إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / خالد بن سلطان / الأحاديث الصحفية، التي أدلى بها، صاحب السمو الملكي الفريق الأول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز إلى:




مجلة المجالس، العدد 1338
مجلة الصقور
مجلة كلية الملك عبدالعزيز/42
الأمير و الجنود السعوديون
الأمير مع الأمير سلطان
الأمير مع خادم الحرمين
الأمير يهدي كتابه إلى السفير
الأمير خالد مع الشيخ جابر
الأمير خالد مع شوارتزكوف
الأمير في مسرح العمليات
الملك فهد يتفقد القوات
الملك فهد في حفر الباطن
حديث إلى مجلة الحوادث
حديث إلى مجلة كلية الملك عبدالغزيز
سمو الأمير خالد بن سلطان
صورة من مجلة المجالس
صورة من مجلة الرجل
صورة للأمير من مجلة الرجل
صورة للأمير خالد في مجلة الرجل
صورة للأمير، من مجلة الرجل
صورة لسفينة حربية سعودية
غلاف مجلة أكتوبر
غلاف مجلة الحوادث
غلاف مجلة الرجل
غلاف مجلة كلية الملك عبدالعزيز





حديث

إلى مجلة كلية الملك عبدالعزيز الحربية

الرياض، المملكة العربية السعودية

العدد 28، 1408هـ  ـ  1988م

ــــــــــــــ

أجرى الحوار:

النقيب شيبان أحمد الراشدي، والطالب سلطان بن سعود آل سعود.

 

س: سمعت في إحدى المحاضرات، أن هناك تناسباً طردياً بين قلق إسرائيل تجاه أي دولة من دول العالم العربي، وبين تطور القوات المسلحة في هذه الدولة. فما هو تعليق سموّكم على ذلك؟

ج: من وجهة نظري، فإن أسباب قلق إسرائيل تجاه التقدم العسكري لأي دولة عربية، تتلخص في الآتي:

1. فلسفة القوة في تأسيس إسرائيل، لأنها تأسست على استخدام القوة والعنف. واستمر منهج القوة يحكم سلوكها، منذ نشأتها حتى الآن. وأنتجت هذه الفلسفة مفاهيم عديدة، مثل نظرية أمن إسرائيل، وأساليب الأحزمة الأمنية، ومفهوم التفوق العسكري على الدول المجاورة. كما تؤمِن أن القوة هي أساس استمرارية بقائها، وانطلاقاً من هذه الرؤية تسعى إلى إجهاض أي محاولة لدولة عربية لتطوير قواتها  المسلحة وتقويتها، إيماناً منها بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع.

2. تعتمد إسرائيل على القوة لإرهاب الدول العربية، وإقناع الدول الغربية بأنها رجل الشرطة القوي في المنطقة، لِمَا لها من ذراع طويلة وتفوق نوعي، وأنها يمكِنها حماية المصالح الغربية، على الرغم من أن حرب العاشر من رمضان قد أنهت الكثير من هذه الادعاءات.

3. عند حساب التوازن العسكري في المنطقة، كما تدّعيه بعض الدول الغربية وإسرائيل، تُدخِل القوات المسلحة لجميع الدول العربية في الحساب عند مقارنتها بالقوات الإسرائيلية، وحجتهم في ذلك أنه يمكِن لهذه الدول، في لحظة ما، الاتحاد واستخدام جميع قواتها ضد إسرائيل. وعلى الرغم من عِلمهم أن هذا الافتراض، عملياً وعسكرياً وسياسياً، خطأ فادح، إلاّ أن إسرائيل تغذيه وتنميه لمصلحتها.

4. تعلم إسرائيل أن العالم قد يعطف على الضعيف، ولكنه يحترم القوي، ويؤمن بفرض الأمر الواقع. لذلك، تحاول بكل الإمكانات أن تكون هي الأقوى، وهي الأكثر احتراماً، بصرف النظر عن الإدانات والاستنكارات والشجب والشعور بالقلق والمشاعر الإنسانية الأخرى.

5. تنزعج إسرائيل ليس فقط من تطور القوات المسلحة لأي دولة عربية فحسب، بل تنزعج أيضاً من التطور في كل مجال يخدم هذه الدول، وأشدّ ما يزعجها هو شعورها بالتماسك الديني والعقدي لأي دولة عربية، ومن هنا تجيء كافة محاولاتها لهدم شباب هذه الدول، داخلياً، وترويجها لكافة المحرّمات.

 

س: حرب الخليج، من وجهة النظر الشمولية لسموّكم، هل ترون أنها تتخذ الصفة الإقليمية أو الدولية، كما تردّد في بعض وسائل الإعلام العالمية؟

الإجابـــة    

1. في الحقيقة، لا بدّ أن أوضح نقطة مهمة، وهي أن أي صراع، حتى لو كان محلياً، فله أبعاده الإقليمية والدولية. لذلك، فإنني أرى أن حرب الخليج، على الرغم من أن دائرة الصراع المسلح فيها، لم تتعدَّ حتى الآن منطقة الخليج نفسها، إلاّ أن لها أبعادها الثلاثية: المحلية والإقليمية والدولية.

