إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / اللعبة السياسية، وإدارة الأزمة









مقدمة

14. كرت الاقتصاد

كان صدام يعاني أزمة اقتصادية حادة، ففي النصف الأول من عام 1990، هبط سعر برميل النفط بنسبة 30%، أي من 21 دولاراً في شهر يناير إلى 14 دولاراً فقط في نهاية الفترة. وكان صدام في أمس الحاجة إلى عائدات النفط ليعيد بناء اقتصاده الذي أرهقته الحرب، كما كان عاجزاً، في الوقت نفسه، عن الحصول على قروض جديدة من الهيئات الدولية، إذ بلغت ديونه المتراكمة 70 ملياراً من الدولارات. ولعله، بسبب هذه الضغوط الاقتصادية، رأى في انهيار أسعار النفط مؤامرة حيكت ضده!.

في ربيع عام 1990، أيقن صدام أنه على حافة الإفلاس، ويعتقد المراقبون أن زيارة رئيس الوزراء اليوغسلافي إلى بغداد كانت العامل الحاسم في زيادة هذا الإحساس وتعميقه، أو كما يقول المثل كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فعندما كان طه ياسين رمضان، نائب الرئيس العراقي، في رفقته وهو في طريقه إلى المطار، طلب منه قروضاً مالية جديدة، إلاّ أن رئيس الوزراء اليوغوسلافي لم يبد استعداداً لإجابة الطلب. وزاد الأمر سوءاً حيث أدلى بتصريح لوكالة الأنباء اليوغوسلافية تانيوج (Tanjug)، عند وصوله إلى بلاده، ذكر فيه أنه أخبر العراقيين بأن يوغوسلافيا قدمت كل ما تستطيع لمساعدتهم أثناء حربهم على إيران، وأنها الآن في حاجة إلى استيفاء ديونها. ويبدو أن تلك النكسة ركزت انتباه صدام على الأزمة المالية الخانقة التي كان يعانيها العراق، لا سيما أنه عجز عن الحصول على القروض المتوسطة الأجل التي سعى إليها لدى الأوروبيين أو اليابانيين أو بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي. كان يفتقر إلى المال اللازم لتنفيذ عدد من المشاريع المُلحة حين بدأ الدائنون يلحُّون في المطالبة بديونهم. ولإنقاذ الموقف أرسل صدام رئيس وزرائه سعدون حمادي إلى الكويت ليطلب مبلغ 10 مليارات من الدولارات فوراً. وعرض الكويتيون عليه مبلغ 500 مليون دولار فقط، مما جعله يَعُد هذا العرض إهانة لا تغتفر.

تسبب ارتفاع أسعار النفط، الذي رافق الغزو العراقي للكويت، في هز النظام الاقتصادي العالمي، فقد ارتفعت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً، في أواسط شهر أكتوبر عقب الغزو، مما كان يعني تحمل الاقتصاد الأمريكي وكثير من الدول المتحالفة أعباء باهظة، إضافة إلى النفقات الأخرى المرتبطة بالتعبئة العسكرية.

كذلك لحقت ببلدان العالم الثالث أضرار شديدة، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة المتصاعدة والتكاليف الأخرى. وعلى سبيل المثال، تكلفت الهند نفقات، تقدر بـ 2.5 مليار دولار بحلول منتصف شهر سبتمبر 1990، لمواجهة ارتفاع أسعار النفط والحاجة إلى إعادة توطين العمال العائدين من الخليج.

كذلك خسرت دول أوروبا الشرقية نحو أربعة مليارات من الدولارات كان العراق قد استدانها منها، إضافة إلى خسائر أخرى نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والركود الاقتصادي، الذي عرَّض نجاح التحول الاقتصادي فيها إلى الخطر.

استخدم صدام هذا الكرت الاقتصادي بصورة أخرى تمثل ضغطاً على كل من الأردن وتركيا ودول العالم الثالث، التي لها أبناء يعملون في منطقة الخليج، مثل الفليبين وكوريا الجنوبية وباكستان وبنجلاديش والهند. وذلك أن نصف الاقتصاد الأردني تقريباً يرتبط بالاقتصاد العراقي بصورة مباشرة، وتحقق تركيا أرباحاً معقولة من تجارتها مع العراق، ومن الرسوم التي تحصل عليها مقابل مرور أنابيب النفط من أراضيها.

وكان الهدف من هذا الكرت تهديد الدول بإلحاق الأضرار الاقتصادية البالغة بها، إذا اتخذت موقفاً معارضاً لغزو العراق للكويت.

15. الكرت الأردني

هو كرت كان له بعض الآثار الإيجابية على العراق، ولكنه فشل في النهاية، وبيان ذلك كما يلي:

أ. أصبح الاقتصاد الأردني، نتيجة الحرب العراقية ـ الإيرانية، يعتمد اعتماداً أساسياً على العراق، ومن ثم كان صدام متأكداً من وقوف الأردن إلى جانبه، ولم يكن مستبعداً مع غزو العراق للكويت أن يعاود الملك حسيناً حلمه باستعادة الحجاز التي كانت تخضع لحكم جده الأكبر.

