إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اقتصادية / البترول (اقتصادياً)، البترول وتأثيره في اقتصاديات الدول









الفصل السابع

الفصل السابع

الحوار بين منتجي ومستهلكي البترول دون نتائج حاسمة

       إن كثيراً من الدول الصناعية سوف تظل معتمدة بشكل كبير على البترول المستورد من مصادر العرض غير المأمونة أو التي لا يمكن التعويل عليها، وخاصة تلك التي تقع في الخليج العربي. وسوف يستمر هذا الاعتماد حتى إذا حرصت هذه الدول الصناعية على تنفيذ خطط ترشيد استهلاك البترول والتشجيع على زيادة الإنتاج المحلي، والإسراع في إحلال البدائل للبترول.

       ويعني هذا الاعتماد أنه من الممكن أن يشهد العقدان القادمان اشتعالاً في المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من أجل الحصول على الإمدادات النادرة من النفط الخام.

       وهذا ما حفز هذه الدول وغيرها إلى العمل معاً للتدخل السريع في حرب الخليج الثانية عندما احتل صدام حسين دولة الكويت في خريف عام 1990 لمنعه من السيطرة على بترول الشرق الأوسط تأميناً لاستمرار الاعتماد على هذا البترول.

       لذلك فمن الضروري التوصل إلى تفهُّم مشترك لمشكلات تأمين البترول، وتقليل الحساسية الاقتصادية والسياسية للدول المستهلكة لأي انقطاع أو تلاعب في الإمدادات البترولية. خاصة بعد أن تحقق معظم أهداف الوكالة الدولية للطاقة لكسر احتكار الدول المنتجة للبترول. فيما يتعلق بسياسات ترشيد الاستهلاك وتنمية البدائل وإنشاء المخزون الاحتياطي الإستراتيجي. وقد سبق توضيح ذلك من قبل عند استعراض هذه الأهداف ومدى نجاحها.

       وتفادياً لحدوث أي انقطاع مفاجئ لإمدادات البترول أو اضطراب في أسعاره، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية أو إيجابية على اقتصاد الدول المنتجة والدول المستهلكة على السواء، كان لابد من أن يلجأ الطرفان إلى وسيلة الحوار لمواجهة المشكلات التي تظهر في المستقبل.

أولاً: البداية التاريخية للحوار بين المنتجين والمستهلكين

       كلما طرأ على أسواق البترول العالمية ما يحرك الأسعار ارتفاعاً أو انخفاضاً خارج الحدود المتوقعة أو المقبولة لدى المستهلكين أو المنتجين، بزغت الفكرة الداعية للحوار. ولكن الغريب في الموضوع أن الدول المستهلكة للبترول غالباً ما تشترط من البداية ألاّ يتعرض الحوار لمناقشة الأسعار، مع أنها هي السبب الرئيسي الدافع إلى هذا الحوار.

       وفي أعقاب الارتفاع المفاجئ في سعر البترول في ظل حرب أكتوبر 1973، دعت فرنسا ـ في يناير 1974 ـ إلى فكرة الحوار بين منتجي البترول ومستهلكيه.

       وفي يناير 1975 أعلن وزراء المالية والبترول بدول أوبك أثناء اجتماعهم في الجزائر موافقتهم على الحوار بشرط ألاّ يقتصر على الطاقة وحدها، بل يشمل المواد الأولية والتنمية بصفة عامة، الأمر الذي رحبت به الدول النامية غير النفطية.

       هكذا بدأ الحوار ـ بين الدول الصناعية المستهلكة وبين الدول المنتجة للبترول ـ فيما عُرف وقتها باسم "حـوار الشمال والجنوب" وذلك في إطار مؤتمـر التعاون الاقتصـادي الدولي Conference for International Economic Co-operation (CIEC) الذي عُقدت جلسته الافتتاحية في ديسمبر 1975، وشارك فيها هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية حينذاك والشيخ أحمد زكي يماني وزير النفط السعودي في ذلك الوقت.

       امتد هذا الحوار على طول 18 شهراً، ونوقش في إطاره عدد لا يحصى من الدراسات والبحوث. وأهم ما يميزها أن الطاقة ـ وهي المطلب الرئيسي لدول الشمال ـ كانت الموضوع الوحيد الذي لم يسبق تناوله في أي منتدى عالمي منظم من قبل.

