إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل الرابع

الفصل الرابع

الدول المستهلكة للبترول

          تناول، الفصل الأول تاريخ الشركات المستثمرة للبترول، ومدى سيطرتها على إنتاج البترول في معظم أنحاء العالم، عن طريق اتحاداتها الاحتكارية ومساندة الدول الأجنبية لها.

          وتضمن الفصل الثاني عرضاً للأحداث التي طرأت على موقف الدول المنتجة، ومدى تعاونها معاً على التصدي لهيمنة شركات البترول، وتدرج علاقاتها معها ابتداءً من مبدأ مناصفة الأرباح وعقود المقاولة ومبدأ المشاركة في الملكية حتى تأميم الشركات الامتيازية وبذلك استردت الدول المنتجة نفوذها على ثرواتها الوطنية من البترول، عن طريق عقد مؤتمراتها وقيام منظماتها وأهمها الأوبك والأوابك ومجموعة أيبك (وهي الدول غير الأعضاء في أوبك).

  • وأثر البترول كأداة سياسية لدى الدول المنتجة.
  • وتقييم منظمة أوبك وكيفية المحافظة على مستقبلها.
  • وقيام منظمة أوابك وإقدامها على تنويع أنشطتها وإنشاء مشروعات عربية مشتركة.
  • وكيفية تعاون الدول المنتجة في تنسيق العرض العالمي للبترول.

اشتمل، الفصل الثالث على توضيح تأثير صناعة البترول في اقتصاديات دول المنطقة العربية

  • وكيفية تطور عائدات دول أوبك من الصادرات البترولية.
  • وكيفية تكوين فوائض البترودولار العربية وفرص استثمارها في الخارج ومخاطر ذلك.
  • وكيفية تدوير هذه الفوائض البترودولارية في المنطقة العربية وتأثير أزمة الخليج عليها.
  • ونبذة عن الاقتصاد السياسي لهذه الفوائض وعلاقتها بالنفط كمورد ناضب لا دوام له.

وفيما يلي عرض لموقف الدول المستهلكة للبترول، وتطور مواجهتها للدول المنتجة.

          إن مصلحة الدول المستهلكة للبترول ـ سواء في الغرب أو في الولايات المتحدة الأمريكية ـ تبدو واضحة في بقاء منطقة الخليج ـ باعتبارها المستودع الرئيسي لاحتياطيات البترول ـ في نطاق السيطرة الغربية، وألاّ يخل باستقرارها أي تغيير مع العمل في الوقت نفسه على اتباع سياسة مؤداها:

  1. بناء مخزون من البترول يوفر للدول الغربية وقاية من التغيرات التي قد تؤدي إلى انقطاعات.
  2. إبعاد تغلغل نفوذ أي دولة أخرى إلى هذه المنطقة التي تحتوي على هذا الكنز البترولي.
  3. تشجيع استكشاف البترول واستخراجه في مناطق أخرى بعيده عن هذه المنطقة واضطراباتها.

          لذلك أخذت الدول المستهلكة للبترول العمل على تنسيق سياساتها البترولية للحصول على هذه السلعة الحيوية بطريقة منتظمة وبأسعار مناسبة مستخدمة نفوذها وضغوطها على الدول المنتجة للبترول في مواجهة دائمة.

أولاً: سياسة الدول الصناعية الغربية قبل عام 1973

          ظلت سياسة الطاقة في دول غرب أوروبا حتى قيام الحرب العالمية الثانية تعتمد أساساً على مصدر واحد للطاقة وهو الفحم، حيث كان يلبي أكثر من 90% من احتياجات هذه الدول.

          أما بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الخمسينات، فقد زاد استهلاك المنتجات البترولية بصورة سريعة للأسباب الآتية:

  1. رخص سعر البترول ابتداءً من عام 1957، نتيجة لإعادة افتتاح قناة السويس، وازدياد مبيعات الاتحاد السوفيتي، وازدياد منافسة شركات البترول المستقلة ومواجهتها للشركات المستثمرة للبترول أعضاء الاتحاد الاحتكاري.
  2. سهولة النقل والاستخدام.
  3. نظافة البترول وقلة التلوث المرتبط باستخدامه.