اتصل خادم الحرمين الشريفين بالملك حسين في الساعات الأولى من الغزو فقيل له أنه نائم، وبدا لخادم الحرمين الشريفين أن الملك حسيناً كان يتهرب من التحدث إليه.

كان كل من الملك حسين وياسر عرفات قد أكدا أن صداماً ليست لديه نية الهجوم على المملكة. كانا يقولان للملك: "لِم كل هذا التوتر، لقد أكد لنا صدام نفسه أنه لا يضمر لكم شراً".

ب. بذل الملك حسين محاولات مستميتة لإبعاد خطر الحرب عن العراق، وتهدئة الأمور، وقال الملك حسين للرئيس بوش: "إن الحشود الأمريكية في الشرق الأوسط قد رفعت حدة التوتر في المنطقة إلى حد كبير". فقاطعه بوش بقوله: "لم نكن نحن الطرف الذي رفع حدة التوتر في المنطقة، وحشودنا العسكرية، التي تتحدث عنها، كانت رداً على احتلال عسكري عراقي للكويت". وأضاف بوش ملاحظة قال فيها إنه يدرك "أن الملك حسين يشعر بالقلق من أوضاع الأردن الاقتصادية، بعد فرض الحصار الكامل على العراق، ولا شك أن دولاً عربية أخرى تستطيع مساعدة الأردن".

وأحس الملك حسين بالحرج وقال للرئيس بوش: "إنه لم يأت إلى هنا ليبحث هذا الموضوع، وإنما جاء ليبحث موضوعاً آخر أكبر منه بكثير وهو موضوع السلام". ورد الرئيس بوش بقوله: "إنه لن يسمح لصدام حسين بالسيطرة على ثلث إنتاج الخليج اليوم، وثلثي احتياطي العالم من النفط غداً". ثم قال بوش: "أنتم العرب تعيشون على برميل بارود هذا الرجل هددكم وما زال يهددكم. وهو يستطيع أن يفعل ذلك معكم ولكن ليس معنا. نحن بعيدون عنه، ولكن لنا في المنطقة مصالح حيوية ونحن هناك لحمايتها". واستمر الحديث بين الملك حسين والرئيس بوش بين الأخذ والرد، ثم تحول الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى الهجوم المباشر، فقال للملك حسين: "إن ميناء العقبة ما زال مفتوحاً للعراق على الرغم من قرار صادر من الأمم المتحدة. والأردن لا يستطيع أن يخالف قراراً يعبر عن إرادة الشرعية الدولية، ولهذا فإن الأردن يجب أن يطبق إجراءات الحصار وإلاّ وجد نفسه يواجه الإرادة الدولية". وكان معنى ذلك لا يحتمل اللبس، وأبسطه أنه إذا لم ينفذ الأردن  إجراءات الحصار فإن القوات البحرية سوف تضطر لفرض أحكامه على ميناء العقبة. ورد الملك حسين بأن "الأردن ليس خارجاً عن الشرعية الدولية ولا عن قرارات مجلس الأمن".

ج. على المستوى الشعبي الأردني، أصدرت نقابة العمال الأردنية بياناً تحدثت فيه عن فضل أبناء الأردن وفلسطين في بناء حضارة الخليج. كما شنت جريدة العرب هجوماً لاذعاً على عرب الخليج، ووصفتهم بالأرداف الضخمة والأفواه الشرهة.

د. اتخذت الصحف الأردنية جميعها موقفاً مؤيداً في اليوم التالي مباشرة للغزو، أي في الثالث من أغسطس 1990، وادعت هذه الصحف أن التحرك العراقي كان هدفه الأول الحفاظ على ثروة النفط العربية، حتى ترفع الأمة رأسها وتعزز قدراتها. ويلاحظ أن الصحف الأردنية قد طرحت هذا الشعار قبل أن يطرحه العراق نفسه. وقد أكدت صحيفة الدستور الأردنية في افتتاحيتها لهذا اليوم: "إن ما حدث في الكويت حدث وأصبح الوجود العراقي حقيقة واقعة...".

هـ. صدر بيان من مجلس رؤساء النقابات المهنية في الأردن وصف فيه يوم الغزو العراقي للكويت بأنه يوم تاريخي في حياة الأمة العربية.

و. شن الملك حسين هجوماً على الكويت وبقية دول الخليج في حديثه إلى التلفزيون الأمريكي بعد أسبوع من الغزو؛ لأنها كانت السبب في انهيار أسعار النفط الذي لم يؤثر على العراق فقط، ولكنه أثر على المنطقة كلها، وأن هذا هو الأمر الذي دفع العراق للقيام بالغزو، ويعدّ هذا أول اعتراف من الملك بشرعية الغزو العراقي.

ز.     أعلن ولي العهد الأردني الأمير حسن بن طلال في مقابلة مع مراسل شبكة CNN أن هناك الكثير من العوامل التي تجعل الاحتلال وارداً، فهناك دولة غنية صغيرة بجانبها دولة كبيرة فقيرة ومسلحة، وكان ولي العهد الأردني يقصد بذلك العلاقة بين الكويت والعراق.

