إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / المواقف وردود الفعل العربية، تجاه الغزو العراقي، خلال الأيام الأولى للأزمة









ثانياً: ردود الفعل العربية (2 ـ 10 أغسطس 1990)

ثانياً: ردود الفعل العربية (2 ـ 10 أغسطس 1990)

1. المملكة العربية السعودية

    في الساعة الخامسة من فجر يوم الخميس، الثاني من أغسطس 1990، أيقظ السفير عبدالعزيز السديري، سفير المملكة العربية السعودية لدى الكويت، خادم الحرمَين الشريفَين من نومه، وأخبره بنبأ دخول القوات العراقية الأراضي الكويتية. ومن هول المفاجأة، ظن الملك فهد، أن العراقيين احتلوا الجُزُر الكويتية، وحقول النفط الحدودية المتنازع فيها. ولكن السفير السعودي، أكد له أن القوات العراقية تزحف في اتجاه مدينة الكويت، وأصبحت قريبة منها. وحينئذٍ، طلب الملك فهد من أحد مستشاريه، أن يؤمن اتصالاً مع الرئيس العراقي. وجاءه الجواب، من أحد مستشاري الرئيس العراقي، وهو أحمد حسين خضير[1]، الذي كان موجوداً، آنئذٍ، في مكتب الرئيس العراقي، أن الرئيس غير موجود، وسيبلغه مكالمة جلالة الملك، ويطلب إليه الاتصال مع جلالته، من الفور.

    كان الرئيس العراقي، يراقب آخر التطورات العسكرية، بنفسه، من المقر العام لقيادة القوات المسلحة. ولما طال انتظار الملك فهد، اتصل بالملك حسين، موقظاً إياه من نومه، في الساعة الخامسة والربع. وأبلغه، بانفعال شديد، خبر الغزو العراقي للكويت واجتياحه لأراضيها، حتى باتت القوات العراقية على مقربة من مدينة الكويت. وطلب منه الاتصال بصدام حسين، ودعوته إلى سحب قواته، قبْل أن تتفاقم المشكلة. وقال له الملك فهد: "اِفْهَم من صدام ما هي الحكاية؛ فنحن لا نريد مشاكل". وقد طلب الملك حسين من الملك فهد إعطاءه فرصة، كي يستوضح الأمر، ويتصل بالرئيس العراقي، وقال له: "أنا أعتقد أنها عملية محدودة، ويمكن علاجها. سأتصل بالأخ صدام حسين، وأعود إليك في غضون دقائق.

    وراح الملك حسين يحاول الاتصال بالرئيس العراقي في بغداد، الذي كان لا يزال مجتمعاً مع كبار ضباطه، يتابع، باللاسلكي، تقدُّم القوات العراقية داخل الكويت. وأُبلغ الملك حسين، أن الملك فهداً على الخط، مرة ثانية، وجاءه صوت الملك فهد قائلاً، بانفعال: "لا. إنها ليست عملية محدودة. إنني سمعت، الآن، أنهم داخل قصر جابر".

    وتمكن الملك حسين من إجراء اتصال ببغداد. لكنه لم يوفَّق في الوصول إلى الرئيس العراقي. فقد تلقى المكالمة طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي، قائلاً: "آسف، يا جلالة الملك. فالرئيس صدام ما زال بعيداً من هنا، وقد رأيت أن أتلقى مكالمتكم، سيدي". عندئذٍ، سأله الملك حسين عمّا يجري على الحدود مع الكويت. وفهِم من الحديث أنها ليست عملية محدودة، كما قدَّر، من الوهلة الأولى. وأخبره أن الرئيس، سيشرح له الأمر بنفسه، عندما يتصل به، في ظرف دقائق قليلة.

    وصباح 2 أغسطس، تلقّى خادم الحرمَين الشريفَين مكالمة من الرئيس العراقي. وطلب الملك فهد من الرئيس العراقي، أن يتدارك الأمر، ويأمر بسحب قواته. ورد الرئيس العراقي قائلاً: "لا تقلق، يا جلالة الملك، سأبعث إليك عزة إبراهيم، ومعه رسالة، فيها كل التفاصيل".

