إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / اللعبة السياسية، وإدارة الأزمة









مقدمة

المبحث الثاني

كروت التحالف

أول ما يُلاحظ على كروت التحالف أنها جميعاً كروت أُعدت بإتقان، ولعب بها كلها، وأجاد أسلوب اللعب فحقق الفوز الساحق في تلك المباراة العسكرية السياسية.

أولاً: كروت التحالف:

    بلغ عدد كروت التحالف نحو تسعة عشر كرتاً (أنظر ملحق كروت التحالف) كالتالي:

1. كرت إبراز خطورة شخص صدام ووحشيته (الصراع الحضاري)

كانت محاولات التحالف الناجحة للتركيز على شخص صدام حسين، وجعله محور الاهتمام الدعائي السياسي، وتركيز الهجوم عليه، سبباً في إفساد محاولة صدام حسين إظهار الصراع على أنه صراع بين الغرب والعالم العربي، أو بين الشمال والجنوب.

وقد نشطت الدعاية الأمريكية في تصوير الصراع على أنه صراع حضاري بين التطور والتحضر والقيم وبين الهمجية والوحشية التي يمثلها صدام حسين، بل بين المجتمع الدولي والفاشية البغيضة.

2. كرت تدويل الصراع

نجح التحالف في حشد أكبر تجمع دولي (37 دولة) ضد صدام، وفي إعداد رأي عام عالمي مناهض للغزو، وعزل صدام حسين تماماً عن أي دعم أو تأييد عالمي، وأصبح الصراع بين المجتمع الدولي كله تقريباً وبين صدام حسين.

3. كرت إبعاد إسرائيل عن دائرة الصراع

يعد هذا الكرت من أقوى وأنجح كروت التحالف، فقد كان دخول إسرائيل طرفاً في النزاع كفيلاً بنقض عرى التحالف المناهض للعراق، وإحداث تحول كامل في موقف الدول العربية والإسلامية، والرأي العام العربي والإسلامي. فهو يعرف أن إسرائيل لم تعتد أبداً أن تصمت، وخصوصاً إذا هوجمت، ومن ثم فلن تستطيع قوة على وجه الأرض أن تمنع إسرائيل من الدخول طرفاً مباشراً في المعركة مع أوّل صاروخ يسقط عليها. وشكل ذلك تحدياً ومعضلة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة. لكن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت بالفعل في مواجهة هذا التحدي. وعلى الرغم من أن إسرائيل استغلت هذا الوضع أفضل استغلال، وقبضت ثمناً باهظاً، إلا أن النتيجة فيما يتعلق بمحاولة الولايات المتحدة تجميع سائر خيوط الأزمة في يدها، كانت واحدة. ولم يكن هناك قوة أخرى تستطيع شراء صمت إسرائيل أو فرضه إلاّ الولايات المتحدة الأمريكية. وربما كانت مهمة الولايات المتحدة الأمريكية أهون نسبياً قبل بداية الحرب، فقد كانت المساعدات المالية والعسكرية والتلويح بمغانم سياسية إسرائيلية كبيرة، بعد انتهاء الأزمة، تكفي لإقناع إسرائيل بمزايا العمل خلف الكواليس، دون الظهور على خشبة المسرح. لكنه مع بداية الحرب واحتمال تعرض إسرائيل للهجمات الصاروخية العراقية، استلزم الأمر حضوراً أمريكياً على أعلى المستويات في إسرائيل نفسها طوال فترة الحرب. وقبل بدء العمليات العسكرية سافر إلى إسرائيل سراً كل من لورانس ايجلبوجر مساعد وزير الخارجية، والجنرال روبرت وولفتيز من رئاسة أركان الحرب المشتركة، وظلا هناك حتى انتهاء المعارك، وكان الهدف من هذا الحضور، هو ضمان ألا تفقد إسرائيل أعصابها خلال الحرب، وتتخلى عن تعهدها بعدم التدخل في المعركة.

