إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الاعتقاد









1

الضلال

    والاعتقـاد المَرَضـي، وهـو الضلال (Delusion) ، يعرفه أطباء النفس بأنه فكرة ثابتة خاطئة لا يمكن تصحيحها بالحجة والمنطق، ولا تتناسب مع ثقافة الشخص وبيئته. مثال ذلك، المريض الذي يعتقد أنه نبي مرسل من عند الله، وتكون هذه فكرة ثابتة لديه لا يمكن تصحيحها بحجة أو منطق، وهي غير مناسبة مع دينه كمسلم يؤمن أن محمداً هو خاتم الأنبياء والمرسلين. وينعكس هذا الاعتقاد المرضي في سلوكه، فيعامل الآخرين على أنه نبي، وأنهم يجب عليهم أن يؤمنوا به ويساعدوه على نشر دعوته.

    وقد تكون ضلالات أولية، وهى التي تظهر فجأة، ولا يمكن تشكيك المريض فيها. وقد تكون ثانوية وهي التي تظهر ثانوية لاضطراب آخر سبقها في الظهور، مثل الهلاوس، أو اضطراب الوجدان، أو الضلال الأولي. وقد تكون متوافقة مع الوجدان أو غير متوافقة.

    وأحياناً تكون الضلالات منتظمة ، إذا كانت مترتبة على بعضها بطريقة شبه منطقية، مثل المريض الذي يعتقد أنه نبي ولذلك يضطهده المحيطين به ويخططون لإيذائه، ويضعون له السم في الطعام. وأحياناً تكون غير منتظمة، إذا كانت غير مترتبة على بعضها. أو مفرطة الغرابة، وهي التي من فرط سخافتها لا يمكن تصورها (مثل المريض الذي يعتقد أن غزاة من الفضاء ثبتوا أقطاباً كهربائية داخل مخه)، وقد تتفق الضلالات مع الوجدان عندما يكون محتواها مناسباً لحالة الوجدان (مثل المكتئب الذي يعتقد أنه هو المسؤول عن ثقب الأوزون لأنه كان يستعمل صبغة شعر)، وهذا يتفق مع شعوره بالذنب كمريض بالاكتئاب، ومريض الهوس الذي يعتقد أنه عظيم جداً، وهذا يتفق مع مشاعر السرور الشديد لديه. وقد لا تتفق الضلالات في محتواها مع الوجدان.

والضلالات (الاعتقادات المرضية)، من حيث ما تحمله من معنى، قد تكون:

1. ضلال الاضطهاد (Delusion of Persecution): إذ يعتقد أن هناك من يضطهده ويضمر له السوء، ويظهر ذلك في صورة:

أ. ضلال الإشارة (Delusion of Reference): اعتقاد المريض أن كل ما يحدث حوله يشير إليه، فإذا همس إنسان لجاره اعتقد أنه يقصده بذلك.

ب. ضلال التأثير (Delusion of Influence): إذ يعتقد المريض أن هناك من يؤثر عليه، ويدفعه للتصرف أو التفكير، من دون أن يكون له إرادة في ذلك، وهو ما يسمى بضلال السلبية. وذلك، مثل المريض الذي يعتـقد أن شخصاً معيناً يسحب أفكاره من رأسه، ويضع مكانها أفكاراً ليست خاصة به، أو أن وسائل الإعلام تذيع أفكاره على الناس، من دون إرادة منه.

ج. ضلالات التسمم أو العدوى: إذ يشعر المريض بتغير، ويعزي ذلك إلى أن هناك من يضع له السم في الطعام.

2. ضلال الخيانة (Delusion of Infidelity): وفيه الغيرة والاعتقاد بأن خيانة زوجته له تحدث مراراً، ويذكر أحد أساتذة الطب النفسي ذلك المريض، الذي أحضرته زوجته وهى باكية من اتهامه لها بالخيانة. وقالت إنه، ليلة أمس، فتح باب البيت في الثالثة صباحاً، وظل يسبها ويشتمها بصوت عالٍ حتى أيقظ الجيران، مدعياً أنه سمع طرقاً على الباب لعشيقها، الذي يأتيها كل ليلة بعد أن ينام الزوج. وحين جلس الأستاذ المعالج إلى الزوج، منفرداً، قال إنه لا يثق بها وأنه يراقبها لإثبات خيانتها، الذي هو متأكد منها تمامـاً، ولا ينقصه إلاّ أن يمسك بها متلبسة، وأنه يذهب وراءها وهي ذاهبة لعملها، وأحياناً يدخل عليها مكان عملها فجأة، وأنه ليلة أمس ظل منتظراً عشيقها خلف الباب إلى أن كانت الساعة الثالثة فسمع طرقاً خفيفاً على الباب، فقفز يفتحه، ولكنه لم يجد أحداً. ويفسر ذلك بأنه (أي عشيقها) هرب بسرعـة، فلم يجد شيئاً يفعله، سوى أن يسب ويشتم بصوت عالٍ حتى يسمع ذلك العشيق الذي فر هارباً (كما يعتقد الزوج).