    وصباح اليوم التالي، 3 أغسطس، أقلعت طائرتان عراقيتان، كلٌّ في اتجاه، واحدة تقلّ طه ياسين رمضان، نائب رئيس مجلس الوزراء، إلى صنعاء وعدد من العواصم العربية، لشرح وجهة النظر العراقية. بينما كانت الطائرة الثانية، تحط في جدة، وتقلّ وفداً، برئاسة عزة إبراهيم، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، إلى المملكة العربية السعودية، الذي جاء ليشرح للملك فهد دوافع العراق، وما حصل في لقاء جدة الأخير، مع الشيخ سعد العبدالله، والمشاكل الناجمة عن التعنت الكويتي، في خصوص الحدود والديون وأسعار النفط.

    كان الملك فهد مندهشاً من الطريقة الانفعالية، التي انتهجها عزة إبراهيم في وصفه موقف الكويت؛ إنها تريد خنق العراق. إنها مؤامرة محبوكة. إن هناك خطة لإماتة الشعب العراقي. وسأله الملك فهد، بهدوء، عن كيفية الخروج من هذا المأزق. وكان الرد على غير المتوقع، إذ قال: "بصراحة، سيدي، إن الكويت هي جزء من العراق، وقد عاد الفرع إلى الأصل". وكان رد الملك عنيفاً: "إذاً، لماذا جئتني اليوم؟ وفيمَ كنّا نتحدث، طوال هذا الشهر؟ أنتم اعترفتم باستقلال الكويت، عام 1963، وتعاملتم معها، كدولة مستقلة. وأمس كان أميرها عندكم، يمثّل دولته المستقلة". وانتهى اللقاء عند هذا الحد من النقاش، الذي لم يأتِ بنتيجة.

    وما أن انتهى هذا اللقاء، حتى اتصل الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، سفير المملكة العربية السعودية لدى واشنطن، هاتفياً، بخادم الحرمين الشريفين، من العاصمة الأمريكية[2]، يسأله، بدوره، عن التعليمات الجديدة، التي يمكن أن يناقشها مع الأمريكيين. وقد جاءه الرد، على جناح السرعة، من قِبل الملك: "لا بدّ للجماعة عندك، أن يكونوا حازمين". ورد عليه الأمير بندر قائلاً إنه لم يرَ أحداً من المسؤولين الكبار بعد. ولكنه سمع وشعر، أن الأمريكيين ثائرون. و"إنني قصدت أن أتصل بجلالتك، قبْل أن أقابل أحداً، حتى أكون على بيّنة". ثم عاود الأمير بندر الاتصال بالملك فهد، ليقول: "سمعت مصدراً، هنا في البيت البيض، يؤكد أن قوة عراقية مدرعة، تتقدم في اتجاه المنطقة المحايدة". وكان ذلك أول إيحاء من الولايات المتحدة الأمريكية للأمير بندر، أن العراق، قد يجتاز الحدود إلى المملكة العربية السعودية. وقد أبلغ الأمير بندر خادم الحرمَين الشريفَين، أن وزير الدفاع الأمريكي، أكّد له، "أن انتشار القوات الأمريكية في المملكة، هو أمر في منتهى الضرورة. وأن جماعة الكويت، لم يبلّغونا، رسمياً، المساعدة، إلاّ بعد دخول القوات العراقية عاصمتهم. فهل هذا ما تريد المملكة العربية السعودية أن تقتفي أثره؟". وكان رد الملك فهد على الأمير بندر: "انتظر، لنرى كيف ستسير الأمور".

    ومن القاهرة، كان صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، على اتصال مع خادم الحرمَين الشريفَين، بعد انتهاء الجلسة الصباحية لمؤتمر وزراء الخارجية، يسأله عن التعليمات، التي سيتصرف بمقتضاها. ولكن جلالة الملك فهداً، بادر إلى سؤاله عمّا إذا كان للعراق شركاء، مثل إيران، أو منظمة التحرير الفلسطينية، أو الأردن، أو اليمن. ولما جاء رد الأمير سعود مطمئناً، من هذه الناحية، عاد الملك فهد ليؤكد له: "عليكم بالتنسيق الكامل مع المصريين والسوريين. وأعلِم الجميع أن الموقف خطير جداً. ويمكن أن تنفتح معه أبواب جهنّم.

