إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / ما وراء المعرفة









الكفاءة اللغوية

ما وراء المعرفة

يحيا العالم الآن عصراً يتميز بعدة خصائص، أهمها أنه أصبح عصر "الانفجار المعرفي" أو "الثورة العلمية المعلوماتية". تلك الثورة فاقت في سرعتها إمكانية اللحاق بها، أو الإلمام ببعض محتوياتها. وهذا يضع الأفراد في موقف العجز إزاء هذه الثورة، التي لا يستطيعون استيعاب سوى القليل من محتوياتها؛ إلا أن هذا العجز يمكن التغلب عليه إذا تعلم الفرد كيف يفكر، وكيف يفكر في التفكير ذاته، وهذا هو جوهر ما وراء المعرفة.

إن نجاح الفرد في تعلمه لأي شيء لا يتطلب وجود خلفية معرفية يتعلمها فقط، بل يتعين عليه، أيضاً، أن يكون قادراً على استخدام خلفيته وإستراتيجياته المعرفية، ولا يتسنى له ذلك إلا بتنمية مهارات ما وراء المعرفة.

إذا كانت "ما وراء المعرفة" ضرورية لمواجهة الانفجار المعرفي والتعامل معه، فهي ضرورية –بالمثل- لعملية التعليم والتعلم. يرجع ذلك إلى أن "ما وراء المعرفة" تقوم بدور مهم في تحقيق استقلالية المتعلم، من خلال وعيه بعمليات التفكير التي يقوم بها أثناء تعلمه، وتحكمه فيها.

ويتضمن التراث الخاص بما وراء المعرفة دراسات عن أثر استخدامها في تشخيص وعلاج صعوبات التعلم، وفي تنمية التحصيل الدراسي، وفي تنمية التفكير. كما استخدمت في التنبؤ بالتحصيل الدراسي في الرياضيات، وفي الفهم القرائي، وفي اللغات، والتربية الغذائية، والوعي بالسلوك الغذائي.

وإضافة إلى ما سبق، تبين أن التدريب على مهارات ما وراء المعرفة أدى إلى تعديل الأسلوب المعرفي (الاندفاع/ التروي) لدى عينة من تلاميذ الصفين الرابع والخامس الابتدائي. كما أدى إلى تنمية الاتجاه نحو التأمل الفلسفي، وإلى أن يصبح المتعلم إيجابياً في جمع المعلومات وتنظيمها وتكاملها ومتابعتها وتقييمها، أثناء عملية التعلم، وفي حل المشاكل التي تعوق الفهم، وعلى استخدام الاستثارة أو التوجيه الذاتي، والاختبار والتقويم الذاتيين، وفي زيادة الفعالية الذاتية للمتعلم، وفي تصويب تصوراته الخاطئة في بنيته المعرفية.

أولاً: مفهوم ما وراء المعرفة (الميتامعرفة)

من أنواع المعرفة

1. المعرفة التصريحية

وهي معرفة "ماذا؟" وهو المعنى الشائع للمعرفة، حيث تتضمن هذه المعرفة الحقائق والمعتقدات والنظريات والآراء والقيم والقواعد والأسماء، وغيرها.

2. المعرفة الإجرائية

وهي معرفة "كيف؟" وتتضمن، عادة، نوعاً من الفعل، وغالباً ما تكون متضمنة مع المعرفة التصريحية عند تنفيذ فعل ما. فلكي تقوم بأداء مهمة ما يجب أن تعرف قواعد إجراء هذه المهمة.

3. المعرفة الشرطية

وهي معرفة "متى ولماذا؟" إنها تتضمن معرفة متى يجب أن تُستخدم المعرفة التصريحية والإجرائية، وتطبيقها بشكل إستراتيجي، فهي تستخدم عند أداء إجراء قبل الآخر لإكمال المهمة بشكل فعال.

أما ما وراء المعرفة، فهي ضبط وتنظيم المعرفة والتفكير فيها. وتتضح طبيعة ما وراء المعرفة من خلال تعريفاتها، ومن ذلك:

·   وعي الفرد بالإستراتيجيات والخطوات المستخدمة، في حل مشكلة ما.

·   قدرة الفرد على التفكير فيما يتعلمه وتحكمه فيما يتعلم، وقبل أن يتحكم الفرد فيما يتعلم عليه أن يكون على وعي، بالمهمة وبالإستراتيجية وبالعملية المعرفية وبالأداء.

·   أعلى مستويات النشاط العقلي، الذي يُبقي الفرد على وعي بذاته أثناء التفكير في المهمة.