ح. نشطت الدبلوماسية الأردنية من أجل دعم الموقف العراقي. وزار رئيس وزراء الأردن مضر بدران سورية بعد أسبوع من الغزو، أي في يوم 9 أغسطس 1990، لحث سورية على مؤازرة العراق وإعادة فتح خط أنابيب النفط العراقي الذي كان يمر عبر الأراضي السورية، والذي أُغلق في وقت سابق إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية. كما أجرى الملك حسين اتصالات عاجلة مع رؤساء وحكام مصر وسورية وليبيا وقطر والبحرين واليمن لعقد قمة مصغرة في جدة، وزعم أن مؤتمر القمة العربية الذي عقد في القاهرة هو الذي أجهض هذه القمة المصغرة المقترحة.

أكد الملك حسين في خطابه أمام القمة أن للعراق ديناً في أعناق الأمة العربية، حين حارب عنها وخرج منتصراً، وكان يقصد بذلك حربه مع إيران، ثم أعلن أنه لن يرسل أي قوات أردنية إلى المملكة العربية السعودية ما لم تسحب الولايات المتحدة الأمريكية قواتها.

تقول مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية إبان الأشهر الأولى للاحتلال، في مذكراتها المنشورة، أنها كانت متألمة من موقف الملك حسين ملك الأردن، الذي لم يكن فقط يسمح بخرق الحصار على العراق من خلال التسهيلات التي يقدمها في ميناء العقبة، بل ويبرر الاحتلال العراقي للكويت. وتقول: "عندما جاء الملك لمقابلتي في 31 أغسطس 1990 بدأ الحديث مبرراً ما فعله العراقيون، فقلت له أنني أعجب من تبريرك لما هو واضح، إنه اعتداء سافر من جانب العراقيين. وأضافت أن الملك يجب ألا يحاول التفاوض نيابة عن العراقيين، بل عليه تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تفرض الحصار ضده، ولقد كنت واضحة في هذا الأمر". وتضيف: "ولكن لم يكن أي قدر من الضغط على الملك حسين ليجعله يغير من موقفه الذي بناه على حسابات أنه لا يستطيع أن يقف ضد صدام حسين .. ويبقى".

تغيرت لهجة النظام الأردني بعد ذلك، على إثر مشاعر الغضب التي عمت العديد من دول العالم ضد العدوان، وحاول الملك حسين امتصاص مشاعر النقمة العالمية على موقفه، فأصدر بياناً يوم 8 أغسطس 1990م أي بعد يوم واحد من حديثه التلفزيوني يعلن فيه أن الأردن لا تعترف بضم الكويت إلى العراق، وأنه ما زال يعترف بنظام الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت وحكومته التي كانت قائمة قبل الغزو.

ثم ما لبث الأردن أن أدان الغزو العراقي وأكدت سيادة الكويت والاستجابة لمطلب المملكة العربية السعودية بإرسال قوات عربية مساندة.

ط. محاولة صرف الأنظار عن مركز الصراع إلى الاهتمام بالتهديد الإسرائيلي للأردن

(1) كان الأردن يدرك أن أي صراع عسكري بين العراق وإسرائيل سوف يدفع الأردن ثمنه، وكان الملك حسين يردد دائماً قول موشيه أرينز من أن إسرائيل سوف ترد على الفور إذا عبرت القوات العراقية الحدود إلى الأردن.

(2) حذر متحدث رسمي أردني إسرائيل من استغلال الموقف الحالي في الخليج والقيام بشن عدوان على الأردن، ووصف التصريحات الإسرائيلية بأنها مستفزة، ووضع الأردن قواته في حالة تأهب كامل من 2 أغسطس 1990، أي منذ اليوم الأول للغزو.

(3) طرحت الصحف الأردنية تكوين كتلة واحدة ـ تضم الأردن والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية ـ في مواجهة العدو المشترك.

ي. محاولة إيجاد موقف وسط لا يغضب العراق ولا يهدد مصالح الأردن

(1) رغم إعلان الأردن أنه يحترم قرارات الأمم المتحدة بفرض الحصار على العراق، إلا أن العراق استمر في استخدام ميناء العقبة الواقع على ساحل البحر الأحمر لخرق الحصار الدولي المفروض عليه.

(2) ألغت الأردن جميع الرسوم المفروضة على وسائل النقل والبضائع المنقولة عبر الأردن إلى العراق، وكانت قيمتها حوالي 500 مليون دينار أردني. وأكد ولي العهد الأردني أنه لا يستطيع تنفيذ العقوبات ضد العراق، لأنها سترهقه اقتصادياً، وبرر إلغاء الرسوم بأنها لتسهيل الحركة التجارية بين البلدين.

(3) قرر الأردن إغلاق سفارته في الكويت وبذلك ألغى فعلياً قراره بعدم الاعتراف بعملية ضم الكويت إلى العراق واكتفى بالسفارة الأردنية في بغداد مؤكداً تحديه السافر للإرادة الدولية.

