إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ردّ فعل جامعة الدول العربية، وموقفها تجاه الغزو العراقي خلال الأيام الأولى للأزمة









وثيقة

وثيقة

كلمة الرئيس حسني مبارك

في افتتاح القمة العربية الطارئة بالقاهرة

في 10 أغسطس 1990

بسم الله الرحمن الرحيم

نفتتح مؤتمر القمة، غير العادي، الذي يعقد للنظر في التطورات الخطيرة، التي يشهدها العالم العربي، بغرض تطويق الأزمة الحالية، التي تهدد أمن وسلامة المنطقة، ومحاولة إيجاد حل لها، يستند إلى الشرعية الدولية، وإلى مبادئ وميثاق جامعة الدول العربية. وأستأذنكم في إلقاء كلمتي، في بداية هذا المؤتمر.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، ملوك ورؤساء وأمراء الأقطار العربية الشقيقة.

اسمحوا لي أن أرّحب بكم، أيها الإخوة في بلدكم الثاني، مصر. وأن أعبّر لكم عن خالص الامتنان والتقدير، لاستجابتكم الجماعية والتلقائية، لدعوتنا لعقد هذا المؤتمر الطارئ، بالقاهرة، لبحث قضية هامة، عاجلة، تشغل أذهان شعوبنا في الوطن العربي، على امتداده، وتسبب كثيراً من القلق لمعظم شعوب العالم، التي تتطلع إلى الأمّة العربية، في هذه اللحظات الحرجة، في محاولة للتعرف على حقيقة ما يدور على أراضيها، والتساؤل عمّا ستفعله للخروج من المأزق، الذي وضعت فيه، بعد الأحداث الأخيرة.

إن خَطْباً جللاً، قد وقع على أرضنا، في الأيام الماضية. وقد حدث على نحو مفاجئ، وبصورة لم تشهدها أمّتنا العربية في تاريخها، القديم والحديث. ويخالف توقعات الجماهير العربية، في الشرق والغرب. فكان طبيعياً أن تكون له انعكاساته وأصداؤه المدوية في كل بقاع العالم، وأن تكون له مخاطره الجسيمة، بالنسبة لنا جميعاً، ومن ثَم، فإن المسؤولية، تنعقد علينا، فردياً وجماعياً، للتصدي لهذه المخاطر.

وأودّ أن أقر، في بداية كلمتي، أن هذا المؤتمر، لم يقصد به، ولن يكون ساحة لإحراج القطْر العراقي الشقيق، وتوجيه الاتهامات له، بصورة أو بأخرى، أو النَّيل من دوره واعتباره. فنحن جميعاً نعتز بالعراق وشعبه، ونعتز بدوره، كرافد من روافد القدرة العربية، عبر تاريخ أمّتنا الطويل.

إننا جميعاً حريصون على العراق، بكل ما يمثله الشعب: الحضارة، القدرة، الدور. وليس مِنا مَن يقبَل التفريط في أي عنصر من هذه العناصر الأساسية في البنيان العربي. ويعلم الله، أن هذا الحرص على العراق ومنجزاته وقيادته، كان هو السبب، الذي دفعنا، جميعاً، إلى التسابق من أجْل احتواء الأزمة، التي ثارت بسبب خلافات بين العراق ودولة الكويت، الشقيقَين، والتي تحتل في قلوبنا جميعاً مكانة، لا تختلف عن مكانة الآخر. ولذا، فنحن لا ننحاز لطرف على حساب الآخر، لأن مفهوم الأمّة لدينا، يستلزم أننا نسلّم، أولاً، وقبْل كل شئ، بأن جميع الأقطار العربية، تحتل نفس المَوقع في الإطار العربي العام، وأنها تشكل حلقات متكافئة في منظومة الأُسرة العربية، بصرف النظر عمّا تملكه من عناصر القوة، البشرية أو المادية أو العسكرية؛ لأن القوة هي طرف العرب جميعاً، وليست قوة طرف أو آخر، أو قوة دولة على حساب دولة أخرى. وبغير هذا، لا ينبغي لنا أن نستخدم تعبير الأمّة العربية.

أيها الإخوة الأعزاء.

