تعالى: ]وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ[ (سورة الرحمن: الآية 15).

والمارج: الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد. ومارج النار: هو طرف اللهب، وطرف اللهب هو خالص اللهب وأحسنه، كما قال ابن عباس. وعن عبد الله بن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم، التي خلق منها الجان، ثم قرأ الآية، وعن عمرو بن دينار: من نار الشمس.

وفي الحديث عن عائشة عن النبي، قالت: قال رسول الله r: ]خُلِقَتْ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ[ (رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، الحديث الرقم 5314).

ثالثاً: زمن خلق الجن

من الواضح في القرآن الكريم أن خلق الجن سبق خلق الإنسان، كما في قوله تعالى: ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ[ (سورة الحجر: الآيتان 26، 27).

فالخبر هنا واضح في أن الجان مخلوق قبل الإنسان. وقال بعض علماء المسلمين أن الجن خُلقوا قبل آدم، بألفي سنة. وكان خلقهم "يوم الخميس".

رابعاً: أصل الجن وعلاقته بالطاقة

يرى بعض الباحثين أن أصل الجن طاقة حرارية، وذلك بناءً على النصوص القرآنية، التي تشير إلى أن الجن مخلوق من نار، وأن هذه النار هي نار خالصة خاصة لا دخان لها، وأن منها تتنزل الصواعق، ومعلوم أن الصواعق هي طاقة كهربائية. وهذه الصواعق تتنزل من نار السموم، والتي منها كان خلق الجان؛ فعلى ذلك، تكون مادة الجن والطاقة الكهربية واحدة، وهي نار السموم، النار الخالصة اللهب التي لا دخان لها.

خامساً: أسماء الجن

1. إذا ذُكر الجن خالصاً قيل: جني.

2. وإذا أُريد الذي يسكن مع الناس منهم، قيل: عامر، وجمعه عُمَّار.

3. ويقال للذين يعرضون للصبيان: أرواح.

4. ويقال للخبيث منهم: شيطان.

5. وللقوي: عفريت.

سادساً: أصناف الجن

الجن ثلاثة أصناف:

1. صنف يطير في الهواء.

2. صنف حيّات وكلاب.

3. صنف يحلون ويظعنون[1]، وهم السعالي.

سابعاً: طعام الجن وشرابهم

ورد في الحديث أن النبي r قال: ]لاَ تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ، وَلاَ بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ[ (رواه الترمذي، كتاب الطهارة، الحديث الرقم 18).

كما أن طعام الجن مثل طعام الإنسان، أحياناً، وهم يشاركونه أكله في بعض الأحيان. فقد روي عن عمر بن الخطاب، t أنه سأل المفقود، الذي استهوته الجن: ما كان طعامهم؟ قال: الفول. قال: فما كان شرابهم؟ قال: الجدف[2].

ثامناً: كيفية أكل الجن

ذهب بعض الناس إلى أن الجن يمضغون الطعام، وقيل يبلعون بلا مضغ. وذهب آخرون إلى أنهم لا يأكلون ولا يشربون. وهم الصنف الذي كالريح. وذهب فريق آخر إلى أنهم صنفان: صنف يأكل ويشرب، وصنف لا يأكل ولا يشرب، وهم خلاصتهم، وإنما يتغذون عن طريق الشم.

تاسعاً: تزاوج الجن

يظهر أن الجن يتزاوجون ويتناسلون، وقد دل القرآن الكريم على ذلك، كما في قوله تعالى في حديثه عن الحور العين: ]لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ[ (سورة الرحمن: الآية 56). وقوله تعالى: ]أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ[ (سورة الكهف: الآية 50). فوضح من الآية أن له ذرية، مما يدل على التناسل.

وذكر وهب بن منبه أن الجن نوعان: نوع جن خالص، وهؤلاء ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون، ومنهم أجناس يفعلون هذا كله، مثل السعالي والغول، وهي أنواع من الجن، وأشباه ذلك، ونوع آخر.

عاشراً: تشكل الجن

الجن لهم قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، من الإنسان والحيوان؛ فقد يتشكل الجان في صورة حيوان، وخاصة الكلب الأسود والقط الأسود.

وجاء في الحديث أن ]إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاَتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ[ (رواه مسلم، كتاب الصلاة، الحديث الرقم 789)، قيل السبب في ذلك لأنه شيطان. وعلل ابن تيمية السواد هنا بقوله: (السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة حرارة)، وكذلك يظهر الجان أحيانا في شكل الحيّات.