    وعقب إعلان بيان وزراء الخارجية العرب، مساء 3 أغسطس[3]، اتصل الملك حسين بخادم الحرمَين الشريفَين، هاتفياً، وأبلغه نتائج مباحثاته مع الرئيس العراقي في بغداد، ثم ما جرى بينه وبين الرئيس حسني مبارك، بعد تلك المباحثات. وعندما قال الملك حسين للملك فهد: "إن الرئيس صدام حسين، وافق على عقد قمة مصغّرة في جدة، يوم الأحد 5 أغسطس"، لم ينتظر الملك فهد حتى يكمل الملك حسين حديثه، بل قاطعه قائلاً: "أي قمة مصغّرة؟ وهل بقي لدينا وقت للقمم؟ وما هي الفائدة؟". وتابع الملك حسين حديثه قائلاً: "إن العراقيين، وافقوا على الانسحاب". وإن الرئيس صدام، قد أبلغه، بعد مغادرته بغداد بساعة، أن مجلس قيادة الثورة، وافق على مبدأ الانسحاب. وإنه قرأ، بعد عودته إلى عمّان، تصريحاً رسمياً، باسم مجلس قيادة الثورة العراقي، يشير، صراحة، إلى نية الانسحاب". وقال له الملك فهد، إنه لم يطلع على مثل هذا البيان، وإنه سيطلبه ليقرأه. وعلى فرض أن هناك مثل هذا البيان، فإنه يخشى أن يكون في الأمر خدعة جديدة.

    صباح 4 أغسطس، اتصل الأمير بندر بن سلطان، بالملك فهد، يستأذنه في الحضور إلى جدة، ليشرح له ما رآه من صور الأقمار الصناعية، عن حشود عراقية، تتحرك في المنطقة المحايدة، بين المملكة والكويت، وعرْض بعض الأمور المهمة، التي سمعها من الرئيس الأمريكي، بوش، والجنرال برينت سكوكروفت، مستشاره للأمن القومي، ومن الجنرال كولين باول، رئيس هيئة الأركان المشتركة، عن التهديد الذي تواجهه المملكة. وقد وافق الملك فهد على حضور الأمير بندر، نظراً إلى خطر الموقف.

    وبعد أن أكمل الملك فهد مكالمته مع الأمير بندر، اتصل بالملك حسين. وقال له، لدى سماعه صوته: "إنك كنت تحدثني، أمس، عن قبول الإخوان في العراق فكرة عقد مؤتمر قمة مصغّر، وقبولهم مبدأ الانسحاب. وقبْل قليل، أبلغني بندر، من واشنطن، أن الأمريكيين، أطلعوه على صور أقمار صناعية، تكشف وجود قوات عراقية، تتحرك في المنطقة المحايدة، بيننا وبين الكويت، وتقترب من حدود المملكة". وكان رد الملك حسين، أنه وقد رأى صدام حسين وسمع منه، بالأمس، يستبعد مثل هذا الكلام، وأنه سيتصل بالرئيس صدام حسين، ويسأله عن الأمر مباشرة.

    اتصل الملك حسين، من عمّان، بالرئيس العراقي، وأخبره بما سمع من الملك فهد. وكان أول تعليق للرئيس صدام حسين على كلام الملك حسين: "إن ذلك الكلام غير معقول؛ فنحن وقّعنا مع السعودية معاهدة عدم اعتداء، وكان ذلك بناءً على اقتراح مني شخصياً، للملك فهد". ثم توقف صدام حسين عن الحديث، وقال للملك حسين انتظرني لحظة. وتحدث إلى رئيس أركان الجيش العراقي، الذي كان يقف إلى جواره، ليتحقق منه ما سمعه. وسمع الملك حسين، الذي كان لا يزال على الهاتف، أصداء الحديث بينهما. ثم عاد إليه صوت الرئيس العراقي، يقول له: "(أبو) عبدالله، ليس لدينا قوات عراقية، على الإطلاق، قرب المنطقة المحايدة، أو قرب السعودية، وأقرب قوات لنا في المنطقة، هي بعيدة ثلاثين أو أربعين كم عن أي نقطة سعودية. وقد طلبت إلى القيادة العسكرية، الآن، أن تحرص على ألاّ تقترب قوات العراق، بأي حال، من المنطقة المحايدة، وأن تظل على بُعد خمسين كم، على الأقل، من أقرب مركز سعودي. وتستطيع أن تنقل ذلك عني إلى الأخ فهد وتطمئنه". وفي نهاية الحديث، سأل الملك حسين عن مواعيد الانسحاب. ورَد عليه الرئيس صدام: "إن لواءً عراقياً كاملاً عشرة آلاف جندي ـ قد غادر الكويت، فعلاً، صباح اليوم. وسنعلن جدولاً بخطة الانسحاب، نبلغه إلى الأمم المتحدة.

