إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات اجتماعية ونفسية / التواكل السلبي (التنافس)









الارتباط بالجماعة Sociability

التواكل السلبي (التنافس)

تُعد الجماعة ذات أهمية كبيرة في حياة الفرد، ففي الأسرة ينمو، ومع الزملاء يتعلم، ومع الرفاق يلعب، ومع المتدينين يعبد. وبمعيشة الفرد في الجماعات المختلفة يكتسب خاصيته الإنسانية بواسطة عملية التطبيع الاجتماعي. وبحياة الفرد في الجماعات يُشبع احتياجاته النفسية والفسيولوجية، ويحقق أهدافه التي يسعى إلى بلوغها. ويحقق الفرد كل هذا من خلال وبواسطة سلسلة من العمليات الاجتماعية.

والعملية الاجتماعية هي مجموعة من الأحداث التي تكوِّن نمطاً معروفاً، أي أنها نمط متكرر من التفاعل الاجتماعي. وتتخذ العمليات الاجتماعية أربعة أشكال:

1. يحدث التفاعل بين مجموعات من الأشخاص.

2. يحدث التفاعل بين شخص وآخر.

3. يحدث التفاعل بين جماعة وجماعة.

4. يحدث التفاعل بين شخص وجماعة.

ويتم التفاعل في صورة تعاون أو تنافس أو خداع أو تكيف. ويُطلق على التعاون والتنافس التواكل، فإذا كان تعاونياً أصبح تواكلاً إيجابياً، أما إذا كان تنافسياً، فيصبح سلبياً.

تعريف التنافسية أو التواكل السلبي

بينت الدراسات السابقة أن التنافسية يمكن النظر إليها على أنها عملية، أو خاصية شخصية، أو أنها معالجة في موقف.

1. العملية التنافسية

يُعرف التنافس بأنه عملية اجتماعية تحدث عندما توجه أنشطة الفرد إلى تحقيق مستوى أو هدف معين. وتتحدد درجة التحقيق بمقارنة أداء الفرد بأداء آخرين معينين. كما يُعرف بأنه عملية اجتماعية بواسطتها يوجد شخصان فما فوق، أو جماعتان فما فوق في موقف معين كل تجتهد في الوصول إلى هدف معين أو إلى أهداف معينة، بحيث تصل إلى الهدف قبل الأخرى، أو تنال أكبر قسط منه عند الحصول عليه.

وثمة تعريف ثالث للتنافس، بأنه عملية موجهة إلى تحقيق أهداف خاصة في سياق اجتماعي يسعى فيه بعض الأفراد للفوز. وإذا كانت المنافسة مصدراً للنضال والارتياح لدى بعض الأفراد، فهي مصدر لعدم الارتياح والضغط والقلق لدى البعض الآخر.

وثمة تصور رابع للعملية التنافسية، على أنها:

أ. العملية التي يتم خلالها مقارنة أداء الفرد باستخدام معيار أو مستوى معين، مع وجود شخص فما فوق يعرفون ذلك المعيار أو المستوى، ويمكنهم تقييم الموقف.

ب. تتضمن العملية التنافسية العناصر والمكونات التالية:

(1) الموقف التنافسي الموضوعي

هو الحد الأدنى من الشروط التي يجب توافرها في الموقف حتى تبدأ عملية المنافسة. ومن هذه الشروط:

·   مقارنة الأداء بمعيار معين.

·   وجود شخص فما فوق يقومون بتقويم تلك المقارنة.

·   تحقيق إنجاز اجتماعي.

(2) الموقف التنافسي الذاتي

هو إدراك الفرد وتقديره للموقف التنافسي. هنا يكون للفروق الفردية دورها في العملية التنافسية. فقد يرى لاعب التنس أن يلعب مباراة مع أحد اللاعبين المشهورين تحدياً له، بينما يراها لاعب آخر تهديداً كبيراً له. أي أن الموقف التنافسي الذاتي يحدد استجابة الفرد للموقف التنافسي الموضوعي.

