إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / مقارنة الأديان









مقدمة

المبحث الرابع

نقاط الخلاف بين الإسلام والأديان السماوية الأخرى

أولاً: الإله

يرفض المسلم ما في اليهودية والمسيحية المحرَّفتين، من كل قول ينسب لله تجسيدًا، أو تشبيهًا، أو حلولا في أشياء، وما إلى ذلك من أوهام وضلالات، كما يرفض كل حديث يصور الله وقد لحقت به عواطف الإنسان وانفعالاته وضعفه، فكل ذلك باطل. بل إن القاعدة الأصلية التي يقوم عليها فكر المسلم في الإله الحق، أنه واحد أحد صمد: ]لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[ (سورة الإخلاص: الآيتان 3، 4)، وأنه: ]فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ (سورة الشورى: الآية 11)، وأنه: ]لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ (سورة الأنعام: الآية 103)، و: ]وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم[ُ (سورة الروم: الآية 27).

تصور الديانة النصرانية للإله

ارتكبت أمة النصارى محظورين عظيمين، لا يرضى بهما ذو عقل ولا معرفة.

أحدهما: الغلو في المخلوق، حتى جعلوه شريكًا للخالق، وجزءًا منه، إلهًا آخر معه، ونفوا أن يكون عبدًا له.

وثانيًا: تنقص الخالق وسبه ورميه بالعظائم، حيث زعموا أن الله ـ سبحانه وتعالى عن قولهم علوًا كبيرًا ـ نزل من عرشه، ودخل في فرج امرأة، وأقام هناك تسعة أشهر، يتخبط بين البول والدم والنجو، وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن، ثم خرج من حيث دخل رضيعًا صغيرًا، يمص الثدي ولُف في القمط، وأُودع السرير، يبكي ويجوع ويعطش ويبول ويتغوط، ويُحمل على العواتق، ثم صار إلى أن لطمت اليهود خديه، وربطوا يديه، وبصقوا في وجهه، وصفعوا قفاه، وصلبوه جهراً بين لصين، وألبسوه إكليلاً من الشوك، وسمَّروا يديه ورجليه، وجرَّعوه أعظم الآلام؛ هذا الإله الحق الذي بيده أُتقنت العوالم، وهو المعبود المسجود له، ولعمر الله إن هذا مسبة لله سبحانه، ما سبه بها أحد من البشر قبلهم ولا بعدهم.

ومن عقائدهم الباطلة في الله:

1. الراحة بعد خلق السماوات والأرض

تقول الأسفار: "فزع الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمله. وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا" (سفر التكوين 2: 2-3).

ولقد رد الله زعمهم وكفرهم في القرآن فقال: ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا السّمَواتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب[ (سورة ق: الآية  38)، وقال: ]أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ[ (سورة ق: الآية 15).

2. الندم على خلق الإنسان وغيره

جاء في سفر التكوين: "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في قلبه، فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أنى عملتهم" (سفر التكوين: 5 - 7).

3. بلبلة ألسنة البشر ليتفرقوا فلا يتقدموا في الحياة!:

جاء في سفر التكوين: "وكانت الأرض كلها لسانا واحداً.. وقال بعضهم لبعض هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء.. فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما. وقال الرب: هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم وهذا ابتداؤهم العمل. هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم، حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض. فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة. لذلك دعى اسمها بابل. لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض" (سفر التكوين 11: 1 ـ 9).

أما في الإسلام، فيقرر أن اختلاف ألسنة البشر، كاختلاف ألوانهم، إنما هو آية دالة على قدرة الله وبديع صنعه: ]وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ[ (سورة الروم: الآية 22).

4. مصارعة إنسان والعجز عن التغلب عليه

إنها حقا تصدم كل مسلم حين يقرأ هذا العنوان الفرعي في الأسفار: (يعقوب يصارع الله)[1]

تقول هذه الأسطورة: "بقى يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه.. وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر. فقال (يعقوب) لا أطلقك إن لم تباركني. فقال ما اسمك؟ فقال يعقوب. فقال لا يدعي اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. (سفر التكوين 32: 24 ـ 30).

