إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل الخامس

ثانياً: الاعتبارات التي تؤيد وجهة نظر منظمة أوبك في تحديد أسعار البترول

          صبح من الثابت أن تسعير البترول الخام يقوم على أساس مبادئ تختلف كل الاختلاف عن المبادئ التي تحدد أسعار المنتجات الأخرى الصناعية أو الزراعية.

          على ذلك فإن الواقع العملي قد أثبت عدم صحة محاولة تحديد أسعار البترول طبقاً لعوامل العرض والطلب، وذلك للأسباب الآتية:

1.   عدم صحة اعتبار السوق البترولية سوقاً حرة، وأن الأسعار تعكس العرض والطلب. ذلك لأن السوق البترولية تحكمها عوامل شبه احتكارية في كافة مراحلها. وبالتالي فإن العرض والطلب يخضعان لشتى أنواع الضوابط والقيود.

2.   كانت شركات البترول الكبرى ـ أثناء فترة سيطرتها على صناعة البترول ـ تحتكر المعلومات المتعلقة بهذه الصناعة في مجالات الاحتياطي والإنتاج وتكاليف الإنتاج والنقل والتكرير والتسويق وأسعار البترول الخام ومنتجاته، الأمر الذي يسَّر لها التلاعب في تحديد الأرباح والأسعار، حيث كانت تسيطر على جميع مراحل الصناعة، وباستطاعتها أن تنقل أرباح مرحلة إلى المرحلة التي تليها دون النظر إلى مصالح الدولة المضيفة. وليس هذا فحسب، بل كانت هذه الشركات تحقق أرباحاً خيالية على حساب الإنتقاص من عائدات الدول المنتجة.

3.   تعرُّض أسعار البترول للتغير السريع تبعاً للتغير في الأحداث المحلية أو التطورات الدولية. وبالتالي، فإن اعتماد تسعير البترول على أُسس تقليدية ثابتة يصبح عديم الجدوى في حالة تغير الظروف.

4.   إن الطلب النهائي على البترول مستمد من الطلب على المنتجات والمشتقات البترولية. كذلك فإن الطلب على هذه المنتجات في أسواق الاستهلاك الرئيسية هو الذي يحدد السعر النهائي للبترول الخام. ومن الجدير بالذكر أن معظم نظريات تسعير البترول تتجاهل هذه الحقيقة.

5.   إن الطلب النهائي على البترول وبالتالي مرونة الطلب عليه تتوقف على الاستخدامات المتعددة له. وأن لكل من هذه الاستخدامات مرونة خاصة تبعاً لمدى توفر البدائل.

وعلى ذلك، نجد أن مرونة الطلب تقل كثيراً جداً بالنسبة لبنزين السيارات أو لوقود الطائرات حيث ينعدم البديل تقريباً، مما يؤدي إلى ارتفاع أثمان هذه المشتقات بالنسبة للمشتقات البترولية الأخرى.

أما بالنسبة للمشتقات البترولية التي تستخدم كمصدر للطاقة أو للاحتراق مثل زيت الوقود Fuel oil حيث توجد بدائل أخرى، فإن مرونة الطلب على هذا المنتج البترولي تزداد وبالتالي ينخفض سعره.

وعلى ذلك، فإن سعر النفط الخام يختلف تماماً عن الأسعار الخاصة بالمشتقات البترولية التي يتم إنتاجها من برميل البترول الخام.

6.   إن الاعتبارات الاقتصادية المتعلقة بالعرض والطلب لم يكن لها أي دور فعّال في تحديد أسعار البترول قبل عام 1973 ، بل كان للعوامل الإستراتيجية والمصالح الخاصة بالدول التي تتبعها الشركات الرئيسية للبترول الدور الأكبر في تحديد أسعار البترول.

7.   إن البترول ليس سلعة عادية تخضع لظروف المنافسة الحرة ومتوسط تكاليف الإنتاج، ولكن البترول أصل معرّض للنفاذ Exhaustible Asset، وأن عرضه محدود على الأقل في الأجل القصير والمتوسط. وعلى ذلك، فإن هذا الوضع الفريد للبترول يجعل سعر البترول مرتفعاً، لأن السعر يتضمن ما يسمى "ريع الندرة" Scarcity Rent، وأن هذا الريع يرتفع بمرور الوقت نظراً لازدياد ندرة البترول كلما زاد معدل استخراجه. وأن سعر البترول سوف يستمر في الارتفاع بمرور الوقت لكي يسمح لريع الندرة بالزيادة بمعدلات تساوي على الأقل سعر الفائدة السائد في السوق.

ثالثاً: آثار ارتفاع أسعار البترول في السبعينات على الاقتصاد العالمي

          ما فيما يتعلق بارتفاع أسعار البترول خلال السبعينات، وما أثير من مناقشات حول آثاره السلبية على الاقتصاد العالمي، نذكر فيما يلي حقيقة هذه الآثار:

1. ليس صحيحاً أن رفع أسعار البترول الخام قد أدى إلى التأثير سلبياً وبصورة دائمة، على اقتصاديات الدول المستهلكة سواء الدول الصناعية أو الدول النامية المستوردة للبترول.