(3) الاستجابة

تتضمن الاستجابة تغيرات فسيولوجية وسيكولوجية داخلية، وفي أداء الفرد في الموقف. من التغيرات الفسيولوجية زيادة معدل ضربات القلب وتصبب العرق، ومن التغيرات السيكولوجية الشعور بالتوتر والارتباك. أما الأداء فقد يكون أداءً اجتماعياً مقبولاً كاللعب النظيف، أو أداءً غير مقبول اجتماعياً كالعدوان.

(4) النتائج والمترتبات

تتضمن هذه المرحلة الفوز أو الخسارة، وعادة تكون مصحوبة بالشعور بالنجاح أو الفشل، إلا أن العلاقة بين الفوز والخسارة من ناحية، والشعور بالنجاح أو الفشل من ناحية أخرى، ليست أوتوماتيكية، فقد يشعر اللاعب بالارتياح والنجاح لأداء اللعب بطريقة ممتازة، على الرغم من خسارته أمام لاعب عالي المهارة، وقد يحدث العكس كذلك فلا يشعر بالارتياح والنجاح، على الرغم من فوزه على خصمه. إن النتائج والمترتبات لا تحدث منعزلة بعضها عن بعض، إذ تزود الفرد بتغذية راجعة، سواء في تقديره الذاتي للموقف التنافسي، أو لمشاعره إزاء الموقف.

ج. العملية التنافسية ديناميكية، إذ إن النتائج والمترتبات في لحظة معينة أو موقف معين، تؤثر في مهارة الفرد ومشاعره وتقديره الذاتي للموقف التنافسي، واستطراداً في مواقفه التنافسية التالية.

د. ما دامت العملية التنافسية تتضمن مقارنة أداء الفرد بمستوى معين، فإنها تكون موجهة نحو هدف محدد Goal Oriented هو الأداء الأفضل، بناءً على هذا تُصبح التنافسية نوعاً من دافعية الإنجاز.

تعليق على العملية التنافسية

من التعريفات السابقة، يتضح أن العملية التنافسية تتضمن:

أ. عملية اجتماعية تتضمن اشتراك فردين أو جماعتين فما فوق في نشاط معين يستهدف تحقيق أهداف خاصة.

ب. تُقاس درجة تحقق الأهداف بمقارنة أداء الفرد بأداء الآخرين.

ج. تؤدي تلك المقارنة إلى إثارة شك الفرد في منافسه، يرجع ذلك لعدم ثقة الفرد في النتائج التي سيحققها.

د. العملية التنافسية ديناميكية تشكل سلوك الفرد في المواقف التالية، وذلك بناءً على الآثار والنتائج التي يحققها في كل موقف تنافسي.

هـ. تختلف استجابات الأفراد للموقف التنافسي الموضوعي، باختلاف إدراك كل منهم وتقديره الذاتي لذلك الموقف. ومن هنا توجد الفروق الفردية في ردود أفعالهم.

2. التنافسية خاصية شخصية

انقسم العلماء في النظر إلى التنافسية بكونها خاصية شخصية:

·   التنافسية سمة من سمات الشخصية يتصف بها الأفراد ولكن بدرجات متفاوتة، تتدرج من أعلى درجات المنافسة إلى أدناها.

·   التنافسية توجه Orientation يُعبر عن الميل إلى النضال لتحقيق أهداف معينة، مثل الأداء الجيد أو الفوز بأفضل النتائج، أو أنها نضال الفرد لإبراز أن لديه قدرات معادلة لقدرات الآخرين أو تفوقها، واستطراداً فإن الفوز هو مقياس النجاح والخسارة. ويتميز صاحب التوجه التنافسي المرتفع بتركيزه في النتائج المتوقعة من العمل أو المبادأة، فإذا فاز يحقق النتائج، وإذا فشل يتوقف عن اللعب أو العمل، وإذا تشكك في قدراته يبدو عليه العجز المتعلم Learned Helplessness.

·   التنافسية ميل لدى الأفراد يدفعهم إلى السعي نحو تحقيق نوع معين من الأهداف.

·   التنافسية دافع يحرك الفرد ويوجهه للوصول إلى الفوز والنجاح في أداء عمل معين.

