إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل الثاني

الفصل الثاني

الدول المنتجة للبترول

          كانت اتفاقيات الامتيازات التي حصلت عليها شركات البترول في منطقتي البحر الكاريبي والشرق الأوسط للتنقيب عن البترول مجحفة للغاية لمصالح الدول المنتجة بسبب الظروف القاسية التي كانت تمر بها هذه الدول.

          وكان من الطبيعي أن يسود الدول المنتجة للبترول اتجاه عام نحو إعادة النظر في العلاقات غير المتكافئة، التي تربطها بالشركات المستثمرة من جانب وبالدول المستهلكة من جانب آخر أملاً في الوصول إلى توازن جديد بين مصالح الأطراف الثلاثة، خاصة أن الواقع البترولي يقتضي انتشار النزعة التنظيمية في صناعة البترول.

          تأثرت السياسة البترولية للدول المنتجة للبترول بالحركات الوطنية التي قامت بها، عندما شعرت شعوب النصف الجنوبي من الكرة الأرضية بتخلُّفها الاقتصادي نتيجة استغلال الشركات المستثمرة للبترول لها، وانتابتها موجات متتالية من التحرر الوطني ضغطت على الحكومات. فأصدرت حكومة فنزويلا في أواخر عام 1958 قانوناً مالياً جديداً أعاد توزيع أرباح الشركات المستثمرة بحيث تحصل الحكومة على نصيب من الأرباح يتراوح بين 60% و64%. وهكذا نقضت قاعدة مناصفة الأرباح.

          أما في منطقة الشرق الأوسط، كانت قوة الاتحاد الاحتكاري العالمي للشركات المستثمرة قد بلغت ذروتها عام 1954 عندما تمكَّنت الشركات البريطانية والأمريكية الكبرى من السيطرة من جديد على بترول إيران بعد سقوط حكومة الدكتور مصدق، الذي قام بتأميم البترول في بلاده.

          ولكن بعد تأميم قناة السويس في عام 1956 ـ وهي الشريان الرئيسي لنقل البترول إلى أوروبا ـ تشجَّعت حكومات الشرق الأوسط على اتباع سياسة وطنية لصناعة البترول، وساعدها على ذلك رغبة شركات بترولية كبيرة مستقلة عن الاتحاد الاحتكاري الدولي، في التعاون معها على أسس جديدة. وهكذا يعتبر عام 1956 نقطة تحول هامة في العلاقات بين الشركات البترولية والدول المنتجة في الشرق الأوسط.

          شرعت هذه الدول في إنشاء شركات ومؤسسات وطنية لها حق الإشراف على صناعة البترول بوجه عام. وحق منح امتيازات جديدة لاستكشاف البترول وتصنيعه وتسويقه للشركات الأجنبية المستقلة عن الاتحاد الاحتكاري العالمي، حيث تحسنت شروط التعاقد معها ونسب اقتسام الأرباح، على سبيل المثال:

  • تعاقدت الشركة الوطنية الإيرانية للبترول مع شركة "إيني" الإيطالية على التنقيب واستغلال البترول مع اقتسام الأرباح بنسبة 75% للشركة الإيرانية و25% لشركة "إيني". ونلاحظ أن في هذا إلغاءً لقاعدة مناصفة الأرباح لصالح الدولة المنتجة.
  • تعاقدت شركة "جابانيز إكسبورت أويل كومباني" مع كل من السعودية والكويت على أسس مغايرة تماماً للأسس التي قامت عليها عقود الامتيازات القديمة، إذ تعهدت الشركة علاوة على دفع إيجار مرتفع للأراضي موضوع الالتزام بأن تقدم 10% من رأس مالها إلى الدولتين المنتجتين. كما تحصل السعودية على 56% من الأرباح والكويت على 57%. هذا بالإضافة إلى إشراك الوطنيين في مجلس إدارة الشركة وتوظيف وتدريب عدد كبير من الموظفين والعمال.
  • ونجد شروطاً مماثلة في عقود امتياز التنقيب عن البترول في صحاري مصر بين شركة "إيني" الإيطالية وشركة فيليبس وبين حكومة الجمهورية العربية المتحدة، حيث يحصل القطاع العام في مصر على 75% من الأرباح، بالإضافة إلى أن الشركات المستثمرة مُلزَمة بتفضيل المقاولين المحليين ومنتجات الصناعة المحلية وتشغيل العاملين المصريين.

أولاً: التعاون بين الدول المنتجة للبترول

          بدأت الدول المنتجة في الشرق الأوسط تتلمس أوجه التعاون فيما بينها للمحافظة على ثرواتها الوطنية والإفادة منها إلى أقصى حد مستطاع للإسهام في بناء وتطوير جهازها الاقتصادي. وكانت الدول العربية هي أُولى الدول المنتجة للبترول التي فكرت في توحيد جهودها بقصد تحسين شروط الامتيازات البترولية. وهكذا نشأت فكرة انعقاد مؤتمرات عربية سنوية للبترول، كان أولها في إبريل 1959.

