إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل الثاني

ثانياً: منظمة الدول المصدِّرة للبترول (أوبك)

(Organization of the Petroleum Exporting Countries (OPEC

التعريف بالمنظمة

          قامت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" في 14 سبتمبر 1960 ردَّاً على إقدام الشركات المستثمرة للبترول في أراضيها على تخفيض أسعار البترول من جانب واحد ـ دون أخذ موافقة الدول المنتجة ـ في عامي 1959 و 1960. وكانت الأسعار منخفضة في الأصل مما ألحق الضرر باقتصاديات الدول المنتجة للبترول، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على دخلها من النفط عند إعداد موازناتها السنوية وتنفيذ برامجها الإنمائية.

          ولكي تحمي الدول المصدرة للبترول نفسها ضد اتخاذ أي إجراءات فردية من جانب الشركات العاملة في أراضيها مستقبلاً، اتفقت خمس دول هي السعودية والكويت والعراق وإيران وفنزويلا، في اجتماع عقد في بغداد في شهر  سبتمبر 1960 على إنشاء منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" للعمل على توحيد السياسات البترولية لهذه الدول.

وقد قويت المنظمة بانضمام دول بترولية أخرى إليها وهي:

قطر في يناير  1961

إندونيسيا وليبيا في يونيه 1962

أبو ظبي في ديسمبر 1967 (تحولت إلى الإمارات العربية المتحدة في يناير 1974)

الجزائر في يوليه 1969

نيجيريا في يوليه 1971

اكوادور في نوفمبر 1973

الجابون كعضو منتسب في نوفمبر 1973، وكعضو كامل العضوية في عام 1975

          وبذلك أصبح عدد الدول الأعضاء في المنظمة ثلاث عشرة دولة. وكان احتياطي دول الأوبك من البترول حوالي 70% من الاحتياطي العالمي، أما بالنسبة لإنتاج البترول فقد وصل الإنتاج إلى حوالي 31 مليون برميل في اليوم عام 1973/1974 وهو ما يمثل 53% من الإنتاج العالمي في ذلك الوقت. وقد أخذ نصيب دول الأوبك في الانخفاض بصورة تدريجية حتى وصل إلى حوالي 17 مليون برميل في اليوم في عام 1984 وهو ما يعادل 30% من الإنتاج العالمي. وذلك طبقاً لسياسة متعمَّدة من جانب الأوبك لمواجهة الانخفاض في الطلب على البترول، وللحيلولة دون انخفاض الأسعار حيث تحوَّل سوق البترول من سوق للبائعين حتى نهاية عام 1980 إلى سوق للمشترين ابتداء من عام 1981.

ويرجع الانخفاض في إنتاج بترول منظمة الأوبك إلى العوامل الآتية:

  1. انخفاض الطلب العالمي على البترول بسبب الركود الاقتصادي الشديد الذي اجتاح البلاد الصناعية خلال الفترة 1980 ـ 1982.
  2. التحول من استهلاك البترول إلى بدائل الطاقة الأخرى.
  3. التوسع في إنتاج البترول خارج دول الأوبك سواء داخل البلاد الصناعية ذاتها "الولايات المتحدة وبحر الشمال" أو في البلدان النامية.
  4. قيام الحرب بين إيران والعراق في سبتمبر 1980 أدى إلى حدوث انخفاض كبير في إنتاج الدولتين.

          ففي العراق توقف الإنتاج في الحقول الواقعة في الجنوب. كما توقف ضخ النفط إلى البحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي السورية وذلك نتيجة لقيام الحكومة السورية بإغلاق حدودها مع العراق لأسباب سياسية.

          أما في إيران فقد أخذ الإنتاج في الانخفاض بسبب الثورة الإيرانية ورغبة حكومتها في تخفيض الإنتاج إلى الحد الذي يكفي الاحتياجات الضرورية لعملية التنمية الاقتصادية فحسب، ثم انخفض الإنتاج مرة أخرى بعد اندلاع الحرب مع العراق في شهر سبتمبر 1980.