4. كرت إضفاء الشرعية على التحركات والهجوم

حرصت القوات المتحالفة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، على وجود غطاء قانوني سياسي شرعي لاستخدام القوة لطرد صدام، وصدر قرار مجلس الأمن الرقم 678، الذي يجيز استخدام القوة لطرد المعتدي، وقد وصلت قرارات الأمم المتحدة تجاه العراق ثلاثة عشر قراراً.

كذلك بمجرد الإعلان الرسمي الصادر عن المملكة العربية السعودية، بطلب المساعدة الأمريكية، أصبح للتحالف السند القانوني الملائم لفرض أكبر حصار بحري واقتصادي على العراق، ونشر القوات البرية والبحرية والجوية، والتي بلغت خلال الأسبوعين الأول والثاني من الأزمة نحو 50 ألف جندي.

5. كرت الكويت

وهو كرت يدعم الكرت السابق في إضفاء شرعية تدخل الولايات المتحدة الأمريكية خاصة. وهذا الكرت صناعة أمريكية خالصة، أعدت المجال له من فترة طويلة، بحيث طلب الكويت من الولايات المتحدة الأمريكية، في يوم الغزو نفسه 2 أغسطس 1990، التدخل رسمياً في القضية. وذلك أنه في عام 1984 عندما تمكنت القوات الإيرانية من صد الهجمات العراقية الأولى، وبدأت تقوم بهجماتها المضادة ـ كانت وكالة الاستخبارات المركزية طرفاً في ترتيبات أمن، مع كل من وزارة الداخلية ووزارة الدفاع في الكويت. وكان هدف هذه الترتيبات في البداية محدداً لحماية الأمير وأعضاء الأسرة الحاكمة البارزين، إلى جانب مواجهة احتمالات أي عمل تخريبي، يستهدف من الداخل الإضرار بحقول النفط، ومنشآت نقله وتكريره وشحنه. وأما غير ذلك من ضرورات الدفاع عن الكويت فكان متروكاً لجهات أخرى.

وعندما تقدم الإيرانيون نحو منطقة البصرة تعاونت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مع كل من وزارة الدفاع والداخلية الكويتية في وضع خطة طوارئ لمواجهة أي عمل إيراني ينطلق من جزيرة "الفاو"، وبينها وبين الأراضي الكويتية كيلو مترات محدودة. وفي ذلك الوقت عقدت سلسلة اجتماعات ممتدة بين ممثلي الوكالة، وممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية، وكانت النتيجة التي خلصوا إليها في حساب احتمالات الخطر تتلخص في أن الإيرانيين قد يفكرون في دخول الأراضي الكويتية لإحكام حصارهم حول البصرة، وذلك لقطع طرق الإمداد بين بغداد والبصرة، وعزل القوات العراقية المدافعة فيها عن قوات المنطقة المركزية للجيش العراقي. وربما وصل التفكير الإيراني إلى أكثر من ذلك، وفكر في احتلال الكويت كلها لتمكين القبضة الإيرانية من أن تمسك بعصب منطقة الخليج كلها. وكان التقدير أن ذلك إذا تحقق يمكن أن تصاحبه أعمال عنف موجهة إلى أمير الكويت، وعدد من أفراد الأسرة الحاكمة المهيئين للإمارة بعده، لأن مثل ذلك يخلق فراغاً في الشرعية. وعلى هذا الأساس، فقد وضعت خطة طوارئ تقتضي ترحيل رؤوس الأسرة الحاكمة، بما فيهم الأمير، في أي لحظة تطل فيها بادرة خطر، وذلك بقصد الحفاظ على الشرعية التي تستطيع وحدها الاحتفاظ بتماسك الوطن، وتملك الحق الشرعي في استدعاء القريب والبعيد لنجدة الكويت والدفاع عنها.

