إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / النار









شُبُهات

المبحث الأول

النار في العقيدة الإسلامية

إن أول أساس يقوم عليه المجتمع المسلم هو العقيدة الإسلامية، التي يستمد منها أفكاره ومفاهيمه وتصوراته عن الكون والحياة؛ فالمجتمع المسلم تسوده أفكار ومفاهيم يتميز بها، وتحدد وجهة نظره إلى الأشياء والأحداث والأشخاص والمواقف، والقيم والأخلاق وهو في ذلك كله يستمد شخصيته الإسلامية المتميزة من مصادر الإسلام النقية. التي تحدد له فلسفته الكلية عن المبدأ، والمصير، والغاية، وتجيب الإنسان عن أسئلته القديمة الجديدة: من أين ؟ وإلى أين ؟ ولم ؟

ومن عقائد المسلمين الراسخة في الوجدان أيقن المسلم أن وراء هذه الحياة الدنيوية حياة أخرى توفى فيها كل نفس ما كسبت، وتجزى بما عملت، فيجزى الذين أحسنوا بالحسنى والذين أساءوا بما عملوا. إذا فالحياة ليست عبثاً والحقوق لا تضيع لأن هناك حساباً وميزاناً وثواباً وعقاباً، وجنة وناراً؛ ومن ثم ترسخ في القلوب مبادئ الحق. وقواعد العدل. ومعاني الخير. إنها ثمرات الإيمان التي تنعكس على الجوارح وتهب للحياة معانيها وللإنسان إنسانيته وأخلاقه. إن الإيمان بالنار في شعور المسلم يمثل جانباً أخلاقيا يدفعه إلى الالتزام بأحكام الشريعة كما يحمله إلى المسامحة والعطاء والحب: ]يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا[ (سورة الإنسان: الآيات 7 ـ 10).

أولاً: وجود النار

مذهب أهل السنة أن النار مخلوقة وموجودة الآن. وظل اتفاق أهل السنة على ذلك، حتى ظهرت فرقة المعتزلة في العصر العباسي فأنكرت وجود النار الآن، وقالت بل الله سبحانه سينشئها مع الجنة يوم القيامة.

ثانياً: أدلة وجود النار

1. من القرآن

قوله تعالى: ]فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ[ (سورة البقرة: الآية 24)

وقوله سبحانه: ]وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين[ (سورة آل عمران: الآية 131).

وقوله سبحانه: ]إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا[ (سورة الأحزاب: الآية 64).

وقوله سبحانه: ]وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[ (سورة الفتح: الآية 6).

2. من السنة

عن الرسول r قَالَ ]أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 28).

ومن حديث أنس قَال ]َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا قَالُوا مَا رَأَيْتَ قَالَ رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 11828).

ثالثاً: شبهة من قال بأن النار لم تخلق بعد

قالوا: لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت، وذلك لقوله تعالى: ]كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ[ (سورة القصص: الآية 88).

ورد عليهم أهل السنة بأقوال منها:

1. إن المراد "كل شيء" مما كتب الله عليه الفناء والهلاك "هالك" والنار خلقت للبقاء لا للفناء، وكذلك عرش الرحمن فإنه سقف الجنة.

2. وقيل: إن الله تعالى أنزل: ]كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ[ (سورة الرحمن: الآية 26)، فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال تعالى: ]كل شيء هالك إلا وجهه[ لأنه حي لا يموت فأيقنت الملائكة من ذلك بالموت.

3. وإنما قال أهل السنة ذلك في تفسير الآية، توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة الدالة على بقاء النار.

قول جمهور الأئمة من السلف والخلف أن النار لا تفنى أبداً. وذهبت جماعة من العلماء إلى فناء النار ومجموع الأقوال في أبدية النار وأحوال أهلها فيها ثمانية أقوال:

الأول: أن من دخلها لا يخرج منها أبد الآباد. وهذا قول الخوارج والمعتزلة.

الثاني: أن أهلها يعذبون فيها، ثم تنقلب طبيعتهم وتصبح طبيعة نارية يتلذذون بها لموافقتها لطبعهم ! ومنها سمى العذاب عذاباً من العذوبة، وهو قول محي الدين بن عربي.

الثالث: أن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود، ثم يخرجون منها، ويخلفهم فيها قوم آخرون، وهذا القول حكاه اليهود للنبي r، فأكذبهم فيه، وقد أكذبهم الله تعالى، فقال عز من قائل: ]وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ (سورة البقرة: الآيتان 80، 81).

الرابع: يخرجون منها، وتبقى على حالها ليس فيها أحد.

الخامس: أنها تفنى بنفسها، لأنها حادثة وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه !! وهذا قول الجهم وشيعته، ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار.

السادس: تفنى حركات أهلها ويصيرون جماداً، لا يحسون بألم. وهذا قول أبي الهذيل العلاف شيخ المعتزلة.

السابع: أن الله يخرج منها من يشاء، كما ورد، ثم يبقيها شيئا ثم يفنيها. فإنه سبحانه جعل لها أمداً تنتهي إليه. وهذا القول منسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.

الثامن: أن الله تعالى يخرج منها من يشاء. كما ورد في السنة، ويبقي فيها الكفار، بقاءً لا انقضاء له. وهذا قول جمهور أهل السنة والجماعة.

والقولان الأخيران لأهل السنة وما عداهما ظاهر البطلان.