       عُقدت الجلسة الختامية لهذا الحوار في يونيه 1977، وانفض المؤتمر دون أن يتوصل إلى اتفاقية موقَّعة، وإن كان قد نجح في تحسين مستوى التفاهم والتقدير المتبادل لمطالب الأطراف التي شاركت فيه. أو هكذا قيل مراعاة لما فرضته قواعد دبلوماسية المؤتمرات.

       ويرجع هذا الفشل إلى أن مشكلة الطاقة كانت قد خفّت حدتها، واطمأنت الدول الصناعية الغربية إلى تأمين احتياجاتها من البترول. كما أخذت هذه الدول في وضع وتنفيذ خطط وبرامج لترشيد الطاقة واقتسام إمداداتها من البترول عند وقوع أزمة حادة فيها. وغير ذلك مما تضمنته برامج الوكالة الدولية للطاقة التي أنشئت عام 1974 للتنسيق بين مصالح الدول المستهلكة للبترول ومواجهة سيطرة الأوبك.

       وعلى الرغم من المقدرة الفائقة التي تميزت بها الدول الصناعية الغربية في التصدي لثورة الأسعار الأولى بعد عام 1974، وخفض الطلب على بترول أوبك بنسب كبيرة، فقد كان لهذا الاتجاه ـ الذي فرضته عليها الوكالة الدولية للطاقة ـ آثاره السلبية على اقتصاديات هذه الدول. ويتمثل ذلك في الاستثمارات الباهظة التي تكبدتها من أجل تنمية موارد الطاقة البديلة وتنمية مصادر جديدة لإنتاج البترول من خارج أوبك. وترشيد استهلاك البترول مما أدى إلى انكماش في اقتصاديات الدول الصناعية.

       وهكذا صدقت نبوءة هنري كيسنجر الذي نصح الدول الصناعية الغربية بأن تعمل أولاً على تنسيق البيت الغربي من الداخل ـ مهما كلفها ذلك من جهود وأموال ـ وألاّ تدخل في حوار مع منتجي النفط إلاّ إذا كان ذلك من مركز القوة.

       وإذا كان هذا الحوار قد استمر من ديسمبر 1975 إلى يونيه 1977 فقد تزامن مع مواجهة الوكالة الدولية للطاقة لسيطرة منظمة الأوبك. ولذلك انتهى هذا الحوار بالفشل. وبدأ عقد الثمانينات يشهد تراجعاً واضحاً في معدلات الطلب العالمي على البترول وتراجعت الأسعار حتى وصلت إلى القاع عام 1986.

التعاون الأوروبي الخليجي

       لم تجد فكرة التعاون بين المنتجين والمستهلكين في منتصف الثمانينات استجابة على المستوى العالمي، وظهرت أنماط من التعاون الإقليمي والعلاقات الثنائية، كان أبرزها التعاون الأوروبي الخليجي.

       وفي إطار التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي (ويضم السعودية ـ الإمارات ـ البحرين ـ قطر ـ عمان ـ الكويت) وبين دول السوق الأوروبية المشتركة تم توقيع أول اتفاقية تعاون في يونيه 1988. وتهدف الاتفاقية في خطوطها الرئيسية إلى إلغاء الرسوم الجمركية على واردات دول السوق الأوروبية المشتركة من الزيت الخام والمنتجات من دول مجلس التعاون الخليجي. كما تخضع وارداتها من المنتجات البتروكيماوية لنظام الأفضلية العام. وقد أدت هذه الميزة التنافسية إلى زيادة طاقة التصدير إلى دول السوق بما قيمته 12 بليون وحدة نقد أوروبية خلال عام 1990. بينما بلغت قيمة صادرات دول السوق المشتركة إلى منطقة الخليج نحو 14 بليون وحدة نقد أوروبية.

       ويتضح من وراء هذا التعاون أن دول السوق الأوروبية المشتركة تحرص على تأكيد دورها التنافسي مع الولايات المتحدة الأمريكية واليابان في مجال العلاقات التجارية والسياسية في منطقة الخليج العربي بصفة خاصة، والشرق الأوسط بصفة عامة. وهذا يفسر لنا المساندة السياسية لبعض أعضاء السوق الأوربية في موضوع المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة، رغم معارضة الصناعة البتروكيماوية الأوروبية إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الخليجية.

