إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / مقارنة الأديان









مقدمة

المبحث الثاني

الأديان غير السماوية

أولاً: الديانة البرهمية

في القرن الثامن قبل الميلاد، أُطلق على الديانة الهندوسية اسم البرهمية، نسبة إلى برهما. وهو في اللغة السنسكريتية معناه (الله) وقيل معناه "رب الصلاة"، ويعتقد رجال الدين الهندوس أن كهنتهم يتصلون في طبائعهم بعنصر البرهما. ولذلك أطلق عليهم اسم البراهمة.

والبراهما عند قدماء البراهمة واحد لا شريك له، سرى منه الروح في جميع الكائنات من جماد ونبات وحيوان، وقد ورد ما يؤيد ذلك في أسفار "الفيدا" وما ترجمته: أنا الله نور الشمس، ضوء القمر، بريق اللهب، وميض اللهب، صوت الريح، أنا الأصل القديم لجميع الكائنات، منى الحياة لكل الوجود، واهب الصلاح، أول، آخر، حياة، موت، لكل مخلوق حي".

1. عقيدة البراهمة

وتتلخص عقائد البراهمة في:

أ. اسم الإله الظاهري (برهما سباتي) والاسم الخفي (زيوس).

ب. الإله هو الأصل الأزلي الذي يستمد منه كل شيء وجوده، لا تدركه الحواس وقد يدرك العقل بعض صفاته.

ج. إن الإنسان حركة متغيرة مستمدة، وروحه قبس من نور البراهما، انفصل عنه إلى أجل ينتهي، ثم تعود إليه بعد انتهاء الأجل، وذلك كالبخار الذي يصعد إلى السماء، ثم يعود إلى الأرض، أمطاراً تجرى في الأرض أنهاراً.

د. غاية كل إنسان في الحياة الاتصال بالبراهما والرجوع إليه.

الكتاب الأساسي عند البرهمية، يُسمى "الفيدا"، ولا يعرف متى كُتبت أسفاره، وإن كان من المؤكد أنها أقدم من التوراة، وهي أربعة أسفار:

أ. الريجا فيدا، وهو أشهرها. ويشتمل على 1017 أنشودة دينية، لا يزال كثير من الهندوس يتغنون ببعضها، ويرتلونها في صلواتهم وحفلات زواجهم.

ب. الساما فيدا

ج. الباجورا فيدا

د. الألمارا فيدا

وكتب أخرى مفسرة تسمى (دماندرا ماسترا) أى كتب الشريعة. وكل التعاليم الدينية في أسفار "الفيدا"، بسيطة الأسلوب.

وأهم من تعرضوا لشرح أسفار "الفيدا" الفيلسوف الهندي "مانو" الذي قال عن الإله إنه كائن بنفسه لا تصيبه الحواس المادية، بل يُعلم بالروح فقط، و"كلوكا" الكاهن والفيلسوف، القائل: "إن المشتركين في الأسرار، مع تقديمهم القرابين لبعض قوى الطبيعة المتعددة لم يكونوا يؤمنون إلا برب واحد، هو نبع كل عدل وحكمة، المدبر لنظام الكون، ولا اسم له إلا المستحق العبادة برهما". ومن فلاسفتهم "كرشنا" الذي يقول إن الجسد زائل، أما الروح فهي سرمدية"

أما أهم تعاليم الأديان البرهمية القديمة، تتلخص في الوصايا العشر، وهي: عبادة البراهمة، ومقابلة الإساءة بالإحسان، والقناعة، والاستقامة، والطهارة، وكبح جماح النفس، ومعرفة الفيدا، واجتناب الغضب، والصبر، والصدق.

ثم حين وضعت الطقوس، وتزايدت الرتب الكهنوتية، فرضت على الأتباع ذبح بعض الحيوانات، وتقديس بعضها، أو تحريم أكل اللحوم بتاتاً.

2. انحدار الديانة البرهمية

كانت العبادة في الديانة الهندية القديمة قاصرة على أناشيد "الريجا فيدا"، أقدم أسفار الفيدا، لكن عندما كثر الكهنة، جعلوا للديانة أسرارًا خفية، وأسرارًا ظاهرة، وكثرت الرموز والطقوس والشعائر، وابتدع ما لم يكن له أصل في كتب الفيدا، وغيَّروا بعض معانيها.