رابعاً: أدلة القائلين بفناء النار

استدلوا بقوله تعالى: ]قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ[ (سورة الأنعام: الآية 128)، وقوله تعـالى: ]فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ[ (سورة هود، الآيتان 106، 107). ولم يأت بعد هذين الاستثناء ين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة، وهو قوله: ]عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ[ (سورة هود: الآية 108)، وقوله تعالى: ]لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا[ (سورة النبأ: الآية 23). وهذا القول، أي القول، بفناء النار دون الجنة ـ منقول عن عمر، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وغيرهم. وقد روي عن عمر رضي الله عنه، في تفسير قوله تعالى: ]لابثين فيها أحقابا[ً أنه قال: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه". وعن أبي هريرة يرفعه  ]لابثين فيها أحقابا[ قال: الحقب ثمانون سنة، وعن ابن عباس: الحقب سنين، وعن بن عمر: الحقب الواحد ثمانون سنة. قالوا: والنار موجب غضبه، والجنة موجب رحمته. وقد قال r ]لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 2955).

قالوا: والله سبحانه يخبر عن العذاب أنه: ]عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ[ (سورة الأعراف: الآية 59). و"أليم". و"عقيـم". ولم يخبر ولا في موضع واحد عن النعيم أنه نعيم يوم. وقد قال تعالى: ]عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[ (سورة الأعراف: الآية 156) وقال تعالى حكايةً عن الملائكة: ]رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا[ (سورة غافر: الآية 7). فلابدّ أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين، فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته، وقد ثبت في الصحيح تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة، والمعذبون فيها متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم، وليس في حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقاً يعذبهم أبد الآباد عذاباً سرمدياً لا نهاية له، وأما أنه يخلق خلقاً ينعم إليهم ويحسن إليهم نعيماً سرمداً، فمن مقتضى الحكمة. قالوا: وما ورد من الخلود فيها، والتأييد، وعدم الخروج، وأن عذابها مقيم، وأنه غرام ـ: كله حق لا نزاع فيه، ولكنه يعني الخلود في دار العذاب ما دامت باقيةً، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد. ففرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.

خامساً: أدلة القائلين ببقاء النار

ومن أدلة القائلين ببقائها وعدم فنائها: قوله تعالى: ]وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ[.(سورة المائدة: الآية 37) ]لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ[.(سورة الزخرف: الآية 75) ]فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً [ (سورة النبأ: الآية 30).] خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً[.(سورة النساء: الآية 169) ]وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ[.(سورة الحجر: الآية 48) ]وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[.(سورة البقرة: الآية 167) ]وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ[.(سورة الأعراف: الآية 40) ]لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا[.(سورة فاطر: الآية 36) ]إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً[ (سورة الفرقان: الآية 65)، أي مقيماً لازماً. وقد دلت السنة المستفيضة أنه يخرج من النار من قال: "لا إله إلا الله": وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان . وبقاء الجنة والنار ليس لذاتهما، بل بإبقاء الله لهما.

وأما قوله تعالى: ] خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَُ[ (سورة هود: الآية 107)، فإن القرآن عربيٌ، ومن عادة العرب ،إذا أرادت أن تصف الشئ بالدوام أبداً، قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض، وكذلك يقولون: هو باق ما اختلف الليل والنهار، ومن ثم خاطبهم الله تعالى بما يتعارفونه بينهم فقال ]مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ[ (سورة هود: الآية 107).

ويحتمل أن المراد سموات وأرض أخرى في الآخرة، لأنه لا بد في عالم الآخرة من سموات وأرض، ولذا قال الحسن: سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه. وقال ابن عباس: لكل جنة سماء وأرض. وأمَّا الاستثناء (إلا ما شاء الله ) فهو عائد على العُصاه من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا الكافر المحض ويجب له الخلود فيها. وذلك واضح من حَدَّثَنَا أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4361).

سادساً: علم الله سبحانه بأهل الجنة وأهل النار قبل خلقهم

ومن عقائد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً. فمن شاء منهم أدخله الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم أدخله النار عدلاً منه، وكل يعمل لما قد فرغ له. وصائر إلى ما خُلق له.

أدلة أهل السنة على ذلك

قوله تعالى: ]وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ[ (سورة الأعراف: الآية 179).

]إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا[ (سورة الإنسان: الآيتان 2، 3).

ومن المعلوم من الدين بالضرورة، أن الله تعالى لا يمنع الثواب إلا إذا منع سببه، وهو العمل الصالح، فإنه: ]وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا[ (سورة طه: الآية 112). وكذلك لا يعاقب أحداً إلا بعد حصول سبب العقاب، فإن الله تعالى يقول: ]وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ[ (سورة الشورى: الآية 30). وهو سبحانه المعطى المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع. لكن إذا من على الإنسان بالإيمان والعمل الصالح، فلا يمنعه موجب ذلك أصلاً، بل يعطيه من الثواب والقرب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وحيث منعه ذلك فلانتفاء سببه، وهو العمل الصالح. ولا ريب أنه يهدى من يشاء، ويضل من يشاء، ولكن ذلك كله حكمة منه وعدل. فله الحمد في الحالين، وهو المحمود على كل حال، كل عطاء منه فضل، وكل عقوبة منه عدل، فإن الله تعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها التي تصلح لها، كما قال تعالى: ]وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[ (سورة الأنعام: الآية 124). وكما قال تعالى: ]وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ[ (سورة الأنعام: الآية 53).

ويجب أن يُعلم أن هداية الله متعلقة بإرادته سبحانه ، فلا راد لحكمه ولا مانع من هدايته. وأن هداية الله سبحانه سابقة لسؤال عباده، فبهدايته سبحانه آمن البشر. فالهداية سابقة على الإيمان، وكذا بهدايته دعاه الداعي، فقد هدى الداعي للدعاء قبل أن يدعو، وهدى المؤمن للإيمان قبل أن يؤمن، ومن ثم يجب أن يُعلم أن الأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى.