فإذا تطرّقنا إلى البُعد المحلي في هذه الحرب، نجد أن الطرف الإيراني في إدارته للصراع، يأخذ الشكل العقدي، واضعاً في اعتباره الهدف السياسي العسكري التالي: "هزيمة النظام الحاكم في العراق، عسكرياً، تمهيداً لقيام نظام موالٍ لإيران"، مستغلاً التفوق البشري الإيراني، ومحاولاً حرمان العراق من استغلال تفوقه في المعدات. بينما يُظهر الجانب العراقي في إدارته للصراع الشكل القومي، واضعاً في اعتباره الهدف السياسي العسكري التالي: "الدفاع عن أراضي الدولة، وهزيمة القوات المهاجمة، وحرمان إيران من مصادر الثروة النفطية، لإجبارها على قبول التسوية السلمية"، مستغلاً التفوق العراقي في المعدات، ومعتمداً على المواقع الدفاعية الحصينة لتقليل الخسائر.

2. إذا نظرنا إلى البعد الإقليمي في الصراع، نجد أن أطرافه هي دول منطقة الشرق الأوسط. ونجد أن هذه الدول، انقسمت ما بين دول مؤيدة للعراق، وأخرى مؤيدة لإيران، كما أنه علينا ألاّ نغفل تأثيرات هذا الصراع في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، الذي، للأسف، تراجعت أولوياته، وكذا زيادة النفوذ الإيراني في لبنان، ومحاولات أخرى لجذب العديد من الدول للدخول في دائرة الصراع.

3. أما بالنسبة إلى البُعد الدولي، فلا يخفى علينا ما تمثله منطقة الخليج من أهمية إستراتيجية شمولية لكثير من دول العالم ومحاولتهم التأثير على مُجريات الأمور لمصلحتهم الاقتصادية، في المقام الأول، ثم مصالحهم السياسية، ولكل دولة أهدافها الخاصة في استمرار هذا الصراع أو توقفه.

 

س: ما رأي سموّكم في إنشاء معهد الدراسات والبحوث الإستراتيجية، طبقاً لِمَا هو معمول به في معظم البلدان المتقدمة؟

ج: إنني، كرجل عسكري، أُومن بأهمية البحوث والدراسات عموماً في أي مجال، لأنها البداية العلمية الصحيحة لأي عمل أو مشروع أو فكر، ولا يُمكن اتخاذ القرار السليم من دون بحث ودراسة، وأن أساس تقدم الدول العظمى هو بمقدار ما أنفقته وتنفقه في مجال البحث العلمي والدراسات.

ويُمكن القول: إن البحوث والدراسات تزداد أهمية كلما ارتفع المستوى الذي يطلبها. ونظراً إلى التطور العلمي والتقدم التقني تظهر الأهمية القصوى للبحوث والدراسات، في المستوى العسكري، وفي المستوى الإستراتيجي، أيضاً.

لذلك، فمن الضروري وجود مراكز بحوث ودراسات إستراتيجية، على مستوى الجامعات، وعلى مستوى كافة التنظيمات العُليا، مع ضرورة وجود معهد خاص لهذه الدراسات والبحوث، على مستوى المملكة، يكون أحد أهدافه إعداد صانعي القرار، إستراتيجياً، بشرط التنسيق والترابط الكامليْن بين كافة المراكز والهيئات والإدارات والأقسام التي تعمل في هذا المجال.

والحمد لله، لدينا إدارات وأقسام بحوث في كل فرع من الأفرع الرئيسية، وعلى مستوى القوات المسلحة، أيضاً.

 

س: ما هو رأي سموّكم في ما تنشره مراكز الدراسات الإستراتيجية الدولية، من تفاصيل مذهلة عن التسليح والتشكيلات العسكرية  ومستوى التدريب، وعلاقتها بالجوانب السرّيّة الإستراتيجية لكل دولة؟

ج: نظراً إلى التطور الهائل في معدات ووسائل وأساليب الحصول على المعلومات، ونظراً إلى التقدم الملحوظ في وسائل نقل المعلومة من مكان إلى آخر، في أسرع وقت، وبأعلى درجة من الدقة، فما عادت معرفة عدد الأسلحة والمعدات، أو تعداد القوات المسلحة لأي دولة، موضوعاً سرّيّاً يؤثر في كفاءتها في أي حرب مقبلة. كما أصبح تحقيق المفاجأة، من طريق إخفاء أعداد الأسلحة والمعدات والأفراد، صعباً للغاية.

أما السرّيّة الحقيقية، من وجهة نظري، والتي يجب أن توليها جميع الأجهزة العسكرية عنايتها الفائقة، فهي في مستوى تدريب الوحدات والتشكيلات، وفي أسلوب استخدام هذه الأسلحة والمعدات، وفي خطط العمليات المستقبلية، وفي مستوى الكفاءة القتالية للقوات المسلحة. وأهم من ذلك كله الروح المعنوية لمنسوبيها.

 

س: في يوم 28/5/1987م، هبطت طائرة ألمانية خاصة صغيرة في الميدان الأحمر بالاتحاد السوفيتي مخترقة شبكة إنذار الدفاع الجوي دون أن تُكتشف. وجّهت وسائل الإعلام الروسية، عقب ذلك، انتقادات عنيفة إلى أوجُه القصور في القوات المسلحة، ونُشرت أيضاً التعديلات التي حدثت في القيادات. ما رأي سموّكم في ما نشرته وسائل الإعلام هذه وهل يتفق ذلك مع مهمتها الإعلامية؟ وما هي المهام التي يجب أن تؤديها وسائل إعلام الدولة، تجاه المجال العسكري؟

ج: إن التقدم الرهيب في وسائل الاستطلاع ووسائل التجسس ووسائل الاتصالات بأنواعها المختلفة، جعل إخفاء الأحداث المحلية أمراً صعباً للغاية. ولذلك، نجد أنه عند حدوث أي حدث، تبدأ وسائل الإعلام العالمية في نشر التفاصيل، كلٌّ حسب إمكانياته، وطبقاً لصدق مصادر معلوماته.

