إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / العراق والكويت، الجذور ... الغزو ... التحرير / التحضير العسكري العراقي لغزو الكويت (التخطيط ـ إعداد مسرح العمليات ـ الفتح "الانتشار" الإستراتيجي)






أوضاع القوات الجوية للجانبين
أوضاع القوات العراقية
الغزو العراقي للكويت
القوات البحرية للجانبين



تمهيد

مقدمة

    لم يعرف التاريخ العربي المعاصر، منذ استقلال الدول العربية وتحررها، عملاً عربياً عدوانياً، أخّر مسيرة الأمة، واستنزف قواها، مثل الغزو العراقي للكويت، عام 1990.

    والحقيقة، أن الأراضي الكويتية، كانت، دائماً، ومنذ الاستقلال، مطمعاً لحكام العراق، سواء في عهد الملكية الهاشمية أو ما بعدها. وتراوحت هذه الأطماع، بين الضم الكامل للأراضي الكويتية، أو ضم بعض الأراضي، مثل الجُزُر والمناطق الحدودية الشمالية، كحد أدنى لهذه المطامع. إلاّ أن أيّاً من حكام العراق السابقين، لم يكن قادراً على تحقيق تلك الأطماع، في ذلك الوقت، نتيجة للمحاذير العربية، والرادع الدولي، من جهة، ومشاكل العراق وصراعاته الداخلية، من جهة أخرى.

    ومنذ تولّي الرئيس العراقي، صدام حسين، السلطة في العراق، وبروز طموحاته إلى الهيمنة على منطقة الخليج، وأحلام الزعامة العربية، بدأ السير على طريق تحقيق هذا الحلم. فكانت الحرب ضد إيران، التي تواصلت ثماني سنوات (1980 ـ 1988)، خرج العراق بعدها مثقلاً بالديون[1]، والمشاكل الداخلية العديدة. وفي ظل هذه الضغوط الاقتصادية والمالية، كان أمام القيادة العراقية خياران:

1. الأول: تخفيض الإنفاق العسكري، الذي تضخم خلال الحرب ضد إيران[2].

2. الثاني: تنمية موارد العراق الاقتصادية، وإيجاد مصادر دخْل إضافية.

    ولما كان الخيار الأول، يعني خفض حجم القوات المسلحة العراقية، وتسريح أعداد ضخمة من هؤلاء الرجال، وازدياد مشكلة البطالة، وانكماش الصناعات الحربية التي تخدمها، وهي الدعامات الأساسية لتحقيق طموحات القيادة العراقية، فلم يكن ذلك الخيار مرغوباً فيه من تلك القيادة، ومن ثم، اتجهت إلى الخيار الثاني.

    ونظراً إلى أن تنمية موارد العراق، تحتاج إلى سنوات طويلة، ولا سيما النفط، الذي تحكم أسعاره السوق العالمية، فقد وجدت القيادة أن أسهل الحلول وأسرعها، لمواجهة مشاكلها الاقتصادية، وتحقيق طموحاتها السياسية، في آن واحد، هو استثمار آلتها الحربية الضخمة، في التحرك جنوباً، للاستيلاء على الكويت وثرواتها الضخمة. وهو ما سيعوضها، لو نجحت فيه، عن الفشل الذي لحق بها على الجبهة الإيرانية، بل يعوض من خسائرها، ويزيد من سيطرتها على الخليج، بامتلاك سواحل الكويت وجُزُرها وموانئها، فضلاً عن أنه يمكن تبرير الغزو، بأنه جاء انطلاقاً من الحقوق التاريخية، التي ترى أن الكويت جزء من ولاية البصرة، إبّان العهد العثماني.

    ومما لا شك فيه، أن العراق خطط مهاجمة الكويت، منذ فترة طويلة، ربما منذ صدور قرار مجلس الأمن الرقم 598، في 20 يوليه 1987، بوقف إطلاق النار بين العراق وإيران، الذي بدأ سريانه في 20 أغسطس 1988. ويعزز هذا الاحتمال العوامل التالية:

1. تحييد مراكز المعارضة المنتظرة لهذا الغزو، بمحاولة احتواء مصر في مجلس التعاون العربي، الذي سعى العراق، من خلاله، إلى عزل سورية عن التجمعات الإقليمية.