أسباب الاعتماد على بترول الشرق الأوسط

          أخذت دول غرب أوروبا تزيد اعتمادها على بترول الشرق الأوسط بصورة كبيرة، فقد ازدادت درجة الاعتماد من 20% من جملة استهلاك البترول قبل الحرب العالمية الثانية إلى 43% عام 1947 ثم إلى 85% عام 1950، ويرجع ذلك إلى ما يلي:

  1. قرب حقول بترول الشرق الأوسط من السوق الأوروبي.
  2. النفوذ الكبير للدول الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط.
  3. حيث كانت فرنسا تسيطر على دول المغرب العربي (الجزائر)، وإنجلترا تسيطر على دول الخليج (الكويت ودولة الإمارات وقطر والبحرين وعمان).
  4. كذلك كانت الدول الأوروبية تتمتع بامتيازات واسعة لاستغلال حقول بترول دول الشرق الأوسط، عن طريق الشركات التابعة لها، ومنها: الشركة الفرنسية للبترول CFP والشركة البريطانية BP وشركة شل (المملوكة مشاركة بين إنجلترا وهولندا). وقد كانت هذه الشركات تبيع بترولها للدول الأوروبية بالعملات المحلية لهذه الدول.
  5. عدم استطاعة الولايات المتحدة الأمريكية إمداد دول أوروبا واليابان باحتياجاتها من البترول بسبب توقعها حدوث ندرة بترولية عالمية.

ثانياً: سياسة الدول الصناعية الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بعد عام 1973

الإجراءات التي اتخذتها الدول الصناعية لمواجهة أزمة البترول عام 1973 ـ 1974

          كان من الصعب في تلك الآونة على الدول الأوروبية أن تضع سياسة موحدة للطاقة تلتزم بها. وذلك لاختلاف ظروف كل دولة من ناحية درجة الاكتفاء الذاتي في إنتاج الطاقة. ونظراً لاختلاف كل منها فيما يتعلق بوجود مصالح بترولية لها خارج حدودها، فقد أدى هذا الاختلاف إلى قلة التعاون بين الدول الأوروبية الغربية عموماً في مجال الطاقة.

          ولكن عقب ارتفاع أسعار البترول في عام 1973/ 1974، اتخذت معظم الدول المستهلكة للبترول خطوات حاسمة للحد من استهلاك البترول. وقد انخفض استهلاك البترول في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD Organization for Economic Co - Operation and Development  في عام 1974/1975، ولكن حوالي ثلاثة أرباع الانخفاض في الطلب كان يرجع إلى الركود الاقتصادي العالمي، الذي حدث في أعقاب رفع أسعار البترول عام 1973، أما الربع الباقي فإنه يرجع إلى إجراءات الحد من الاستهلاك.

          وفي كثير من الدول وخاصة الولايات المتحدة، لم ينعكس الارتفاع الشديد في أسعار البترول الخام 1973/ 1974 على أسعار المنتجات البترولية بالقدر نفسه، وذلك بسبب عدم وجود علاقة مباشرة بين سعر البترول الخام وسعر المنتجات البترولية.

          وتوضيحاً لذلك نذكر، أنه قبل رفع الأسعار عام 1973، كانت حكومات الدول الأوروبية تفرض ضرائب عالية على استهلاك المنتجات البترولية لأسباب خاصة بميزانيات هذه الدول. فلما ارتفعت أسعار البترول ارتفاعاً شديداً في أواخر عام 1973 وبداية عام 1974 فإن هذا الارتفاع لم ينعكس بالكامل على أسعار المنتجات البترولية. وقد تفاوتت الدرجة من دولة إلى أخرى. وقد ظلت أسعار المنتجات البترولية رخيصة بصورة واضحة في الولايات المتحدة الأمريكية، مما شجع ذلك على ارتفاع مستوى الاستهلاك.

