إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / دول ومدن وأماكن مشهورة / شط العرب، العراق









5

5. تاريخ النزاع على شط العرب

نظراً لوقوع شط العرب بين دولتين كبيرتين هما إيران (فارس سابقاً) والعراق (جزء من الدولة العثمانية سابقاً)، ونظراً لأهميته الإستراتيجية البالغة لكلتا الدولتين، فقد كان شط العرب محل نزاع سياسي، وأحياناً عسكري، بين البلدين منذ مئات السنين، ويمكن تلخيص النزاعات الحدودية بين العراق وإيران على شط العرب منذ القرن التاسع عشر الميلادي فيما يلي:

أ. في الأربعينيات من القرن التاسع عشر، ثارت المشاكل الحدودية في شط العرب بين إيران والدولة العثمانية، وبما أن كلاً من روسيا القيصرية وبريطانيا كان لهما نفوذ كبير ومصالح في المنطقة في ذلك الوقت فقد سعتا لحفظ مصالحهما في المنطقة وتوسطتا لحل الخلافات بين إيران والدولة العثمانية على الحدود في شط العرب، فتم توقيع معاهدة أرضروم في 31 من شهر مايو عام 1847م، التي من أهم بنودها تنازل الحكومة الإيرانية عن كل ما لها من ادعاءات في مدينة السليمانية ومنطقتها، مقابل اعتراف الحكومة العثمانية بسيادة الحكومة الإيرانية التامة على مدينة المحمرة (خرمشهر حالياً) ومينائها وجزيرة الخضر (جزيرة عبادان). وعلى رغم هذه المعاهدة، استمرت الخلافات بين إيران والدولة العثمانية على تفاصيل الحدود ومواقعها حتى تدخلت مرة أخرى الحكومتان البريطانية والروسية، فتم توقيع بروتوكول الآستانة في الرابع من نوفمبر عام 1913م، الذي نصّ على أن الحدود بين إيران والدولة العثمانية تتبع مجرى شط العرب تاركة النهر وجميع الجزر الموجودة فيه تحت السيادة العثمانية باستثناء التالي:

(1) جزيرة محلة والجزيرتين الواقعتين بين جزيرة محلة والضفة اليسرى (الشرقية) من شط العرب.

(2) الجزيرتين الكائنتين مقابل منكوحي، واللتين تتبعان جزيرة عبادان.

(3) الجزر الأربع الواقعة بين شطيط وماوية (جزيرة معاوية).

(4) جميع الجزر الموجودة في وقت توقيع البروتوكول، أو التي قد تتكون فيما بعد من هبوط الماء بجزيرة عبادان أو بالأراضي الإيرانية إلى أسفل نهر نازالله.

(5) ميناء ومرسى المحمرة (خرمشهر حالياً).

ب. بعد استقلال العراق عام 1921م، استمرت الخلافات الحدودية في شط العرب بين إيران والعراق، عندما أعلنت إيران عدم اعترافها بمعاهدة أرضروم عام 1847م، بسبب عدم تخويل ممثلها صلاحية توقيع المعاهدة ومن ثم بطلان بروتوكول الآستانة، وطالبت إيران أن تكون الحدود على طول خط منتصف شط العرب. وبعد مفاوضات طويلة وتوسط بريطاني، تم توقيع معاهدة الحدود العراقية الإيرانية في 29 يونيه عام 1937م التي تنص على أن خط الحدود العراقية الإيرانية من النقطة الكائنة في جزيرة شطيط على دائرة عرض 30 درجة و17 دقيقة و25 ثانية شمالاً وخط طول 48 درجة و19 دقيقة و28 ثانية شرقاً، حتى النقطة على دائرة عرض 30 درجة و20 دقيقة و8.4 ثانية شمالاً وخط طول 48 درجة و16 دقيقة و13 ثانية شرقاً، يتبع خط انخفاض المياه بثالوك Thalweg شط العرب، أي الخط الواصل بين أعمق النقاط في المقاطع العرضية المتتالية للنهر، أما إلى الجنوب من ذلك فيبقى خط الحدود على ما كان عليه تخطيط الحدود الموصوف في محاضر جلسات عام 1914م. وبهذا أصبح لإيران منطقتان تمتلك فيهما مياهاً وطنية في شط العرب، الأولى أمام ميناء المحمرة على طول خط وسط مجرى الماء بطول 7.25 كم حسب معاهدة أرضروم في عام 1847م، والثانية أمام ميناء عبادان على طول خط الثالوك بطول 7.75 كم حسب معاهدة عام 1937م.