          وفي نفس الوقت أكدت خمس دول بترولية "هي: فنزويلا والسعودية والكويت والعراق وإيران" تضامنها. وقررت إنشاء منظمة دائمة في سبتمبر 1960 أُطلق عليها اسم "منظمة الدول المصدِّرة للبترول". وقد تعرَّضت هذه المنظمة الوليدة في بداية تأسيسها إلى معارضة من ممثلي الشركات المستثمرة للبترول "أعضاء الاتحاد الاحتكاري العالمي" ـ الذين ساورهم القلق لقيام منظمة الأوبك ـ طوال أربع سنوات من سنة 1960 إلى 1964، حيث اتسمت هذه الفترة بالصراعات تارة والمفاوضات الشاقة تارة أخرى.

          وفي نطاق منظمة الأوبك استطاعت الشركات الوطنية التي أنشأتها دول أوبك أن تتعاون مع بعضها من خلال المؤتمرات السنوية التي تعقدها. كما كان هناك مجال للتعاون بين هذه الشركات الوطنية والحكومات والشركات الأجنبية الأخرى في عمليات النفط الكاملة.

          غير أن شركات النفط الوطنية الثلاث عشرة في دول الأوبك لا تعادل ـ من حيث حجم ومدى التكامل ـ أكثر من اثنتين من الشركات الكبرى السبع المعروفة بالاحتكار العالمي للبترول. إذ تنتج الشركات الوطنية معاً حوالي سبعة ملايين برميل يومياً إما مباشرة أو عن طريق مشروعات مشتركة، ويمثل ذلك 14% فقط من مجموع الإنتاج العالمي. وهذه الشركات الوطنية ودولها تمتلك أساطيل نقل حمولتها 13 مليون طن، أي أكثر قليلا من 3.5% من الحمولة العالمية لنقل النفط. وقد سوقت هذه الشركات الوطنية عام 1977 حوالي ثمانية ملايين برميل يومياً من النفط الخام أو ما يعادل 25% من إنتاج منظمة الأوبك.

          أما الشركات الوطنية في دول الخليج العربي الست أعضاء الأوبك فقد استطاعت تسويق 6.27 مليون برميل يومياً ولكن ذلك لا يمثل أكثر من 17.5% من النفط المسوق عالمياً، في حين لا تزال الشركات العالمية ـ خاصة منها الشقيقات السبع الاحتكارية ـ تسيطر على 80% من تجارة النفط العالمية.

          ومع ذلك، كان هذا يمثل تطوراً هائلاً في الدور الذي قامت به شركات النفط الوطنية في الدول المنتجة في صناعة النفط العالمية إنتاجاً ونقلاً وتصفية وتسويقاً وذلك إبان فترة لا تتعدى عشرة أعوام منذ أواسط الستينات.

عقود المقاولة بين الدول المنتجة وشركات البترول

          كانت المساوئ التي اتصفت بها الامتيازات الأجنبية والأضرار التي أدت إليها عن طريق الإجحاف الذي لحق بالدول المنتجة للنفط قد دفع بها إلى البحث عن وسيلة تحفظ لها مصالحها النفطية.

          وقد أشارت منظمة أوبك إلى ضرورة الدخول في عقود تساوي بين المتعاقد ورعايا الدولة والأجانب الذين يخضعون لكافة قوانين البلاد.

          وقد انعكس هذا التصور في التطور الجديد الذي ظهر في الشرق الأوسط في أواسط الستينات بإبرام عقود المقاولة من قِبَل بعض دول المنطقة. فقد عقدت إيران عقد مقاولة مع شركة إيراب الفرنسية في 1966، وأبرم العراق عقداً آخر مشابها مع نفس الشركة في 1967. وكان غرض هذين العقدين التنقيب عن النفط واستثماره. وقد اتصف عقد المقاولة بالمزايا التالية:

  1. يمثل الطرف الأجنبي دور المقاول لحساب الطرف الوطني مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج عملية وقانونية، لا سيما من حيث الدور المحدود للطرف الأجنبي، ومن حيث سيطرة الدولة عن طريق إحدى هيئاتها أو مؤسساتها أو شركاتها العامة على سير المشروع النفطي والمساهمة الحقيقية في اتخاذ القرارات اللازمة لإدارة المشروع وتنفيذه.
  2. يحقق للدول المنتجة خبرة واسعة نظراً لإشرافها المباشر على المشروع النفطي وحقها في اتخاذ القرارات، مما يوفر لأجهزة الدولة وموظفيها خبرة عملية في كافة مراحل الصناعة النفطية.
  3. يعمل عقد المقاولة على دمج القطاع النفطي في سائر قطاعات الاقتصاد ما دامت الدولة مشرفة على المشروع ومخططةً لتطوير الاقتصاد ككل.
  4. يوفر عقد المقاولة الخبرة الأجنبية ورأس المال اللازم والمعدات الفنية الضرورية كما أنه يُجنِّب الطرف الوطني مخاطر عمليات البحث والتنقيب. ويؤمِّن للدولة المنتجة تسويق جزء من إنتاجها من النفط، إن لم يكن كله.
  5. تتيح هذه العقود للطرف الأجنبي الحصول على موارد ثابتة من النفط الخام اللازم لدولته للاستهلاك المحلي بشروط مقبولة لديها. كما يتيح لها فرصة تبادل تجاري واسع مع الدول المنتجة للنفط.