سياسة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية

          أما عن مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية لأزمة البترول في الفترة التالية لعام 1973 فيمكن توضيحه في النقاط التالية:

  1. تم وضع برنامج طموح سُمي "مشروع الاستقلال Independence Project يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج واستهلاك الطاقة بحلول عام 1980، إلاّ أنه تم تأجيل ميعاد تحقيق الاكتفاء الذاتي إلى عام 1985، حيث اتضح أن الاعتماد على الواردات البترولية لن يتوقف تماماً في عام 1985، بل سوف ينخفض من 38 % من استهلاك البترول عام 1974 إلى 25% فقط عام 1985.
  2. في أكتوبر 1974 أعلن رئيس الولايات المتحدة الالتزام بتخفيض الواردات الأمريكية البترولية بمقدار مليون برميل/ يوم في نهاية عام 1975، وبمقدار 2 مليون برميل/ يوم في نهاية عام 1977. وذلك عن طريق تعديل أسعار البترول لكي ترتفع من متوسط 9 دولارات إلى 13 دولار للبرميل بهدف خفض الاستهلاك. ولكن الكونجرس الأمريكي سمح بحدوث ارتفاع محدود في ثمن البترول، وإعطاء حوافز خاصة لبترول ألاسكا عالي التكلفة بهدف التشجيع على زيادة إنتاجه.
  3. وفي عام 1978 صدر قانون كفل للرئيس الأمريكي حق تكوين "احتياطي إستراتيجي للبترول Strategic Petroleum Reserve"  بهدف الوصول إلى احتياطي قدره 150 مليون برميل في مدة ثلاث سنوات و550 مليون برميل في سبع سنوات. ولكن تحقيق هذا الهدف باء بالفشل.
  4. تدهور وضع الطاقة في الولايات المتحدة في عام 1976 بالمقارنة بعام 1973 وذلك على النحو التالي:

أ. أصبحت الواردات البترولية تمثل 42% من الاستهلاك في عام 1976 بعد أن كانت 33% فقط عام 1973، ومازالت الواردات في زيادة مستمرة.

ب. كانت الولايات المتحدة في عام 1973 تعتمد على الدول العربية لاستيراد 11 % من وارداتها من البترول، بينما زادت النسبة إلى 18% في عام 1976.

ج. أنخفض الإنتاج المحلي من البترول من 9.2 مليون برميل/ يوم عام 1973 إلى 8.04 مليون برميل/ يوم عام 1976.

د. إن إنتاج البترول من المصادر البديلة (على شكل وقود صناعي) مثل زيت السجيل Shale Oil  ورمال القطران Tar Sands والغاز والبترول المنتج من الفحم أصبح يحقق في عام 1976 ما كان يحققه في عام 1973، أي لم تحدث أي زيادة في إنتاج هذه المصادر البديلة.

هـ. عدم وجود حماس كاف لبناء محطات نووية جديدة.

          للاعتبارات المتقدمة أعلنت الوكالة الدولية للطاقة (التي تأسست عام 1974 بضغط من الولايات المتحدة) أعلنت في عام 1976 أن الولايات المتحدة تعتبر أسوأ دولة بين أعضائها (17 دولة) في تحقيق هدف ترشيد استهلاك الطاقة، وذلك على الرغم من وجود إمكانيات كبيرة لترشيد استهلاك الطاقة فيها.

