إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / المخدرات وتأثيرها في الاقتصاد القومي





منحنى إمكانيات الإنتاج
منحنى السواء
المخدرات ومعدلات البطالة
المخدرات ودورة النشاط الاقتصادي
توازن المستهلك
خط الميزانية




موقف الإسلام من المخدرات

موقف الإسلام من المخدرات

      حرم الله ـ سبحانه وتعالى ـ كل الخبائث؛ ولا شك أن المخدرات من الخبائث والمفسدات ومزيلات العقل، التي نهى عنها الله ورسوله الكريم؛ وقد وضح ذلك علماء المسلمين، قديماً وحديثاً.

      ولقد حرم الإسلام المخدرات، بأنواعها المختلفة، من حشيش وأفيون وكوكيين وحبوب، إلى غير ذلك من الأنواع المخدرة، التي تفقد الوعي، وتغيب العقل؛ لأنها تتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية. وفي عصر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن هناك مخدرات، ولم تكن معروفة؛ ولم تذكر في القرآن الكريم كلمة مخدرات؛ ولكن جمهور الفقهاء، بذلوا قصارى جهدهم لتعرف حكمها، معتمدين على ما استنبطوه من النصوص العامة والقواعد الكلية، في التشريع الإسلامي.

      ولقد اتفق العلماء، في مختلف المذاهب الإسلامية، على تحريم المخدرات، بشتى أنواعها. وأفتوا أن تعاطيها من الكبائر، يستحق مرتكبه المعاقبة، في الدنيا والآخرة، سواء كان تعاطيها من طريق الأكل أو الشرب أو الحقن. وقد جاءت فتاوى علماء الإسلام، في كل مكان، متشابهة، مشددة على حرمة المخدرات، تعاطياً وتهريباً وحيازة وصنعاً وزراعةً؛ لِمَا لها من مضار كبيرة بالمجتمعات الإسلامية. ويمكن الاستدلال على تحريم المخدرات، من القرآن الكريم، والسُّنة المطهرة، وآراء الفقهاء.

أولاً: حكم المخدرات، في القرآن الكريم

      على الرغم من أن كلمة مخدرات، لم ترد في القرآن الكريم، إلا أن هنالك العديد من الآيات القرآنية، التي تصدق في حكمها على المخدرات، قياساً على ما تسببه من أذى وضرر للمتعاطي. منها:

  1. ورد في قوله تعالى: )الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ( (الأعراف: 157). وفي هذه الآية الكريمة قاعدة عامة، فيها إباحة فعل الطيبات، وتحريم كل ما هو خبيث. والمخدرات، بكل أنواعها، تُعَدّ من الخبائث. وإذا كان النبي قد وصف الخمر بأنها أم الخبائث، فإن هذا الوصف ينطبق، من باب أولى، على المخدرات؛ لأنها أشد ضرراً من الخمر، فتكون محرمة، بدلالة النص. ومن تلك الآية استمدت القاعدة الشرعية، التي تُعَدّ من أهم القواعد الشرعية في الإسلام؛ وهي دفع المضار، وسد ذرائع الفساد.
  2. ما ورد في قوله تعالى::) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون( (المائدة: 90-91). فقد نصت الآيتان على تحريم الخمر، الذي يخامر العقل، ويحول بينه وبين معرفته الأشياء على حقيقتها. ولما كانت المخدرات تشترك مع المسكرات، في كونها تخدر الجسم، وتغطي العقل، وتصرفه عن حالته الطبيعية؛ فإنها محرمة أيضاً، بالقياس على علة التحريم.