وابتدعوا الثالوث الهندي "برهما فشنو شيفا"، على اعتبار أن "فشنو وشيفا" إلهان، وقوتان نشأتا عن برهما، وقد فسروا الثالوث الهندي أن برهما هو الإله الخالق، وفشنو هو القوة الحافظة، أو الإله الحامي للخليفة، وشيفا القوة التي تغنى وتعيد وتحول.

وعندما اتسع نفوذ الكهنة، أنشأوا الامتيازات والاختصاصات، ووضعوا نظام طبقات أربع، تقل الواحدة عن الأخرى في المنزلة حسب الترتيب، فجعلوا أرقى الطبقات التي لا يحق لغيرها المشاركة في امتيازاتها، طبقة البرهماتمان، وهم الكهنة والعلماء، ثم يليها في المنزلة طبقة الخاترباس، وهم رجال الحرب وحماة الأوطان، ثم يليها بعد ذلك طبقة البانيان وهم الزراع والتجار، وأدنى الطبقات هي طبقة السودراس، وهم أرباب الحرف والمهن الدنيئة، وهم المنبوذون.

وجعل الكهنة لأنفسهم ولتلاميذهم، أسراراً خاصة، ينفردون بها، وتعلم الهندي أن يكلف نفسه أنواع الشدائد، والجهد في العبادة، في حياته بما فوق طاقته، ظناً منه أنه بذلك يكفر عما وقع منه عن معاصي، أو عما سيقع منه من ذنوب مقبلة، وهو دائم الكآبة والخوف، كثير الهموم، لا أمل له حتى في الموت؛ لأن الموت نفسه في نظره ليس مُخلِّصًا من الحياة المقبلة.

ثانياً: الديانة البوذية

تنسب البوذية إلى رجل أصله من الهندوس. يلقب ببوذا، وينتمي هذا الرجل إلى قبيلة ساكيا التي كان لها السلطان على الأرض الواقعة بين مدينة بنارس وجبال الهملايا، شمال الكنج، وكان أبوه "كابيلا فاستو" أحد نبلاء هذه القبيلة.

ولد جوتاما (بوذا) في منتصف المائة السادسة قبل الميلاد، وسماه أبوه "سيزاراسا" أو ساكيا موتي جوتاما؛ واسم ساكيا موتى يعني "المتبتل من عائلة ساكيا". وعاش عيشة ناعمة، وتزوج في سن التاسعة عشر.

كان من صغره يتميز بكريم الأخلاق والسلوك، ولما بلغ التاسعة والعشرين من عمره، أخذ يتأمل في حالة بنى قومه وما وصلوا إليه من الذلة والمسكنة نتيجة نظام الطبقات الذي أحدثه كهنة البراهمة؛ بغية إبقاء الشعب على حال من الجهل والغفلة، مما أدى إلى انحطاط الشعب الهندي فعكف على عبادة الأشخاص والتماثيل والحيوانات.

كرهت نفس جوتاما ملذات الحياة، وبدأت رغبته تبدو جلية في الإصلاح، فغادر بلاط أبيه، وخرج تاركاً زوجته وبيته إلى الجبال والأحراش الكثيفة، يتأمل، ويتعود الشقاء الجسماني والرياضة الروحية.

ويزعم كهنة البوذية أنه بينما كان "جوتاما"جالسًا في ليلة من الليالي، تحت ظل شجرة تين، تجلى له النور، وعرف كثيراً من الأسرار، وبذلك أطلق عليه لقب "بوذا" أى العالم المستنير، وعاد إلى الناس بعد أن قضى ستة عشر سنة، يسرح بالفكر ويتأمل في الكون، وبدأ ينشر دعوته ومبادئه على الشعب، وتبعه أتباع كثيرون آمنوا بمذهبه ومبادئه، وظل أتباعه وتلاميذه متمسكين بدعوته حتى مات في الثمانين من عمره، وأُحرق جسده.

1. عقائد الديانة البوذية، وتعاليمها

الديانة البوذية لا تشير إلى إله خالق سوى "النرفانا"، و"النرفانا" معناها الإطلاق الطبيعي أو المتسامي أو بوذا نفسه، والذي لا يمكن إنكاره أن بوذا نفسه لم يدّعِ يوماً أنه إله أو ابن إله، ولكن مغالاة أتباعه جعلت من بوذا إلهاً، ومن مذهبه الفلسفي والإصلاحي ديناً، وهذه المبالغة قادتهم إلى مزيد من الشرك والكفر، وذلك ظاهر في عبادتهم لبعض الحيوانات وتقديسهم إياها، والتغني بمجدها واستجلاب مددها، وتحريم ذبحها، والسجود لها في كل لحظة، وقد نشرت الصحف العالمية أنباء المذابح التي كانت تحدث؛ نتيجة ذبح هذه الحيوانات.

