إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / مفهوم الثقافة









الارتباط بالجماعة Sociability

مفهوم الثقافة Culture

يُعد مفهوم الثقافة من المفاهيم المحورية في علم الاجتماع، بصفة عامة، والأنثروبولوجيا الثقافية، بصفة خاصة. ويشكل مفهوم الثقافة أحد الأفكار الكبرى، التي ساعدت البشرية على إنجاز الكثير من التقدم العلمي والتطور الفكري؛ فالثقافة مفهوم يتميز بأنه ذا طبيعة تراكمية ومستمرة. فهي ليست وليدة عقد أو عدة عقود، بل هي ميراث اجتماعي لكافة منجزات البشرية. لذلك، فإن محاولة تعريف هذا المفهوم محاولة صعبة؛ لأنه على الرغم من شيوع استعمال مصطلح الثقافة على ألسنة العامة من الناس، إلاّ أن المختص في دراسة العلوم الاجتماعية حينما يحاول تعريفه يجد تعريفات عديدة، في نطاق علمه والعلوم الأخرى، وكل تعريف منها يعكس وجهة نظر صاحبه، أو النظرية التي ينتمي إليها. كما يتداخل مفهوم الثقافة مع مفاهيم أخرى؛ لذا نميز، في البداية، بين مفهوم الثقافة وكلٍ من الحضارة والمدنية، ثم نعرض لأهم التعريفات التي حاولت تحديد مفهوم الثقافة، وصولاً إلى وضع تعريف شامل ومتكامل لها.

أصل كلمة ثقافة Culture مشتق من الفعل اللاتيني Colere وتعني الزراعة. وأصبحت الكلمة تستخدم لتعبر عن زراعة الأفكار والقيم. أما كلمة مدنية Civilization، فتشتق من كلمة Civis اللاتينية، وتعني المواطن في صورة سلوكية معينة. وعلى الرغم من وجود خلط بين المفاهيم الثلاثة (الثقافة والمدنية والحضارة)، إلا أن بعض العلماء المحدثين اجتهدوا في توضيح الفروق بينهم. وبدأت هذه التفرقة بين مصطلحي الحضارة والثقافة في ألمانيا، إذ قال توماس مان: الثقافة هي الروح الحقيقية، بينما الحضارة هي الآلية Machanization. وذهب العالم الألماني ألفرد فيبر Weber إلى أن الحضارة هي المجهود الإنساني للسيطرة على الطبيعة، بينما الثقافة هي مظاهر الحياة الروحية والأخلاقية التي تسود المجتمع. أي أن الثقافة تعبر عن المظهر الروحي للمجتمع، بينما تعبر الحضارة عن مظاهر التقدم التكنولوجي. أما المدنية فهي مجموعة الصفات الرفيعة الفاضلة، التي يستخدمها الإنسان في تصرفاته وعلاقته مع الآخرين؛ فالمدنية تعني التقدم والسير إلى الأمام.

وميّز ألفريد فيبر بين مفهومي الحضارة والمدنية من خلال "المدنية والمجتمع والحضارة". ويعني بـ"المدنية" نمو فروع المعرفة وتقدم سبل السيطرة الفنية على القوة الطبيعية، ذلك التقدم المتماسك الذي يخضع لنظام معين. وينتقل من شعب إلى آخر. أما المجتمع، فهو شعب متمركز في مكان معين، والثقافة هي طريقة هذا المجتمع في الحياة. أما "الحضارة" فلا يمكن أن تفهم إلا إذا دُرِست دراسة تاريخية، توضح تطور أجزائها وعلاقتها الواحدة بالأخرى. وتختلف الثقافة عن الحضارة؛ فلكل مجتمع -بسيطها ومعقدها- ثقافة معينة هي كل نتاج الفكر المجتمعي، ونتاج هذا الفكر ومشتقاته. أما "الحضارة" فهي النواحي العملية والمادية لثقافة الأقوام المتحضرة، الذين عاشوا ومارسوا أساليب الحضر. ومما يوضح الفرق، أيضاً، تميز الثقافة بأنها تراكمية ومكتسبة وتنتقل من جيل إلى جيل؛ أما الحضارة فهي، وإن كانت من أوجه الثقافة، إلا أنها مميزة بوصفها نتاجاً مستقلاً، أي من نوع خاص قد يختص به مجتمع معين في فترة تاريخية، دون أن تنتشر منه إلى مجتمع آخر.