2. تحييد المملكة العربية السعودية، من خلال اغتنام فرصة زيارة الملك فهد بن عبدالعزيز إلى العراق، في 25 مارس 1989، لتوقيع اتفاقيتَي، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم استخدام القوة، بين المملكة العربية السعودية والعراق، لطمأنة المملكة، وعدم إثارة مخاوفها، في بداية الغزو. وتبعه اتفاق مماثل مع البحرين، في ديسمبر من العام نفسه.

3. إغداق المعونات على بعض الدول العربية، في محاولة ناشطة لكسب الأنصار والمؤيدين.

4. تشدد الخطاب السياسي للقيادة العراقية، في مواجَهة إسرائيل، لكسب تأييد الشارع العربي، خاصة الشعب الفلسطيني، الذي يوجد عدد كبير من أبنائه في الكويت؛ وكان لهم دور فعال في مساندة الغزو، داخل الكويت، فيما بعد.

    ومن ثم، بدأت القيادة العراقية تُعد العدة، من أجل تنفيذ مخططها:

1. فمع بداية عام 1989، بعد انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية، بدأ العراق ينفذ برنامجاً مكثفاً لتطوير تسليح قواته، تقليدياً ـ فوق تقليدياً؛ إذ قُدّرت ميزانيته، عام 1990، بنحو 12.9 مليار دولار.

2. ومنذ 23 فبراير 1990، بدأ الرئيس العراقي، صدام حسين، يُعِدّ ويمهد لغزو الكويت، سياسياً، عندما أعلن، عبْر التليفزيون الأردني، عقب وصوله إلى عمّان، لحضور مؤتمر مجلس التعاون العربي: "أن البلد، الذي يكون له النفوذ في الخليج، يكون له الهيمنة على نفطها، ومن هنا، فإن هذا البلد (أي العراق)، سوف يكون قادراً على ممارسة تفوّقه، كقوة عظمى، فلن يكون هناك قوة أخرى، تستطيع منافسته في المنطقة".

3. وفي أول أبريل 1990، أعلن الرئيس العراقي، في خطابه أمام قادة وضباط القوات المسلحة العراقية، كذلك، أن العراق يمتلك أسلحة كيماوية مزدوجة، وأنها أسلحة ردع، كافية لمواجهة السلاح النووي الإسرائيلي.

4. مطالبة دول الخليج بإسقاط ديونه، على أساس أنه كان يدافع عنها ضد إيران[3].

5. ومنذ منتصف يوليه 1990، بدأ الرئيس صدام حسين، يخطط لغزو الكويت، عسكرياً، ويمهد له، سياسياً.

    وكان لاستمرار التوتر والنزاع، بين دولتَي العراق والكويت، أسباب عديدة. فعلى الرغم من موافقة العراق، على ترسيم حدوده مع دولة الكويت، عام 1932، قبْل إعلان استقلاله، إلاّ أنه دأب في مواقفه، الداعية إلى أن الكويت جزء من دولة العراق. ومما لاشك فيـه، أن هذه المطامع، أثارت مشاعر دولة الكويت، ودول عربية أخرى. وترجع المطامع العراقية إلى سببَين رئيسيَّين:

1. الأول اقتصادي، يتيح له السيطرة على آبار نفط الروضتين، والتحكم في 20% مـن احتياطي النفط العالمي، واستغلال المنشآت والموانئ النفطية الكويتية، من خلال ضـم الكويت.

2. أمّا الثاني، فهو إستراتيجي ـ عسكري، من خلال إيجاد منفذٍ بحريٍّ إلى مياه الخليج العربـي، مما يحقق له مركزاً بحرياً متميزاً، ويوفر له ميزة عسكرية في المنطقة، فضلاً عن استغلال الجزر البحريـة الكويتية في الخليج (وربة وبوبيان)، لما تحققه له من أهمية إستراتيجية، تمكنه من التحكم في المياه المفتوحة، لتأمين ممر شط العرب، وبذلك تنتهي مشاكله الحدودية مع إيـران، في هذه المنطقة.