سابعاً: مكانة الإيمان بالنار وأثره في التشريع الإسلامي

لكي يكون التشريع التنظيمي الذي وضعه الله للبشر محترماً مطاعاً في أمره ونهيه، يجب أن يكون إلى جانبه من الأحكام والترتيبات ما يضمن له هذه الحرمة، ويُلجئ الناس إلى طاعته. وذلك بأن يرتب الشارع على المخالفة لأمره ما يجعل طريق المخالف وعر المسالك، عقيم المساعي، بحيث لا يجد الإنسان الثمرة التي يبتغيها من عمله ومسعاه إلا في سلوك الطريق التي عينها الشارع. وإن لم يكن كذلك؛ فإن التشريع يصبح فاقداً لصفته الإلزامية، ويكون عندئذ أشبه بالمواعظ الإرشادية، فتسهل على الناس مخالفته إذا كانت مخالفته كطاعته من حيث النتيجة في تحصيل الثمرة التي يسعى إليها الفاعل.

هذه الأحكام والترتيبات يسميها فقهاء الإسلام زواجر، لأنها تزجر عن الابتعاد عن التزام الشرع ومخالفة أوامره وهي بالنسبة إلى أصل الشريعة كالجيش بالنسبة إلى البلاد ومصالحها، يذود عنها، ويحمي حدودها، وينكل بمن يتجاوز عليها. ولمَّا كان هذا الرادع تأديبياً لا يضمن منع المخالفات وقطع دابر الإجرام، أكمل الشرع ذلك بالعقوبات البدنية، والمالية، والمعنوية، من حدود، وقصاص، وتعزير. وهذا يوضح مدى أهمية تأثير الإيمان في سلوك الناس وحصر جانب الشر في نفوسهم، ومحاربة الشر قبل وقوعه وهو يفرق عن القانون الوضعي البشري الذي يعمل على العقاب لا التقويم. ويحاسب على وقوع الشر لا يمنع أصل الوقوع.

ثامناً: هل يحكم على شخص معين أنه من أهل النار؟

مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يحكم على أحد معين من أهل القبلة إنه من أهل الجنة أو من أهل النار، وقد نص أهل السنة أنه لا بد أن يدخل النار من أهل الكبائر من يشاء الله إدخاله النار، ثم يخرج منها برحمة الله سبحانه إذا أذن للشافعين بالشفاعة، ولكنهم - أهل السنة - لا يشهدون للشخص المعين بجنة أو نار لأن حقيقة إيمان شخص ما، وخاتمته التي مات عليها، لا يعلمها إلا الله، وإنما هم  يرجون للمحسن ويخافون على المسيء. ولا يجزمون لأحد بعينه بأنه من أهل النار إلا من ورد ذلك في شأنه من الكتاب وصحيح السنة، مثل:

1. الكفار بالله تعالى، أو نبي من الأنبياء، أو بما عُلم من الدين بالضرورة، والمشركين بالله على اختلاف أنواعهم، قال تعالى: ]وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا[ (سورة الزمر: الآية 71). وقال تعالى: ]مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ[ (سورة المائدة: الآية 72). وكذا المنافقين، نفاقاً أكبر، قال تعالى: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ[ (سورة النساء: الآية 145).

2. فرعون الذي أُرسل إليه نبي الله موسى عليه السلام، فكذَّب وأدعى الربوبية وقال أنا ربكم الأعلى، وأدعى الألوهية فقال (ما علمت لكم من إله غيري)[1].

3. قال تعالى مخبراً عن حال فرعون: ]يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ[ (سورة هود: الآية 98).

4. امرأة النبي نوح u وكذا امرأة النبي لوط u، قال تعالى: ]ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ[ (سورة التحريم: الآية 10).

5. أبو لهب واسمه عبد العزى بن عبدالمطلب، وزوجته أم جميل وهي أخت لأبي سفيان بن حرب، قال تعالى: ]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ[ (سورة المسد: الآيات1- 5).

6. عمرو بن عامر الخزاعي، قال رسول الله r: ]رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّائِبَةَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 8432)، قُصْبه: بضم القاف وسكون الصاد: أي الأمعاء.

7. أبو جهل بن هشام، قال رسول الله r حين رأى أبو جهل مقتولاً يوم بدر: ]أَتَيْتُ أَبَا جَهْلٍ وَقَدْ جُرِحَ وَقُطِعَتْ رِجْلُهُ قَالَ فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ بِسَيْفِي فلا يَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا قِيلَ لِشَرِيكٍ فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ يَذُبُّ بِسَيْفِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى أَخَذْتُ سَيْفَهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى قَتَلْتُهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ r فَقُلْتُ قَدْ قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ وَرُبَّمَا قَالَ شَرِيكٌ قَدْ قَتَلْتُ أَبَا جَهْلٍ قَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ آللَّهِ مَرَّتَيْنِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ فَذَهَبَ فَأَتَاهُ وَقَدْ غَيَّرَتْ الشَّمْسُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَمَرَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ فَسُحِبُوا حَتَّى أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ قَالَ وَأُتْبِعَ أَهْلُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً وَقَالَ كَانَ هَذَا فِرْعَوْنَ هَذِهِ اْلأُمَّةِ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 3633).

8. عاقر الناقة في قوم ثمود.

9. وقاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال رسول الله r: ]ألا أحدثكم بأشقى الناس؟ رجلين. أحيمر ثمود الذي عقر الناقة. والذي يضربك يا علي حتى تبتل منها[ (رواه الطبراني والحاكم).

واُحَيْمر: تصغير أحمر وهو قذار بن سالف.

