إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل العربية، تجاه الغزو العراقي، خلال الأيام الأولى للأزمة









اوثيقة

وثيقة

بيان مجلس قيادة الثورة في العراق

في شأن الوحدة الاندماجية

التي طلبتها حكومة الكويت الحرة، المؤقتة

في 8 أغسطس 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الشعب العراقي العظيم، من البر إلى البحر.

أيها العرب الغيارى، في كل مكان.

    قليلة هي الأيام، التي يفرح فيها العرب، ويبتسموا لمعانيها، ويهللوا بالقادم من أيامها. كان هذا هو حالهم، منذ أن غابت عن مَوقعها الإرادة، الوطنية والقومية، في الحكم، على طول زمن حكم الأجنبي.

    وكان هذا هو حالهم، بعد أن بدأ الحكم الوطني بداياته، حتى انتشر على مساحة الوطن. ذلك لأن الأجنبي، وإن غادر صيغ الاستعمار المباشر، مما كان قد اعتمده من قبْل، فإنه لم يغادر صفوفنا، عن طريق عملائه ودسائسه. وكان من أبرز أفعال الاستعمار الإجرامية، أن جزّأ الوطن، الذي كان واحداً، يوم كانت بغداد عاصمة كل العرب. وبعد الاستقلال، الذي حظيت به أقطار العرب، راح يوغل بأفعاله الشريرة، فجزأ الكثير من الأقطار، وفق حسابات أطماعه ومراميه، لإضعاف إمكانيات الأقطار، التي اكتسبت عمقها الحضاري، وقدرة العمل، والتطلع نحو دور وطني مؤثر، لا ضمن مساحاتها المرسومة فحسب، وإنما على مساحة الوطن العربي ككل، والأمّة العربية بعامة. فراح قلم الاستعمار ومقصه اللئيمان يتعاونان في رسم الخرائط، على أساس أن يكون كل جزء في الوطن العربي، إذا ما عاش تحت كيان دولة مستقلة، ضعيفاً، وغير مؤثر لصالح النهضة العربية والوحدة العربية ككل، وأن يترك هذا الفعل ظلاله وآثاره السلبية على العلاقات بين الأقطار العربية، ليحل بينها التناحر والفُرقة محل التضامن والوئام.

    وفي كل الأحوال، فقد عمد الاستعمار الغربي، وهو يرسم جغرافية وحدود السيادة في كل قطْر، إلى أن تبقى كل الأقطار ضعيفة، وأن تحول التجزئة، مع مضي الأيام، دون صيرورتها صفاً واحداً وحالاً واحدة. فجعل، حيثما كان ذلك ممكناً، الحضارة والاستعداد العالي، المتجمع بفعل تراكم زمن الحضارة والكثافة السكانية، في جانب، ومصادر الثروة الجديدة، البترول والمعادن الأخرى، في جانب آخر، حيث قِلة السكان، وانعدام العمق الحضاري، وضعف الاستعداد، نظراً لانعدام شروطه.