    وقد بدأ النزاع الأخير، بين دولتَي العراق والكويت، بمهاجمة الرئيس العراقي، في خطابه، في 17 يوليه 1990، بعض الدول الخليجية، وحذرها من أنه سيبادر إلى "فعل مؤثر يعيد الأمور إلى مجاريها الطبيعية، ويعيد الحقوق المغتصبة إلى أهلها". واتهمها بأنها عميلة للولايات المتحدة الأمريكية، وتنفّيذ سياستها في المنطقة العربية، مما أدى إلى الإضرار بالأمن الوطني العربي .

    وأدّى تفاقم المشكلة إلى التدخل، العربي والإقليمي والدولي، من خلال المؤتمرات والنداءات والتحذيرات واللقاءات، ولكنها فشلت جميعاً. وكان آخرها مؤتمر جدة، الذي عقد بين الوفدَين، العراقي والكويتي، في 31 يوليه 1990، وانتهي إلى الفشل، كذلك، بل زاد المشكلة تعقيداً.

    وبعد ساعات قليلة على فشل مباحثات جدة، وفي الساعة 1630، الأول من أغسطس 1990، هبطت الطائرة العراقية، القادمة من جدة، وعلى متنها الوفد العراقي، برئاسة عزة إبراهيم، الذي توجَّه، مباشرة، إلى مقر الرئيس العراقي. وعلى مدى عشر دقائق، استمع صدام لتقرير نائبه. ومن الفور، استدعى الرئيس العراقي الفريق نزار عبدالكريم الخزرجي، رئيس أركان الجيش العراقي، والفريق أياد فتيح خليفة الرادي، قائد قوات الحرس الجمهوري، والفريق سعدي طعمة عباس الجبوري، قائد العمليات الخاصة في قوات الحرس الجمهوري، وكلاًّ من قائد القوات الجوية، وقائد الدفاع الجوي، وبعض قادة الفيالق الأخرى. وتوجهوا جميعاً، يتقدمهم الرئيس العراقي، صدام حسين، على متن ثلاث طائرات عمودية، إلى قاعدة الزبير الجوية، ومنها أقلتهم السيارات إلى مقر قيادة قوات الغزو، في مدينة صفوان، حيث اجتمع الرئيس مع القادة، وتأكّد من تفهم المرؤوسين للخطة التفصيلية لغزو الكويت، وحدد توقيت بدء المعركة، الذي اختاره ليكون في الساعة 2400 يوم 1 أغسطس، حتى تتمكن القوات العراقية احتلال مدينة الكويت، مع أول ضوء من يوم 2 أغسطس.

    وفي منتصف ليلة 1/2 أغسطس 1990، الموافق يوم الخميس، الحادي عشر من شهر محرم 1411 هـ، فاجأ العراق العالم أجمع، عندما دفع قواته، عبر الحدود العراقية ـ الكويتية. وكان أول بيان، يسمعه العالم عن الغزو العسكري العراقي لدولة الكويت، يأتي عبر الإذاعة الكويتية نفسها، قبل الاستيلاء عليها، إذ أصدرت وزارة الدفاع الكويتية بياناً، في السادسة من صباح ذلك اليوم، أعلنت فيه للشعب الكويتي، نبأ الغزو العراقي للكويت.

    ولم يدُر في خلد الكويتيين، وهم يفيقون، في الصباح، على دوي المدافع وزخات الرشاشات، وأزيز الطائرات، أن بلدهم أصبح محتلاً، من قِبل الجيش العراقي، وأن حكومتهم الشرعية، قد رحلت إلى المملكة العربية السعودية. فعلى الرغم من فشل مباحثات جدة، إلاّ أنه لم يكن هناك مظاهر في الكويت، تدل على وصول الأزمة إلى طريق مسدود، واستطراداً، لم يكن هناك استعدادات عسكرية، على صعيد الدفاع عن الحدود، أو تأمين المنشآت الحيوية في الداخل. وعلى الرغم من ذلك، فقد خاضت القوات الكويتية، الموجودة في الخدمة، آنئذٍ، عدة معارك محدودة، حول قصر دسمان، وعلى مفترق الطرق، عند المطلاع والجهراء ومعسكرات الجيش والقيادة العامة، وفي الجيوان، وجزيرتَي فيلكا وبوبيان.

