إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل الثالث

2. استخدام الفوائض البترودولارية في إقامة المشروعات العربية المشتركة

بدأ التفكير في المشروعات العربية المشتركة مع التحضير لتأسيس جامعة الدول العربية. وقد وافق مجلس الجامعة في 10 أبريل 1946، على إنشاء الشركة المساهمة لاستغلال وشراء الأراضي الزراعية في فلسطين تساهم فيها الحكومات والمواطنون العرب من جميع الأقطار العربية. وكان الدافع وراء ذلك هو مواجهة المخطط الصهيوني للاستيلاء على فلسطين عن طريق استغلال متاعب "الملاَّك العرب".

وفي خلال الخمسينات وافق مجلس الجامعة العربية في 25 يناير 1956 على إنشاء شركة البوتاس العربية المساهمة المحدودة لكي تقوم باستغلال أملاح البحر الميت في الأردن، للرد على استغلال إسرائيل للثروة المعدنية في فلسطين المحتلة.

ولا شك أن صيغة "المشروع العربي المشترك" يمكن اعتبارها من أفضل الصيغ الممكنة عملياً لدفع عملية التنمية العربية في اتجاه تنموي وتكاملي، على أن يكون ذلك ضمن إطار عملية إعادة هيكلة أوسع لأوضاع الاقتصاد العربي في مجموعه.

وعلى الرغم من أهمية إقامة المشروعات العربية المشتركة، منذ بداية الخمسينات، فإن غالبية هذه المشروعات القائمة في الوقت الحاضر قد أنشئت بالفعل بعد عام 1973 في ظل "الحقبة النفطية الجديدة".

وكجزء من الحركة العامة لتدوير البترودولارات في الوطن العربي. وسوف يستمر إنشاء هذا الشكل من المشروعات لأنه لا يقل، بل قد يفوق، في الأهمية الأشكال الأخرى لانسياب الأموال النفطية العربية في شكل قروض إنمائية أو إعانات مالية حكومية أو استثمارات مباشرة. خاصة وأن الظروف قد غدت مهيأة في المنطقة العربية بعد عام 1973 أكثر من أي وقت مضى، للتوسع في المشروعات العربية المشتركة لتشمل مختلف قطاعات الإنتاج والخدمات بما يحقق الاستغلال الأمثل للموارد المالية العربية المتاحة.

فضلاً عن أن إنشاء هذا الشكل من المشروعات يقتضي أن تتفق الدول الأطراف على إقامة المشروع المشترك فقط، وهذا أيسر بكثير من أن تتفق على الدخول في اتحاد جمركي أو سوق مشتركة.

وهكذا فإن المشرع العربي المشترك يمكن اعتباره أفضل السبل لتنفيذ المشروعات الضخمة التي تعجز موارد قطر عربي بمفرده عن تمويلها، أو عن تصريف منتجاتها في سوقها المحلية.

ويمكن تصنيف المشروعات العربية المشتركة في ثلاث مجموعات:

الأولى: المشروعات التي تهدف إلى تقوية حركة التكامل الاقتصادي العربي وتشتمل هذه المجموعة أساساً على المشروعات التي بادرت بها جامعة الدول العربية من خلال المجلس الاقتصادي العربي، والتي بادر بها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية.

والثانية: المشروعات العربية المشتركة التي تستهدف التنمية المتكاملة لقطاع إنتاجي معين في عدة بلدان، ومثل هذه المشروعات أقامتها منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك).

كما أن مجلس التعاون الخليجي يوفر إطاراً مؤسسياً لإقامة مشروعات مشتركة من هذا النوع.

والثالثة: المشروعات المشتركة التي تستهدف تنمية قطاع معين في بلد ما، وذلك تحقيقاً لتطلع قومي. ومثل هذه المشروعات تقع أساساً ضمن اهتمامات الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وغيره من المنظمات العربية.

وفيما يلي أمثلة للمشروعات العربية المشتركة من المجموعات الثلاث سالفة الذكر:

ففي إطار المجموعة الأولى قام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بتأسيس أربع شركات:

  • الشركة العربية للتعدين، برأسمال قدره 120 مليون دينار كويتي ومقرها عمان.
  • الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية، برأسمال قدره 66 مليون دينار كويتي ومقرها دمشق.
  • الشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية، برأسمال قدره 50 مليون دينار كويتي ومقرها القاهرة.
  • الشركة العربية للصناعات الهندسية.

كما تقرر إنشاء الشركة العربية للاستثمارات الصناعية، برأسمال قدره 150 دينار عراقي ومقرها بغداد. وكذلك الشركة العربية لمصايد الأسماك.

وهناك شركات أخرى في طريقها إلى الإنشاء كالشركة العربية للزراعة والإنتاج الغذائي، و الشركة العربية للسياحة. كما أن مجلس الوحدة الاقتصادية بصدد إعداد الدراسات التمهيدية ودراسات الجدوى اللازمة لإنشاء شركة للمقاولات وأخرى لتمويل الصادرات والمخزون السلعي.

أما المجموعة الثانية من المشروعات العربية المشتركة، فقد أنشئت بعد تأسيس منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) في يناير 1968، وقد تطورت هذه المنظمة منذ ذلك التاريخ لتصبح من أقوى وأهم التجمعات الاقتصادية العربية في مجال ربط النفط بمسيرة التنمية العربية.

نصت المادة الثانية من اتفاقية منظمة أوابك على أن:

"هدف المنظمة الرئيسي هو تعاون الأعضاء في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي في صناعة البترول وتحقيق أوثق العلاقات فيما بينهم في هذا المجال".

وجعلت من بين الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف:

"الإفادة من موارد الأعضاء وإمكانياتهم المشتركة في إنشاء مشروعات مشتركة في مختلف أوجه النشاط في صناعة البترول".

وفي هذا الإطار قامت المنظمة بتأسيس عدة شركات هي:

  • الشركة العربية البحرية لنقل البترول             (1973)
  • الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن              (1974)
  • الشركة العربية للاستثمارات البترولية             (1975)
  • الشركة العربية للخدمات البترولية                 (1977)
  • الشركة العربية للاستشارات الهندسية              (1980)
  • الشركة العربية للحفر وصيانة الآبار               (1980)
  • الشركة العربية لكيماويات المنظفات               (1981)
  • الشركة العربية لجس الآبار                        (1983)
  • الشركة العربية لخدمات الاستكشاف الجيوفزيائي   (1984)

وقد تم إنشاء هذه المشروعات العربية تحت مظلة منظمة أوابك، وكل منها بموجب اتفاقية دولية مستقلة أبرمت بين مجموعة الأقطار الأعضاء في المنظمة، دون أن تكون منظمة أوابك طرفاً مباشراً في أي من هذه الاتفاقيات.

إلا أنه في الواقع يوجد صلة مؤسسية واضحة بين هذه الشركات وبين المنظمة الأم بحيث يكون المجلس الوزاري للمنظمة ـ وهو السلطة العليا ـ هو الذي يرسم السياسات العامة لهذه الشركات ويوجه نشاطها ويضع القواعد التي تسير عليها.

وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الوزاري للمنظمة يمارس اختصاصاته الإشرافية بالنسبة لكل شركة من الشركات المذكورة على أساس تكوينه الذي يقتصر على ممثلي الدول الأعضاء المساهمة في كل شركة.

أما المجموعة الثالثة، فقد قامت بعثة مشتركة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وبرنامج الأمم المتحدة للإنماء بعمل دراسات ميدانية بهدف استكشاف وإعداد قائمة حصرية بالمشروعات العربية المشتركة القابلة للتنفيذ. وقد أنهت البعثة أعمالها في مايو 1978 لتنتقي من بين 300 مشروع مائة مشروع مرشحة لإعداد دراسات الجدوى والتنفيذ في المستقبل في خمسة قطاعات رئيسية هي:

القطاع الصناعي ـ البنية التحتية ـ الموارد الطبيعية (بما في ذلك الزراعة) ـ الموارد البشرية ـ الخدمات.

وفي ظل الازدهار النفطي في السبعينات، تكاثر عدد المشروعات العربية المشتركة، وامتد توزيعها على خريطة الوطن العربي كله، وتنوعت من حيث الأطراف المشاركة فيها ما بين ثنائية وجماعية ومتعددة، وشملت جميع القطاعات الاقتصادية ابتداء من القطاع المالي والمصرفي وانتهاءً بقطاع الصناعات التحويلية والتعدين والزراعة.