·   التنافسية هدف مرتبط بذات الفرد، وتظهر واضحة عندما يسعى الفرد إلى أن يتفوق أداؤه على أداء الآخرين.

·   التنافسية استعداد Disposition لدى الأسوياء، وعُرف الاستعداد بأنه عملية عقلية تتضمن اتجاهات الفرد ودوافعه وإدراكاته التي تهيئه للاشتراك في مواقف المنافسة. وأن هذا الاستعداد يتضمن منافسة الآخرين والتوجه إلى الفوز عليهم ووضع أهداف يسعى الفرد للوصول إليها، أو أنها الاستعداد للنضال لتحقيق الرضاء عند مقارنة أداء الفرد بمستوى معين من التميز، وذلك في حضور المقيمين.

·   التنافسية هي الرغبة في تحقيق الكسب في موقف التفاعل الاجتماعي، واستطراداً لا بد من وجود منافس في الموقف يمكن تصنيفه مقياساً لأداء الفرد، أي يوجد تفاعل بين رغبة الفرد وميله إلى المنافسة وبين موقف المنافسة نفسه.

·   التنافسية استعداد اللاعب الرياضي لمواجهة مواقف المنافسة الرياضية ومحاولة التفوق والامتياز، في ضوء مستوى أو معيار معين من معايير أو مستويات التفوق والامتياز من طريق إظهار قدر كبير من النشاط والفاعلية والمثابرة، تعبيراً عن الرغبة في الكفاح والنضال من أجل التفوق والامتياز في مواقف المنافسة الرياضية.

·   التنافسية اتجاه يعبر عن درجة قبول الفرد أو رفضه للاشتراك في المواقف التنافسية والتعامل معها.

تعليق على التنافسية خاصية شخصية

اختلف العلماء في تحديد التنافسية خاصية شخصية على النحو التالي:

أ. الرغبة في تحقيق الكسب.

ب. استعداد للنضال والفوز على الآخرين.

ج. توجه إلى الإنجاز والفوز في المنافسات، وتوجه إلى الإنجاز مرتبط بذات الفرد للتفوق على الآخرين.

د. الميل إلى النضال تحقيقاً للفوز في المنافسات.

هـ. التوجه التنافسي أو نضال الفرد لإبراز أن لديه قدرات تفوق قدرات الآخرين أو تعادلها.

و. دافع إلى الوصول إلى النجاح في المجال الرياضي.

ز. عملية معرفية توجه السلوك.

ح. تكوين فرضي أو مفهوم يُفترض وجوده لتفسير ظاهرة معينة، ويعبر عن نفسه بمظاهر مختلفة.

3. التنافسية معالجة موقفية

أ. التنافس هو الموقف الذي يثير الفرد ليبذل أقصى جهد لديه بمفرده في عمل معين، لكي يفوز على زملائه ويحصل على مكافأة مادية أو تقدير شخصي.

ب. التنافس هو الموقف الذي يكون فيه تحقيق الأهداف للأعضاء منفصلاً، كل منهم عن الآخر، وتكون العلاقات المتبادلة لتحقيق الأهداف سلبية، أي يحقق الفرد أهدافه إذا لم يحقق الآخرون أهدافهم. فالفرد يبحث عن الناتج المفيدة له شخصياً.

ج. التنافس الفردي هو الموقف الذي يصل فيه الفرد إلى هدف إذا عِيق الأفراد الآخرون في منطقة الهدف.

د. التنافس الفردي هو الموقف الذي يعمل فيه الفرد لنفسه، ويعوق الأفراد الآخرين عن تحقيق أهدافهم الفردية.

هـ. التنافس الفردي هو الموقف الذي يُكافأ فيه الفرد الذي حقق أعلى درجة في التحصيل بناءً على جودة عمله. ويُكافأ الأفراد الآخرون مكافأة أقل منه.

و. الموقف التنافسي هو الموقف الذي يكون هدف التلميذ فيه هو التحصيل القائم على العلاقة السلبية بين التلاميذ. وتعني العلاقة السلبية أنه عندما يحقق تلميذ هدفه، يفشل كل التلاميذ الآخرين في تحقيق أهدافهم.