    ويرجع السبب في سرعة الاجتياح العراقي، إلى افتقار الجيش الكويتي إلى الحرفية في القيادة والتنظيم، وإلى عدده القليل، فضلاً عن افتقاده الخبرة، في مقابل الجيش العراقي الضخم، المتمرس بالحرب، عبْر صراعه مع إيران، الذي دام ثماني سنوات. وعلى الرغم من حالة الفوضى، التي عاشها الجيش الكويتي، في اليوم الأول للغزو، إلاّ أن بعض قواته البرية، استطاعت الانسحاب، إلى أراضي المملكة العربية السعودية، كما لجأ بعض الطائرات الحربية الكويتية إلى القواعد الجوية في المملكة.

    إن الغزو لم يقع مصادفة، بل كان مخططاً له، سياسياً، وعسكرياً، قبل أكثر من عامين، في إطار خطة خداع، إستراتيجي وسياسي وإعلامي. هكذا، كان يوم الغزو محدداً، قبْل أن تبدأ مباحثات جدة، التي عمل العراق على إفشالها كي يتخذها ذريعة لتنفيذ مخططه لغزو الكويت.

    وقد ارتكبت الكويت خطأً، عندما وثقت بالقيادة العراقية، على الرغم من معرفتها جيداً أطماعها فيها، ومحاولاتها السابقة لضمها. وكانت هذه الثقة الزائدة سبباً في مأساة الشعب الكويتي، طيلة سبعة أشهر، هي عمر الاحتلال العراقي للكويت. إذ إن الكويت، لم تضع في إستراتيجيتها تصورات دفاعية تجاه العراق، ولم تضع قواتها في حالة تأهب، حتى لا تستفز القيادة العراقية. حتى عندما ترددت الأنباء عن الحشود العسكرية العراقية نحوها، والتي رُصدت فعلاً، لم تصدق، كذلك، أي احتمال لاجتياح عسكري عراقي كامل لها. ولذلك، لم تُنشأ أي تجهيزات هندسية دفاعية على حدودها مع العراق، تشمل موانع مضادّة للدبابات أو للأفراد، أو غيرها من الموانع العسكرية الدفاعية الأخرى، ولم ترفع حالات الاستعداد القتالي لقواتها المسلحة، ولم تفكر في تحالفات، ولا في استدعاء قوات، عربية أو صديقة، وذلك استناداً إلى الثقة الزائدة بالعراق، نتيجة لمواقفها السابقة المؤيدة له، طيلة سنوات حربه ضد إيران.

    وكان الوضع على الجانب العراقي مختلفاً تماماً، فقد كانت المنطقة الجنوبية العراقية، تشهد نشاطاً عسكرياً كبيراً، لاستكمال الاستعدادات القتالية. وقد استغل العراق الوضع العسكري بعد سريان وقف إطلاق النار، بينه وبين إيران، في 20 أغسطس 1988، وعمد إلى تحركات عسكرية علنية، على أساس أنها أعمال مألوفة، مستغلاً إياها كجزء من الخداع الإستراتيجي، حتى لا يتنبه الكويتيون إلى وجود حركة غير عادية، عندما تحين لحظة اختراق الحدود.



[1] أنفق العراق نتيجه حربه ضد إيران 452.6 مليار دولار، فإذا أُضيف إليها نفقة أعمال إعمار ما دمرته الحرب، فإن فاتورة العراق في هذه   الحرب ترتفع إلى حوالي 553 مليار دولار.

[2] بلغت ديون العراق الخارجية نتيجة للحرب ضد إيران حوالي 80 مليار دولار، معظمها لدول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية والكويت

[3] في 23 فبراير 1990، أثناء انعقاد قمة زعماء مجلس التعاون العربي في عمان، ألمح صدام حسين إلى أن للعراق حقوقاً لدى الكويت، وأنه لن يقف مكتوف الأيدي، ما دامت الكويت والإمارات ترفضان إسقاط ديونهما للعراق. وأضاف قائلاً: `إن العراق طالب الدولتَين، مراراً، بإسقاط الديون دون جدوى. ويبدو أنهم ـ أي الخليجيين ـ نسوا أو تناسوا، أن العراق كان يدافع عنهم، قبل أن يدافع عن حقوقه`