إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل الثالث

الفصل الثالث

تأثير صناعة البترول على اقتصاديات دول المنطقة العربية

         منذ هيمنة صناعة البترول على اقتصاديات المنطقة العربية والأنشطة المرتبطة بها، جعلت المنطقة تنقسم إلى مجموعتين من الدول:

المجموعة الأولى

  • تضم 9 دول عربية. يقع بها أغلب الاحتياطيات النفطية.
  • يبلغ عدد سكانها نحو 75 مليوناً.
  • بلغ ناتجها القومي الإجمالي 1993 نحو 367 مليار دولار.
  • بلغت الصادرات السلعية والخدمية لهذه المجموعة عام 1993 نحو 118 مليار دولار.
  • بلغت وارداتها السلعية والخدمية في العام المذكور نحو 107 مليار دولار.
  • بذلك حققت تلك المجموعة في عام 1993 فائضاً في ميزانها التجاري قدره 11 مليار دولار.

المجموعة الثانية

  • تضم 11 دولة عربية.
  • يبلغ عدد سكانها 164 مليوناً.
  • بلغ إجمالي ناتجها القومي الإجمالي عام 1993 نحو 141 مليار دولار.
  • بلغت الصادرات السلعية والخدمية للمجموعة الثانية عام 1993 نحو 43 مليار دولار.
  • وبلغت وارداتها السلعية والخدمية في العام المذكور نحو 55 مليار دولار.
  • بذلك حققت المجموعة الثانية عام 1993 عجزاً في ميزانها التجاري قدره 12 مليار دولار وهو ما يقرب من الفائض الذي حققته دول المجموعة الأولى.
  • أما احتياطيات المجموعة الثانية من النفط فلا تكاد تذكر. وباستثناء مصر وسورية اللتين تغطيان احتياجاتهما النفطية محلياً، فإن باقي دول المجموعة الثانية تدخل في عداد الدول المستوردة للنفط.

         ويتبين من ذلك أن هيمنة صناعة النفط على اقتصاديات المنطقة العربية تركت بصماتها على علاقاتها بالعالم الخارجي، كما صبغت العلاقات العربية بسِمَات نفطية واضحة.

         فالدول النفطية المحدودة السكان عملت على اجتذاب أعداد كبيرة من القوى العاملة من الدول ذات الكثافة السكانية العالية بحيث أصبحت التحويلات المالية الناتجة عن هذه الحركة أداة أساسية من أدوات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول المصدرة للعمالة.

         ولكن يُلاحظ من ناحية أخرى أن الدول النفطية أخذت تتجه إلى التوازن الداخلي في العمالة مما يتوقع معه ظهور بوادر للهجرة المضادة وعودة أعداد كبيرة من العمالة الوافدة إلى أوطانها الأصلية.

         كذلك أدى التركيز على صناعة النفط، وتوجه هذه الصناعة إلى تصديره خارج المنطقة العربية، إلى عرقلة خطوات التكامل الاقتصادي العربي والتخصص في الإنتاج فيما بين الدول العربية، كل دولة بحسب ما يتوافر لديها من عناصر الإنتاج.

ومن أمثله ذلك

  • صناعة البتروكيماويات العربية حيث اختارت كل دولة أن تقيم فيها وحدات صغيرة وتكفلت  بحمايتها. بينما كان من الممكن أن يخطط لهذه الصناعة على أساس تكاملي عربي مما يحقق لها درجة أعلى من الكفاءة ويتيح للصناعات المكملة والمرتبطة بها فرصة أكبر للنمو والتكامل.
  • وينطبق هذا المثل على الكثير من الصناعات العربية، التي أقيمت على أساس وحدات محلية صغيرة تعتمد على تكنولوجيا قديمة.

         وبالتالي أصبح التنافس ـ وليس التكامل ـ هو سمة العلاقات الاقتصادية العربية. والدليل على ذلك أن التجارة البينية داخل المنطقة العربية لم تتجاوز 10% من التجارة الخارجية لهذه المنطقة خلال الفترة 1991 ـ 1993.