    وعاد الملك حسين إلى الاتصال بالملك فهد، يبلغه ما دار بينه وبين الرئيس صدام حسين. وقال الملك حسين إنه يخشى أن تتعقد الأمور لتتجاوز القدرة على حلِّها، وإنه يقترح أن يتوجه، الآن، إلى جدة لمقابلة الملك بنفسه، لكي يتحدثا معاً، علّهما يتوصلان إلى سبيل لتدارك العواقب. ولكن الملك فهداً، اعتذر له، لانشغاله في اجتماعات، في جدة، وطلب منه تأجيل هذه الزيارة، في الوقت الراهن، وقال إنه سيطلب من الأمير سعود الفيصل، أن يمر عليه، في عمّان، وهو في طريقه من القاهرة، عائداً إلى جدة. إلاّ أن الأمير سعود الفيصل، لم يتمكن من زيارة عمّان نظراً إلى ارتباطه باجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذين رأوا أن وجودهم في القاهرة جميعاً، هو فرصة ملائمة لعقد اجتماع لهم، يختلف في جدول أعماله عن جدول أعمال وزراء خارجية الدول العربية الأخرى، وجدول أعمال وزراء خارجية الدول الإسلامية. ولذا، قرر الملك فهد، أن يبعث الشيخ عبدالعزيز الخويطر، وزير التعليم، مبعوثاً خاصاً له، يقابل الملك حسيناً.

    ويروي الملك حسين، أنه شرح للشيخ عبدالعزيز الخويطر تفاصيل ما جرى بينه وبين الرئيس صدام حسين. كما شرح له خطر الموقف، إذا ما تُركت إدارة الأزمة في أيدٍ غير عربية. وقال: "إن هناك مَن يقدّمون إلى الملك فهد أخباراً، تثير أعصابه، من نوع هذا الذي نقلوه إليه، عن تقدّم قوات عراقية نحو الحدود السعودية". وأضاف: "خطر لي أن أعرض على الملك فهد اقتراحاً، بإرسال كل الجيش الأردني إلى الحدود السعودية مع العراق، ليكون أول مَن يتصدى للجيش العراقي، إذا خطر لأحد أن يطلب من هذا الجيش التقدم صوب السعودية". لكنه تردد في عرض هذا الاقتراح، لأنه خشي أن يُساء تأويله، ويُفسَّر بأنه دليل على نيات هاشمية ضد المملكة العربية السعودية.

    وفي 6 أغسطس 1990، بدأ القطار الأمريكي يتحرك، متجهاً إلى منطقة الخليج. فقد هبطت طائرة الرئاسة الرقم (2)، في مطار جدة، ونزل منها وزير الدفاع الأمريكي، "ريتشارد (ديك) تشيني Richard (Dick) Cheney"، يرافقه الجنرال "نورمان شوارتزكوف Norman Schwarzkopf"، قائد القيادة المركزية الأمريكية، والجنرال "بول ولفوفيتز Paul Wolfowitz" ، نائب وزير الدفاع للشؤون الدولية، و"روبرت جيتس Robert Gates"، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في ذلك الوقت، والجنرال "تشارلز هورنر Charles Horner"، قائد القوات الجوية للقيادة المركزية الأمريكية، والجنرال "جون يوساك John Yeosock"، قائد القوات البرية للقيادة المركزية الأمريكية. ويصحبهم خبير بقراءة وتحليل صور الأقمار الصناعية، من الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، وبعض كبار المساعدين. وكان في استقبالهم، في المطار، الأمير بندر بن سلطان.

    ومساء اليوم نفسه، كان وزير الدفاع، وأعضاء الوفد الأمريكي، إضافة إلى السفير "تشارلز فريمان Charles Freeman"، سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة، يقابلون خادم الحرمَين الشريفَين، ومعه الأمير عبدالله، وليّ العهد، النائب الأول لرئيس الوزراء، والأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية، والأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز[4]، نائب وزير الدفاع، وعثمان الحميد، مساعد وزير الدفاع، والفريق الأول الركن محمد صالح الحماد، رئيس هيئة الأركان العامة، والأمير بندر بن سلطان، الذي تولى الترجمة للملك فهد.