5. الحلول في الإنسان

يقول إنجيل يوحنا: "الأب الحالي هو يعمل الأعمال. صدقوني إني في الآب، والآب فيّ" (إنجيل يوحنا 14: 10-11).

وجاء في رسائل بولس الهللينستي عن المسيح: "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا" ـ (الرسالة إلى كمولوسى 2: 9).

ويقول القرآن: ]إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ[ (سورة الزخرف: الآية 59).

]وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا(88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا(89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا(90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا(91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا(92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94) وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا[ (سورة مريم: الآيات 88 - 95).

]لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ(72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة المائدة: الآيات 72 - 74).

ثانياً: الأنبياء

إن المسلم ليرفض كل ما ألحق بسير الأنبياء، من نقائض ومخازي، فهم عباد الله المصطفون الأخيار، جعلهم الله هداة البشرية وأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر. فالقرآن يقول فيهم:

]أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا[ (سورة مريم: الآية 58).

]أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ[ (سورة الأنعام: الآية 90).

]وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[ (سورة الأنبياء: الآية 73).

تلك هي عقيدة المسلم في أنبياء الله. ومن ثم فهو ينكر بل ويستنكر كل الخطايا التي توردها الأسفار المحرَّفة. ومن أمثلة ذلك ما يقال عن: زنى لوط بابنتيه (سفر التكوين 19: 30 ـ 38): وكان من ثمرته ابنا الزنى موآب وعمون، ومن ذرية أولهما جاء داود !

خيانة موسى وهارون لله: ويزعمون أن هذا الاتهام الخطير هو آخر وحي تلقاه موسى قبل موته، فقد كلم الرب موسى في ذلك اليوم قائلا، اصعد إلى جبل عباريم.. وانظر أرض كنعان… ومت في الجبل الذي تصعد إليه وانضم إلى قومك، كما مات أخوك هارون، في جبل هور وضُم إلى قومه، لأنكما خنتمانى في وسط بنى إسرائيل.. إذا لم تقدساني في وسط بني إسرائيل" (سفر التثنية 32: 48 ـ 51).

لكن القرآن يبرئ موسى وهارون من هذه الخيانة وأمثالها فيقول: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا(51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا(52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا[ (سورة مريم: الآيات 51- 53).

من مزاعمهم زنى داود بامرأة عبده أوريا الحثى ثم تآمر عليه وقتله (سفر صموئيل الثاني 11: 1 ـ 27).

تقول الأسفار: "وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون: موآبيات وعمونيات وأدوميات.. من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم.. فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة. وكانت له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثة مائة من السراري. وكان في زمان شيخوخته أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب.. فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عيني الرب. حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش، رجس الموآبيين، على الجبل الذي تجاه أورشليم.. وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن. فغضب الرب على سليمان" (سفر الملوك الأول 11: 1 ـ 9).

لكن القرآن يثني على سليمان ثناءً جميلاً، ويبرئه تماما من تهمة الكفر هذه ]وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ[ (سورة ص: الآية 30).

]وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ[ (سورة البقرة: الآية 102).

ثالثاً: قضية صلب المسيح

يعتقد النصارى أن المسيح u صلبه بنو إسرائيل، وأن ذلك كان ضرورة للتكفير عن خطايا البشر، وتعد هذه القضية هي أساس عقيدة النصارى.

ويقول الله تعالى: ]وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[ (سورة النساء: الآيتان 157، 158).

وهذا ينفى ما في رسائل بولس وما اقتبس منها في الأناجيل بأن المسيح: "بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الشرير" أو أنه "بذل نفسه فدية لأجل الجميع".

لقد تنبأ المسيح بنجاته من القتل، كما تنبأت المزامير كثيراً وكثيراً. "فقد أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداماً ليمسكوه فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيراً، ثم أمضى إلى الذي أرسلني. ستطلبونني ولا تجدونني، حيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا" (إنجيل يوحنا 7: 32 ـ 34).

وهذا يؤكد أن اليهود حين يطلبون المسيح لقتله فلن يجدوه؛ لأن الله سيحفظه بالرفع. ومن الطبيعي أن يقال أن السماء مكان يعجز اليهود عن الوصول إليه تعقبا للمسيح.