         ويجد هذا النمط التجاري تفسيره في هيكل أو تركيبة الصادرات العربية المعتمدة أساساً على المواد الأولية والتي يكون النفط الجانب الأعظم منها.

ففي عام 1993 كانت الصادرات السلعية العربية تتكون من:

74 % مواد أولية (نفط وغاز طبيعي وبعض المعادن)

18 % سلع صناعية بما فيها نحو 5% منتجات كيماوية (أهمها الصادرات البتروكيماوية السعودية)

5 % منتجات زراعية.

         كذلك كان لهيمنة الصناعة النفطية على الاقتصاديات العربية تأثيرها على الأنماط الاستهلاكية التي تجلت في الإنفاق الاستهلاكي، والاعتماد المتزايد على التجارة الخارجية، حيث صارت المنطقة العربية تستورد ما يقرب من نصف احتياجاتها من مستلزمات الإنتاج ومواد البناء والأغذية والكساء. ولعل الأخطر في كل ذلك هو اتساع الفجوة الغذائية التي بلغت وارداتها عام 1992 نحو 10 مليارات دولار بزيادة 13% عن العام السابق، كما تزايدت بالنسبـة نفسها تقريباً في عام 1993.

         أما القيمة التراكمية لتلك الفجوة خلال الفترة 1985 ـ 1992 فقد بلغت نحو 88 مليار دولار منها 42 مليار دولار في الحبوب و15 مليار دولار في الألبان و13 مليار دولار في اللحوم.

         ويبدو أن اهتمام الدول العربية النفطية بصناعة البترول قد صرفها عن تضافر مواردها على أساس متكامل بهدف تأمين احتياجاتها من الغذاء.

فهل تعجز دول المنطقة العربية عن تحقيق هذا الهدف؟

         حاول الدكتور حسين عبدالله الإجابة على هذا السؤال في الكلمة التي ألقاها كرئيس لوفد مصر في مؤتمر الطاقة العربي الأول، الذي عُقد على المستوى الوزاري في أبوظبي  خلال مارس 1979 حيث قال: "إن جانباً كبيراً من الغاز الطبيعي في منطقة الخليج العربي يُحرق للتخلص منه، وأن دراسة الجدوى قد تؤيد إمكانية مد خط من الأنابيب لحمله عبر البحر الأحمر لكي يدخل منطقة التكامل المصري السوداني حيث توجد وفرة المياه العذبة وملايين الأفدنة والأيدي العاملة الزراعية. وبقليل من رأس المال العربي المودع بالمصارف يُمكن أن تتكامل صناعة زراعية تكفي لسد الفجوة الغذائية للمنطقة العربية بكاملها، بل ويمكن أن تحقق فائضاً كبيراً للتصدير".

         وإذا كانت الظروف قد تغيرت الآن حيث لم يعد الغاز الطبيعي يُحرق، بل يجري استغلال الفائض منه بالتصدير، فيمكن القول: إذا كانت اقتصاديات الغاز تبرر إسالته وحمله عبر البحار إلى الشرق الأقصى أو إلى أوروبا، فمن باب أولى ينبغي أن تُدرس إمكانية استغلاله، أو جانب منه، في التنمية الزراعية والصناعية داخل المنطقة على أساس متكامل وليس فقط على أساس الاقتصاديات المحلية لكل دولة. وإذا ثبتت جدوى المشروع الزراعي الصناعي في منطقة التكامل المصري السوداني، أو في موقع آخر من الوطن العربي، فينبغي تنفيذه بمنأى عن تيار الخلافات السياسية، تأميناً للأجيال العربية القادمة ضد الجوع، وحماية لها من استغلال القوى الأجنبية وسيطرتها على مقدراتها نتيجة لاتساع فجوة الغذاء.

أولاً: تطور عائدات دول الأوبك من الصادرات البترولية وفوائض البترودولار العربية المستثمرة في الخارج

         عندما سئل وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر عن السبب الجوهري الذي من أجله خاضت بلاده الحرب في الخليج، قال: إذا كنتم تريدون تلخيص الجواب في كلمة واحدة فهي "صفقة تجارية Business ".