ثالثاً: الوكالة الدولية للطاقة (International Energy Agency (IEA

كيف نشأت الوكالة الدولية للطاقة لمواجهة نفوذ دول منظمة الأوبك؟

          أثناء حرب أكتوبر اجتمعت دول منظمة الأوبك واتخذت مجموعة من الإجراءات لمؤازرة كل من مصر وسورية في حربها مع إسرائيل، ومن ناحية أخرى لتصحيح الأوضاع في صناعة البترول، وذلك عن طريق اتخاذ زمام المبادرة في أيديها لأول مرة في قضايا الإنتاج والأسعار والأرباح وكل ما يتعلق بصناعة البترول في أراضيها. وذلك بعد أن كانت كل هذه الأمور مركزة في أيدي شركات البترول الكبرى منذ بداية عهد استغلال حقول البترول في دول الأوبك.

          وقد أدى انتصار القوات العربية ونجاح القوات المصرية في عبور قناة السويس والاستيلاء على خط بارليف وتحطيم الدفاعات الإسرائيلية إلى شد أزر الدول العربية في منظمة أوبك فقامت برفع أسعار بترولها ـ بين أكتوبر 1973 ويناير 1974 ـ من حوالي 2 دولار للبرميل إلى أكثر من 8 دولارات للبرميل أي بنسبة 400%. كذلك تم حظر تصدير النفط إلى الدول المساندة لإسرائيل وهي الولايات المتحدة وهولندا. كذلك قامت الدول العربية بتخفيض إنتاجها من النفط، حيث وصلت نسبة التخفيض في بعض الدول إلى 25% من إنتاجها. وكان الهدف من ذلك الضغط على الدول الغربية لإيقاف العدوان الإسرائيلي على مصر وسورية، خاصة بعد حدوث الثغرة في القوات المصرية غرب قناة السويس يوم 17 أكتوبر 1973 نتيجة لإمدادات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل.

وفي أعقاب قرارات منظمة الأوبك ساد الذعر الدول المستهلكة وحاولت بعض الدول استخدام علاقاتها الجيدة مع العالم العربي لعقد صفقات مباشرة وخاصة فرنسا واليابان. إلا أن الولايات المتحدة ثارت على دول منظمة الأوبك وخاصة الدول العربية منها.

          قاد عملية الهجوم هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة في ذلك الوقت. وطالب بتكوين جبهة من الدول المستهلكة تقف في مواجهة دول الأوبك.

          ولما كان رد الفعل لدى الدول الأوروبية فاتراً، لجأت الولايات المتحدة إلى التهديد بسحب قواتها من أوروبا الغربية، وتخليها عن تعهداتها الخاصة بالدفاع عن أوروبا الغربية في مواجهة الاتحاد السوفييتي، كما هددت أيضا بغلق أسواقها في وجه التجارة الأوروبية واليابانية. وكان هدف الولايات المتحدة أيضاً منع أوروبا واليابان من التعامل مع منظمة الأوبك أو مع الجانب العربي في تلك المنظمة. ويؤكد ذلك ما ورد في جريدة التايمز  Times  اليابانية في أوائل يناير 1974 ـ نقلاً عن كيسنجر ـ الكلمات المهدِّدة التالية: "في وسعي أن أقول إن أية محاولة تقوم بها اليابان لمعالجة مشكلتها على أساس قطري خالص، سوف يجعلها أمام مشاكل لن تجد لها حلا تقريباً..".

          وتحت التهديد والوعيد نجحت الولايات المتحدة في إقناع الدول الأوروبية واليابان بالحضور إلى مؤتمر للطاقة في واشنطن في شهر فبراير 1974. وقد عارضت فرنسا منذ البداية هذا الموقف الأمريكي الذي ينطوي على أساس اتباع أسلوب المواجهة مع دول الأوبك. ورأت ضرورة انتهاج مبدأ التفاهم والتحاور ليس فقط مع الدول المنتجة للنفط، ولكن أيضاً مع دول العالم الثالث المصدرة للمنتجات الأولية المختلفة.