وقد تتمثل الجن في صور حيوانات ذات شعر كثيف، وذلك هو تصور الشعوب السامية لها؛ لذلك قيل لها (سعريم)، أي ذات الشعر، في العبرانية. وهي تختار الأماكن الموحشة المقفرة في الظلام، مثل رهبان الليل، وتذهب مع الحيوانات، التي تنفر من الإنسان، مثل النعامة.

حادي عشر: قدرات الجن

جاء في القرآن الكريم ما يدل على أن الجن لهم قدرات هائلة في القوة والسرعة والانتقال، ومن ذلك قصة الجني مع النبي سليمان، u عندما عرض عليه أن يأتيه بعرش ملكة سبأ قبل أن يقوم من مقامه وذلك في قوله تعالى: ]قال عفريت من الجن أنا ءاَتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين[ (سورة النمل: الآية 39).

ومن قدراتهم، كذلك، عملهم للنبي سليمان أعمالاً كثيرة، تدل على الذكاء والمهارة، كما في قوله تعالى: ]وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ[ (سورة سبأ: الآية 12). ثم قال: ]يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ[ (سورة سبأ: الآية 13).

ثاني عشر: عجز الجن

ومع قدرات الجن الهائلة، إلاّ أن فيهم جوانب عجز، ولقدراتهم حداً معيناً لا يتعدونه؛ فهم لا يستطيعون الإتيان بالمعجزات، ولا يستطيعون أن يأتوا بمثل القرآن الكريم، مثلاً. فقد تحداهم الله ـ عزّ وجلّ ـ مع الإنسان، في قوله تعالى: ]قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[ (سورة الإسراء: الآية 88).

كما لا يستطيعون أن يتجاوزوا حدوداً معينة في الفضاء. قال تعالى: ]يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ أَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ[ (سورة الرحمن: الآيات 33- 35). كما لا يفتحون الأبواب المغلقة، ولا يستطيعون أن يلحقوا أذى بأي إنسان، ما لم يكن قدَّره الله عليه.

ومن دلائل قدراتهم، أنهم قد سبقوا الإنسان لريادة الفضاء، قبل آلاف السنين. فقد كانوا يسترقون السمع، فلما بعث النبي r أخبرت الجن: ]وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا[ (سورة الجن: الآيتان 8، 9)

ثالث عشر: نقلهم الأخبار والصور

ذكر ابن تيمية: أن بعض الشيوخ الذين كان لهم اتصال بالجن أخبره: "إن الجن يرونه شيئاً براقاً مثل الماء والزجاج، ويمثلون له فيه ما يطلب منه من الإخبار به. قال: فأخبر الناس به. ويوصلون إليَّ كلام من استغاث بي من أصحابي، فأجيبه، فيوصلون جوابي إليه".

رابع عشر: مساكن الجن

قيل يسكنون الخراب والفلوات[3] ومواضع النجاسات، كالحمامات والحشوش والمزابل. وقد جاءت الأحاديث النبوية في النهي عن الصلاة في هذه الأماكن، لأنها مأوى الجن والشياطين. كما سكنت الجن المواضع المظلمة، والفجوات العميقة فيها وباطن الأرض. لذلك، قيل لها: ساكنو الأرض.

وقال البعض سكنت المقابر. والمقابر هي من المواضع الرئيسية المأهولة بالجن، ولذلك يخشى كثير من الناس ارتيادها ليلاً. وهى لا بد أن تكون على هذه الصفة، فهي مواطن الموتى، وأرواح الموتى تطوف على القبور، والموت نفسه شيء مخيف، والجن أنفسها أرواح مخيفة؛ فهل يوجد موضع أنسب من هذا الوضع لسكن الجن؟.

خامس عشر: بلدان الجن

تزعم الأعراب أن الجن سكنت (وبار) وهي قرية كانت لبني وبار، وهم من الأمم الأولى، منقطعة بين رمال بني سعد وبين الشحر ومهرة. وحمتها من كل من أرادها، وهي بلاد من أخصب بلاد العرب، وأكثرهـا شجراً، وأطيبها ثمراً، وأكثرها حَباً وعنباً. فإن دنا إنسان من تلك البلاد، متعمداً أو غالطاً، حثوا في وجهه التراب، فإن أبى الرجوع خبلوه، وربما قتلوه. فليس في تلك البلاد إلاّ الجن والإبل الوحشية.

وقد زعموا أن (يبرين)، بأعلى بلاد بني سعد، من أصقاع البحرين، من مواطن الجن. وكانت في الأصل مواضع عاد، فلما هلكت، سكنتها قبائل الجن. وقد روى أهل الأخبار قصصاً عنها، وعن اتصالها بالإنسان. وزعم بعض منهم أن (النسناس)، هم قوم من الجن.