         وعلى ذلك فإن حرب عاصفة الصحراء، كانت في أحد أبعادها، حرباً من أجل البترودولار العربي (عائدات تصدير البترول) وفوائض البترودولار.وإضافة إلى أهمية دول الخليج في إمدادات البترول الخام، جعل البترودولار من المنطقة سوقاً شرهة للصادرات الأمريكية والغربية من السلع والخدمات والسلاح. وفي الوقت نفسه تتدفق فوائض البترودولار إلى الاقتصاديات الأمريكية والغربية. وكأن العالم الغربي ـ بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ـ قد وجد في حرب الخليج فرصة لاعتصار دول الخليج حتى لا تشكل بمواردها المالية الهائلة تهديداً لاستقراره الاقتصادي.

         ولئن كان يبدو من الصعب اعتبار الدول الخليجية قد انتصرت في الحرب، إلاّ أنه من المؤكد أنها كانت أكبر الخاسرين فيها، حيث كانت المكاسب على طول الخط من نصيب الولايات المتحدة والدول الغربية. وكأن العالم الغربي ـ بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ـ قد وجد في حرب الخليج فرصة لاعتصار دول الخليج حتى لا تشكل بمواردها المالية الهائلة تهديداً لاستقراره الاقتصادي.

         جدير بالذكر أن حرب هذه الصفقة التجارية ـ على حد قول وزير الخارجية الأمريكي فرضت على الكويت إنفاق حوالي 70 مليار دولار خلال الفترة (1990 ـ1995) لتمويل الحرب وإعادة الإعمار والتسليح.

         أما المملكة العربية السعودية فقد تكلفت 60 مليار دولار لتمويل عاصفة الصحراء وتوفير الوقود والخدمات لقوات التحالف الدولي ومشتريات السلاح وإزالة أثار الحرب (خاصة تلوث الشواطئ).

كما ساهمت الدول الخليجية الأخرى في تمويل العمليات العسكرية وساعدت الدول المتضررة من الغزو العراقي. وأمام ذلك اندفعت الدول الخليجية لزيادة الطاقة الإنتاجية النفطية باستثمارات تُقدّر بحوالي 30 مليار دولار.

         أما العراق، الذي قام بغزو الكويت من أجل البترودولار وفوائض البترودولار الكويتية، فقد قُدِّرت خسائره بنحو 120 مليار دولار عند أدنى تقدير.

حقبة البترودولار

         يطلق كثير من رجال الاقتصاد والسياسة على الربع الأخير من القرن العشرين اسم "حقبة البترودولار" لأهمية عائدات البترودولار وفوائضه، ولآثاره العميقة التي تتجلى في الأحوال التالية:

إن هذه الأهمية الفائقة للبترودولار لا تظهر في منطقة من العالم، كما تظهر في المنطقة العربية:

  • فالمال النفطي كان مورداً كافياً لبقاء دول في المنطقة تفتقد مقومات الدولة جغرافياً وديموجرافياً (الدراسة الإحصائية للسكان) وسياسياً.
  • شكَّل البترودولار ـ في حد ذاته ـ إغراءً لتهديد أمن وتهديد وجود دول عديدة في المنطقة، كما تكفَّل بالإنفاق على ردع ذلك التهديد.
  • مثَّل البترودولار مصدر الشرعية للعديد من الأنظمة في دول المنطقة، حيث أصبحت وظيفة الدولة التي تضع تحت تصرفها عائدات النفط، توزيع المزايا والمنافع على أفراد المجتمع.
  • كذلك، كان البترودولار العامل الرئيسي في تطور الاقتصاديات العربية لدرجة تقسيم اقتصاديات الدول العربية إلى اقتصاديات نفطية وأخرى شبه نفطية فقد اعتمدت اقتصاديات الدول الخليجية والعراق وليبيا والجزائر على إنتاج وتصدير النفط. وأصبحت إيرادات النفط تمثل العنصر الغالب على النشاط الاقتصادي مما أدى إلى تشكيل الهيكل الاقتصادي اعتماداً أساسياً على النفط.
  • وعلى الجانب الآخر، أفادت اقتصاديات الدول العربية ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ من البترودولارات العربية، فقد ساعد التوسع الاقتصادي الذي شهدته الدول النفطية في تهيئة الفرص لانتقال العمالة العربية من الدول غير النفطية وشبة النفطية لتنفيذ المشروعات المقامة في الدول النفطية.
  • كذلك فإن الفوائض البترودولارية التي تحققت للدول النفطية قد انتقل جزء منها إلى دول عربية أخرى سواء في شكل قروض أو منح من خلال مؤسسات التمويل العربية أو في شكل استثمارات مباشرة من المشروعات العربية المشتركة. ولكن أهمية البترودولار كعامل رئيسي في تطوير الاقتصاديات العربية لا تتبدى إلاّ من خلال رصد دوره إبان فترة الفورة النفطية (1974 ـ 1981) أولاً، وثانياً برصد تأثير تراجع الفورة النفطية بعد عام 1982 على الاقتصاديات العربية.

