إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / المواءمة المهنية









المواءمة المهنية

المواءمة المهنية

تحض جميع الأديان السماوية الإنسان على العمل الشريف المنتج. كما كان كثيرٌ من الأنبياء يأكلون من عمل أيديهم.

وللعمل أهميته في حياة الأفراد والمجتمعات؛ فالعمل من الناحية النفسية للفرد لا يعني فقط بذل جهد عقلي أو مادي، للتأثير على الأشياء المادية أو غير المادية المحيطة به للوصول إلى نتيجة ما؛ بل هو في حقيقته تفاعل بين الفرد والبيئة، يحاول الفرد خلاله أن يحقق أهدافه، وأن يشبع رغباته وحاجاته، وأن يحيل قيمه ومثله إلى حقيقة واقعة، وأن يعبر عن دوافعه وصراعاته وقلقه، بصورة مقبولة منه ومن المجتمع، في معظم الأحيان. وهو في أثناء هذا التفاعل مع الوسط الذي يعمل فيه، ينمو الفرد وتتكامل شخصيته وتتحقق ذاته، ويشعر بقيمته وإنسانيته. إن العمل وسيلة لإشباع الدوافع، ووسيلة للمحافظة على التوازن بين مختلف الضغوط الواقعة على الفرد. وهو وسيلة من وسائل خفض التوتر، وعامل من عوامل التكامل في حياة الفرد.

يقوم العمل بدور المُربي، الذي يكسب الفرد مجموعة من الخصال الأساسية، التي تمثل الحد الأدنى لقبوله عضواً في المجتمع. وفيما يلي أهم هذه الآثار:

1. قدر معين من ضبط الأداء

يبدو ذلك في إكساب الفرد مجموعة من المهارات اللازمة للقيام بأداءات بعينها، وما تستلزمه هذه الأداءات من تشغيل محسوب لمختلف الوظائف الذهنية والحركية، التي لا بد منها للوفاء بحق هذه الأداءات، كالإدراك الدقيق، وتركيز الانتباه، والتحكم في الحركة.

2. قدر معين من الانضباط الذاتي

يتجلى ذلك في تدريب الفرد على المواءمة بين مطالب العمل والعادات الشخصية، من ذلك مثلاً الارتباط بمواقيت محددة للعمل، وتطويع عادات الشخص وموازين المفاضلة لديه، لما تقضي به ظروف العمل.

3. تنمية قدرات التعاون مع الغير

يتلاءم هذا التعاون مع نوع الخطوات، التي ينقسم إليها العمل الذي يسهم الفرد في القيام به، مع غيره من الأفراد. ويتطلب ذلك من الفرد درجة معينة من الإلمام بالهيكل الكلي للعمل، ومن الإدراك لحدود الدور الموكول إليه هو شخصياً، داخل هذا الهيكل.

4. تنمية قدرات التخطيط للمستقبل

تنطوي هذه القدرات على عدد من الوظائف، يأتي في مقدمتها وظيفة التصور، أي تكوين صورة ذهنية للناتج، كما يتخيله في المستقبل، ثم توجيه خطواتنا بدءاً من هذه اللحظة الراهنة صوب تحقيق هذا التصور. وقد تزيد على ذلك تصوراً لجدول زمني محدد لإنجاز العمل، كما نصوغ تصوراً للتكلفة المادية، التي يتطلبها الإنجاز، وربما وضعنا كذلك تصوراً للفوائد والآثار، التي ستترتب على تحقيق هذا العمل.

5. تنمية آليات تصحيح الفعل

هناك مجموعة من العمليات شديدة التعقيد، تُعرف باسم "آليات تصحيح الفعل". تأتي في مقدمة هذه الآليات التصحيحية خمس عمليات، هي: عمليات المردود، وعمليات النقل والتعميم، وعمليات المحاكاة والاقتداء، ثم التقويم، وأخيراً عمليات الثواب والعقاب. والمردود هو الصدى المباشر لأي فعل نقوم به. كما أن النقل يتضمن انتقال أثر ما تعلمناه في موقف معين، إلى ما يليه من مواقف مشابهة. أما المحاكاة فهي التقليد لما يصدر أمامنا من القدوة، وكذلك التقويم هو مجموعة العمليات التي ينطوي عليها النظر فيما أنجزناه، لمضاهاته بما كنا نستهدفه، وعلى ذلك فالتقدير هو مواضع التفاوت بين النموذجين، والحكم لهذا التفاوت أو عليه.

