إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الاضطراب









مقدمة

مقدمة

      الاضطراب Disorder  يعني الخلل، الذي يؤدي إلى الارتباك في أداء الدور المطلوب. وقد يكون هذا الخلل في أحد أجهزة جسم الإنسان، ما يترتب عليه ارتباك هذا الجهاز في أداء دوره الوظيفي. وينعكس ذلك على الإنسان، فيضطرب. وذلك مثل خلل الجهاز الدوري، في صورة ضعف عضلة القلب (Cardiac Muscle)، وعجزها عن ضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم (Heart Failure)؛ مما يؤثر في أجهزة الجسم المختلفة، ويعكس اضطراباً في أداء الإنسان.

      وقد يكون الخلل في أحد أجزاء آلة، فيؤثر في أدائها بوجه عام، مثل الخلل في ضخ بنزين السيارة، الذي ينعكس على تشغيل المحرك؛ ومن ثم، على حركة السيارة، فينتج منه الاضطراب والعطب.

      وقد يكون الخلل في أحد أنظمة عمل مجموعة، سواء كانت هذه المجموعة، تمثل إحدى الأُسر (الأب والأم والأولاد)، أو تمثل مجموعة قيادة قوات مسلحة، أو تمثل مجلس الوزراء، أو حتى تمثل إدارة مدرسة صغيرة، أو إدارة مصنع، إلى غير ذلك من العمل الجماعي. ولو كان الخلل، مثلاً، في التواصل داخل الأُسرة، يؤدي إلى سوء الفهم، وسوء الأداء للأدوار، في داخلها مما يسبب الاضطراب، الذي قد يظهر على بعض أفرادها. وفي الوقت نفسه، يرتبك أداء الأُسرة بوجه عام. ولو كان الخلل في نظامها الاقتصادي، مثل كونها تنفق أكثر من دخل أفرادها، وتتراكم عليها الديون، فإنه سيصيبها  بالاضطراب، وستعجز عن أداء دورها في تربية أطفالها التربية الملائمة.

      وهكذا، فإن الاضطراب، يحدث للآلة، مثلما ينتاب الإنسان، بل إنه ينتاب الجماعات والدول. والخلل في جزء، ينعكس على المجموع والأداء الكلي، على التكامل بين منظومة الجماعة.

      والاضطراب الذي يصيب الإنسان، قـد يكون علـى مستـوى الوظيفـة (Function)، فيفسر عن أعراض مرَضية (Symptoms)، مثال ذلك، اختلال إحدى وظائف الأمعاء الغليظة (Large Intestine)، وظيفة تنظيم إخراج الفضلات. فإن اختلالها، ينتج منه إما عدم الإخراج وصعوبته، وهو ما يسمى بالإمساك (Constipation)؛ أو سرعة الإخراج وازدياده، وهو ما يسمى بالإسهال (Diarrhea).

      وقد يكون الاضطراب على مستوى اللزمة المرَضية (Syndrome) إذ تتلازم مجموعة من الأعراض، لتمثل معاً متصاحبة، وتلاحظ بصفة شبه دائمة، ولكن أسبابها، ليست معروفة بصورة محددة، ودقيقة. وذلك مثل لزمة داون (Down's Syndrome) أو ما يسمى باللزمة شبه المنغولية (Mongoloid Syndrome)؛ وذلك لمشابهة المصابين بها، في الشكل، الشعوب المنغولية. إذ يتميزون بصغر الرأس، وانزلاق العينين بزاوية ناحية جانبَي الجبهة، مع تغطية الجفن الأعلى الزاوية الأنفية للعين، فيباعد ما بين العينَين. ويكون اللسان ضخماً، مشققاً عرضياً؛ وكف اليد مربعة، فيها خط عرضي واحد، وتخرج منها أصابع قصيرة؛ وتكون البطن بارزة، مع تشوهات بالقلب. وتتلازم هذه المواصفات معاً ويصاحبها نقص الذكاء، وهو التخلف العقلي (Mental Retardation).