والذي قتل على بن أبي طالب هو عبدالرحمن بن ملجم، وهو من الخوارج.

10. أبو طالب، عم رسول الله r؛ لأنه رفض أن يقول لا إله إلا الله، وهو على فراش موته على الرغم من تكرار طلب النبي ذلك منه، قال رسول الله عنه أنه: ]فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 11094).

11. آذر: والد إبراهيم عليه السلام.

12. أبو الغادية: قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه، لقول النبي r: ]إِنَّ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ فَقِيلَ لِعَمْرٍو فَإِنَّكَ هُوَ ذَا تُقَاتِلُهُ قَالَ إِنَّمَا قَالَ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 17108).

13. حابسة الهرة: وهي امرأة من حمير قال عنها، عليه الصلاة والسلام، ]دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا أَوْ هِرٍّ رَبَطَتْهَا فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلاً[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 4751).

ومن شعراء العرب

1. امرؤ القيس بن حجر الكندي: عن أبي هريرة قال رسول الله r: ]امْرُؤُ الْقَيْسِ صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 6830).

2. أميه بن أبي الصليت: وقيل هو الذي نزل فيه قوله تعالى: ]وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 175).

تاسعاً: من أسماء النار في القرآن الكريم

1. جهنم، قال تعالى: ]هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ[ (سورة يس: الآية 63).

2. لظى، قال تعالى: ]كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى[ (سورة المعارج: الآيتان 15، 16).

3. سقر، قال تعالى: ]يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر[َ، (سورة القمر: الآية 48).

4. الحطمة، قال تعالى: ]كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ[، (سورة الهمزة: الآيات 4-6)[2]

5. الهاوية، قال تعالى: ]وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ[ (سورة القارعة: الآيات 8 - 11).

6. السعير، قال تعالى: ]فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ[ (سورة الشورى: الآية 7).

7. الجحيم،  قال تعالى: ]أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ[  (سورة المائدة: الآية 86)

عاشراً: صفات أهل النار، وأصنافهم، وأقسامهم

قال تعالى: ]مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ[ (سورة المدثر: الآيات 42 ـ 45). عن حارثة بن وهب، عن النبي r قال: ]أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ[، (رواه البخاري، الحديث الرقم 4537). و"العتل" قال مجاهد وعكرمة: هو القوي. وقال إبراهيم النخعى: العتل: الفاجر، والزنيم: اللئيم في أخلاق الناس. وأما المستكبر: فهو الذي يتعاطى الكبر على الناس والتعاظم عليهم، قال تعالى: ]أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ[ (سورة الزمر: الآية60). وعن النبي r: ]يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الصَّغَارِ حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ فَتَعْلُوَهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 6390).

فعقوبة التكبر الهوان والذل، كما قال تعالى: ]فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ[ (سورة الأحقاف: الآية 20). وعن النبي r فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال: ]الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي النَّارِ[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 4165) يعني ألقيته في جهنم. وعن أبي هريرة عن النبي r قال: ]تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتْ الْجَنَّةُ مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا[.(رواه البخاري ومسلم)، وعنه t، عن النبي r قال: ]حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 6006).

عن النبي r قال: ]لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ فَوَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَـا فَانْظُـرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا قَالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ قَالَ اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2483).

فتبين بهذا أن التكبر والتعاظم على الخلق، من صفات أهل النار، وكذا الطغيان والبغي كما قال تعالى: ]كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[ (سورة العلق: الآيتان 6، 7). والطغيان وإيثار الحياة الدنيا وشهواتها من موجبات النار، كما قال تعالى: ]فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى[ (سورة النازعات: الآيات: 37 ـ 39). وعن عياض بن حمار أن النبي r قال: ]وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا أَوْ تُبَعَاءَ لاَ يَبْتَغُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً وَالْخَائِنُ الَّذِي لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلاَّ خَانَهُ وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَذَكَرَ الْبُخْلَ وَالْكَذِبَ وَالشِّنْظِيرَ الْفَاحِشَ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 16837).

فقد قسم النبي r، في هذا الحديث، أهل النار خمسة أصناف:

1. الصنف الأول

الضعيف الذي لا قوة له ولا إرادة أو عزم على فعل ما ينفعه، وهذا القسم شر أقسام الناس ونفوسهم ساقطة، لأنهم ليس بهم همم في طلب الدنيا ولا الآخرة، وإنما همة أحدهم تحصيل شهوة زائلة، ومصلحة قاصرة، ومتع سهلة وضيعة، وكل همه هو اتباع الناس، خادم لهم، أو طّواف عليهم سائل لأموالهم.

2. الصنف الثاني

الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه. أي لا يترك خيانة ولو كانت حقيرة يسيرة إلا بادر إليها واغتنمها.

3. الصنف الثالث

المخادع الذي دأبه صباحاً ومساءاً مخادعة الناس على أهليهم، وأموالهم، والخداع من أوصاف المنافقين كما وصفهم الله تعالى بذلك، والخداع معناه إظهار الخير وإضمار الشر لقصد التوصل إلى أموال الناس وأهليهم والانتفاع بذلك، وهو من جملة المكر والحيل المحرمة، وفي حديث ابن مسعود عن النبي r: ]من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار[ (رواه ابن حبان والطبراني).

4. الصنف الرابع

الكذب والبخل، والكذب والبخل خصلتان، كلاهما ينشأ عن الشح كما جاء ذلك في الأحاديث، والشح هو شدة حرص الإنسان على ما ليس له من الوجوه المحرمة، وينشأ عنه البخل، وهو إمساك الإنسان ما في يده والامتناع من إخراجه في وجوهه التي أمر بها، فالمخادع الذي سبق ذكره هو الشحيح، وهذا الصنف هو البخيل، فالشح أخذ المال بغير حقه، والبخل منعه من حقه. وينشأ عن الشح كذلك الكذب والمخادعة والتحايل على ما لا يستحقه الإنسان بالطرق الباطلة المحرمة. عن النبي r قال: ]إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم. 5629).