          كان هدف فرنسا من وراء ذلك واضحاً وهو تقوية نفوذها لدى دول العالم الثالث، ورغبتها في المحافظة على علاقاتها القوية مع العالم العربي بصفة عامة ودول البترول الغنية بصفة خاصة. وقد وضع الرئيس ديجول أساس هذه السياسة في عام 1967 في أعقاب العدوان الإسرائيلي على العالم العربي. وقد أدت السياسة الفرنسية المساندة للعالم العربي إلى حصول فرنسا على احتياجاتها من البترول والأموال العربية، فضلاً عن فتح أسواق الدول العربية للبضائع الفرنسية، هذا بجانب صفقات السلاح التي عقدتها الدول العربية مع فرنسا.

          عُقد مؤتمر الطاقة في العاصمة الأمريكية في فبراير 1974. وتحت التهديد تارة والإغراء تارة أخرى، اضطرت الدول التي حضرت المؤتمر ـ وهي دول أوروبا الغربية (عدا فرنسا) وكندا واليابان ـ إلى اتخاذ موقف قريب من الموقف الأمريكي. وتمت الموافقة على إنشاء الوكالة الدولية للطاقة  IEA  من 16 دولة (زاد عددها الآن إلى 21 دولة) وذلك في إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  OECD . وتم اختيار باريس مقراً لها. وكان الهدف من ذلك واضحاً وهو محاولة إغراء فرنسا للاشتراك في الوكالة فيما بعد، الأمر الذي دعا فرنسا إلى وقف معارضتها لإنشائها، بل وتعاونت معها عن طريق اشتراكها في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والسوق الأوروبية المشتركة. ولكن يمكن القول أن عدم اشتراك فرنسا في الوكالة الدولية للطاقة قد أضعف وحدة الدول المستهلكة والوكالة أيضاً.

          طالب كيسنجر ـ صاحب مشروع الوكالة الدولية للطاقة ـ الدول الأعضاء في الوكالة بالتعاون  فيما بينها بهدف القضاء على احتكار دول الأوبك إنتاج البترول وتصديره وذلك باتباع الوسائل الآتية:

  • ترشيد استهلاك الطاقة.
  • الحد من استيراد البترول.
  • تشجيع مصادر الطاقة البديلة.
  • تشجيع إنتاج البترول والغاز في مناطق خارج دول الأوبك.

          كان كيسنجر بعيد النظر وموفقاً في اعتقاده بأن نجاح الدول الصناعية في انتهاج السياسة المذكورة فيما يتعلق بالطاقة، من شأنه أن يقضي على احتكار منظمة الأوبك في إنتاج وتسعير وتصدير البترول، وأن ذلك من شأنه أن يساعد ـ فيما بعد ـ في خفض أسعار البترول كما تحقق ذلك مؤخراً.

          وعلى الرغم من عدم تحقيق كل أهداف الوكالة الدولية للطاقة ـ كما يتضح بعد ـ إلاّ أن السياسات التي تم اتخاذها فيما يتعلق بترشيد استهلاك الطاقة، وتطوير مصادر الطاقة البديلة، والتوسع في إنتاج البترول خارج دول الأوبك، هذا فضلاً عن الركود الاقتصادي العالمي طويل الأمد، قد ساعدت كل هذه الأمور في تحقيق هدف هنري كيسنجر في كسر احتكار منظمة الأوبك.