ثانياً: المرحلة الحديثة للحوار بين المنتجين والمستهلكين

       إن تجديد الدعوة لإقامة حوار يضم الدول المصدِّرة والمستهلكة للبترول لا بد أن يضم جميع أطراف صناعة البترول العالمية: الحكومات والشركات والوكالات والمؤسسات المالية والمنظمات الإقليمية. ومعنى ذلك، أن هذا الحوار يضم فئات تختلف اختلافاً بيِّناً، تربطهم مصالح متناقضة. وتحمل كل فئة رصيد عشرين عاماً مضت من المواجهات وانعدام الثقة. كما يضم هذا الحوار أنواعاً متعددة من أنماط التجارة البينية والإقليمية والعالمية والعلاقات الثنائية.

       وبعد مضي سنوات عديدة منذ حوار الشمال والجنوب في ديسمبر 1975.

       وقبيل أزمة الخليج بشهور قليلة انطلقت شعارات من قِبل الدول الصناعية المستهلكة للبترول تنشد تحقيق "الأمن المتبادل في مجال الطاقة".

       ومن المعروف نظرياً أن تحقيق الأمن المتبادل يعني إقامة علاقات متوازنة بين المصدرين والمستهلكين، يضمن إمدادات بترولية كافية ومستمرة تغطي احتياجات الدول المستهلكة، وفي ذات الوقت يضمن عائدات مستقرة تأخذ صفة التدرج للدول المصدرة للبترول.

       هذا التوازن بهذا المفهوم غير قائم من الناحية العملية ولا يزال يميل إلى جانب الدول الصناعية المستهلكة للبترول، حيث يعود إليها جزء كبير جداً من عائدات الدول المصدِّرة يتمثل في استيراد هذه الدول الأخيرة للسلع الرأسمالية والاستهلاكية والتكنولوجيا والخبرة الغربية والأسلحة والمواد الغذائية، هذا بالإضافة إلى استثماراتها في الدول الكبرى المستهلكة للبترول.

       وأكثر من ذلك، فإنه في المقابل تُواجه صادرات الدول المصدِّرة من المنتجات البترولية والبتروكيماوية بإجراءات الحماية الجمركية. مما يجعل الأمن المتبادل بهذا المعنى ما هو إلاّ استمرار للتبعية الاقتصادية.

       وعلى الرغم من هذه المقدمة الواقعية، فقد اقترحت لجنة المراقبة الوزارية التابعة لمنظمة أوبك ـ في اجتماعها خلال يومي 11 و12 مارس 1991 ـ عقد لقاء بين مصدري البترول  ومستهلكيه، حيث جرى عرضه على الدول المستهلكة للبترول.

1. مؤتمر البترول والغاز في التسعينات خلال الفترة من 27 ـ 29 مايو 1991

وإلحاقاً لاقتراح عقد لقاء بين منتجي البترول ومستهلكيه.

وكخطوة أولى من قِبل الدول المنتجة للبترول نحو تفاهم وتعاون أفضل.

انعقد في مدينة أصفهان بإيران خلال هذه الفترة مؤتمر البترول والغاز في التسعينات بهدف التعاون بين المنتجين والمستهلكين من أجل قيام نظام بترولي عالمي يحقق استقرار سوق البترول، في ظل الشعارات التي انطلقت من قِبل الدول الصناعية المستهلكة للبترول تنشد تحقيق "الأمن المتبادل في مجال الطاقة"

ويُعتبر مؤتمر أصفهان الأول من نوعه الذي جمع بين ممثلي الحكومات وممثلي الشركات، والمنتجين داخل أوبك وخارجها والمستهلكين، كما ضم السياسيين إلى جانب الخبراء البتروليين.

شارك في هذا المؤتمر وزراء بترول السعودية وعمان والكويت والإمارات وسورية وفنزويلا وإندونيسيا ونيجيريا والاتحاد السوفيتي (سابقاً) والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا. بالإضافة إلى كثير من الخبراء والكتَّاب المتخصصين وممثلي أكبر شركات البترول العالمية.