وتتلخص التعاليم البوذية التي يستأثر الكهنة بمعرفتها، فيما يأتي:

أ. لا فرق بين جسم الأمير وجسم الفقير، ولا فرق بين روحيهما، فكل منهما مستعد لإدراك الحقيقة والانتفاع بها.

ب. يدعو بوذا إلى سلوك النهج الوسط بين التلذذ بالدنيا، والزهد الخالص فيها.

ج. للنهج الوسط ثماني شعب هي: النظر الصحيح، واللفظ الصحيح، والإلهام الصحيح، والسير الصحيح، والحياة الصحيحة، والجهد الصحيح، والسرور الصحيح.

ويضع بوذا للحقيقة أركانا أربعة هي:

أ. الرغبة التي لا تُنال، تسبب الألم.

ب. الشهوة أصل الألم.

ج. للتخلص من الألم يجب نبذ الرغبة.

د. لأجل منع الألم يقتضي إتباع النهج الوسط.

ويتفرغ عن هذه الأركان ما يلي:

(1) الألم من لوازم الوجود.

(2) الرجوع إلى هذه الدنيا مرة أخرى سببه اتباع الشهوات والنقائص في الحياة السابقة.

(3) الخلاص من الشرور والنقائص هو الوسيلة الوحيدة للنجاة من العودة للأرض، في تقمص جديد بعد الموت.

(4) التخلص من العقبات التي توقف حركة الخلاص من الشهوات.

(5) التسامح والطيبة والشفقة والحب ولين الجانب، والإقلاع عن الرغبات الجامحة، وأشدها درجات الزهد في الحياة نفسها؛ متى كانت مبذولة في سبيل تخليص الغير.

(6) الإغراق في العزلة والرهبنة.

ويمكن لمن يطبق هذه القواعد، تطبيقاً صحيحاً، أن يصل إلى "النرفانا"، التي هي بلوغ النفس الكمال الأسمى، وانطلاقها من أسر المادة، وهى الكمال المطلق الذي لا يمكن وصفه إلا لمن انكشفت له الأسرار وكشف عن بصيرته الحجاب فتراءى له بوذا نفسه، ومعنى ذلك أن يفنى المؤمن في الروحانية البوذية المطلقة الكاملة.

ولا يوجد في تعاليم بوذا شيء عن الله، أو عن تقديم ذبائح أو قرابين، أو شعائر تعبدية، ومن أبرز معتقداته أنه لا يسلم بفكرة التناسخ، ويؤمن أتباع بوذا بما يسمونه "كرما"؛ أن الرغبة تنتقل في الحياة الأخرى من شخص لآخر. كما كان بوذا يلقي بتعاليمه شفاهة، مع أن الكتابة كانت معروفة، وقد جمع تلاميذه أقواله من أفواه المتحدثين والرواة والمؤرخين، وكتبت كلها بلغة "بالى"؛ لأن اللغة السنسكريتية كانت قد انقرضت، واتخذ التلاميذ والأتباع هذه الروايات المنقولة كتبا مقدسة، شأن كتب "الفيدا" عند البراهمة، حتى أن "الفيدا" بأسفارها لم تعد لها، عند أتباع بوذا، أي مرتبة من السمو الروحي.

2. دخول البوذية إلى اليابان

دخلت البوذية رسمياً إلى اليابان من شبه الجزيرة الكورية عام 552م، حين أرسل الملك بابكتشي بعثة إلى إمبراطور اليابان، ومعها بعض الهدايا، من بينها تمثال لبوذا، وعدد من نصوص السوترا. ويقال إن مستشاري الإمبراطور اختلفوا في أمر قبول الدين الجديد، ثم اتفقوا على قبول فكرة بوذا كتجربة مؤقتة، وحوّل الإمبراطور "سوجا" بيته في موكوهارا إلى معبد لبوذا؛ ففشا الطاعون في البلاد، فأُحرق المعبد، وأُلقي بتمثال بوذا في النهر. إلا أن الأفكار البوذية استمرت في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي تتغلغل في اليابان؛ واعتنق الإمبراطور سوجانو أوماكو Soganu Umako البوذية عام 274م، و شيّد معبدًا، وضع فيه تمثال "بوذا". ولكن الطاعون ظهر مرة أخرى، فأُحرق المعبد، وأُبعد من فيه من الراهبات، وقيل إن سبب الطاعون كان معارضة الناس لتعاليم بوذا.