لسنا بحاجة للخوض في تفاصيل الأحداث، التي وقعت في الشهر الماضي، والأيام التي انقضت من هذا الشهر، فتلك وقائع نعرفها جميعاً، وندرك أبعادها ونتائجها. كما أننا نعلم علم اليقين، أنها أصبحت تستأثر باهتمام العالم، بشرقه وغربه وشماله وجنوبه، وتفتح الباب لمضاعفات خطيرة، لن تتوقف عند حدود بلد عربي معيّن، أو تفرّق بين نظام وآخر، بل إنها سوف تجرف الجميع، وتعصف بأمنهم واستقرارهم، في الحاضر والمستقبل، وتحول المنجزات، التي حققوها، إلى هدائم، تذروها الرياح، وتذهب سدًى. ويكفي، في هذه العجالة، أن أشير إلى نقاط معيّنة، أراها ضرورية وحيوية، للخروج من هذا المأزق.

أولاً: إن الخيار، أمامنا، واضح، بيِّن؛ عمل عربي ليصون المصالح العليا للأمّة العربية، ويحفظ لنا العراق والكويت معاً، على أساس المبادئ، التي ارتضيناها ليصلا بين المباح والمحرم، وبين الحق والباطل. وإمّا تدخّل خارجي، لا قول لنا فيه، ولا سيطرة لنا عليه. ولا يمكن أن يكون المحرك إليه، هو الحفاظ على كيان العرب وحقوقهم، بل إنه سوف يسترشد، بالضرورة، بأهداف القوى، التي تضطلع به وتسانده.

وبعبارة أخرى، فليس من البدائل المطروحة أو المقبولة، أن يبقى الوضع على ما هو عليه، لأنه وضع مختل، متفجر، يتفاقم، كل يوم، من سيئ إلى أسوأ، ويحمل بين ثناياه مخاطر جمّة لنا جميعاً.

ثانياً: إن المظلة العربية، للخروج من هذا المأزق، تمثّل الخيار المأمون والمضمون، الذي التزمنا جميعاً بقبوله، يوم وقّعنا ميثاق جامعة الدول العربية، ومعاهدة الدفاع المشترك، والبديل الذي كرسناه في العرف العربي، والممارسة المتصلة، قرابة نصف قرن. وكانت فترة مشحونة، مليئة بالمنازعات، التي أفرزتها عوامل متشابكة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحصول الأقطار العربية على استقلالها، والاختلاف في الرؤية، في كثير من القضايا، السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ثالثاً: إنه إذا كان هدف الوحدة العربية، هدفاً عزيزاً غالياً علينا جميعاً، فإنه لا بدّ أن نضع له إطاره السليم، وآلياته ووسائل تحقيقه، بالتدرج الذي يأخذ الأمر الواقع بعين الاعتبار، والالتزام بتوفير عنصر التراضي، لدى كافة الأطراف. فلم يعد من الجائز، أن تتحقق الوحدة بقوة السلاح، كما كان يحدث في الأزمان الغابرة. كما أنه ليس من الجائز، أن تفرض على شعب بعينه، لاعتبارات، تاريخية أو جغرافية أو اقتصادية، معيّنة، أو تحت ضغط أو إكراه.

رابعاً: إن مبدأ اللجوء إلى القوة، داخل الأُسرة العربية، هو مبدأ مرفوض، بالنظر إلى الخطورة، التي يمثلها للنظام العربي كله. فهو يلغي تماماً مفهوم التضامن العربي، ويضرب في مقتل، فكرة وحدة المصلحة والمصير، ويدفع العربي، مرغماً، إلى التفكير في أخيه العربي، على أساس أنه قد يشكل خطراً عليه وعلى أمنه ومصالحه؛ وتلك هواجس كفيلة بنسف الأساس، الذي يقوم عليه كيان الأمّة الواحدة. ويتصل بهذا المبدأ قضية أخرى، لا تقلّ عنه أهمية، وهي ضرورة الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية؛ لأن هذا التدخل، كان من الأساليب، التي تلجأ إليه القوى الكبرى، عند تعاملها مع الدول الصغيرة، لتعصف بسيادتها، وتهيمن على شؤونها. ولهذا، فقد عُنِي ميثاق الأمم المتحدة، الذي وضع في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بإبراز أهمية هذا الالتزام.