أهداف الدول المستهلكة من إنشاء الوكالة الدولية للطاقة ومدى نجاحها

  1. تحقيق التعاون بين الدول الأعضاء في الوكالة في مجال الطاقة وهي تشمل جميع الدول أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عدا فرنسا.
  2. تطوير مصادر الطاقة الجديدة، والتعاون بين الدول الأعضاء في مجال الأبحاث الخاصة بمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، إلاَّ أن التعاون لم يكن كافياً بسبب تخوف الدول المتقدمة في مجال أبحاث الطاقة من إفشاء الأسرار الخاصة بدرجة تقدمها في هذه المجالات.
  3. الاتفاق على سعر مرتفع للبترول داخل الدول الغربية، بهدف تشجيع وتطوير مصادر الطاقة البديلة المتوافرة في هذه البلاد، وخاصة الفحم والوقود الصناعي، ذلك لأن تكلفة إنتاج الطاقة من هذه المصادر البديلة يفوق تكلفة إنتاج البترول في دول الأوبك. ولكن الدول أعضاء الوكالة الدولية للطاقة فشلت في الاتفاق على رفع سعر البترول داخل بلادها لتفاوت ما لدى كل منها من مصادر الطاقة.
  4. المراجعة السنوية لسياسات الطاقة في الدول الأعضاء، وذلك بهدف حثها على بذل مجهود أكبر لتوفير استخدام الطاقة والعمل على تطوير مصادر جديدة للطاقة. ولكن نفوذ الوكالة كان محدوداً للغاية لعدم وجود سلطة لديها على الدول الأعضاء.
  5. وضع خطة طوارئ لمشاركة الدول الأعضاء في الاحتياطيات البترولية المتوافرة لديها Emergency Energy Sharing plan  ويعتبر هذا أهم أهداف الوكالة التي وضعت في أواخر عام 1974. بمعنى أن كل دولة تقوم بإرسال جزء من مخزون البترول لديها إلى الدولة العضو التي تواجه أزمة في إمدادات البترول.

          ولكن النرويج عارضت خطة المشاركة المذكورة، خوفاً على إنتاجها من بحر الشمال. فضلاً عن أنه من الصعب تطبيق هذه الخطة وقت الأزمات لأسباب مختلفة فنية وغير فنية.

مصادر الطاقة البديلة

زيادة الاعتماد على الطاقة النووية   Nuclear Energy  

          تنفيذاً لأهداف الوكالة الدولية للطاقة فيما يتعلق بتشجيع وتطوير مصادر الطاقة البديلة المتوافرة في الدول الأعضاء، وخاصة الفحم والوقود الصناعي والطاقة النووية، لكسر احتكار دول الأوبك إنتاج البترول وتصديره.

          لم تكتف الدول الصناعية الأوروبية بتنفيذ برنامجها الطموح لترشيد استهلاك البترول حتى لا تقع تحت رحمة الدول المنتجة للبترول، بل إنها بعد تفجر أزمة البترول في أعقاب حرب أكتوبر 1973، وضعت برنامجاً آخر للطاقة النووية كمصدر بديل للطاقة.

          على سبيل المثال: خططت دول السوق الأوروبية المشتركة لكي يزيد نصيب الطاقة النووية في إجمالي استهلاك الطاقة من 2% عام 1974 إلى ما بين 13-16% عام 1985، أو إلى نصف إجمالي الكهرباء المولدة في دول السوق الأوروبية المشتركة.

          في نفس الوقت، خططت اليابان لكي يزيد نصيب الطاقة النووية في توليد الكهرباء من 6.2% إلى 17%.

          وفي  الولايات المتحدة طالب الرئيس فورد في يناير 1975 ببناء 200 محطة كهرباء نووية بحلول عام 1985 (كان العدد الموجود في ذلك الوقت 50 مفاعلاً نووياً).

          نتيجة لذلك أصبح حجم استهلاك الدول الصناعية للطاقة النووية عام 1984 يساوي أكثر من خمسة أمثال حجم استهلاك الطاقة النووية عام 1973. أما إنجلترا حيث يتوافر لديها بترول بحر الشمال، فإن درجة اعتمادها على الطاقة النووية اتسمت بالبطء الشديد إن لم يكن قد تراجعت إلى الوراء. أما هولندا ـ الغنية بالغاز الطبيعي ـ فقد زاد استهلاكها للطاقة النووية ثلاث مرات فقط. أما النرويج ـ ثاني منتج للبترول في بحر الشمال ـ فقد قررت عدم إقامة محطات للطاقة النووية بها. أما ألمانيا الغربية ـ الفقيرة في مصادر الطاقة ـ فقد زاد نصيبها في استهلاك الطاقة زيادة طفيفة، وذلك للمعارضة الشديدة من قبل الرأي العام الألماني للأسلحة النووية والطاقة النووية وأي شيء مستمد من الذرة.