          لعل أهم شروط عقد المقاولة تتلخص في أن المقاول الأجنبي هو الذي يلتزم بتقديم رؤوس الأموال اللازمة لعمليات البحث والتنقيب وهو الذي يتحمل مخاطر هذه العمليات. فإذا لم يتحقق اكتشاف النفط بكميات تجارية فإنه لا يتلقى أي تعويض أما إذا تحقق اكتشاف النفط تجارياً فيمكن عندئذ للطرف الوطني أن يشارك في المشروع بالنسب والشروط المتفق عليها مقدماً. وتخضع عقود المقاولة للقوانين المحلية، وتتميز بقصر مدتها وصغر المساحة التي تغطيها وبرقابة الحكومة الوطنية على النفط إنتاجاً وتسويقاً وتسعيراً. كل ذلك مقابل حصة يأخذها المقاول الأجنبي بسعر مخفض متفق عليه.

          هكذا مثَّل عقد المقاولة في حقبة الستينات تطوراً هاماً في وسائل الاستغلال النفطي في الشرق الأوسط عامة وفي بعض الدول العربية المنتجة للنفط خاصة، مع ما استتبعه ذلك من أحكام أساسية جديدة هامة اختلفت جذرياً عن أحكام الامتيازات القديمة وعن أحكام اتفاقيات المشاركة الجديدة "التي سوف تُعرض بعد"، سواء من حيث تحقيق سيادة الدولة على مواردها الطبيعية أو من حيث المزايا المالية التي تحققها للطرف الوطني.

مرحلة السبعينات والآفاق المستقبلية للاستثمار النفطي

تميزت مرحلة السبعينات بعدة تطورات من أهمها:

  1. تعديل مبدأ مناصفة الأرباح في اتفاقيتي طهران في يناير 1971 وطرابلس في أبريل 1971.
  2. الاتجاه نحو تعديل اتفاقيات الامتياز الكبرى في الوطن العربي بهدف تحقيق مبدأ المشاركة مع الشركات الاحتكارية الكبرى في المنطقة.
  3. تزايد الاتجاه نحو الاستثمار المباشر للموارد النفطية ونحو تأميم الشركات الامتيازية في العراق خاصة وفي كل من ليبيا والجزائر كذلك.
  4. تحقيق سيطرة دول منظمة أوبك على أسعار نفطها سيطرة كاملة تقريباً.
  5. تزايد الفوائض المالية النفطية لدى الدول العربية وغير العربية المنتجة للنفط بسبب ارتفاع الأسعار وتزايد الطلب على النفط.

وفيما يلي بحث هذه التطورات بشيء من الإيجاز.

تعديل مبدأ مناصفة الأرباح

          سبق القول بأن حكومة فنزويلا ـ تحت تأثير حوادث الحرب العالمية الثانية ـ قد أصدرت قانوناً في عام 1943 ينظِّم صناعة البترول في البلاد. وقد ظل هذا القانون يحكم العلاقة بين الشركات المستثمرة وحكومة فنزويلا طوال 15 سنة حتى عام 1958. ومن أهم نصوص هذا القانون ما نص عليه لأول مرة في تاريخ البترول، بشأن توزيع الأرباح مناصفة بين الشركات المستثمرة والدول المنتجة. لدرجة أنها أصبحت القاعدة العامة التي تحكم علاقة الشركات البترولية "أعضاء الاتحاد الاحتكاري الدولي" بالدول المنتجة في سائر أنحاء العالم.

          وفي أواخر عام 1958، أصدرت حكومة فنزويلا ـ متأثرة بموجة من التحرر الوطني بعد سقوط حكومة الديكتاتور خيمينيز ـ قانوناً مالياً جديداً أعاد توزيع أرباح الشركات المستثمرة بحيث تحصل الحكومة على نصيب من الأرباح يتراوح بين 60% و64%. وهكذا نقضت قاعدة مناصفة الأرباح.

          استمر مبدأ مناصفة الأرباح سائداً منذ إدخاله عام 1950 و1952 في كل من السعودية والعراق. وقد عملت الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" ـ بتأييد من المنظمة ـ على تعديل هذا المبدأ بحيث يتناسب مع ما كان معمولاً به في فنزويلا. وفي اجتماع لمنظمة الأوبك في طهران "يناير 1971" توصلت أقطارها مجتمعة إلى اتفاق مع شركات النفط العاملة فيها، أهم بنوده:

  1. رفع نصيب دول الأوبك إلى نسبة 55% من الأرباح.
  2. زيادة أسعار نفط الخليج العربي بمقدار 35 سنتاً للبرميل الواحد.
  3. رفع هذه الأسعار سنوياً بمقدار 5 سنتات للبرميل الواحد.
  4. زيادة أسعار النفط سنوياً بمقدار 2.5% من السعر المعلن مقابل تضخم أسعار السلع المصنعة في أوروبا الغربية واليابان وغيرها.
  5. سريان هذه الاتفاقية لمدة خمس سنوات حتى 31 ديسمبر 1975.