وإذا كان هناك تأثير على ميزان المدفوعات فإنه يكون فقط في المدى القصير. ولا يلبث أن يتلاشى هذا الأثر بعد عدد قليل من السنوات، وذلك بفعل الأثر الموجب الذي يحدثه تدوير الأموال من الدول البترولية إلى الدول الصناعية والدول النامية وذلك عبر القنوات الآتية:

أ. مدفوعات الواردات

زادت واردات الدول البترولية بصورة هائلة منذ ارتفاع أسعار البترول في عام 1973. فقد ارتفعت قيمة الواردات السلعية من حوالي 20 بليون دولار عام 1973 إلى حوالي 101 بليون دولار عام 1978، ثم إلى 166 بليون دولار في عام 1982.

كذلك زادت مدفوعات الخدمات والتحويلات من صافي 12 بليون دولار عام 1973 إلى حوالي 53 بليون دولار عام 1982.

وهذا يعني عودة جزء كبير من الأموال التي يتم الحصول عليها من بيع البترول مرة أخرى إلى الدول الصناعية بصفة أساسية وإلى الدول النامية إلى حد ما.

ب. استثمار الفوائض البترودولارية

بلغت قيمة الفوائض البترودولارية ونعني بها فائض ميزان العمليات الجارية (أي بعد استبعاد مدفوعات الواردات السلعية ومدفوعات الخدمات والتحويلات) حوالي 433 بليون دولار خلال الفترة 1974 ـ 1981. وقد تم استثمار هذه الأموال خارج البلاد البترولية وذلك على النحو التالي:

(1) قروض ميسرة وإعانات للدول النامية غير البترولية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشر، عن طريق صناديق التنمية العربية والبنك الإسلامي وصندوق الأوبك وغيرها. وقد بلغت جملة هذه الأموال 62 بليون دولار خلال الفترة 1974 ـ 1981.

(2) ودائع في البنوك الخاصة بالدول الصناعية، وقد بلغ صافي الأموال المودعة خلال الفترة المذكورة 160 بليون دولار. وقد تم استخدام هذه الأموال في عمليات الإقراض سواء داخل البلاد الصناعية أو خارجها في الدول النامية أو دول شرق أوروبا.

(3) استثمارات أخرى في البلاد الصناعية وتشمل الأوراق الحكومية والأسهم والسندات الخاصة بالشركات والعقارات وغيرها من وجوه الاستثمارات المباشرة. وقد بلغت جملة هذه الأموال مبلغ 242 بليون دولار خلال الفترة المذكورة.

غير أن المخاوف المتعلقة بسيولة تلك الاستثمارات في حالة حدوث أزمة عالمية قللت من جاذبية تلك الاستثمارات لمعظم الدول المنتجة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في الخارج يتيح للدول المستهلكة درجة كبيرة من السيطرة غير المرغوب فيها على الثروة القومية للمنتجين. وقد اتضح ذلك عندما قامت الحكومة الأمريكية بتجميد الأصول الإيرانية في البنوك الأمريكية في نوفمبر 1979.

(4) قروض لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلاً عن شراء سندات خاصة بالبنك الدولي، وقد بلغت جملة هذه الأموال حوالي 61 بليون دولار خلال الفترة المذكورة.

2. إن أسعار المشتقات البترولية في الدول المستهلكة للبترول، والتي تؤثر بصورة مباشرة على النشاط الاقتصادي، تحددها حكومات البلاد المستهلكة. فهناك الضرائب والرسوم الجمركية على البترول المستورد، والتي قد تصل إلى حوالي نصف ثمن بيع البنزين أو السولار. كذلك أرباح الشركات البترولية، التي وصلت إلى معدلات قياسية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول إلى الحد الذي أثار الرأي العام في هذه الدول ضد هذه الشركات.

ومن الجدير بالذكر، فإنه في عام 1978، كان سعر البترول الخام يساوي 12 دولاراً بينما كان السعر النهائي للمستهلك (في صورة مشتقات بترولية) يساوي 30 دولاراً.

وعلى ذلك، فإن رفع سعر البترول الخام لا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع سعر بيع المشتقات البترولية لجمهور المستهلكين حيث يمكن إبقاء الأسعار على ما هي عليه عن طريق تخفيض الضرائب أو الرسوم أو أرباح الشركات أو كل هذه العناصر مرة واحدة.

3. إن ارتفاع أسعار البترول يعتبر أمراً ضرورياً لصالح جميع الأطراف المنتجة والمستهلكة على حد سواء. وقد أدى الانخفاض الكبير في أسعار البترول قبل عام 1973 إلى الأضرار الآتية:

أ. الإسراف في استخدام الطاقة بصفة عامة والبترول بصفة خاصة.

ب. انخفاض استهلاك الفحم بل وتعرّض صناعته إلى التدهور في البلاد الأوروبية مما أدى إلى تشريد الآلاف من العمال والإضرار بالمناطق الصناعية، التي تعتمد اقتصادياتها على صناعة الفحم.