(4) حاول الأردن إقناع العالم برغبته في أن يسود السلام في المنطقة، وأعلن الملك حسين أنه سوف يقوم بمبادرة دبلوماسية قبل أن تشتعل الحرب في المنطقة، وحاول من خلال جولة كبيرة في العديد من الدول العربية والأجنبية شملت إحدى عشرة دولة أن يركز على ثلاث نقاط:

(أ) النقطة الأولى: تبرير موقف الأردن المؤيد للعراق في محاولة لتخفيف حدة الغضب الدولي الذي تتعرض له بلاده.

(ب) النقطة الثانية: محاولة طرح مبادرات جديدة للوصول إلى تسوية سياسية تتجنب الحل العسكري.

(ج) النقطة الثالثة: محاولة تشكيل جبهة دولية تقف مع العراق ضد التدخل الأجنبي في المنطقة.

(5) طرح مبادرة سلمية لتسوية الأزمة بالاشتراك مع منظمة التحرير الفلسطينية تقضي بانسحاب متزامن بين القوات العراقية من الكويت والقوات الأجنبية من المنطقة. وإرسال قوة عسكرية عربية إلى الكويت وبدء مفاوضات تستمر من 6 شهور إلى سنة، بين الكويت والعراق، حول المشاكل المعلقة بينهما. ولم تلق هذه المبادرة أي استجابة عربية أو دولية.

ك. في 13 يناير 1991، صرح الملك حسين بأن الحرب لن تقع "لأنها جنون ولأنها ستكون دون منتصرين ويخسر فيها الجميع". وأوضح أن العراق ليس وحده الذي سيرجع إلى الوراء بسبب التدمير الذي ستخلفه الحرب، ولكن "أعمال عنف واضطرابات ستجتاح كل المنطقة وتؤثر على العالم". وحذر الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص وقال إنها "لم تعمل ما فيه الكفاية حتى الآن" من أجل حل عربي لأزمة الخليج. وقال أن "بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تربح الحرب لكنها ستخسر العالم العربي أجمع". وأشار إلى احتمال قيام "انتفاضة" تشمل العالم العربي، لكنه أضاف: "أشعر بأن هناك فرصة للسلام  وسنقوم بكل ما يمكننا لتجنب الحرب إذا كانت لدينا الإمكانية". وقال إن أي استخدام للقوة ضد العراق من جانب القوة المتعددة الجنسية التي يغلب عليها أمريكيون سينزل كارثة بالعالم العربي ويشل العلاقات العربية ـ الأمريكية في المستقبل.

وخاطب الملك حسين الأمريكيين في حديثه من العاصمة الأردنية عمّان لشبكة تلفزيون "كيبل نيوز" بقوله: "قد تفوزون في معركة لكنكم ستخسرون العالم العربي كله". وأضاف: "لا أحد ينازع في قوة الولايات المتحدة الأمريكية وقدرتها على إنزال كثير من الضرر، لكن إنزال مثل هذا الضرر في هذه الحالة، في حرب ضد شعب عربي بأكمله، ستكون ضد الشعب المسلم وستكون النتائج رهيبة. لا أظن أن مستقبل العلاقات الأمريكية ـ العربية سيكون مشرقاً جداً".

ل. الهدف السياسي لكرت الأردن

كسر الحصار الاقتصادي المفروض على العراق. واستخدام الأردن لتنفيذ الشق السياسي للعمليات العراقية. وكانت السفارة العراقية في عمّان هي المركز الرئيسي للجاسوسية العراقية والتخطيط العراقي أثناء الصراع.

16. كرت الأغنياء والفقراء

ربط العراق بين القضايا العربية، والانسحاب من الكويت، وركز على إعادة توزيع الثروة العربية توزيعاً عادلاً، من ناحية، وعلى ظلم بلاد الشمال الغنية لبلاد الجنوب الفقيرة، من ناحية أخرى، بهدف خلخلة موقف الدول المعارضة للغزو في الأمم المتحدة.

الهدف من هذا الكرت تأليب دول العالم الثالث الفقيرة ضد الدول الغنية، وفي الوقت نفسه، الحصول على مساندة قطاعات من الرأي العام العربي، بالتركيز على الفارق الكبير في مستوى المعيشة بين شعوب دول الخليج الغنية، وبقية الشعوب العربية الفقيرة، التي أغلب اقتصادها مدين.

17. كرت الاتحاد السوفيتي

على الرغم من تفكك الاتحاد السوفيتي، والضعف الذي أخذت دوله تعاني منه، إلا أن صدام حسين كان يظن أن مبادئ ستالين لا زالت قائمة وتتطور، وأنها سوف تصمد أمام محاولات القضاء عليها، وكانت روابط العراق بموسكو من أقوى الروابط في الشرق الأوسط. حاول صدام أن يلعب بهذا الكرت مستغلاً وجود معاهدة صداقة وتعاون بين الطرفين (أبرمت في 9 أبريل 1972، وجُددت في 1978)، وكانت المعاهدة تفرض على الاتحاد السوفيتي التزامات عسكرية معينة في حالة دخول العراق الحرب ضد أطراف أخرى. إضافة إلى ديون العراق للاتحاد السوفيتي، التي بلغت نحو ثمانية مليار دولار، والأسلحة الشرقية لديه، ووجود عدد كبير من الخبراء السوفيت في العراق.