          من الممكن اعتبار اتفاقية طهران "يناير1971" نجاحاً للمنظمة حقق للدول الأعضاء دخلاً متزايداً، إلا أن بعض البنود لم تكن تماماً في صالح الدول المنتجة. ذلك لأن الارتفاع المتوقع في أسعار السلع المصنَّعة في أوروبا الغربية واليابان قد فاق بشكل أكيد نسبة الزيادة السنوية التي تم الاتفاق عليها. كما أن الزيادة السنوية في الطلب على النفط أدت إلى زيادة كبيرة في الأسعار الحقيقية للنفط المُصدَّر لم تستفد منها إلا شركات النفط الاحتكارية الكبرى.

          وعلى ذلك فإن تحديد الأسعار المقبلة بهذه النسبة المتواضعة ولهذه المدة الطويلة لم يحقق للدول المنتجة في منطقة الخليج إلا جزءا من هدفها وهو تحقيق دخل متزايد من عمليات إنتاج النفط فيها ومنع تدهور الأسعار لفترة خمس سنوات على الأقل. وهكذا استمر الضغط للحصول على زيادات أخرى في الأسعار المذكورة فحصلت الدول الأعضاء في المنظمة في يناير 1972 على زيادة بنسبة 8.5% لمواجهة التدهور في قيمة الدولار في سوق الصرف الأجنبي. (كان سبب هذا التدهور حدوث انهيار بنظام بريتون وودز  Bretton woods  حيث أعلنت حكومة الولايات المتحدة في 15 أغسطس 1971 إيقاف ارتباط الدولار بالذهب عند 35 دولار لكل أوقية مما أدى إلى تعويم الدولار، وتعرض المنتجون في منظمة أوبك إلى خسارة تعادل الانخفاض الطارئ على قيمة الدولار. وفي منتصف ديسمبر كان هذا الانخفاض بنسبة 8.57% حينما تحددت نسبة الدولار الجديد على أساس 42 دولاراً لكل أوقية).

          وكانت ليبيا قد عقدت اتفاقية طرابلس الثانية في أبريل 1971 "بعد اتفاقية طهران" حيث حصلت بمقتضاها على زيادات أخرى في الأسعار بالإضافة إلى الشروط الأخرى المماثلة لما ورد باتفاقية طهران.

          كما حصل كل من العراق والسعودية على تعديلات مهمة في أسعار النفط المصدر من مواني البحر الأبيض المتوسط.

          كما قامت الجزائر في فبراير 1971 ـ بعد اتفاقية طهران مباشرة ـ بتأميم 51% من حصص النفط الفرنسية بعد شهور من المفاوضات العقيمة. ثم أعلنت من جانب واحد جدولاً يتناول أسعار الضرائب التي يرجع إليها بشأن السنوات الماضية، وسارت على منوال اتفاقية طرابلس الثانية فوضعت سعراً جديداً يبلغ 3.6 دولار ينفذ اعتباراً من 20 مارس 1971. وبعد مفاوضات مطولة قبلت الشركات الفرنسية هذه الشروط، وإن كانت قد أفلحت في أن تخفض قليلاً الالتزامات بإعادة الاستثمار الذي كان قد فرض عليها.

          ومن الآثار الأخيرة لاتفاقيتي طهران وطرابلس، وقعَّت نيجيريا اتفاقية على غرار التسوية الليبية في شهر مايو 1971. ورفعت فنزويلا جدولها الخاص بأسعار الضرائب في مارس 1971، وقامت إندونيسيا برفع أسعار الأساس لبيع نفطها في مايو 1971 ومرة أخرى في أكتوبر 1971.

المشاركة.. بديل للتأميم أم خطوة أخرى نحوه؟

          كانت التطورات السابقة مهمة وحاسمة في تاريخ صناعة النفط في منطقة الشرق الأوسط عامة وفي الدول العربية المنتجة للنفط خاصة، حيث قامت منظمة الأوبك بدور فعال في تعزيز هذه الدول وتركيز مفاوضاتها مع ممثلي الشركات المستثمرة. وقد رسمت كل من اتفاقيتي طهران وطرابلس ـ المشار إليهما آنفاً ـ مبدأً هاماً يقضي بأن حكومات الدول المنتجة للنفط لها الحق في تحديد أسعار بيع النفط، وأنه لا حق لشركات النفط العاملة بالمنطقة في الانفراد بتحديد تلك الأسعار.

          وتتابعت الأحداث بعد ذلك في اتجاه تعزيز قبضة الدول المنتجة على نفطها إنتاجاً وتصديراً وأسعاراً.

          ففي مؤتمرها في يوليه 1971 قررت منظمة أوبك ضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة نحو تحقيق مبدأ المشاركة في الامتيازات النفطية. وقد أنشئت لجنة وزارية لوضع الأساس المتعلق بتنفيذ المشاركة من ممثلي إيران والعراق والكويت وليبيا والمملكة العربية السعودية. وفي مؤتمرها التالي في بيروت في سبتمبر 1971 هددت المنظمة بأنه في حالة فشل المفاوضات مع الشركات الامتيازية لتحقيق مبدأ المشاركة فإنها ستتخذ الخطوات اللازمة في هذا الشأن على مستوى جماعي. وفي ديسمبر من نفس العام دعت المنظمة الشركات المعنية للاجتماع بممثليها بشأن تحقيق هذا المبدأ.