هذا ولقد اختلفت الأناجيل الأربعة، وتناقضت في عناصر قصة الصلب، ويكفى أن العشاء الأخير كان حسب الثلاثة الأولى: متى ومرقس ولوقا وهو عشاء الفصح، وأما الإنجيل الرابع فقد جعله قبل الفصح بأيام. وقد ترتب على هذا أن كان يوم الصلب حسب الثلاثة يوم الجمعة، بينما هو حسب إنجيل يوحنا يوم الخميس ـ اليوم الذي ذبحت فيه خراف الفصح (إنجيل يوحنا 18: 28، 19: 14).

ولما كانت المقبرة التي وضع فيها جسد المصلوب، قد وجدتها مريم المجدلية خالية صباح الأحد، فإن هذا يعنى أن جسد ذلك المصلوب لم يدفن في الأرض "ثلاثة أيام وثلاث ليال" حسبما هو شائع في الأناجيل: متى 12: 40، 17: 23 ـ مرقس 9: 31 ـ لوقا 9: 22. فالفترة بين يوم الجمعة يوم الصلب، ويوم الأحد يوم القيامة لا تزيد عن: يوم واحد وليلتين.

رابعاً: تحريف نصوص الأسفار

يقول القرآن في شأن اليهود: ]فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ (سورة المائدة: الآية 13).

ويقول في شأن النصارى: ]وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[ (سورة المائدة: الآية 14).

ويقول في أهل الكتاب من اليهود والنصارى: ]وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 78).

]وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ(78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[ (سورة البقرة: الآيتان 78، 79).

وقد اعترفوا هم بالتحريف صراحة، عندما أعلن مجمع الفاتيكان الأول (69 ـ 1870م) أن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد: "كُتب بإلهام الروح القدس، وأعطيت هكذا للكنيسة". ثم بعد نحو 90 عاما عقد مجمع الفاتيكان الثاني (62-1965م). وقد أدرجت في الوثيقة المسكونية الرابعة فقرة عن التنزيل تختص بالعهد القديم، تقول: "تسمح أسفار العهد القديم للكل بمعرفة من هو الله، ومن هو الإنسان، بما لا يقل عن معرفة الطريقة التي يتصرف بها الله في عدله ورحمته مع الإنسان. غير أن هذه الكتب تحتوى على نقائض وأباطيل، ومع ذلك ففيها شهادة عن تعليم إلهي".

تقول الترجمة الفرنسية المسكونية للكتاب المقدس T.O.B فيما يتعلق بنصوص أسفار العهد القديم تحت عنوان "إفساد النصوص" Corruptions Textuelles.

"لا شك.. أن هنالك عدداً من النصوص المشوهة، التي تفصل النص المسوري الأول عن النص الأصلي. فمثلا، تقفز عين الناسخ من كلمة إلى كلمة تشبهها. وترد بعد بضعة أسطر، مهملة كل ما يفصل بينهما. كما أن هناك أحرفاً، كتبت كتابة رديئة، فلا يحسن الناسخ قراءتها؛ فيخلط بينها وبين غيرها. وقد يدخل الناسخ في النص الذي ينقله، لكن في مكان خاطئ، تعليقا هامشيا يحتوى على قراءة مختلفة أو على شرح ما. والجدير بالذكر أن بعض النساخ الأتقياء أقدموا، بإدخال تصحيحات لاهوتية، على تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لهم معرضة لتفسير عقائدي خطر.

كذلك تقول الترجمة الفرنسية المسكونية فيما يتعلق بنصوص أسفار العهد الجديد: "إن نص العهد الجديد ظل يُنسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء، التي تحول دون أن تتصف أي نسخة كانت، مهما بذل فيها من الجهد، بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه.

يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحيانا، عن حسن نية، أن يصوبوا ما بدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة، أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أن تكون كلها خطأ.

ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل، على مر القرون، تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلا بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات. ولا يرجى في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه".