وقد ورد مثل هذه الأقوال عن مواضع أخرى، كانت عامرة آهلة، ثم أقفرت، مثل الحِجر موضع ديار ثمود، مما يدل على أن من اعتقادات العرب، قبل الإسلام، هو أن المواضع التي تصيبها الكوارث، تكون بعد هلاك أصحابها مواطن للجن. وهذه الأساطير تتداول عند العبرانيين، وعند غيرهم من الشعوب.

وأشير في شعر (لبيد) إلى (جن البدي). قيل: "والبدي: البادية، أو موضع بعينه". وقيل واد لبني عامر. وأشار (النابغة) إلى (جنة البقار). وذكر إن البقار واد، أو رملة، أو جبل، سكنته الجن، فنسبت إليه. وأشير إلى (جنة عبقر) في شعر (زهير) و (لبيد) و (حاتم). وعبقر أرض بالبادية كثيرة الجن، وذكر بعضهم أنها باليمن.

وعبقر قرية يسكنها الجن فيما زعموا، فكلما رأوا شيئاً غريباً مما يصعب عمله، أو شيئاً عظيماً في نفسه، نسبوه إليها. ولهذا قالوا: العبقري للسيد الكامل من كل شيء، وللذكي الممتاز.

سادس عشر: مجتمع الجن

تتألف الجن من عشائر وقبائل، تربط بينها رابطة القربى وصلة الرحم. وهي كأي عشائر أو قبائل رُحّل، تتقاتل فيما بينها، ويغزو بعضها بعضاً. ولها أسماء، ذَكَرَ بعضاً منها أهل الأخبار، كما أن لها ملوكاً وحكاماً وسادات قبائل. فهي في حياتها تحيا على شكل نظام حياة الناس. وإذا اعتدى معتد على جان انتقمت قبيلته كلها من المعتدي أو المعتدين. وبين قبائل الجن عصبية شديدة، كعصبية القبيلة عند الجاهليين، وهي تراعي حرمة الجوار، وتحفظ الذمم والعقود وتعقد الأحلاف. ومن قبائل الجن (بنو غزوان) أو (بنو عزوان). وقد تتقاتل طوائف من الجن، فيثير قتالها عواصف الغبار، ولذلك فسر الجاهليون حدوث العواصف والزوابع بفعل الجن. وتوافق هذه الفكرة فكرة إحداث الجن للرياح والعواصف مع ما ورد في المزامير من أسفار التوراة.

وهم مثل البشر، فيهم الحضر، أهل القرار، وفيهم المتنقلة وهم أعراب الجن، وفيهم من يسير بالنهار، وفيهم من يسير بالليل، وهم (سَراة الجن)[4]، و(السراة).

وللجن، كما للإنس، سادة ورؤساء وعظماء، يقال لهم: الشنقناق والشيصبان. وقد ذكر ذلك في شعر (بشار بن برد)، وفي شعر حسان بن ثابت كذلك.

وعقد الجاهليون أحلافاً مع الجن، على التعاون والتعاضد؛ فقد ذُكر أن قوماً من العرب، كانوا قد تحالفوا مع قوم من الجن من (بني مالك بن أقيش).

سابع عشر: حيوانات الجن

الحوشي، من الإبل، من نسل إبل الجن. ويقال إنها منسوبة إلى (الحوش)، بلاد الجن من وراء رمل يبرين، لا يمر بها أحد من الناس. وقيل هم من بلاد الجن. وقيل الحوشية إبل الجن، أو منسوبة إلى الحوش وهي فحول جن، تزعم العرب أنها ضربت في نعم (بني مهرة بن حيدان) فنتجت النجائب المهرية، من تلك الفحول الوحشية، فنسبت إليها، فهي لا يكاد يدركها التعب.

ثامن عشر: علف دواب الجن

أخبر النبي، r في حديث ورد في صحيح مسلم، أن علف دوابهم بعر دواب الإنس.

تاسع عشر: الغول

جمع غَوْلَة أو غولة، وبالعامية هولة لأنها تهول الإنسان. والعرب كانوا إذا سافروا أو ذهبوا يميناً وشمالاً تلونت لهم الشياطين بألوان مفزعة مخيفة، فتدخل في قلوبهم الرعب والخوف، فتجدهم يكتئبون ويستحسرون عن الذهاب إلى هذا الوجه الذي أرادوا. لذا، قال رسول الله r، ]لاَ عَدْوَى وَلاَ هَامَةَ وَلاَ نَوْءَ وَلاَ صَفَرَ[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 4118). وقصد رسول الله r من نفي الغول، ليس نفي وجودها، وإنما نفى تأثيرها، فلا ينبغي للمسلم أن يلتفت إليها. وأكثر ما يبتلي الإنسان، بهذه الأمور، إذا كان قلبه معلقاً بها، أمّا إن كان معتمداً على الله، غير مبالٍ بها؛ فلا تضره، ولا تمنعه عن جهة مقصده.

