إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / الاتصال الثقافي









الاتصال الثقافي

الاتصال الثقافي

Cultural Communication

تنوعت معاني مصطلح "الاتصال"، والمترادفات المرتبطة بها"، والدلالات الرمزية واللغوية"، التي تعكس محتواها ومضمونها، وذلك وفق الموقف وطبيعة الاتصال والأفراد، ونوع المستقبلين والمرسلين، والوسيلة الاتصالية وغيرها.

فقد يُقصد بالمصطلح أنه: اتصال فردي ذاتي، أو اتصال بين مجموعة من الأفراد والجماعات، أو اتصال بين المجتمعات والحضارات. كما قد يؤخذ على سبيل المثال ليعكس معاني أخرى، مثل اتصال هاتفي أو لا سلكي أو إذاعي أو تليفزيوني أو من طريق الانترنت. كما قد يُقصد بـ "اتصال" بأنه اتصال ثقافي أو حضاري أو علمي أو لغوي أو روحي، وما إلى ذلك من دلالات ومعانٍ متعددة، تظهر من خلال لغة الحديث أو الجُمل أو العبارات، وما يستهدف بالفعل من كلمة اتصال حسب الوقت، أو الموقف، أو طبيعة الاستجابة، أو نوع الاتصال وهدفه ووظيفته.

ويرجع أصل كلمة الاتصال Communication إلى اللغة اللاتينية Communis، وهي ترادف باللغة الإنجليزية كلمة Common، بمعنى عام أو شائع أو مألوف في نفس الوقت، كما تُشير كلمة الاتصال أيضاً إلى خلق جو من الألفة والاتفاق بين الأفراد والجماعات والمجتمعات، وذلك بهدف مشاركتهم في تبادل المعلومات والأفكار والآراء والاتجاهات والتعاون ووجوه الحياة كافة.

ومن ثم فإن عملية الاتصال تعمل على جعل المُرسل أو القائمين على العملية الاتصالية، والمستقبِل للمادة المرسلة، ومادة الاتصال، على موجة واحدة، أو خط واحد، من أجل إرسال واستقبال رسالة محددة.

لذلك، عُدّ الاتصال وسيلة تستخدم أساساً لتبادل المعلومات بين طرفين أو أكثر، بحيث يكون جميع المشاركين فيه قادرين على مساءلة الآخرين ومناقشتهم، فيما يقولون من حيث ما في كلامهم من صدق ودقة وواقعية ومعنى واضح ومفهوم.

من هنا أكد كولن شيري Cherry أن الاتصال يمثل عنصراً أساسياً في الحياة الاجتماعية، ومشاركة الأفراد في الرمز والمعنى والإشارة واللغة، وكل أنواع العلاقات الاجتماعية، التي تحدث في الحياة اليومية. والاتصال، بهذا المعنى، يجعل الأفراد والجماعات يفهمون بعضهم بعضاً، ويجعلهم في وحدة واحدة، ربما تكون الجماعة أو المجتمع أو الثقافة ككل.

إن الاتصال بين الثقافات، وما يترتب عليه من استعارات وتأثيرات متبادلة، هو مصدر ثري لكل ثقافة منها على حدة. وهو يمثل عاملاً مهماً في تعميق الثقافة وتوسيع آفاقها، ما دامت هذه الاتصالات تتم بشكل طبيعي، ولا تخُفي وراءها نزعات للهيمنة أو أي أهداف أخرى، أو تقصد عمداً إلى مسخ وتشويه معالم الثقافات الأخرى، أو القضاء عليها إن أمكن.

ومن ثم فالاتصال الثقافي المتكافئ يعني الاتصال التبادلي والتفاعلي، بين مرسل ومتلقي أو القائم على نقل أو إرسال أو استقبال مضمون رسالة ما (أفكار،ـ آراء،ـ معارف، مواقف وتصورات، وقيم ورموز معينة) وذلك عبر وسائل أو وسائط وآليات خاصة، كالصوت والصورة والكتابة... إلخ. وسواء كان طرفا هذا الاتصال أفراداً أو جماعات أو مجتمعات، ومضمون المُرسَل واعياً ومقصوداً ومعلناً، أو كان ضمنياً غير مقصود، ما يختلف حسب ظروف وملابسات وأهداف هذا الاتصال المعني.

إن عملية الاتصال ليست فقط اتصال بين طرفين، بل هي عملية دينامية جدلية وتفاعلية منتجة، يتم فيها وبواسطتها استيعاب وتمثل مضمون الاتصال، وكذلك ما يثيره هذا المضمون من استجابة ورد فعل وتغذية رجعية Feed back.

وهذا يعني أن الثقافة لا توجد في فراغ؛ وإنما ترتبط دائماً بكل النُظم والأنساق الاجتماعية السائدة في المجتمع، بحيث أنها لا تكون أبداً في عزلة تامة عن غيرها من الثقافات الأخرى؛ بل هي العكس من ذلك تماماً؛ لأنها تُقيم علاقات وصلات قوية ومستمرة مع ثقافات المجتمعات والشعوب الأخرى المجاورة. وقد ساعدت ثورة الاتصالات الإلكترونية الحديثة من إمكان الاتصال، بكل ثقافات العالم بغير عناء. وهذا الاحتكاك بين الثقافات، وما يترتب عليه من استعارات وتأثيرات متبادلة، هو مصدر غنى وثراء لكل ثقافة منها على حدة.

