مقدمة

    لم يحدث، طوال رحلة، استغرقت 45 عاماً، هي عمر جامعة الدول العربية، أن اعتدت دولة عربية، بجيوشها وبقرار من رئيسها وقائدها الأعلى، على دولة عربية أخرى، عضو في الجامعة العربية واحتلتها، بل ابتلعتها ابتلاعاً تاماً. فالقضية، منذ البداية، قضية عربية غير مسبوقة في تاريخ النظام الإقليمي العربي. وهي أزمة، لم تواجِه الدول العربية مثلها من قبْل، ولم تكن في حسبان أحد على النحو الذي سارت عليه.

    كما تمثّل هذه الأزمة، بكل المعايير، السياسية والاقتصادية والأخلاقية، تراجعاً خطيراً في الوضع العربي، بعد ما شهدت الحقبة، السابقة على هذا العمل العدواني، انتعاشة قوية، وعاصرت بعضاً من الدلائل المهمة على وجود توجُّه قوي، من كافة الأطراف، نحو إعادة صياغة الأولويات العربية، لتحقيق قدر من السيطرة على مجمل الصراعات العربية ـ العربية. وهذه الانتقالة الإيجابية في الوضع العربي، جاءت نتيجة مباشرة لنمو صيغ متعددة للتعاون العربي المشترك، على المستوى الإقليمي، وبعد أن حققت الانتفاضة الفلسطينية، في الأرض المحتلة، ميلاداً جديداً للروح العربية المؤثرة الفاعلة.

    لقد كانت الأرض العربية ممهدة تماماً، لبدء مرحلة جديدة، قوامها المصالح العربية المشتركة. غير أن تلك الأزمة، أعادت الأوضاع العربية إلى أسوأ مراحلها، وكشفت عمق التناقضات العربية ـ العربية.