    بدأ الملك فهد حديثه باستعراض علاقاته الشخصية بالرئيس الأمريكي، جورج بوش، منذ سنوات طويلة، وبإعجابه بمواقفه ومميزاته. وافتتح تشيني كلامه، بأن الولايات المتحدة الأمريكية، تعدّ المملكة العربية السعودية شريكاً، وصديقاً رئيسياً لها في المنطقة، وأنها وقفت إلى جانبها في كل الظروف، خاصة حينما واجهت المملكة خطر وجود القوات المصرية في اليمن، عام 1962، ثم إبّان الحرب العراقية ـ الإيرانية، وما تعرضت بسببه الملاحة، والذي تصدت له البحرية الأمريكية، وكفلت حرية الملاحة في الخليج.

    وبعد هذا العرض الذي قدمه تشيني، عن المساعدات التي قدَّمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية، في الأزمات التي هددت أمنها، دخل الوزير الأمريكي في صميم موضوع أزمة الخليج، مباشرة، وقال إن الرئيس الأمريكي، بوش، يقترح إستراتيجية، على مستويَين:

المستوى الأول: تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية على الدفاع عن المملكة، ضد أي هجوم محتمَل.

المستوى الثاني: العمل على حصار العراق بالوسائل الاقتصادية (على أساس قرار مجلس الأمن، الرقم 661، الذي تلقّى تشيني نصه، أثناء تحليقه في الجو، في طريقه إلى جدة).

    وتابع الوزير الأمريكي اقتراح الرئيس الأمريكي، وقال: "إن العقوبات الاقتصادية، وحدها، من وجهة نظر الرئيس بوش، لن تكون كافية لأداء الغرض. لكن تقديره أنه عندما يستشعر صدام حسين الضغط، فقد يجد مخرجه في شن هجوم على المملكة. ولهذا، فإن من المهم، أن نكون مستعدين على المستويَين: مستوى الدفاع، ومستوى الحصار...".

    وبعد أن انتهى الوزير الأمريكي من شرح اقتراح الرئيس بوش، استأذن الملك فهد، في أن يترك الكلام للجنرال نورمان شوارتزكوف، الذي راح يتحدث عن مسرح العمليات، وخلص إلى القول: "إننا نعتقد، أن صدام حسين، يمكن أن يهاجم المملكة، في غضون 48 ساعة. ولا نعرف، على وجه التحديد، ما الذي يدور في رأسه". ثم أضاف: "إننا نعلم، أن هناك 22 طائرة عراقية، موجودة في إحدى القواعد الجوية القريبة. ومعها طائرات التزود بالوقود في الجو، لكي تسمح لها بمدى عمل أبعد. ولكننا لا نعرف الهدف من وراء ذلك. ومن المحتمَل أن يكون مقصوراً على مهاجمة الأسطول الأمريكي".

    حاول شوارتزكوف أن يكون متوازناً في عرضه. فلم يشأ أن يقول، إن هذه القوة الجوية العراقية موجَّهة ضد المملكة، حتى لا يخطر ببال الملك فهد، أن الجنرال الأمريكي، يحاول تخويفه. ولكن الملك فهداً، فهم الإيماءة، ورد عليه بقوله: "كنا نعتقد أن صدام حسين رجل صادق. ولقد قال لنا، ولكم، ولـ مبارك، إنه لن يهاجم الكويت، وحدث العكس". ولقد وصل الملك إلى نقطة أساسية في حديثه عندما قال: "إننا، الآن، على بيّنة من نياته. وما دام الاستعداد كافياً، والقوة متوافرة، فإننا في وضع، يسمح لنا بدفع هذه العملية العراقية. وإنني لممتن، أن هذا يحدث".

    واستكمل شوارتزكوف حديثه، فتكلم على حجم القوات العراقية، ودرجة استعدادها. وبيّن أن قدراتها، ليست على درجة عالية من الكفاءة؛ إذ إنها لا تتقن الهجوم. وضعفها الرئيسي في نظام القيادة المركزي. وضباطها لا يستطيعون التصرف، إلاّ إذا صدرت إليهم الأوامر. لكنها، في النهاية، خصم صلب. ثم انتقل إلى القوات الأمريكية، المخصصة للعملية (1002 ـ 90) 1990[5] .