      وقد يكون الاضطراب أعراضاً مرَضية متلازمة، تحدث معاً بصورة متكررة، ومعروفة السبب، وهو ما يطلق عليه لفظ مرض (Disease) . وذلك مثل مرض السكر (البول السكري) (Diabetes Mellitus)، الذي يلازمه جفاف الحلق، وكثرة شرب الماء (Polydepsia)، وازدياد الشهية للطعام (Polyphagia)، وإدرار البول وازديـاد كميته (Polyuria)، ونقص الوزن، وفقْد الطاقة، والشعور بالإجهاد. وسببه معروف، وهو نقص هرمون الإنسولين (Insulin Hormone) في الدم، الناتج من غياب الخلايا المفرزة له، في البنكرياس، أو كسلها.

      وسواء كان الاضطراب على مستوى الوظيفة، في صورة عرض مرَضى، أو على مستوى اللزمة المرَضية، أو على مستوى المرض، فإنه يلزم التشخيص الجيد، على كل تلك المستويات، أي أن يحدد كل عرض ويُعرف بدقة، ويتميز كما قد يشابه من أعراض. وكذلك مجموعة الأعراض وتمييزها عما يشابهها من لزمات. ثم البحث عن العوامل المسببة للمرض، وصولاً إلى التشخيص الجيد. وعدم الوصول إلى معرفة العوامل المسببة للاضطراب، يعد قصوراً في الممارسة الطبية، يترتب عليه قصور العلاج.

      ومثال ذلك، تلك السيدة، التي ذهبت إلى طبيب، تشكو ألماً في الرأس (صداعاً). وعندما سمع الطبيب ذلك منها، أسرع، من دون تردد، إلى كتابة مسكّن لها، وأعطاها الوصفة الطبية (Prescription) وعندما سألته السيدة عن حالتها، أجابها أنها حالة صداع (Headache) بسيطة، وأنها ستشفَى لدى أخذ المسكّن (Analgesic) وذهبت السيدة، وتناولت المسكن لعدة أيام. ولم يختفِ الصداع. فعادت إلى الطبيب، شاكية أن الصداع ما زال موجوداً. فأضاف الطبيب، في الوصفة الطبية، مسكّنات أخرى. ونصح السيدة، أن تتناولها لعدة أيام أخرى.

      ولكنها بعد تناول كل تلك المسكّنات، شعرت بآلام في معدتها، ولاحظت تغيراً في لون البراز (الغائط) (Stool) إلى اللون الأسود. فأسرعت إلى متخصص، أفضل من الطبيب السابق، ففهم حالتها، من خلال الاستفسار عن أعراض مرَضية أخرى، تشعر بها، غير الصداع. إذ وجد لديها أرقاً، وهموداً في الجسم ونقص شهية للطعام، وضيقاً وسأماً وحزناً، وفقْد الاهتمام بالأشياء، التي كانت تهتم بها، وسرعة الاستثارة، وعدم التحمل. فأخبرها أن صداعها جزء من لزمة مرَضية (Syndrome)، تعانيها، تسمى الاكتئاب (Depression) وأخبرها، كذلك، أن المسكّنات، التي تناولتها بناء على وصفة الطبيب السابق، أحدثت جروحاً في جدران المعدة (Gastric Erosions)، هي سبب آلام المعدة وتغير لون البراز (الغائط). وأعطاها علاجاً للاكتئاب وللمعدة. وتحسنت السيدة.

      ولكن عندما توقفت عن أخذ العقاقير، عاودها الصداع. فذهبت إلى طبيب متخصص آخر أكثر حذقاً وعلماً فلم يكتفِ بتشخيص لزمة الأعراض المرَضية؛ ولكنه بحث عن أسباب اكتئابها فوجد أنها ضغوط نفسية عليها، من قبل زوجها، وهي لا تقوى على مواجهتها. فطلب مقابلة الزوج، ونصحه بتخفيف تلك الضغوط. فطابت السيدة، من دون حاجة إلى عقاقير كيماوية؛ وذلك لأنه وجه العلاج  إلى السبب مباشرة. وهكذا يكون علاج الأسباب والتعامل معها، علاجاً شافياً، يقتلع المرض من جذوره، ولا يعرّض المريض للأعراض الجانبية (Side Effects) للعقاقير.