فإذا امتنعت وسائل الإعلام المحلية عن نشر حقائق هذا الحدث، كان ذلك مجالاً خصباً للشائعات والقصص المختلفة. ومن وجهة نظري، فإنني أرى ضرورة نشر الحقائق، بشرط عدم المساس بأمن الدولة. وأعتقد أن ممارسة النقد الذاتي، هي أفضل أنواع النقد. ولا يدل النقد على الضعف، إنما يدل على القوة، لأنه يقود إلى معالجة الأخطاء وتصحيح الأوضاع بما يتفق ومصلحة الدولة. كما أنني أرى أن نشر أي تعديلات في القيادات نتيجة قصور ملحوظ، يعني أن المسؤولين يطبقون مبدأ الثواب والعقاب، وأنهم ساهرون على مصالح الدولة، وإقصاء مَن لم يثبت جدارته في خدمة الوطن. كما أنني ضد التهويل في النشر، سواء في الاتجاه السلبي، الذي قد يؤدي إلى فقدان الثقة، أو في الاتجاه الإيجابي، الذي يؤدي إلى الزيادة المفرطة في الثقة بالنفس؛ وكلاهما ضار.

وأرى أن تكون مهامّ وسائل الإعلام المدنية، تجاه المجال العسكري، كما يلي:

1. إعلام المواطنين بواجبات القوات المسلحة ومسؤولياتها وقدراتها.

2. كسب تجاوب المواطنين وتقديرهم وثقتهم بالقوات المسلحة.

3. التصدي للشائعات المغرضة، والهدّامة، التي تهدف إلى إحباط معنويات الأفراد.

4. استخدام وسائل النشر المختلفة لتثقيف منسوبي القوات المسلحة وتوعيتهم.

5. ترغيب الشباب في الانتظام في المجال العسكري.

6. تعبئة الرأي العام وتوحيده في الأزمات والطوارئ.

وهنا تظهر أهمية التنسيق بين أجهزة الإعلام المدنية وأجهزة الإعلام والجهات الأمنية والإدارية في القوات المسلحة.

س: يتقدم إلى المعاهد ومراكز التدريب والكليات العسكرية أعداد كبيرة من الطلاب. فما هو رأي سموّكم في الأسلوب الأمثل للاستفادة من هذه الطاقات البشرية في قواتنا المسلحة؟

ج: تعتبر الثروتان، المادية والبشرية، هما زينة الحياة وعمادها، كما يقول الحق تبارك وتعالى: "المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا" (سورة الكهف، الآية 46). لذلك، يجب استغلال هذه الثروة البشرية أحسن استغلال، لأنها نعمة من نعم الله، حتى تتحقق الأهداف المشروعة لكل فرد، ومن ثمّ يشعر بالرضا والسعادة والانتماء، وهنا يسهل تحقيق أهداف الدولة المختلفة: السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. لذلك، تُعد العناية بالثروة البشرية وتوجيهها وُجهة تتفق مع إمكانات الأفراد، حتى يُوضع كل فرد في العمل الذي يصلح له، إحدى الأهداف الأساسية للدولة.

إن الأسلوب العلمي للاستفادة من هذه الطاقات البشرية في قواتنا المسلحة، يمكن أن يتحقق طبقاً للخطوات المنطقية التالية:

1. تحديد أهداف القوات المسلحة.

2. تحديد حجم الوحدات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، ومن ثم تحديد حجم القوة البشرية المطلوبة.

3. بمعرفة الحجم المتيسّـر من القوة البشرية، يمكِن تحديد الاحتياجات المطلوبة، كماً ونوعاً، والفترة الزمنية اللازمة لذلك.

4. حتى يُمكن تحديد النوعية المطلوبة من القوة البشرية، يلزم تحليل الوظائف التي سيشغلها الأفراد، وتعني كلمة الأفراد هنا جميع منسوبي القوات المسلحة (ضباطاً وضباط صف وأفراداً و مدنيين).

5. من تحليل الوظائف، يمكن الخروج بالتوصيف الوظيفي، الذي يعني في أبسط صورة له: تحديد مُسمى الوظيفة، وواجباتها ومسؤولياتها، ثم تحديد مواصفات شاغل الوظيفة.

6. من تحديد مواصفات شاغل الوظيفة، يمكِن الخروج بنقطتين هامتين:

أ.  تحديد الحدّ الأدنى من المتطلبات الواجب توافرها في المتقدمين.

ب. تحديد مهمّة المعهد أو المركز أو الكلية لتنمية هذه المتطلبات للمتقدمين، وتزويدهم بالمعرفة، وإكسابهم المهارات المطلوبة لتتفق مع مواصفات شاغل الوظيفة، أي لتجعلهم مؤهلين لشغل الوظائف المناسبة لهم.

س: دعاية الالتحاق بالخدمة العسكرية تتضمن، غالباً، أحد المضمونين التاليين:

أ.  (من أراد أن يؤمن مستقبله ومستقبل أبنائه وأسرته في الحياة الكريمة والسكن المُريح والعلاج المجاني)، فليلتحق بالقوات المسلحة.

ب. (من أراد أن يحيا حياة الكرام أو يموت ميتة الشهداء)، فليلتحق بالقوات المسلحة.

أيهما، في نظر سموّكم، أكثر وقعاً في نفس الشباب الملتحق؟ وذلك في ضوء الرفاهية التي يعيشها الشعب السعودي، ولله الحمد.