ج. أدى الاعتماد الكبير على البترول الرخيص المستورد ـ الذي وصل في بعض الدول إلى ثلاثة أرباع جملة استهلاكها من الوقود ـ إلى تعرّض اقتصاديات هذه البلاد إلى الخطر في حالة انقطاع إمدادات البترول أو انخفاضها لأي سبب من الأسباب

د. عدم وجود حافز لتطوير بدائل للبترول سواء من مصادر الطاقة المتجددة أو غير المتجددة، حيث أن هذه البدائل كانت غالية الثمن بالمقارنة بالبترول المنخفض الثمن خلال الخمسينات والستينات وحتى عام 1973.

هـ. عدم تشجيع الدول النامية على القيام بعمل أبحاث جدية لمصادر الطاقة في أراضيها وخاصة البترول والفحم والغاز.

رابعاً: أسباب انخفاض أسعار البترول في الثمانينيات وآثار ذلك على الاقتصاد العالمي

          لقد أدى الانخفاض الكبير والمتواصل في أسعار البترول في أواخر عام 1985 وأوائل عام 1986 إلى زيادة حدة القلق لدى الدول المصدِّرة للبترول سواء كانت من بين أعضاء أوبك أو من خارجها. وذلك على اعتبار أن كل الدول المنتجة سوف تُضار من التدهور الشديد والسريع في أسعار البترول. وقد تمتد الآثار السلبية لانخفاض الأسعار فتشمل صناعة الطاقة بأكملها. وكذلك البنوك الدولية التي أقرضت الكثير من أموالها إلى مشروعات الطاقة في البلدان النامية.

فما هي أسباب صدمة انخفاض أسعار البترول وتراجع الفورة النفطية عام 1986؟

          ذكرنا في الفصل الثالث من هذا البحث، أثر تراجع الفورة النفطية على الاقتصاديات ككل، وما أدى إليه انهيار أسعار النفط من تراجع كبير في بترو دولارات الدول العربية النفطية وانعكاس ذلك على الموازنات والفوائض البترودولارية والاحتياطيات الدولية للدول العربية.

ومن المناسب أن نشير هنا إلى ما قاله دكتور برهان الدرجاني في مؤلفه:

          "إن تراجع الفورة النفطية تم التخطيط له بعناية من قِبل الدول الصناعية المستهلكة للنفط، التي استطاعت أن تفرض شروطها وسياساتها على الدول النفطية. وبالتالي فإن العملية تدخل في باب المباريات السياسية، أكثر مما تدخل في باب التفاعلات الاقتصادية".

سياسات الدول الصناعية المستهلكة للنفط التي أدت إلى انخفاض الأسعار

1. عندما انخفضت أسعار النفط الخام في أوائل الثمانينات إلى ما يقرب من مستواها قبل صدمة ارتفاع الأسعار الأولى في ظل حرب أكتوبر 1973، اقترن ذلك الانخفاض بقيام الدول الصناعية المستوردة للنفط ـ وبخاصة في أوربا الغربية واليابان ـ بزيادة الضرائب المفروضة على استهلاك المنتجات النفطية.

وتهدف هذه السياسة إلى الحيلولة دون وصول انخفاض سعر النفط إلى المستهلك النهائي للمنتجات النفطية حتى لا ينعكس أثره في زيادة استهلاك هذه المنتجات، ومن ثم يزداد الطلب على النفط.

كما تهدف هذه السياسة أيضاً إلى حصول تلك الدول على الجانب الأكبر من الريع النفطي الذي يوزع عادة بين منتجي النفط ومستهلكيه، على نحو ما سوف يتم توضيحه بإذن الله في الفصل السابع لدى الحديث عن الحوار بين منتجي النفط ومستهلكيه، حيث ترفض الدول المستهلكة ـ قبل بدء الحوار ـ مناقشة أسعار النفط.

والواقع أن انخفاض أسعار النفط الخام ـ وبخاصة منذ أوائل الثمانينات ـ ثم انهيارها إلى ما يقرب من النصف عام 1986، لم يحدث نتيجة لظروف قدرية أو غير مخططة، بل تحقق الانخفاض نتيجة لخطط وسياسات منسقة وضعتها وقامت بتنفيذها الدول الصناعية المستهلكة للنفط، والتي تنتمي بعضويتها إلى الوكالة الدولية للطاقة. فقد نجحت تلك المجموعة من الدول في امتصاص صدمات ارتفاع الأسعار النفطية، التي واجهتها خلال النصف الثاني من السبعينات، وذلك بوضع وتنفيذ برامج صارمة لترشيد الطاقة عموماً والنفط بصفة خاصة. وبذلك انخفضت كثافة استخدام النفط خلال الفترة 1973 ـ 1989.

2. ومن أهم هذه السياسات التي اتبعتها الدول الصناعية الغربية تنفيذاً لأهداف الوكالة الدولية للطاقة تكوين مخزون نفطي تجاري استراتيجي كبير على أراضيها، وإسناد إدارته ـ في أغلب الأحوال ـ إلى شركات النفط العالمية لموازنة فترات الحاجة الشديدة والطارئة وتحييد أثرها الصعودي على الأسعار، بل والضغط عليها بقصد الانخفاض. وهذه السياسة بالذات هي السبب المباشر في تراكم فائض بترولي معروض في السوق العالمي، الأمر الذي أدى إلى تدهور أسعار النفط.