جدير بالذكر أن إيران تحاول من جديد ـ بعد أزمة الخليج ـ إقامة علاقات قوية مع مختلف دول العالم ومع الشركات الصناعية الأجنبية، وتأكيد سياسة الانفتاح الإقليمي تجاه دول الخليج.

ويعتبر هذا المؤتمر وسيلة ناجحة لجذب رؤوس الأموال الغربية ولتوطيد المساعدات الفنية في إطار محاولة جديدة للتعاون بين المنتجين والمستهلكين.

وقد أسفر مؤتمر أصفهان عن النتائج التالية:

أ.  أظهر أعضاء أوبك حرصهم على التعاون والتنسيق فيما بينهم، وذلك من خلال حضور وزراء البترول للمشاركة في المؤتمر.

ب.  حضور جميع دول الخليج في المؤتمر، الذي خلق بدوره قاعدة جيدة للتعاون الإقليمي حيث كان لوجود وزير البترول السعودي في المؤتمر أهمية خاصة، تنبع من كونها أول زيارة يقوم بها مسؤول سعودي كبير لإيران منذ 12 عاماً، ومن أن السعودية أكبر دولة مصدِّرة للبترول في العالم.

ج.  وجود عدد كبير من الإيرانيين والأجانب الذين جاءوا إلى إيران لأول مرة منذ عام 1979 (تاريخ قيام الثورة الإيرانية).

2.  لقاء باريس بين منتجي ومستهلكي البترول في ا و2 يوليه 1991

بعد شهر واحد من انعقاد مؤتمر أصفهان بإيران، الذي يُعتبر خطوة تمهيدية نحو تعاون أفضل بين المنتجين والمستهلكين.

حدث لقاء آخر في باريس في هذين اليومين بين منتجي ومستهلكي البترول في العالم بناء على دعوة من رئيسي فنزويلا وفرنسا كدولتين تمثلان الدول المنتجة والدول المستهلكة للبترول شارك فيه وزراء ومسؤولون من 26 دولة من الدول المصدرة والمستوردة للبترول، ومن تسع منظمات دولية منها الوكالة الدولية للطاقة.

وقد ثارت خلافات أساسية بين الدول الصناعية السبع فيما يتعلق بالهدف من إجراء هذا الحوار.

ففرنسا الدولة الداعية للحوار ترى أن الهدف منه إرساء قواعد لضبط إيقاع الأسعار في السوق، وتحديد قواعد تضمن استقرار الأسعار وسط الظروف الدولية المتقلبة، وذلك بما لا يتعارض مع قوانين السوق الحرة.

أمّا الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تتزعم اتجاهاً مختلفاً وتضم معها كلا من اليابان وبريطانيا. ويرفض هذا الاتجاه أساساً وضع أية قواعد تؤثر على عمل قوى السوق (العرض والطلب).

ويرجع هذا الخلاف بصفة أساسية إلى الاعتماد على العلاقات الثنائية في تجارة البترول العالمية، حيث تمثل هذه العلاقات عقبة أمام قيام حوار حقيقي يهدف إلى تنقية الأجواء وإعادة الثقة المفقودة بين جميع المنتجين من جهة وجميع المستهلكين من جهة أخرى. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على العلاقات الطيبة بينها وبين السعودية، حيث دعت إلى ضرورة عقد اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي لدعم وتأمين التفاهم.

وعلى الرغم من أن الحضور الأمريكي في المؤتمر كان بصفة مراقب فقط، ولا صفة رسمية له، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها أكبر مستهلك للبترول في العالم استطاعت تعديل جدول أعمال مؤتمر باريس، حيث استبعدت مناقشة مستويات إنتاج البترول والأسعار من جدول الأعمال.

وعلى أي الأحوال .. كانت هذه هي المرة الأولى ـ منذ عام 1975 ـ التي يجري فيها الاتصال الرسمي بين المنتجين والمستهلكين على هذا النحو. ذلك أن حضور منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة والمؤسسات المالية الدولية وكبار المنتجين والمستهلكين قد أعطى المبادرة الفرنسية الفنزويلية طابعاً جديداً.