ج. وفي الثالث من يناير عام 1960م أعادت إيران ادعاءها رسمياً في حقها في نصف شط العرب، وفي الثامن من الشهر نفسه طالب وزير الخارجية الإيرانية أن يُوسع من مشاركة إيران في هيئة ميناء البصرة، التي تشرف على الملاحة في شط العرب وتقوم بالصيانة اللازمة، التي تديرها العراق وتدفع لها إيران 7 ملايين دولار سنوياً. ثم تفاقم النزاع على شط العرب في مارس عام 1969م عندما بدأ الجنود العراقيون إطلاق النار على الصيادين الإيرانيين في شط العرب، وهذا ما اعتبرته إيران مخالفاً لاتفاقية عام 1937م فألغت إيران هذه الاتفاقية من جانب واحد في التاسع عشر من أبريل عام 1969م، كما حركت وحدات من الجيش الإيراني إلى الحدود العراقية وأصبحت السفن الإيرانية تبحر في شط العرب إلى ميناء خرمشهر تحت حماية القوات البحرية الإيرانية. وبوساطة جزائرية، وقعت وثيقة في الجزائر العاصمة بين العراق وإيران في 13 من يونيه عام 1975 خضعت فيها العراق لطلب إيران لتكون الحدود العراقية الإيرانية في منتصف الجزء الصالح للملاحة من شط العرب، بدلاً من خط الثالوك، وذلك مقابل موافقة إيران على إقفال حدودها أمام الثوار الأكراد في شمال العراق وإيقاف دعمهم.

د. بعد المظاهرات العارمة في إيران ضد شاه إيران محمد رضا بهلوي في عامي 1978م و1979م بقيادة آية الله خميني، اجتثت الملكية من إيران وأقيم محلها جمهورية إسلامية في إيران. بدت إيران كأنها في حالة ضعف، خاصة أن القوى التي أطاحت الشاه مازالت في حالة تناحر على السلطة، إضافة إلى تدهور العلاقة الإيرانية الأمريكية بعد خطف الإيرانيين لموظفي السفارة الأمريكية في ظهران، كما بدأت إرهاصات تصدير الثورة الإسلامية خارج إيران، خاصة إلى العراق، التي يشكل الشيعة فيها أكبر الطوائف. في هذه الأثناء كانت هناك بعض المناوشات العسكرية على الحدود العراقية الإيرانية في شط العرب. وفي السابع عشر من سبتمبر عام 1980م أمر الرئيس العراقي صدام حسين التكريتي بتقدم الجيوش العراقية إلى الحدود الإيرانية، وأعلن إلغاء العراق لاتفاقية الجزائر، وادعى حق العراق في شط العرب بأكمله، وبهذا بدأت حرب ضروس لمدة ثمانية أعوام، دارت أغلب معاركها على شط العرب، وقتل وجرح فيها أكثر من مليون شخص، وأنهك فيها اقتصاد البلدين، إضافة إلى اقتصاد دول الخليج المجاورة، التي كانت تدعم الجانب العراقي. ففي بداية الحرب شنت العراق هجوماً كاسحاً واحتلت مدينة خرمشهر (المحمرة) الواقعة في الركن الشمالي لجزيرة عبادان في شط العرب، وحاصرت مدينة عبادان في نفس الجزيرة، لكن إيران استغلت تفوقها في مجال القوة البحرية وأغلقت مدخل شط العرب في الخليج العربي، الذي يعد المنفذ الوحيد للعراق على البحر، والذي من خلاله تذهب الغالبية العظمى من الصادرات العراقية، خاصة البرولية منها.

وبزوال الخلاف على السلطة في إيران في بداية عام 1982م، استطاعت إيران حشد أعداد ضخمة من البشر على الحدود العراقية، بما في ذلك الحرس الجمهوري وأفراد من خارج الجيش النظامي قليلي الخبرة والتدريب، لكنهم شديدو الولاء للثورة الإيرانية، وبدأت إيران بسياسة هجوم الأمواج البشرية، واستطاعت إخراج القوات العراقية من أغلب الأراضي الإيرانية المحتلة. وفي خريف عام 1982م استطاعت إيران الدخول في الأراضي العراقية، واحتلت المناطق المجاورة لمدينة البصرة، ثم احتلت إيران جزر مجنون الواقعة شمال شرقي البصرة في مارس عام 1984م، ثم احتلت جزيرة الفاو بالقرب من مصب شط العرب في الخليج العربي في فبراير عام 1986م. وقد حاول العراق تحرير جزر مجنون في أواخر عام 1985م عندما شن هجوماً برياً قوامه 40 ألف جندي، لكنه لم يتم تحرير الجزر، ولم يتحقق للعراق سوى إيقاف الزحف الإيراني داخل الأراضي العراقية، عندما أقام المهندسون العراقيون حاجزاً مائياً في المستنقعات بطول 19 ميلاً إلى الغرب من جزر مجنون، وذلك بصرف مياه شط العرب إليها. وأعاد العراق المحاولة مرة أخرى في عام 1986م ولم تستطع قواته سوى تحرير أجزاء من جزر مجنون، إلا أنه تمكن من تحرير جزر مجنون بالكامل في عام 1988م، وذلك بعد أن حرر جزيرة الفاو كذلك. وفي العشرين من شهر أغسطس عام 1988م اقتنع الطرفان العراقي والإيراني بقبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598، الذي كان قد أصدر في يوليه من العام السابق، وينص على إيقاف القتال والانسحاب إلى حدود ما قبل الحرب. وبقبول قرار مجلس الأمن عادت الحدود إلى ما كانت عليه في السابق، بعد أن قتل وجرح أكثر من مليون شخص، ودُمّرت المنشآت على خط الصراع الممتد على طول شط العرب خاصة البترولية منها؛ ويظن أن الحرب كلفت كل طرف حوالي 500 بليون دولار، بما في ذلك المعدات الحربية والمنشآت المدنية.