·   معرفة الفرد التي تتعلق بعملياته المعرفية ونواتجها، أو أي شيء يتصل بها؛ مثل خصائص المعلومات أو البيانات التي تتعلق بالتعلم وتلائمه. كما تشير إلى المراقبة النشطة والتنظيم اللاحق، وتناغم هذه العمليات في علاقاتها بهدف معرفي تتعلق به.

·   عمليات عليا تُستخدم لتخطيط أفضل عمل سوف يقوم به الفرد، ولمراقبة أدائه للمهمة المعرفية، وتقويم النتائج.

·   التنظيم والوعي قبل المعالجة المعرفية والتعليمية للمعلومات، وأثناءها، وبعدها.

·   تشمل ما وراء المعرفة (الميتامعرفة) ثلاثة أنواع من التفكير، هي:

(1) التفكير في المحتوى المعلوماتي الذي يعرفه الفرد، وهو ما يُعرف "بالوعي الميتامعرفي".

(2) التفكير فيما يفعله الفرد أثناء أدائه، وهو ما يُعرف "بالمهارات المعرفية".

(3) التفكير في حالته المعرفية والدافعية والانفعالية المصاحبة، وهو ما يُعرف "بالخبرة الميتامعرفية"

·   الميتامعرفة هي قدرة الفرد على التفكير والتحكم في تفكيره، ومراقبة سلوك تعلمه ليحدد درجة تقدمه نحو أهدافه التعليمية، واختياره للإستراتيجيات التي تحقق هذه الأهداف.

من التعريفات السابقة يتضح أن ما وراء المعرفة سلوك عقلي يتضمن:

1. معرفة الشخص بعمليات تفكيره الشخصي، ومدى دقته في وصف تفكيره.

2. التحكم والضبط الذاتي ومدى متابعة الشخص لما يقوم به عند انشغاله بعمل عقلي، مثل حل مشكلة معينة ومراقبة جودة استخدامه لهذه المتابعة.

3. معتقدات الشخص وحدسياته الوجدانية فيما يتعلق بفكره عن المجال الذي يفكر فيه، ومدى تأثير هذه المعتقدات في تفكيره.

4. لما وراء المعرفة دور تدبيري من حيث إدارة التفكير والوقت والجهد، عند القيام بالمهمة.

5. أثناء ممارسة ما وراء المعرفة، يقوم الفرد بأدوار مختلفة؛ فهو مولد للأفكار، ومخطط وناقد ومراقب وموجه لأفكاره.

6. تشمل ما وراء المعرفة أنشطة عقلية متعددة، كالتخطيط والتنظيم والمراقبة واتخاذ القرارات.

7. ما وراء المعرفة عملية عقلية عليا، لأنها تتضمن التفكير في المعرفة، والتفكير في التفكير ذاته.

8. عملية نشطة تبدأ قبل وأثناء المعالجة المعرفية، وبعدها.

هناك فرق بين ما هو معرفي وما هو ميتامعرفي؛ فالمعرفة تتكون من البيانات المخزنة في الذاكرة، وهي تشير إلى ما يعرفه الفرد في مجالات العلوم المختلفة، كالرياضيات والاجتماعيات... إلخ. أما الميتامعرفة، فتظهر أثناء عمليات التنفيذ للمهمة في كيفية استخدام المراقبة والتنظيم التنفيذي لأنواع التفكير المختلفة الموجودة لديه، في فهم هذه المهمة وكيفية التفاعل معها.

إن نجاح تعلم الفرد يتطلب أكثر من وجود خلفية معرفية فقط، بل يتعين أن يكون الفرد قادراً على استخدام بنائه المعرفي وخلفيته المعرفية وإستراتجياته المعرفية، وتوظيفها توظيفاً منتجاً وفعالاً؛ فالخلفية المعرفية هي المعرفة الضمنية أو الرصيد أو المخزون المعرفي للفرد؛ ولكي يُصبح المتعلم قادراً على الاستخدام والتحكم في هذا الرصيد أو المخزون المعرفي، وكذا معرفته بالإستراتيجيات، فإنه يحتاج إلى تنمية مهارات ما وراء المعرفة.

ويمكن أن تُعد ما وراء المعرفة إستراتيجية، أو سمة، أو حالة. ويُقصد بإستراتيجية ما وراء المعرفة مجموعة من الإجراءات والأفعال المقصودة، التي يقوم بها المتعلمون، والتي يمكن من خلالها استقراء استبصارهم الذاتي تجاه مجالهم المعرفي، وتجاه بنائهم المعرفي، وتجاه عملياتهم المعرفية، وما يستتبع ذلك من تحكم في هذه العمليات، مستخدمين في ذلك مهارات إدارة ما وراء المعرفة، من تخطيط ومراقبة واختيار واتخاذ قرارات، بغية الفهم الأعمق للذات وللآخرين، ما يسهم في تطوير ممارساتهم الحياتية، ويؤدي إلى تعلم أعمق وأدوم.