ج: إن عماد نجاح القوات المسلحة لأي دولة إسلامية، يكمن في القوة البشرية الواعية، التي تتمثل غالبيتها في الشباب المتمسك بعقيدته.

وإن الهدف من تقدُّم أي فرد لشغل وظيفة ما، هو تلبية احتياجات الفرد ومَن يعولهم. وقد تطرّق إلى حاجات الفرد، العالم (ابراهام ماسلو)، في نظريته الخاصة بالتدرج الهرمي للاحتياجات الإنسانية، وحدد خمس احتياجات هي: الاحتياجات الطبيعية (الجسمانية والفسيولوجية)، واحتياجات الأمن، والاحتياجات الاجتماعية، واحتياجات احترام الذات والحصول على تقدير الآخرين واحترامهم، واحتياجات الرضا النفسي والاعتداد بها.

ويزداد رضا الفرد عن عمله، إذا شعر أنه متفق مع عقيدته الدينية، وأنه مثاب عليه في الآخرة. ولا ننسَ قول المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام: "عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ، عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللهِ" (سنن الترمذي، باب فضائل الجهاد).

إن الاهتمام بالناحية المادية لا يُقلل من اهتمامنا بالناحية الدينية. ولقد أُثِرَ عن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".

فإذا اخترنا الشق الأول من هذا القول، وجدناه يعني تحقيق كافة احتياجات الأفراد، وتحسين المستوى، وعمارة الأرض، وتحسين وتطوير كل ما من شأنه تقوية الدولة، ولا مانع أن يكون أحد الأهداف عند الالتحاق بالخدمة العسكرية. ولا يخفى علينا أن تأمين حاجات الفرد ومن يعولهم سيكون حافزاً له على الجهاد في سبيل الله لاطمئنانه على مستقبل أسرته، وهنا يتفرغ تماماً للعمل، الذي تشرف بالانتساب إليه.

وإذا اخترنا الشق الثاني من هذا القول، وجدناه يعني أن نفكر في الآخرة، وأن نعمل لها. وبالتأكيد، لا يوجد ميدانٌ أشرَف من ميدان القتال دفاعاً عن المال والعرض والنفس والدين والوطن، لدخول الجنة. وهنا يجب أن نتذكر قول الحق تبارك وتعالى: "إِنَّ اللهَ اشتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجِيلِ والقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاستَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ" (سورة التوبة، الآية 111).

س: (خدمة العَلَم) أو (التجنيد الإجباري) كما يُسمى في بعض الدول، عبارة سمعناها كثيراً، ونُريد أن نعرف من سموّكم وجهة نظركم حيال هذا التعبير الوطني. وإلى أي مدى يُمكِن تحقيقه في المملكة العربية السعودية؟

ج: تعتمد القوات المسلحة لأي دولة على أحد النظامين التاليين، لإمدادها بالعناصر البشرية:

إمّا نظام التطوع الكامل أو نظاما التطوع وخدمة العلم، أو ما يُسمى بالتجنيد الإجباري. والغرض من كلا النظامين هو:

(ضمان إمداد القوات المسلحة بالعناصر المطلوبة لتحقيق الكفاءة القتالية وأعلى درجات الاستعداد للدفاع عن أراضي الدولة وتحقيق أهدافها، ولضمان وجود نظام للاحتياط أيضاً، يكون جاهزاً للإمداد أثناء العمليات الحربية، سواء للاستعاضة أو لإنشاء وحدات جديدة يتطلبها الموقف العسكري).

إن الاعتماد المطلق على نظام التطوع الكامل فقط، وإن كان به عدة ميزات، أهمها اقتناع الفرد بسموّ الهدف، إلاّ أنه يعيبه ضعف نظام الاحتياط، لأن إعداد الفرد المقاتل يتطلب وقتاً طويلاً نسبياً لإكسابه المهارة المطلوبة في استخدام المعدات المتقدمة، المعقدة فنياً وتقنياً. هنا، يلجأ بعض الدول إلى نظام التجنيد الإجباري لتكملة أي عناصر أخرى مطلوبة، لم تحصل عليها بواسطة نظام التطوع، علاوة على إنشاء قاعدة عريضة من الشباب يجرى إعدادهم عسكرياً، ويتمّ ضمهم إلى نظام الاحتياط، عقب انتهاء فترة تجنيدهم. ولضمان نجاح مثل هذا النظام، فلا بدّ أن يُستدعى مَن انتهت فترة تجنيده، سنوياً، لإعادة تدريبه للمحافظة على كفاءته القتالية، وبالطبع، يلزم مع هذا وجود نظام تعبئة كفء.

إن اتّباع أيٍّ من النظامين يتوقف على ظروف الدولة، السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية، وطبيعة التهديدات ضد الدولة.

بالنسبة إلى المملكة، فإننا نطبق النظام التطوعي أساساً. وفي حالة التفكير في تعديل هذا النظام أو تطويره، سيكون هناك ضوابط ومعايير واضحة، بما يُحقق الاستفادة القصوى من طاقات شبابنا الواعي، وإنشاء نظام احتياط كفء وفعال، لتحقيق أهداف قواتنا المسلحة ومن ثَم أهداف المملكة.