هذا إضافة إلى تنفيذ خطة طوارئ لمشاركة الدول أعضاء الوكالة الدولية للطاقة في الاحتياطيات البترولية المتوافرة لديها Emergency Energy Sharing Plan ويعتبر هذا أهم أهداف الوكالة التي وضعتها في أواخر عام 1974. بمعنى أن كل دولة تقوم بإرسال جزء من مخزون البترول لديها إلى الدولة العضو التي تواجه أزمة في إمدادات البترول.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تواصل إسهامها الفعال في تنمية برامج سياسات الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، بالإضافة إلى ما تبذله الحكومة الأمريكية بالتنسيق مع بعض الدول أعضاء الوكالة من جهد من أجل تنمية الاحتياطي الإستراتيجي من الزيت الخام لهذه الدول مجتمعة. ولا تزال خبرة السبعينات ماثلة في أذهان خبراء الطاقة الأمريكيين ( توقف شحنات البترول الخارجية من الدول العربية خلال 1973/ 1974، ثم اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، ثم نشوب الحرب الإيرانية العراقية عام 1980) وما نتج عن هذه الأحداث من ارتفاع أسعار البترول وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي.

لهذا ساندت الولايات المتحدة كافة الجهود المبذولة لوضع البرنامج الدولي للطاقة (IEA) موضع التنفيذ العاجل بتوقيع اتفاقية أمن الطاقة مع الدول الصناعية الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة.

ونتيجة لذلك ارتفع رصيد الزيت الخام عما كان عليه عام 1970، وجاري تنميته ليصل إلى مليار برميل. ويعادل هذا الاحتياطي الإستراتيجي حوالي سنة وتسعين يوماً من الواردات البترولية.

كذلك انتهجت هذه السياسة نفسها دول أخرى أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث سارعت بتكوين مخزون احتياطي للطوارئ يبلغ حالياً حوالي 400 مليون برميل جاري تنميته أيضاً. وقد بلغ التنسيق ذروته من خلال تشكيل مجموعات استشارية توصلت إلى وضع السياسات التي تحدد أسلوب سحب هذه الأرصدة الاحتياطية في إطار من التعاون والتنسيق يحدد حصص الإنتاج لكل دولة.

وغني عن البيان أن هذه السياسات لم تكن موجودة قبل قيام الوكالة الدولية للطاقة كرد فعل لطفرة ارتفاع الأسعار 1973. ولعل هذا التفصيل يوضح لنا مدى الجدية ـ التي التزمت بها الدول الأعضاء في الوكالة طوال خمسة وعشرين عاماً منذ إنشائها حتى عام 1999 ـ في مواجهة دول الأوبك حتى أصبحت دول الوكالة في مأمن من التعرض لأية مخاطر ناجمة عن ارتفاع أسعار أو توقف إمدادات بترولية. ولا شك أن هذه السياسة تعتبر أحد أسباب تدهور أسعار النفط الخام في وقتنا الحاضر حتى أواخر التسعينات.

3. كذلك يدخل في إطار تلك السياسات، التي تلجأ إليها الدول الصناعية المستهلكة، ما طرأ من توسع في حجم الأسواق الفورية. وهي أسواق عرفتها صناعة النفط من قديم باعتبارها وسيلة عملية للتخلص من بعض الفوائض النفطية بأسعار مخفضة، ولتحقيق التوازن بين العرض والطلب خارج إطار العقود طويلة الأجل التي كانت تخضع لنظام تسعيري ثابت.

لم يكن نطاق السوق الفورية في الماضي يتجاوز 10 ـ 15% من حجم التجارة العالمية في النفط. ولذلك لم يكن السعر الفوري يؤثر تأثيراً محسوساً على الأسعار المعلنة أو الرسمية، غير أن الاختلال الذي طرأ منذ منتصف الثمانينات، وأدى إلى وجود فائض كبير في العرض العالمي للنفط، واحتدام المنافسة بين المنتجين داخل وخارج أوبك، ثم تخلي أوبك عن نظام التسعير الرسمي حماية لنصيبها من السوق، دفع بالأسواق الفورية إلى مرتبة متزايدة الأهمية بحيث صارت أسعار التعامل فيها سبباً رئيسياً من أسباب عدم استقرار أسواق النفط ومن ثم انخفاض أسعاره. ذلك لأن الأسعار الفورية لا تخضع فقط للقوى الاقتصادية والسياسية، التي تخضع لها أسعار النفط عامة، بل تؤثر عليها أيضاً عوامل تنظيمية ونفسية مما يجعلها عرضة للتذبذب السريع مع انتشار الأخبار والشائعات.

4. ومع اتساع نطاق الأسواق الفورية، وما أدت إليه من تقلبات شديدة في أسعار النفط، فإنها مهَّدت السبيل لنشأة ونمو المضاربة على تلك الأسعار.

ظهرت تلك المضاربة خلال الثمانينات فيما يُعرف بالأسواق المستقبلية للنفط (البورصات) وهي أسواق عرفها العالم من قديم في مجال السلع التي يخضع عرضها لتقلبات يصعب التنبؤ بها مثل المنتجات الزراعية.