ز. التنافس هو الموقف الذي لا توزع فيه العوائد أو المكافآت بالتساوي بين الأفراد وذلك لاختلاف مستوى أداء كل منهم في الأنشطة.

ح. التنافس هو الموقف الذي يتعارض فيه هدف الفرد مع أهداف الآخرين. فإذا ما حقق أحد الأفراد هدفه عجز الآخرون عن تحقيق أهدافهم.

ط. التنافس هو الموقف الذي يتعارض فيه تحقيق هدف الفرد مع تحقيق أهداف الآخرين، حيث يصارع كل منهم للوصول إلى الهدف قبل غيره.

ي. في حالة التنافس بصفته موقفاً، يوجد نوعان من المنافسة، إما مباشرة أو غير مباشرة. في حالة المنافسة المباشرة ينافس اللاعب لاعباً آخر وجهاً لوجه، أما في المنافسة غير المباشرة، فإن اللاعب ينافس مستوى معيناً، سواء كان هذا المستوى هو المستوى السابق للاعب نفسه أو مستوى لاعب آخر. وتؤدي المنافسة غير المباشرة إلى زيادة الدافعية الذاتية للاعب، لأنها مرتبطة بكفاءته. أما في المنافسة المباشرة فإن مصدر الدافعية يكون خارجياً ويتعرض الفرد لضغوط مباشرة وتهديد لتقييمه لذاته، مما قد يؤدي إلى انخفاض الدافعية الذاتية للاعب. وكلا النوعين يؤدي إلى زيادة وتحسن معدل الأداء، لأن المنافسة غير المباشرة ترتبط بكفاءة اللاعب، والمنافسة المباشرة تقدم تحديات مباشرة للاعب، مما يؤدي إلى تحسن معدل الأداء وازدياده.

ك. التنافس هو الموقف الذي يحث الفرد على الكفاح ضد الآخرين من الأعضاء، لكي يتحقق له وحده الفوز عليهم ويفوز بأكبر نصيب.

تعليق على التنافسية معالجة موقفية

    مما سبق يتضح أن:

أ. التنافس بصفته موقفاً تتداخل فيه أهداف الفرد مع أهداف الآخرين، بحيث تكون العلاقة بين تحقيق أهدافهما سلبية. وفي هذا الموقف إذا تحرك الفرد لتحقيق هدفه، عاق الآخرين عن تحقيق أهدافهم.

ب. تكون الأهداف فردية، أي خاصة بكل فرد على حدة، ويعمل كل فرد بمفرده.

ج. تحقيق الفرد لهدفه يعوق تحقيق الآخرين للهدف نفسه.

د. حصول فرد واحد على أعلى المكافآت.

هـ. يُقارن الفرد أداءه بأداء الآخرين أو بأدائه السابق.

و. يكون الأفراد في الموقف التنافسي أكثر قلقاً وأقل اطمئناناً، وتظهر المشاعر العدائية بينهم، ويكون الإحساس بالمسؤولية موجهاً نحو الذات.

4. آثار التنافس

أوضح دويتش Deutsch، عام 1949، أن الأفراد في المواقف التنافسية، يكون ارتباط أهدافهم بعضها ببعض سلبياً، فعندما يحقق أحد المتنافسين هدفه، يفشل منافسوه الآخرون في تحقيق أهدافهم.

وفي المواقف التنافسية يحاول الفرد أن يعوق تحقيق الآخرين لإنجازاتهم، ويكره السلوك الذي يسهل إنجاز شخص آخر لأهدافه. وفي المواقف التنافسية تتضح المشاعر العدائية غير الودية بين المتنافسين. هذا إضافة إلى مشاعر الغضب على الفائزين، وبذلك تظهر المشاعر السلبية تجاه الآخرين، بل تجاه الفرد نفسه ـ عند الفشل ـ والتي قد تظهر في أعراض الكآبة والحزن وهبوط النشاط والانسحاب من هذه المواقف التنافسية.