ويضاف إلى هذا أن بعض الآراء ترى أن هناك تعاقباً بين الثقافة والحضارة، ومن دعاة هذا الرأي أزوالد شنجلر في كتابه "تدهور الغرب"، الذي جعل لكل ثقافة حضارة. كما أكد على أن المصطلحين يعبران عن مرحلتين متعاقبتين في كل دورة مجتمعية؛ لأن التاريخ الإنساني عند شبنجلر يسير في دورات ثقافية وحضارية مقفلة، كل منها مستقلة عن الأخرى، وكل دورة من هذه الدورات تبدأ بالثقافة، التي هي ضرورة لبناء أي جماعة ولبناء تنظيمها الفكري والاجتماعي.

إن ما يعزز الآراء السابقة ما قاله عالم الاجتماع بول لانديس Paul Landis، من أن: الثقافة تختلف عن الحضارة التي لها معنى أضيق من الثقافة. فالحضارة تقتصر على تلك الشعوب ذات المستوى الرفيع من التطور الثقافي. والشعوب التي وصلت إلى درجة عالية من التقدم (المتمدنة)، ترى في الحضارة كافة العناصر المادية وغير المادية، التي ابتكرها الإنسان. أما الثقافة فتوجد في كل الشعوب، بسيطها ومعقدها؛ فالشعوب البدائية لها ثقافة والشعوب المتقدمة لها ثقافة. وأن الاختلاف بين المفهومين ليس في النوع؛ ولكن في الدرجة من حيث مستوى التقدم.

يتضح، من التحليل السابق، أن الثقافة تشمل جميع جوانب الحياة المعنوية والمادية، وتوجد في كل المجتمعات، البسيطة والمعقدة، أو المتقدمة والمتخلفة، على حد سواء. أما الحضارة، فتشمل كل المنجزات المادية والعملية فقط، التي أنتجتها المجتمعات أثناء التفاعل بين الإنسان والبيئة الطبيعية. وتُعَد المدنية إحدى درجات الحضارة؛ أي إحدى صورها؛ فهي عنصر جديد متطور من الحضارة.

أولاً: مفهوم الثقافة

من أهم التعريفات التي كان لها مكان الصدارة في تعريف الثقافة، تعريف السير إدوارد تايلور ـ الذي نشر في كتابه الكلاسيكي "الثقافة البدائية" Primitive Culture ـ بوصفها ذلك الكل الديناميكي المعقد الذي يشتمل على المعارف والفنون والمعتقدات والقوانين والأخلاق والتقاليد والفلسفة والأديان والعادات التي اكتسبها الإنسان من مجتمعه بوصفه عضواً فيه. وأكد تعريف تايلور ـ كما يقول جامس ميكي ـ على نقطتين أساسيتين، هما:

النقطة الأولى: يكتسب كل منا الثقافة بوصفه عضواً في مجتمعه.

النقطة الأخرى: الثقافة ليست مادية فحسب، بل هي معنوية. وتتكون من الأشياء المادية والأحداث التي يمكن عدها أو قياسها، ومن الأشياء المادية كاللغة والفنون... إلخ. لذا ذهب جامس ميكي إلى أن الثقافة هي المُركب الشامل من التفاعل الاجتماعي.

ووفقاً لذلك، تحتوي الثقافة على الأفكار والاتجاهات العامة المقبولة والمتوقعة، التي يتعلمها الفرد من اتصاله بالواقع الاجتماعي. لذلك فإنها تلعب دوراً مهماً في إعداده ليكون أكثر فاعلية في محيطه الاجتماعي. كذلك، فإن كل جيل جديد لا يبدأ من فراغ؛ ولكنه يستفيد مِمَن حوله. ويكون كل أعضاء المجتمع مطالبون بأن ينقلوا التراث إلى الأجيال القادمة، وما تعلموه من الماضي، وما أضافوه بأنفسهم إلى هذا الكل الثقافي.

