إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الأثر النفسي لتطبيق الحدود الشرعية









4

4. حدّ شُرب الخمر

       ويُقصد بالخمر الموادّ الكحولية ذات التأثير في العقل، وهي تُخامر العقل إلى درجة تذهب به، إذْ إنها تؤثر في الوعي وتُثَبّطه. وهي إن كانت بجرعاتها القليلة تُثَبّط مراكز الكَبْت ( التحكّم والسيطرة ) لدى بعض الناس، فتُطلِق عِقالهم بعض الشيء، أي تعطي شعوراً مبدئياً بالنشاط، إلا أن تثبيط مراكز التحكّم والسيطرة هذا، يؤدّي إلى سوء تقدير الأمور، وضَعف الضبط الداخلي، والاندفاع إمّا في سلوكيات طائشة، أو الإفراط في التعاطي والوصول إلى حدّ أعلى من الثمالة. وليس مقياساً في ذلك مَن اعتادوا شرب الخمور بكميات قليلة، وبشكل منتظِم، في المجتمعات الغربية، أو من يُحَاكونهم في المجتمعات الشرقية، لأن هؤلاء أصبح لديهم إطاقة لجَرعات متزايدة من الخمور، حين تعوّدت مراكز الدماغ لديهم الكحول فأصبحت الجَرعة لا تعطي التأثير المطلوب، وبات الشخص محتاجاً إلى زيادتها ليصل إلى التأثير نفسه. وهذه الإطاقة تجعل الفرد يتدرج في زيادة الجرعة، من دون أن يدري، فيَصل إلى الإدمان.

       وللكحول بصفة خاصة تأثيرات في الإنسان، يُورِدها الدليل التشخيصي الإحصائي الأمريكي الرابع للأمراض النفسية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders) (DSM-IV) كما وردت في كتاب "النفس أسرارها وأمراضها" للدكتور محمود حمودة، في الصورة التالية:

  1. الاعتماد على الكحول، فسيولوجياً ونفسياً، والإسراف في تعاطيه، بزيادة الجَرعة الناتجة من الإطاقة لجَرعات متزايدة منه.
  2. الانسمام بالكحول: ويتميز بالسلوك غير المُتكيّف، الناتج من تعاطي الكحول، في صورة العدوان واضطراب الحُكم على الأمور، وعدم الانضباط الاجتماعي والوظيفي، مع احمرار الوجه، وترنّح المِشْيَة، ورَأْرَأَة العينين، والثرثرة غير واضحة المقاطع، وسرعة الاستثارة، والتقلب الانفعالي.
  3. الاضطراب الانسحابي للكحول: ويتميّز برَعشة اليدين واللسان، وجُحوظ العينين، والغَثَيَان والقيء والضَّعف الجسماني، مع زيادة ضربات القلب، والعَرَق، وارتفاع ضغط الدم، والقلق، واضطراب النوم مع الكوابيس، وهي أعراض ناتجة من وقف تعاطي الكحول، بعد فترة تم خلالها الاعتماد الفسيولوجي عليه.
  4. هذيان الانسمام بالكحول: يَحدُث الانسمام الكحولي، السابق وصفه، مسبباً الهَذيان، وهو اضطراب الوَعْي، الذي يترتّب عليه خَلل الانتباه وعدم القدرة على التركيز، وعدم اتّساق التفكير وعدم ترابطه، مع هلوسات بَصَرية، واعتقاد بواقعيتها، فيستجيب المريض، انفعالياً وسلوكياً، لتلك الهلوسات. مثل من يَحتَسي الكحول، وعند درجة معيّنة، يرى قِطة، هي غير موجودة أصلاً ( هلوسة )، ثم يبدأ في مطاردتها، لاعتقاده بواقعيتها. وقد تكُون الهلوسة في صورة قِطة، وربما تكُون طَبقاً طائراً، أو عفاريت أو مخلوقات من الفضاء البعيد، غريبة الهيئة. ويُقْسِم الشخص على صحة ما يرى وما يروي.
  5. الهذيان الناتج من انسحاب الكحول: ويكُون الهذيان السابق وصفه بسبب وقف تعاطي الكحول أيضاً. وضحاياه يَرَون الأطباق الطائرة والعفاريت والكائنات الفضائية، ويُقْسِمون أنهم لم يتناولوا كحولاً في هذا اليوم أو اليوم الذي قبْله، وهم صادقون في ما يَرَونه من خلال الهلوسة والاقتناع بأنه حقيقة.
  6. خَرَف الكحول الثابت (الدائم) : وهو نَقْص القُدرات الذكائية، التي تؤثّر في أداء الشخص، الوظيفي والاجتماعي، مع خَلل الذاكرة، واضطراب الحُكم على الأمور، وخَلل التفكير، وتغيّر الشخصية في اتجاه التفكك والتدهور. وذلك بسبب تعاطي الكحول لفترة طويلة، وبكميات كبيرة. ويظل هذا الخَرَف ثابتاً، حتى بعد التوقف عن التعاطي.
  7. نساوة الكحول الدائمة: وفيها يَفقِد المريض القدرة على تذكّر الأحداث، خاصة الأحداث القريبة، أي التي حدَثت منذ فترة قصيرة، وهذا راجع إلى نَقْص الفيتامين، المُصاحِب لتعاطي الكحول لفترة طويلة من الزمن. وتصاحِبه اضطرابات عصبية، في صورة التهاب الأعصاب الطرَفية، ونَقْص الإحساس أو الحركة المنقولة بتلك الأعصاب، مع الرَّنْح، الذي يتميز بترنُّح المِشية، وعدم القدرة على حفظ التوازن أثناء الحركة، وبالعجز عن ضبطها بدِقّة، مع الرعشة الشديدة أثناءها، إلى درجة أن المريض لا يستطيع وضْع طرف إصبعه، مثلاً، على طرف أنْفه، وإذا أغمض عينيه، سقط على الأرض، لِفَقْد قدْرته على الاتزان.
  8. اضطراب ذهاني، ناتج من الكحول، ومُصاحَب بضلالات: إذْ يختلّ أداء الشخص العقلي، فيضطرب إدراكه وفَهْمه للواقع، ويضطرب تفكيره وإدراكه للعالَم من حولِه. ويترتب على ذلك سوء تصرفاته أو غرابتها وشذوذها، وهو ما يُعرف بين عامة الناس بالمرض العقلي. وأمّا الضلالات المُصاحِبة، فهي الأفكار، التي يقتنع المريض بصحّتها، على الرغم من أنها زائفة. ويكُون الاقتناع إلى درجة لا يَرْقَى إليها الشك. وهذه الأفكار لا تتناسب مع ثقافة الشخص وبيئته، مثل المريض الذي يعتقد أنه رسول من عند الله، وأنه يحمِل رسالة من خلال وَحْي إِلهي يتنزّل عليه. ولا يستطيع أيّ شخص إقناعه بزَيف تلك الفكرة.
  9. اضطراب ذهاني، ناتج من الكحول ومُصاحَب بهلوسات: وفيه الخلَل السابق عينه، ولكن تسيطر الهلوسات على الاضطراب، وهي الإدراك من دون مُثير، أي إدراك أشياءَ غير موجودة أصلاً، مثل سماع صوت يناديه أو يسبّه. وهذه الهلوسات، تتشكل حسب مدخل الإدراك القادمة منه، قد تكون سمعية أو بَصَرية أو شمّية أو لمسية أو تذوّقِية.
  10. اضطراب الوجدان، الناتج من الكحول: ومظاهره أن يضطرب الوجدان بالهوس أو الاكتئاب، أو كِلَيهما بتأثير تعاطي الكحول.
  11. اضطراب قلق، ناتج من الكحول.
  12. اضطراب الوظيفة الجنسية، الناتج من الكحول: وذلك في صورة ضَعف الرغبة الجنسية أو فقْدها تماماً. ويظهر ذلك لدى الرَّجل في ما يُعرف باسم العُنَّة. ويظهر لدى المرأة في البرود الجنسي.
  13. اضطراب النوم، الناتج من الكحول: ومَظاهِره أن يضطرب النوم، إمّا بالأَرَق ونَقْص النوم، أو زيادة النوم، أو اختلال إيقاع النوم واليقظة، أو الإصابة بالكوابيس والمُخِلاّت بالنوم الأخرى.