    وهكذا، حقق الاستعمار مقاصده. وليس أدل على نجاحه في ذلك، من أنه حَوّل الوطن العربي إلى اثنتين وعشرين دولة، قبل قيام وحدة اليمن المباركة، في شهر أيار (مايو) الماضي. وبهذه الأساليب، سلب الاستعمار العرب، لا مقومات الاقتدار المادي فحسب، بل والاقتدار الروحي أيضاً. فقد تضافر الفقر، عند الأغلبية، مع الخلل، الذي تركته الثروة الجاهزة، التي لم تتدرج في حجمها، عند الأقلية، التي لم تكن مهيأة، بما فيه الكفاية، لتتصرف بالثروة، التي جاءتها فائضة عن الحاجة الإنسانية المتوازنة، ومن غير جهد أو مثابرة، فأفسدت الكثير من أفرادها، وفي المقدمة منهم الحكام فيها، فاستلبت منهم القِيم الروحية وواجباتها تجاه الله والإنسان. والذي أصاب الأقطار الأخرى، على أرض العرب، أصاب العراق، عندما اجتزأ منه الاستعمار جزءاً عزيزاً، هو الكويت، وأبعد العراق عن البحر، لكي يحرمه من جانب من اقتداره السوقي، وأبعد جزءاً من شعبه، وجزءاً من ثروته عن الأصل والمنبع. ونظراً لخصائص الإنسان في العراق، وطبيعة العمق العريق لحضارته، ولأن مصادر الثروة الجديدة فيه، تغطي كل أرضه، من الشمال مروراً بالوسط والجنوب، لم يستطع الاستعمار الغربي، أن يحقق في العراق، ما حققه عن طريق التجزئة مع الأقطار العربية الأخرى. فبقي العراق، عدا استثناءات معروفة في مسيرته، ليس بعيداً عن الله والإنسان فيه، وأصبح الله، بعد ثورة تموز (يوليه) العظيمة، عام 1968، بين النواظر، وفي العقول والقلوب والضمائر. ومن مَوقع آخر، صار الإنسان ذا مكانة متميزة، بوجه عام، إن كان في النظرة أو التصرف تجاهه، سواء على مستوى المواطنين أو القيادة، عدا جزئه المبعد عن المسار (الكويت). ولأن باب السماء، ينفتح للإرادة الفعالة، الخيرة، ولتصميم المؤمنين، الرافضين للذل والباطل والظلم، فقد انفتح باب السماء، سواء في عراق قبْل يوم النداء، في الثاني من أغسطس، أو في جزئه المبعد (الكويت)؛ وويل لمن ينفتح له باب السماء بشروطها، ويتأخر عن فرصته فيها، وويل لنا من عذاب الله، إنْ تأخرنا عن واجباتنا تجاهه. ومن جملة واجباتنا في أرضه، هو النضال والجهاد، من أجْل صحوة قومية عميقة، تضع الأمور في نصابها، وتعيد للإنسان العربي مكانته ودوره القائد، في رسالة الله، وفي رسالة الحياة. وإن هذا لا يتحقق قبْل أن تتحقق الشروط الصحيحة فيه، مبتدئين ب النفس، وإن النفس التي نقصدها، هنا، وطنية جماعية، وعند ذلك ، فلا تتحقق قاعدة ما هو صحيح، قبْل أن يعود الجزء المبعد عن أصله والمنبع. فكان الذي كان في يوم النداء، في الثاني من أغسطس. وإن يوم النداء لعظيم، فانفتح باب السماء ـ بإذن الله ـ أمام العراق، وانفتحت فرص واسعة، أمام كل العرب. ولكن في نفس الوقت، فقد انفتحت، بالتوازي مع هذه الفرصة، وكواحد من شروطها، ميادين منازلة جديدة للإيمان كله تجاه الكفر كله؛ وليس من هم أجدر من شعب القادسية وقيادته، من يملأ الفرصة بعد انتزاعها.

    واستناداً إلى كل هذا، وإشارة للمناشدة، الواردة في بيان حكومة الكويت الحرة، المؤقتة، واستناداً إلى التحول العظيم، الذي حصل في حياة شعبنا، بعد يوم النداء، وإلى دواعي المبادئ والقِيم والمعطيات، التي جاء بها ذلك اليوم الأغر، في الثاني من آب (أغسطس) من هذا الشهر، الذي باركه الله، بفاتحة انتصار العرب في قادسيتهم الثانية، ونظراً لما آل إليه الحال، بعد أن تزلزل كيان قارون، وبعد أن انخسفت به وبأعوانه الأرض، وبغية إضعاف أماني الخائبين والأشرار، من خارج وداخل الوطن العربي، ولوضع الأمور في نصابها الصحيح، بإعادة الجزء والفرع إلى الكل والأصل والمنبع، لتصحيح ما جار عليه الدهر، وإلغاء الغبن والحيف، الذي كان قد أصاب العراق في صميم كيانه، قبْل يوم النداء.

    فقد قرر مجلس قيادة الثورة، إعادة الجزء والفرع، إلى الكل والأصل، بوحدة اندماجية كاملة، أبدية، لا انفصام لها، تسود فيها نفس المفاهيم والقِيم، التي تسود في أجزاء العراق الأخرى، وبما يعزّز وحدة العراق، أرضاً وإنساناً ومياهاً وأجواء إقليمية.

أيها الشعب العراقي العظيم.

يا جماهير أمّة العرب.

    أيها القادة العرب، حيثما كنتم مع قِيم الحق ومصلحة العرب، وحيثما طردتم الغشاوة والأنانية، ورفضتم ضغط الأجنبي ودروبه وألاعيبه.

    هذا هو قرارنا، وهو قرار الحق والعدل والإنصاف. إنه قرار للحاضر، وهو قرار للمستقبل. وهو في الوقت الذي نطق فيه العراق، بعد أن عقد العزم، في الثاني من آب (أغسطس)، هو وكل أبنائه، على إنجاز هذا الواجب الوطني الشريف، قرار للأمّة ككل، لما يحمل من معاني القوة والاقتدار والإيمان والتطلع. إنه لكل العراقيين، من البر إلى البحر. وهو في نفس الوقت، لكل العرب الخيرين، من المحيط إلى الخليج.