وجدير بالذكر، أن الطرق الثقافية ـ في الأفعال أو التفكير ـ لها اتصال مباشر بحاجات الإنسان البيولوجية والاجتماعية، مثل: حاجته للطعام، والشراب، وحفظ النوع، والصداقة مع الآخرين، والأمن، ويطلق على هذه الحاجات "الالتزامات الأساسية الثقافية". والإنسان لا يعيش بحاجاته البيولوجية فقط، إذ يحاول، أيضاً، أن يجد نفسه في الدين والفن والترفيه، وإلى أن يطور نوعاً من وجهة النظر التأملية والفلسفية عن مكانه في هذا العالم. كل هذا يُعبر عن محتوى الثقافة، التي يعبر عنها الإنسان في كل أفعاله. وسوف يتضح معنى الثقافة لو قارنا البيئة الطبيعية للإنسان، والمتمثلة في العالم الطبيعي الذي من حوله، والبيئة الثقافية، التي يخلقها الإنسان ويمضي أوقاته ككائن إنساني. فالبيئة الطبيعية من أرض وماء وسُحب وأمطار ونبات وحيوان ـ باختصار كل ما في الطبيعة، سواء أكان عضوياً أو غير عضوي ـ لم يوجدها الإنسان؛ بينما تمثل الثقافة التي هي من خلق الإنسان العناصر التي أوجدها الإنسان أثناء محاولته للتكيف وتحقيق التوازن، بينه وبين العالم الطبيعي.

إن الثقافة إنتاج الإنسانية ويمكن دراستها؛ إنها الهيكل الخاص والأنظمة وأشكال السلوك، التي لها صفة الاستمرار والتغير. ومن ناحية أخرى، يمكن النظر إلى الثقافة ـ من وجهة نظر تفاعل الأفراد أو الجماعات ـ على أنها الإنتاج النفسي الذي يُتعلم وينتقل إلى الآخرين، ليس من طريق الوراثة الميكانيكية، بل من طريق التعلم الإنساني.

ثانياً: خصائص الثقافة

في إطار ما سبق يمكن تحديد بعض الخصائص العامة للثقافة بأنها:

1.  تنشأ الثقافة في مجتمع معين، ويظهر هذا جلياً في سلوك أعضاء ذلك المجتمع.

2.  الثقافة قابلة للتناقل، وعملية التناقل تقتصر على الإنسان بوصفه الكائن الوحيد الذي يبدو قادراً، بدرجة كبيرة، على أن ينقل ما اكتسبه من عادات لأقرانه. وتُعد اللغة عاملاً أساسياً في هذا المجال. ولا تتضمن عملية التناقل الإجراءات والمعرفة فقط، بل تشمل، أيضاً، تهذيب الدوافع الغريزية، خلال السنوات الأولى من عمر الإنسان.

3.  تتميز الثقافة بالدوام والاستمرار عبر الزمن، بسبب قدرتها على تخليد نفسها، وعلى البقاء بعد انقراض أي من الشخصيات التي تسهم فيها. ومع أن الثقافة تخرج تماماً عن نطاق التركيب الطبيعي للفرد، إلا أنها تصبح خلال مراحل نموه جزءاً من شخصيته.

4.  الثقافة ميراث اجتماعي؛ فالعادات الخاصة بالنظام الثقافي تنتقل وتستمر عبر الزمن، كما يشارك فيها كل الأفراد الذين يعيشون داخل تجمعات منظمة، أو جماعات تحرص على الامتثال لتلك العادات تحت وطأة الضغوط الاجتماعية.

5.  للثقافة وظيفة التوافق؛ فهي تتوافق مع البيئة الجغرافية للمجتمع ومع الشعوب المحيطة بها، كما تتوافق المطالب النفسية والبيولوجية للكائن البشري.

6.  الثقافة هي ذلك الكل المركب والمعقد، الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفنون والقيم والقانون والعادات، التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع. ويشمل ذلك الجانبَين: المادي وغير المادي.

7.  الثقافة تنظيم يشمل مظاهر الانفعال والأفكار والمشاعر، التي يعبر عنها الإنسان عن طريق الرموز بفضل اللغة التي يتعامل بها. وبهذه الصفة الرمزية أصبح من السّهل انتقال الثقافة.

8.  الثقافة مكتسبة؛ فهي المصطلح الاجتماعي للسلوك المكتسب المتعلم. فجوهر الثقافة عند الإنسان هو التعلم تمييزاً لها عن الصفات الموروثة، وتأكيداً لقدرة الإنسان على التعلم.

9.  الثقافة عقلية؛ فهي تتكون من السلوك المكتسب والفكر المكتسب لدى أفراد المجتمع. ويتمثل هذا الفكر في المعاني والمثل والأنظمة والمعتقدات.

10. الثقافة تنظيم يقوم على التفاعل الاجتماعي بين الأفراد، ووظيفتها توجيه سلوك هؤلاء الأفراد.