    وقد دارت عدة مناقشات فرعية. قال الملك، في نهايتها، لوزير الدفاع الأمريكي: "نحن موافقون على المبدأ. والله يساعدنا على أن نقوم بالعمل الذي يلزم". وأضاف الملك قائلاً: "إن المهم، الآن، أن نحمي بلدنا، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد فكرنا في دعوة دول عربية صديقة أخرى، إلى الاشتراك معنا، ومعكم". ورد وزير الدفاع الأمريكي بقوله: "إن هذه فكرة رائعة". وعقّب الملك فهد على ذلك بقوله: "إن بعضهم أصدقاء لكم، ولنا". ثم استطرد الملك: "إن علينا أن نعمل معاً، بصرف النظر عمّا يمكن أن يقوله الآخرون".

    وعند اقتراب اللقاء من اللحظات الختامية، قال الملك فهد لوزير الدفاع الأمريكي، ريتشارد تشيني: "في الختام، أقدِّم شكري إلى الرئيس، وإلى نائب الرئيس، وإلى كل الوزراء، وإلى مجلسَي الكونجرس، وإليك شخصياً؛ فإنك جئت إلى هنا بهدف واحد، وهو هدف مساعدة المملكة.

    إنني أرجو أن تنتهي المشكلة في المنطقة بسرعة، لكي أجيء إليكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وأقِّدم بنفسي شكري للجميع". وقال تشيني أنه سيسافر في صباح اليوم التالي (7 أغسطس)، تاركاً فريق عمل في المملكة، لترتيب بعض الإجراءات الضرورية. وأضاف الملك فهد، ناصحاً لوزير الدفاع الأمريكي: "كلما تحدثت أقلّ إلى وسائل الإعلام، كان ذلك أفضل". وتولى الأمير بندر، فيما بعد، توضيح مغزى هذه النصيحة لوزير الدفاع، التي كانت تستند إلى نقطتَين:

الأولى: حاجة المملكة إلى وقت، ترتب فيه نفسها وأصدقاءها ووسائل إعلامها، قبْل أن تظهر نتائج     الاتفاق إلى العالم. كما أنه من المستحسن، أن يكون الموقف العربي معَداً لقبول النتائج، التي أسفر عنها هذا الاتفاق.

الثانية: إتاحة الفرصة للحشد الأمريكي، أن يُجمع بهدوء، من دون أن يتنبه صدام حسين. فهناك     فترة حرجة، ستمتد أياماً، قبْل وصول القوات الأمريكية، وستكون قوات الحشد ضئيلة، في     عددها وعدتها. وقد يخطر ببال الرئيس العراقي، أن يأخذ الكلَّ على غرة، ويتحرك قبْل أن يصل الحشد إلى درجة الخطر عليه.

    وقبل أن يغادر وزير الدفاع الأمريكي جدة، انتقل إلى الخطوة الثانية، طلب تفويض من الرئيس بوش، لبدء التحركات، بعد أن أبلغه، هاتفياً، موافقة الملك فهد على دعوة القوات الأمريكية. وبدأت أوامر التحركات تصدر إلى القوات الأمريكية، لتنفيذ الخطة (1002 ـ 90)، وبداية تحرك القطار الأمريكي.

    ويعتقد بعض المحللين أن الملك فهداً، قد اتخذ قراره التاريخي، استدعاء القوات الأجنبية، في 6 أغسطس، حينما عرض عليه تشيني صور الأقمار الصناعية. لكن الحقيقة، أن قرار الملك، لم يكن وليد لحظته. ولم يكن موضع خلاف داخل العائلة المالكة. ولم يتدخل في اتخاذ الملك فهد هذا القرار شخص أجنبي، أو غير أجنبي؛ فمثل هذا القرار الحيوي، الذي يتعلق بمصلحة المملكة، لا يتَّخذ لتعليق عابر، من هنا أو هناك. فواقع الأمر، أن هذا القرار التاريخي، كان مدعوماً من كبار أفراد العائلة المالكة، وفقاً لاتفاق متأصل، منذ زمن بعيد، في المملكة، يقضي بأنه إذا تعرض أمن المملكة العربية السعودية ووحدة أراضيها للخطر، من قوة لا طاقة للسعوديين بها، فالمملكة لا تتردد في طلب المساندة من أي دولة صديقة، تجمعها بها مصالح مشتركة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