5. الصنف الخامس

الفاحش المتفحش، عن عائشة عن النبي r قال: ]إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 5666).

حادي عشر: ذكر أول من يدخل النار من عصاة الموحدين

عن أبي هريرة عن النبي r في حديث طويل ذكر فيه المقاتل والقارئ والمتصدق الذين يراءون بأعمالهم ويكذبون على الله يوم القيامة، قال:  ]حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2304؛ ومسلم، الحديث الرقم 1905).

ثاني عشر: أنواع أهل النار فيها، وتفاوتهم في العذاب بحسب أعمالهم

قال تعالى: ]وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا[ (سورة الأنعام: الآية 132). وقال تعالى: ]جَزَاءً وِفَاقًا[ (سورة النبأ: الآية 26). قال ابن عباس: وافق أعمالهم. فليس عقاب من تغلَّظ كفره وأفسد في الأرض ودعا إلى الكفر كمن ليس كذلك. قال تعالى: ]الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ[ (سورة النحل: الآية 88). وقال تعالى: ]وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءاَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ[ (سورة غافر: الآية 46). وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم، فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أهل الصغائر، وقد يخفف عن بعضهم العذاب بحسنات أخرى له أو بما شاء الله من الأسباب. عن سمرة بن جندب عن النبي r قال: ]إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ[، (رواه أحمد، الحديث الرقم 19244) وعَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ]قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ قَالَ نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ لَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 5740).

وأما الكفار إذا كان لهم حسنات في الدنيا من العدل والإحسان إلى الخلق فهل يخفف عنهم بذلك من العذاب في النار أم لا ؟ هذا فيه قولان للسلف وغيرهم، أحدهما: أنه يخفف عنهم بذلك. وقد سبقت الأحاديث في تخفيف العذاب عن أبي طالب بشفاعة النبي r. والثاني: أن الكافر لا ينتفع في الآخرة بشيء من الحسنات بحال، ومن حجة أهل هذا القول قوله تعالى: ]وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا[ (سورة الفرقان: الآية 23). وقوله تعالى: ]مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ[ (سورة إبراهيم: الآية 18). وعن أنس عن النبي r قال: ]إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 5022).

وفي رواية له: ]إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنْ الدُّنْيَا وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللَّهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ فِي الآخِرَةِ وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِه[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 5023). وعن عائشة قالت قلت لرسول الله r: ]ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ لاَ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 23480).

وهؤلاء جعلوا تخفيف العذاب عن أبي طالب بشفاعة النبي r، وجعلوا هذه الشفاعة من خصائص النبي r لا يشركه فيها غيره.

ثالث عشر: خزنة النار

خزنة النار هم من الملائكة كما قال تعالى: ]عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[ (سورة التحريم: الآية 6).

عددهم تسعة عشر ملكاً كما قال تعالى: ]عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ[، (سورة المدثر: الآية 30).

رابع عشر: مكان النار

اختلف أهل العلم في مكان النار فقال بعضهم: هي في الأرض السفلى وقال آخرون هي في السماء وتوقف فريق ثالث لعدم وجود نص يعتمد عليه في تحديد هذا الأمر.

خامس عشر: سعة النار وبعد قعرها

النار شاسعة واسعة، بعيد قعرها، مترامية أطرافها، والدليل على ذلك: ]عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ[.

1. أن الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى، ومع كثرة عددهم؛ فإن خلق الواحد فيهم يضخم ومع ذلك فإنها تستوعب الأعداد الهائلة على امتداد الدنيا من الكفرة والمجرمين، ويبقى فيها متسع لغيرهم قال تعالى: ]يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ[ (سورة ق: الآية 30).

2. ويدل على بعد قعرها أن الحجر إذا ألقي من أعلاها احتاج إلى آماد طويلة حتى يبلغ قعرها، فقد روى أبو هريرة قال: كنا مع رسول الله r إذ سمع وجبة فقال النبي r: ]تَدْرُونَ مَا هَذَا قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 5078).

3. كثرة العدد الذي يأتي بالنار من الملائكة في يوم القيامة فقد وصف الرسول r [3]مجيء النار يوم القيامة الذي يقول الله فيه: ]وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ[ (سورة الفجر: الآية 23). فقال: ]يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 5076).

4. ومما يدل كذلك على سعتها قول رسول الله r: ]الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 2961).

سادس عشر: دركات النار

النار دركات متفاوتة في شدة حرها وهي ليست درجة واحدة، وكلما ذهبت النار سفلا كلما علا حرها واشتد لهيبها.

قال الله تعالى: ]إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ[ (سورة النساء: الآية 145). فللنار دركات، بينما للجنة درجات.

سابع عشر: أبواب النار

أبواب النار سبعة، قال الله تعالى: ]وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ[ (سورة الحجر: الآيتان 43، 44). قال ابن كثير في تفسير الآية: ( أي قد كُتَب لكل بـاب منها جزءً من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه أجارنا الله منها وكل يدخل من باب بحسب عمله ويستقر في الدرك بحسب عمله). وهذه الأبواب تغلق على المجرمين فلا مطمع لهم في الخروج منها كما قال تعالى: ]عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ[ (سورة البلد: الآية 20).  قال ابن عباس: (مؤصدة) مغلقة الأبواب.

وقد تفتح أبواب النار وتغلق قبل يوم القيامة فعن أبي هريرة عن النبي r قال: ]إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 618).