11. الثقافة مثالية وواقعة؛ فالثقافة المثالية تشتمل على الطرق التي يعتقد الناس أن من الواجب عليهم السلوك وفقها، أو التي قد يرغبون في إنتاجها، أو التي يعتقدون أنه من الواجب عليهم السلوك بمقتضاها. أما الثقافة الواقعة، فإنها تشكل من سلوكهم الفعلي. وفي الثقافات التي تجتاز تغيراً سريعاً، فإن الفاصل بين الثقافة المثالية والثقافة الواقعة آخذ بالتأكيد في الاتساع. وتؤدي هذه الفجوة إلى التخلف الثقافي.

رابعاً: مكونات الثقافة

تتكون الثقافة من مقومات ثلاثة، هي:

·   العموميات: وتشمل جميع الأفكار والمشاعر والنتائجات المشتركة بين جميع الراشدين بأحد المجتمعات. وتتضمن -إلى جانب أشياء أخرى- اللغة والدين وعلاقات القرابة والمعتقدات والقيم الاجتماعية، وهي من أكثر جوانب الثقافة مقاومة للتغيير.

·   الخصوصيات: وهي تلك الظواهر التي لا يشارك فيها سوى أفراد من مجموعات اجتماعية متميزة معينة، مثل: الصناعات والمهن ذات المهارة، كالأطباء والمحامين والمعلمين ورجال الدين. وهي أقل مقاومة للتغيير من العموميات.

·   البديلات: وهي تلك الظواهر التي لا تندرج تحت العموميات أو الخصوصيات، وتتمثل في الاهتمامات والأذواق التي تتغير باستمرار، كالمودات والتقاليع. وتُعَد بديلات الثقافة أكثر جوانبها عرضة للتغيير.

خامساً: التخلف الثقافي

للثقافة وجهان: مادي وغير مادي؛ ففي العائلة يتمثل الجانب المادي في المسكن والأثاث والطعام، كما يتمثل الجانب غير المادي في السلطة الأبوية وأساليب التنشئة وتعدد الزوجات وغيرها. ويكون التغير سريعاً في الجانب المادي خلافاً للجانب غير المادي، وبهذا يحدث التخلف الثقافي بينهما.

وترجع سرعة التغير في الجانب المادي إلى كثرة الاختراعات، بالمقارنة بالجانب غير المادي. فالتطور المتسارع في وسائل الاتصالات، والانفتاح على الثقافات والسماوات المفتوحة، يضع قيم المجتمع في موقع متخلف.

وهناك عدة عوامل تقف في سبيل التغير غير المادي، منها:

·   ميل كل ثقافة إلى المحافظة على القديم.

·   الجهل وعدم معرفة حقيقة التجديد أو الاختراع أو طريقة استخدامه، يؤدي إلى رفضه.

·   النزعة المحافظة عند كبار السن وأصحاب المصالح.

·   أنماط التفكير التقليدي.

·   الاتجاهات المعادية للتغير، كالخوف من الجديد والخوف من المخاطرة.

سادساً: وظيفة الثقافة

تحدد ثقافة أي مجتمع أسلوب الحياة فيه، سواء من ناحية وسائل الإنتاج والتعامل والأنظمة السياسية والاجتماعية، أو من ناحية الأفكار والقيم والعادات والتقاليد وآداب السلوك، وغير ذلك.

وتعبّر عناصر الثقافة في أي مجتمع عن خلاصة التجارب والخبرات، التي عاشها الأفراد في الماضي، مشتملة على ما تعرضوا له من أزمات، وما حددوه من أهداف، وما استخدموه من أساليب، وما تمسكوا به من قيم ومعايير، وما نظموه من علاقات. وبهذا المعنى تُعَد الثقافة أساساً للوجود الإنساني للفرد والمجتمع الذي ينتمي إليه.

وللثقافة وظائف متعددة للفرد، إذ توفر له:

·   صور السلوك والتفكير والمشاعر، التي ينبغي أن يكون عليها.

·   وسائل إشباع حاجاته العضوية البيولوجية والسيكولوجية الاجتماعية. فهي تعلمه كيف ينقذ نفسه من الجوع والعطش، كما تعلمه السلوك الخلقي في التعامل الاجتماعي.

·   تفسيرات جاهزة لطبيعة الكون وأصل الإنسان، ودوره في هذا الكون.

·   المعاني والمعايير التي يميز في ضوئها بين الأشياء والأحداث؛ فهي التي تحدد له الجميل والقبيح، الأخلاقي وغير الأخلاقي.

·   الاتجاهات والقيم ما يساعده في تكوين ضميره الذي يتواءم به مع جماعته، ويعيش متكيفاً معها.

·   ما يشعره بالانتماء لجماعته، وما يربطه بسائر أفرادها لتميزهم عن سائر الجماعات الأخرى.