كانت بغداد تعرف من مصادرها في العاصمة السوفيتية أن هناك قلقاً شديداً في أوساط القادة العسكريين السوفيت الذين ضايقهم أن تنزل قوات أمريكية بهذه الكثافة في الخليج، وأن يتبدى استعدادها لعمليات عسكرية في ساحة قريبة إلى هذه الدرجة من حدود الجمهوريات الجنوبية للاتحاد السوفيتي، ومعظم سكانها من المسلمين.

وهكذا استخدم صدام هذا الكرت، إلاّ أنه لم يكسب من ورائه شيئاً، ففي لقاء بين وزيري خارجية البلدين، حاول وزير الخارجية العراقي، "طارق عزيز"، أن يلفت نظر الاتحاد السوفيتي إلى أنه يغامر باستثمارات وأرصدة سياسية وفرها لنفسه خلال أربعين سنة في العالم العربي، ولكن لهجة وزير الخارجية السوفيتي، "شيفرنادزة"، كانت باردة كالصقيع، ولم يكن يريد أن يسمع أو يناقش إلا قضية واحدة، هي قضية الانسحاب بلا شروط.

لقد كان من سوء حظ العراق أن اجتياحه الكويت جاء بعد انتهاء الحرب الباردة وانكشاف التدهور الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي، مما جعله يلجأ إلى المملكة العربية السعودية لاقتراض العملة الصعبة، ومما يذكر بصدد ذلك أنه في أثناء نظر مجلس الأمن في أزمة الخليج زار الأمير سعود الفيصل موسكو، حيث وعد قادة الكرملين بأربعة مليارات من الدولارات كقروض ميسرة للاتحاد السوفيتي.

18. كرت إيران

كان صدام يدرك أن الحكومة الإسلامية الثورية في إيران هي حكومة معادية للغرب عقائدياً وسياسياً. وكان أسلوب صدام في اللعب بهذا الكرت هو محاولة تصفية الخلاف العميق مع إيران، والاستجابة لجميع مطالبها الأساسية. كان يدرك أن بينهما مصلحة مشتركة فيما يتعلق بالنفط، وحماية مقدسات الشيعة في كربلاء والنجف، إضافة إلى ما يمكن أن يقدمه العراق لإيران من مكافآت عقب ضم الكويت نهائياً.

في 15 أغسطس1990، أعلن العراق فجأة ومن جانب واحد، ما سمي بمبادرة حسن النية، تجاه إيران، تضمنت ثلاثة مبادئ رئيسية:

أ. سحب جميع القوات العراقية من الأراضي الإيرانية من جانب واحد، اعتباراً من 16 أغسطس.

ب. التبادل الفوري والشامل لجميع أسرى الحرب في التاريخ نفسه.

ج. موافقة السلطات العراقية على علامات رسم الحدود بين العراق وإيران وإقرارها باتفاقية الجزائر لعام 1975.

وهي الاتفاقية التي مزقها صدام في بداية الصراع العراقي ـ الإيراني، وبجرة قلم، وهكذا بدا وكأن صداماً يعلن للعالم أن الحرب التي شنها على إيران طوال ثماني سنوات، هي حرب باطلة وكأنها لم تكن، وأن الأهوال والويلات والخسارة الفادحة التي لحقت بالبلدين، ذهبت هباءً منثوراً.

ولعل مما يستلفت النظر مخاطبة صدام حسين للرئيس الإيراني "بالأخ العزيز"، وإيران "بالجارة المسلمة"، ووصف مبادرته بأنها "وحدة المؤمنين". بعد ما كانت تردده أجهزة إعلامه من وصف الإيرانيين بالفرس المجوس، ووصف هاشمي رافسنجاني بالشعوبي اللعين وعدو الإسلام اللدود.

ولعل صدام أراد بهذا الكرت توريط إيران في دخول الحرب إلى جانبه، كان يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال في نظر الإيرانيين تمثل "الشيطان الأكبر". أما صدام ومن وقف معه في حربه غير المقدسة ضد الثورة الإيرانية فلم يكونوا سوى شياطين صغار. ولا تملك إيران أن تبدو وكأنها تقف في خندق واحد مع الشيطان الأكبر ضد الشياطين الصغيرة!! ومن ناحية أخرى فقد حاول صدام حسين أن يستفيد من وجود القوات الأجنبية على الأراضي السعودية ويتحدث بلغة خطاب إسلامي جديد على القيادة العراقية ليحول الأزمة إلى معركة بين "الإسلام" و"الصليبية الجديدة"، وتمكن بالفعل من حشد وتحريك تيار لا يستهان به من المحيطين الإسلامي والعربي ضد الوجود الأجنبي في الخليج. ولم تكن إيران تستطيع أن تغمض عينيها عن هذا الوضع!! من ناحية ثالثة كانت هناك احتمالات لمشاركة إسرائيل في حرب تشنها الدول المتحالفة المناهضة للعراق ولم يكن ذلك مقبولاً بأي حال جانب إيران.