عقبات في طريق إقامة المزيد من المحطات النووية

          على الرغم من حماس الدول الصناعية للتوسع في إقامة محطات للطاقة النووية، فإن الكثير من هذه المشروعات لم ينفَّذ للأسباب الآتية:

  1. معارضة الرأي العام الشديدة لإقامة المفاعلات النووية.
  2. الارتفاع الكبير في تكاليف إنشاء المحطات النووية.
  3. الركود الاقتصادي في الدول الصناعية وما ترتب عليه من انخفاض الطلب على الكهرباء.
  4. تزايد المصاعب الخاصة بوجود مواقع مناسبة لبناء المحطات النووية، خاصة في الدول المزدحمة بالسكان في أوروبا واليابان.
  5. صعوبة التنبؤ بالطلب على الطاقة بصفة عامة، وعلى الكهرباء بصفة خاصة. ولما كان بناء المفاعل النووي يحتاج إلى فترة طويلة قد تمتد إلى عشر سنوات فإن مشكلة التنبؤ بالطلب ومن ثم تقدير ربحية المشروع تصبح أكثر تعقيداً.

          أدت هذه الأسباب إلى إلغاء الكثير من مشروعات بناء المفاعلات النووية خلال السبعينات. هذا إضافة إلى معارضة الولايات المتحدة التوسع في أبحاث الطاقة النووية. وطلبت من الدول الأخرى أن توقف أبحاثها في هذا المجال. كما طلبت من الدول الصديقة مثل إنجلترا وألمانيا وفرنسا أن توقف بيع مفاعلات نووية لدول مثل باكستان والبرازيل وغيرها من الدول ذات القدرات النووية.

          نتيجة لذلك، أخذت معظم الدول الصناعية تنظر إلى الفحم كوسيلة لتخفيض اعتمادها على البترول المستورد، إلاَّ أنه في أعقاب ارتفاع أسعار البترول مجدداً في عام 1979/1980، أصبح من الضروري التحول بجدية إلى صناعة الفحم. ولكن ابتداء من عام 1982 ـ عندما أخذت أسعار البترول في الانخفاض، وبدأت تظهر الوفرة البترولية في السوق العالمي ـ تراجع استهلاك الفحم، وعادت هذه الدول الصناعية إلى الاعتماد على استهلاك البترول مرة أخرى.

الوقود الصناعي  Synthetic Fuel

          وتنفيذاً لأهداف الوكالة الدولية للطاقة ـ أيضاً ـ فيما يتعلق بتطوير مصادر الطاقة البديلة، وضعت الولايات المتحدة خطة في عام 1975 لإنتاج الوقود الصناعي (عن طريق تحويل الفحم إلى سائل أو غاز) بواقع مليون برميل / يوم بحلول عام 1985.

          لتحقيق هذا الهدف، قامت مجموعة من شركات البترول والطاقة الأمريكية بالتخطيط لإنشاء مشروعات لإنتاج الوقود الصناعي من الفحم أو من زيت السجيل  Shale Oil  ، ولكن سرعان ما أوقفت هذه الشركات مشروعاتها في هذا المجال بسبب الارتفاع الكبير في التكاليف وفي السعر المتوقع للمنتج النهائي، الذي سوف يكون أغلى بكثير من سعر البترول.

          لذلك فإن صناعة الوقود الصناعي لن يُكتب لها النجاح إلا إذا قامت الحكومة الفيدرالية بتقديم الدعم المالي حتى يمكن جعل الاستثمار في هذه المشروعات أمراً مربحاً.

أما دول غرب أوروبا واليابان فقد اهتمت بدرجة أقل بتطوير صناعة الوقود الصناعي، وظلت على اعتمادها الكبير على استيراد البترول من الخارج. ويرجع ذلك إلى:

  • فقر هذه الدول في احتياطيات الفحم، ووجود كميات متواضعة من زيت السجيل.
  • التكاليف الباهظة لإنتاج هذا الوقود الصناعي.