وهكذا استمرت أسرة سوجا تعبد بوذا، وشهدت البوذية ازدهارًا في عهد الإمبراطورة سويكو Suiko ، وقد وجد في اليابان عام 623م نحو 46 معبدًا بوذيًا و 816 راهبًا و 569 راهبة.

ثالثاً: الديانة المصرية القديمة

يُقال إن الدعوة في مصر سبقت الدعوة في الهند، وإن نبي المصريين هو إدريس u، وإنه انتقل إلى الهند فبشر برسالته.

1. إدريس u

ويقول المؤرخون إن إدريس ـ u ـ ولد بمدينة "إدفو"، وأنه كان يسمى "جوروس"، وقيل إن إدريس هو "خانوخ" باللغة العبرية، الذي أطلق عليه باللغة العربية "أخنوخ"، وسمى في اللغة الهيروغليفية "أوزوريس" أو "حوروس"، وعُرف في اللغة اليونانية باسم "هرماكيس" ثم عرف باسم "هرمس". وسماه البطالمة فيما بعد "أغثاذى مون" المصرى، وسمى في الكتب المنزلة "إدريس". ونسبه هو إدريس مهائيل بن قينان بن آنوس بن شيث ابن آدم عليهم السلام، وقد ذكر المؤرخون أن مدة حياته كانت اثنتين وثمانين سنة، عاش خلالها يدعو الناس إلى عبادة الله وتوحيده وتنزيهه عن كل شرك، كما دعا إلى الزهد والمحبة والعدل، والإحسان، وكان قربانه البقول والذبائح. وهو أول من عرف العلوم الكونية والجيولوجيا والرياضيات، وكثيراً من لغات أهل الأرض، حتى قيل إنه كان يحدث كل قوم بلغاتهم ولهجاتهم، مما جعل الناس تستجيب له، وتلتف حوله.

ويقال إن تعاليم إدريس u وجدت على خاتمه، وفي ورق البردي، الذي سرقه الأجانب ووزعوه على المتاحف ودور الآثار في أوروبا، فقد وجد مكتوباً على خاتمه "الصبر والإيمان بالله يحققان الظفر"، كما وجد على حزامه حكم بليغة ودروس قيمة، منها "حفظ فروض الشريعة من تمام الدين، وتمام الدين من كمال المروءة، والمروءة صفة من صفات المتقين". وقد عُثر، ضمن آثاره، على فراش من الحصير، كان يصلي عليه، مكتوب عليه "السعيد من نظر إلى نفسه في مرآة صلاته وعبادته"، كما كان من أقواله المأثورة، "حياة النفس في الحكمة، وموتها في الجهل".

2. عقيدة الفراعنة

عبد الفراعنة الشمس، وعرفوها باسم آتون، وجعلوا لهذا اسم معنيين: أحدهما ظاهر، والآخر خفي، فالظاهر هو آمون، وأما الخفي فهو الذي قام به الوجود، يهب العطايا، وهو "رع". ومن هنا كان اسمه "آمون ـ رع".

ووصفوه بأنه حاكم السموات والأرض، وهو أب الآباء، وأم الأمهات، لا يفنى ولا يغيب، يملأ الدنيا وليس له شبيه ولا حد، ويوجد في كل مكان".

وقد ورد في بعض الأناشيد والأدعية الواردة في كتب المصريين: "يا مولاي ويا سيدي، إنك خلقتني وصورتني، وجعلت لي عيناً أبصر بها آثار قدرتك، وآذاناً أسمع بها أناشيد تقديسك".

ثم تطور الأمر مع المصريين القدماء، فجعلوا معبودهم الشمس متجسداً في الثالوث "آتون ورع وآمون". ثم صار الثالوث تاسوعاً، تمثَّل في عبادة النار والنجوم والكواكب، وما إلى ذلك من الظواهر الطبيعية، التي تاه في عرفها وكنهها المصريون.

3. التاسوع المصري

أ. آتوم أو آتون: الإله الذي لا يظهر إلا بصفاته، وهو نور النور.

ب. رع: الذي تجسد فيه النور فصار عطاء وخلقاً، "الخلق والرزق".

ج. آمون: ظهور القدرة المشرقة في الشمس، وهو مظهر رع، الذي يوصل عطاءه إلى المخلوقات.