فترة الفورة النفطية (1974 ـ 1981)

         تتضمن هذه الفترة الصدمة الأولى لارتفاع أسعار البترول The First Price Shock بنسبة 400% خلال عام 1973 ـ 1974.

         والصدمة الثانية لارتفاع أسعار البترول The Second Price Shock بنسبة 150 % في عام 1979 ـ 1980.

         إن أهمية وحيوية دور البترودولار في الاقتصاديات العربية خلال فترة الفورة النفطية يمكن الاستدلال عليها من خلال كافة الأنشطة الاقتصادية في الدول العربية. فقد تضاعفت عائدات الدول العربية أعضاء أوبك إضافة إلى البحرين وعمان من تصدير النفط من 23.8 مليار دولار عام 1973 إلى 212 مليار دولار عام 1980.

         كما أدى تزايد العائدات النفطية إلى تحقيق الدول النفطية (باستثناء الجزائر) فائضاً هائلاً في موازناتها التجارية، فأدى بالتالي إلى تحقيق فائض من موازنات مدفوعاتها الجارية بحوالي 60 مليار دولار في المتوسط سنوياً خلال الفترة 1975 ـ 1981.

         وكان لتزايد العائدات النفطية الدور الأكبر في زيادة إيرادات الموازنات الحكومية خلال الفترة 1973 ـ 1981. وقد حققت الموازنات الحكومية للدول العربية خلال تلك الفترة فائضاً كلياً بلغ 11 مليار دولار عام 1975 وارتفع إلى 46.8 مليار دولار عام 1980.

         وقد هيأ البترودولار للدول العربية المصدّرة للنفط إنفاق استثمارات كبيرة في البنية الأساسية التي إستحوذت على النسبة الكبرى من الإنفاق العام لأسباب منها أن مشروعات الأعمال العامة تتمخض عن آثار سياسية مظهرية واضحة للجماهير.

         كما شهدت الدول العربية النفطية ـ بتأثير البترودولار ـ نمواً انفجارياً في الإنفاق على الواردات السلعية والخدمية التي ارتفعت قيمتها من حوالي 3 مليارات دولار عام 1970 إلى 87.9 مليار دولار عام 1982، لتتضاعف 29 مرة خلال فترة الفورة النفطية.

         كذلك بفعل البترودولار تضاعف الإنفاق العسكري على التسلح في الدول العربية النفطية 12 مرة بين عامي 1973 و1983 ليصل إلى 37.9 مليار دولار مقارنة بقيمة 3.4 مليارات دولار في بداية الفترة. ويُذكر في هذه المناسبة، أن صفقات السلاح المتتالية كانت الباب الأوسع لاستعادة أموال البترول من العرب، حيث وصلت نسبة العمولة في عقد هذه الصفقات إلى 25، 30% في شراء أسلحة حديثة بلغت قيمتها مليارات الدولارات.

         وتمكنت الدول العربية النفطية، من خلال البترودولار، من زيادة الإنفاق الاجتماعي على الخدمات والتعليم والصحة ليصل إلى 30% من الإنفاق العام خلال فترة الفورة النفطية.