ثانياً: حكم المخدرات في السنة المطهرة

  1. ورد في سنن أبي داود، أن رسول الله قال: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ" (أبو داود: 3196). ويظهر من هذا الحديث، أن النبي، عَدَّ كل مسكرة خمراً سواء سميت بذلك، في لغة العرب، أو لم تسم به.
  2. روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي أنه قال: "كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" (رواه أبو داود، الحديث الرقم 3195). والخمر يغطي العقل، وقد جمع الرسول؛ بما أوتي من جوامع الكلم، كل ما غطى العقل، وأسكر، ولم يفرق بين نوع ونوع. ولا عبرة لكونه مأكولاً أو مشروباً، على أن الخمر قد يصطنع بها؛ أي تجعل إداماً؛ أو قد تذاب الحشيشة بالماء وتشرب، فالخمر تشرب وتؤكل، والحشيشة تؤكل وتشرب؛ وكل ذلك حرام. أما حدوثها، بعد عصر الرسول والأئمة، فلم يمنع من دخولها في عموم حديث الرسول  عن المسكر.
  3. عن جابر ـ رضي الله عنه ـ: "أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ وَجَيْشَانُ مِنْ الْيَمَنِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ فَقَالَ النَّبِيُّ: أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ" (مسلم: 3732).
  4. ما رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ" (أبو داود: 3201)؛ والمفتّر (بتشديد التاء) من فتره، فالمفتّر كل ما يورث الفتور والخمول والانكسار والضعف، واسترخاء الجسم وهدوء الأطراف. والمخدرات تورث الفتور؛ والنهي عن المفتر نهي عن المخدر، والنهي عن تناول الشيء، يدل على تحريمه، فيكون تناول المخدرات حراماً.

ثالثاً: آراء الفقهاء

      اتفق الفقهاء المتأخرون، الذين ظهرت المخدرات في زمانهم، في القرنين السادس والسابع، على حرمة تعاطي المخدرات، الطبيعية والمصنعة؛ لأنها جميعاً تودي بالعقل، وتفسد وتضر بالجسم والمال، وتحط من قدر متعاطيها، في المجتمع. فيقول شيخ الإسلام، ابن تيمية: "أما الحشيشة الملعونة المسكرة، فهي بمنزلة غيرها من المسكرات؛ والمسكر فيها حرام؛ باتفاق العلماء؛ بل كل ما يزيل العقل، فإنه يحرم أكله، ولو لم يكن مسكراً، كالبنج. أما قليل الحشيشة المسكرة، فحرام عند جماهير العلماء، كسائر القليل من المسكرات. وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" (أبو داود: 3195). ونبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث بجوامع الكلم، فإذا قال كلمة جامعة، كانت عامة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها، سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه ومكانه، أو لم تكن.

      وأجمع الأحناف على حرمة التخدير والسكر. ويقول الإمام القوتلي، في شرحه لمتـن القدوري: "لا يجوز أكل البنج والحشيشة والأفيون. وذلك كله حرام؛ لأنه يفسد العقل، حتى يصير الرجل في خلاعة وفساد، يصده عن ذكر الله، وعن الصلاة".

      ومن الشافعية مَن قالوا: "إن المخدر كله حرام، قليله و كثيره. ولا حدّ فيه، بل فيه التعزير فقط؛ لا فرق بين مخدر وآخر.

      وذكر الخطاب المالكي، أنه لا خلاف عند المالكية، في تحريم القدر المفسد المغطي للعقل من المخدرات، ويحرم قليلها و كثيرها، ما دامت مسكرة.

حكم التداوي بالمخدرات

      أباح جمهور من العلماء الشرعيين، تناول القليل من المخدرات، بقصد التداوي. كما يجوز استعمال الكثير منها، إذا اقتضى الأمر ذلك، لغرض شرعي صحيح، كالتخدير في العمليات الجراحية. وحرمة المخدرات، ليست حرمة ذاتية، كما في حرمة الخمر، التي حرمت لعينها؛ وإنما حرمتها مبنية على ما تحدثه من أضرار، عقلية وبيئية. فإذا انتفت هذه الأضرار، وتحققت مصلحة مشروعة، مثل العمليات الجراحية؛ فإنها تنفي التحريم. فقد يكون التداوي بالمحرم، في مثل هذه الحالات في العمليات الجراحية، التي تحتاج إلى تخدير ـ بمنزلة ضرورة؛ وقد قال تعالى: ) وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ( (الأنعام: 119).