وتعتبر تلك الأسواق ظاهرة مستحدثة بالنسبة للنفط، إذ لا تنتعش إلاَّ في ظل أسعار تتسم بالتذبذب وعدم الاستقرار.

كانت أسعار البترول تتمتع بقدر كبير من الاستقرار عندما كانت تتحدد بقرار من أوبك إلى أن تخلَّت المنظمة عن نظام تحديد أسعار رسمية كما ذكرنا، وصارت تكتفي بتحديد سقف الإنتاج مع ترك الأسعار لقوى السوق. والأصل في السوق المستقبلية أنها تحقق لمشتري النفط، وهو في العادة مصفاة للتكرير، تأمين احتياجاته المستقبلية مع ضمان حمايته ضد تقلبات السعر خلال فترة الانتظار، التي يصعب التنبؤ خلالها باتجاه الأسعار في ظروف تتسم بعدم الاستقرار.

غير أن التعامل في الأسواق المستقبلية لم يعد يقتصر على من يحتاج لتأمين احتياجاته من النفط، إذ أخذ فريق من المضاربين يتعامل في تلك الأسواق بهدف تحقيق الربح بالمراهنة على سلامة تنبؤاتهم لحركة أسعار النفط.

كذلك دخلها لنفس الغرض عديد من الشركات العالمية للنفط، التي وقفت منها في البداية موقف المتردد. ومن هنا توسعت المضاربة على أسعار النفط بحيث صارت تتم على مدار الساعة باستخدام شاشات الكمبيوتر في أهم ثلاث أسواق "بورصات" وهي أسواق نيويورك ولندن وسنغافورة.

كما يتم فيها التعامل اليومي على ما يُسمى بالبراميل الورقية ما يزيد عدة مرات على حجم التعامل في براميل الزيت الحقيقية. وبذلك انحرفت تلك الأسواق عن هدفها الأصلي. وتختلف الآراء حول تقويم أثر تلك الأسواق على أسعار النفط. ولكن الرأي الغالب أن دخول عنصر المضاربة في أسواق النفط يؤدي ـ ضمن عوامل أخرى ضاغطة ـ إلى تفتيت وحدة الأسعار وشفافيتها، كما يساعد على ازدياد حدة التقلبات التي تتعرض لها الأسعار في المدى القصير.

5. وفي تطور مماثل أدى انخفاض الطلب على المنتجات النفطية خلال الثمانينات ـ نتيجة لبرامج ترشيد الاستهلاك ـ إلى تشغيل مصافي التكرير عند مستويات منخفضة (حوالي 70% في المتوسط) مما ألحق بعض الخسائر بأصحابها. ولكن بدلاً من أن يتجه هؤلاء إلى حكومات الدول المستهلكة للنفط لخفض الضرائب النفطية، التي زيدت منذ منتصف الثمانينات من نحو 22 دولاراً إلى 55 دولاراً للبرميل، طالبوا بنقل مخاطر التكرير إلى الدول المصدرة للنفط عبر ما عُرف بتسعير النفط الخام وفقاً للقيمة الصافية للمنتجات النفطية ـ قبل الضرائب ـ ولكن بعد خصم كافة التكاليف بما فيها أرباح المصافي. وبالتدريج صار هذا النظام يحتل مكانة هامة في التسعير، وأضاف عاملاً جديداً من عوامل عدم الاستقرار، حيث تختلف القيمة الصافية وفقاً لمعايير يصعب توحيدها، كما تختلف من منطقة استهلاكية إلى منطقة أخرى.

6. ومن السياسات التي أدت إلى انخفاض أسعار النفط في الثمانينات أيضاً، اتهام (الجات) للدول النفطية أعضاء أوبك بالمشاركة في إقامة تكتل احتكاري تجاري يهدف إلى رفع الأسعار وتقييد حرية التجارة. وقد شجع هذا الاتهام الكونجرس الأمريكي على اتخاذ إجراءات انتقامية ضد دول أوبك. فقام بإدخال عدد من التعديلات على اتفاقية الجات بهدف حرمان تلك الدول من التمتع بمزايا نظام التفضيلات المعممة، الذي أقرته دورة طوكيو للجات لصالح الدول النامية.

وكان من آثار ذلك الإجراء وغيره من وسائل الضغط أن حاولت اوبك دفع التهمة بالخروج على الالتزام بسعر معين، ومن ثم صار السعر يتحدد بقوة السوق والمنافسة منذ عام 1986.

وقد أدى تخلِّي الدول المصدرة للنفط عن الالتزام بسعر ثابت، وترك تحديده للقوى المنافسة إلى انهيار الأسعار في عام 1986 من 28 دولاراً للبرميل إلى نحو 13 دولار للبرميل.