         وشهدت فترة الفورة النفطية، كذلك تراكم فوائض بترودولارية للدول العربية النفطية في الخارج، في شكل استثمارات وودائع في الولايات المتحدة وأوروبا والدول الصناعية. وصل إجمالي هذه الفوائض من تلك الاستثمارات بنهاية 1983، حوالي 357 مليار دولار، منها 129.3 مليار دولار في استثمارات قصيرة الأجل، و 227.8 مليار في استثمارات طويلة الأجل.

         أما الدول العربية غير النفطية وشبة النفطية، فقد أفادت من البترودولار العربي خلال فترة الفورة النفطية من خلال تحويلات العاملين والقروض والمعونات التي تمنحها الدول النفطية. وقد ارتفعت تحويلات العاملين في هذه الدول من 898.3 مليون دولار عام 1973 إلى حوالي 5.4 مليار دولار عام 1980. ثم ارتفعت مرة أخر إلى 6.4 مليار دولار عام 1985.

         وفيما يخص القروض والمعونات والتحويلات الأخرى بدون مقابل، فقد ارتفعت من 1.3 مليار دولار عام 1973 إلى 7.9 مليار دولار عام 1985.

         لذلك فإن البترودولار العربي وفوائضه كان له تأثير واضح في تطوير الاقتصاديات العربية إبان فترة الفورة النفطية. فقد تم إنفاق العائدات البترودولارية في الدول العربية النفطية على الواردات والتسليح ومشروعات البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية والاستثمارات في الخارج. كما أفادت الدول غير النفطية وشبة النفطية من تحويلات العاملين والقروض والمنح البترودولارية.

هجرة العمالة العربية إلى البلدان النفطية وآثارها

         وقد يكون من المناسب هنا أن نذكر نبذة مختصرة عن الآثار الإيجابية والآثار السلبية لهجرة العمالة العربية إلى البلدان النفطية.

الآثار الإيجابية

  • أصبحت تحويلات دخول ومدخرات العاملين في البلدان العربية النفطية من أهم موارد ومقومات موازين المدفوعات، ومن مصادر تكوين الدخل القومي، ومن المصادر الرئيسية لتغذية حصيلة النقد الأجنبي المتاحة للاقتصاد الوطني، التي أدت إلى الإقلال من الاعتماد على، الاقتراض الخارجي.
  • كذلك أصبحت تحويلات العاملين في الخارج Workers' Remittances تؤثر تأثيراً مباشراً على الأوضاع المعيشية لقطاع مهم من السكان في البلدان المصدِّرة للعمالة.
  • ساهمت هذه التحويلات في التخفيف من حدة مشكلة البطالة لدى بعض فئات العمالة.
  • كل هذا يجعل من تحويلات العاملين في البلدان العربية النفطية سلاحاً ذا حدين بالنسبة للبلاد المصدِّرة للعمالة، فهي:

من ناحية: تمثل مصدراً مهماً لإعادة التوازن إلى موازين المدفوعات، وتساعد على رفع الطاقة  الإدخارية في البلدان المصدرة للعمالة.

ومن ناحية أخرى: تعتبر مصدراً غير ثابت، إذ أن حصيلتها مُعرَّضة للتقلب والتقلص ومعا في المستقبل، مما يجعل دورها في الحياة الاقتصادية للبلدان المصدِّرة للعمالة دوراً مرحلياً محفوفاً بالمخاطر، وذلك في ضوء التطورات التي سوف تطرأ على عائدات ومعدلات إنتاج النفط.

