إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / ردّ فعل جامعة الدول العربية، وموقفها تجاه الغزو العراقي خلال الأيام الأولى للأزمة









ثالثاً: إلى قمة عربية عاجلة

ثالثاً: الدعوة إلى قمة عربية عاجلة

وفي 8 أغسطس 1990، قرر الرئيس محمد حسني مبارك، أن يوجِّه حديثاً إلى الأمّة العربية. وفي اليوم نفسه، قرر الرئيس الأمريكي، جورج بوش، كذلك، أن يوجِّه حديثاً إلى الأمّة الأمريكية. وكاد الحديثان يكونان في لحظة واحدة. ففي الساعة التاسعة صباحاً، بتوقيت واشنطن (الرابعة بعد ظهر 8 أغسطس، بتوقيت القاهرة)، كان الرئيس جورج بوش، يتصدر شاشات التليفزيون، في كل بيت ومكتب، في الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت نبرته حازمة وقاطعة، بشكل لا مثيل له منذ بدأت الأزمة. وقال: "إننا نطلب انسحاباً فورياً، وكاملاً، وغير مشروط، لكل القوات العراقية الموجودة في الكويت". ثم قال: "إن مهمة قواتنا، التي ذهبت إلى المملكة العربية السعودية، بناء على طلب المملكة، هي مهمة دفاعية، ونأمل ألاّ تدعو الحاجة إلى بقاء هذه القوات طويلاً في الخليج. إن هذه القوات مكلَّفة بالدفاع عن نفسها، وعن المملكة العربية السعودية، وعن كل أصدقائنا في الخليج".

وفي الساعة الثالثة، بعد ظُهر اليوم نفسه، 8 أغسطس 1990، بتوقيت القاهرة، عقد الرئيس مؤتمر صحفي عالمي، ليلقي بياناً إلى الأمّة العربية، وكان حديثه مأسوياً ومؤثراً. وكان أبرز ما قاله: "إن الصورة سوداء ومخيفة. وما لم نتدارك الموقف، فوراً، فإن الحرب حتمية". (أُنظر وثيقة بيان الرئيس حسني مبارك، في المؤتمر الصحفي العالمي، الذي عُقد في القاهرة، في 8 أغسطس 1990، في شأن أزمة الخليج). وكان خطاب الرئيس مبارك، في هدفه الأساسي، دعوة إلى مؤتمر عربي، ينعقد على مستوى القمة، في القاهرة، فوراً[1].

ولم يَدْعُ الرئيس مبارك، في تلك اللحظات الحرجة، إلى تلك القمة، إلاّ بعد استشارة عدد من القادة العرب في عقْدها، بل لم يكن الرئيس المصري، هو الذي اقترح مؤتمر قِمة عربياً؛ وإنما هو رغبة زعماء آخرين، وذلك من خلال الاتصالات الهاتفية، التي جرت مع الرئيس السوري، حافظ الأسد، والرئيس الجزائري، الشاذلي بن جديد، والرئيس الليبي، معمر القذافي، في أن يدعو الرئيس مبارك إلى القمة، على أن يصلوا إلى القاهرة بعد ساعات من الدعوة. وكانت هذه الدعوة محاولة جادّة لوقف التصاعد، وحل الأزمة حلاً حاسماً، وإيجاد مخرج للعراق، لكي ينهي تورطه في الكويت. ولم يكن النداء، الذي وجّهه الرئيس مبارك، يحذر من وقوع حرب، في أقل من 24 ساعة؛ فلم تكن القوات الموجودة في الخليج تكفي لذلك، لكنه كان يحذر من شيء أشد خطراً، وهو بدء انفلات الأزمة من الأيدي العربية، إذ كان لديه معلومات كاملة عمّا يدور، وكان من الواضح، بالنسبة إليه، أنه إذا لم تحسم المشكلة، خلال يومين على الأكثر، فإن حسمها لن يكون عربياً.

وبدأ الملوك والرؤساء العرب يتوافدون على القاهرة. وكان أول القادمين، هو العقيد معمر القذافي، الذي وصل بعد ساعات قليلة من خطاب الرئيس مبارك. ثم تلاه وصول الآخرين. وكانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في تونس، تتابع وصول الملوك والرؤساء إلى القاهرة، بدهشة. وعقّب أمين عام الجامعة العربية، الشاذلي القليبي، على ما يحدث بقوله "إنها أول مرة، توجَّه فيها الدعوة إلى اجتماع على مستوى القمة بوساطة الإذاعة". وقصد الأمين العام بتلك الطريقة المهذبة، أن الأمانة العامة، لم تُستشر في الأمر، ولم يطلب إليها ترتيب الاجتماع، بما في ذلك توجيه الدعوة إليه، خصوصاً أنها المسؤولة عن تنظيمه وتطبيق لوائحه. وطلبت وزارة الخارجية المصرية إلى الأمين العام، أن يجيء إلى القاهرة، من الفور، لأداء دوره. فردّ بأنه "ليست هناك طائرات، في الليل، بين القاهرة وتونس". وتقرر إرسال طائرة ليبية إلى تونس، تجيء بالأمين العام.