وقد هدف الرئيس صدام حسين من استخدام كارت إيران تحقيق الأهداف التالية:

(1) سحب القوات العراقية الموجودة على الحدود مع إيران وإرسالها إلى منطقة الكويت والحدود الجنوبية للعراق.

(2) تحييد إيران ودفعها إلى عدم التجاوب مع الجهود الأمريكية الرامية إلى إحكام الحظر الاقتصادي الدولي على العراق

(3) توحيد جهود إيران والعراق في مواجهة دول الخليج والقوات الأجنبية في المنطقة.

والواقع أن إيران رغم ترحيبها بالتنازلات العراقية، إلا أنها أكدت أكثر من مرة على الفصل بين السلام مع العراق، وبين العدوان العراقي على الكويت، وبين التزام إيران بقرارات الأمم المتحدة. فقد أعلن الرئيس رافسنجاني في 9 نوفمبر 1990 أن السلام مع العراق قضية منفصلة تماماً عن قضية العدوان العراقي على الكويت، وأن إيران تشارك في العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على العراق بسبب هذا العدوان.

لقد كان الموقف الرسمي كما أعلن عنه الرئيس رافسنجاني في 25/8 /1990 يؤكد أن إيران لا تمانع في وجود قوات أجنبية إذا كان هدفها فقط إخراج القوات العراقية من الكويت، وبشرط أن ترحل بعد ذلك عن المنطقة، وكان معنى هذا الموقف أن إيران سوف تقف في حالة حياد إذا نشبت الحرب. وكان هذا مكسباً للعراق، إلى حد ما. يلاحظ كذلك أنه في الوقت الذي تكررت فيه التصريحات الرسمية بأن إيران ملتزمة بقرارات مجلس الأمن بما في ذلك قرارات الحظر والحصار الاقتصادي، فإن تصريحات أخرى أشارت إلى أن إيران سوف تقدم الغذاء والدواء للعراق مقابل النفط، وأن ذلك سيتم بدوافع إنسانية بحتة.

كما أن إيران بدت أكثر تفهماً للسلوك الكويتي في الأزمة، بعد زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى طهران في 24 أغسطس 1990، وتقديمه اعتذار كويتي عن الدعم السابق للعراق في حربه ضد إيران. ومن ناحية أخرى فإن إيران أدركت أن انتهاكها للحظر المفروض على العراق سيعني إمكانية أن تظل العراق في الكويت، وهذا أمر ليس في صالح إيران.

حاول صدام اللعب بكرت إيران لتحقيق هدف آخر مهم فعندما قبل الإيرانيون عرض الرئيس صدام حسين بإعادة الأراضي الإيرانية المستولى عليها، وكل أسرى الحرب، وقبول اتفاقية الجزائر لعام 1975. أصبح صدام حسين قادراً على نقل قوات إضافية لتعزيز دفاعاته في الكويت. في الوقت الذي كانت فيه إيران هي الملجأ الوحيد الذي تستطيع الطائرات العراقية أن تلجأ إليه.

ويبدو أن القيادة العراقية تركت للطيارين حرية التصرف بعد أن تبين لها أن السيطرة الجوية للقوات المتحالفة كاملة على الأجواء العراقية، وأن الدشم الخفية لم تعد كافية لحماية هذه الطائرات بعد استخدام قوات الحلفاء لنوع من القنابل القادرة على اختراق هذه الدشم وفتح الثغرات فيها ثم الدوران داخلها والانفجار فيها، ويقال أن بعض الطائرات العراقية بدأت تصل إلى مطارات إيران قبل إخطار الحكومة الإيرانية بقرار بغداد. ثم وصل الطلب الرسمي بعد ذلك يرجو إيران الاحتفاظ بهذه الطائرات وديعة عندها حتى تنتهي المعارك وكانت هذه الطائرات منحة جديدة هبطت عليها من السماء.

كان الهدف العراقي من هذا إنقاذ طائراته، ومحاولة توريط إيران في الحرب بالإيحاء أن اللجوء كان طبقاً لاتفاق سابق. وقد بلغ إجمالي عدد الطائرات التي ذهبت إلى إيران 138 طائرة.

19. كرت السلاح الكيماوي والبيولوجي

وهو كرت كان يثير الرعب في قلوب الكثيرين، كان العالم يعرف أن العراق لم يتورع عن استخدام السلاح الكيماوي ضد الإيرانيين والأكراد من قبل، وأكد صدام مراراً أنه سيلجأ إلى استخدام هذا السلاح. وكان الهدف من هذا الكرت التهديد والتخويف، خاصة إذا ما تم تحميل صواريخ سكود العراقية بالرؤوس الكيماوية فإن ذلك سيسبب خسائر بشرية فادحة. ولا شك أن الاستخدام التكتيكي الجيد لهذه الأسلحة كان سيزيد من قوة الجيش العراقي.

أدى هذا الكرت وظيفته بدرجة محدودة، فقد ساد الرعب الشارع الإسرائيلي، ووسع التحالف جهوده ونفقاته استعداداً لحرب كيماوية، ودخل جنود التحالف المعركة البرية مجهزين بالأجهزة اللازمة لمواجهة التأثير الكيماوي، وساد رجال التحالف الحذر والبطء في التقدم، إضافة إلى حدوث بعض الأضرار.