    أمَا وقد اتخذنا قرارنا هذا، فنقول لكل الأشرار وكل المتآمرين، إن كل الأساطيل وأسراب الطائرات، وكل مراكز القوة الغاشمة في الأرض، سواء كانت داخل الوطن العربي أو خارجه، لن تهز سعف نخيل البصرة والقادسية والمثنى والكويت والجهرة ومدينة النداء (الأحمدي). نقول لهم، إننا سننازل قوّتكم الغاشمة، سواء هددتم بها أو استخدمتموها، منازلة تستحق كل تضحية نقدمها، ويقدمها معنا مناضلو العرب والمجاهدون وكل أخيار العرب. وستحرقكم دماء شهدائنا، ليبقى العراق عزيزاً، وليؤسس، بعزّه وعزّ الأقطار الأخرى، عزاً شامخاً لكل العرب. ونقول للخائفين مما يسمونه سابقاً "الكويت"، عليكم أن لا تتوهموا فتقيسوا الأمور قياسات مخطوءة، إذ إن ما بين العراق وأجزائه الجنوبية، في الجهرة ومدينة الكويت ومدينة النداء، هو قياس خاص بالعراق، ولا أطماع لنا بأرض أحد أو ثروته، وليتعظ من يتعظ. ونقول لمن يحاولون تجميع صفوف الشر، بأن الكثرة من العناوين المصطفة ضدنا، لن تحجب عنّا المحركين وزبانية جهنم وخزنة النار فيها، وإن ألسن لهيب النار، لن تزيد وجوههم الكالحة إلاّ اتضاحاً. وما دام الأمر في بدايته، فإن العراق كريم، وإن الله غفور رحيم، فليكفوا غيهم عن ميدانه، ويبعدوا نفث سمه عن ضلوعهم، لأن الاستمرار في خطة الغدر، والإعداد للعدوان، والمباشرة به، سوف تجعلنا نرصد، بدقة، دور كل شرير في هذه المؤامرة، ولن يغيب، عند ذلك، عنه الحساب ـ بعد أن يأذن الله ـ. وليكن قارون الكويت عِبرة وهداية، بدلاً من أن يكون عامل ثقل إضافي، لمزيد من الضلال والذنوب والظلم. وإن شعب العراق، الذي يعرفون، قادر على المجابهة حتى النهاية المظفرة، التي يريدها الله، ولن يخسر فيها إلاّ الخاسرون، وسوف تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، والفجر طالع، والشمس بازغة، تكشف دروب العتمة والغي. وإن خيرات العراق كثيرة، والخيرين من حوله كُثُر، وإن الباحثين عن دروب التجارة والمنافع كثر، وسيجدون طريقهم إلى العراق، مهْما بدا للضالين أن طوقهم محكم. وسيفشل العدوان والحصار الاقتصادي، ويفشل ـ بإذن الله وهمة العراقيين والعرب ـ العدوان العسكري. وبعد، فإننا ـ بعد أن نستأذن الله بطلب غفرانه وعونه ـ سنضرب الكفر كله بالإيمان كله.

    لقد بزغ فجر جديد في حياة العرب، يضيفونه إلى الأيام القليلة، التي يفرحون فيها مجتمعين، يعاونهم، كقنديل ضوء كبير، لتبديد وطرد العتمة والظلام، ولا مجال ليغيب عن مساره العظيم.

    لقد طلع الفجر ليبقى. وعلى الخفافيش أن تعود إلى جحورها. وإن الله لقدير، ولهم بالمرصاد. ويستجيب لأمره رجال أكثر حرصاً على الموت، عندما لا يكون إلاّ هو الخيار الشريف في سبيل الله، وحياة عزّ، لا تنقطع عن أولادهم وأحفادهم، من بعدهم، من حرص الأشرار على حياة الذل والتبعية. ونقول للأجنبي، إن المتورطين، سيدفعون ثمناً غالياً. وفي كل الأحوال، سيكون من آثار المنازلة، إن هي بدأت، أن تهتز وتتدحرج من الرؤوس والأكتاف، بقايا الشارات والرتب، وستزداد وتزهو أكاليل الغار ورتب الشرف والعزّ، على رؤوس وأكتاف النشامى. وسيلعن الله الملعونين، وسيدفع كلٌّ ثمن فعله، وسيصيب المؤمنين ما يصيبهم.

]قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ w

والله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. وليخسأ الخاسئون.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أيها الإخوة، وأيها الشرفاء، حيثما كنتم.

مجلس قيادة الثورة

في السابع عشر من محرم 1411هـ

الثامن من أغسطس 1990م