وإلى جانب خطة ترحيل الأمير وأعضاء الأسرة الحاكمة البارزين من الكويت عند لحظة الطوارئ، فقد وضعت خطة تكميلية لمراقبة تحركات واتصالات الكتل الشيعية داخل الكويت. وقد تحقق مخاوف واضعي الخطط بعد ذلك عندما حدثت محاولة لاغتيال أمير الكويت سنة 1985، ثم أعقبها في السنة التالية 1986 نجاح الإيرانيين في احتلال شبه جزيرة الفاو وهي ملاصقة للجزر الكويتية. وكان هناك شد وجذب بين المسؤولين الكويتيين عن الأمن، وبين غيرهم من المشاركين في التخطيط لحماية الأمير. وكانت لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ملاحظات كثيرة على أداء الأمن الكويتي.

وحين بدأت السحب تتجمع مرة أخرى في الخليج بسبب المشاكل التي تراكمت على العلاقات بين العراق والكويت أعيد تنشيط لجنة الاتصال الأمني الخاصة المشتركة التي كان مقرها في الكويت، وأعيد بعث الخطط القديمة ومراجعتها.

وحوالي ظهر يوم 31 يوليه 1990، طلب أحد خبراء الأمن الأمريكيين الاتصال بمدير الأمن الكويتي، وطلب إليه إبلاغ وزير الداخلية ووزير الدفاع برسالة مؤداها ما يلي: "نحن لا نريد أن نثير القلق في نفس أحد دون داع، ولكننا نعتقد أن خطة الطوارئ الموضوعة سابقاً بشأن حماية سلامة الأمير والأفراد الرئيسيين للأسرة الحاكمة يجب أن توضع موضع التنفيذ من باب الاحتياط". وعلى الفور بدأ إجراء حصر بأماكن إقامة كل أفراد الأسرة الحاكمة. وظهر أن الأمير الشيخ "جابر" لم يكن ينوي أن يقضي عطلة نهاية الأسبوع في "البر" خارج مدينة الكويت، كما هي عادته. وإنما كان يريد أن ينتظر في قصر "السيف" حيث يعمل، أو قصر "دسمان" حيث يسكن، حتى يتمكن من انتظار الشيخ "سعد الصباح" القادم من جدة، ويسمع منه تفاصيل ما جرى بينه وبين "عزة إبراهيم" نائب الرئيس العراقي.

وبعد ساعتين عاد أحد ضباط الاتصال الأمريكيين برسالة مؤداها أنه تحت أي ظرف لا يجب أن يكون أمير الكويت في المدينة هذه الليلة، بل أنه يجب أن يخرج بكل سرعة ممكنة، ويتوجه إلى أي بيت من بيوته القريبة من منطقة الحدود مع السعودية. وحوالي الغروب عاد ضابط الاتصال مرة أخرى يطلب أن يكون كل أعضاء الأسرة الحاكمة على علم بأن خطة الطوارئ أصبحت نافذة المفعول، وأنهم جميعاً يجب أن يكونوا خارج المدينة في ظرف ساعتين لا أكثر. وبعد أن حل المساء أصبحت إجراءات خطة الطوارئ أكثر شدة وصرامة، وطلب إلى الأمير أن يتحرك إلى منطقة "الخفجي" في المملكة العربية السعودية، مع رجاء ألا يكون موكب سفره طابوراً طويلاً من السيارات مضيئة مصابيحها القوية في ظلام الليل. وبالفعل بدأ موكب الأمير يتحرك في اتجاه منطقة "الخفجي"، وكان الذهول يمسك بأعصاب الجميع. وكان الغزو قد بدأ فعلاً.

كان ولي العهد الشيخ "سعد العبد الله الصباح" قد وصل قبل ذلك قادماً من جدة متشائماً، حيث أُخطر بأن خطة الطوارئ وضعت موضع التنفيذ، وأن عليه أن يقوم بدوره فيها. وعلى أي حال، فمن المؤكد أنه أصدر بعض التعليمات إلى عدد من أجهزة الدولة، وبينها الحرس الوطني، ثم غادر مدينة الكويت إلى "البر" في الوقت الذي كان فيه دوي انفجارات القنابل يسمع بوضوح في المدينة، وطائرات الهليكوبتر العراقية تحوم في سمائها.