وبتحليل نسب إسهام البلدان العربية المختلفة في رؤوس أموال المشروعات العربية المشتركة حتى نهاية 1979، يلاحظ أن البلدان النفطية تحظى بالترتيب التالي:

  • السعودية وتحتل المرتبة الأولى إذ بلغ نصيبها في رأس مال هذه المشروعات      17.14 %
  • الكويت بلغ نصيبها النسبي                                                        13.64 %
  • الإمارات العربية المتحدة بلغ نصيبها النسبي                                      13.15 %
  • العراق حيث بلغ نصيبها النسبي                                                  12.55 %
  • مصر حيث بلغ نصيبها النسبي                                                   10.33 %
  • الجماهيرية الليبية                                                                10.31 %
  • قطر                                                                            8.13 %
  • الجزائر                                                                        2.77 %

تقييم دور المشروعات العربية المشتركة

يتنازع الوطن العربي اتجاهان متناقضان في شأن تقييم دور المشروعات العربية المشتركة:

الأول: تكوين مشروعات عربية مشتركة تهدف أساساً إلى التكامل الاقتصادي العربي. وهذا النوع الأول من المشروعات يساعد على تدعيم مقومات الاستقلال الاقتصادي، ويدفع باتجاه التكامل الاقتصادي العربي.

الاتجاه الثاني: تكوين مشروعات دولية مشتركة تهدف أساساً إلى تكامل الاقتصاد العربي قُطرياً مع الاقتصاد الدولي. وهذا النوع الثاني يزيد من عناصر التبعية والتجزئة في الواقع العربي، وبالتالي يدفع في طريق مزيد من التكامل مع السوق الدولية.

وقد ثار جدل عنيف بين الاقتصاديين العرب حول المفاضلة بين النوعين، في ضوء ضرورة تطوير التكنولوجيا العربية من خلال المشروعات العربية المشتركة أو من خلال المشروعات العربية الدولية المشتركة باعتبارها من الشركات متعددة الجنسية.

وقد وافق المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية في دورة انعقاده الرابعة والثلاثين (تونس 22 ـ 24 فبراير 1983) على أن:

"يتسع مفهوم المشروع العربي المشترك ليشمل المشروعات القطرية التي تستهدف تلبية حاجات قومية، أو قطرية في إطار قومي، وتؤدي إلى تدفقات سلعية أو خدمية أو ترابطات فيما بين الأقطار العربية.

وبتفصيل أكثر، فإن المشروعات العربية المشتركة هي تلك المشروعات المقامة وفقاً للقوانين سارية المفعول في الدول العربية، أو في إطار الاتفاقيات العربية، والتي تشترك في إقامتها أطراف عربية في دولتين عربيتين أو أكثر، سواء كانت هذه الأطراف مؤسسات قطاع عام أو مختلط أو خاص، والتي تستهدف القيام بنشاط إنتاجي أو تجاري أو مالي أو خدمي أو غيره، من شأنه أن يحقق منافع اقتصادية لأقطار عربية، ويعزز التلاحم بين اقتصاديات هذه الأقطار، ويزيد من متانة الروابط والعلاقات الاقتصادية والتبادل فيما بينها".

وبذلك يتسع مفهوم المشروع المشترك من الناحية النظرية ليشمل كل صور المشاركات التي تقام على أساس المشاركة برأسمال Equity Joint Ventures والتي تقام على أساس المشاركة التعاقدية Contractual لتثبيت علاقات تعاونية مع الأطراف المعنية بقصد تحقيق أهداف اقتصادية.

ويقول الدكتور محمود عبد الفضيل إنه على الرغم من تقديرنا للمجهودات التي بذلت والمساهمات التي قدِّمت لتمويل وإنشاء المشروعات العربية المشتركة التي تأسست حتى الآن، فإنه لا بد لنا من أن نضم صوتنا إلى هؤلاء الذين يحذِّرون بأن صيغة المشروعات العربية المشتركة يجب ألاَّ يُنظر إليها كبديل لعمليات التكامل الاقتصادي الشاملة. أي انه في غياب تصور شامل لعمليات التنمية العربية، يُخشى أن تصبح هذه المشروعات العربية المشتركة غاية في حد ذاتها، وليست وسيلة لغاية أبعد هدفاً وأكثر طموحًا.

ولذا فإن غياب استراتيجية واضحة المعالم تحدد الأسس التي يسير على هديها برنامج العمل الاقتصادي المشترك على مدى زمني طويل نسبياً يجعل المشروعات المشتركة مجرد أدوات للتعاون، دون أن تكون وسيلة لتحقيق أي نوع من التكامل الاقتصادي.

3. إعادة تدوير الأصول الخارجية داخل الوطن العربي

تمثل فكرة إعادة تدوير جزء مهم من الأصول البترودولارية العربية في الخارج إلى المنطقة العربية مطلباً مطروحاً من واقع تواضع حجم الفوائض المالية النفطية المستثمرة في الدول العربية المستوردة لرأس المال، وحاجة الاقتصاديات العربية في دول الفائض والعجز معاً، إلى مساهمة تلك الأصول المالية بدور في تحقيق التنمية الاقتصادية.

ومن جانب آخر، فإن الانشغال بإعادة تدوير الأصول المالية العربية في المنطقة العربية يفرضه الحرص على تلك الأصول وعائدها أمام مخاطر تقلبات أسعار الصرف العالمية خاصة الدولار، وأسعار الفائدة ومعدلات التضخم في الدول الصناعية المتقدمة، إضافة إلى المخاطر السياسية التي تحيط بتلك الأصول متمثلة في احتمالات التجميد أوالمصادرة.

وجاءت حرب الكويت، لتطرح مسالة توزيع الثروة النفطية العربية، من جهة أن الثروة النفطية قد أدت إلى انقسام الوطن العربي بين "دول فائض نفطي" و"دول عجز". وانتهى ذلك الانقسام بتهديد أمن الدولة النفطية، بل وتهديد وجودها أصلاً. وبالتالي فإن تدوير الفوائض النفطية في دول العجز العربية يمكن أن يساهم في صيانة أمن الدول النفطية، عوضاً عن ابتزازها أو تهديدها.

4. ضعف الأسواق المالية العربية

على الرغم مما ذكرنا عن التدفقات المالية من الحكومات العربية النفطية ومؤسسات التمويل العربية، فإنه خلال ثلاثين عاماً، ومنذ بداية تدفق المساعدات الإنمائية من دول الفائض النفطي إلى دول العجز، لم يتجاوز نصيب الدول الأخيرة من الفوائض المالية النفطية 60 مليار دولار (منح وقروض واستثمارات مباشرة)، بنسبة تقل عن 10% من الأصول البترودولارية العربية في الخارج، الأمر الذي أدى إلى لجوء دول العجز إلى الاقتراض من الخارج لتمويل احتياجات التنمية.

ويرجع ذلك إلى ضعف الأسواق المالية العربية، سواء من حيث حرية انتقال رؤوس الأموال عموماً، الخاصة منها والعامة، أو من حيث وجود وسائل السوق المتعارف عليها كالأوراق المالية على اختلافها، أو من حيث تكامل أسواق الفائدة فيها، مما يتطلبه وجود سوق نقدية ومالية متطورة ومنتظمة ومتكاملة على النمط الغربي المعروف. لذا يبقى تعاون الحكومات العربية فيما بينها من جهة، وتعاون البنوك التجارية العربية فيما بينها من جهة أخرى، وسيلتان لتيسير حركة الفوائض البترودولارية العربية على النحو اليسير الذي أشرنا إليه، أما إنشاء سوق نقدية ومالية عربية حسب النموذج الغربي لجذب هذه الفوائض، فإنه أمر صعب في ظل الظروف السائدة حالياً في دول الوطن العربي على اختلافها، وذلك بسبب المِلْكية الحكومية للفوائض المالية واتجاه بعضها نحو أنظمة اقتصادية موجهة مركزياً، في حين يبقى بعضها الآخر متجهاً نحو اقتصاديات حرة نسبياً، مما ينفي توفر الشروط الموضوعية لإقامة سوق نقدية ومالية عربية شبيهة نوعاً ما. بما يتوفر في الاقتصاديات الغربية عموماً.