د. نيت: الهواء.

هـ. نون: السماء بأفلاكها وكواكبها.

و. شو: الجو أو الموجات الكهربائية الموجبة ويشتق منه الإله "تفنوت" وهي الموجات السالبة"، وهذا يقابل معنى فشنو عند البراهمة".

ز. إيزيس: الحياة أو الروح.

ح. أوزوريس: النماء والازدهار، وهو الذي سيحاسب الموتى.

ط. ست: الشر أو الفناء.

وأما الآلهة الثمانية الثانوية، فهي:

أ. هاتور أو هتريت: إله الطبيعة.

ب. تيسير تشر: إله النظام والقوانين.

ج. يوتاشيت: إله الفيض.

د. تحوت: إله السحر والطب.

هـ. شوت: إله العلم في معناه العام.

و. معت: إله العدالة.

ز. بتاح: إله القدر.

ح. تيفون: إله الشر.

وكانت صلاة المصريين تقرباً للتماثيل الرمزية، التي أقيمت لآتون ورع وآمون، في طيبة وصار لكل مدينة آلهتها، التي تقدسها دون الآلهة الأخرى، فقد كان موطن "أزوريس" في أبيدوس، و "بتاح" في منفيس، و "آمون" في طيبة، و"حوروس" في إدفو، و "هاتور" في دندرة. وكانت مدينة طيبة دون سائر المدن مملوءة بالمعابد والتماثيل.

ثم ظل عدد الآلهة يزداد حتى بلغ ما يقرب من المائة، بين اسم لفلك وصفة لكوكب، وعظمة لظاهرة طبيعية، وتقديس لطير أو حيوان، وكثيراً ما كانت بعض المدن تعبد ملوكها على أنها آلهة، وكانوا يقيمون لهم الصلوات ويقدمون لهم القرابين ويرفعون إليهم البخور.

رابعاً: الديانة الصينية والكنفوشيوسية

قديماً قال الصينيون أن إله السماء كائن عظيم محب للخير، ويكره الشر ويجازى الناس بأعمالهم، ثم بعد ذلك أشركوا مع هذا الإله الواحد كثيرًا من مظاهر الطبيعة، كالشمس والقمر والكواكب والنجوم والأرض، وما عليها من جبال وتلال، وما يجرى فيها من بحار وأنهار، ثم تطورت معتقداتهم فاعتقدوا بوجود كائنات روحية تسكن البيوت، وأن تلك الأرواح لها قدرة على النفع والضرر، فقدموا لها القرابين، كما كانوا يعبدون أرواح أسلافهم.

1. كنفوشيوس

ولد سنة 551 قبل الميلاد في مقاطعة "لو" من أعمال ولاية شانتنج،واسمه هو الصورة اللاتينية لـ"كونج فو" الصينية التي تعني "المعلم كونج"، وهو ينحدر من أسرة أرستقراطية، وكان منذ صباه مغرماً بتقليد الكهنة في تقديم القرابين، وإقامة الشعائر الدينية. تولى أعمالاً كثيرة في الحكومة ثم عمل مدرساً، ومؤدبًا لأبناء الطبقة الأرستقراطية في المدينة. ثم خرج على الناس بمذهبه، الذي ضمَّنه تعاليمه وآراءه، ووضع له الأسس والمبادئ التي آمن بها كثير من أهل الصين، وقد تنقل من ولاية إلى ولاية يدعو إلى مذهبه، حتى مات عام 479 ق. م. في سن الثالثة والسبعين.

كان كنفوشيوس يلقي دروسه على هيئة محاضرات كلامية، فلم يكتب حرفاً واحداً، وكان تلاميذه يجمعون كلامه، وبذلك اعتبر أكبر حكماء الصين ومؤسس الديانة الصينية، وأجمع الصينيون على عبادته وتقديس تعاليمه وحِكمه، وأصبحت الكتب الثلاثة، التي كُتبت بخط تلاميذه كتباً مقدسة، حتى اعتبرت فيما بعد دستوراً للصين، وهي:

أ. مختارات كنفوشيوس.

ب. تعاليم البالغين.

ج. الاعتدال.

