إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / العولمة









العولمة

العولمة

Globalization

تُعد العولمة من أعقد المفاهيم في العلوم الاجتماعية؛ لأنها تنطوي على أبعاد معقدة ومتشابكة؛ فضلاً عن تعدد تعريفاتها وتنوع مظاهرها، والتي تتأثر أساساً بإنجازات الباحثين الأيديولوجية واتجاهاتهم إزاء العولمة، رفضاً وقبولاً. وتُعرف العولمة، عموماً، بأنها: تشكيل ملامح العالم كله، بوصفه موقعاً جغرافياً واحدا، وظهوراً لحالة إنسانية عالمية واحدة.

ويمكن إرجاع مصطلح العولمة، على وجه الخصوص، إلى المفهوم الذي استحدثه مارشال ماكلوهان عن القرية الكونية، في أوائل الستينيات من القرن العشرين. وبناءً على هذا التصور يمكن القول إن العولمة تشير إلى إضفاء الطابع الكوني والرسمي، في الوقت نفسه، على مختلف أشكال الفكر والاتصال، كنتيجة مترتبة على توحيد طرق الإنتاج والعرض والتسويق والتوزيع، وتنظيم العلاقات التجارية. وبهذا المعنى ترتبط العولمة ارتباطاً وثيقاً بمجال الاقتصاد، ومن ثم ظهرت التجليات الأولى لهذه السمات في حرص الشركات العالمية العملاقة والقوية، على توسيع الأسواق القائمة.

وفي هذا الإطار رأى بعض الباحثين أن تعريف العولمة، يجب أن يستند إلى ثلاثة معايير أساسية، وهي: الوضوح Clarity، ويتصل بإحكام استخدام المفهوم كأداة للتواصل العلمي عبر تحديد عناصره ومتضمناته؛ ثم معيار النطاق Scope، ويعني مدى شموله للمواقف والوقائع التي يتضمنها؛ وأخيراً معيار الصدق Truth، ويتعلق بمدى قدرته على الإشارة إلى وقائع ملموسة.

بناءً على ذلك يمكن تعريف العولمة بوصفها محصلة التوظيف الرأسمالي للنتائج، التي أرستها مسارات الصراع في جوانبه المختلفة، وكرستها الأشكال التنظيمية البالغة التقدم لرأس المال، ممثلة في الشركات الكونية، ودعمها احتكار التكنولوجيا، وتوجيه التفاعل المعقد بين الاقتصاد والسياسة والثقافة، بواسطة خلق شبكات ومجموعات مصالح، ومنظومة من الأفكار والقيم والقوانين، بهدف تحقيق مزيد من الاستقطاب لصالح المراكز الرأسمالية.

لذا عدّها أحد الباحثين حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء، في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ. وبهذا المعنى هي "رسملة العالم" على مستوى العمق، بعد أن كانت تحت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره قد تمت.

ومن ثم يتطابق مفهوم العولمة مع مفهوم الكوكبة الرأسمالية، في مرحلة ما بعد الرأسمالية في مرحلة ما بعد الإمبريالية، حيث تتداخل أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسية والثقافة والسلوك، دون اعتداد يُذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو الانتماء إلى وطن محدد، أو لدولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية.

ومعنى ذلك أن العولمة في مجملها: عملية متفاعلة كما هي رؤية ونظرة تنعكسان على قرارات تؤثر في حياة وحظوظ دول وأفراد وجماعات، من وجهة النظر الاقتصادية؛ لكن من الصعب تحديد مظهر معين للعولمة. فهي تتخذ مظاهر عدة، وكذلك من الصعب إرجاعها إلى عامل واحد بعينه. ليس هذا فحسب، بل إن الأسباب والنتائج تختلط؛ بمعنى أن النتيجة تعد سبباً لمزيد من العولمة، والسبب يُعد مظهراً آخر من مظاهر العولمة.

إن صياغة تعريف شامل للعولمة لا بد أن يضع في اعتباره ثلاث عمليات مهمة، تكشف عن جوهرها:

·       العملية الأولى: تتعلق بانتشار المعلومات، بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس.

·       العملية الثانية: تتعلق بتذويب الحدود بين الدول.

·      العملية الثالثة: تتصل بزيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات.

وكل هذه العمليات قد تؤدي إلى نتائج سلبية في بعض المجتمعات، وإلى نتائج إيجابية في مجتمعات أخرى. وعلى هذا فإن جوهر عملية العولمة يتمثل في سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع، بين الدول على النطاق الكوني.

لذا، حددها رونالد روبرتسون Robertson كنقلة حضارية بوصفها تحويل العالم إلى مكان واحد، يتسم بدرجات من الاعتماد الحضاري والمجتمعي المتبادل، ومن الوعي بمشكلاته؛ بما يعني أنها ليست مجرد الانكماش الموضوعي للعالم على صعيدي الزمان والمكان، وإنما بالأساس وعي وإحساس الأفراد في كل مكان بأن العالم يتقلص ويتقارب.

ولعل الجدير بالذكر الإشارة إلى أن العولمة كواقع ملموس، تنامت مع توسع الرأسمالية وانطلاقها خارج حدود أسواقها الوطنية في أوروبا، إلى المستعمرات وأشباهها، ثم في العالم الثالث عقب الاستقلال السياسي. وقد ازدادت مظاهر تبلورها واكتسابها أهم ملامحها الحالية، مع اتساع نفوذ الشركات متعددة الجنسيات وسيطرتها، وتنوع وتطور آليات بالغة التقدم، في حين استخدمتها هذه الشركات في سبيل السيطرة على الأسواق العالمية، أسواق المال والنقد والاستثمار والأسهم والسندات والتجارة والإعلام والإعلان والدعاية والإنتاج الفني.

وترتيباً على ذلك، فقد وضع ثومبسون Thompson الشركات متعددة الجنسيات في موقع القلب من عملية العولمة، ويصفها بأنها المثال الحر لرأس المال العالمي.

وفي ضوء ذلك يمكن تعريف العولمة في هذا السياق بأنها: "عملية الاندماج في إطار السوق الرأسمالي العالمي، وإذابة الحدود والموانع بين الدول، عبر حرية التجارة وتدفق رؤوس الأموال وانتقال التكنولوجيا، وانتشار شبكات الاتصال والهيمنة الثقافية، على نحو يؤدي إلى سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع والأموال بين الدول، على النطاق الكوني".

وبهذا المعنى جرى الترويج لمنظومة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وتكنولوجية متكاملة، يتبعها العالم متجاوزة الحدود الدولية والخصوصيات الثقافية، بالتزامن مع بروز مستجدات اقتصادية وظواهر سياسية وتطورات تكنولوجية، دفعت كلها في اتجاه ترابط العالم وتشابكه.