كان يفتَرض، أن تنعقد الجلسة الأولى للمؤتمر في 9 أغسطس، إلاّ أن عدم وصول هيئة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى القاهرة؛ وهي التي تتحمل المسؤولية الرسمية عن الإعداد للمؤتمر، كان من الأسباب الرئيسية، التي حالت دون عقد القمة، في ذلك اليوم. فقد وصلت الطائرة الليبية، المقلة للأمين العام ومساعديه، لَيْلَتَئذٍٍ، متأخرة إلى مطار القاهرة. كما لم يكن قد اكتمل وصول كل الملوك والرؤساء العرب، إمّا لأسباب خاصة، أو للامتناع، أصلاً، من حضور القمة. وعلى سبيل المثال، فإن الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، بعث برسالة، يرجو فيها تأجيل المؤتمر يومَين أو ثلاثة، حتى يمكن الإعداد له بوساطة اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، يحضّر جدولاً للأعمال، ومشروعات للقرارات. ولكن رسالته وصلت متأخرة، لأن أغلبية الملوك والرؤساء العرب، كانوا، بالفعل، في العاصمة المصرية. وبشكل ما، بدا موقف العاهل المغربي، الملك الحسن الثاني، متحفظاً، إذ اعتذر عن المجيء، بسبب شواغل تستبقيه في المغرب، وقرر أن يمثله عز الدين العراقي، رئيس وزرائه.

وانقضى يوم 9 أغسطس، من دون أن يلتئم الاجتماع، سواء على مستوى وزراء الخارجية، أو على مستوى القِمة. وكان قصر المؤتمرات، في مدينة نصر، ساحة لفوضى عارمة من الأخبار والشائعات. وحاول الوفد العراقي عقد اجتماع تمهيدي لوزراء الخارجية العرب، لوضع جدول لأعمال الملوك والرؤساء العرب. واتصل طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي، بالأمين العام للجامعة العربية، الشاذلي القليبي، الذي وصل إلى القاهرة قبل ساعات من وصول الوفد العراقي، لكي يسأله عن موعد الاجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية العرب، الذي يجب أن يسبق اجتماع القمة، ويُعِدّ لها مشروع قراراتها. وكان رد الأمين العام، أنه لم يبلغ أي شيء عن اجتماع لوزراء الخارجية، وأنه هو نفسه يحاول الاتصال بالوفد المصري لكونه ممثل الدولة المضيفة، لكي يطرح السؤال عينه. ورأى طارق عزيز، أن يختصر المسافة، فاتصل بالوفد المصري، سائلاً عن اجتماع وزراء الخارجية وموعده ومكانه. وكان الرد عليه، أن الموقف معقد جداً، وبلا سابقة، وأنه ليس هناك اجتماع لوزراء الخارجية، قبْل القِمة، وأن الأزمة، بمجملها ستعرَض على الملوك والرؤساء، ليروا فيها رأيهم. ورد طارق عزيز، بأنه "لم يعرف، من قبْل، في السوابق الدبلوماسية، أن مؤتمراً على مستوى القمة، اجتمع، من دون أن يسبقه، ولو بساعات، اجتماع لوزراء الخارجية، يتفق على مشروع جدول أعمال وعلى مشروعات قرارات". وكان الرد عليه، "أن الظروف الاستثنائية، تفرض أوضاعاً استثنائية، وأن هذا هو الحال، هذه المرة". وقال وزير الخارجية العراقي، إنه يريد أن يسجل احتجاجه على هذا الوضع.

ثم أذيع في أرْوِقَة قصر المؤتمرات وردهاته، أن اجتماعات القِمة الرسمية، ستبدأ في الساعة التاسعة، من صباح الجمعة، 10 أغسطس.



[1] سبق أن ذكر الرئيس مبارك أثناء لقاءه بالرئيس ياسر عرفات، يوم 6 أغسطس 1990، أن سورية وجهت الدعوة إلى مؤتمر قمة عربي، وأنه يفكر في توجيه دعوة مماثلة لقمة تنعقد في القاهرة