وقد اتفق الجميع على عدم صدور بيان ختامي حرصاً على عدم التأثير بشكل مباشر على عناصر السوق، وحرصاً على الطابع غير الرسمي لهذا اللقاء، بينما كان هناك اتفاق على مبادئ عامة تشكل الأساس الأوَّلي للمرحلة المقبلة من الحوار بين الطرفين، مع إقرار ضرورة إجراء مزيد من الدراسات العلمية للتعرف على حقيقة العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة والبيئة.

وانتهى اللقاء باقتراح عقد اجتماع مشترك على المستوى الفني تدعو له الوكالة الدولية للطاقة وآخر على المستوى الوزاري تستضيفه النرويج.وقد أسفر هذا الجهد عن تكليف مصر والنرويج بالتحضير للمؤتمر الوزاري القادم الذي يُعد خطوة متقدمة على طريق الحوار بين المنتجين والمستهلكين.

3.  الاجتماع الفني لخبراء الطاقة في باريس خلال الفترة من 24 ـ 26 فبراير 1992

نظَّمت الوكالة الدولية للطاقة ـ تنفيذاً للاقتراح الذي انتهى إليه لقاء باريس في يوليه 1991 ـ اجتماعاً فنياً لخبراء الطاقة بمقر الوكالة بباريس لتنمية الثقة بين أطراف السوق، وإيجاد نوع من التفاهم المتبادل. وحرص فيه المجتمعون على تحاشي مناقشة قضايا الأسعار ومعدلات الإنتاج. وتركزت مناقشاتهم على تبادل المعلومات ودراسة آليات السوق وموضوعات البيئة وكفاءة الاستخدام.

4.  الاجتماع الوزاري بين المنتجين والمستهلكين في النرويج خلال 2 و3 يوليه 1992

عُقد اجتماع آخر على المستوى الوزاري في سولستراند بالنرويج تحت إشراف مصر والنرويج باعتبارهما من أهم الدول المنتجة للبترول خارج أوبك، وإيطاليا باعتبارها من كبريات الدول المستوردة للبترول.

شارك في هذا المؤتمر وزراء الخارجية ووزراء البترول في أكثر من عشرين دولة منتجة ومستهلكة للبترول، شملت دول الأوبك، والدول السبع الصناعية الكبرى، وممثلي الحكومات والمنظمات العالمية الكبرى.

ناقش المؤتمر العديد من الموضوعات السياسية والاقتصادية المتعلقة بالبترول والطاقة في العالم، ووسائل التعاون بين الدول المنتجة والمستهلكة للبترول، وسبل الاستقرار في سوق البترول العالمي في ضوء مستويات العرض والطلب والأسعار. بالإضافة إلى مناقشة الاقتراحات الخاصة بفرض ضريبة الكربون على الطاقة، ومناقشة قضايا البيئة والطاقة والتنمية.

وقد عارض أعضاء أوبك فرض ضريبة الكربون لأن هذه الضرائب ستزيد عائدات الدول الغنية، وستؤدي إلى تهديد التنمية الاقتصادية في الدول النامية.

كما أشار أعضاء أوبك إلى أن فرض ضريبة الكربون ستؤثر على الاستثمارات الجديدة اللازمة لإنتاج البترول. في حين أن عائد حكومات المجموعة الأوروبية من الضرائب الحالية على مبيعات البترول يتجاوز بكثير دخل مصدري البترول من صادراتهم.

وتوصل المؤتمر إلى أن المنتجين والمستهلكين على السواء يدركون الرغبة العامة المتزايدة في حماية البيئة، والتأكيد على أهمية التعاون في مجال نقل التكنولوجيا من أجل المساعدة في إنتاج بترول أقل تلوثاً وأكثر كفاءة وتعزيز الاستثمارات للدول الصناعية في الدول النامية، وسبل المشاركة في نقل واستخدام المعلومات.

وقد أعربت الدوائر المعنية بالمؤتمر أن هناك تقدماً واضحاً عن الأجواء التي سادت مؤتمر أصفهان مايو عام 1991 ومؤتمر باريس يوليه 1991. وخطوة نحو تعميق الحوار في مؤتمر أسبانيا القادم.