وكان الأمريكيون يخشون من إقدام صدام حسين على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الوحدات خفيفة التسليح من الفرقة 82 المحمولة جواً، التي بدأت بالوصول منذ أوائل شهر أغسطس. فمثل هذا الاحتمال، لو حدث بالفعل، لأشاع الرعب والشلل، ولأنزل بالتحالف خسائر بشرية فادحة، ولأضعف في الوقت نفسه، قوة التأييد في الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل الأمريكي.

20. كرت الحرس الجمهوري

وهو كرت يدعم كرتي الإرهاب والتلويح بالحرب، والسلاح الكيماوي. لقد اشتهرت وحدات الحرس الجمهوري العراقية بسمعة قتالية هائلة، والشجاعة الفائقة، التي لا تعرف الخوف أو التراجع، والقدرة العالية، والعنف الذي لا يعرف الرحمة. وكان الهدف من هذا الكرت هو إقناع الغرب بأن المواجهة مع هذه القوات ستكون رهيبة، وستسبب خسائر فادحة إذا حدث القتال البري.

21. كرت الإعلام

أدرك صدام أن شركات الإعلام الغربية ستتسابق لبث دعاياته في العالم، وظن أن الولايات المتحدة الأمريكية خاصة لن تستطيع أن تخوض حرباً تغطيها وسائل الإعلام، فقد عكف وقتاً طويلاً يشاهد أفلام الفيديو التي تحكي تجربة فيتنام. نجح صدام في استقطاب وسائل إعلام في كثير من الدول العربية من خلال مساعدات مادية سرية، إذ أهدى عدداً من سيارات المرسيدس لكثير من كبار المسؤولين. كما قام بتمويل عددٍ من الأحزاب السياسية في المنطقة. كان تيد كوبل من شبكة (ABC)، ودان راذر من شبكة (CBS) قد أجريا مقابلتين معه في بغداد في أغسطس 1990، وظن بذلك أن وسائل الإعلام، وعلى رأسها شبكة الـ (CNN) الجبارة، ستكون أداة لترويج دعاياته، وإحداث التأثير الذي يريده في المجتمع الدولي.

وفي محاولة لإضعاف التحالف الدولي، اختلق العراقيون عدداً من الحوادث تناقلتها وسائل الإعلام في الأردن وبعض دول شمال أفريقيا. منها، مثلاً، أن ستة عشر مصرياً وأربعة أمريكيين قتلوا في صدام وقع بين الجانبين. ولم تكن كل هذه القصص سوى دعايات معادية، الهدف منها تضليل الرأي العام.

تركزت معظم دعايات صدام ضد التحالف على الناحية الدينية. ولم يكن ذلك مستغرباً منه، فهو رجل جُبل على المكر والخداع. إذ كيف لزعيم حزب علماني أن يرتدي عباءة الإسلام؟! فبعد غزوه الكويت، وزعت أجهزة الإعلام العراقية صورته وهو يؤدي الصلاة في الكويت. ويظهر صدام في الصورة يصلي بمفرده ويحيط به حراسه المسلحون! وكشف تحليل الصورة وتحليل ظلال الأشخاص الظاهرين فيها، أنه لم يكن حتى متوجهاً نحو القبلة! ذلكم هو صدام حسين، المسلم المثالي!

وقد عاد صدام إلى استخدام هذا الكرت مرة ثانية، بعد انتصار التحالف وتكبد العراق الخسائر الفادحة، لتصوير حجم المعاناة العراقية، وخاصة الأطفال، وحجم الدمار والخسائر، بهدف التأثير على الرأي العام العالمي، واستجداء العطف الإنساني، والمنظمات الداعية إلى السلام في العالم.

22. الوسائل الخداعية

استخدم العراق أعمال الإخفاء والتمويه، خاصة مع التفوق الجوي للقوات المتحالفة، وذلك فيما يلي:

أ. توفير حجم ضخم من المعدات والأسلحة الهيكلية بمواصفات دقيقة، ولها البصمات الرادارية للمعدات الحقيقية نفسها.

ب. تجهيز محطات لاسلكية متحركة (بوسائل متعددة) لبث إشارات وهمية من أماكن عشوائية متفرقة.

ج. تجهيز مواقع هيكلية كاملة تماثل بشكل كبير المواقع الحقيقية.

د. إعادة النشاط في بعض المواقع المدمَّرة بهدف حرمان العدو من تدمير معدات ومواقع إضافية.

هـ. تضليل وخداع طائرات التحالف بإشعال الحرائق، ووضع معدات سبق تدميرها في المواقع السليمة.

كان ثمة قمران صناعيان أمريكيان للإنذار ضد الصواريخ في وسعهما اكتشاف الوميض الناتج من إطلاق سكود وإرسال المعلومات عن مكان القاذف خلال دقيقتين من الإطلاق. ولكن القواذف المتحركة كانت تنطلق بأقصى سرعتها بعد الإطلاق لتختبئ في أماكن جهزت لذلك الغرض.