هذا إضافة إلى أن الجهاز المصرفي، سواء المركزي منه أو التجاري، لم يؤد دوراً فعالاً في تداول الفوائض المالية العربية. وأي نشاط واضح في هذا الخصوص تقوم به حكومات الدول العربية ومؤسسات التمويل العربية كما ذكرنا من قبل.

وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الدول العربية المستوردة لرأس المال، قد بذلت ولا تزال مجهودات كبيرة لتحسين مناخ الاستثمار فيها. وتضمنت قوانين الاستثمار في تلك الدول منح مزايا وإعفاءات ضريبية وجمركية للاستثمارات الوافدة وتبسيط إجراءات الاستثمار، وتحويل أرباح الاستثمارات إلى الخارج.

وعلى الرغم من أن هذه الدول العربية قد وفرت إطاراً قانونياً لتسهيل انتقال رؤوس الأموال العربية وتوظيفها داخل الدول العربية. وقد تمثَّل ذلك بصفة أساسية في اتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، التي حصّنت رؤوس الأموال العربية المستثمرة في الدول العربية من المخاطر  غير التجارية، ويتمثل ذلك أيضاً في الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية التي حصنت انتقال رؤوس الأموال العربية داخل الدول العربية بنظام قضائي خاص، بحيث تتم تسوية المنازعات الناشئة عن الاتفاقية عن طريق التوفيق أو التحكيم أو اللجوء لمحكمة الاستثمار العربية التي تشكلت لهذا الغرض.

وعلى الرغم من كل ذلك أيضاً كانت الاستثمارات الوافدة من دول الفائض إلى دول العجز قليلة غير مناسبة.

وموضع الداء الأصلي، هو بلا شك، التفكك السياسي والاقتصادي العربي، وضعف الثقة المتبادلة بين الأقطار العربية التي يمكن ـ إذا توفرت ـ أن تؤدي إلى تعاون اقتصادي ومالي فعّال.

رابعاً: أزمة الخليج ومستقبل فوائض البترودولار العربية

1. الحرب من أجل النفط

حرب الخليج، التي بدأت فعلاً بغزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990، نشبت بسبب النفط ـ وحده ـ بآباره وأسعاره وأمواله. وتواصلت الحرب بهجوم التحالف الغربي على العراق وقواته الغازية، وتدمير آلته العسكرية والاقتصادية.

ومن قبل كان النفط ـ وحده ـ سبباً للمساندة الأمريكية لأبن سعود ضد حسين عام 1932.

وبعد أكثر من ثلاثين سنة من اكتشافه، كان النفط ـ وحده ـ سبباً للتدخل الأمريكي لإقصاء الدكتور مصدق في إيران عام 1953، لأنه حاول تأميم شركات النفط. كما كان النفط ـ إلى جانب إسرائيل ـ من أسباب تدخل أمريكا عام 1967، لإسقاط عبدالناصر. وفي حرب 1973 كان النفط أحد أسلحتها وحاكماً بعدها. وأثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988) لم يكن النفط غائباً، حيث استدعى قصف الناقلات النفطية الحماية الأمريكية بوضع هذه الناقلات تحت العلم الأمريكي.

وما كان حاكم البعث العراقي، عندما قرر غزو الكويت، يجهل تلك الحقائق التاريخية الشائعة، إلاّ أن آبار النفط وأسعاره وأمواله، هذه المرة كانت أكثر خطورة من أي وقت مضى، خاصة بالنسبة للقرن القادم.

وقد كشف الرئيس الأمريكي "بوش" في خطاب له يوم 12 سبتمبر 1990 عن ذلك بقوله:

"إن العراق يسيطر على 10% من احتياطي النفط العالمي، ويسيطر مع الكويت على ضعف هذه النسبة. وإذا سُمح للعراق بابتلاع الكويت، ستكون له القوة الاقتصادية والعسكرية والغطرسة لتهديد جيرانه الذين يسيطرون على نصيب الأسد من النفط العالمي. ولا نستطيع ولن نسمح لشخص (…) بالسيطرة على مورد حيوي كهذا.

وما لم يوضحه بوش، أورده ـ من قبل ـ تقرير الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدِّرة للبترول "أوابك" عام 1989، مؤكداً حقيقتين أساسيتين:

الحقيقة الأولى

إن احتياطيات دول الخليج النفطية تفوق نسبة 60% من الاحتياطيات العالمية، حيث قُدِّرت قيمتها بأكثر من 600 مليار برميل:

بلغت احتياطيات السعودية                  255 مليار برميل.

                   والعراق                   100 مليار برميل.

                   والإمارات                 98  مليار برميل.

                   والكويت                  95 مليار برميل.

وبالمقارنة، كان أكبر احتياطي نفطي خارج منطقة الخليج وهو الاحتياطي السوفيتي، لا يتجاوز 60 مليار برميل، والاحتياطي المكسيكي لا يزيد عن 50 مليار برميل. في حين انخفض احتياطي الولايات المتحدة إلى أقل من 26 مليار برميل، وقدِّر احتياطي بحر الشمال بحوالي 17 مليار برميل، واحتياطي كندا بحوالي 6 مليارات برميل.

الحقيقة الثانية

إن البشرية لم تفشل فقط في العثور على مكامن عملاقة، بل فشلت أيضاً في التوصل إلى بدائل مناسبة، ذات تكلفة منخفضة عن النفط، بل إن بعض هذه البدائل مكلِّف وخطر جداً على الإنسان والبيئة.

هاتان الحقيقتان تؤكدان أن الدول الصناعية المستهلكة للنفط، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أصبحت أمام مأزق حقيقي.

وبحساب أرقام تقييم احتياطيات النفط، وعلى أساس معدلات الإنتاج اليومية، فإن مخزون النفط في الولايات المتحدة ـ الذي يمثل نسبة 4.6% فقط من الاحتياطي العالمي ـ قد ينفد خلال 9 سنوات.

وفي حالة دول الاتحاد السوفيتي السابق ـ يصل نحو 21.9% من الاحتياطي العالمي ـ يكفي المخزون لمدة 13 سنة فقط.

بينما احتياطي النفط في أوروبا الغربية ـ الذي يُقدّر بـ 2.6% من الاحتياطي العالمي ـ يُعد متواضعاً جداً قياساً لحاجاتها وازدياد استهلاكها السنوي. أما اليابان فإنها دولة مستوردة للنفط كلية.

وعلى الرغم من أهمية نفط المكسيك وفنزويلا للولايات المتحدة والغرب، فإن مخزون أمريكا اللاتينية لا يتعدى 13% من الاحتياطي العالمي. كما أن التوسع الصناعي في دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل والأرجنتين وشيلي، يزيد حاجتها إلى النفط في المستقبل المنظور.

أما مخزون دول الخليج، الذي يمثل ثلاثة أضعاف مخزون أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية. فإنه يتميز بأهمية كبرى سواء من ناحية الحجم أو العمر.

 

النسبة

المدة

مخزون النفط في  السعودية

23.7 % من الاحتياطي العالمي

يكفي لما يزيد عن 140 سنة

مخزون النفط في الكويت

13.1 %

يكفي لنحو 168 سنة

مخزون النفط في العراق

6.7 %

يكفي لما يزيد عن 96 سنة

مخزون النفط في الإمارات

6.6 %

يكفي لنحو 145 سنة

مخزون النفط في إيران

6.9 %

يكفي لنحو 86 سنة

هذا إضافة إلى مخزون قطر وعمان والمنطقة المحايدة بين السعودية والكويت والاكتشافات المحتملة.

مؤدى ذلك، أن مخزون النفط في الغرب ودول الكومنولث الروسي معرَّض للنفاد بين 10 ـ 15 سنة، بينما تصبح الدول الخليجية (دول مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران) المصدر الأكبر لإنتاج النفط بعد تلك المدة، والمصدر الوحيد في الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين.

ويزيد من مأزق الدول الغربية، الفشل في التوصل إلى مصادر بديلة عن النفط أمام رخص مادة النفط من ناحية، وسهولة الحصول على هذه المادة من ناحية أخرى. فالطاقة النووية، إضافة إلى أنها مُكلِّفة، فإن خطورتها الكبيرة على الإنسان والبيئة، تمنع الاعتماد عليها. أما مصادر الطاقة الأخرى كالماء والشمس، فإن أجهزة استخدامها مازالت في طور الإنتاج. وتتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد والآلة الصناعية في الغرب.