وإذا كان للعمل هذه الأهمية الكبيرة لدى الأفراد، فإن له أهميته، أيضاً، للمجتمعات. ذلك أن العمل هو كل نشاط يقوم به أفراد المجتمع بصورة منظمة، بحيث يؤدي بشكل، مباشر أو غير مباشر، إلى إنتاج سلعي أو غير سلعي (خدمات معينة)، ومن ثم فإن أهميته وفائدته لا تقتصر على الفرد، بل تشمل المجتمع كله.

فالعمل يحفظ للمجتمعات مواردها وينميها، ويرفع مستوى المعيشة، ما يساعد على صون كيان المجتمعات وسلامتها. والعمل، في الوقت نفسه، عامل من العوامل التي تربط بين أعضاء الجماعة، وتوحد من أساليب الحياة والاتجاهات والقيم، بين الأفراد الذين يعملون في مجال واحد، بل وبين أبناء المجتمع كله، عندما يتكاتف أفراد المجتمع في سبيل تحقيق أهداف عامة مشتركة. وهذا يعني أن العمل هو إحدى الوسائل، التي تساعد الجماعات في تحقيق أهدافها وعلاج أزماتها.

إن العمل يضخ الدم في جسم المجتمع، فيحفظ عليه حياته (بما يقدمه من سلع وخدمات)، كما أنه ينشط نموه (بما يقدم من ابتكارات واختراعات واكتشافات). كما أن العمل يقيم بين الأفراد والمجتمع علاقة تبادلية بالغة الأهمية، لكل منهما؛ لأنها في نهاية الأمر هي الدعامة التي تحفظ لكل من الطرفين كيانه، أي هيكله وما يتفاعل داخل هذا الهيكل من وظائف، وتضمن له نمو هذا الكيان.

والسؤال: إذا كان للعمل هذه الأهمية الكبرى للفرد والمجتمع، فكيف يمكن تحقيق أقصى استفادة من العمل، لصالح كل من الفرد والمجتمع؟

إن الطريق إلى تحقيق هذه الاستفادة، إنما يكون بالمواءمة المهنية، اي وضع الرجل المناسب في العمل المناسب. وتُعد المواءمة المهنية من مقتضيات نجاح الفرد في العمل الذي يقوم به، نظراً للفروق بين الأفراد في السمات البدنية والعقلية والوجدانية، ولاختلاف متطلبات الأعمال من تلك السمات.

التوجيه المهني كمدخل للمواءمة المهنية

يُقصد بالتوجيه المهني تقديم المعلومات والخبرة والنصيحة، التي تتعلق باختيار المهنة والإعداد لها والالتحاق بها، والتقدم فيها. إنه عملية مساعدة الفرد على أن يختار مهنة له، ويُعد نفسه لها، ويلتحق بها، ويتقدم فيها. وهو يهتم، أولاً، بمساعدة الأفراد على اختيار وتقرير مستقبلهم ومهنتهم، بما يكفل لهم تكيفاً مهنياً مُرضياً.

من التعريفين السابقين يمكن تحديد خصائص التوجيه المهني، كالآتي:

1. عملية ترمي إلى مساعدة الفرد على أن ينمي صورة لذاته، خالية من التعارض، أو الصراع، أو الانحلال؛ إنها صورة تتلاءم مع إمكانيات الفرد المختلفة، أي مع استعداداته ودوافعه وميوله وقيمه وظروفه الاجتماعية، وغير ذلك.

2. عملية ترمي، أيضاً، إلى مساعدة الفرد على أن ينمّي ويتقبل الدور، الذي يقوم به في عالم العمل، ذلك الدور الذي يتفق مع إمكانياته المختلفة.