س: هل يرى سموّكم إدخال مادة (التوجيه المعنوي) ضمن المقررات المنهجية في الكليات العسكرية، أو أن ذلك من مهمّة القادة والمعلمين ضمناً؟

الإجابـــة

أولاً: يجب أن نحدد مشتملات التوجيه المعنوي، كما هو متعارف عليه في بعض الجيوش، التي تدخل هذه المادة في مناهجها بهذا الاسم، وهي: الروح المعنوية ومقوماتها والعوامل المؤثرة فيها، دور القائد لرفع الروح المعنوية، قياس الروح المعنوية، دور الشؤون العامة في رفع الروح المعنوية، سلماً وحرباً، فن القيادة، مقاومة دعايات العدو وشائعاته، تنمية روح العمل الجماعي في الوحدة، دراسة السلوك الإنساني في المجتمع العسكري.

ثانياً: مكونات منهج الكلية، كما اطلعت عليه، يحتوي على معظم هذه الموضوعات، ولكن ضمن مواد مختلفة. فمثلاً، نجد أن فنّ القيادة يدخل ضمن الإدارة، ودراسة السلوك الإنساني والحرب النفسية تدخل ضمن عِلم النفس العسكري.

ثالثاً: يجب أن يكون معلوماً لدينا أهمية عملية التوجيه المعنوي، في أنها تهدف إلى تغذية الصفات العقدية والمعنوية وتقويتها لدى رجال القوات المسلحة، حتى يصبحوا قادرين على إحراز النصر، وتحقيق المهام المكلفين بها.

رابعاً: إن غرْس العقيدة الصحيحة ومتابعتها وتغذيتها ورعايتها، هي عملية مستمرة منذ دخول الطالب إلى الكلية وحتى تقاعده. ولذلك، فإن المسؤولية تُلقَى على عاتق الكلية، في المقام الأول، ثم متابعة هذه المسؤولية بواسطة القادة، على جميع المستويات.

خامساً: أؤيد وجود مثل هذه المادة ضمن مقررات الكلية، مع تجميع الموضوعات الخاصة بها، والاهتمام بإظهار دَور التوجيه المعنوي في جميع مراحل التدريب، خاصة التمارين الميدانية، وجميع مراحل العمليات، وفي صور المعركة المختلفة.

سادساً: كما يجب الاهتمام الكامل بالدَّور الفعال، الذي تؤديه العقيدة الدينية في رفع الصفات المعنوية والقتالية للأفراد وتقويتها.

وقد كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرفع معنويات المسلمين قبْل كل غزوة من الغزوات، وذلك امتثالاً لقول الحق ـ تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِن يِكُن منكُم عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وإِن يَكُن منكُم مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ" (سورة الأنفال، الآية 65).

 

س: هل هناك نية لإنشاء كلية عسكرية خاصة بقوات الدفاع الجوي؟

ج: من المنطق أن تكون لقوات الدفاع الجوي كلية خاصة بها، كقوة رابعة، أسوة بالقوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية.

ولكن نظراً إلى ترشيد الإنفاق والاستفادة من إمكانات كلية الملك عبدالعزيز الحربية، فإن هذه الفكرة مؤجلة حالياً.

وعندما يتطلب الموقف، ويـزداد عـدد الخريجين لمصلحـة قوات الدفاع الجوي، فسيتم ـ بمشيئة الله ـ إنشاء مثل هذه الكلية، وجار إعداد الدراسات الخاصة بذلك.

 

س: ما هي أهم النقاط البارزة التي لمستموها، أثناء دراستكم في كلية "ساندهيرست"؟

ج: من أهم النقاط البارزة التي لمستها، أثناء دراستي في كلية "ساندهيرست" ما يلي:

1. كثافة التمارين العملية في الميدان، على مختلف أنواع الأراضي، وفي ظروف جوية مختلفة.

2. كثافة تمارين الرماية بالذخيرة الحية بالأسلحة الصغيرة (مسدس، رشاش، بندقية)، والهاونات.

3. التشديد على الانضباط العسكري بشكل أساسي والتقيد بالتقاليد العسكرية.

4. الاهتمام الشديد بالثقافة العامة للطلاب، خصوصاً عن البلاد التي تهمهم.

5. التركيز على أهمية قوة التحمل البدني للطالب والاعتماد على النفس، أثناء التمارين الشاقة.

6. التركيز على قراءة الخرائط والملاحة عملياً، ليلاً ونهاراً، في الميدان.

7. التركيز على اللياقة البدنية والنشاطات الرياضية والاجتماعية.

8. الاهتمام بالقياس الموضوعي لكل شيء، وتحليل النتائج (رماية، تدريب، لياقة بدنية ونتائج امتحانات).

9. لا يُعطى سيف الشرف، عند تحديد الطالب الأول في القسم النهائي، للمتفوق في الدراسة فقط، إنما يُعطى للمتفوق في جميع النواحي (القيادية والتعليمية والاجتماعية وقوة الشخصية). وبمعنى مختصر، يُعطي سيف الشرف لمن تتوفر فيه الخصائص الكاملة للضابط المثالي.

10. الاهتمام بدراسة العلوم الإنسانية إلى جانب العلوم العسكرية، لِمَا لها من أهمية خاصة في تكوين شخصية الضابط، ومعاونته على الفهْم والتأثير في سلوك مرؤوسيه، وتُعدّ من ضمن المواد المنهجية.

 

س: عَلِمَتْ المجلة أن سموّكم عقدتم اجتماعاً سنوياً للقيادة، بعد عام كامل من تولّيكم قيادة قوات الدفاع الجوي، وأعلنتم سياسات واضحة وأهدافاً محددة. وقد كان اجتماعاً ناجحاً من جميع الوجوه، فهل يتكرم سموّكم بإيضاح مقومات نجاح هذا الاجتماع؟ وهل يُمكن إطلاعنا على موضوعات جدول الاجتماع؟

الإجابـــة

* إن مقومات نجاح أي اجتماع هي:

التحضير الجيد للاجتماع، والإدارة السليمة له، والمناقشات البنّاءة للأعضاء، وتسجيل وقائعه وتوثيق المحضر، ثم متابعة تنفيذ قراراته وتوصياته.