    وفي 7 أغسطس 1990، كان ريتشارد تشيني، لا يزال في المملكة العربية السعودية، ويستعد لمغادرتها، إلى جمهورية مصر العربية، بعد أن أنجز مهمته. وفي صباح هذا اليوم، وصل ياسر عرفات، ومعه صلاح خلف (أبو إياد)[6] ، قادمَين من ليبيا، في مهمة وساطة جديدة. ولكنهما لم يتمكنا من مقابلة الملك فهد، الذي اعتذر عن عدم مقابلتهما، لانشغاله مع وزير الدفاع الأمريكي. وأبلغهما أحد مساعدي الملك فهد، أنه لن يتمكن من مقابلتهما، قبْل يوم غد. وغادرا المملكة، في طائرة سعودية خاصة[7]، على أن يعودا في اليوم التالي.

    وفي هذا الوقت، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها قررت إرسال قوات أمريكية إلى المملكة العربية السعودية، للدفاع عنها. وفيما كانت الطائرات الأمريكية المقاتلة، وطلائع الفِرقة 82، المحمولة جواً، تصل إلى المملكة، صدر، في الرياض، قرار إغلاق أنابيب النفط العراقية، المارّة عبر الأراضي السعودية، إلى المرافئ المطلة على البحر الأحمر.

    وفي يوم 8 أغسطس، عاد إلى المملكة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأبو إياد. واستقبلهما الملك فهد. وعرض ياسر عرفات على الملك مشروعاً، أعده هو والعقيد معمر القذافي[8]، يمكن صدام حسين أن يوافق عليه. ويتضمن هذا المشروع، أن ينسحب العراق من الكويت، على أن تدفع إليه تعويضات، وأن يستأجر جزيرتَي وربة وبوبيان، وأن تحل قوات ليبية ـ فلسطينية محل القوات العراقية، وأن يبدأ الجانبان مفاوضات، لحل الخلافات بينهما. وكان رد الملك عليه، أن على صدام حسين، أن يرضخ، أولاً، لشروط المجتمع الدولي، ثم يمكن أن يناقَش أي شيء. وعندما اكتشف ياسر عرفات إصرار الملك فهد على ضرورة انسحاب العراق من الكويت، وعودة حكام الكويت، بدأ يشرح للملك المشاكل المالية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والعواقب التي يمكن أن تحدث لها، من جراء هذه الأزمة. وقد استمر الحديث نحو 10 دقائق. وخُتِم بقول الملك فهد: "يؤسفني أنكم أنكرتم ما قدّمه إليكم الكويتيون. لقد جئتم تحملون وجهات نظر المعتدي، وتتجاهلون المعتدَى عليه، والذي عشتم على أرضه، وشاركتموه لقمته". وانتهى اللقاء عند هذا الحد، وغادر ياسر عرفات ومرافقه المملكة، إلى بغداد.

    وفي يوم الخميس، 18 محرم 1411 هـ، الموافق 9 أغسطس 1990، وجّه خادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، كلمة، تحدث فيها عن مجريات الأحداث، وعن قراره التاريخي، الذي اتخذه لحماية أمن المملكة العربية السعودية من أي اعتداء عليها. وشرح في كلمته، الجهود والمحاولات، التي بُذلت مع كلٍّ من الحكومتَين، في الجمهورية العراقية ودولة الكويت، من أجْل تطويق الخلاف الناشئ بين البلدَين. كذلك محاولات المملكة رأب الصدع، وتقريب وجهات النظر، والحيلولة دون تصعيد الأمور بينهما، إلى أن أقدَم العراق على غزو الكويت وما تلاه من أحداث، ثم حشد القوات العراقية على حدود المملكة، إذ قال: "وأمام هذا الواقع المرير، وانطلاقاً من حرص المملكة على سلامة أراضيها… أعربت المملكة العربية السعودية عن رغبتها في اشتراك قوات عربية شقيقة، وأخرى صديقة. فبادرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، كما بادرت الحكومة البريطانية، ودول أخرى، بحكم علاقات الصداقة التي تربط بين المملكة العربية السعودية وهذه الدول ـ إلى إرسال قوات، جوية وبرية، لمساندة القوات المسلحة السعودية على أداء واجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين، ضد أي اعتداء، مع تأكيد أن هذا الإجراء، ليس موجَّهاً ضد أحد، وإنما هو لأغراض دفاعية محضة، تفرضها الظروف الراهنة، التي تواجهها المملكة العربية السعودية". (أُنظر وثيقة القرار التاريخي لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، الذي أعلنه إلى الشعب السعودي، في يوم الخميس، 9 أغسطس 1990)