          كانت منظمة الأوبك ـ من ناحية الأغراض العملية ـ منقسمة إلى أربعة أقسام حول فكرة المشاركة.

          كانت فنزويلا تختلف هي وصناعتها عن مستوى التنمية في أقطار الخليج، ولذلك مالت إلى اتباع سياسة خاصة بها.

          وإندونيسيا كان هيكل صناعتها النفطية في ذلك الحين يقوم على أساس مختلف يتمثل في أخذ حصة من الإنتاج.

          ونيجيريا ـ التي انضمت إلى المنظمة في يوليه 1971 ـ لم تندمج بعد في المنظمة. ولكنها مع ذلك تميل إلى أن يكون لها طريق خاص.

          والجزائر وقد سبق أن أممت 51% من الامتيازات في أرضها. أما ليبيا التي استمرت على نحو متميز تطالب بأكثر من أي قاعدة تقرها منظمة الأوبك، كانت دائماً تنفر من العمل في ظل إدارة الأوبك مهما كانت.

          واتخذت إيران نظرة عن المشاركة مختلفة تماماً، حيث ادعت أنه بموجب اتفاقية الاتحاد المالي[1]Consortium المعقودة عام 1954 فإنها تُعتبر قبل الآن مسيطرة على الصناعة النفطية بشكل رسمي. وذكرت في الوقت نفسه أنها تحتاج إلى ترتيبات خاصة تتيح لها المزايا المالية التي تنجم عن أية اتفاقية بخصوص المشاركة التي قد تحظى بها دول الخليج الأخرى في منظمة أوبك.

كذلك كان العراق يتصرف بنفس الإندفاعات المتطرفة التي لدى ليبيا.

          لم يبق بعد ذلك إلا مجموعة دول الخليج التي كان يتفاوض لمصلحتها أحمد زكي يماني الوزير السعودي، ويمثل نظرياً منظمة الأوبك، ولكنه كان في الواقع العملي يمثل المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة فقط.

          لم يفرغ يماني والشركات من وضع القواعد الأساسية "للاتفاقية العامة للمشاركة"إلا في نهاية ديسمبر 1972. ووقعت كل من العربية السعودية وأبو ظبي عليها في 20 ديسمبر 1972. ووقعتها قطر في 19 أبريل 1973. أما الكويت، فبالرغم من موافقة الوزير العتيقي عليها من حيث المبدأ فينبغي عرضها على البرلمان. وكانت العناصر الأساسية في "الاتفاقية العامة للمشاركة" كما يلي:

  1. تبدأ المشاركة بنسبة 25% وتزيد بنسبة 5% سنوياً من 1978 إلى 1981 وبنسبة 6% في 1982 فتصل إلى 51% في تلك السنة.
  2. أن يكون التعويض عن هذه النسب على أساس القيمة الدفترية الحالية للموجودات، أي على أساس الأسعار السارية لها.

وأن يكون دفع هذه التعويضات على أقساط لمدة ثلاث سنوات.

          لقد اعتُبرت الاتفاقية في حينه "نقطة تحول في تاريخ صناعة النفط" في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. كما اعتبرت إيذاناً بتحول ميزان القوى لصالح حكومات الدول المنتجة للنفط ومن شأنها انتقال مركز القوة من شركات النفط إلى الدول المنتجة، الأمر الذي يترتب عليه أسعار نفط أعلى في الأسواق العالمية وتعزيز مطالب الدول المنتجة الأخرى.

          وقد دافع عن الاتفاقية مهندسوها الأصليون وبشكل خاص وزير النفط السعودي أحمد زكي يماني الذي اعتبرها بديلاً للتأميم. أما وزير النفط الكويتي آنذاك ـ عبدالرحمن العتيقي ـ فقد أشار إلى أن أسلوب المشاركة في استغلال الثروة النفطية ليس جديداً، وعاد بالذاكرة إلى أواسط الخمسينات حين أتيح لبعض الدول المنتجة للنفط ومنها الكويت أن تعقد اتفاقيات مشاركة مع بعض الشركات العاملة في المنطقة. وذهب إلى أن المشاركة هي الأسلوب المفضل على نظام الامتيازات التقليدية. وأضاف بأن الهدف الأساسي من المشاركة ليس مالياً وإنما المشاركة في مرافق الإنتاج مقابل تعويض مقبول يشكِّل استثماراً مالياً من قِبل الحكومة ويستدعى تحقيق عائد مالي وأرباح معقولة. وكان هذا التبرير يمثل التفسير الرسمي لاتجاه دول الخليج نحو نظام المشاركة بعد أن أصبحت الدعوة لتأميم الصناعة النفطية في الوطن العربي دعوة عامة. ولا شك أن أسلوب المشاركة كان وسيلة ذكية أوحت بها الشركات نفسها لمواجهة هذه الموجة العارمة والاتجاه القومي نحو التأميم.