ويعني ذلك أن "الاتصال الثقافي" هو اتصال ثقافة أو حضارة بثقافة أخرى، أو بيئة ثقافية أخرى، أو بحضارة أخرى، أو بيئة حضارية أخرى، بغض النظر عن مستوى الثقافة أو درجة التطور الحضاري للمتصِل (بكسر الصاد) أو المتُصَل به (بفتح الصاد). وهو اتصال متبادل ومتفاعل بين الطرفين.

لذا، يُعرف الاتصال الثقافي بأنه تبادل الثقافات الرئيسية أو فروعها وأنساقها، والاتصال بعضها ببعض، تحاوراً أو تعارفاً وتلاحقاً. وهذا الاتصال قد يكون تواصلاً واتصالاً أفقياً، يتم بين ثقافات متزامنة، أو بين أقاليم ثقافية معينة؛ أو قد يكون اتصالاً رأسياً بين الأجيال المتعاقبة لثقافة ما، أو بين فئاتها وطبقاتها المتراتبة اجتماعياً.

وهكذا، نجد أن عنصر التفاعل يُعد من أهم العناصر الأساسية، التي تتكون منها عملية الاتصال الثقافي؛ فمن طريق التفاعل تظهر خاصية المشاركة وتبادل المؤثرات، أو الاهتمامات المتبادلة نحو حقيقة الاتصال ذاتها.

إن المجتمع البشري لا تسوده ثقافة واحدة بعينها، وإنما تنتشر فيه أنماط عديدة ومتنوعة من الثقافات الإنسانية؛ ولذا يُجمع المهتمون بالثقافة والعاملون في حقولها، على اختلاف مشاربهم ومدارسهم، على أن الثقافة ظاهرة إنسانية تتعلق بالإنسان وحده دون سائر المخلوقات. كما يمكن أن توجد "الثقافة" دون وجود المجتمع، وبتبادل الاتصالات بين جميع المجتمعات الإنسانية الأخرى.

وعلى هذا، فإن الاتصال الثقافي هو عملية تفاعلية دينامية مستمرة، تتم بين مجتمعين أو أكثر، من خلال التلاقي والحوار فيما بينهم من طريق قنوات فردية أو جماعية، منظمة أو غاير منظمة، مثل السفراء والتجار والسياح، والبعثات الدراسية والمعارف والكتب، ووسائل الاتصال، والشبكة العالمية للاتصال... إلخ.

أهمية الاتصال الثقافي وفوائده

تنبع أهمية الاتصال من أنه هو نقطة البداية في تحقيق التواصل والتفاعل، بين بني الإنسان؛ فمن طريقه ومن خلاله يتم تناقل الأفكار والمعتقدات والاتجاهات والآراء والمنافع المختلفة، فيما بينهم. كما يتم من خلاله، أيضاً، إشباع مختلف حاجات الإنسان؛ فالاتصال هو أداة تحقيق التواصل الحي والمتنامي.

ولهذا أكد جورج اليوت Eliot، أن شعوب العالم تتعرف على بعضها من خلال عملية الاتصال، وأنه من دونه يصبح العالم كأنه مجموعة من الجزر المتباعدة. ولذلك يجب الاهتمام بعملية الاتصال.

ويُعد الاتصال الثقافي من أهم العوامل في إثراء الثقافات؛ لأنه يفتح مجالات جديدة للتفكير والإبداع لا تتاح، في الأغلب، لأي ثقافة إذا ظلت مغلقة على نفسها، وعاشت بمعزل عن غيرها من الثقافات الأخرى.

فالاتصال الثقافي يعزّز نمو الثقافة ويطورها ويجددها، من خلال تبادل الأفكار وتشجيع الإبداع، ويؤمّن التراكم أو تواصل البناء الثقافي، ويتيح تأصيل ما هو جديد ومبتكر، تأكيداً للتناسق الثقافي. ومن خلال النمو والتجدد والتأصيل، تتمكن الثقافة من مقاومة عوامل الفناء والزوال، وتتنامى قدرتها على البقاء والاستمرار، من خلال احتفاظها بالقدرة على الإيفاء باحتياجات أهلها، ومن ثم يعود الاتصال الثقافي بفوائد عديدة، من أهمها:

·       أنه يعزز المشترك الثقافي بين الأطراف المشاركة، وهو ما يسهم في تعزيز تماسك المجتمع ووحدته، وتقارب المجتمعات الإنسانية وتعايشها.

·       أنه عملية حضارية متكاملة، تفتح العقول والنفوس على آفاق جديدة وإمكانات حديثة، ومن ثم فهو الطريق الفعال لتحقيق إنسانية الإنسان، وإبراز قوى الخير في نفسه. كما أنه وسيلة استيعاب منجزات الآخرين، والتعرف على ثرواتهم المعرفية وإمكاناتهم الثقافية.

·       أنه يساعد على تحقيق التلاقي الفكري والحضاري، الأمر الذي يقود إلى الارتقاء بالتفكير والسلوك البشري؛ فهو يساعد في توسيع دائرة الخصوصيات المحلية والوطنية أو القومية، ويجعلها قادرة على التفاعل مع مقومات سوسيو ثقافية وحضارية مغايرة.