خامساً: نبوة محمد r

ينكر اليهود إلى اليوم نبوة المسيح، u، وكذلك يتفقون مع النصارى في إنكار نبوة محمد r. ومن العجيب أن التوراة تضع شرطين، لابد منهما للحكم على صدق النبوة:

1. الشرط الأول: أن يدعو النبي إلى عبادة الله الواحد الأحد.

فبالنسبة للشرط الأول، قال الرب لموسى ولبني إسرائيل:

"إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلما وأعطاك آية أو أعجوبة. ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلا لنذهب وراء آلهة أخرى.. فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم، لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم. وإياه تعبدون وبه تلتصقون. وذلك النبي أو الحالم، ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم" (سفر التثنية 13: 1 ـ 5).

2. الشرط الثاني: أن تتحقق تنبؤات ذلك النبي فيما يتعلق بأحداث المستقبل.

وبالنسبة للشرط الثاني: قال الرب لموسى ولبنى إسرائيل:

"وإن قلت في قلبك كيف تعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب. فما تكلم به النبي باسم الرب. ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه" (سفر التثنية 18: 21 ـ 22).

وهذان الشرطان ينطبقان تماماً على نبوة محمدr، بكل بساطة ووضوح.

فقد قامت نبوته أساسا على التوحيد الخالص وأنه لا إله إلا الله.

وبالنسبة لصدق تنبؤات المستقبل، فذلك شيء حفل به القرآن. ويكفي في هذا المجال نبوءة واحدة، تتعلق بصراع القوى الكبرى، في عصر النبوة، إلا وهو التنبؤ بانتصار الروم على الفرس رغم ما لحق بهم من هزائم متوالية، ولقد جاء ذلك في سورة تعرف باسم "الروم".

يقول المؤرخ الإنجليزي ستيفن رنسيمان: "فى ربيع سنة 614م، دخل فلسطين القائد الفارسي شهر باراز، فصار ينهب الأراضي ويحرق الكنائس أينما سار.. وفى 15 أبريل سنة 614 م، اقتحم بيت المقدس واستعد البطريرك زكريا لتسليم المدينة؛ ليتجنب سفك الدماء، غير أن السكان المسيحيين رفضوا الاستكانة إلى التسليم. وفى 5 مايو سنة 614م، وبفضل مساعدة اليهود المقيمين داخل المدينة، شق الفرس طريقهم إلى داخل المدينة، فتلى ذلك من المناظر المريعة ما يجل عن الوصف. على أن سقوط بيت المقدس في أيدي الفرس كان صدمة عنيفة للعالم المسيحي، وما قام به اليهود من دور لم يجز نسيانه، أو اغتفاره، فاتخذت الحرب مع الفرس صفة الحرب المقدسة.

فلما صار هرقل آخر الأمر سنة 622م قادرا على أن يتخذ خطة الهجوم على العدو، نذر نفسه وجيشه لله. واستطاع هرقل آخر، على الرغم مما جرى من تقلبات عديدة في الأحداث، وما اشتد من القلق واليأس في أوقات عديدة، أن ينزل الهزيمة الساحقة بالفرس".

لقد حزن المسلمون لهزائم الروم، لما شعروا به نحوهم من روابط القربى، في الإيمان بالله والملائكة والكتاب والنبيين، على حين فرح مشركو مكة وما حولها بانتصار الفرس.

يقول المستشرق كارل بروكلمان: "هلل المكيون لهذه الانتصارات الفارسية ولكن محمدا r أعلن لأتباعه أن الهزيمة لابد أن تحل بالفرس في وقت قريب. ولقد استمرت الأمور تسير بعد نزوله آية النبوءة هذه في غير صالح الروم، إذ استولى الفرس على مصر كما هددوا القسطنطينية قلب الإمبراطورية. ولكن ما أن جاء عام 622م حتى بدأ الموقف يتحول لصالح الروم. واتخذ هرقل خطة مهاجمة الفرس، فقام بثلاث حملات باهرة في الإقليم الواقع من خلف جبال القوقاز. ثم لم يلبث أن انتزع من كسرى ثمرات النصر الذي تم له وتعقبه حتى عاصمة ملكه. ومن ذلك الحين والإمبراطورية الساسانية (الفارسية) تسير قدماً نحو مصيرها النهائي المحتوم إلى الدمار".