يشمل التحضير الجيد للاجتماع ما يلي: إعداد الموضوعات المطلوب بحثها إعداداً كاملاً، وإعداد جدول الأعمال، وتوزيعه قبْل الاجتماع بوقت كافٍ، وتهيئة رئيس وأعضاء وسكرتير الاجتماع أنفسهم، واختيار مكان الاجتماع وتهيئته، واختيار التوقيت المناسب للاجتماع، وتنظيم وتقسيم الوقت على فقرات جدول الأعمال، وإعداد التعليمات المستديمة لكيفية إدارة المناقشات، طبقاً لنوع الاجتماع.

تأتي، بعد ذلك، مرحلة الإدارة السليمة للاجتماع، والخروج بالقرارات والتوصيات، طبقاً للمناقشات التي تُدار. يتمّ تسجيل وقائع الاجتماع خلال انعقاده، ومن ثَم تُعاد صياغتها وتُدقق، وتُدوّن في محضر، وتُنسخ بعد اطلاع رئيس الاجتماع وموافقته عليها.

تأتي، بعد ذلك، أهم مرحلة، وهي وضع خطة عمل لتنفيذ كافة القرارات والتوصيات ومتابعتها، ثم تقديم تقرير دَوريّ للقائد، في خصوص حل المشكلات التي تمّت مناقشتها والقرارات المتخذة في شأنها.

* لقد نجح الاجتماع السنوي لقادة وحدات وتشكيلات قوات الدفاع الجوي، بفضل الله أولاً، ثم بفضل إصرارنا على اتّباع جميع المقومات السالفة الذكر.

* أمّا عن موضوعات جدول الأعمال، فكانت تشتمل على الموضوعات الرئيسية الآتية:

1. السياسات العامة.

2. الأهداف المطلوب تحقيقها في العام القادم وما بعده.

3. الملاحظات الرئيسية التي حدثت خلال العام الماضي.

4. سرد للإنجازات التي تحققت في قوات الدفاع الجوي، خلال العام الماضي.

 

س: استكمالاً للسؤال السابق، هل تسمح لنا بمعرفة السياسات والأهداف، التي تمّ إعلانها في هذا الاجتماع؟

ج: قبْل أن أستعرض السياسات والأهداف التي تمّ تحديدها، أودّ أن أوضح مفهوم هاتين الكلمتين والفرق بينهما:

فالسياسات هي مسلك، أو توجيه، أو فهْم عام، يقود ويرشد تفكير المرؤوسين عند اتخاذ القرار. ويُمكِن أيضاً تعريفها بأنها مجموعة من الخطوط العريضة أو الضوابط والحدود، التي يضعها المستوى الأعلى، بقصد توجيه مجهودات المرؤوسين لتحقيق أهداف محددة.

أمّا الأهداف، فهي النتائج التي يُراد تحقيقها، وهي الغايات التي تتّجه إليها كافة الأنشطة، وهي تمثل نقطة النهاية المطلوب الوصول إليها. ويجب أن توضع هذه النتائج في صورة كمية ونوعية، مع تحديد الوقت الذي يجب أن يتمّ خلاله تحقيقها.

ولزيادة توضيح الفرق بين السياسات والأهداف، فإنه يمكِن اعتبار أن الأهداف هي محطات الوصول المراد بلوغها، والسياسات هي القضبان التي نسير عليها للوصول إلى هذه المحطات.

تتلخص السياسات، التي أعلنتها، في الآتي:

1.      الانضباط العسكري هو أساس كافة الأعمال.

2.      التدريب هو الاهتمام الرئيسي لجميع القادة، وعلى كافة المستويات.

3.      تطبيق مبدأي الثواب والعقاب.

4.      تحقيق العدل.

5.      اتّباع الأسلوب العلمي لحل المشكلات واتّخاذ القرارات.

6.      التركيز والاهتمام في العمل بالنوع، وليس بالكم.

وبالطبع، هذه رؤوس موضوعات فقط، والتفصيلات، شُرِحت للقادة. أمّا الأهداف، فلها ـ كما تعلمون ـ صفة السرّيّة، وليس من المناسب ذكرها.

 

س: نسمع كثيراً عن تعريفات مختلفة للقيادة، وتطالعنا كتب الإدارة، كل يوم، بنظريات ونماذج (أنماط) قيادية مختلفة. فهل يسمح سموّكم، بعد ممارستكم القيادة فترة طويلة، بتوضيح أيٍّ من هذه النظريات أو النماذج تفضلون في قيادتكم؟

ج: أجمعتْ أكثر التعريفات للقيادة على أنها: فنّ التأثير في الأشخاص، وتوجيههم بطريقة معيّنة يتسنى معها كسْب طاعتهم واحترامهم وولائهم وتعاونهم، في سبيل تحقيق هدف معين.

لذلك، أحِب أن أوضح أن القيادة هي صفة، وليست منصباً. بمعنى أنه عند تعيين أحد الضباط قائداً لوحدة أو تشكيل، فلا يعني هذا أن صفات القيادة قد أصبحت متوافرة فيه، لأن القيادة طبقاً للتعريف النظري، هي فن التأثير. فالقائد بالاسم فقط، يستمد سلطته من قوة المنصب، الذي يحتله، ومن القوانين واللوائح، التي تُحدد له حجم هذه السلطة، أمّا القائد بالصفة، فيستمد سلطته من قدْرته على التأثير في الآخرين، وفي بعض الأحيان، قد لا تكون له أي سلطة قانونية أو رسمية على الأفراد. ولذلك، فإننا نسمع كثيراً عن القيادة الرسمية وغير الرسمية.

