إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الاعتقاد









مقدمة

مقدمة

    الاعتقاد هو الاقتناع العقلي بفكرة معينة وشحنها بالمشاعر، إلى درجة قد لا تقبل نقاشاً، أي أن الإنسان أصبح مقتنعاً بتلك الفكرة على المستوى العقلي، وتعداه إلى المستوى الوجداني، فغلّف الفكرة بمشاعر من القناعة الوجدانية، وأصبحت متوائمة مع ذاته، ويزعجه أن تصير محلاً للنقاش، ومناقشتها لا تغير منها.

    وقد يكون الاعتقاد بفكرة صحيحة مقبولة من المجتمع، الذي يعيش فيه الشخص، ومناسبة للثقافة السائدة في هذا المجتمع، فلا تصطدم به، ولا تلقى معارضة منه. وقد يكون الاعتقاد غير مقبول من المجتمع وشاذاً عنه، وحينئذ إمّا أن يكون هذا الاعتقاد تمرداً وخروجاً على السائد في المجتمع، وإمّا أن يكون مرضاً واضطراباً، وهذان الاحتمالان يتم الخلط بينهما من قبل المجتمع. فمثلاً عندما بعث النبي محمد -r- ودعا الناس إلى الاعتقاد الجديد بأن يعبدوا إلهاً واحداً وينبذوا عبادة الأوثان، وُصِف من قِبل مجتمعه بأنه متمرد صاحب هوى كذاب وساحر، أو أنه مجنون، ويورد ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: )وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ( (الحجر: 6)، وقوله تعالى: )أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَتهم رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ(، (الدخان: 13-14) وكذلك كان الموقف مع كل الأنبياء السابقين وهو ما أورده القرآن الكريم في قوله تعالى: )كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ( ( الذاريات: 52).

    وذلك، لأن المجتمعات ترفض الاعتقادات الجديدة، خاصة التي تهزّ عقائدها، وتزلزل كيانها، وتهدد استقرار الأمور فيها. فلقد كانت الاعتقادات الجديدة، التي حملها الأنبياء إلى أقوامهم، خروجاً على السائد في تلك المجتمعات. ونظراً إلى غرابة الاعتقادات التي حملها الأنبياء إلى أقوامهم، فإن الله أيّدهم بمعجزات من جنس ما اشتهر به أقوامهم. فمثلاً، قوم موسى -عليه السلام- اشتهروا بالسحر، فكانت المعجزات التي أيد الله بها موسى هي من القبيل نفسه، مع الفارق أنها إعجاز حقيقي من خلق الله، ليست كحيل وخداع السحرة، وبرع قوم عيسى –عليه السلام- في الطب فكانت معجزات عيسى هي إبراء الأكمه والأبرص، بل وإحياء الموتى، بإذن الله. وبرع قوم محمد –r- في الشعر والفصاحة، إذ كانت تقام له أسواق، فكانت معجزته الخالدة هي القرآن الكريم البالغ الفصاحة، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

    ويمر الاعتقاد بمراحل متدرجة لدى الإنسان، إذ يبدأ كفكرة مجردة، ثم القناعة العقلية بتلك الفكرة، ثم تدعيمها بالمشاعر والانحياز العاطفي، ثم انعكاس الفكرة في سلوك الإنسان وتصرفاته بحيث تصبح جزءاً من سلوكه اليومي. ولقد مرت العقيدة الإسلامية بمراحل مشابهة، حيث استغرقت فكرة الإيمان بالله الواحد الأحد، وقتاً طويلاً لإرسائها وتدعيمها بالمشاعر وصولاً إلى الإيمان الداخلي، ثم بعد ذلك جاءت التكليفات السلوكية التي تعكس هذا المعتقد الداخلي من صلاة وصيام وزكاة وغيرها من أركان الإسلام وسلوكياته.