        ويحضرنا، في هذا المقام، أن الأخ، الرئيس صدام حسين، قد عُني عناية خاصة بهدف تحريم استخدام القوة بين الأقطار العربية. فنراه يحرص على إصدار إعلان قومي، في الثامن من فبراير عام 1980، نص، في مادته الثانية، على ما يلي، بالحرف الواحد: "تحريم اللجوء إلى القوات المسلحة، من قِبل أية دولة عربية، ضد أي دولة عربية أخرى. وفض أي منازعات، يمكن أن تنشأ بين الدول العربية، بالوسائل السلمية، وفي ظل مبادئ العمل القومي المشترك، والمصلحة العربية العليا".

        وقد تكرر هذا الالتزام، على لسان الأخ الرئيس، في مناسبات عديدة، بصورة تثبت أنه يشكل حجر الزاوية في فكر القيادة العربية ومنهجها.

خامساً: إن مبدأ الاستيلاء على الأرض بالقوة، يشكل تهديداً جسيماً للأمّة العربية، بالفعل، وإضراراً بقضاياها الأساسية، وإضعافاً للحجج، التي تسوقها في المحافل الدولية، وهي تسعى لحماية حقوقها ومصالحها. ولسنا في حاجة إلى تحديد هذه الأضرار فهي معروفة لنا جميعاً، وبكل تفاصيلها.

سادساً: إن مفهوم الأمن القومي العربي، وهو موضوع في غاية الأهمية؛ لأن الأمن هو أساس الوجود، وهو الشرط الأساسي، الذي لا غنى عنه للبقاء والتطور والتقدم، والعنصر الذي يجعل الإنسان قادراً على الإنجاز والإبداع.

        وقد بذلت محاولات عديدة، للتوصل إلى رؤية مشتركة للأمن القومي العربي، نتفق عليها، ونتبنّاها، ونلتزم بها. وقد تطرقنا إلى هذا الموضوع، في كثير من مداولاتنا، في مؤتمر قمة الرباط، في العام الماضي، وفي مؤتمر قمة بغداد الأخير. وما زال هناك الكثير، الذي يمكن إضافته، حتى تتبلور تلك الرؤية المتكاملة، مستوحاة من المواثيق التي وقّعناها، ومن إيماننا بالعلاقة المصيرية التي تربطنا، وتعريفنا للأخطار التي تواجِهنا.

        وعندما نتوصل إلى صياغة هذا المفهوم الموحد للأمن العربي، فإنه يكون طبيعياً، عندئذٍ، أن نتفق على اقتسام المسؤولية والتبعات، كلٌّ في حدود قدرته وطاقاته، طالما أننا سوف نقتسم المكاسب، الناجمة عن إقامة نظام منيع للأمن القومي العربي، يحمي مصالحنا، ويذود عن ديارنا ومقدساتنا.

سابعاً: إننا يجب أن نولي اهتمامنا خاصة بأمن جميع الأقطار العربية في الخليج، وتعزيز شعور أبنائها بالأمان والاستقرار. فمن المقطوع به، أن الأحداث الأخيرة، قد عصفت بإحساسهم بالأمن والطمأنينة، وبدلت رؤيتهم للأخطار المحدقة بهم ومصادرها، ولطبيعة العلاقات بين الأقطار الخليجية والبلدان المجاورة.

        وأحب أن يطمئن أشقاءنا، في كل دول الخليج، إلى أننا ملتزمون بالوقوف معهم بحزم وصرامة في سعيهم المشروع لتعزيز أمنهم واستقرارهم، والزود عن حقوقهم ومصالحهم عسى أن يكونوا على اقتناع تام بأن مظلة الحماية العربية هي الأقدر والأفضل لنا جميعاً، وأنه ليس هناك في الحقيقة والواقع بديل عنها أو منافس لها.

ثامناً: إننا لا نستطيع أن نفكر ونتحرك بمعزل عما يدور حولنا في عالم اليوم، أو نتحدث بلغة لا تتفق مع مفاهيم العصر، الذي يشهد تغيرات جذرية عميقة من ساعة إلى أخرى. لأن الحركة السياسية في أي من المناطق الإقليمية لا يمكن أن تنفصل عن الحركة العالمية الأشمل. ولذلك، فإن علينا أن نهتدي عند تحديد المباح والمحرم. ورؤية المجتمع الدولي والقيم التي يرفعها، وفي مقدمتها نبذ استخدام القوة. ورفض العدوان. واحترام حقوق الإنسان. والالتزام بالشرعية.