وأمام هذا المأزق، لم يكن في وسع الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً سوى خيارين:

إما الهيمنة المباشرة على مواقع النفط في الخليج وبالتالي التحكم في إمداداته وأسعاره. وإما التحكم في تطورات المنطقة بكل احتمالاتها، في إمدادات وأسعار النفط، وبالتالي تهديد الاقتصاديات الغربية، ومن الطبيعي، كان الانحياز للخيار الأول، وانتظار الفرصة المواتية لفرضه.

Splithere

كيف استغل العراق النفط لتبرير عدوانه على الكويت

على الجانب الأخر، كان النفط بآباره وأسعاره وأمواله، وراء المغامرة العراقية بغزو الكويت. فالعراق الذي خرج من حربه مع إيران، مثقلاً بديون تصل إلى 80 مليار دولار، ولّى وجهه إلى الشاطئ العربي للخليج للسيطرة عليه، وإلى الكويت لحل مشاكله الاقتصادية، بحرب أخرى تجعل له اليد الطولى في المنطقة.

وأغلب الظن أن فكرة غزو الكويت لا بد أنها اختمرت في ذهن صدام حسين عقب انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1988، أو قبل ذلك بقليل.

والدليل على ذلك أن صدام حسين أخذ يعد العدة توطئة لغزو الكويت من الناحية السياسية ومن الناحية الإعلامية:

كان صدام حسين وراء فكرة إنشاء مجلس التعاون العربي في بداية عام 1989 قبل أشهر قليلة من غزو الكويت، بمبادرة منه ليضم أربع دول تحيط بمنطقة الخليج العربي المستهدفة. وكان يأمل أن يتحول هذا التجمع إلى تحالف عسكري يضم قوات مسلحة مشتركة لولا أن مصر استطاعت عرقلة هذا الجزء من الخطة رغم اشتراكها في هذا المجلس باعتبار أنه مجلس للتعاون الاقتصادي فحسب.

كذلك طلب العراق وبإلحاح توقيع اتفاقية عدم اعتداء مع المملكة العربية السعودية على أمل عدم إثارة مخاوفها، ثم محاولة تقييد تحركها العسكري في مواجهة الغزو. وقد نجح في إبرام اتفاقية بين العراق والسعودية لكنه لم ينجح في مرحلته التالية.

افتعل صدام مشكلات  عديدة معظمها إعلامي دعائي مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول غرب أوربا. وكان يهدف من ورائها إثارة الرأي العام العربي واستنفاره مستخدماً الأوتار الفلسطينية ومظاهر العداء الإسرائيلي.

آثار النعرات والحساسيات ضد دول الخليج العربي، متحدثاً عن حقوق يمنية في الجزيرة العربية، وحقوق هاشمية في المملكة العربية السعودية، وحقوق لمصر في ثروات الدول النفطية بدعوى أنه دين يستحق للمصريين في أزمتهم الاقتصادية.

انتهز فرصة قبول إيران قرار مجلس الأمن بشأن الحرب الإيرانية العراقية، وكثَّف عمليات دعم قواته واقتصادياته وزيادة المخزون العراقي من الموارد الطبيعية والتموينية وقطع الغيار.

ضاعف إنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية مع تطوير صناعة الصواريخ التي تحمل رؤوساً تدخل ضمن أسلحة الدمار الشامل.

قام بحملات إعلامية واسعة وأقبل بسخاء على دعوة كبار الصحفيين ورجال الإعلام العربي ومنحهم هدايا وهبات من ضمنها سيارات الركوب.

أجرى اتصالات دبلوماسية مع دول الاستهلاك الكبير لبترول الخليج وهي اليابان وألمانيا ودول غرب أوربا مؤكداً لها أن نشوب أي نزاع في الشرق الأوسط لن يؤثر على ضمان استمرار تدفق البترول إليها بكميات وفيرة وبالأسعار المعتادة.

حاول أن يحصل على ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية في اتصال مباشر مع السفيرة الأمريكية في بغداد، حيث قالت السفيرة آبريل جلاسبي في لقائها الشهير مع الرئيس العراقي:

"سيادة الرئيس، ليس لنا رأي حول الخلافات العربية، كخلافكم على الحدود مع الكويت".

كانت هذه آخر مراحل العمل السياسي، الذي انتقل بعده إلى العمل العسكري، حيث حشد قوات مدرعة عراقية في القطاعات الجنوبية من العراق، ودفع أمامها بوحدات من المشاة الميكانيكية.

أقام تجهيزات هندسية عديدة تمتد من مطار جليبة في الغرب وحتى قاعدة الرميلة والبصرة والزبير، ليعد بذلك المسرح لعملياته العسكرية القادمة.

بعد ذلك قام بدفع قوات الفيلق الثامن ـ وهو ما يعرف باسم الحرس الجمهوري ـ إلى جنوب العراق وثم توزيع وحداته على جليبة والزبير وجنوب البصرة. وأعلن أن ذلك يتم ضمن خطة لتنشيط قوات الجيش بعد خروجها من معركة طويلة ضد إيران.

تم إجراء عملية تدريبية خاصة على أعمال احتلال المدن وتأمينها. وقد تم إجراء هذه العملية داخل مدينة البصرة حيث قامت بها قوات الفرقة المدرعة 23.

بهذا أصبح كل شيء مهيئاً لاجتياح الكويت عسكرياً والاستيلاء عليها لضمها إلى العراق طبقاً للسيناريو الذي جرى فعلاً على الواقع بعد ذلك. وكان يتطلب تحركاً إعلامياً وسياسياً لاستكمال الشكل فقط.

وقد عبَّر الرئيس العراقي عن نواياه صراحة، في خطاب له في عمان يوم 24 فبراير 1990. فبعد أن استنتج أن تراجع قوة ونفوذ الاتحاد السوفيتي سيؤدي إلى أن تتمتع الولايات المتحدة بحِّرية مناورة واسعة في منطقة الشرق الأوسط، حذّر العرب من أن الولايات المتحدة ستتحكم في منطقة الخليج وستحدد أسعار النفط حسب مصالحها، وقال:

"إن الدول التي تستحوذ على النفوذ الأكبر في المنطقة، عبر الخليج العربي وما يملك من نفط، ستكون لها اليد الطولى بغير منافس".

بدأ الرئيس العراقي الحرب في مؤتمر القمة العربية (يونيه 1990) في بغداد، على جبهة النفط. ففي جلسة مغلقة، وأمام الزعماء العرب، قال صدام حسين "إن الحرب تحصل أحياناً بالجنود، ويحصل الإيذاء بالتفجيرات وبالقتل وبمحاولات الانقلاب، وأحياناً أخرى بالاقتصاد".

وكان الرئيس العراقي يقصد بالحرب الاقتصادية، خفض أسعار النفط من خلال عدم التزام بعض الدول العربية بحصص منظمة أوبك.

وقال: "إن كل انخفاض في البرميل الواحد بقدر دولار واحد، وحسب ما قيل لي، فإن خسارة العراق تبلغ مليار دولار في السنة.

وبعد إعلان الحرب في قمة بغداد، قام العراق بتحديد أطرافها باتهام حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة مع حكومة الكويت بإغراق سوق النفط العالمية، بإنتاج ما يزيد عن حصتيهما المقررتين بواسطة منظمة أوبك، وكان ذلك في شهر يونيه 1990.

وتلبية للمساعي السعودية، اجتمع وزراء نفط دول الخليج العربية الأعضاء في أوبك في مدينة جدة يوم 10 يوليه 1990. وانتهت الاجتماعات بموافقة الإمارات والكويت على خفض الإنتاج، إلاّ أن الرئيس العراقي، في خطابة بمناسبة أعياد الثورة في العراق يوم 17 يوليه أعاد اتهام الكويت والإمارات بإغراق سوق النفط و"تنفيذ مخطط لتدمير اقتصاد العراق".

وفي اليوم التالي 18 يوليه 1990، صعَّد العراق هجومه السياسي على الكويت والإمارات، بإعلان مذكرة موقعة من وزير الخارجية العراقي في 15 يوليه إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية. وأوردت المذكرة "أن حكومتي الكويت والإمارات نفذتا عملية مدبرة لإغراق سوق النفط بمزيد من الإنتاج خارج حصتيهما المقررتين في أوبك … وقد أدت هذه السياسة المدبرة إلى تدهور أسعار النفط تدهوراً خطيراً … وأن السعر انخفض هذه السنة (أي 1990) عن 18 دولار بسبب سياستي حكومتي الكويت والإمارات، مما يعني خسارة العراق مليارات عدة من دخله لهذه السنة، في الوقت الذي يعاني فيه العراق ضائقة مالية".