7. كذلك كانت السياسات التي تسير عليها الشركات العالمية للنفط تعمل على تعزيز كافة السياسات التي توحي بها الوكالة الدولية للطاقة على النحو التالي:

عندما آلت ملكية صناعة البترول ومسؤولية إدارتها إلى دول الأوبك، وتمكنت الدول العربية من بسط سيادتها القومية على مرفق النفط في ظل حرب أكتوبر 1973، لم تكن هذه السيادة متكاملة، لأن القوة الاحتكارية التي كانت تتمتع بها الشركات العالمية المستثمرة وتكاملها العمودي من المنبع حتى المستهلك النهائي لم تنتقل إلى الحكومات العربية مع انتقال الملكية، بل انتقل إليها فقط ملكية المرحلة الأولى من تلك الصناعة، وهي إنتاج النفط الخام، بينما بقيت باقي المراحل تحت سيطرة الشركات بمساندة حكومات الدول الصناعية المستهلكة للنفط، الأمر الذي أتاح لتلك الدول استعادة هيمنتها على الصناعة وضمان استمرار تدفق النفط لتغذية اقتصادياتها بأسعار متدنية.

وبذلك قامت تلك الدول بوضع السياسات التي تكفل تحقيق تلك الأهداف وأنشأت لذلك العديد من الأذرع التخطيطية والتنسيقية ممثلة في أجهزتها المحلية، فضلاً عن شركات النفط العالمية التي تنتمي بجنسيتها إلى تلك الدول.

جدير بالذكر أن الشركات العالمية المستثمرة العاملة في المنطقة العربية تحولت إلى قواعد تعمل لحساب حكوماتها وتمثل خط المواجهة الأول مع دول المنطقة، وكأنها جهاز المخابرات الدولي الذي يستطيع أن يتصدى لأية محاولات تنطوي على مخاطر أو أضرار لدولها.

8. لم تكن السياسات التي أدت إلى تدني أسعار البترول الخام بسبب تنسيق المستهلكين لسياساتهم النفطية ـ سواء في ظل الوكالة الدولية للطاقة أو بفعل الشركات المستثمرة العالمية (كما أوضحنا في النقاط السابقة)، بل كان ذلك أيضاً بسبب سياسة منظمة أوبك، وبسبب التناقضات في بنية أوبك ذاتها.

فقد كانت منظمة أوبك منذ إنشائها كياناً حافلاً بالمتناقضات من حيث الظروف الطبيعية أو السكانية بل والبترولية لكل دولة من أعضائها.

وإذا كانت هذه المتناقضات لم تتفجر في شكل خلافات إلاّ في الثمانينات، فإن ذلك يرجع إلى الأسباب التالية:

  • كانت أسواق البترول خاضعة للشركات الكبرى حتى أوائل السبعينات.
  • وكانت هذه الشركات هي التي تضع سياسات الإنتاج.
  • وكان الطلب العالمي على البترول في ازدياد مطرد وبمعدلات مرتفعة استمرت إلى ما بعد منتصف السبعينات.

           وبالتالي كان جميع المنتجين يجدون الأسواق الكافية دون حاجة إلى التناحر فيما بينهم من أجل ضمان حصة كافية من الأسواق.

          وعندما انتقلت مسؤولية تخطيط السياسات الإنتاجية من شركات البترول الخاصة العاملة في دول أوبك إلى حكومات دول المنظمة (أي منذ حوالي منتصف السبعينات) ظهرت هذه التناقضات ووجدت المنظمة نفسها في مواجهتها حيث كثيراً ما تفرض عليها مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة من أعضائها.

          ولسوء الحظ تزامن ذلك مع بدء الهبوط الحاد في الطلب على بترول أوبك ابتداءً من عامي 1980/ 1981، وبعد أن أصبح واضحاً أن ضرب الطلب على هذا البترول مستهدف في حد ذاته كما تدل على ذلك حركة الطلب العالمي.

          واستمر ظهور الخلافات بين الدول الأعضاء بشأن تحديد سقف الإنتاج أو الاستغناء عنه، وحول حصص الأعضاء زيادة أو نقصاناً نظراً لكفاح كل دولة من أجل تصدير كل ما يمكن تصديره من البترول المنتج مراعاة لظروفها الخاصة بالإنتاج وعدد السكان وما لديها من احتياطيات، وهذه هي المشكلة الأساسية التي تدور حولها قضية برمجة إنتاج أوبك كوسيلة لضبط مستويات الأسعار.

          لم يقتصر الأمر على تلك الخلافات بين الدول الأعضاء، بل قامت الحرب بين اثنتين من أعضاء المنظمة هما إيران والعراق طوال ثماني سنوات، ثم دخل العراق في مغامرة جديدة بغزو الكويت، الأمر الذي استنزف جانباً ضخماً من القدرات المالية لدول الخليج العربية. كما انغمست ليبيا في مغامرات سياسية وعسكرية تكلفت بسببها الكثير من عائدات البترول، ولو أن الأمور سارت بشكل طبيعي بالنسبة لدول المنظمة الثلاث لاختلف حال العالم العربي والإسلامي وساد التفاهم بين دول أوبك وما اضطرب إنتاجها من البترول ولزادت المنظمة قوة.

          من الواضح أن اضطراب الأحوال داخل أوبك قد أثر على سياستها. فعلى الرغم من التشابه الذي يبدو في ملامح أزمتي السبعينات 73/ 1974 و 79/ 1980 فقد كان لأوبك موقف مختلف في كل منهما.