          إن شركات النفط مهما كان نوعها وجنسيتها تسعى كلها للحصول على نفط تتحقق فيه الشروط التالية:

  • أن يتوفر بكميات كبيرة.
  • أن تكون أسعاره منخفضة كلما كان ذلك ممكناً.
  • أن يكون مصدره مضموناً ومكفولاً لمدة العقد.
  • أن يتوفر لأطول مدة ممكنة.
  • أن تكون نوعيته مرغوبة والطلب عليه كبيراً في الأسواق العالمية.

          "فإذا تحققت هذه الشروط مجتمعة، أو تحققت بصورة خاصة شروط كميات النفط وضمانها وأسعارها، فلا يهم الشركات بعد ذلك الطريقة التي ستحصل بها على ذلك النفط. فالدول المنتجة عندئذ لها الخيار أن تبيع نفطها لهذه الشركات بأية طريقة كانت، سواء عن طريق الامتياز أو عقد المقاولة أو عقد المشاركة أو عقد البيع طويل الأجل. وستحاول الشركة الأجنبية أن تكون دائماً المحتكر الوحيد للنفط فإن لم تستطع الحصول على كل النفط حصلت على بعضه على الأقل".

          ومهما كانت اشتراطات الإدارة الوطنية، فإن استمرار رقابة الطرف الأجنبي على الإنتاج وتكاليفه، وشغل بعض الوظائف المهمة والأساسية بمعرفته، يكفل له إشرافاً مستمراً وفرصة للتدخل كلما رأى أن ذلك في صالحه.

وعلى أية حال، كانت اتفاقيات المشاركة بداية لحركة واسعة نحو التأميم.

          وعلى أثر توقيع "الاتفاقية العامة للمشاركة" بواسطة دول الخليج، تحمست إيران وبدأت مفاوضاتها التي انتهت بتوقيع اتفاقية جديدة في 24 مايو 1973 بين أعضاء الاتحاد المالي Consortium  وشركة النفط الوطنية الإيرانية ومن أهم عناصرها:

  • اتفاقية جديدة لمدة 20 سنة تحل محل الاتفاقية الأصلية لسنة 1954.
  • تكون شركة النفط الوطنية الإيرانية هي المالكة والقائمة بالأعمال النفطية وتنشأ شركة جديدة في إيران من الأعضاء في الاتحاد المالي تقوم بأعمال المقاولات الخدمية لشركة النفط الوطنية الإيرانية.
  • تبيع شركة النفط الوطنية الإيرانية النفط إلى أعضاء الاتحاد المالي بسعر يعطي إيران ما يساوي القيمة المالية الإجمالية التي كان من الممكن أن تحصل عليها بموجب الاتفاقية العامة للمشاركة، "التي وقعتها دول الخليج".

          وإذا كانت إدارة وأعمال شركة النفط الوطنية الإيرانية ترمز "بصرف النظر عن الواقع الفعلي" إلى السيطرة الكاملة، في مقابل نسبة مئوية من السيطرة تعادل 25% بمقتضى الاتفاقية العامة للمشاركة، فإن يماني والمملكة العربية السعودية لم يشعرا بالارتياح. ولا ريب في أن ذلك كان أحد العوامل الإضافية التي دفعت إلى التحرك في 1974 إلى أن تكون نسبة المشاركة 60% ثم تتحول إلى 100% من السيطرة على الشركات صاحبة الامتياز حيث وافقت على مبدأ المشاركة بنسبة 100% واستمرت المفاوضات لإنجاز التفصيلات حتى 1976 ولم تنفذ الاتفاقية رسمياً إلا في 1980. وكانت هناك أمور أخرى ترتبط بالمشاركة يجري بحثها.

          ففي العراق تم التوصل إلى تسوية جميع المطالب العراقية وجميع المطالب المعارضة التي قدمتها الشركات، حيث أبرمت اتفاقية بين الطرفين في فبراير 1974 كان من بين بنودها أن تعهدت مجموعة الأعضاء في شركة نفط البصرة بتوسيع الإنتاج في تلك المنطقة ببذل مساعيها لبلوغ حد المشاركة في ذلك الامتياز وجعله منسجماً مع الخطوط الواردة في الاتفاقية العامة للمشاركة.

          أما في ليبيا فقد تم تأميم شركة النفط البريطانية BP   في ديسمبر 1971 على أثر استيلاء إيران على جزر طنب. ولم تقم ليبيا بإجراء آخر حتى أكتوبر 1972 حيث استطاعت أن ترغم شركة إيني ENI  ـ التي فرغت لتوها من تنمية أحد الحقول وكانت مستعدة وتواقة إلى التصدير ـ على قبول 50% من المشاركة. وفي 11 يونيه 1973 أممت ليبيا شركة بنكر هنت  Bunker Hunt  بنفس الشروط مدعية أنها قامت بذلك انتقاماً من السياسة الأمريكية.

          وفي 11 أغسطس 1973 وافقت شركة أوكسيدنتال  Occidental  على تأميم 51% من الحصص. وفي اليوم التالي عرضت ليبيا على شركة الواحة  Oasis  نفس الشروط. وقد وافقت على ذلك جميع الشركات المعنية عدا شركة شـل Shell .