حدث هذا ولما يمضي على نزول آية النبوءة هذه بضع سنين، وهو العدد أقل من عشرة.

التنبؤ بحفظ النبي r من محاولات قتله:

قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[ (سورة المائدة: الآية 67).

وقالت عائشة رضي الله عنها: ]كَانَ النَّبِيُّ r يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r رَأْسَهُ مِنْ الْقُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2972).

لقد اكتملت رسالة النبي r في حياته، ومات ميتة طبيعية على فراشه بين أهلة وصحابته، فتحققت بذلك نبوءة القرآن تماما.

3. صفات النبي r المرتقب الذي بشرت به الأسفار

أ. من توراة موسى

هو نبي مثل موسى يجعل الله كلامه في فمه، فلا ينطق عن الهوى (سفر التثنية 18: 18).

ب. من المزامير

"تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار.. اركب من أجل الحق والدعة والبر فتريك يمينك مخاوف.. شعوب تحتك يسقطون.. بنات ملوك بين حظياتك" ـ (المزمور 45).

ولقد تحقق هذا في نبينا محمد رسول الله r، في حروبه ضد الكفار والمشركين.

ج. من سفر أشعياء

يشتهر بأنه عبد الله ورسوله: "هو ذا عبدي الذي أعضده. مختاري الذي سرت به نفسي. وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم". ـ يسود الدين وتكتمل الشريعة التي جاء بها في عهده، لا من بعده: "لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته".

يعصمه الله من الناس: "أمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم".

يأتي من الصحراء (البرية) وينتسب إلى إسماعيل بن إبراهيم: "لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار". وقيدار هذا هو الابن الثاني لإسماعيل (سفر التكوين 25: 13).

الشعب الذي ظهر فيه وانتصر عليه كان من عباد الأوثان: "يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات، القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا. رجل حرب مقدام ينتصر على أعدائه: "كرجل حروب ينهض غيرته. يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه. في مناسك دينه هتاف وتسبيح من رؤوس الجبال: "من رؤوس الجبال ليهتفوا، ليعطوا للرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر". وهذا يحدث في موسم الحج حيث أهم مناسكه الوقوف بجبل عرفات.

4. المختار روح الحق

تحدث المسيح عن رسول آت بعده سماه المختار روح الحق، وذلك في إصحاحات ثلاث أرقامها 14، 15، 16. كان مما قاله:

"أقول لكم الحق إنه خير لكم أن انطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المختار.. ومتى جاء ذاك، يبكت العالم على خطاياه لأنهم لا يؤمنون بي.

إن لي أموراً كثيرة لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل بكل ما يُوحى به يتكلم، ويخبركم بأمور آتية" (إنجيل يوحنا 16: 7 ـ 13).

من هنا يتضح عدة أمور منها:

أ. إن المسيح وروح الحق لا يجتمعان في وقت واحد، وأن الثاني لا يأتي إلا بعد رحيل الأول.

ب. وأن روح الحق كائن مستقل لا يتكلم من نفسه، إنما ينقل إلى الناس الحق الذي يسمعه.

ج. وأنه سوف يتنبأ بأمور آتية فيما بعد.

د. ولما كان يوحنا، كاتب هذا الكلام، في إنجيله قد بين، في رسالته الأولى، أن روح الحق إنسان مؤمن (4: 6)، ولما كانت حاشية الترجمة الفرنسية المسكونية قد ذكرت أن روح الحق الذي تكلم عنه يوحنا في إنجيله (14: 17) هو ذاته الذي تكلم عنه في رسالته الأولى، ولما كان الروح القدس قد لازم المسيح منذ عمده يوحنا "واستقر عليه ـ إنجيل يوحنا 1: 32" ـ من كل ما سبق يتبين أن روح الحق غير الروح القدس. ويتبين أن روح الحق الذي تحدث عنه المسيح إنما هو إنسان رسول يأتي بعده، ويبكت العالم على أنه لم يؤمن بالمسيح الإيمان الحق، أي أنه عبد الله ورسوله. وأن هذا الرسول المرتقب ليس إلا النبي، الذي كان ينتظره بنو إسرائيل (يوحنا 1: 21).