الطاقة الشمسية  Solar Energy

          اهتمت الدول الأوروبية بالطاقة الشمسية عن طريق وضع برنامج لتطوير تكنولوجيا الطاقة الشمسية، من شأنه أن يؤدي إلى إنتاج أجهزة اقتصادية لاستخدام هذه الطاقة.

          ولكن اهتمام دول غرب أوروبا واليابان بالطاقة الشمسية كان محدوداً بالمقارنة باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية التي أنفقت أكثر من 100 مليون دولار على أبحاث الطاقة الشمسية عام 1976.

          وعلى الرغم من ضخامة الأموال التي أنفقتها الولايات المتحدة على برنامج الطاقة الشمسية، فإن النتائج ما زالت غير مشجعة من ناحية التطوير التكنولوجي في هذا المجال. وعلى ذلك فإن أجهزة الطاقة الشمسية ما زالت عالية التكلفة مما يعوق استخدامها.

          خلاصة القول، بعد استعراض مصادر الطاقة البديلة: الطاقة النووية، والوقود الصناعي، والطاقة الشمسية، فإن هدف الوكالة الدولية للطاقة، الذي يرمي إلى تطوير هذه المصادر، أملاً في أن تحل محل البترول، لم يكتب له النجاح. واضطرت هذه الدول أعضاء هذه الوكالة إلى الاعتماد على استهلاك البترول واستيراده من الخارج.

          ولعل كيسنجر كان يشعر في قرارة نفسه بعدم رضى أعضاء الوكالة الدولية للطاقة ـ الذين انضموا إليها كرها ـ وأنهم لا يودون مجابهة منظمة الأوبك، حين أوضح ذلك بقوله: "إن معظم حلفائنا مقتنعون ـ من حيث الأساس ـ بأن إمداداتهم النفطية يمكن ضمانها بالتكيف مع المطالب السياسية العربية أفضل من ضمانها بتكوين جبهة متحدة لمقاومة الضغوط" وكان ذلك سبباً في عدم تحقيق كافة أهداف الوكالة الدولية للطاقة في السنوات التي أعقبت إنشائها.

ومع ذلك فقد واصلت الوكالة ـ في مثابرة وإصرار ـ وضع خطط جادة لتنسيق السياسات النفطية للدول الأعضاء المستهلكة للنفط، للعمل على تحقيق أهدافها الخاصة بتطوير مواجهتها للدول المنتجة. وقد تمكنت الوكالة من خلال دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من تقليص الاعتماد على البترول المستورد بوجه عام وعلى بترول أوبك بوجه خاص، عن طريق تطوير مصادر الإنتاج، بالتركيز على زيادة الاستثمارات وتطوير تكنولوجيا الحفر لاستكشاف مناطق بترولية جديدة في مناطق خارج أوبك مثل مصر وعمان واليمن والصين ودول بحر الشمال وغيرها، حيث تحولت هذه المناطق الجديدة إلى مناطق مصدرة للبترول وذلك جنباً إلى جنب مع تنمية مصادر الطاقة البديلة بقدر الإمكان وترشيد الاستهلاك.

          وقد أدت هذه السياسات مجتمعة إلى خفض الطلب العالمي على البترول، وبالتالي إلى خفض الأسعار، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تغيير مسيرة الأسعار، التي تحوَّل على أثرها سوق البترول في نهاية عام 1980 من سوق للبائعين إلى سوق للمشترين ابتداءً من عام 1981. وسوف يتناول  الفصل التالي ـ بإذن الله تعالى ـ هذه الخطط وهذه السياسات بالتفصيل ضمن الحديث عن أسعار البترول في ظل الضغوط على قوانين السوق وأثرها على الاقتصاد العالمي فقد كان لها أثر كبير في انخفاض الأسعار خلال حقبة الثمانينات.