3. عملية ترمي إلى مساعدة الفرد على أن يجرب ويختبر الصورة، التي كونها عن نفسه وعن دوره في عالم العمل، في ميدان الحياة الواقعية.

4. عملية ترمي إلى مساعدة الفرد على أن يحقق صورته عن نفسه في ميدان العمل، وأن يكون ذلك بحيث يؤدي إلى كفالة السعادة له والمنفعة للمجتمع.

ويمكن تلخيص الخطوات الرئيسية للتوجيه المهني في:

·       تحليل المهنة.

·       تحديد الأدوات، التي تقيس كل ناحية من نواحي ذلك التحليل.

·       قياس مستوى الأفراد في السمات اللازمة للمهنة.

·      وضع الفرد في المهنة المناسبة، بناءً على تقدير احتمال نجاحه فيها، في ضوء مقارنة مستويات النجاح المعروفة للأداء، ومستويات الفرد في السمات المناسبة.

المواءمة المهنية

هي وضع الفرد المناسب في العمل المناسب، أي إلحاق الفرد بالمهنة (أو مجموعة المهن)، التي تناسب سماته وصفاته على نحو يزيد من زيادة احتمال نجاحه فيها، وتوافقه معها.

تحتاج المواءمة المهنية إلى:

·       تحليل العمل.

·       تحليل الفرد.

·       المواءمة بين الفرد والعمل.

1. تحليل العمل

إن الخطوة الأولى في أي برنامج منظم للمماثلة بين العامل والعمل، هي المعرفة الدقيقة الشاملة بالأعمال والمهن المختلفة، وبالواجبات التي يقوم بها العامل في كل منها، وبالظروف التي يؤدي فيها العامل هذه الواجبات، وبالشروط والمؤهلات، التي يجب أن تتوافر في العامل، حتى يستطيع أداء عمله بنجاح.

لذا، فإن تحليل العمل هو المصدر الأساسي للحصول على تلك المعلومات. ويعني تحليل العمل الدراسة الدقيقة لجميع الحقائق الأساسية عن العمل. وتشمل هذه الحقائق الواجبات المختلفة، التي يؤديها العامل، والظروف التي يؤدي فيها عمله، والمؤهلات التي يجب أن تتوافر في العامل لكي ينجح في عمله. إنها الطريقة المباشرة والشاملة للحصول على الحقائق الصحيحة، عن الأعمال.

وفي مجال المواءمة المهنية يفيد تحليل العمل في الحصول على الحقائق الصحيحة عن الأعمال، وفي تنظيم برامج التدريب، التي يتلقاها العمال للالتحاق بالعمل أو للترقية، والبرامج التي تهدف إلى حُسن توافق العاملين مع زملائهم، وزيادة كفاءتهم المهنية، وحسن التفاهم بينهم وبين الإدارة.

إن تحليل الأعمال ييسر اختيار العمال الجُدد، على أُسس علمية موضوعية، وتقدير درجة نجاحهم المحتملة بناءً على ما لديهم من قدرات وإمكانات، تتناسب مع العمل الذي سيلتحقون به.

يتضمن تحليل العمل بيانات متعددة، تساعد في تكوين صورة عن العمل ومتطلبات أدائه. ومن هذه البيانات:

أ. تعريف عام بالعمل.

ب. تفاصيل واجبات العمل وكيفية أدائه، ولماذا يُؤدى.

ج. تفاصيل واجبات العمل الدورية.

د. تفاصيل الواجبات العارضة، التي يتطلب العمل القيام بها كنتيجة لموقف غير متوقع ينشأ أثناء مزاولة العامل لعمله.

هـ. المتطلبات اللازمة لأداء العمل:

(1) التعليم.

(2) المعرفة والمعلومات المهنية.

(3) التدريب اللازم للعامل ومدته، والمهارات المكتسبة نتيجة ذلك التدريب.

(4) الأدوات والآلات والأجهزة والمواد المستخدمة.