وكانت القوات العراقية قد أحكمت قبضتها على مدينة الكويت، ولم تعثر فيها للأمير ولا لأي فرد من الأسرة المالكة على أثر.

6. كرت المملكة العربية السعودية

يعد هذا الكرت من أهم الكروت، بل هو الكرت المباشر الذي أدى إلى مجيء القوات الأمريكية والقوات المتحالفة. عندما غزا صدام الكويت، أصبحت المملكة، هذه المرة، على خط المواجهة دون وجود منطقة عازلة تفصلها عن المعتدي، ولهذا السبب كانت الأزمة أشد تهديداً لها. ولم يكن لديها خيار آخر سوى دعوة القوات الصديقة لمساندتها، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وكان الشرط الوحيد الذي وضعته المملكة العربية السعودية للاستعانة بالقوات الأمريكية، هو أن توافق الولايات المتحدة الأمريكية كتابة على سحب قواتها من المملكة العربية السعودية والكويت بعد انتهاء النزاع مباشرة. وكان قرار المملكة العربية السعودية حيوياً.

كانت المملكة العربية السعودية هي حجر الزاوية في الدفاع عن منطقة الخليج، وما كان التحالف ليخوض تلك الحرب أو أن تنتهي إلى ما انتهت إليه من انتصار للإرادة الدولية، لولا البنية الأساسية العسكرية والعمق الإستراتيجي الذي تتمتع به المملكة، فضلاً عن الإسهامات المادية والعينية التي بذلتها في هذا الصدد، فجعلت رحى الحرب تدور دون خلل أو فتور، ما استطاعت القوات المتحالفة التجمع والانتشار والقتال والانتصار، وكانت المملكة هي محور ذلك التحالف ومناطق تجمعه.

ورغم أن المملكة العربية السعودية كانت تشعر بالقلق البالغ على أمنها وبأن الخطر بدأ يقترب منها، إلاّ أنها لم تقبل استضافة قوات أمريكية ضخمة على أراضيها إلاّ بعد أن تأكدت بما لا يدع مجالاً للشك من أن القوة التي تنوي الولايات المتحدة الأمريكية حشدها وكذلك الخطط الأمريكية المصاحبة لها كفيلة بحسم الموقف، وأن الولايات المتحدة الأمريكية جادة تماماً في مواجهة التحدي ومصرة على إجبار صدام حسين على التراجع أو تجرع الهزيمة. وجاء قبول وطلب المملكة بطلب مشاركة القوات الأجنبية يوم 6 أغسطس 1990 وهو اليوم نفسه الذي أصدر فيه مجلس الأمن القرار الرقم 661 الذي بمقتضاه فرض عقوبات اقتصادية شاملة ضد العراق.

وكانت الجسور البحرية والجوية إلى السعودية مزدحمة على أخرها بقوات الحشد. وكان واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول وضع حجم كاف من القوات في المملكة العربية السعودية يقلل بأسرع ما يمكن فترة تعرض المملكة العربية السعودية لإمكانية عمل عسكري يقوم به العراق لاستباق الحشد الأمريكي. وكانت تلك فترة خطيرة وصفها الجنرال نورمان شوارتزكوف بأنها كابوس استمر أسبوعاً بأكمله.

أدت المملكة العربية السعودية دورها الفاعل في جميع مراحل تحرير الكويت من استقبال القوات المتحالفة وإمدادها بكل ما تريد من احتياجات، إلى تغطية جميع نفقات تجهيز الموانئ والمطارات، والإمداد بالسلاح والذخيرة والمعدات والأجهزة والخيام والعربات، إلى جانب الإسناد الإداري من وقود وطعام ومياه وخدمات أخرى، إلى المشاركة الكاملة بالأفراد في جميع العمليات القتالية.