أما ما وراء المعرفة كسمة ثابتة نسبياً في الإنسان، فتكون واضحة في استجاباته في المواقف العقلية ذات المستويات المتنوعة.

إن "ما وراء المعرفة" كحالة عابرة لدى الأشخاص في المواقف العقلية المختلفة، تتنوع وتتغير مع الزمن، وتتسم بالتخطيط ومراجعة الذات والوعي بها.

ثانياً: مهارات ما وراء المعرفة

تُمكن مهارات ما وراء المعرفة الطلاب من توظيف وعيهم بما يعرفون، لأداء المهام المطلوبة منهم، وفقاً للمعايير أو المحيكات المستخدمة، وبالمستوى الذي يحقق لهم الرضاء. أي أن المهارات تكون هي المسؤولة عن التنسيق الفعّال للتفاعلات، بين خصائص التعليم وطبيعة المواد المراد تعلمها ومحددات المهمة وأنشطة التعلم، حتى يتحقق النجاح في تحقيق نواتج تعليمية متوقعة.

وقد حفل التراث العلمي بعديد من المصطلحات، التي استُخدمت بدلاً من المهارات، منها القدرات والمكونات والمجالات.  وبوجه عام، أشارت تلك المصطلحات إلى المهارات التالية:

1. مراقبة الذات، تخطيط المهمة، تقييم الإستراتيجية.

2. المعرفة، التنظيم، التخطيط، التقييم.

3. الوعي بالمعرفة (التصريحية ـ الإجرائية ـ الشرطية)، تنظيم المعرفة (التخطيط ـ توجيه المعلومات ـ المراقبة الذاتية ـ تعديل الغموض ـ التقويم).

4. التقويم الذاتي للمعرفة (التقديرية ـ الإجرائية ـ الشرطية)، الإدارة الذاتية (التخطيط ـ التنظيم ـ التقويم).

5. وضع الهدف، المراقبة الذاتية، التخطيط، التنظيم، التقويم.

6. تعريف المهمة، تحديد المهمة، تمثيل المهمة، وضع الإستراتيجية، تحديد المصادر، المراقبة التنفيذية للمهمة، تقويم المهمة.

7. وعي الفرد بمستوى فهمه للمهمة، الوعي بجوانب القوة والضعف لديه، إدراكه للمعرفة السابقة، تنظيم المعرفة السابقة، استخدام المشكلات المتشابهة، تنظيم الإستراتيجيات المستخدمة في إنجاز المهمة، تنظيم الإجراءات لتنفيذ المهمة، تقويم تأثير الإستراتيجية المستخدمة.

8. الحس بما وراء المعرفة، مهارات الإدارة في ما وراء المعرفة للعمليات المعرفية (التخطيط ـ المراقبة ـ اختيار الإستراتيجيات الملائمة من بين عدة بدائل ـ اتخاذ القرار لاختيار الإستراتيجية المناسبة ـ التوجيه ـ المعالجة التنفيذية لصعوبة التقدم في المهمة ـ التقويم ـ الحوار الشخصي الموجه ذاتياً).

من العرض السابق يتضح الآتي:

1. أدى استخدام المصطلحات الدالة على المهارات (القدرات، المكونات، المجالات) إلى تعدد تلك المهارات.

2. النظر إلى المهارات أحياناً على أنها سلسلة متتابعة الحلقات، وأحياناً على أنها عمليات تُمارس معاً مستخدمة المعرفة، وأنها ذات هدف تسعى إليه هو الفهم للوصول إلى الحل (أو مخرجات معينة).

3. يرتفع مستوى عرض المهارات أحياناً إلى مستوى العمليات، وأحياناً ينخفض إلى مستوى الأداءات الإجرائية.

4. ليست المهارات منفصلة عن بعضها، وإنما هي في تفاعل مستمر ودائم.

5. تعمل تلك المهارات بشكل نشط لتنظيم معرفة الفرد وتوجيهها والتحكم فيها، من خلال التخطيط والمراقبة والمراجعة والتقويم المستمر.

6. تنمو مهارات ما وراء المعرفة باستخدام عديد من الإستراتيجيات، مثل: التساؤل الذاتي، والوصف المباشر للمهارة، والتعلم التبادلي.