وبعد ذلك عُقد اجتماع في 14 يناير 1993 على مستوى الفنيين الدبلوماسيين وخبراء البترول في أوسلو عاصمة النرويج لمتابعة أعمال مؤتمر سولستراند والتحضير لاجتماع وزاري قادم في مدريد بأسبانيا. ولدراسة أسس ودعم استمرار الحوار بين أطراف السوق، وميثاق الطاقة الأوروبي، وأوضاع سوق الطاقة العالمي.

5.  في عام 1994 عُقدت الدورة الثالثة للحوار بين المنتجين والمستهلكين للبترول في قرطاجنة بأسبانيا.

6.  في عام 1995 عُقدت الدورة الرابعة للحوار بين المنتجين والمستهلكين للبترول في فنزويلا. (وقد ورد تفصيل عن مناقشات هذه الدورة في أحداث عام 1995 في الفصل السابق)

والخلاصة أن هذه المؤتمرات كلها قد تناولت أهم الموضوعات حول الطاقة ومصادرها واستخداماتها، وتطور نمو الطلب العالمي والنمو الاقتصادي وسياسات الطاقة العالمية، وغير ذلك من موضوعات سبق الإشارة إليها، إلاّ أن أي منها لم يناقش موضوع أسعار البترول بناء على رغبة المستهلكين الذين ما زالوا يصرون على عدم التعرض لهذا الموضوع.

7.  المؤتمر العالمي الخامس للطاقة بالهند خلال الفترة من 6 ـ 8 ديسمبر 1996

عقد المؤتمر العالمي الخامس للطاقة بمنتجع جوا بالهند. وقد بحث المؤتمر كيفية التنسيق بين الدول المستهلكة والدول المنتجة للوصول إلى صيغة مناسبة لإيجاد التوازن بين اعتبارات البيئة ومتطلباتها الاقتصادية اللازمة للتقدم. وعلى الرغم من اختلاف سياسات وأهداف الدول المنتجة والدول المصدرة للطاقة فإن هناك مجالاً واسعاً للالتقاء لاستغلال مصادر الطاقة بفاعلية أكبر مما تم في الماضي. خاصة أن الحوارات والمناقشات الماضية لا تزال تفتقر إلى رؤية محددة تتضمن اعتراف كل من الطرفين بمصالح الآخر حتى يمكن التوصل إلى نتائج إيجابية تخدم مصالح كل منهما.

ويثار التساؤل حول اشتراط ـ بل وإصرار ـ الدول الصناعية قبل بدء الحوار على استبعاد مناقشة سعر البترول؟

وهل تستطيع قوى السوق أن تحدد سعر البترول فعلاً، كما تحدد سعر أي سلعة أخرى؟

8.  هل يمكن أن يتوصل الحوار إلى نتائج ذات قيمة دون مناقشة سعر البترول؟

وفي محاولة لتوضيح النوايا للإجابة على هذا التساؤل نبين ما يلي:

هناك عامل آخر يتوقف عليه تناول سعر البترول الخام، لا يوجد بالنسبة لأي سلعة أخرى وهو أسعار المنتجات النفطية، الأمر الذي يتعذر مناقشة سعر البترول الخام دون مناقشة أسعار منتجاته. هذه المنتجات النفطية تتضمن قدراً كبيراً من العائد الاقتصادي، الذي يتمثل بدوره في الفرق بين التكلفة الكلية (من إنتاج ونقل وتكرير وتسويق) وبين سعر المنتجات المكررة في أسواق المستهلك النهائي.

وقد سبق أن ذكرنا أن الطلب النهائي للبترول مستمد من الطلب على المنتجات والمشتقات البترولية. وأن الطلب على هذه المنتجات في أسواق الاستهلاك الرئيسية هو الذي يحدد السعر النهائي للبترول الخام.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أسعار المشتقات البترولية في الدول المستهلكة للبترول تحددها حكومات هذه الدول، حيث تفرض الضرائب والرسوم الجمركية على البترول المستورد، التي قد تصل إلى حوالي نصف ثمن بيع البنزين أو السولار. كذلك هناك أرباح الشركات البترولية الوسيطة التي وصلت إلى معدلات قياسية. ففي عام 1978 كان سعر البترول الخام يساوي 12 دولاراً بينما كان السعر النهائي للمستهلك (في صورة مشتقات بترولية) يساوي 30 دولاراً.