7. كرت مصر وسورية والدعم العربي

كان لمصر بوصفها أكبر دول العالم العربي سكاناً دور أساسي في إنجاح التحالف، وقد نظرت إلى مشاركتها في الدول المتحالفة على أنه فرصة للعودة إلى الصف العربي، وإنهاء سنوات العزلة التي تلت معاهدة السلام مع إسرائيل. إضافة إلى إدراكها أن تحالفاً أمريكياً مصرياً عربياً سيكون خطوة كبيرة في تهميش دور الراديكاليين، من الجماعات الإسلامية وغيرها، وقد تخرج مصر من هذا الصراع وهي القوة العربية الأولى، ومع تحجيم حدة التطرف في المنطقة يمكنها أن تتفرغ لمعالجة شؤونها الاقتصادية الداخلية.

وجد الرئيس المصري أن المصالح المصرية سوف تتعرض للخطر، إذا سُمح للعراق بالهيمنة على مسرح الشرق الأوسط. ولم يكن الرئيس مبارك مستعداً للمخاطرة وإتاحة الفرصة للعراق لإبعاد مصر عن منطقة الخليج، وهي المنطقة التي عَبَّرَتْ مصر دوماً عن اهتمامها الراسخ بها خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، وأسهمت في حمايتها. ومن البديهيات التي يدرسها الضباط في الأكاديميات العسكرية المصرية، أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر.

في الفترة 1989 ـ 1990، وهي الفترة التي سبقت أزمة الخليج، طُرد المصريون من العراق بأعداد كبيرة من دون حصولهم على مستحقاتهم المالية، أو السماح لهم باصطحاب ممتلكاتهم الشخصية، وأجبروا على العودة إلى وطنهم في ظروف بالغة القسوة. إضافة إلى ذلك، لقي عدد منهم حتفه في ظروف غامضة، على أيدي مجرمين عراقيين مجهولين، وشحنت جثثهم إلى بلدهم مما أثار موجة من الاستياء الشديد في مصر. ومن جملة الأسباب التي أدت إلى هذه الأعمال الوحشية، أن الجنود العراقيين العائدين من جبهة القتال، بدأوا يطردون العمال المصريين من أعمالهم عنوة، اعتقاداً منهم بأن المصريون استولوا على وظائفهم. ولعل الحكومة العراقية وجدت مصلحة لها في إرهاب المصريين وحملهم على الهرب من العراق، فأطلقت عليهم زُمراً من جنودها.

أثارت المعاملة السيئة، التي لقيها العمال المصريون على أيدي العراقيين، الرأي العام المصري ضد العراق. وسهلت للرئيس مبارك، من الناحية السياسية، أن يضم مصر إلى التحالف المعادي لصدام.

يضاف إلى ذلك أن الرئيس مبارك كان مستاء جداً لأن الرئيس صدام حسين كان قد وعده بعدم استخدام القوة لحل خلافه مع الكويت. وتولد إحساس قوي في مصر بأن النية لدى العراق كانت مبيتة لغزو الكويت، وأن دوافع العراق في تأسيس مجلس التعاون العربي كان عزل سورية وتجميد مصر. وبدت مصر وكأنها في وضع تحتم عليها معه أن تختار بين دول الخليج العربي مجتمعة وبين العراق. وكانت مشكلات مصر الاقتصادية وطبيعة علاقاتها السياسية والاقتصادية بالولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح لها بهامش كبير من الحرية والمناورة. أما سورية، فكانت أكثر أعضاء التحالف خشية من سيطرة العراق وعدوانه. كان صدام مصمِّماً على معاقبة منافسه القديم، الرئيس حافظ الأسد، لوقوفه إلى جانب إيران خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية. ولو سُمح لصدام بابتلاع الكويت، لكان النظام السوري هدفه التالي دون تردد. وفي العام السابق لغزو الكويت، حاول صدام تقويض وضع سورية في لبنان، بإرسال الأموال والأسلحة إلى الزعيم الماروني العماد ميشيل عون، وإلى سمير جعْجع، "قائد القوات اللبنانية". وهما من ألدّ أعداء سورية. وعلى كل حال، فقد كان الأسد وصدام في معركة مصيرية منذ ربع قرن تقريباً، أي منذ وقوع الانشقاق في حزب البعث عام 1966، فكلاهما من أعضائه البارزين. ومع أن اشتراك الأسد في التحالف ضد صدام أثار بعض الدهشة في الدوائر الغربية، إلاّ أنه كان أمراً متوقعاً.