ثامن عشر: وقود النار

وقودها الناس والحجارة كما قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[ (سورة التحريم: الآية 6). والمراد بالناس الذين توقد بهم الكفرة والمشركين، وأمَّا نوع الحجارة التي تكون للنار وقوداً قال أهل العلم أنها من كبريت أسود يعذبون به مع النار، والنار إذا أُضمرت بحجارة الكبريت، كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها، وذلك لقوله تعالى: ]كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا[ (سورة الإسراء: الآية 97)، ليكون ذلك أشد عذاباً لأهلها.

ويقال فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها:

1. سرعة الإيقاد.

2. نتن الرائحة.

3. كثرة الدخان.

4. شدة الالتصاق بالأبدان.

5. قوة حرها إذا حميت.

وكذلك توقد النار بالمعبودات التي كانت تعبد من دون الله قال تعالى: ]إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ[ (سورة الأنبياء: الآية 98).

تاسع عشر: شدة حرها وعظم دخانها وشرارها

قال الله تعالى: ]وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ[ (سورة الواقعة: الآيات 41- 43).

وقد تضمنت هذه الآية ذكر ما يتبرد به الناس في الدنيا من الكرب والحر وهو ثلاثة: الماء والهواء والظل، وذكرت الآية أن هذه لا تغني عن أهل النار شيئاً فهواء جهنم السموم وهو الريح الحار الشديدة الحر، وماؤها الحميم الذي قد اشتد حره، وظلها اليحموم وهو قطع الدخان.

قال تعالى: ]انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ (30) لاَ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ[ (سورة المرسلات: الآيات30 – 33). هنا وصف الآية للدخان الذي يتصاعد من هذه النار لضخامته ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهو يلقي ظلالاً غير ظليلة، ولا تقي من اللهب المشتعل أما شرار هذه النار المتطاير منها فإنه يشبه الحصون الضخمة، كما يشبه هذا الشرار الجمالة الصفر أي الإبل السود.

وقد أخبر الرسول r أن: ]نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 3025). وهذه النار لا يخبو أوارها مع تطاول الزمان ومرور الأيام قال تعالى: ]كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا[ (سورة الإسراء: الآية 97). ولذلك لا يجد الكفار طعم الراحة ولا يخفف عنهم العذاب مهما طال العذاب ]فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ[ (سورة البقرة: الآية 86).

والنار تُسعَّر كل يوم، كما في الحديث عن عمرو بن عنبسة عن النبي r قال: ]صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاَةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 1374).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي r قال: ]إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 502). وتسعر النار في يوم القيامة عندما تستقبل أهلها ]وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ[ (سورة التكوير: الآية 12).ومعنى سُعَّرت: أوقدت وأحميت.

عشرون: النار تتكلم وتبصر

النار مخلوق يبصر ويتكلم ويشتكي؛ ففي القرآن الكريم أن النار ترى أهلها من مكان بعيد فعند ذلك تطلق الأصوات المرعبة الدالة على مدى حنقها وغيظها على هؤلاء الكفار قال تعالى: ]إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا[ (سورة الفرقان: الآية 12).

وعن أبي هريرة عن النبي r قال: ]تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاَثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2497).

حادي وعشرون: هل يرى أحد النار قبل يوم القيامة عياناً؟

لم يثبت إمكان ذلك إلا لرسول الله r، فقد روي عبدالله بن عباس في صلاة الخسوف، أن الرسول r قال: ]أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 4798).

وبعد أن يموت العباد تعرض عليهم النار في البرزخ؛ مقاعدهم في الجنة إن كانوا مؤمنين، ومقاعدهم في النار إن كانوا كافرين.

ثاني وعشرون: تأثير النار على الدنيا وأهلها

عن أبي هريرة قال رسول الله r: ]اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 3020). وقد سبق الحديث الذي فيه أن: (شدة الحر من فيح جهنم).

ثالث وعشرون: النار مسكن الكفرة والمشركين

بما أن الكفرة والمشركين خالدون في النار، فهي تعد بالنسبة لهم مأوى دائماً سيئاً مقيتاً، كما قال تعالى: ]أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[ (سورة يونس: الآية 8).

والدعاة إلى النار هم أصحاب المبادئ الضالة والمذاهب الباطلة المخالفون لشرع الله، المؤمنون بباطلهم، قال تعالى: ]أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ[ (سورة البقرة: الآية 221). وزعيم هؤلاء الدعاة الشيطان ]أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ[ (سورة لقمان: الآية 21).

وكفرة الجن يدخلون النار كما يدخلها إنس وهم يحشرون يوم القيامة مع الإنس قال تعالى : ]قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ[ (سورة الأعراف: الآية 38).

والذين يدخلون النار ثم يخرجون منها هم الموحدون الذين لم يشركوا بالله شيئا ولكن لهم ذنوب كثيرة ، فاقت حسناتهم؛ فخفت موازينهم؛ فهؤلاء بعضهم يعفو الله عنه، وبعضهم يدخلون النار مُددا يعلمها الله ثم يخرجون بشفاعة الشافعين ثم يخرج الله برحمته أقواما من المسلمين لم يعملوا خيراً قط.

رابع وعشرون: كثرة أهل النار

مما يستدل به علماء المسلمين على كثرة أهل النار ما جاء في الحديث عن أبي سعيد قال: قال رسول الله r: ]يَقُولُ اللَّهُ يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ قَالَ يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ قَالَ أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ[.(رواه البخاري، كتاب الرقاق: الحديث الرقم 6049).

يرى علماء المسلمين أن السبب الأعظم في كثرة أهل النار هو إتباع الشهوات، قال تعالى: ]زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ[ (سورة آل عمران: الآية 14).