2. عبادة الصينيين وعقائدهم

كانت عبادة الصينيين تتلخص في إقامة الشعائر وتقديم القرابين للإله الأعظم، وأرواح أسلافهم، وقوى الطبيعة المختلفة وهذا كان له أثره في إقامة المعابد والهياكل، فقد كانت تبنى المعابد على هيئة هيكل عظيم، بداخله هياكل ثلاثة ترمز إلى مذابح ثلاثة، لكل معبود هيكل:

أ. مذبح الكواكب والأفلاك السماوية والأرضية. تقدم فيه القرابين للشمس والقمر والكواكب والنجوم والأرض والتلال والجبال والأنهار، وما إلى ذلك من قوى الطبيعة.

ب. مذبح الأرواح. حيث كانوا يعتقدون أن أرواح آبائهم وأجدادهم وملوكهم تهديهم في تلك الحياة، وتقف معهم وقت الشدة والرخاء، فكانوا يقدمون القرابين لها في هذا المذبح زيادة في إرضائها وليستهدونها في أمورهم الحاضرة والمقبلة، ويطلبون منها السعادة في حياتهم.

ج. مذبح الإله الأعظم: وهو خاص بعظيم السماء، وهذا المذبح أقدم المذابح وأعظمها وأكبرها، لا تجد حوله أصناماً أو تماثيل أو دمى لأنه مذبح الإله غير المنظور.

ويعتقد الصينيون في عظيم السماء، أو الإله غير المنظور، أنه الرب العظيم ومالك الأكوان ذو الفضل غير المتناهي، ليس له مكان أو زمان، موجود في كل الوجود، أينما توجه الإنسان فهو معه، حاضر لا يغيب، الإله الذي لا يحابى، بل يجود بلطفه ورعايته على الإنسان الفاضل، ويحب استعمال الرأفة والرحمة، وأنه يعتني بالأرض، وحضوره فيها دائم وإن كان غير منظور، وقد سموه "ني سز" أو "تى ين" ثم تطورت التسمية إلى "شانج تي".

ثم تحولت العبادة إلى أن أصبحت لثالوث وضعه فيلسوف صيني يدعى "فوفي"، وهذا الثالوث:

أ. تشانج: أرواح الآباء والحكماء والملوك.

ب. تي سن: الشمس والكواكب السيارة.

ج. تي ين: أو الإله غير المنظور.

ومن الصين انتقلت هذه المبادئ إلى اليابان، حتى أصبحت العائلة المالكة في اليابان آلهة، وأعظم الآلهة الإمبراطور.

خامساً: الديانة الكلدانية

أخذ الكلدانيون عن المصريين عبادة الشمس وسائر النجوم، وبرعوا في علم الفلك والسحر والشعوذة. وجعلوا لكل واحد من الكواكب السيارة صنماً، وأكبر الأصنام وهو في عرفهم، أهم الآلهة، بعل أو آمون إله الشمس. ثم عشتروت أو إيزيس ربة الجمال، ورمزها كوكب الزهرة. وهوروس أو تموز إله الخصب والنماء، ويقام له عيد في شهر تموز (يوليه)، من كل عام، وهذه الآلهة هي التي حطمها نبي الله إبراهيم u، وقصته معها معروفة ومشهورة في كتاب الله، في سورة الأنعام.

سادساً: الديانة الفارسية (المجوسية)

عبد الفرس أول أمرهم قوى الطبيعة، وخصوصاً (الشمس)، التي قالوا عنها "إنه عالم بكل شيء، وأنه خير محض، وأنه أعظم الموجودات، وأنه نور يشرق على العالم، وكان له كثير من الأعوان والشركاء وهم:

الصديق وهو الضوء، وستة من الملائكة المقربين الذين يحملون العرش، وآلاف من الموجودات التي تتمثل في مظاهر الطبيعة.

ثم تطورت عبادتهم إلى عبادة إلهين أحدهما يسمى "مزدا" أو "أهور مزدا" وهو إله الخير العالم بكل شيء، والإله الثاني ويسمى"إهريمان" وهو إله الشر. وقدم الفرس القرابين إلى إله الخير، وهو النور، وهو النار. واشتهرت نار فارس في التاريخ.

سابعاً: الديانة اليونانية والرومانية

عبد اليونانيون آلهة لا حصر لها، وزعموا أنهم يأكلون ويشربون ويلعبون ويلهون، ويخوضون المعارك فَيَغلبون ويُغلبون، ويتألمون، ويفرحون ويحزنون، ويتباغضون ويتحاسدون، والويل لمن تعرض لهم أو أغضبهم. ثم انتقلت الديانة اليونانية إلى الرومان، فعبدوا الآلهة نفسها، وإن غيَّروا أسماء كثيرين منها.