كان اشتراك الأسد في التحالف موضع ترحيب كبير لسببين: أولاً، لأن سمعة الرئيس الأسد، زعيماً يؤمن بالقومية العربية، بذل نفسه لمقاومة الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي العربية، ساعدت على إضفاء صفة الشرعية على التحالف لدى الرأي العام العربي. ثانياً، لأن علاقات الرئيس الأسد الوطيدة مع إيران ساعدت على ضمان حيادها خلال أزمة الخليج. وقد آتت هذه العلاقة ثمارها بعد ذلك، عندما عرض صدام على إيران الصلح في منتصف أغسطس عام 1990. إلاّ أن الأسد حصل على تعهدات من إيران، على ما يبدو، حين زار طهران بين 22 و25 من شهر سبتمبر، بألاّ تُمكن صداماً من الاستفادة من هذه الفرصة.

إضافة إلى ذلك فإن انهيار المعسكر الاشتراكي، فرض على سورية إعادة تقييم سياساتها الخارجية، وأتاحت لها الأزمة فرصة كسر عزلتها السياسية والاقتصادية، وإنهاء مشكلة ميشيل عون، وضرب النصارى المارونيين الذين يدعمهم العراق في لبنان، ومد جسر للحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا السياق وحده أمكن لمؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة، أن يتخذ قراراً بأغلبية ضئيلة "أحد عشر صوتاً" قرر فيه "الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، لنقل قوات عربية لمساندة قواتها المسلحة، دفاعاً عن أراضيها وسلامتها الإقليمية، ضد أي عدوان خارجي"، والمهم هو إن حالة التمزق والانشطار العربي بين الرغبة في وضع نهاية للعدوان العراقي وتحرير الكويت، وبين الخوف من العواقب غير المأمونة لوجود عسكري أمريكي كثيف على الأرض العربية، قد أوجد حالة من الشلل العربي، سهلت تماماً تحقيق رغبة الإدارة الأمريكية في تجميع كل خيوط وعناصر إدارة الأزمة في يدها.

في خطابه المشهور في التاسع من أغسطس، وصف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد غزو الكويت، بأنه: "أفظع عدوان عرفته الأمة العربية في تاريخها الحديث". وشرح الجهود التي بذلتها الحكومة السعودية لاحتواء النزاع بين العراق والكويت. وكرر تأكيده مطالب المملكة بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو العراقي وعودة الأسرة الكويتية الحاكمة. وذكر الأسباب التي أدت إلى دعوة القوات العربية والصديقة للمساندة في الدفاع عن أراضي المملكة العربية السعودية، والحفاظ على مصالحها الحيوية وتعزيز قدراتها العسكرية. وشدّد على أن وجود هذه القوات في المملكة إجراء مؤقت، وأنها سوف ترحل دون إبطاء، عندما يطلب منها الرحيل. وكرر القول، أن الترتيبات التي اتخذتها المملكة، هي ترتيبات دفاعية في المقام الأول، وليست موجَّهة ضد جهة محددة أو شخص معين.