وعن أبي هريرة أن رسول الله r قال: ]حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 6006). وقال بعض العلماء: (والمراد بالشهوات مرادات النفوس ومستلذاتها وأهويتها) وقال القرطبي: (الشهوات كل ما يوافق النفس ويلائمها وتدعو إليه ويوافقها واصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إليه إلا بعد أن يتخطى).

وأكثر من يدخل النار من عصاة الموحدين النساء فعن النبي r أنه قال في خطبة الكسوف: ]اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 3002).

روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي r قال: ]مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ للرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 6069).

وعن أبي هريرة عن النبي r قال: ]إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2500)، والحكمة من تعظيم خلقه ليزداد عذابه وآلامه

خامس وعشرون: طعام أهل النار وشربهم ولباسهم

طعام أهل النار الضريع والزقوم وشرابهم الحميم والغسلين والغساق قال تعالى: ]لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ[ (سورة الغاشية: الآيتان 6، 7). والضريع شوك بأرض الحجاز يقال له الشبرق.

وقال تعالى: ]لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا (٢٤) إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا[ (سورة النبأ: الآيتان 24، 25).

وقال تعالى: ]إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ[ (سورة الدخان: الآيات 43 – 46). فشجرة الزقوم من طعامهم أيضاً، وهذه الشجرة خبيثة جذورها تضرب في قعر النار وفروعها تمتد في أرجائها وثمرها قبيح المنظر ولذلك شبه برؤوس الشياطين.

فأهل النار يلقى عليهم الجوع، بحيث لا يجدون مفرا من الأكل منها، إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم، أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي الزيت فيجدون لذلك آلاما مبرحة، فيشربون من الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حره فيشربون منه، كشرب الإبل التي لا تروى لمرض أصابها وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم قال تعالى: ]وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ[ (سورة محمد: الآية 15). وإذا أكلوا من هذا الطعام الخبيث غصوا به لقبحه وخبثه وفساده: ]وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا[ (سورة المزمل: الآية 13).

ولأهل النار أربعة أنواع من الشراب هي:

1. الحميم: وهو الماء الحار الذي تناهى حره.

2. الغساق: ما يقطر من جلود أهل النار.

3. الصديد: القيح الذي يفسد به الجرح.

4. المهل: المعدن المذاب.

ومن أصحاب الذنوب من يطعمه الله جمر جهنم، قال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا[ (سورة النساء: الآية 10).

ولباس أهل النار حلل من النار قال تعالى: ]فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيم[ُ (سورة الحج: الآية 19). وقال تعالى: ]سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ[ (سورة إبراهيم: الآية 50).

سادس وعشرون: شدة ما يكابده أهل النار من عذاب

عن أنس ابن مالك عن النبي r قال: ]يقال لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 3087).

سابع وعشرون: تفاوت عذاب أهل النار

أهل النار متفاوتون في العذاب؛ ففي الحديث عن النبي r: ]إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِه[.(رواه مسلم، الحديث الرقم 5079) وأخف أهل النار عذابا كما يقول النبي r: ]إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 313).

1. إنضاج الجلود

إن نار جهنم تحرق جلود أهل النار. والجلد موضع الإحساس بألم الاحتراق؛ ومن ثم فإن الله يبدل لهم جلودا أخرى، غير تلك التي احترقت، لتحترق من جديد وهكذا قال الله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا[ (سورة النساء: الآية 56).

2. الصهر

من ألوان العذاب صب الحميم فوق رؤوسهم فلشدة حره تذوب أمعاءهم وما حوته بطونهم كما قال تعالى: ]يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ[ (سورة الحج: الآية 20). وعن أبي هريرة عن النبي r قال: ]إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتُ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2505).

3. اللفح

أكرم ما في الإنسان وجهه؛ ولذلك نهى الرسول r عن ضرب الوجه، ومن إهانة الله لأهل النار أنهم يُحشرون في يوم القيامة على وجوههم عميا صما وبكما كما قال تعالى: ]تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ[ (سورة المؤمنون: الآية 104). وقال تعالى: ]يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ[ (سورة الأحزاب: الآية 66).

4. السَّحْب

من أنواع العذاب سحب الكفار في النار على وجوههم ]يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَر[َ (سورة القمر: الآية 48). ويزيد من آلامهم حال سحبهم أنهم مقيدون بالقيود والأغلال والسلاسل ]إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُون[ (سورة غافر: الآيتان71، 72). قال قتادة: يسحبون مرة في النار ومرة في الحميم.

5. تسويد الوجوه

يسود الله في الدار الآخرة وجوه أهل النار: ]يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 106). وهو سواد شديد كأنما حلت ظلمة الليل في وجوههم.

6. إحاطة النار بالكفار

لما كانت الخطايا والذنوب تحيط بالكافر، إحاطة السوار بالمعصم؛ فإن الجزاء من جنس العمل، ولذا فإن النار تحيط بالكفار من كل جهة كما قال تعالى: ]وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ[ (سورة التوبة: الآية 49). وتأتي الإحاطة من ناحية أخرى ذلك أن للنار سرادق يحيط بالكفار، فلا يستطيع الكفار مغادرتها أو الخروج منها كما قال تعالى: ]إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا[ (سورة الكهف: الآية 29). وسرادق النار هو حائطها الذي يحيط بها.

7. إطلاع النار على الأفئدة

تدخل النار في أجسادهم حتى تصل إلى أعمق شيء فيهم كما قال تعالى: ]نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ[ (سورة الهمزة: الآيتان 6، 7).