أهداف منظمة الأوبك

تعمل الأوبك على تحقيق هدفين رئيسيين:

الهدف الأول: تعديل نظام المحاسبة الذي يحكم العلاقة بين شركات الاتحاد الدولي المستثمرة والدول المنتجة "باستثناء فنزويلا"، حيث يقوم هذا النظام على خصم رسم التنقيب والاستغلال 12.5% ـ الذي يُدفع إلى الدولة مانحة الامتياز ـ من نصيب الدولة في الأرباح وهو 50%. بينما تطالب منظمة الأوبك باعتبار هذا الرسم جزءا من تكاليف الإنتاج. ويجب أن يعامل على هذا الأساس فتحصل الدولة المنتجة على 50% من صافي الأرباح. وبتحقيق هذا الهدف فإن الدخل العائد على الدول المنتجة سيرتفع بمقدار 6.25%.

الهدف الثاني: العمل على رفع سعر البترول الحالي والعودة به إلى مستواه قبل أغسطس 1960 وهو تاريخ آخر تخفيض لسعر البترول الخام فرضته الشركات المستثمرة رغماً عن إرادة الدول المنتجة، حيث تحاول الدول الصناعية الكبرى المستهلكة، وعلى رأسها دول أوروبا الغربية واليابان اتباع سياسة بترولية موحدة في إطار السوق الأوروبية المشتركة في مواجهة الدول المنتجة.

لذلك كان الهدف من قيام المنظمة كما أُعلن في مؤتمر بغداد عام 1960 ما يلي:

  1. توحيد السياسة البترولية للدول الأعضاء.
  2. اتباع أفضل الطرق لحماية المصالح الفردية والجماعية للدول الأعضاء.
  3. العمل على الحد من التقلبات غير الضرورية في الأسعار ومحاولة إعادة الأسعار إلى مستواها قبل التخفيض.
  4. ضمان حصول الدول الأعضاء على دخل ثابت ومستقر، وذلك لمواجهة احتياجاتها من الأموال اللازمة لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها .
  5. ضمان توفير احتياجات الدول المستهلكة من البترول بطريقة اقتصادية ومنتظمة.
  6. ضمان حصول الشركات البترولية على دخل مناسب مقابل استثمار رؤوس أموالها في هذه الصناعة.

شروط العضوية في منظمة أوبك

يمكن قبول أي دولة في المنظمة إذا توفرت مجموعة من الشروط أهمها:

  1. أن تحقق الدولة فائضاً كبيراً من البترول يخصص للتصدير، وذلك بعد تغطية احتياجاتها المحلية.
  2. أن تتشابه المصالح البترولية للدولة العضو إلى حد كبير مع ظروف الدول المؤسسة للمنظمة.
  3. أن توافق على قبول العضو الجديد ثلاثة أرباع الدول أعضاء المنظمة بما فيها الدول الخمس المؤسسة للمنظمة.

إدارة منظمة الأوبك

          تم عقد اجتماع لمنظمة الأوبك بعد تأسيسها في بغداد عندما اجتمعت لجنة فرعية للنظر في هيكل المنظمة.

          وانعقد المؤتمر الثاني في كاراكاس ـ عاصمة فنزويلا ـ في يناير 1961 بهدف إعطاء الصبغة الرسمية لوضع وهيكل المنظمة. اعتمد هذا المؤتمر اتخاذ مدينة جنيف مقراً لها رغبة في اتخاذ أرض محايدة مقراً لهذه المنظمة العالمية، وإشارة إلى صبغة الأوبك الحيادية. وقد وافقت حكومة سويسرا على ذلك. وعندما قرر بعض الأعضاء ضرورة الحصول على الصفة الدبلوماسية للمنظمة رفضت حكومة سويسرا، الأمر الذي دعا الأوبك إلى الانتقال إلى فيينا ـ عاصمة النمسا ـ مقراً للمنظمة.