وعلى ذلك، فإن ارتفاع سعر البترول الخام لا يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع سعر بيع المشتقات البترولية لجمهور المستهلكين. ولكن انخفاض سعر البترول الخام هو الذي يؤدي إلى أضرار بالغة بالعائد الذي يؤول إلى الدول المنتجة، حيث يتوزع العائد النفطي المشار إليه، بعد استبعاد كافة التكاليف وأرباح الشركات الوسيطة، بين الدول المصدِّرة (مُعبِّراً عن نصيبها بالفرق بين تكلفة الإنتاج وسعر النفط الخام) وبين حكومات الدول المستوردة، (مُعبِّراً عنه بما تحصل عليه في صورة ضرائب تفرضها على المنتجات النفطية).

وتستند حصة الدول المنتجة في مشروعيتها إلى أن النفط يعتبر مصدراً طبيعياً ناضباً، وما تحصل عليه كنصيب في العائد الصافي يعوضها جزئياً عن نضوب تلك الثروة ويُعتبر ثمناً لها مستقلاً عن تكلفة الإنتاج.

ومن ناحية أخرى، فإن هذا النصيب يساعدها على توفير استثمارات في البحث عن حقول جديدة وتنميتها لضمان تلبية الاحتياجات المتزايدة للمستهلكين.

أما أهداف الدول المستهلكة من فرض الضرائب البترولية فتختلف تبعاً للاعتبارات التي تدعو إلى فرضها:

أ.  فالضريبة على البنزين تحقق حصيلة مالية كبيرة يُستخدم جانب منها لتمويل إقامة الطرق وصيانتها.

ب.  من الضرائب البترولية ما يُفرض لدعم صناعة الفحم المحلية كما يحدث في أوروبا واليابان.

ج.  وتفرض هذه الضرائب أيضاً بمعدلات متفاوتة على المنتجات المختلفة للتأثير على سلوك المستهلكين وتشجيعهم على التحول إلى مصدر معين للطاقة حماية للبيئة مثل الضرائب المخفضة على البنزين الخالي من الرصاص والغاز الطبيعي والكهرباء.

د.  كذلك قد تستهدف الضريبة التشجيع على استهلاك مصادر الطاقة المحلية تخفيفاً لأعباء ميزان المدفوعات.

هـ.  ويكون الهدف من الضريبة أيضاً تغطية نفقات الاحتفاظ بمخزون إستراتيجي من المواد البترولية لمواجهة الطوارئ، كما هو الحال في ألمانيا وفرنسا وهولندا والدانمارك.

9.  كيفية توزيع العائد البترولي النهائي بين الدول المنتجة وحكومات الدول المستوردة

يختلف توزيع العائد البترولي الصافي بين الدول المنتجة للبترول وبين الدول المستهلكة له تبعاً لقوة أو ضعف أسعار النفط الخام، إذ كلما انخفض سعر النفط الخام تضاءل نصيب الدول المنتجة من ذلك العائد والعكس صحيح. ويوضح ذلك المثال الأول الآتي:

في عام 1970

ـ  كان سعر بيع برميل المنتجات المكررة للمستهلك النهائي في الدول أعضاء  الاتحاد الأوروبي 11.42 دولار

يستقطع منه إجمالي التكاليف بما في ذلك تكلفة الإنتاج والنقل والتكرير والتوزيع  وأرباح الشركات الوسيطة 5.35 دولار

مقدار العائد الصافي بعد استقطاع إجمالي التكاليف  6.07 دولار

ـ  كان نصيب الدول المنتجة من هذا الصافي= سعر النفط الخام - تكلفة الإنتاج =  6.77  - 5.35 = 1.42 دولار بنسبة 23%

ـ  بينما كان نصيب الدول المستهلكة منه = الباقي من العائد الصافي بما يتضمنه من رسوم وضرائب مفروضة على المنتجات البترولية.  

=   6.07  -   1.42  =  4.65 دولاراً بنسبة 77%

ـ  يتضح من هذا المثال أنه عندما كان سعر النفط الخام منخفضاً سنة 1970 كان نصيب الدول المنتجة منه ضئيلاً للغاية.