سببت هذه المشكلة للتحالف إحباطاً وضيقاً شديدين، أكثر مما سببته كل حماقات صدام الأخرى. كانت مئات الطلعات الجوية للقاذفات المقاتلة تتحول إلى غربي العراق للبحث عن مواقع الإطلاق والقواذف المتحركة. وكانت أسراب كاملة من الطائرات المزوّدة بأحدث أنظمة الرؤية الليلية، تدور في السماء للانقضاض عليها. وعلى الرغم من الادعاءات المبالغ فيها، لم ينجح التحالف في تدمير قواذف سكود إلاّ نادراً.

23. كرت معركة الخفجي

لا تبعد مدينة الخفجي عن الحدود سوى عشرة كيلومترات، ومن ثم كان في قدرة العراقيين تدميرها بنيران مدفعيتهم وصواريخهم من الجانب الآخر للحدود متى أرادوا ذلك.

أدرك قائد القوات المشتركة، أن وضع أية قوات عسكرية داخل المدينة سوف يعطي العراقيين ذريعة لقصفها لذلك أعلن مدينة الخفجي "مدينة ميتة"، ووضعت خطة طوارئ لإجلاء السكان في اللحظة التي يقدم فيها صدام على الهجوم.

عبرت مجموعة قتال عراقية ليلة 29 ـ 30 يناير الحدود السعودية ـ الكويتية، وتحركت بمحاذاة الساحل واحتلت مدينة الخفجي .. ولا جدال في أن صداماً حقق باحتلال الخفجي مفاجأة تكتيكية. وهي المرة الثانية خلال الحرب التي يكون زمام المبادرة فيها في يد صدام، فالمرة الأولى كانت عند استخدامه صواريخ سكود.

كان هدف صدام من هذا الكرت:

أ. سياسياً

إظهار قدرة العراق على تهديد أراضي المملكة العربية السعودية على الرغم من وجود القوات المشتركة والصديقة، ومحاولة الاستيلاء على أراضي تمكنه من تهديد بعض المناطق النفطية بالمملكة واستخدامها كورقة ضغط لإيقاف العمليات العسكرية ضد قواته، والاستيلاء على هدف حيوي في المملكة لتحويل قضية تحرير الكويت إلى قضية الجلاء عن أراضي سعودية.

ب. عسكرياً

الحصول على معلومات عن أوضاع وتجميع ودرجة استعداد القوات المشتركة والصديقة، والاستيلاء على هدف حيوي يمكنه من تهديد مناطق النفط الساحلية للمملكة وتهديد الجانب الأيمن لأي قوات تتقدم في اتجاه الكويت من المنطقة الشرقية وإجبار القوات المشتركة والصديقة على تغيير خططها العملياتية والتركيز على استعادة منطقة الخفجي، ودفع القوات المتحالفة إلى معركة برية يحدد العراق فيها الوقت والمكان المناسبين، وإظهار أن هناك خللاً في نظام القيادة والسيطرة، ومحاولة رفع الروح المعنوية المنهارة للقوات المسلحة العراقية، وفي الوقت نفسه التأثير على معنويات القوات المتحالفة.

ج. إعلامياً

إظهار عدم تأثر القدرة العسكرية العراقية بالقصف الجوي وأن هذه القدرة مازالت سليمة، والتأكيد لأنصاره بقدرة القوات المسلحة العراقية على الاستمرار في المعركة والقيام بعمليات هجومية، واثبات قدرة العراق على نقل المعركة إلى أراضي المملكة، ثم تأييد ادعاءاته بأنه لن يهزم في المعركة (ولو واحد في المليون) خاصة أمام الجماهير، التي صدقته وأيدته في بعض البلاد العربية والإسلامية.

وثمة تفسير آخر لاحتلال الخفجي أقل إثارة للقلق، وهو اعتباره محاولة يائسة من صدام للإمساك بزمام المبادأة وإجبار التحالف على الرد عليه. وقد أظهرت استجوابات الأسرى، بعد ذلك، أن العراقيين كانوا حريصين على أسر أكبر عدد من الجنود، لاستخدامهم في الضغط على التحالف ومساومته فيما بعد. كان أمل صدام الوحيد إحداث قدر كبير من الخسائر في صفوف القوات المتحالفة، يدعي على إثره تحقيق نصر سياسي، وذلك باستدراجها إلى الدخول في معركة برية قبل أن تتضرر دفاعاته حول الكويت. ومن ثم استدراج القوات المتحالفة إلى مناطق القتل العراقية حول الكويت، وهو أسلوب أتقنه العراق خلال حربه الطويلة على إيران.

تسبب هذا الكرت في إحداث ارتباك واضطراب، خاصة في مركز قيادة القوات المشتركة في المنطقة الشرقية. ولكن تدارك التحالف الأمر، ودارت معركة قصيرة، ولكنها شرسة كل الشراسة، انهارت بعدها المقاومة العراقية العنيدة، ومعها معنويات رجالها، وهُزم العراقيون وانتصر التحالف وتحررت الخفجي.