وأخيرا فإن هذا النبي المرتقب سوف يخبر ببعض أحداث المستقبل. وقد تحققت في عالم الواقع، ولاشك أن الواقع هو خير برهان.

وإذا كان المسيح قد قال إنه سيبقى في الناس إلى الأبد، فإن هذا يتمشى مع لغة الأسفار، التي عندما تتحدث أحيانا عن رسل الله إلى الناس، فإنها تعني كتب الله التي جاء بها هؤلاء الرسل إلى الناس. وهذا ما تبينه قصة "الفتى ولعازر "التي ذكرها إنجيل لوقا (16: 19-31)، إذا عندما قال الغنى لأبينا إبراهيم عليه السلام: "أسألك أن ترسله إلى بيت أبي؛ لأن لي خمسة أخوة حتى يشهد لهم لكيلا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا. قال له إبراهيم: عندهم موسى والأنبياء".

فالمقصود بهذه العبارة: عندهم كتب موسى وكتب الأنبياء. وعلى ذلك يكون المقصود من قول المسيح أن روح الحق سيكون "مختاراً آخر ليمكث معكم إلى الأبد 14 ـ 16"،هو أن الكتاب الذي سيأتي به ذلك الرسول، الذي يتعقب المسيح سيبقى محفوظا إلى الأبد. وهذا لا يتأتى إلا إذا تكفل الله ـ سبحانه ـ بحفظه. فلقد أثبت الواقع أن كثيرًا ممن استحفظوا على كتب الله السابقة قد حرفوها وبدلوها.

ولهذا قال الله في القرآن ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ (سورة الحجر: الآية 9).

]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[ (سورة فصلت: الآيتان 41، 42).

وفي نهاية هذه الرحلة عبر الأديان والمذاهب وعقائد الشعوب وفلسفاتها، يتضح جليًا أن العقيدة الإسلامية عقيدة توقيفية، بمعنى أنها موحى بها من عند الله تعالى، ولم تكن نتاج عقل بشري، ولا تستمد من غير الوحي، وذلك تمييزاً لها عن الفلسفة التي يصنعها الفكر البشري حول الإله، وتمييزاً لها كذلك عن المعتقدات الوثنية التي تصنعها المشاعر والأخيلة والأوهام والتصورات البشرية.

وهذه العقيدة الإسلامية، هي العقيدة الوحيدة التي سلم أصلها من التحريف ]إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَاِفِظُونَ[ (سورة الحجر: الآية 9). بينما العقائد السماوية التي جاءت بها الديانات السابقة، قد دخلها التحريف وخلط فيها الحق بالباطل؛ لذا فللعقيدة الإسلامية خصائص ومميزات منها:

أ. أنها عقيدة وضاحة سهلة بعيدة عن التعقيدات، وليس فيها غموض وليست محتكرة على من يسمون رجال الدين.

ب. أنها عقيدة فطرية متلائمة مع الفطرة الإنسانية، تنميها ولا تصادمها. ]فِطْرَةَ اللهِ التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا[ (سورة الروم: الآية 30).

ج. أنها عقيدة ثابتة، لا تتغير، ولا تتبدل، بمرور الأزمان، وتعاقب الأجيال.

د. أنها عقيدة، تقيم البراهين الساطعة والحجج الباهرة على كل مسألة فيها، بل يطالب القرآن الكريم خصومه بإقامة الدليل ]قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين[ (سورة البقرة: الآية 111)، و(سورة النمل: الآية 64).

وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كتابا اسمه: "درء تعارض العقل والنقل" بين فيه أنه لا يوجد قط نص صحيح يخالف العقل الصريح.

والقرآن الكريم يقيم الأدلة في الكون والنفس والتاريخ على ربوبية الله، وألوهيته وكماله. ويقيم الأدلة على البعث.

هـ. ومن مميزات العقيدة الإسلامية أنها عقيدة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط.



[1] 'تقول الترجمة الفرنسية المسكونية ! Jacob Lutte avec Dieu.