قصص الغول من أشهر القصص الجاهلية المذكورة عن الجن، ومع خطر الغول وشراسته في رأي الجاهلين، ورد في قصصهم تزوج رجال من الإنس منهم. وورد أن الشاعر، تأبط شراً، تعرض بغيلة (أنثى الغول). فلما امتنعت عليه، جللها بالسيف فقتلها. ويروى أنه من الممكن قتل الغول بضربة سيف. أمّا إذا ضربت مرة ثانية، فإنها تعيش ولو من ألف ضربة. وهكذا تروى القصص بتغلب الإنسان على الغيلة، في بعض الأحيان. وأكثر قصص الغول منسوب إلى "تأبط شراً".

ويرى علماء اللغة أن من معاني (الغول) التلوّن، والظهور بصور مختلفة، والاغتيال. ويرى بعضهم أن الغول أنثى، وأمّا ذكرها فيسمى (قطرباً).

وذكر في وصف غدر الغيلان بالإنسان، أنها إذا أرادت أن تضل إنساناً أوقدت له ناراً، فيقصدها، فتدنوا منه، وتتمثل له في صور مختلفة، فتهلكه روعاً، وأن خلقتها خلقة إنسان، ورجلاها رجلا حمار.

وقيل أن كون رجلي الغول رجلي حمار هو الذي دفع النبي سليمان بن داود u لوضع الممرد أمام بلقيس، من أجل أن تكشف عن ساقيها، ويتأكد من هذه الأسطورة، قال تعالى: ]قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين[ (سورة النمل: الآية 44).

وذكروا أن الغول اسم لكل سيئ من الجن، يعرض للسفار(السفار: كثرة السفر والترحال)، ويتلون في ضروب الصور والثياب، ذكراً كان أو أنثى. وقد قال كعب بن زهير، الشاعر الصحابي، الذي مدح رسول الله، في وصف تلوّن الغول:

فما تدوم على حال تكون بها                                     كما تلون في أثوابها الغول

وفي تلوّن الغول يقول عباس بن مرداس السلمي:

أصابت العام رعلاً[5] غولُ قومهم                                 وسط البيوت ولون الغول ألوان

فالغول تتحول في أي صورة شاءت، وتتمثل في صور مختلفة، إلاّ رجليها، فلا بد من أن تكونا رجلي حمار.

وذُكر أن (الغول) و(السعلاة)، مترادفان. وذُكر أن الغيلان جنس من الجن والشياطين، والعرب تسمي الحية الغول. وقيل أن (أنياب أغوال) الواردة في شعر لامرىء القيس، الحيّات، وقيل: الشياطين.

وقد روى الشاعر عبيد بن أيوب، شاعر (قبيلة اسمها بنو العنبر)، قصصاً كثيرة عن (الغول) و(السعلاة) فقد كان يخبر في شعره أنه يرافق الغول والسعلاة، ويبايت الذئاب والأفاعي، ويؤاكل الظباء والوحش. وقد أورد أهل الأخبار شيئَا من شعره في هذا الباب. وذكر بعض علماء اللغة، أن الغول الذكر من الجن، والسعلاة الأنثى. والغول ساحرة الجن، ويقال إن الغول تتراءى في الفلاة للناس فتضلهم عن الطريق.

وأما (السعالي)، وواحدتها السعلاة، فذكر أنها سَحَرة الجن، وقيل: إن الغيلان جنس منها، وأن الغيلان هي إناث الشياطين، وأنها ـ أي السعالي ـ أخبث الغيلان، وأكثر وجودها في الغياض (الغابات)، وأنها إذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به كما يلعب القط بالفأر، وأن الذئب يأكل السعلاة. وذكر أن (السعلاة) اسم الواحدة من نساء الجن إذا لم تتغول لتفتن السفّار. وهم إذا رأوا المرأة حديدة الطرف والذهن، سريعة الحركة ممشوقة ممحصة، قالوا: سعلاة.



[1] يظعن: يسافر ويرتحل.

[2] الجدف: ما رمي به عن الشراب من زبد أو قذى.

[3] الفلوات: جمع فلاة، وهي الصحراء الواسعة الجرداء، التي لا ماء فيها.

[4] سَراة القوم: علية القوة وأكابرهم.

[5] رعل: شدة الطعن وقوته.