3. ضلال الحب (Delusion of Love): أو المحب الخيالي، إذ يحب المريض شخصاً، ويعتقد تماماً أنه يبادله الشعور نفسه، على الرغم من أنه قد لا يوجد بينهما أي تعارف. ويحدث ذلك في بداية الفصام، أو في الشخصيات المضطربة النمو.

4. ضلال العظمة (Grandiose Delusion): وفيها يعتقد المريض أنه شخص مهم بصفة خاصة، أو أنه عظيم جداً كما يحدث في حالات الهوس، أو أنه نبي من عند الله، وأحياناً يعتقد أنه الرب (والعياذ بالله).

5. ضلال اعتلال الصحة: إذ يعتقد المريض أنه معتل الصحة، جسمانياً، وتسمى ضلال اعتلال الصحة الجسمي، أو أنه معتل الصحة العقلية إلى درجة أنه لن يبرأ منها، وتسمى ضلالات الجنون الذي لا يبرأ في حالات الاكتئاب والفصام. ويذكر الأستاذ نفسه تلك السيدة، التي كان لديها اكتئاب شديد، وكان عندها اعتقاد أنها مجنونة، وأنها لن تبرأ من هذا الجنون، وأنه قد انتقل منها إلى أبنائها، فذبحتهم لتنقذهم من الجنون ثم حاولت الانتحار. ولكن محاولتها لم تنجح، واُنقذت، وأدخلت إلى مستشفى، فكررت محاولة الانتحار بإلقاء نفسها من طابق علوي؛ فأصيبت بإصابات بالغة.

6. ضلالات الإحساس بالذنب (Delusion of Guilt): إذ يلوم المريض نفسه، ويقلل من قدرها، بدرجة شديدة، ويحملها كل الذنب في كل الأمور، كما يحدث في حالات الاكتئاب الشديدة. وذلك، مثل المريض الذي يلوم نفسه بشدة ويشعر بالذنب الشديد لأنه كان يستعمل صبغة الشعر في وقت ما، ومن ثَمّ، تسبب في ثقب الأوزون الذي حدث للغلاف الجوي.

7. ضلالات العدمية (Nihilistic Delusion): إذ ينكر المريض وجود جسده، أو جزء منه، أو ينكر وجود عقله أو العالم من حوله. ويُعَدّ هذا النوع الدرجة الشديدة لنوعين آخرين من الضلالات، أحدهما يتعلق باعتقاد الشخص أنه قد تغير وأصبح شخصاً آخر، والثاني يتعلق باعتقاد الشخص أن كل ما حوله قد يتغير من أماكن وأشخاص. ويروي أستاذ الطب النفس قصة المريض الذي جاءه يشكو من أن نصفه الأيسر ليس موجوداً، وحين شكه بالدبوس في يده اليسرى سحبها، فسأله لماذا سحبها، إذا لم تكن يده موجودة ويشعر بها؟ فأجاب، أنه سحبها بسبب شكة الدبوس، ولكن نصفه الأيسر ليس موجوداً ومنه يده اليسرى، كذلك. ولم يفلح الأستاذ في إقناعه بوجود نصفه الأيسر بشتى البراهين. إنه الاعتقاد المرضي، الذي لا يمكن تصحيحه بأي حجة أو منطق (الضلال).

8. ضلالات الفقر (Delusion of Poverty): وهنا يعتقد المريض أنه فقير معدم، وأن الحرمان والعوز مصيره هو وأسرته، كما يحدث في مرض الاكتئاب. ويذكر الأستاذ نفسه، قصة الرجل، كبير السن، الذي كان يعرفه عن قرب، وكان ميسور الحال. وفي يوم طلب من الأستاذ أن يعطيه مبلغاً من المَال نظراً إلى الضائقة المادية التي يمر بها. فتعجب لهذا الطلب، لمعرفته بيسره المادي، فأجّل الاستجابة لطلبه. وسأل ابنه وزوجته، هل يمر، فعلاً، بضائقة مادية؟ وكانت المفاجئة، أنه في الشهور الأخيرة سَيّطر عليه اعتقاد أنه فقير، وأنه طلب من كثيرين من معارفهم الطلب نفسه (أي إعطائه مبلغا من المال)، على الرغم من أن حالتهم المادية لا تزال ميسورة، وليست هناك ضائقة مادية على الإطلاق.

    وهناك الأفكار المبالغ في قيمتها (Overvalued Ideas)، وهي تشبه الضلال، ولكنها ارتبطت بمشاعر خاصة، وأصبحت تطغى على ما عداها من أفكار. والفلسفات الكاذبة (Pseudo philosophy)، وهى تشبه الضلالات، من حيث أنها خاطئة في محتواها، ولكنها غير ثابتة، إذ إنها يمكن أن تهتز لدى المريض خلال المناقشات.

    وهناك ممارسة الوهم الكاذب ، وهو نوع من الكذب يبدو فيه الشخص أنه يعتقد في، واقعية، خيالاته ويمارسها، مثل ذلك الفصامي الذي يعتقد أنه متزوج من جنيـة (أي أنثى من الجان)، ويعيش هـذا الوهم ويتصرف على أساسه، حتى أمام الآخرين الذين لا يرون شيئا مما يدعى وجوده.