تمارس منظمة الأوبك اختصاصاتها ومسئولياتها عن طريق الاجهزة الآتية:

1. المؤتمر  The Conference

وهو السلطة العليا، ويتكون من وزراء البترول للدول الأعضاء. ويختص بصياغة السياسات العامة للمنظمة وكيفية تنفيذها واتخاذ القرارات اللازمة في هذا الشأن.

ولابد من حضور عشرة أعضاء من  أصل ثلاثة عشر عضواً حتى يصبح الاجتماع قانونياً. وتتخذ جميع القرارات بالإجماع عدا ما يختص منها بالشئون الاجرائية فيتم الاكتفاء بالأغلبية.

ويتم عقد اجتماعين عاديين في السنة، وعقد اجتماعات غير عادية بناء على طلب إحدى الدول الأعضاء ويرأس المؤتمر وزير البترول في إحدى الدول الأعضاء لمدة عام وبالتناوب بين بقية الدول الأعضاء طبقاً للحروف الأبجدية.

2. مجلس المحافظين  The Board of Governors

وهو يدير شئون المنظمة ويتكون من ممثلين من الدول الأعضاء. ويجب حضور ثلثي الأعضاء حتى يصبح الاجتماع قانونياً. وتتخذ القرارات بالأغلبية المطلقة. ويرأس المجلس أحد المحافظين لمدة سنتين وبالتناوب بين بقية الدول الأعضاء طبقاً للحروف الأبجدية.

3. الأمانة العامة  Secretariat

ويمثلها أمين عام ومساعدوه وست دوائر أو أقسام تختص بالشئون الإدارية والاقتصادية والفنية والإحصائية والقانونية والإعلام. ويتم تعيين الأمين العام بواسطة المؤتمر الوزاري للمنظمة ولمدة ثلاث سنوات تجدد لمدة واحدة فقط، ويكون من رعايا الدول الأعضاء والعاملين المرموقين في صناعة البترول .

هل أخطأت منظمة الأوبك في سياساتها البترولية؟

          في محاولة لتحليل التطورات التي وقعت خلال العشر سنوات الممتدة بين أواخر عام 1973 وحتى عام 1983، فإنه يمكن القول بأن منظمة الأوبك وقعت في بعض الأخطاء التي أدت إلى فقدانها سوق الطاقة العالمية، وما تبع ذلك من ضعف نفوذها وفقد سيطرتها على تحديد أسعار البترول، أهمها:

  1. التشدد في سياسة الأسعار، إذ أن أغلبية دول الأوبك كانت ترفع أسعار البترول في كل مرة يحدث فيها مشكلة في العالم تؤدي إلى ارتفاع سعر البترول في السوق الحرة. أي أن سياسة الأوبك في تحديد الأسعار كانت تسعى إلى الحصول على أقصى ربح ممكن في الأجل القصير وذلك بدلاً من الحصول على ربح معقول في الأمد الطويل.
  2. اعتقاد دول المنظمة أن مرونة الطلب السعرية على البترول سوف تظل منخفضة، أي أن المستهلك سوف يستمر في استهلاك نفس الكمية من البترول تقريباً وذلك بغض النظر عن ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة وخاصة في عام 1979/1980.[2]
  3. عدم تفهُّم دول الأوبك ـ وهي من الدول النامية ـ أنها تنتج مادة خام وتبيعها لدول صناعية متقدمة ذات إمكانيات ضخمة في مجالات رأس المال والتنظيم والابتكار وسوف تسترد ما دفعته من زيادة في أسعار المادة الأولية عن طريق رفع أسعار صادراتها إلى الدول النامية. ولذلك لم تستمر سلطة منظمة الأوبك في التحكم  في سوق البترول إلا من أواخر عام 1973 حتى نهاية عام 1982. وبذلك يمكن القول إن دول الأوبك قد أخطأت حين بالغت في قوتها كمنتج يواجه مستهلكاً بالغ القوة.