8. اندلاق الأمعاء في النار

عن أسامة بن زيد عن النبي r قال: ]يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلاَنُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 6569).

ومن الذين يجرون أمعاءهم في النار عمرو بن لحي وهو أول من غير دين العرب وقد رآه الرسول r يجر قصبة في النار كما سبق الحديث.

9. قيود أهل النار وأغلالهم وسلاسلهم ومطارقهم

أعد الله لأهل النار السلاسل والأغلال والقيود والمطارق ]وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ (سورة سبأ: الآية 33). والسلاسل نوع آخر من ألوان العذاب، التي يقيد بها المجرمون، كما يقيد المجرمون في الدنيا قال تعالى: ]خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ[ (سورة الحاقة: الآيات 30 – 32). كما أعد الله لهم مقاطع من حديد وهي المطارق التي تهوي على المجرمين وهو يحاولون الخروج من النار فتطرحهم مرة أخرى إلى سواء الجحيم ]وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ[ (سورة الحج: الآيتان 21- 22).

10. قرن معبوادتهم وشياطينهم في النار

كان الكفار والمشركون يعظمون الآلهة، التي يعبدونها من دون الله، ويدافعون عنها ويبذلون في سبيل ذلك النفس والمال وفي يوم القيامة يدخل الله تلك الآلهة التي كانون يعبدونها من دون الله النار إهانة لعابديها وإذلالا لهم ليعلموا أنهم كانوا ضالين يعبدون ما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً: ]إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ ءَالِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ[ (سورة الأنبياء: الآيتان 98، 99).

11. حسرتهم وندمهم ودعاؤهم

عندما يرى الكفار النار يندمون أشد الندم، وعندما يطلع الكافر على صحيفة أعماله فيرى كفره وشركه، الذي يؤهله للخلود في النار فإنه يدعو بالثبور والهلاك ]وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ[ (سورة يونس: الآية 54). ثم يدعون ربهم آملين أن يخرجهم من النار: ]وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ[ (سورة فاطر: الآية 37). وهم يعترفون في ذلك الوقت بضلالهم وكفرهم وقلة عقولهم: ]وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ[ (سورة الملك: الآيتان 10، 11). ولكن طلبهم يرفض بشدة: ]قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ[ (سورة المؤمنون: الآيات 106 – 108).

 



[1] خالف في ذلك بعض المتصوفه مثل محي الدين بن عربي ألف في ذلك رسالة بعنوان إيمان فرعون وكذلك عبدالغني النابلسي في كتابه "لمعان الأنوار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار".

[2] 'قال الرازي: والحطمة هي: النار التي تحطم كل من وقع فيها، ورجل حطمة: أي شديد الأكل يأتي على زاد القوم، وأصل الحطم في اللغة الكسر، ويقال:شر الرعاء الحطمة، يقال: راع حطمة وحطم بغير هاء كأنه يحطم الماشية أي يكسرها عند سوقها لعنفه، قال المفسرون: الحطمة اسم من أسماء النار وهي الدركة الثانية من دركات النار، وقال مقاتل:هي تحطم العظام وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب، وروي عن النبي r أنه قال: إن الملك ليأخذ الكافر فيكسره على صلبه كما توضع الخشبة على الركبة فتكسر ثم يرمى به في النار. وأعلم أن الفائدة في ذكر جهنم بهذا الاسم هاهنا وجوه: أحدهما: الاتحاد في الصورة كأنه تعالى يقول: إن كنت همزة لمزة فوراءك الحطمة، والثاني:أن الهماز اللماز يأكل لحم الناس والحطمة أيضاً اسم النار من حيث أنها تأكل الجلد واللحم، ويمكن أن يقال: ذكر وصفين الهمز واللمز، ثم قابلهما باسم واحد وقال: خذ واحداً مني بالاثنين منك فإنه يفي ويكفي، فكأن السائل يقول: كيف يفي الواحد بالاثنين؟ فقال:إنما تقول: هذا لأنك لا تعرف هذا الواحد فلذلك قال: وما أدراك ما الحطمة.

[3] أكثر الأحاديث الآتية في وصف الجنة أو النار  تعبر عن اعتقاد أهل السنة والجماعة ( أهل الحديث ) وأكثر هذه الأحاديث ينكرها بعض الفرق الإسلامية كالمعتزلة ويعتبرونها أحاديث آحاد لا تقوم بها حجة ولا يقبلون في العقائد إلا الأحاديث المتواترة في وصف اليوم الآخر من جنة أو نار أو محشر، أو ميزان أو صراط ويكتفون - غالبا - بما ورد في القرآن الكريم من ذكر هذا كله ويرون أن أهل الحديث قد توسعوا في ذكر أحاديث لم تصح إلى النبي r وأن أغلبها إسرائيليات أخذها بعضهم عن أهل الكتاب. إضافة لاتهامهم أكثر أهل الحديث بالغفلة وعدم التمييز بين الصحيح والمردود بين ما يوافق العقل وما يتعارض معه أو مع النصوص الأخرى الصحيحة أو المتواترة. أما أهل الحديث فيرون أن لهم ضوابطهم في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة وأن المعتزلة وأمثالهم يقدمون العقل على النصوص وأهل الحديث مختلفون في ضوابط تصحيح الحديث وتضعيفه بين متشدد ومتساهل ومجرد سارد للنصوص صحيحها وضعيفها. وهذا البحث سيقتصر على ما ورد عند أهل الحديث وعسى أن يكون المبحث أشمل من هذا في المستقبل بدراسة آراء الفرق الإسلامية الأخرى وعرض حججها بكل إنصاف وحيادية مثلها مثل أهل الحديث وللقارئ الكريم أن يبحث ويقارن بين الحجج والبراهين بنفسه.