ولما استردت الدول المصدرة للبترول، في ظل حرب أكتوبر 1973 ـ حريتها في تحديد الأسعار، تحول توزيع العائد النهائي لصالحها. ويوضح ذلك المثال الثاني الآتي:

في عام 1975

ـ  بلغ سعر البرميل للمستهلك النهائي في دول المجموعة الأوروبية 27.9 دولاراً يستقطع منه إجمالي التكاليف 9.0 دولاراً مقدار العائد الصافي 18.9

ـ  كان نصيب الدول المنتجة من هذا الصافي = سعر النفط الخام ـ تكلفة الإنتاج = 18.8  ـ 9.0  = 9.8 دولاراً بنسبة 52%

بينما كان نصيب الدول المستهلكة منه   الباقي من العائد الصافي بما فيه من رسوم وضرائب  = 18.9  ـ  9.8 = 9.1 دولاراً بنسبة 48%

وفي عام 1980

بلغ نصيب الدول المنتجة ذروته، ويوضح ذلك المثال الثالث التالي.

ـ  بلغ سعر بيع البرميل للمستهلك النهائي في دول المجموعة الأوربية 65.50 دولاراً يستقطع منه إجمالي التكاليف 12.25 دولاراً مقدار العائد الصافي 53.25

ـ  كان نصيب الدول المنتجة من هذا العائد الصافي = سعر النفط الخام ـ تكلفة الإنتاج   = 46.55 ـ  12.25 = 34.30 دولاراً بنسبة 64%

بينما كان نصيب الدول المستهلكة منه   = الباقي من العائد بما فيه من رسوم وضرائب   = 53.25  ـ 34.30 = 18.95 دولاراً  بنسبة 36%

          غير أن أسعار النفط الخام لم تلبث أن انخفضت خلال النصف الأول من الثمانينات، ثم انهارت عام 1986 من نحو 28 دولاراً عام 1985 إلى نحو 13 دولارا.

          وهنا لم تسمح الدول الأوروبية بانتقال الانخفاض إلى المستهلك النهائي حتى تمنع زيادة الطلب على المنتجات البترولية، وتمنع بالتالي زيادة الطلب على النفط الخام. وبذلك تحكمت في عامل الطلب على البترول عن طريق زيادة ضرائبها البترولية من نحو 22.5 دولارا عام 1985 إلى نحو 30 دولارا عام 1986، بل استمرت في الزيادة إلى أن بلغت 52 دولارا عام 1991، ونحو 55.4 دولارا عام 1992 وإن انخفضت قليلاً إلى 50.8 دولارا في عام 1993.

          ولم تكتف الدول الأوروبية بهذا، بل ظهر مشروع الاتحاد الأوروبي لفرض ضريبة الكربون بحجة حماية البيئة كعبء إضافي على هيكل الضرائب النفطية التي تتحيز لصالح الفحم رغم أنه المصدر الأكثر تلوثاً للبيئة.

          أما سعر النفط الخام فقد استمر في التآكل بحيث انخفض من 19.33 دولارا عام 1991 إلى 18.22 دولارا عام 1992، وإلى 16.07 دولارا عام 1993.

          وباستبعاد تكاليف الإنتاج والنقل من تلك الأسعار، يبلغ نصيب الدول المنتجة من صافي العائد نحو 11 دولارا عام 1986، ونحو 14.55 دولاراً في عامي 1991 و1992، ونحو 12.35 دولارا عام 1993. وبذلك انعكس توزيع العائد النهائي بحيث لم تعد الدول المنتجة تحصل منه على أكثر من 20%.

          وإضافة نحو 20 دولارا للبرميل مقابل تكاليف وأرباح الشركات الوسيطة، وكلها تقريباً شركات تابعة للدول الصناعية المستوردة للنفط، يتراوح متوسط السعر للمستهلك النهائي في دول الاتحاد الأوروبي حول 92، 94 دولارا خلال السنوات 1990 ـ 1992 وحول 85 دولارا عام 1993.

          ولا يختلف الحال كثيراً بالنسبة لليابان، التي بلغ فيها السعر للمستهلك النهائي عام 1993 نحو 107 دولارات، كما بلغ صافي العائد نحو 47 دولارا. وكان توزيعه بنسبة 74% كضرائب لحكومة اليابان و 26% للدول المصدرة فقط.