المؤتمر الوزاري العادي لمنظمة أوبك رقم 87 (يولية 1990)

وفي 26 و 27 يولية 1990 اجتمع المؤتمر الوزاري العادي لمنظمة أوبك في جنيف حيث توصل وزراء بترول أوبك إلى اتفاق جماعي تاريخي يقضي برفع سعر سلة خام القياس لبترول أوبك من 18 دولار للبرميل إلى 21 دولاراً للبرميل كحد أدنى، وتحديد سقف الإنتاج لدول أوبك للنصف الثاني من عام 1990 إلى نحو 22.49 مليون ب/ ي (شاملاً إنتاج المنطقة المقسومة)، وفقاً للحصص الموزعة على الأعضاء الموضحة فيما يلي:

(ألف ب/ ي)

الجزائر

827

إكوادور

273

الجابون

197

إندونيسيا

1374

إيران

3140

العراق

3140

الكويت

1500

ليبيا

1233

نيجيريا

1611

قطر

371

السعودية

5380

الإمارات

1500

فنزويلا

1945

 

 

 

 

 

 

الإجمالي

22491

 

 

 

 

 

 

وقد كلَّف المؤتمر لجنة الاستراتيجية التابعة لأوبك بتقييم ومراقبة الأسعار، ومتابعة تطورات الطلب على البترول.

كما شكل المؤتمر لجنة وزارية لمتابعة ومراقبة الإنتاج في الدول الأعضاء وتتألف من جميع الوزراء الأعضاء في أوبك.

وتنقسم اللجنة إلى لجنتين فرعيتين:

تضم اللجنة الأولى: وزراء بترول الإمارات والسعودية والعراق وأندونيسيا ونيجيريا والإكوادور والجزائر. وتقوم بمراقبة إنتاج الدول الآسيوية.

وتضم اللجنة الثانية: وزراء بترول الكويت وقطر وليبيا وإيران وفنزويلا والجابون، وتقوم بمراقبة إنتاج الأعضاء في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

على أن تقدم هاتان اللجنتان تقريراً في الأسبوع الأخير من كل شهر إلى اللجنة الوزارية لمراقبة السوق حول هذا الغرض.

وقد أكدت كل من الكويت والإمارات، أثناء الاجتماع الوزاري لأوبك (26 ـ 27 يوليه 199) إلتزامها التقيد بحصتها من إنتاج أوبك مراعاة واستجابة للمطالب العراقية.

كان من الواضح في هذا الاجتماع أن دول أوبك قد تخطت خلافاتها ووحدت كلمتها وحاولت إرضاء العراق بتكليف كافة الوزراء أعضاء أوبك بتكثيف المراقبة والالتزام بالحصص المقررة.

بيد أن الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990، قد كشف عن أن المطالب العراقية كانت تتجاوز حد فرص الالتزام بالحصص الإنتاجية لمنع خفض أسعار النفط، وبما يعني فعلياً السيطرة على القرار النفطي في أوبك. فقد كان المطلب الأساسي الاستحواذ على "الغنيمة" الكويتية بنفطها وعائداتها واستثماراتها الخارجية لمنع انهيار العراق اقتصادياً.

وكما صرح سعدون حمادي، نائب الرئيس الوزراء العراقي وقتئذ، بعد الغزو بشهر واحد، أن ضم الكويت ـ التي اعتُبرت المحافظة العراقية التاسعة عشرة في 28 أغسطس 1990 ـ يقفز بالاحتياطي النفطي إلى 194.5 مليار برميل، مقابل الاحتياطي العراقي السابق والبالغ 100 مليار برميل فقط، ويصل بالحصة الإنتاجية إلى 4.6 مليون ب/ ي وذلك بإضافة حصة الكويت البالغة 1.5 مليون ب / ي.

وقدَّر المسؤول العراقي إيرادات العراق من النفط حسب الحصة السابقة وبسعر أدنى قدره 25 دولار للبرميل، بقيمة 38.3 مليار دولار سنوياً. أما في حالة زيادة الحصة الإنتاجية إلى 5.5 مليون ب/ ي، فإن الإيرادات النفطية تصل إلى أكثر من 50 مليار دولار سنوياً. بما يتيح للعراق سداد ديونه الخارجية في قترة تراوح بين عامين وأربعة أعوام. وكان تعيين حكومة مؤقتة، بعد الغزو وقبل الضم، بهدف وضع اليد على الأصول البترودولارية الكويتية في الخارج، بمنطق الغنيمة والاستلاب.

وهكذا كان النفط، بآباره وأسعاره وأمواله، وراء الغزو العراقي للكويت، ووراء التحالف الغربي ضد العراق بهدف تدمير آلياته العسكرية وبنيته الاقتصادية.

2. الأزمة الكويتية والعائدات البترودولارية

عندما قام الجيش العراقي بغزو الكويت في 2 أغسطس 1990، كانت الدول العربية النفطية، قد بدأت في التغلب على الانكماش الاقتصادي الذي أعقب انهيار أسعار النفط عام 1986. وتعززت الثقة في الانتعاش مستقبلاً نتيجة للمستجدات على الصعيد العالمي، خاصة انتهاء الحرب الباردة بين القوتين العظميين، والتحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها دول أوروبا الشرقية بنهاية عام 1989. فقد تلا تلك المستجدات والتحولات ارتفاع الطلب العالمي على النفط، بما يؤدي إلى زيادة حصة دول المنطقة من سوق النفط العالمي، خاصة مع تراجع معدلات إنتاج النفط في الاتحاد السوفيتي.

وكانت الدول العربية النفطية الأعضاء في أوبك (السعودية ـ الكويت ـ قطر ـ العراق ـ الإمارات ـ ليبيا ـ الجزائر) قد لجأت خلال عام 1989، إلى زيادة معدلات إنتاج النفط اليومي إلى مستويات لم تصل إليها منذ عام 1981. ورافق ذلك ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 20%.

كان لارتفاع أسعار النفط وزيادة مستوى الإنتاج خلال عام 1989، الفضل في زيادة العائدات النفطية للدول العربية النفطية أعضاء أوبك، إضافة إلى عمان والبحرين، إلى 72 مليار دولار، بلغ نصيب دول مجلس التعاون الخليجي منها 48.5 مليار دولار، أي نسبة الثلثين تقريباً.

نتيجة لذلك، انخفضت نسبة العجز في الميزانية الحكومية إلى الناتج المحلي في الدول العربية النفطية عام 1989 مقارنة لعام 1988، إلاّ أن تقلص العجز على هذا النحو يعكس أيضاً تأقلم الدول العربية النفطية مع تراجع الفورة النفطية وتدهور العائدات النفطية منذ عام 1982. وكان هذا العجز يُسدد من الاحتياطي العام. وعلى سبيل المثال: اضطرت السعودية إلى سحب 44 مليار دولار من الاحتياطي العام، لتمويل عجز الميزانية الحكومية خلال السنوات 1984 ـ 1988.

قدَّرت الدول العربية النفطية ميزانياتها الحكومية لعام 1990، على أساس استمرار نمو أسعار النفط وزيادة حصصها الإنتاجية. غير أن إنتاج دول منظمة أوبك من النفط الخام خلال النصف الأول من عام 1990، قد زاد عن سقف الإنتاج الذي حددته المنظمة في مؤتمرها الوزاري في نوفمبر 1989 بحوالي 22.05 مليون برميل يومياً، حتى استقر معدل الإنتاج في شهر يونيه 1990 عند  23.43 مليون برميل يومياً بزيادة 1.37 مليون برميل يومياً عن السقف المحدد، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط من 17.31 دولار للبرميل عام 1989، إلى 16.7 دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 1990. وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية للنزاع العراقي ـ الكويتي خلال شهري يونيه ويوليه 1990 وكان أيضاً الخلفية السياسية للغزو العسكري في أغسطس 1990، الذي أحدث تقلبات واسعة في سوق النفط.