تاسعاً: إن العالم بأسره يتجه إلينا بأبصاره، بين صديق يتمنى أن نتغلب على أحزاننا، ونقضي على الفتنة، قبل أن تستفحل ويستشرى خطرها، وحاسد يتشفى في أبناء الأسرة الواحدة، الذين أنقلبوا على أنفسهم، وتورطوا في اقتتال لا يمكن أن يُسفر عن غالب ومغلوب، أو منتصر ومهزوم؛ فكلنا خاسرون، في مصالحنا وأمننا وهيبتنا، لدى سائر الأمم والشعوب.

عاشراً: إن الطريق مُعبّد للتوصل إلى اتفاق حول النقاط الرئيسية، التي تؤدي إلى الخروج من هذا المأزق، فإذا خلصت النوايا، وصحت العزائم، فإن لدينا من الصيغ، ما يتيح لنا أن نضع حدّاً لهذه الأزمة، خلال أيام معدودة. ولنا في القرار، الذي أصدره مجلس الجامعة العربية، في الثالث من هذا الشهر، بداية، نستطيع أن نبني عليها، ونضيف إليها.

والمهم في كل هذا، أن يكون واضحاً، أنه لا حل للأزمة، ولا خروج من المأزق، إلاّ بانسحاب القوات العراقية من أرض الكويت، وترْك شؤون الكويت الداخلية لشعبه، دون معقب عليه أو رقيب، واحترام الوضع الشرعي للحكومة، كما كان قائماً قبْل وقوع الغزو العراقي، وكما هو معترف به من العالم أجمع، وإلغاء كافة القرارات والإجراءات، التي صدرت على خلاف ذلك.

أيها الإخوة الأعزاء

لقد دقت نواقيس الخطر، في مرحلة من أدق مراحل النضال العربي، وتعاظمت التهديدات والتحديات، التي تواجِهنا، ونحن نرنو بأبصارنا إلى فجر جديد، يسوده السلام والاستقرار والتقدم. فهل تعجز أمّتنا، صاحبة التراث الحضاري الهائل، والرصيد الروحي الحافل، عن استيعاب حقيقة التحديات والتهديدات التي تصادف طريقها؟ وهل تنصرف شعوبنا إلى خلافات مصطنعة، وعداوات مفتعلة، لا جذور لها في تاريخنا وتراثنا، وتبتعد عن الأهداف القومية الكبرى، التي ترسخ وجودها، وتعمق كيانها، وتصون مصالحها؟

كلاّ، لن يكون هذا. لن يكون عربي القرن الحادي والعشرين، هو العاجز والتائه في ظلمات الجهل والشلل. ولن تكون الأمّة العربية، هي الرجل المريض، في هذا العصر. ولن تضيع سدًى أرواح الشهداء، الذين سقطوا فداء أوطانهم وأمّتهم، في كل شبر من الأرض العربية الطيبة. ولن نضل طريقنا، أو نخطئ أهدافنا. أهدافنا: مزيد من القوة، مزيد من العزة لكل شعب عربي، وسيلتنا: مزيد من التضامن العربي الشامل، الذي يظلل جميع أفراد الأُسرة الكبيرة، أينما كانوا، وتحت أي ظروف وجدوا.

إيماننا جازم بأن كل ما يصيب شعباً عربياً من ضرر، هو ضرر علينا جميعاً، وبنفس القدر. مسيرتنا يرعاها الله، وتصونها المبادئ، وتحفظها القِيم الرفيعة من الزلل والخطأ. قلوبنا طاهرة مطهرة، وسرائرنا نقية، تدفعنا إلى توحيد صفوفنا، وجمع كلمتنا، على طريق الحق والخير. فلنمضِ إلى العمل، في هذه اللحظات العصيبة، مزوَّدين بدعاء شعوبنا، بأن يلهمنا الله الرؤية، ويمنحنا القوة، لتحقيق ما يتطلع إليه كل عربي، أينما كان موقعه وموطنه. والله يوفقنا، ويهدي خطانا، ويرعى عملنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.