أمّا عن النظريات، فلقد ظهرت نظريات كثيرة، مثل: نظرية الوراثة، ونظرية الصفات الجسمانية، ونظرية التدريب، ونظرية السمات القيادية، ونظرية الظروف (الموقف)، ونظرية الطوارئ. وكل نظرية لها مقوماتها، ولم يتفق الباحثون على نظرية واحدة؛ فلكلٍّ وجهة نظره ومبرراته، وإن كان أحدثها هي نظرية الطوارئ، التي تجمع بين نظرية السمـات القيادية ونظرية الموقف.

أمّا عن النماذج (الأنماط) القيادية؟، فهي كثيرة ومتعددة، فنجد مثلاً: القيادة الأوتوقراطية (التحكمية)، والقيادة الديموقراطية (المشاركة)، والقيادة على أساس الحرية (الفوضوية)، ولكل نمط أساسه الفلسفي الذي يقوم عليه. كما قدم الباحثان "تاننبوم" و"شميد" نموذج القيادة القائمة على سلوك القائد ومرؤوسيه مقسمين هذا النموذج إلى سبعة أقسام متدرجة من (اتخاذ القائد للقرار بمفرده وأمر المرؤوسين بتنفيذه إلى (اتخاذ القائد ومرؤوسيه القرار معاً بعد مناقشته)، كما قرأنا عن نموذج "ليكرت" في القيادة، الذي يقسم أنماط القيادة إلى أربعة أنماط، هي: القيادة التحكمية المستقلة، والقيادة التحكمية المعتدلة، والقيادة الاستشارية، والقيادة المشتركة. أما أحدثها، فهو نموذج الإحداثيات الإدارية، الذي يوضح أن هناك نوعين من السلوك القيادي: الأول، اهتمام القائد بتنفيذ المهمة فقط، بغض النظر عن الأفراد. والثاني، اهتمام القائد بالأفراد أساساً، بغض النظر عن تنفيذ المهمة، ثم قسم باقي الأنماط القيادية، طبقاً لوضعهم على إحداثيات محورَي المهمة والاهتمام بالأفراد.

وممّا أعجبني أن هناك استبياناً من 35 سؤالاً، يمكِن عند الإجابة عنها تحديد موضع الضابط على هذه الإحداثيات، ومن ثَم فهي تساعد على اقتراح المناصب التي يصلح لها والتأهيل المطلوب له.

أمّا عن النمط الذي أفضّله في القيادة، فهو مستمد من نموذج الإحداثيات الإدارية، الذي يُركّز على الاهتمام الكامل بتنفيذ المهمّة المُكلف بها القائد، وتحقيق الأهداف المطلوبة منه، مع الاهتمام الكامل أيضاً بالمرؤوسين، لأنهم عماد الوحدة ومحركها.

 وعلى القائد دائماً أن يتذكّر قول الحق ـ تبارك وتعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واستَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ"(5).

 

س: من وجهة نظر سموّكم، ما هي سمات القائد العسكري؟ وما هي مبادئ القيادة التي ترونها مناسبة للقيادة العسكرية؟ وما هي المؤشرات التي تحكم على مدى نجاح أو فشل القائد العسكري؟

الإجابـــة

1. سمات القائد العسكري:

أُجري بحث على مجموعة من القادة العسكريين الناجحين في قيادتهم، فتبيّن أن هناك 14 صفة مشتركة بينهم. ولكن أودّ أن أبيّن أن توفر هذه الصفات لا يعني نجاح المتمتع بها كقائد، ولكنها صفات مرغوبة في جميع القادة، من دون استثناء. وعلى الرغم من هذه الصفات المرغوبة في أي قائد، إلاّ أن طبيعة المهمة، وصفات المرؤوسين ونوعيتهم، وطبيعة الموقف العسكري، سيكون لها تأثير مباشر في أي من هذه الصفات التي سيطبقها القائد. وهذه السمات، عموماً، هي:

القدرة على التحمل، الشجاعة، الحزم، الثقة بالنفس، الثبات (في الأزمات)، الحماسة، المبادأة، الاستقامة والأمانة، قدرة التمييز (الحكم)، العدالة، المعرفة (الفنية والتكتيكية والمعلومات العامة)، الولاء، اللباقة، الذوق، عدم الأنانية.

2. أمّا مبادئ القيادة فأفضَل ما قرأت عنها، كان في كتاب عن القيادة العسكرية، صادر عن قيادة القوات البرّية للجيش الأمريكي، وهي:

* اعرف نفسك أولاً، ثم حاول تحسينها وتطويرها.

* كُنْ قائداً فنياً وتكتيكياً محترفاً.

* ابحث عن المسؤولية، وتحمّل مسؤولية ما تفعل.

* اِتخذ القرارات المناسبة، في التوقيتات المناسبة.

* كُنْ قدوة حسنة لرجالك.

* اعرف رجالك، واهتم بهم، وأعمل على راحتهم.

* اجعل رجالك على دراية وعلم بما يدور حولهم، وزوّدهم بالمعلومات الضرورية.

*  اخلق فيهم روح المسؤولية.

*  تأكد أن المهمة المُكلّف بها مفهومة من المرؤوسين، وأسلوب الرقابة على تنفيذها واضح ومحدد.