وهنالك من العلماء من يرى، أنه لا يجوز التداوي بالمخدر والمسكر؛ كابن تيمية؛ وذلك لِمَا يلي:

  1. لأن التداوي بالخمر والمسكر وكل محرم، لا يجوز، لِمَا ثبت في الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر يتداوى بها، فقال:"إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهَا دَاءٌ" (الترمذي: 1969). ولِمَا جاء في السنن، أن الرسول نهى عن الدواء بالخبيث؛ وقال: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ" (البخاري، باب شراب الحلواء والعسل).
  2. ولأن التداوي بالمخدر والمسكر، ليس من الضرورة؛ لأنه لا ييقن الشفاء بالمحرم، كما ييقن الشبع باللحم المحرم؛ ولأن الشفاء لا يتعين له طريق، بل يحصل بأنواع من الأدوية، بخلاف المخمصة، فإنها لا تزول إلا بالأكل.

حكم التعامل بالمخدرات

لا يجوز التعامل بالمخدرات و الاتجار فيها:

  1. لأنها، على رأى ابن تيمية، كالخمر؛ إذا كانت مسكرة، فيحرم ملكها وبيعها والانتفاع بها، كما يحرم ذلك بالنسبة إلى الخمر.
  2. لأن الاتجار فيها كسب خبيث، ينشر الفساد بين الناس، ويقوض دعائم المجتمع.

      ويرى بعض الفقهاء، أن من يستمر في الاتجار فيها، ولا تردعه عقوبة، فلولي الأمر أن يقرر عقوبة قتله، سياسة، إذا رأى أن المصلحة تدعو إلى ذلك؛ والسند في هذا ما قرره كثير من الفقهاء، من أن لولي الأمر أن يقتل الساعي بين الناس بالفساد، تعزيراً وسياسة؛ ولأنه لما لم تنفع معه العقوبة المتكررة، أصبح كالصائل، الذي لا يندفع شره، إلا بالقتل؛ فيجوز لولي الأمر أن يقتله.

حكم مستحل المخدرات

      ذهب بعض الفقهاء إلى تكفير من استحل المخدرات، وأنه يباح قتله، إن لم يتب، كالذي يستحل الخمر. فقد سئل شيخ الإسلام، ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عمن يأكل الحشيشة، فأجاب: "الحمد لله. هذه الحشيشة حرام، سواء سكر منها أو لم يسكر. والسكر منها حرام، باتفاق المسلمين. ومن استحل ذلك، وزعم أنه حلال، فإنه يستتاب فإن تاب، وإلا قتل مرتداً، لا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين".

      وقال بعض فقهاء الحنفية بتكفير من استحل الحشيش، كالخمر والبنج؛ وإنه يباح قتله، إن لم يتب. ومرجع هذا الرأي عند القائلين به، إلى أن الحشيش، كالخمر، في الإسكار؛ وقد أجمع المسلمون على تحريم الخمر؛ والمستحل قد أنكر حكماً مقطوعاً به.

      وذهب جمهور الفقهاء إلى أن مستحل المخدرات، لا يحكم بكفره؛ وإنما يحكم عليه بالفسق، وتلزمه أحكام الفسقة، في رد شهادته، وعدم صلاحيته لتولي الوظائف العامة في الدولة.

حكم مجالسة من يتعاطونها

      تحرم مجالسة من يتعاطون المخدرات، لما في ذلك من ضرر بالجليس، في الدين والدنيا. ففي الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري، أن النبي قال: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً" ( مسلم: 4762).

      وروى أبو داود والترمذي، عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله قال: "لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا. وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ" (الترمذي: 2318).

واستطراداً، فإن مجالسة من يتعاطى أو يتعامل بالمخدرات، محرمة، شرعاً؛ لما تقدم من أدلة شرعية.