الآثار السلبية

  • إن العناصر المهاجرة عادة ما تكون من أكثر العناصر قدرة ومهارة، الأمر الذي يؤدي إلى حرمان الدولة المصدرة للعمالة من أكفأ العناصر الإدارية والفنية وفئات العمالة الماهرة.
  • إن الفروق الكبيرة في الأجور والمرتبات بين من يستمرون في العمل داخل البلد المصدِّر للعمالة وبين من يُتاح لهم فرصة العمل في الخارج، هذه الفروق تؤدي إلى ضعف الحوافز المعنوية لدى العاملين في الداخل.
  • وتصبح تطلعاتهم غير مرتبطة بتحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية في بلدهم، بل تتركز آمالهم في اللحاق بقوافل المهاجرين إلى الأقطار العربية النفطية. ويؤدي ذلك في النهاية إلى انهيار روح الانضباط في العمل وإلى تدهور مستوى الخدمات في المرافق.
  • حدوث اختلال واضح في الهيكل المهني لعرض القوى العاملة في البلدان المصدرة للعمالة. فقد نتج عن هجرة العمالة المصرية إلى الأقطار العربية النفطية أن أصبحت سوق العمل المصرية تعاني من نقص عديد من المهارات الفنية المهنية والحرفية في قطاع البناء وصناعة الأخشاب، ونقص أيضاً في بعض أنواع العمالة غير الماهرة مثل العمالة الزراعية، مما رفع متوسط الأجور النقدية ارتفاعاً كبيراً.

كما انعكس ذلك على كافة البلدان المصدرة للعمالة. وعلى سبيل المثال أيضاً:

فقد تدهور مستوى الإنتاجية الزراعية في اليمن، حيث تخلفت معدلات نمو القطاع الزراعي ومشروعات البنية الأساسية، إذ بلغ عدد العاملين في الخارج ما يزيد على ثلث قوة العمل عام 1975.

واضطرت حكومة اليمن إلى اللجوء إلى استيراد العمالة من الهند وتوقيع اتفاقية بذلك في ديسمبر 1977 مع الحكومة الهندية.

تراجع الفورة النفطية (عام 1986)

          "هؤلاء الناس لا يملكون النفط، إنهم يعيشون فوقه فقط These People do not Own Oil .. They Only Sit on it."

          تلك العبارة، قالها وليم سايمون وزير الخزانة الأمريكي، في أعقاب صدمة ارتفاع أسعار البترول الأولى 1973 ـ 1974. وأُعيد ترديدها بعد صدمة انخفاض أسعار البترول وتراجع الفورة النفطية عام 1986.

ويقول الدكتور محمود عبدالفضيل تعقيباً على هذا التصريح:

"وليس هناك في تقديري ما هو أبلغ من هذا القول للتعبير عن الذهنية الغربية السائدة لدى أوساط واضعي السياسات، إذ أنها تعكس بوضوح وجلاء فهمهم لعناصر الضعف والقوة الاستراتيجية في الموقف الراهن نتيجة ضعف سيطرة العرب على مقدراتهم النفطية. فالعبرة لديهم هي ليست بالسيادة الشكلية والملكية القانونية للموارد النفطية وإنما العبرة بآليات وأوجه الاستخدام للموارد النفطية (سواء في شكلها العيني المختزن في باطن الأرض أو في أشكالها المالية أو التداولية) على الصعيدين العربي والعالمي.

          كما يقول الدكتور برهان الدرجاني "إن تراجع الفورة النفطية تم التخطيط له بعناية من قبل الدول الصناعية المستهلكة للنفط، التي استطاعت أن تفرض شروطها وسياساتها على الدول النفطية. وبالتالي فإن العملية تدخل في باب المباريات السياسية، أكثر مما تدخل في باب التفاعلات الاقتصادية".

          وإذا كان سعر برميل النفط قد تدنَّى إلى أقل من 9 دولارات في يوليه 1986 فإن معنى ذلك أن الارتفاع الكبير ثم الانخفاض الحاد في أسعار النفط يقع تفسيرهما خارج إطار السوق، بل لا بد أن يقع في إطار التحليل السياسي.

          والحق، أن التفسير الاقتصادي وحده غير كاف لتحليل ذلك التطور. ومن ثم يلزم أن تُؤخذ في الاعتبار العوامل السياسية والإستراتيجية من حيث أنها تعمل في المدى القصير، إلى جانب المحددات الاقتصادية من حيث كونها فاعلة في المدى الطويل. فيمكن القول بأن الولايات المتحدة كانت وراء ـ أو كان من صالحها ـ رفع أسعار النفط في السبعينيات حتى يتسنى للشركات البترولية تحويل جزء من استثماراتها إلى الولايات المتحدة، كما أن ارتفاع سعر النفط يقلل من المقدرة التنافسية لمنتجات الصناعة اليابانية والأوربية وذلك برفع تكلفتها ... ويجعل الولايات المتحدة الممون الرئيسي لليابان وأوروبا.