*  درّب رجالك على العمل الجماعي.

*  استخدم وحدتك طبقاً لقدراتها.

3. أمّا في خصوص المؤشرات، التي تحكم على مدى نجاح القائد العسكري أو فشله، فهي، من وجهة نظري، أربعة مؤشرات:

أ.  الروح المعنوية لمنسوبي الوحدة.

ب. الانضباط العسكري.

ج. روح الفريق (روح العمل الجماعي).

د. القدرة الفنية والتكتيكية للأفراد وللوحدة على تنفيذ المهمّة (وهو ما يُسمى بالاحتراف).

 

س: من وجهة نظر سموّكم، ما هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها الضابط المثالي في القوات المسلحة السعودية، لتكون منهاجاً لخريجي كلية الملك عبدالعزيز الحربية؟

ج: إن كلمة (ضابط) تعني، من وجهة نظري، أنه (قائد) بصرف النظر عن رتبته وموقعه. فالمطلوب من كل ضابط أن يؤثر في مرؤوسيه ويقودهم، لتحقيق المهمة المُكلّف بها.

ولقد أوضحت في الإجابة عن السؤال السابق، السمات القيادية ومبادئ القيادة العسكرية. وإنني أتمنى أن يُطبّق كل ضابط في القوات المسلحة السعودية هذه المبادئ، ويتحلى بمثل هذه الصفات. وأُضيف وأُركّز على السمات التالية، علاوة على ما سبق ذكره:

1. الإيمان بالله ورسوله، وأن نضع الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمام أعيننا في كل قرار نتخذه.

2. المحافظة على السرّية والأمن، في جميع الأوقات، وفي جميع المواقع.

3. الانضباط العسكري الذاتي.

4. العمل على رفع المستوى العلمي والثقافي، له ولمنسوبي وحدته.

5. الصدق في القول، وفي العمل.

6. القدوة الحسنة في مجال العمل، وفي محيط أسْرته وعشيرته ومجتمعه، وحال ابتعاثه للخارج، أيضاً.

 

س: يواجه القادة، على مختلف المستويات، العديد من الأعمال والواجبات والمهام المطلوب منهم تنفيذها. هل يمكن لسموّكم تحديد أبرز ثلاثة أعمال يجب أن يوليها القائد اهتمامه؟

ج: إن القائد مسؤول عن كل ما يدور في وحدته، ومسؤول عن كافة الأعمال التي تصدر عن مرؤوسيه، وأهم من ذلك أنه مسؤول عن تحقيق المهمة المكلّف بها. لذلك، كان لِزاماً عليه أن يولِي كافة الأعمال والواجبات اهتمامه من: تخطيط، وتنظيم، وتوجيه، ورقابة، وتنسيق، ووضع المرؤوس في الوظيفة المناسبة له، مع مراعاة كافة الجوانب النفسية والسلوكية لمنسوبي وحدته، ومطبقاً مبادئ القيادة العسكرية.

ولكن من وجهة نظري، أرى أن يُركّز القائد اهتماماً أكبر على الموضوعات الثلاثة التالية:

أولاً: التخطيط

حيث يُعتبر الوظيفة الأولى لتنفيذ أي نشاط من الأنشطة، ويتطلب ذلك تحليل البيانات عن الماضي، واتّخاذ قرار في الحاضر، وتقويم المستقبل. وللعلم، فإن الخطة توصف بأنها بيان بالأهداف المراد تنفيذها في المستقبل، وإطار للخطوات الضرورية لتحقيقها. ومن دون التخطيط المسبق، لن ينجح أي عمل من الأعمال العسكرية أو المدنية، وإذا نجح فسيكون نجاحه مصادفةً واستثناءً.

ثانياً: اتخاذ القرارات المناسبة في التوقيتات المناسبة

إن عملية صناعة القرار تتكون من مراحل عدة يحدد فيها متخذ القرار أهدافه، ثم يتمّ تحديد البدائل المُمكنـة لتحقيق هذه الأهداف وتقويمها، ويلِيها اختيار البديل الأمثل ـ طبقاً للموقف والظروف المحيطة ـ من بين هذه البدائل، ثم تنفيذه.

من هذا التعريف يتضح أهمية صناعة القرار بالأسلوب العلمي، وضرورة صدوره في الوقت المناسب. وإذا نظرنا إلى حياة الفرد اليومية، من لحظة استيقاظه حتى نومه، لوجدناها سلسلة متصلة من اتّخاذ قرارات مختلفة.

ثالثاً: الرقابة

والرقابة بمفهومها البسيط، هي التأكد أن جميع الأنشطة تمّت وتتمّ وفقاً للخطط الموضوعة، والتعليمات الصادرة، والمبادئ السارية. وهي تهدف إلى الوقوف على الأخطاء ونواحي الضعف، ومن ثمّ العمل على علاجها ومنع تكرارها.

كما يجب على الرقابة بأنواعها الثلاثة المعروفة، ألاّ تتجاهل تحديد نواحي القوة والتقدم في الأعمال وفي الأفراد، والعمل على تعزيزها وتشجيعها وتدعيمها.

تنبع أهمية الرقابة من أنه في حال غيابها، يحدث، في أغلب الحالات، انحراف عن النتائج والأهداف المخططة سابقاً، وهذا يؤدّي إلى الغموض والارتباك وضعف الأداء.

لذلك، أعتبر أن هذه الأعمال الثلاثة، هي من أهم الأعمال، التي يجب أن يوليها القائد اهتمامه وعنايته.

ــــــــــــــــــــــــ