          ففي حين بدت أوبك تمسك بزمام الموقف في أوائل السبعينات، حتى أصبحت الجهة المسؤولة عن تحديد الأسعار. فقد انساقت وراء السوق في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. وبدلاً من أن تقوم بتحقيق التوازن بين العرض والطلب العالميين على البترول، فقد أخلَّت بهذا التوازن. (وذلك على الرغم من محاولات المملكة العربية السعودية لوضع سياسة تسعيرية تضمن للأسعار حداً أدنى لا تتجاوزه وتستهدف ربط الأسعار بعدد من العوامل الاقتصادية)، فلم تكن سياسة أوبك في مجال الإنتاج وفي مجال التسعيرة مبنية على أسس سليمة تحددها أوضاع الطاقة وأوضاع السوق العالمي. فقد انتهزت أوبك قيام الثورة الإيرانية ثم الحرب العراقية الإيرانية فرفعت معدلات إنتاجها إلى مستويات قياسية حتى وصلت إلى 31 مليون برميل يومياً في عام 1979 وفي ذات الوقت رفعت أسعارها الرسمية حتى بلغت 34 دولاراً للبرميل ولم تضع في اعتبارها سياسات الطاقة التي سارت عليها الدول الصناعية، خاصة في مجال المخزون الاستراتيجي وترشيد الاستهلاك وتطوير البدائل.

          كانت النتيجة قيام الدول المصدرة للبترول بإغراق السوق بكميات تفوق معدلات الطلب عليه في أوائل الثمانينات، في الوقت الذي كانت الدول المستهلكة للبترول قد استوعبت دروس السبعينات، وأدركت أن عصر الطاقة الرخيصة قد انتهى، وأدى ذلك إلى هبوط الأسعار إلى أقل مستوياتها في منتصف الثمانينات.

          وفي حين ارتفع استهلاك الدول الصناعية المستهلكة بنسبة 80% خلال الفترة 1965/ 1973، لم تتعد هذه الزيادة نسبة 1% خلال السنوات العشر التالية 1973/ 1983. وذلك بسبب سياسة الوكالة الدولية للطاقة لترشيد الاستهلاك.

          وعلى أثر انخفاض معدلات الطلب العالمي على البترول تراجع نصيب أوبك في السوق العالمي من 51.5% في عام 1975 إلى 45% في عام 1980 ثم إلى 29% في عام 1985.

          وخلال الفترة 74/ 1985، حاولت اوبك أن تحقق التوازن في السوق العالمي عن طريق تثبيت الأسعار. ونظراً لغياب التنسيق والتعاون مع الدول الأخرى المصدرة للبترول في العالم، وفي مواجهة انخفاض حصة أوبك مقترناً بانخفاض الأسعار، ولدفع اتهام (الجات) لدول أوبك بالمشاركة في إقامة تكتل احتكاري تجاري، أصدرت المنظمة قرارها التاريخي في ديسمبر 1985 بالخروج على الالتزام بسعر ثابت، والتصدي للدفاع عن حصة عادلة من السوق. وأعقب ذلك انهيار الأسعار في 1986، وتراجع دور أوبك في مجال العلاقات الدولية البترولية لدرجة أن وسائل الإعلام الغربية بدأت تصور المنظمة بأن دورها قد انتهى.

          هذه هي الأسباب التي أدت إلى تدني سعر برميل النفط إلى أقل من 9 دولارات في يوليه 1986 بسبب سياسات الدول الصناعية الغربية والولايات المتحدة الأمريكية الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة، التي تمكنت خلال ربع القرن الفائت منذ إنشائها من تحقيق أهم أهدافها في كافة المجالات السابق إيضاحها بما أدى إلى خلق فائض في العرض العالمي للنفط واتجاه الأسعار لصالح الدول المستهلكة، وأخيراً العمل على استيعاب أموال أوبك في شكل استثمارات وإيداعات وواردات من الأسلحة، مما يجعل تخفيض الإنتاج في الدول المصدرة للبترول أمراً صعباً في حالات المواجهة مع المستهلكين أو حالات هبوط الأسعار. ولم تكتف الدول الصناعية الغربية بذلك بل تحولت إلى العمل على تحقيق المزيد من التكتل وتقوية أوضاعها وأوزانها التفاوضية باستخدام كافة التجمعات والتكتلات الأخرى مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والسوق الأوربية المشتركة وغيرها من المؤسسات الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية والعسكرية والعلمية أيضاً.

آثار انخفاض أسعار البترول في الثمانينات على الاقتصاد العالمي

كان لانخفاض أسعار البترول في أوائل عام 1983، آثاراً على:

الدول الصناعية

والدول المصدرة للبترول

والدول النامية المستوردة للبترول.

بالنسبة للدول الصناعية

من أهم الآثار الإيجابية الناجمة عن انخفاض أسعار البترول:

  1. أدى انخفاض سعر البترول بنسبة 15% في عام 1983، إلى تخفيض قيمة الواردات البترولية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بحوالي 45 بليون دولار في عام 1983، وعلى أثر ذلك تحسَّن وضع موازنات مدفوعات هذه الدول.
  2. كما انخفض معدل التضخم في دول هذه المجموعة بحوالي 1% في السنة المذكورة.