          كما كان من مصلحة الولايات المتحدة أيضاً خفض أسعار البترول في الثمانينات عندما تطور عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات الأمريكي إلى حد خطير، من 8.1 مليار دولار عام 1982 إلى  113.7 مليار دولار عام 1985.

          وفي كلتا الحالتين لم يكن لدى دول الأوبك إستراتيجية محددة لاستقرار الأسعار، بل دخلت بعض دول الأوبك وثيقة الصلة بالولايات المتحدة حرب الأسعار مع الدول المصدرة للبترول خارج الأوبك، حيث قامت السعودية بزيادة إنتاجها بشكل كبير. هكذا كان تراجع الفورة النفطية بإرادة وسيطرة الدول المستهلكة للنفط خاصة بعد ظهور الوكالة الدولية للطاقة عام 1975 بضغط من الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ دول الأوبك.

          على صعيد الاقتصاديات العربية ككل، أدى انهيار أسعار النفط إلى تراجع كبير في بترودولارات الدول العربية النفطية أعضاء أوبك إضافة للبحرين وعمان لتصل إلى 54.8 مليار دولار عام 1986 مقابل 212 مليار دولار عام 1980. وعلى الرغم من التحسن النسبي في أسعار النفط عامي 1987 و1988 لم تزد العائدات البترودولارية لتلك الدول عن 66.35 مليار دولار عام 1989.

          أنعكس ذلك على الموازنات الحكومية للدول العربية، فقد تحول الفائض البالغ 39.1 مليار دولار عام 1980 إلى عجز بقيمة 33.5 مليار دولار عام 1988.

          وبالنسبة للفوائض البترودولارية، تناقصت الاحتياطيات الدولية للدول العربية أعضاء أوبك من حوالي 51 مليار دولار عام 1982 إلى 32.4 مليار دولار عام 1989 وذلك لمواجهة الهبوط الكبير في إيرادات النقد الأجنبي.

          نتيجة لذلك لجأت الدول العربية النفطية إلى خفض الإنفاق الحكومي، وعلى الرغم من ذلك تزايد العجز في الموازنات الحكومية لتلك الدول. وبالنسبة للدول العربية غير النفطية فقد تراجعت تحويلات العاملين إليها وانخفضت المساعدات الإنمائية العربية للدول النامية وتناقصت تدفقات العون الإنمائي العربي للدول العربية.

قضية فوائض البرتودولار العربية المستثمرة في الخارج Investment Surplus

          منذ فورة ارتفاع أسعار البترول الأولى 1973 ـ 1974 تركز الاهتمام ـ داخل المنطقة العربية ـ على فوائض البترودولار، سواء بالنسبة إلى حاجة الاقتصاديات العربية إلى مساهمة تلك الفوائض في تحقيق التنمية الاقتصادية العربية، أو بالنسبة إلى المخاطر التي تواجهها تلك الفوائض المهاجرة إلى أسواق المال العالمية من جهة تقلبات أسعار الصرف والفائدة وانهيار البورصات العالمية واحتمالات التجميد.

          كما تركز الاهتمام على فوائض البترودولار العربية المستثمرة في الخارج ـ بعد تدهور أسعار البترول العالمية إلى أقل من 9 دولارات للبرميل في السوق الفورية عام 1986. فقد ساهمت عائدات تلك الفوائض في مواجهة النقص في سعر البترول والمحافظة على استقرار اقتصاديات الدول العربية النفطية.

إلاّ أن الجدير بالاهتمام والمناقشة، هو التعرُّف على "طبيعة" فوائض البترودولار العربية:

  • باعتبارها فوائض ناتجة عن ثروة ناضبة لا دوام لها وهي النفط.
  • ومن جهة كونها فوائض دول عربية بذاتها ولفترة زمنية بعينها.