كيفية المحافظة على مستقبل منظمة الأوبك

1.  استراتيجية خاصة بالأجل القصير (خلال السنوات القادمة)

أ. قيام دول الأوبك بتخفيض مصروفاتها الجارية والاستثمارية، والعمل على خفض مدفوعاتها للواردات من السلع المنظورة والخدمات وذلك بدرجة أكبر مما تحقق، لكي يتمشى مستوى الانفاق مع الدخل المنخفض الذي تحصل عليه هذه الدول من صادراتها من البترول. وهذا من شأنه الاكتفاء بقدر أقل من إنتاج البترول، يقلل من إلحاح كل دولة لزيادة حصة إنتاجها مما أضعف المنظمة وأدى إلى زيادة الفُرقة بين أعضائها.

ب. وضع استراتيجية للإنتاج والأسعار تتضمن المحافظة على سقف Ceiling معقول للإنتاج يقل عن حجم الإنتاج الحالي إذا اقتضى الأمر ذلك. ومن المفضل التعاون مع الدول المنتجة خارج منظمة الأوبك في هذا المجال[3]. وكذلك قبول مستوى منخفض للأسعار يتمشى مع مستوى الأسعار السائدة في السوق الحرة. ومن الجدير بالذكر أن قبول أسعار منخفضة من شأنه أن يحقق الأهداف الآتية:

(1) التشجيع على زيادة استهلاك المنتجات البترولية.

(2) المساعدة على عودة الرواج الاقتصادي إلى الدول الصناعية.

(3) الإبطاء في عملية التحول نحو بدائل الطاقة الموجودة بالفعل مثل الفحم أو الطاقة النووية، وإلى تقليل الاستثمار في بدائل الطاقة الجديدة والمتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح). وقد تم إلغاء الكثير من مشروعات الطاقة الجديدة في الدول الصناعية ـ مثل مشروعات الوقود الصناعي عالية التكلفة ـ في أعقاب انخفاض أسعار البترول مما جعل هذه المشروعات غير اقتصادية.

2. استراتيجية خاصة بالأجل الطويل

إن الصمود في الأجل القصير باتباع استراتيجية معتدلة من شأنه أن يزيد الطلب على البترول بصورة معقولة خلال التسعينات، مما يؤدي إلى ازدياد حصة الأوبك في الاستهلاك العالمي للبترول.

وإذا ما عادت منظمة الأوبك إلى قوتها، فإنه يتعين عليها أن تتبع سياسة معتدلة. ويتذكر الأعضاء أن اتباع سياسة سعرية متشددة في السبعينات قد أدى إلى قِصر الفترة التي تمتعوا فيها بالسيطرة على صناعة البترول في العالم.

ومن الجدير بالذكر أن المنظمة يُنتظر أن تلعب دوراً هاماً في المستقبل وذلك بفضل امتلاكها احتياطيات بترولية كبيرة سوف تتبقى لديها بعد استنفاد احتياطي البترول لدى كثير من الدول المنتجة خارج المنظمة.




[1] جدير بالذكر أن الاتحاد المالي Consortium المشار إليه هو اتحاد شركات النفط الإيرانية، الذي تكوَّن ـ بعد فشل عملية تأميم النفط الإيراني عام 1951 ـ من اندماج معظم الشركات العالمية، إضافة إلى بعض الشركات الأمريكية المستقلة، حيث أصبح هذا الاتحاد المورد المالي والاقتصادي الذي يتولى مهمة إنتاج النفط الإيراني.

[2] يعتبر الطلب على البترول منخفض المرونة (أي ليس هناك مجال لاختيار بديل له) لأنه من السلع الضرورية، التي يصعب الاستغناء عنها, ويعتبر الطلب مرتفع المرونة إذا استطاعت الدول الصناعية التحول عنه إلى استهلاك سلع بديلة أخرى أرخص نسبياً.

[3] من العوامل المشجعة على ذلك ـ خلال تلك الفترة ـ إعلان بعض دول الأوبك وبعض الدول خارج منظمة الأوبك عن عزمها على تخفيض الإنتاج. وتعتبر هذه المبادرة من جانب الدول المنتجة علامة صحية على رغبة الدول البترولية لإيقاف انخفاض أسعار البترول الذي سوف يعود بالضرر على كل الدول المنتجة.