(5) المهارة والدقة اللازمة لأداء العمل ودرجتها.

(6) السمات الشخصية، التي يتطلبها العمل.

(7) الميول المهنية التي يتطلبها العمل.

(8) الاستعدادات والقدرات، التي يتطلبها العمل.

(9) النشاط البدني، الذي يتطلبه العمل.

(10) نواحي القصور التي تمنع صاحبها من مزاولة هذا العمل.

و. المسؤولية.

ز. العلاقة بالأعمال الأخرى وبالمشرفين.

ح. ظروف العمل:

(1) مكان العمل.

(2) مخاطر العمل.

(3) الأمراض المهنية، التي تصيب العامل.

(4) مواعيد العمل

ي. ملاحظات.

مما سبق يتضح أن تحليل العمل يتضمن ثلاثة أجزاء رئيسية، هي:

·       تحديد دقيق للعمل.

·       وصف واجبات العمل وظروفه، وصفاً دقيقاً وتاماً.

·      الشروط والمؤهلات، التي يقتضي العمل توافرها في العامل لأداء عمله بنجاح.

وتوجد أربعة أنواع من المعلومات المهمة، التي يجب أن يشملها تحليل العمل، وتجمع هذه المعلومات في محاولة الإجابة على أربعة أسئلة مهمة، هي:

·       ماذا يفعل العامل؟

·       كيف يؤدي عمله؟

·       لماذا يقوم بعمله؟

·       ما متطلبات أداء هذا العمل؟

2. تحليل الفرد

يُقصد بتحليل الفرد قياس وتقدير خصائص الفرد الجسمية والعقلية والشخصية، للوقوف على مدى صلاحيته لأداء عمل معين. وتستخدم وسائل متعددة لتقدير تلك الخصائص، مثل بيانات طلب الالتحاق، والبيانات المسجلة بملفات سابقة للفرد، والمقابلة الشخصية، والاختبارات النفسية.

ومن أهم الخصائص التي تخضع للتقدير في عملية تحليل الفرد:

أ. الخصائص الجسمية: كالمظهر والصحة العامة، والطول، والوزن، وجوانب العجز، والاضطرابات، أو الأمراض الجسمية.

ب. الخصائص العقلية: كالذكاء، والذاكرة، والانتباه، والقدرات المختلفة الحسابية واللغوية والميكانيكية... إلخ.

ج. المهارات الحسية والحركية: كمهارة الأصابع، والتآزر بين العين واليد والقدم، وحدة الإبصار، وحدة السمع... إلخ.

د. الخصائص الانفعالية: كالانبساط والانطواء، وتحمل المسؤولية، والاتجاهات العصابية والذهانية، والنضج الانفعالي... إلخ.

هـ. الخلفية التحصيلية والمعرفية: كالمؤهل، ونوع التدريب، ونوع الخبرة أو الخبرات، التي حصل عليها الفرد من التحاقه بأعمال سابقة.

أي أن تحليل الفرد يتضمن جمع ثلاث فئات من المعلومات:

·       الخصائص الفيزيقية للفرد.

·       الخصائص السيكولوجية للفرد.

·      تاريخ الفرد السابق وتأهيله العلمي والعملي.

3. المواءمة بين الفرد والعامل

بعد جمع البيانات عن الفرد، لا بد من مقارنة هذه البيانات بالمتطلبات اللازمة للنجاح في العمل، والمستمدة من تحليل العمل. وتُعرف هذه العملية بالمواءمة المهنية بين الفرد والعامل.

إن هذه المواءمة عملية تحتاج إلى خبرة فنية من القائم على عملية الاختيار والتوجيه المهني؛ إذ عليه أن يحدد درجة صلاحية الفرد، لا لمهنة معينة، بل لفصيلة مهنية (كالأعمال الكتابية، أو الأعمال الميكانيكية، أو المهن الطبية المساعدة... إلخ)، وداخل تلك الفصيلة يحدد درجات صلاحية لكل مكون، أو عنصر من عناصرها.