          لقد كان للزيادة الكبيرة في أسعار النفط، في الفترة 1973 ـ 1974 (الصدمة النفطية الأولى)، أثرها الكبير في تضاعف عائدات تصدير النفط من الدول العربية المنتجة له. وبارتفاع أسعار النفط مرة ثانية في الفترة 1979 ـ 1980 (الصدمة النفطية الثانية) وزيادة حجم الصادرات، في ظروف الطاقة الاستيعابية المحدودة لاقتصاديات الدول العربية النفطية، تراكمت العائدات النفطية خلال الفترة (1973 ـ 1981).

          وتوضيحاً لذلك: فإنه بعد حرب أكتوبر 1973، ارتفع سعر برميل النفط من 3.5 دولار إلى 10.5 دولار. وعقب الثورة الإيرانية 1979 والحرب العراقية ـ الإيرانية 1980، ارتفع سعر برميل النفط من 13 دولاراً في يناير 1979 إلى 30 دولاراً في 1980 وإلى 35.5 دولاراً في يناير 1981.

          واستطاعت الدول العربية المنتجة للنفط الأعضاء في منظمة "أوبك" من زيادة صادراتها إلى ما يزيد عن 20 مليون برميل يومياً عام 1979، وحوالي 19 مليون برميل يومياً عام 1980. وأدت زيادة إنتاج وأسعار النفط المصدَّر من الدول العربية الأعضاء في (أوبك) إضافة إلى البحرين وعمان، إلى زيادة عائداتها النفطية من 23.7 مليار دولار عام 1973 إلى 208.3 مليار دولار عام 1980.

          شهدت الدول العربية النفطية نشأة "فوائض البترودولار" أي فوائض من العائدات النفطية، وقد حالت القدرة الاستيعابية المحدودة للاقتصاد المحلي في تلك الدول دون استثمارها محلياً. أصبح لدى هذه الدول فوائض من النقد الأجنبي تفوق احتياجات الإنفاق الإنمائي والجاري بالنقد الأجنبي، ومن ثم كان توجُّه هذه الفوائض للاستثمار خارجياً.

          ويتحدد الفائض المالي النفطي، بالفائض في ميزان العمليات الجارية لميزان المدفوعات. إن هناك فرقاً بين الفائض في الميزان التجاري لميزان المدفوعات والفائض في الميزان الجاري، حيث تدخل التحويلات الرأسمالية في حساب الميزان التجاري. وبالتالي فإن حساب "فوائض البترودولار" يتم حسب المعادلة الآتية:

عائدات الصادرات النفطية ـ واردات السلع والخدمات ـ التحولات الرأسمالية = الفائض في الميزان الجاري.

          وقد استطاعت 9 دول عربية (الدول الأعضاء في أوبك إضافة إلى عمان والبحرين) تحقيق فائض إجمالي في ميزان الحساب الجاري بلغ 323 مليار دولار خلال الفترة بين 1973 و1981.

أثار تراكم فوائض البترودولار خلال الفترة (1973 ـ 1981) مشكلة ذات جانبين:

الأول: ظهرت دعوة للمحافظة على الثروة النفطية والحد من استخراج النفط، حيث أن تلك الفوائض ناتجة عن ثروة ناضبة لا دوام لها، كما أن تراكم الفوائض تم دون اعتبار لاحتياجات التنمية الحالية والمستقبلية في الدول المصدرة للنفط، إضافة إلى أن تلك الفوائض المالية تتآكل قدرتها الشرائية بسبب التضخم وتقلبات أسعار صرف العملات الدولية. وكان الأجدى الحفاظ على النفط في باطن الأرض محتفظاً بقيمته.

الثاني: اعتبرت فوائض البترودولار العربية بمثابة فوائض لدول عربية بذاتها، وفي الأجل المتوسط فحسب، إذ أنها مرتبطة بالقدرة المحدودة لاقتصاديات الدول العربية النفطية على استيعاب العائدات النفطية، أما إذا نوقشت المشكلة على المستوى العربي القومي (في حالة حدوث وحدة عربية في المستقبل) فمن الممكن ألاّ يوجد معنى لما يُسمى (الفائض) في الأمد الطويل.