إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / دول ومدن وأماكن مشهورة / شط العرب، العراق









3

3. جيولوجية منطقة شط العرب

كان الاعتقاد السائد حتى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين أن السهل الرسوبي الذي يجري فيه شط العرب تكوّن نتيجة تقعر في مناطق العراق الوسطى والجنوبية خلال الزمن الجيولوجي الثالث، مما أدى إلى توغل مياه الخليج العربي لتغطي ذلك المنخفض، الذي كان يمتد من مدينة تكريت الواقعة على نهر دجلة على بعد حوالي 170كم شمال مدينة بغداد، ومدينة هيت الواقعة على نهر الفرات على بعد حوالي 53 كم إلى الشمال الغربي من مدينة الرمادي. وبتراكم الرواسب التي تحملها الأنهار خاصة نهر دجلة وكارون والفرات أخذت مياه الخليج تتراجع تدريجياً نحو الجنوب الشرقي مخلفة وراءها السهل الرسوبي الحالي في وسط وجنوبي العراق، والذي تجري فيه الآن الأجزاء الدنيا والوسطى من نهر دجلة والفرات وكامل شط العرب، إضافة إلى انتشار الأهوار الضحلة في أغلب أجزائه.

نجد أن سيتون لويد S. Lloyd ذكر في كتابه المنشور عام 1943م بعنوان "النهران التوأم: التاريخ المختصر للعراق من الأزمنة الأولى إلى اليوم الحاضر" Twin Rivers: a Brief History of Iraq from the Early Times to the Present Day أن رأس الخليج العربي كان على مسافة 96 كم إلى الشمال الغربي من مدينة بغداد في عام 4000 قبل الميلاد، وأنه كان عند موقع مدينة الناصرية خلال عهد السومريين في الألف الثالث قبل الميلاد، أي أن مياه الخليج العربي تراجعت نحو الجنوب الشرقي لمسافة 370 كم بين هذين التاريخين نتيجة لطمرها برواسب الأنهار خاصة دجلة والفرات وكارون.

كما أن لوفتس William Loftus أكد في كتابه "رحلات وبحوث في البلاد الكلدانية والسومرية" Travels and Researches in Chaldea and Susiana المنشور عام 1957م أن معدل تقدم الدلتا في الخليج العربي كان حوالي 1.6 كم في كل 70 عاماً. وهذا التقدير مشابه لتقدير البحرية البريطانية في كتابها "جيولوجية وادي الرافدين والمناطق المجاورة" Geology of Mesopotamia and its Borderlands المنشور عام 1918م الذي ورد فيه أن دلتا العراق تتقدم حالياً على حساب الخليج العربي بمعدل 1.6 كم في كل 70 سنة، بينما كانت تتقدم في العصور القديمة بمعدل 1.6 كم في كل 30 سنة.

وقد اعتمدت أغلب هذه الدراسات على نظرية دي موركان de Morgan في كتابه المنشور عام 1900م بعنوان Delegation on Perse Memoires عن نشأة دلتا بلاد ما بين الرافدين، القائلة بأن رأس الخليج العربي، في سنة 696 قبل الميلاد، كان جنوب مدينة شوش، وأن نهري دجلة والفرات كانا يصبان مباشرة في الخليج العربي، وبين مصبيهما مسافة 65 كم، لكنه في القرن الرابع قبل الميلاد شكل الطمي، الذي حمله نهر كارون سلسلة جزر قامت بعزل مياه الخليج العربي عن الجزء الشمالي من المنخفض، الذي أصبح بحيرة كبيرة يصب فيها نهرا دجلة والفرات، ولم يبق منها الآن سوى ما يعرف بالأهوار. ويبدو أن القائلين بهذا الرأي قد استأنسوا بكتابات الرحالة القدامى، مثل تاريخ نياركوس قائد أسطول الإسكندر المقدوني، الذي أبحر من الهند إلى الخليج العربي ومن ثم دخل في نهر كارون، الذي كان يسمى نهر يولايس، وأبحر فيه بألف وثمانمئة سفينة إلى قرب مدينة أحواز التي رست فيها السفن في الرابع عشر من فبراير سنة 325 قبل الميلاد.

وقد ظل هذا الاعتقاد حول تقدم الدلتا وانحسار الخليج العربي سائداً حتى ظهرت نظرية جديدة، في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، تزعمها ليز وفالكون في مقالهما المنشور في المجلة الجغرافية البريطانية عام 1952م، تؤكد أن السهل الرسوبي في جنوبي العراق ليس مجرد منخفض ثابت تملؤه ترسبات الأنهار، بل إن عملية الهبوط مستمرة، مما يسمح باستمرار عملية الإرساب، وأنه، إضافة إلى الهبوط الشامل للسهل، هناك منخفضات محلية سببتها حركات التوائية مقعرة على مقاس صغير، ولا تزال تلتوي تدريجياً وتشكل مناطق الأهوار.

وقد توصل ليز وفالكون إلى هذه النظرية عن طريق الملاحظات التالية:

(1) كيف لم تستطع تلك الكميات الهائلة من الرواسب المحمولة بالأنهار والعواصف الصحراوية أن تملأ منخفضات الأهوار والمستنقعات، خاصة أن حساب موازنة بسيطاً لما تحمله الأنهار والرياح من رواسب يعطي على أقل تقدير 7.5 مليمتر سنوياً أي حوالي 7.5 متر في كل ألف عام، علماً بأن انخفاض هذه الأهوار لا يزيد على ثلاثة أمتار عن المناطق المجاورة لها. لذا لا يمكن تفسير ظاهرة استمرار الأهوار إلا باستمرارية الهبوط، الذي يكون معدله مساوياً لمعدل الإرساب أو قريباً منه.

(2) إن القول بأن موقع رأس الخليج العربي كان إلى الشمال من موقعه الحالي ليس له ما يسنده، بل توجد آثار حضارة وسكنى بشرية في طبقات تعود إلى ما قبل التاريخ في مناطق السهل الرسوبي جنوبي العراق، مما يؤكد أنه لم يكن بحراً في ذلك الوقت.