ومن أهم الآثار السلبية الناجمة عن انخفاض أسعار البترول:

  1. انخفاض الاستثمار في مشروعات الطاقة البديلة وقد تم إلغاء بعضها مثل مشروعات الغاز الصناعي وغيرها من المشروعات عالية التكلفة.
  2. تخفيض الاستثمار في عمليات البحث عن البترول في الدول الصناعية وفي الدول النامية خارج منظمة الأوبك.
  3. انخفاض صادرات الدول الصناعية المتجهة إلى الدول البترولية.
  4. أصبحت البنوك الغربية في مأزق شديد نظراً لانخفاض أسعار البترول، ومن ثم انخفاض مقدرة الدول البترولية المدينة على سداد ديونها. وسوف يزداد الوضع سوءاً في حالة قيام الدول البترولية الغنية (مثل السعودية والكويت والإمارات وقطَر) بسحب ودائعها على نطاق واسع من البنوك الغربية. وهذا يفسر لنا مطالبة هذه البنوك بصورة متكررة بوضع حد لاستمرار انخفاض أسعار البترول.

وبالنسبة إلى الدول المصدرة للبترول:

          ونعني بها دول منظمة أوبك بالإضافة إلى المكسيك، التي تعتبر مصدراً رئيسياً للبترول. وقد شهدت هذه الدول زيادة كبيرة في دخلها من صادرات البترول خلال الفترة 1974 ـ 1980 نتيجة للارتفاع المستمر في أسعار البترول إلا أن الدخل انخفض في عام 1981 واستمر في الانخفاض خلال عامَي 1982 و1983 نتيجة لانخفاض أسعار البترول بنسبة 15% في عام 1983 وانخفاض الطلب العالمي على البترول.

والآثار السلبية لهذا الانخفاض تتضمن ما يلي:

  1. انخفاض الإنفاق العام سواء فيما يتعلق بالنفقات الجارية أو النفقات الاستثمارية. فقد خفضت السعودية إنفاقها بنسبة 17% في موازنة عام 1982/1983 بالمقارنة بموازنة عام 1981/1982. وتم ذلك عن طريق الاستغناء عن نسبة من العاملين العرب والأجانب وعن تأجيل بعض المشروعات الاستثمارية.
  2. قيام بعض الدول البترولية وخاصة الدول الخليجية بالسحب من الأموال المودعة في البنوك لتغطية جزء من إنفاقها الجاري والاستثماري.

كذلك قامت دول بترولية أخرى بالاقتراض لمواجهة الموقف مثل المكسيك ونيجيريا وفنزويلا.

  1. قيام الدول البترولية بتخفيض معوناتها المالية المقدمة إلى دول العالم الثالث.

وكان لانخفاض أسعار البترول في الثمانينات آثار إيجابية على الدول المصدرة للبترول، هي:

  1. إن انخفاض الصادرات البترولية أدى إلى انخفاض إنتاج البترول وإطالة عمره بما يفيد الأجيال القادمة.
  2. تشجيع الدول البترولية على توسيع قاعدتها الإنتاجية وتنويع صادراتها بدلاً من الاعتماد الكلي على إنتاج وتصدير مادة أولية واحدة وهي البترول وخاصة بالنسبة للدول التي تمتلك قطاعاً زراعياً أو صناعياً هاماً من قبل مثل العراق وإيران ونيجيريا وإندونيسيا والمكسيك.
  3. تشجيع الدول البترولية ـ وخاصة الدول العربية الخليجية ـ على ترشيد الإنفاق العام والخاص سواء الاستهلاكي أو الاستثماري. وكذلك الابتعاد عن مظاهر الإنفاق الترفي والمظهري والتركيز على مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أما فيما يتعلق بالدول النامية المستوردة للبترول:

فقد كان لانخفاض أسعار البترول في الثمانينات آثاراً إيجابية هي:

  1. انخفاض فاتورة الواردات البترولية.
  2. انخفاض أسعار السلع الصناعية المستوردة، ويرجع ذلك لانخفاض معدل التضخم في الدول الصناعية.
  3. انخفاض أسعار الفائدة وبالتالي انخفاض أعباء الديون التي تتحملها البلاد النامية.
  4. زيادة صادرات الدول النامية من المنتجات الأولية، ويرجع ذلك إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية في الدول الصناعية والذي يعود جزيئاً إلى انخفاض أسعار البترول.

كما كان لانخفاض أسعار البترول في الثمانينات آثاراً سلبية هي:

  1. انخفاض المعونات التي تقدمها الدول البترولية إلى الدول النامية.
  2. انخفاض صادرات الدول النامية من السلع الأولية والسلع نصف المصنوعة والسلع المصنوعة المتجهة إلى أسواق الدول البترولية.
  3. التأثير السلبي على برامج الطاقة في الدول النامية المستوردة للبترول، إذ أن انخفاض أسعار البترول من شأنه أن يقلل من عزيمة هذه الدول في استمرار عمليات تكثيف البحث عن البترول.