          وفي سبتمبر أعلنت ليبيا تأميم 51% من الشركات المتبقية. ولكن هذه الشركات ـ وكلها أعضاء في مجموعة لندن لوضع السياسات البترولية  London Petroleum Group : LPG  رفضت الإجراء الليبي واعتبرته عملاً غير شرعي وطالبت بالتحكيم، واستمرت في الوقت نفسه في مزاولة أعمالها بموجب عقود امتيازاتها.

          وفي حالة نيجيريا ـ التي انضمت إلى منظمة الأوبك في يوليه 1971، فقد تم توقيع اتفاقية المشاركة معها في مارس 1973، حيث قضت ببدء المشاركة بنسبة 35% وبقيت عند هذا المستوى إلى أن صار للحكومة الحق في زيادتها إلى 51% في سنة 1982.

          فرغت منظمة الأوبك رسمياً من مسألة المشاركة في نهاية 1972، ولكنها خاضت معركة ضارية أخرى عندما خُفِّضت قيمة الدولار الأمريكي في 12 فبراير 1973 بنسبة 11.1% في مقابل الذهب. وبموجب اتفاقية جنيف الأولى التي تنفذ على أساس صيغة متفق عليها أجريت زيادة في الأسعار المعلنة تبلغ حوالي 6% يسري مفعولها في أول أبريل 1973. ولم تقبل بذلك المنظمة وواصلت مفاوضات مطولة حتى تم إقرار صيغة جديدة سُمِّيت باتفاقية جنيف الثانية حازت رضا الطرفين:

  • وُصِفَتْ بأنها تعديل لاتفاقية جنيف الأولى.
  • لم ترتبط بقيمة الدولار من الذهب.
  • بلغ مجموع الارتفاع الفوري في السعر 11.9% وهذا يجاوز قليلاً التخفيض الفعلي في قيمة الدولار المحسوب بالذهب.

          بذلك توفر الدعم بمقتضى هذه الاتفاقيات لما تحرزه منظمة الأوبك من النجاح وتحولت كفة الرجحان من مستهلكي النفط إلى منتجي النفط.

          وقد حرص البحث على توضيح هذه الجهود المضنية في إيجاز شديد إنصافاً لمنظمة الأوبك وأعضائها في خوض مفاوضات عسيرة تخللتها تهديدات من الطرفين، ولكنها في النهاية توصلت إلى اتفاقيات مَرْضية طوعاً أو كرهاً.

الاستثمار المباشر للموارد النفطية وتأميم الشركات الامتيازية

          برهنت الأحداث التي تلت التوقيع على اتفاقيات المشاركة من قِبل خمس دول عربية خليجية على أنها كانت مجرد وسيلة للتهدئة أعدتها الشركات الامتيازية في الوطن العربي ومؤيدوها للتخفيف من حدة حرارة التأميم.

          قامت الدول العربية النفطية على اختلافها باستثمار مواردها النفطية غير الخاضعة للامتيازات استثماراً مباشراً عن طريق عقود مقاولة أو عقود عمل. كما أبرمت معظم الدول العربية إن لم يكن كلها، عقود بيع طويلة الأجل بعيداً عن الشركات الامتيازية وعن الشركات المستقلة التي ما زالت تعمل في أراضيها.

          وقد انتهت مناهضة الشركات للتأميم في أواخر 1974. وأصبح نفط العرب للعرب في منطقة الخليج العربي والشمال الأفريقي العربي. أما الامتيازات القديمة وما في حكمها فإن ما بقي منها يعتبر أقل أهمية بكثير مما كان عليه قبل عقد من الزمان. ولن يمر عقد السبعينات حتى تكون صناعة النفط العربي مملوكة لأصحابها العرب، وبإدارة عربية كاملة.

          كان من نتيجة ذلك أن زادت أهمية شركات النفط الوطنية في الدول العربية إذ حلت محل الشركات الامتيازية، كلها أو معظمها، في إنتاج النفط وتسويقه، وبدأت تدخل العمليات المتكاملة في الصناعة النفطية ـ نقلاً وتوزيعاً وتصفية ـ إما مباشرة أو بالاشتراك مع شركات نفط وطنية في بعض الدول النامية المستهلكة للنفط.

          ومع ذلك فإن هناك عقبات كثيرة لا تزال تقف أمام هذه الشركات كعدم توفر الأسواق على نطاق واسع. وحاجتها إلى الاعتماد على التصدير لإنجاح عملياتها الإنتاجية، وقلة خبرتها في إدارة وتشغيل الصناعات البتروكيماوية، الأمر الذي جعل الشركات الاحتكارية الكبرى تسيطر بدرجة هامة على معظم العمليات اللاحقة لإنتاج النفط.

          وعندما استردت دول المنظمة سيطرتها على مقدَّرات ثروتها الوطنية من البترول، لم يعد البترول مجرد سلعة اقتصادية فحسب، بل أصبح مصدراً من مصادر القوة السياسية في أيدي الدول الرئيسية المنتجة له.