    وظُهر 10 أغسطس 1990، كان الملك فهد بن عبدالعزيز، يرأس وفد المملكة إلى مؤتمر القمة العربية الطارئة، في القاهرة. وفي مساء اليوم نفسه، اختتم مؤتمر القمة العربية، بإصدار قرار، يدين الغزو العراقي للكويت، ويستنكر حشد العراق قواته المسلحة على حدود المملكة العربية السعودية ويؤيد الإجراءات، التي تتخذها المملكة، ودول الخليج الأخرى، إعمالاً لحق الدفاع الشرعي. ويستجيب لطلب المملكة نقْل قوات عربية، لمساندة قواتها المسلحة، دفاعاً عن أراضيها وسلامتها الإقليمية، ضد أي عدوان خارجي.




[1] أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد.

[2] كان الأمير بندر قد سمع بنبأ الغزو عند منتصف الليل في لندن، ومن الفور، ركب طائرته، قاصداً واشنطن. وبمجرد وصوله، اتصل بالملك فهد، هاتفياً، يسأله عن التعليمات.

[3] بيان وزراء الخارجية العرب، مؤرخ في 2 أغسطس 1990، وأُعلن في 3 أغسطس، بناءً على طلب الملك حسين، ريثما يعود من بغداد، بعد مشاوراته مع الرئيس العراقي.

[4] كان الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع السعودي، آنئذٍ، يقضي فترة نقاهة، في المغرب، من عملية جراحية في الركبة. وقد استُشير في كل مرحلة، وفي كل جانب من جوانب الأزمة. وتوجه ليلة 6 أغسطس إلى جدة، حيث اجتمع إلى ريتشارد تشيني، في اليوم التالي، قبل مغادرته المملكة.

[5] وضعت هذه الخطة، لمواجهة الاتحاد السوفيتي، في منطقة الخليج. وطرأ عليها عدة تعديلات، في ضوء الحرب العراقية ـ الإيرانية. وأضيف إليها احتمال تدخّل  إيران أو العراق، في منطقة الخليج. وكان آخر تعديلاتها في يناير 1990. وأُقرت من وزارة الدفاع الأمريكية، في يوليه.

[6] الزعيم الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد)، مناضل وقائد فلسطيني. أدى دوراً رئيسياً، داخل حركة `فتح`، وكثيراً ما كان يوصف بأنه الرجل الثاني، بعد ياسر عرفات. ولد في عام 1933. واستشهد في 14 يناير 1991، في تونس، على يد شاب فلسطيني، يدعى حمزة أبو زيد، ينتمي إلى جناح أبو نضال، المنشق عن منظمة `فتح`، وله علاقة بالموساد.

[7] كان ياسر عرفات ينوي الذهاب إلى فيينا، لتشييع جثمان المستشار النمساوي، كرايسكي.

[8] أُعد هذا المشروع، في 7 أغسطس 1990، أثناء زيارة الرئيس ياسر عرفات ليبيا. ويتضمن ست نقاط.

[9] توقيت القاهرة يتأخر ساعة عن توقيت الكويت.

[10] كان الرئيس الأمريكي، جورج بوش، قد اتصل بالملك حسين، في عمّان. ولكن الملك، كان في طائرته، في طريقه إلى القاهرة. وحينما علم الرئيس بوش بذلك، طلب وصله بالرئيس حسني مبارك، الذي كان، هو الآخر، في طريقه من برج العرب إلى الإسكندرية، لاستقبال الملك حسين. وعندما وصل الرئيس مبارك والملك حسين إلى قصر التين، علم كلُّ منهما أن الرئيس بوش اتصل به، فاتفقا على أن يتصلا به معاً.