 يكون الأفراد في المواقف التنافسية أكثر قلقاً وأقل اطمئناناً ذاتياً، ويظهرون الكثير من احتياجاتهم الذاتية. فالمعايير التنافسية لا تولي الفرد الذي لا يصل إلى خط السباق قبل المتسابقين الآخرين إلا اهتماماً ضئيلاً، فالمحك التنافسي هو الفوز، والجائزة لمن يحصل على أعلى الدرجات.

وتتيح المعايير التنافسية لمن يفوز في مباراة أن يحصل على مكافأة، ولكنها قد تتجاهل تماماً ذلك الآخر الذي اشترك في المنافسة واستطاع أن يسيطر على خجله بعد جهد كبير، ولو أنه لم يتفوق على بعض المتنافسين من حيث المهارة.

وفي المواقف التنافسية تكون الاتصالات مغلقة وعقيمة، هذا بعكس العلاقات في التنظيمات التعاونية، إذ تكون مؤثرة وإيجابية.

إن من خصائص الموقف التنافسي قلة الاتصال بين الأفراد، كما يتجاهل كل فرد زميله والآخرين حوله؛ بل يزداد تجسس هؤلاء الآخرين للحصول على المعلومات عنهم، وفي الوقت نفسه يرفضون توصيل معلومات صحيحة لهم، بل يحاولون توصيل معلومات غير صحيحة، ويميلون إلى عرقلة التفاعل الموجب بينهم حتى لا يحقق أي فرد منهم هدفه. كما أن من خصائص الموقف التنافسي عدم التعاون بين الأفراد، ويكون الإحساس بالمسؤولية موجهاً نحو ذات الفرد.

ومن خصائص الموقف التنافسي كذلك نقص التماسك بين الأفراد، كما ينخفض معدل استخدام المهارات الشخصية والجماعية، ويزداد معدل القلق والشك بين الأفراد، ويصعب تنسيق الجهود لتقسيم العمل فيما بينهم. وتنتشر المقارنة بين الذات والآخرين، ومراقبة تقدمهم نحو الهدف. كذلك تنخفض المساعدة والمشاركة والتأييد بينهم، مما يؤدي إلى نقص الانتفاع بما لدى الآخرين من مصادر ومعلومات.

من خصائص المواقف التنافسية المدرسية، أن التلاميذ لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم في الفصل، وليست لهم علاقات بإدارة المدرسة (المدير ـ المدرسين).

وعندما يتم ترتيب التلاميذ في المواقف التنافسية حسب درجاتهم، فإن معنى ذلك أن نجاح تلميذ يؤدي إلى إخفاق تلميذ آخر. كما أن معناه أن ثمة تلميذ واحد يشعر بالنصر والزهو وهو الطالب الأول، أما من عداه فقد قصر بشكل أو بآخر. وفي مثل هذه الأحوال فإن المعلم يهدر الإنجاز الناجح والجهود التي يبذلها التلاميذ الآخرون، والتي لم تكن كافية لاحتلالهم المركز الأول.

من العرض السابق تتضح الآثار الضارة للتنافسية، إلا أنها مع ذلك تؤدي إلى زيادة الإنتاج كماً، وإلى زيادة حماس الأفراد لبذل الجهد. إن هذا يشير إلى ضرورة استخدام المنافسة بدرجة عالية من الحذر والمهارة، ووفقاً لما تحدده الثقافة والتقاليد والشرائع الدينية.

التنافس في القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة

التنافس من الدوافع النفسية التي يتعلمها الإنسان من الثقافة التي ينشأ فيها، وتقوم التربية التي يتلقاها الفرد بتوجيهه إلى النواحي التي يستحسن فيها التنافس من أجل تقدمه ورقيه وفقاً للقيم التي يتمسك بها المجتمع الذي ينشأ فيه الفرد.

فقد يتعلم الفرد من الثقافة التي ينشأ فيها التنافس الاقتصادي، أو التنافس السياسي، أو التنافس العلمي، أو غير ذلك من أنواع التنافس الشائعة في تقوى الله، وعمل الخيرات، والتمسك بالقيم الإنسانية العليا، وإتباع المنهج الرباني في الحياة، سواء في علاقاتهم بالله ـ سبحانه وتعالى ـ، أو في علاقاتهم الأسرية، أو في علاقاتهم بالمجتمع حتى يحظوا بمغفرة الله ورضوانه، وينعموا بدخول الجنة.