فماذا حدث لسعر النفط؟

ارتفع إلى 19 دولاراً للبرميل بعد غزو الكويت، ثم قفز إلى حوالي 40 دولاراً للبرميل في أكتوبر 1990، لاشتداد التوتر بين العراق والولايات المتحدة، والمخاوف من حدوث عجز شديد في إمدادات النفط، إلاّ أن سعر النفط أخذ منحنى هبوطياً بعد هجوم التحالف الغربي على العراق في 17 يناير 1991، لينخفض سعر البرميل إلى 19 دولاراً للبرميل.

وماذا حدث للإنتاج في ظل هذه الحرب؟

انخفض إنتاج الكويت من النفط إلى 50 ألف برميل يومياً.

وانخفض إنتاج العراق من النفط إلى 300 ألف برميل (للاستهلاك المحلي).

ولكن زادت المملكة العربية .لسعودية إنتاجها إلى 8.5 مليون برميل يومياً.

وزادت الإمارات إنتاجها إلى 2.4 مليون برميل يومياً.

وزادت قطر وسلطنة عُمان وليبيا إنتاجها بنسب قليلة.

بذلك استطاعت المملكة العربية السعودية وحدها تعويض نحو مليون ونصف مليون برميل من النقص الذي نجم عن غياب صادرات النفط من الكويت والعراق، بين أغسطس 1990 ويناير 1991. كما استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة ضخ ما يزيد عن 500 ألف برميل يومياً. في المتوسط. إضافة إلى حصتها المقررة من أوبك. ومع ذلك فإن معدل إنتاج أوبك في يناير 1991 ظل دون المعدل الذي كان سائداً قبل أزمة الخليج.

وساهم ـ إلى جانب ذلك ـ في خفض أسعار النفط، قرار الوكالة الدولية للطاقة في 17 يناير 1991 (يوم هجوم التحالف الغربي على العراق) تطبيق برنامج الطوارئ لتزويد سوق النفط العالمية بـ  2.5 مليون برميل يومياً من النفط، إضافة إلى تأكيد استمرار إمدادات النفط، مع حسم الموقف العسكري لصالح التحالف الغربي.

وقد كان لارتفاع أسعار النفط في الفترة من أغسطس 1990 وحتى يناير 1991، مع الزيادة في إنتاجه. من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، دورهما في تحقيق ارتفاع مرحلي ملحوظ في العائدات البترودولارية للدول العربية النفطية. إلا أن حرب الخليج التي هي في الأساس حرب نفطية، لم تغير المعطيات الأساسية لسوق النفط لصالح الدول المنتجة. بل إن عكس ذلك هو الصحيح، إذ أن المستفيد منها هو الولايات المتحدة والدول الغربية، بالسيطرة على النفط وأسعاره من أجل إنعاش الاقتصاديات الغربية.

3. الأزمة الكويتية والفوائض البترودولارية العربية

قدَّرت وزارة الدفاع الأمريكية في نهاية يوليه 1991، التكلفة الإجمالية لحرب الخليج بـ 61.1 مليار دولار. تكلفت الدول الخليجية منها 46.6 مليار دولار ـ على النحو التالي:

تكلفت السعودية 21.5 مليار دولار.

والكويت  19.7 مليار دولار.

والإمارات 5.4   مليار دولار.

بيد أن الالتزامات المالية التي رتبتها الأزمة على الدول الخليجية لا تقتصر على نفقات حرب الخليج. فأثناء أزمة الخليج، قامت السعودية بإقراض الاتحاد السوفيتي 4 مليارات دولار، وألغت الدول الخليجية الجزء الأكبر من قروضها لمصر (حوالي 7 مليارات من الدولارات).

وأثناء الأزمة أيضاً، زادت السعودية إنتاجها النفطي من حوالي 5.4 مليون برميل إلى 8.3 مليون برميل يومياً. وتحولت الإمارات أثناء الأزمة من سادس إلى ثالث أكبر منتج في أوبك. وتطلبت الزيادة في الطاقة الإنتاجية النفطية للدول الخليجية استثمارات بحد أدنى 10 مليارات دولار تزيد إلى 30 مليار دولار بنهاية عام 1995.

كما تطلبت الترتيبات الأمنية، وفقاً لوثيقة التعاون الأمني الاقتصادي (إعلان دمشق) بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسورية، إنشاء صندوق تنمية برأسمال ـ قُدِّر مبدئياً بـ  10 أو 15 مليار دولار ـ تموله الدول الخليجية.

ودفعت أزمة الخليج إلى تصاعد الإنفاق الدفاعي للدول الخليجية، وأهم مؤشراته الإعلان عن تعاقد السعودية على شراء أسلحة بقيمة 21 مليار دولار وارتفعت القيمة لكل الدول الخليجية إلى 30 مليار دولار.

أما بالنسبة للكويت، فإن تكاليف إعادة الإعمار قُدِّرت ـ عند الحد الأدنى ـ بحوالي 30 مليار دولار ـ بينما قدرت تكلفة إصلاح الآبار والمنشآت النفطية بحوالي 15 مليار دولار. إضافة إلى حوالي 8 مليارات دولار لتشغيل الجهاز الحكومي وتعويضات الموظفين.

وبذلك، تكون أزمة الخليج قد رتبت التزامات مالية على دول مجلس التعاون الخليجي تفوق 170 مليار دولار.

فهل تستطيع العائدات النفطية أن تفي بتلك الالتزامات؟

وفقاً لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة، فإن إجمالي الطلب العالمي عام 1991، وصل إلى 53.4 مليون برميل يومياً، مثّل الإنتاج خارج الأوبك 28.6 مليون برميل يومياً. في حين ساهم إنتاج دول أوبك بحوالي 24.6 مليون برميل يومياً بزيادة 2.3 مليون برميل يومياً عن السقف الإنتاجي الذي حددته المنظمة.

ولذلك انخفض معدل سعر نفط دول أوبك من 22.38 دولار للبرميل في يناير 1991، إلى متوسط سنوي حوالي 17 دولاراً للبرميل.

وفي ظل وجود طاقة إنتاجية فائضة، فإن مستويات أسعار النفط في المستقبل المنظور لا تمكِّن الدول الخليجية من الوفاء بالتزاماتها المالية بسهولة.

لقد دفعت الالتزامات المالية المترتبة على أزمة الخليج ـ المملكة العربية السعودية إلى سحب  6.35 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية، وتسييل أصول خارجية بقيمة 4.5 مليار دولار واستدانة قروض مصرفية بحوالي 4.5 مليار دولار خلال عام 1990، كما اضطرت الكويت ـ لمواجهة الأعباء المالية لأزمة الخليج إلى استهلاك 40 مليار دولار من موجوداتها المالية السائلة ضمن استثماراتها في الخارج، وتوجهت إلى اقتراض 33 مليار دولار من سوق الاقتراض الدولية بضمان احتياطيها النفطي واستثماراتها في الخارج.

وانتهت الإمارات ـ أمام التزامات حرب الخليج والاستثمارات النفطية لزيادة طاقتها الإنتاجية، وخسائر بنك الاعتماد والتجارة الدولي (تمتلك 77.4% من أسهمه) ـ إلى استنفاد ما يزيد عن 15 مليار دولار من موجوداتها الخارجية التي تُقدر بحوالي 60 مليار دولار.

وبالجملة، فإن حرب الخليج قد استنفدت العائدات النفطية الإضافية لدول مجلس التعاون الخليجي الناتجة عن ارتفاع أسعار وإنتاج النفط عام 1990 (حوالي 16.2 مليار دولار). ومن ناحية ثانية استنفدت الحرب قسماً هاماً من الفوائض البترودولارية الخارجية لتلك الدول، لتنخفض إلى مستوى أدنى من مستواها في أوائل الثمانينات.

وأخيراً أسفرت حرب الخليج عن رهن الاحتياطيات النفطية، وما تبقى من الفوائض البترودولارية الخارجية للدول الخليجية، الأمر الذي يعني في النهاية فقدان سيادتها على النفط بآباره وأسعاره وأمواله.

وفي هذا الإطار يمكن فهم ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز في يوليه 1991 عن "مشروع للتعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من أجل ضمان استقرار اقتصاديات البترول" حيث يتضمن المشروع، إعداد مستودعات بالأراضي الأمريكية لتخزين جزء من احتياطي النفط الخليجي بصفة عامة والسعودي بصفة خاصة، ليبقي بعيداً عن مخاطر المنطقة التي شهدت ثلاثة زلازل: حرب أكتوبر 1973، والحرب العراقية ـ الإيرانية 1980 ـ 1988، وحرب الخليج 1991.