8. كرت الآلة العسكرية الأمريكية الهائلة والتقنية بالغة التطور

قبل اندلاع الحرب كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد حشدت قوات بحرية وجوية وبرية لم يشهد العالم لها مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية. كانت هناك أربع حاملات طائرات في الجزء الشمالي من البحر الأحمر، تحمل فوق ظهرها مائتي طائرة، وحاملتان في الخليج، تحملان مائة طائرة، إضافة إلى البوارج المزودة بتجهيزات لإطلاق صواريخ "كروز" و"توما هوك". وفي المملكة العربية السعودية، كانت هناك ثلاث قواعد جوية في حفر الباطن والرياض والظهران، ترابض فيها 800 طائرة. وفي تركيا قاعدة إنجرليك تربض فيها 400 طائرة. وفي مواجهة القوات العراقية كان هناك أكثر من 350.000 جندي، معظمهم من الأمريكيين المزودين بأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الحرب من أسلحة ذات أعلى تقنية، وأكبر قوة تدميرية في العالم، وعلى أتم استعداد لخوض الحرب.

9. كرت إدارة المواجهة

        لهذا الكرت عدة أوجه منها:

أ. الاستخبارات

تميزت استخبارات التحالف بالمهارة الفائقة والتكامل التام، والقدرات الإلكترونية على التقاط جميع اتصالات العراق (ماعدا الاتصالات الهاتفية ذات الخطوط المدفونة)، والسرعة الهائلة مع الدقة الكاملة، في معالجة المعلومات، والاطلاع على جميع خطط العراق، ورصد جميع تحركاته.

ب. صواريخ الباتريوت

أدت هذه الصواريخ، خاصة باتريوت باك2 وظيفتها بصورة أفضل مما كان متوقعاً منها، على الرغم من أن الجيش الأمريكي لم يتسلمها إلا في آخر يوليه 1990، لقد تمكنت هذه الصواريخ من شل فاعلية صواريخ سكود، وإفساد مقصد صدام من قصف إسرائيل لجرها إلى الصراع.

ج. إدارة المعارك الجوية والبرية

كانت السيطرة الجوية والتكتيكات الجوية، التي طورها حلف الناتو، سبباً أساسياً في تميز القوات المتحالفة، وتفوقها في جميع المعارك مع العراق، فقد كان بمقدور القوات الجوية إحداث الخسائر الفادحة في قوات العراق، دون وجود خسائر في صفوفها. إضافة إلى التركيز على الضربات الجوية العميقة في مؤخرة جيش العدو، وتعاون جميع أفرع القوات في عملية المساندة المشتركة، في وقت واحد، بين الدفاع الجوي والمروحيات، وعمليات القوات الخاصة والمدرعات والمشاة والمدفعية، مع السرعة الفائقة والمناورة الذكية. وكانت المعارك فرصة للولايات المتحدة الأمريكية لإثبات نجاحها في عمليات التدريب المكثفة الشاملة لجنودها في قاعدة فورت إيروين في ولاية كاليفورنيا، حيث تم التدريب على أرض مشابهة وأسلوب مماثل لما حدث في الخليج.

وباختصار وضع التحالف خطته على ثلاث مراحل هي: الردع، والدفاع، ثم الهجوم المضاد، ونفذها بحذافيرها وبكل دقة، وعلى أعلى مستوى من الإتقان في ظل استكمال مهمات الوقاية، والتدريب الكيماوي، والاستعداد للقتال تحت ظروف استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وتوج ذلك بالاستعداد التام للعمليات البرية، ثم تنفيذها على محورين رئيسيين بعد اجتياز خط العوائق العراقي الأول. واعتمد التحالف على التطبيق الكامل والسليم لمبادئ الحرب التقليدية: المفاجأة، والمبادأة، والحشد، وخفة الحركة، والتعاون، والسيطرة، واستخدام الخداع والتمويه في استخدام عناصر الإبرار البحري على نطاق واسع. مع توفير حماية مباشرة للطائرات، بمختلف أنواعها، بتزويدها بوسائل الإعاقة، والتحذير من الأسلحة التي تعمل بالليزر.

د. إتقان استخدام العمليات النفسية في التأثير المباشر في معنويات مقاتلي العراق وإفقادهم الرغبة في القتال، وقد برز الدور الحيوي للعمليات النفسية من خلال إلقاء 25 مليون منشور (تهديد، ترغيب، بطاقات دعوة).