قال ـ تعالى ـ: ]إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{22} عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{23} تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ{24} يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ{25} خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ{26}[ (سورة المطففين: الآيات 22 – 26).

وقال ـ تعالى ـ: ]َلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ[ (سورة البقرة: الآية 148).

وقال ـ تعالى ـ: ]سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[ (سورة الحديد: الآية 21).

وقال ـ تعالى ـ: ]اسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ[ (سورة المائدة: الآية 48).

فإذا انتقلنا إلى السُّنة النبوية المطهرة، نجد توضيحاً لمعنى التنافس وحدوده. ويميل معظم الناس عادة إلى التنافس في جمع الأموال، وامتلاك الأراضي والعقارات، كما يتنافسون في الحصول على الشهرة والجاه، والاستيلاء على مقاليد السلطة في المجتمع، وفي غير ذلك من أنواع المتاع السائدة في الحياة الدنيا. ولذلك، حذر الرسول r المسلمين من التنافس في الدنيا، فهو نوع من التنافس المذموم الذي يثير الحقد والبغضاء في النفوس، ويفكك عُرى الأخوة وروابط المحبة بين المسلمين، ويبعدهم عن ذكر الله، ويضعف فيهم حماسة الجهاد في سبيل الله، ونشر دعوته، وإعلاء كلمته. فعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله r يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: "إني فَرَط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله أنظر إلى حوضي الآن. وإني أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها"[1].

وفي حديث آخر رواه عمرو بن عوف الأنصاري عن الرسول r جاء فيه: "... فوالله! ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم؛ فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم"[2].

ومع تحذير الرسول r للمسلمين من التنافس في الدنيا لما يؤدي إليه ذلك من أضرار وأخطار، فإنه كان يشجعهم على التنافس في تقوى الله والتقرب إليه بالأعمال الصالحة للفوز برضاه. فعن يزيد بن الأخنس أن رسول الله r قال: "لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله ـ عزَّ وجلَّ ـ القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ويتبع ما فيه؛ فيقول رجل: لو أن الله ـ تعالى ـ أعطاني مثل ما أعطى فلاناً فأقوم به كما يقوم به! ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفق ويتصدق؛ فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلاناً، فأتصدق به!"[3].

وكان رسول الله r يُشجع المسلمين كذلك على التنافس في القيام بالأعمال المفيدة التي تقوي فيهم روح الفروسية والبطولة. فكان يُشجع على التسابق بالخيل، بل كان يشترك هو نفسه r في ذلك. فعن ابن عمر، قال: "كان رسول الله r يُضمر الخيل يسابق بها"[4]. وعنه كذلك قال: "أجرى رسول الله r ما ضمر من الخيل الحفياء إلى ثنية الوداع، وما لم يضمِّر من الثنية إلى مسجد بني زريق"[5].

وعن سلمة بن الأكوع قال: خرج رسول الله r على نفر من أسلم ينتضلون[6] بالسوق، فقال: "ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً. ارموا؛ وأنا مع بني فلان. فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال: ما لكم لا ترمون؟ فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم! فقال: ارموا؛ وأنا معكم كلم"[7].



[1] أخرجه الشيخان (الشيباني، ج4، ص 183). الفرط: السابق في السير إلى الماء.

[2] أخرجه البخاري، في كتاب فرض الخمس (باب الجزية والموادعة)، واللفظ له، ومسلم في أوائل كتاب الزهد والرقائق (النووي، ج1، ص 411.

[3] أخرجه أحمد، ج4، ص 105.

[4] أخرجه أبو داود (الشيباني، ج2، ص 163).

[5] أخرجه الشيخان ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي (الشيباني، ج2، ص 163).

[6] ينتضلون: يترامون بالسهام للسبق.

[7] أخرجه البخاري.