ويكفل هذا المشروع للولايات المتحدة السحب من المخزون بالأسعار السائدة عام 1991 (20 دولار للبرميل)، لتحقيق التوازن بين الاستهلاك العالمي والإنتاج من النفط، وبما يحد من سيطرة منظمة أوبك.

ويوفر المشروع للدول الخليجية ضمان جزء من احتياطياتها النفطية، على الأراضي الأمريكية، بدلاً من تخزينه في ناقلات نفط عملاقة في المواني العالمية بما يحتاجه من نفقات تأمين وصيانة وحراسه، مع استمرار الإنتاج اليومي من النفط للدول الخليجية.

كما يُمكِّن المشروع الدول الخليجية من تسديد قيمة فواتير صفقات السلاح من الأرصدة النفطية المخزونة، دون المساس بالميزانيات السنوية.

وتعقيباً على هذا المشروع ـ الذي أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز ـ في هذا الوقت بالذات (يوليه 1991)، فإنه يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية قد انتهزت فرصة انتهاء حرب الخليج الثانية لطرح هذا المشروع.

وقد سبق الإشارة، في الصفحات السابقة تحت عنوان "الأزمة الكويتية والفوائض البترودولارية العربية" إلى الالتزامات المالية الضخمة التي فرضتها هذه الحرب على الدول الخليجية، وخاصة المملكة العربية السعودية والكويت، الأمر الذي استنفد قسماً هاماً من الفوائض البترودولارية الخارجية.

إن دعوة الولايات المتحدة الأمريكية للمملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج لتخزين جزء من احتياطياتها النفطية بمستودعات بالأراضي الأمريكية، من أجل ضمان استقرار اقتصاديات البترول، لا يكفي لتحقيق التوازن بين الدول المصدرة والدولة المستهلكة، التي تضمن إمدادات بترولية كافية ومستمرة تغطى احتياجاتها. ولكن الدول المصدرة لن تحصل على عائدات مستقرة تأخذ صفة التدرج، كما هو الحال في العلاقات التجارية الدولية، بل إن الوضع سوف يظل مائلاً لصالح الدولة المستهلكة، التي يعود إليها معظم عائدات الدول المصدرة مقابل تصدير السلع والخبرة التكنولوجية والأسلحة إلى تلك الدول.

فهل هذا هو المقصود بضمان استقرار اقتصاديات البترول؟

أم المقصود ضمان استمرار التبعية الاقتصادية؟

إن هذا المشروع لا يدخل في مجال التجارة الدولية الحرة. وقد يكون سبباً في إثارة الخلاف بين الدول المصدرة والدولة المستهلكة بشأن تكاليف التخزين.

فهل ستدفع الدولة المصدرة إيجاراً لمستودعات التخزين؟

أم ستدفع الدولة المستهلكة إيجاراً للمخزون النفطي؟

وكيف تسيطر الدولة المصدرة على بترولها القابع في أراضي دولة أجنبية؟

وقد يخضع للمصادرة أو التجميد شأنه في ذلك شأن الأرصدة المودعة في المصارف الأجنبية.

كذلك فإن هذا المشروع يؤدي إلى إضعاف قوة منظمة أوبك، وإلى إثارة الخلافات بين أعضائها، خاصة وأن سبع دول من الدول الخليجية أعضاء في المنظمة.

وأخيراً، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد لجأت إلى ابتكار هذا المشروع بهدف رفع مستوى مخزونها النفطي الاستراتيجي لاستخدامه في حالة الطوارئ، حتى لا تعتمد على الواردات البترولية من ناحية، وللضغط على الأسعار بقصد انخفاضها من ناحية أخرى. وذلك تحقيقاً لهدف وكالة الطاقة الدولية، التي قامت عام 1974 بعد فورة ارتفاع أسعار النفط عقب حرب أكتوبر 1973، لمواجهة منظمة أوبك.

Splithere

خامساً: الاقتصاد السياسي لفوائض البترودولار العربية

          آثار فوائض البترودولار العربية في انتقال المشرق العربي من البداوة إلى الدولة الحديثة. كانت منطقة الخليج والجزيرة العربية تعتمد على اقتصاد الزراعة القائمة على الأمطار، ورعي الماشية، وصيد اللؤلؤ والأسماك على السواحل البحرية، والأعمال الحرفية التقليدية كالنسيج والفخار والأدوات المعدنية البسيطة.

          تدفق النفط لأول مرة في المنطقة، يوم أول يونيه 1932، من أول بئر حُفر في البحرين عند مدينة "العوالي" الحالية. ونص عقد الامتياز بين شركة "باكو" وشيخ البحرين عام 1932، على حق الشركة في استغلال النفط في جميع أراضي البحرين ومياهها الإقليمية.

          وفي عام 1935، وقعت الشركة الإنجليزية الفارسية، اتفاقية مع شيخ قطر عبدالله آل ثان، حصلت بموجبها على حقوق إنتاج وتسويق النفط والغاز الطبيعي في قطر لمدة 75 عاماً.

          وبعد ثلاثة أعوام، اكتُشف النفط السعودي في الظهران، وتضمن عقد الامتياز بين شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا وابن سعود الذي عُدل عام 1939، احتكار الشركة للتنقيب في مساحة 85 ألف ميل مربع لمدة 70 عاماً.

          وكان شيخ الكويت أحمد الجابر، قد وقَّع عام 1934 عقد امتياز مع شركة بترول الكويت (الأنجلو أمريكية)، شمل جميع أراضي الكويت ومدته 75 عاماً.

          وبدأ عصر العائد النفطي بالإتاوات التي حصل عليها شيوخ الخليج من الاحتكارات النفطية، مقابل امتيازات الاكتشاف والإنتاج.

          وفي ديسمبر عام 1950. عدّلت الاتفاقيات نصيب البلدان النفطية على أساس "مبدأ مناصفة الأرباح". وبعد تأسيس منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) تزايد نصيب البلدان المصدرة للنفط من العائدات النفطية نتيجة لتعديل الاتفاقيات.

          ونجحت أوبك عقب مؤتمر طهران عام 1970، من خلال مفاوضاتها مع شركات النفط، في رفع سعر برميل النفط من 1.8 إلى 2.8 دولاراً. وبعد حرب أكتوبر 1973 (الصدمة النفطية الأولى) ارتفع سعر برميل النفط من 3.5 إلى 10.5 دولاراً. وعقب الصدمة النفطية الثانية (1979 ـ 1980) ارتفع سعر برميل النفط إلى 30 دولاراً عام 1980 وإلى 35.5 دولاراً عام 1981.

          ونتيجة لذلك، تضاعفت العائدات النفطية للدول العربية الأعضاء في أوبك إضافة إلى البحرين وسلطنة عُمان من 23.7 مليار دولار عام 1973 إلى 208.3 مليار دولار عام 1981.

          إن اعتبار العائدات النفطية "ريعاً نفطياً" يأتي من أن تلك العائدات هي إيجار تتقاضاه البلدان النفطية من تأجير أراضيها إلى الشركات النفطية، وهي بذلك ريع خارجي غير مكتسب، لم يتولد من العمليات الإنتاجية للاقتصاد الوطني. ومعنى ذلك، أن الأداء الاقتصادي في الدولة النفطية اعتمد على تحويل الثروة النفطية الناضبة كأصل عيني إلى أصول مالية. أي تحويل ثروة في باطن الأرض إلى ثروة نقدية ورقية.

          فالدولة النفطية بذلك لا تحصل على دخل وإنما تأكل ثروتها. فالدخل إيراد دائم متجدد يمكن الحصول عليه بشكل مستمر مع بقاء الثروة أو الطاقة الإنتاجية على ما هي عليه، ويمثل إضافة إلى موارد الفرد أو الدولة. ولكن الدول النفطية تكسب موارد نقدية ورقية، وتخسر في الوقت نفسه مورداً طبيعياً.

          وبتضاعف العائدات النفطية، مع تضاعف استخراج وتصدير الثروة النفطية، تراكمت فوائض بترودولارية قابلة للاستثمار، تم توجيهها إلى أسواق المال في الدول الصناعية المتقدمة، بهدف الانتقال من الاعتماد على "العائد النفطي" إلى "العائد المالي" مع اقتراب أجل نضوب النفط.