          لذلك فإنه عند تقدير القيمة الحقيقية لتكلفة البترول، يجب إلى جانب احتساب سعره بالدولارات والسنتات أن يضاف إليه سعر آخر يعادل المزايا السياسية والعسكرية الأخرى التي يمكن أن تحصل عليها الدول المنتجة كشرط لبيع بترولها.

أثر البترول كأداة سياسية لدى الدول المنتجة

          إن كافة الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك ـ خاصة تلك الموجودة بالشرق الأوسط قد استخدمت نفطها بشكل أو بآخر في تحقيق أهداف غير اقتصادية:

  • لقد استُخدم النفط لإغراء الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والبرازيل على مبادلته بأسلحة متقدمة وتقنيات حديثة في المجال العسكري بالشرق الأوسط.
  • ويُعتبر العراق من أكثر الدول التي استخدمت النفط لأغراض غير تجارية. فقد منح فرنسا وإيطاليا ضمانات لسهولة الحصول على نفطه مقابل الحصول على تكنولوجيا الذرة والمعدات والموارد التي من المزمع استخدامها في تصنيع متفجرات نووية. كما مارس العراق ضغوطاً هائلة على البرازيل لإمداده بتكنولوجيا الطاقة.
  • استُخدم النفط أيضاً للتأثير على السياسات الخارجية للدول الصناعية ودول العالم الثالث. وخاصة سياسات هذه الدول تجاه النزاع العربي الإسرائيلي، ومبادرة السلام المصرية الإسرائيلية. وأفضل مثال لذلك هو حظر النفط العربي خلال النزاع العربي الإسرائيلي في عام 1973، كما استخدمت إيران نفطها كوسيلة لإغراء الشركات والحكومات على اتخاذ ترتيبات لإسقاط العقوبات ضدها.

كذلك قامت إيران بحظر تصدير نفطها إلى إسرائيل وجنوب أفريقيا ومصر والفلبين والولايات المتحدة لتحقيق أهداف سياسية.

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن مستويات الإنتاج تتحدد وتتغير تبعاً لعدد من الأغراض منها:

  • محاولة السعودية استعادة زعامتها للدول المصدرة.
  • الحصول على دعم الولايات المتحدة لمصالحها السياسية والأمنية في الشرق الأوسط.

ولقد ذكر بعض القادة السعوديين: أنهم ربطوا سياسة إنتاج النفط السعودي بتوقيت وأسلوب استئناف الولايات المتحدة حيازتها للنفط بهدف ملء الاحتياطي الاستراتيجي للنفط. إن محاولات السعودية للحصول على معدات إضافية للمقاتلات إف 15، والحصول على طائرة الرادار الأمريكية لتحسين القدرة السعودية الدفاعية خلال الحرب العراقية الإيرانية وخلال حرب الخليج الثانية لهي أيضاً مرتبطة بسياسة إنتاج وتسعير النفط السعودي.

  • كما استُخدم النفط أيضاً في تنفيذ الخطط الخاصة بالسياسة البترولية للدول المنتجة عن طريق الإسهام في بناء معامل التكرير والمصانع البتروكيماوية أو الصناعات الأخرى التي لولا وجود النفط لم يكن من المحتمل أن تقام أصلاً.
  • ومن التطورات الأخرى التي كان لها آثار كبيرة في زيادة سيطرة المنتجين على نفطهم هو تزايد عدد الصفقات المباشرة بين الحكومات المنتجة والحكومات المستهلكة دون وساطة شركات النفط الضخمة. ففي عام 1973، تم بيع 90% من النفط المتداول في العالم عن طريق شركات النفط الخام، وبحلول عام 1979 هبط هذا الرقم إلى أقل من 50% وهكذا نجد أن دول الشرق الأوسط بدأت تتعامل مباشرة مع الحكومات الأجنبية، وأصبح لدى المنتجين القدرة على عدم منح أية مزايا اقتصادية مما سهل المساومة لصالحهم .




[1] جدير بالذكر أن الاتحاد المالي Consortium المشار إليه هو اتحاد شركات النفط الإيرانية، الذي تكوَّن ـ بعد فشل عملية تأميم النفط الإيراني عام 1951 ـ من اندماج معظم الشركات العالمية، إضافة إلى بعض الشركات الأمريكية المستقلة، حيث أصبح هذا الاتحاد المورد المالي والاقتصادي الذي يتولى مهمة إنتاج النفط الإيراني.

[2] يعتبر الطلب على البترول منخفض المرونة (أي ليس هناك مجال لاختيار بديل له) لأنه من السلع الضرورية، التي يصعب الاستغناء عنها, ويعتبر الطلب مرتفع المرونة إذا استطاعت الدول الصناعية التحول عنه إلى استهلاك سلع بديلة أخرى أرخص نسبياً.

[3] من العوامل المشجعة على ذلك ـ خلال تلك الفترة ـ إعلان بعض دول الأوبك وبعض الدول خارج منظمة الأوبك عن عزمها على تخفيض الإنتاج. وتعتبر هذه المبادرة من جانب الدول المنتجة علامة صحية على رغبة الدول البترولية لإيقاف انخفاض أسعار البترول الذي سوف يعود بالضرر على كل الدول المنتجة.