        وإذا كانت الخمر تُحدِث كل تلك الاضطرابات، وتُخِلّ بأداء عقل الإنسان، تلك الهبة الإلهية، التي فضّل الله بها الإنسان على سائر الكائنات، فإن تحريمها يعني حماية الفرد من أضرارها السابقة. ولكن هذا الفرد يعيش في أُسرة، وتنعكس كل تلك الاضطرابات على عَلاقته بالأُسرة، وتُخِلّ بتعامله معها، حيث يكُون العنف الزوجي وإيذاء الأبناء، وفقْد العمل. وتنعكس على الجيران والأقارب من خلال سوء السلوك، الناتج من سوء الفَهْم وسوء التقدير للأمور. وقد يسرق الشخص لشراء الخمر، وقد يَقتل الآخرين للسرقة، أو يعاني اضطراب الإدراك الذي تسببه الخمر. هكذا، كانت الخمر ضرراً بالمجتمع، كما هي ضرر بالفرد وبالأُسرة. ومن ثَمّ، كان التحريم حماية، والحدّ الذي يُطبَّق على شاربها هو زَجْر له ووقاية لغيره من الوقوع في براثنها. والتهاون في تطبيق حدّ شرب الخمر، يُعَدّ السبب في انتشار ظاهرة الإدمان في بعض المجتمعات الإسلامية، إذْ إن إباحة الخمر في بعض البلاد الإسلامية، وتحريم الموادّ المُخدِّرة الأخرى، كالأفيونات ومشتقاتها، والأمفيتامينات ومشتقاتها والمهدئات والحشيش، التي حُرِّمت إسلامياً قياساً على الخمر، يوقِعان الشباب في دائرة من التناقض، إذْ كيف تباع الخمر، المُحرَّمة شرْعاً، ويتمّ تداولها علناً، بينما الحَظْر كل الحَظْر على الحشيش، الذي هو أدنى منها ضرراً بصحة الفرد العقلية والجسدية! هذا التناقض ربما يعكس سيطرة الغرب المتقدِّم على قوانين الشرق الإسلامي، ولكنه على أي الأحوال، يُربِك الشباب، ويُشكِّكهم في مصداقية المجتمع، الذي يعيشون فيه، فيتمردون عليه، إمّا بالإدمان أو بالتطرف الدِّيني، فَهُما وجهان لعملة واحدة، هي التمرد. لذلك، فإن إقامة حدّ شرب الخمر، ينعكس أثره النفسي في الفرد، من خلال الحفاظ على عقله وصحته، وفي الأُسرة بالحفاظ على صحة أفرادها والعَلاقات داخلها، والحفاظ على مستواها الاقتصادي، وصورتها بين الأُسَر. والحفاظ على سلامة الفرد والأُسرة، يحقق مجتمعاً، يجد طاقة لدى أبنائه بسواعدهم القوية وعقولهم السليمة، يبني بها مجداً ومستقبلاً لأجياله المقبلة.

       وحدّ شارب الخمر أربعون أو ثمانون جلدة، فعن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- قَالَ: ]جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ[ (سنن ابن ماجه، ومسند أحمد). ولم يَرِد، في القرآن الكريم، نصٌّ صريح على جَلْد شارب الخمر، بل ورد نص على حرْمتها والامتناع عن شرْبها. لذلك، قال العلماء إن جَلْد شارب الخمر ليس حدّاً في حقه، إنما هو تعزير له.