          وخلال الفترة من 1973 إلى 1990، بلغت التدفقات التراكمية للفوائض البيترودولارية العربية المستثمرة في الخارج، حوالي 600 مليار توجهت الحصة الأكبر منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية وبقية الدول الصناعية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتحول جزء منها في السنوات الأخيرة إلى أسواق الدول المصنعة حديثاً في الشرق الأقصى. وتركزت تلك الأصول نوعياً في الموجودات السائلة وشبة السائلة مثل ودائع الدولار واليورودولار والذهب والأوراق المالية الحكومية مثل سندات الخزانة الأمريكية والأسهم.

          كما نشطت البنوك العربية الخارجية في لندن وباريس ولكسمبرج ونيويورك والبحرين في الإقراض المصرفي لمختلف دول العالم. مثلما نشطت الحكومات في الدول العربية النفطية في إقراض صندوق النقد والبنك الدوليين.

          وهكذا أُعيد تدوير الفوائض البترودولارية إلى الخارج بهدف توليد عائدات مالية لتغطية تناقص العائدات النفطية مع اقتراب نضوب النفط. ومؤدى ذلك، أنه بدلاً من تدوير العائدات النفطية محلياً في تنويع مصادر الناتج القومي تحسباً لمرحلة ما بعد النفط، كان توجيه هذه العائدات لتوليد عائدات مالية في الخارج منفصلة عن العملية الإنتاجية في الداخل.

          وقد ارتبطت فكرة الحصول على العائد المالي دون بذل أي جهد بظاهرة المضاربة وبذلك عرفت دول الخليج النفطية مراكز متميزة للمضاربة وخاصة في مجال المضاربات العقارية ثم المضاربات المالية في أسواق الأسهم لتحقيق المكاسب نتيجة لبعض الظروف الخاصة القائمة أو المفتعلة.

          وعلى صعيد العلاقات العربية ـ العربية، فإن الفوائض البترودولارية المتوافرة للدولة النفطية العربية تدفعها إلى اتجاه استبعاد التكامل الاقتصادي وصولاً إلى التكامل الإقليمي سياسياً. فالأولوية بالنسبة لها، أن تتمكن من استثمار فائض أموالها في أي مكان من العالم. ولا يمنع ذلك من توجيه قدر متواضع من تلك الفوائض إلى دول العجز العربية لأغراض سياسية:

أولها: التأثير على النُظم القومية والتقدمية (مثلما حدث مع مصر وسورية).

وثانيها: إعاقة التكامل السياسي (مثلما حدث مع اليمن الشمالي حتى لا يتوحد مع اليمن الجنوبي، ومع تونس لإبعادها عن الوحدة مع ليبيا).

وثالثها: دعم النُظم المحافظة في الدول العربية مثل المغرب والأردن.

          وإذا توجهت الفوائض العربية لأغراض اقتصادية في الوطن العربي، تركزت في الأنشطة المالية والخدمية دون إضافة حقيقية للطاقات الإنتاجية.

          وإن كانت دول الفائض العربية تحتاج للعمالة من دول العجز العربية، فإنها لا تفضل تنظيم انتقالها وتمنع إدماجها حقوقياً في مجتمع الدولة النفطية.

          وعلى الرغم من أن دول الفائض العربية تستبعد التكامل الاقتصادي أو السياسي العربي، فإنها تطلب التكامل الأمني من أجل تحقيق الاستقرار، دون أن يغني ذلك عن الاستنجاد بالقوى الخارجية، وتصاعد الإنفاق على مشتريات السلاح. ومع ذلك، فإن الدول العربية غير النفطية تدرك أنها تشارك الدول النفطية في الانتماء إلى كيان ثقافي واحد هو "الأمة العربية" إلاّ أنها لا تشاركها الثروة النفطية. وتسعى دول العجز العربية الآن لمسايرة هذا الوضع من خلال نمط للعلاقات يتضمن تهيئة الفرص لتدفق الفوائض إليها من الدول العربية النفطية إضافة إلى تسهيل تصدير منتجاتها وانتقال العمالة إلى الدول النفطية. ولعل المشاعر العربية والروابط التاريخية ووحدة اللغة والعقيدة والمشاركة الأمنية تكون مدعاة إلى تقارب وثيق يسفر عن إنشاء السوق العربية المشتركة تدعيماً لاقتصاد الوطن العربي بأسره.

          إن معضلة استمرار محدودية القاعدة الإنتاجية في الدول النفطية العربية وتواضع دور الفوائض النفطية في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي ترتبط باستمرار عملية تحويل الثروة النفطية إلى عائدات نفطية ثم إلى عائدات مالية. فهل يستمر تحويل الثروة النفطية إلى أصول مالية خارجية بدلاً من تدويرها لتنويع مصادر الناتج المحلي، وتنمية القاعدة الإنتاجية عربياً، حتى آخر برميل من النفط؟

          الإجابة على هذا السؤال تخلص في أنه إذا استمر هذا الحال على ما هو عليه، فإن وصول الدولة العربية النفطية إلى آخر برميل من النفط يمكن أن يحدث بعد ثلاثة أجيال (حوالي 75 سنة) من الآن. وعندئذ تغلق الدولة أبوابها وتتوالى الهجرة من البلاد، فإن أكثرية المواطنين والمؤسسات الخاصة قد تمكنت من تهريب رؤوس أموالها إلى الخارج. وكما يقول جياكومو لوشياني: "قد تتحول عواصم النفط الحالية إلى مدن مهجورة مما يُعرف باسم مدن الأشباح … وعندئذ لن تواجه خطراً أمنياً لأنها لن يطمع فيها أحد، ولن يشغل بالها أمر الدفاع عن نفسها …".

          ولا يمكن تعميم هذا القول على كافة الدول الخليجية، بل يُستثنى من ذلك السعودية والعراق. حيث يوجد فيهما مقومات الدولة الحديثة وقواعد اقتصادية من زراعية وصناعية دائمة. وتتميز السعودية بوجود الأماكن المقدسة فهي بذلك دولة تجذب إليها ملايين الوافدين من المسلمين لأداء الشعائر الدينية، وهي ليست دولة يهاجر مواطنوها إلى الأبد. ويُعتقد أن ما يقوله جياكومو لوشياني يتسم بالتحذير المبالغ فيه حتى يثير اهتمام الحكومات العربية النفطية تجاه إنشاء قواعد صناعية وزراعية منتجه، والإستعانة بالخبرات العالمية في هذا المجال. خاصة وأن فترة الأجيال الثلاثة (75 سنة) التي يُفترض في نهايتها الوصول إلى آخر برميل النفط، هي فترة كافية من الأفضل وضع إستراتيجية ثابتة لاستكمال مقومات الدولة الحديثة خلالها استعداداً لمواجهة اليوم الذي ينضب فيه النفط.

          كذلك فإن هذا الإطار النظري، الذي صاغ فيه ذلك الكاتب رأيه، ما هو إلاّ فكرة تحيط بها نظرة تشاؤمية، غاب عنها أن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) وكافة دول الخليج تولي اهتماماً بالغاً في سياساتها التخطيطية لاستمرار أعمال التنقيب والمسح الجيوفزيائي لاستكشاف آبار جديدة في مناطق أخرى من أراضيها الشاسعة، وعلى طول شواطئها الممتدة لمسافات بعيدة.

          وقد يكون من المناسب هنا مما يبدد تلك النظرة التشاؤمية لهذا الكاتب المذكور، الإشارة إلى أحدث اكتشاف في قلب صحراء الربع الخالي في السعودية، وهو حقل (الشيبة) الذي افتتحه سمو ولي العهد السعودي في 10 مارس 1999، والذي أثبتت الأبحاث التقنية أن احتياطه الثابت من الزيت الخام يزيد على 14 مليار برميل، بما يفوق احتياطي عديد من الدول المنتجة للبترول مثل النرويج وبريطانيا، وبما يماثل احتياطي مخزون بحر الشمال كله، وربما زاد على احتياطي منطقة بحر قزوين.

          وصرح رئيس شركة أرامكو السعودية أن حقل الشيبة (133بئراً) تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 500 ألف برميل يومياً من الزيت الخام. ويعتبر أكبر مشروع إنتاج من نوعه في العالم خلال العقدين الماضيين.