إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / منظمات وأحلاف وتكتلات / تجمع دول الساحل والصحراء






تجمع دول الساحل والصحراء



المبحث الأول

المبحث الأول

الأسس التي يقوم عليها تجمع "دول الساحل والصحراء"

أولاً: تعريف "تجمع دول الساحل والصحراء" ونشأته

    يُعد تجمع دول الساحل والصحراء واحداً من التجمعات الإقليمية، أو الفرعية، العديدة التي شهدتها القارة الأفريقية، مثل السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي "الكوميسا"، والجماعة الاقتصادية، كدول غرب أفريقيا "ايكواس"، واتحاد دول المغرب العربي "الاتحاد المغاربي"، وغيرها.

    كما أن يُعرف، كذلك، بأنه منظمة إقليمية فرعية، للتكامل الاقتصادي بين دوله الأعضاء، سواء كانت من الدول المؤسسة أو المنظمة. وقد تضمنت المعاهدة، المُنشئة لهذا التجمع، بأنه: اتحاد اقتصادي شامل، يستند على إستراتيجية تنفذ من خلال مخطط تنموي متكامل، مع مخططات التنمية الوطنية للدول الأعضاء.

    وفي إطار الثقافة السياسية، المتداولة فيما يتعلق بالمنظمات الإقليمية الفرعية، يلزم التمييز بين معنيين مختلفين لمصطلح كوميسا Comesa.

الأول:     يتعلق بالسوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي Common Market for Eastern and Southern Africa COMESA.

والثاني: يتعلق بذلك التجمع، الذي دعت الجماهيرية الليبية إنشائه عام 1998، والمعروف بتجمع دول الساحل والصحراء، ويضم في عضويته دولاً في الشمال والغرب والوسط والقرن الأفريقي The Community of Sahel - Saharan States COMESSA.

    وتأتي نشأة هذا التجمع مقترنة بالسياسيات والتوجهات الليبية، في القارة الأفريقية. فقد درجت الدبلوماسية الليبية منذ عام 1969، على طرح العديد من المبادرات والخطط الوحدوية والتكاملية، مع واحدة، أو أكثر، من الدول المجاورة، سواء العربية، مثل: مصر وتونس والسودان والمغرب، بل وحتى سورية في إطار اتحاد الجمهوريات العربية؛ أو الأفريقية، مثل: تشاد والدول الأفريقية الأخرى الأعضاء الآن في "تجمع دول الساحل والصحراء"؛ أو الأوروبية مثل، محاولة ليبيا تحقيق نوع من الاتحاد، أو التكامل، مع مالطا. وعلى الرغم من أن هذه المحاولات التكاملية لم يقدر لها النجاح، فيما عدا الاتحاد المغربي، الذي أُنشئ عام 1989، إلا أن الدبلوماسية الليبية ظلت متمسكة بهذا التوجه، في إطار سياستها الخارجية، خصوصاً على مستوى الدائرتين، العربية والأفريقية. وليس أدل على ذلك مثلاً، من حقيقة أنه، على الرغم من الأزمة الخانقة، التي واجهتها ليبيا منذ عام 1992، جراء الحصار المفروض عليها بسبب أزمة لوكيربي[1]، إلاّ أنها عادت في عام 1997 لتتحمس لإقامة تجربة تكاملية جديدة، مع عدد من الدول المجاورة.

    إن الأصل في التأسيس لهذه التجربة التكاملية، هو دعوة ليبيا أربع دول داخلية، لا سواحل بحرية لها، وتمثل الظهر الخلفي للدول العربية الأفريقية، في شمال الصحراء. ففي يوليه 1997، اجتمع زعماء كلٍّ من ليبيا وتشاد والنيجر ومالي و بوركينا فاسو، واتفقوا ـ من حيث المبدأ ـ على تشكيل تجمع اقتصادي إقليمي، في إطار منظمة الوحدة الأفريقية، وتعزيز آليات التعاون، لدعم الاستقرار السياسي والأمني؛ وأن يكون التجمع مفتوحاً أمام دول نيجيريا والجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا ومصر والسودان وإريتريا. وفي سبتمبر 1997، اجتمع وزراء الخارجية في تلك الدول، لصياغة مشروع الميثاق المقترح. وفي الأسبوع الأول من فبراير 1998، جرى الاتفاق على إنشاء ما سُمى "تجمع دول الساحل والصحراء"، بحضور كل من: ليبيا وتشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو والسودان، دولاً مؤسسة. وشارك في اجتماع التأسيس، بصفة مراقب، وفد من مصر، وآخر من وتونس.

    إن التصور، أو المشروع المقترح، يتمثل في إنشاء تكتل، أو تجمع، يمتد أفقياً في القارة الأفريقية، ويشمل دول منظمة الانتقال بين أفريقيا الغربية في الشمال، ودول أفريقيا جنوب الصحراء، وهى دول تعج وتمتلئ بالصراعات السياسية، أو المسلحة، منذ أوائل التسعينيات، مثل: تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا. وهي صراعات تدور بين شعوب وأقليات متنوعة، مثل: الطوارق والعرب والأزواد والبيضان. الخ، وقد تدخلت السياسة الفرنسية، والجزائرية، مراراً للتهدئة وللتفاوض، من أجل تسوية سياسية، بين المتمردين المسلحين والحكومات، ومنها ما تم في النيجر خلال شهر نوفمبر 1997 بوساطة جزائرية. وما يمكن الإشارة إليه، أيضاً، تلك الصراعات، الدائرة في المنطقة، مثل: مشكلة الصحراء الغربية، والحرب في السودان، والعلاقات بين السودان ودول الجوار الجغرافي. وإذا كان الإعلان عن تشكيل "تجمع دول الساحل والصحراء"، قد ذكر مبدأ التعاون، من أجل دعم الاستقرار السياسي والأمني، فإن ذلك ـ بالضرورة ـ يعني معالجة عوامل وأسباب عدم الاستقرار والصراعات، في المنطقة ، خاصة أن السياسة الليبية سبق اتهامها، من قبل دول أوروبية وأمريكية وأفريقية، بالتدخلات لزعزعة الأمن والاستقرار.

    ولعل من أسباب تبني ليبيا لمشروع هذا التجمع، في المنطقة الأفريقية شمال خط الاستواء، وعلى طول الخط الغربي إلى ساحل المحيط الأطلسي، وعلى طول الخط الجنوبي إلى منطقة البحيرات العظمي حيث منابع نهر النيل، ربما ترجع إلى ما يلي:

1. صدور قرار مجلس الأمن بتعليق العقوبات الدولية عنها، تمهيداً لرفعها، ومن ثم يكون مثل هذا المشروع، بداية انفتاح ليبي على البيئة الإقليمية الأفريقية، عساها تجد منه فرصه انطلاقه، بعد مرحلة العزلة التي عاشتها في الحصار، الذي فرض عليها من جانب مجلس الأمن الدولي، بسبب أزمة لوكيربي.

2. إعلان الرئيس القذافي عن التوجه الليبي الأفريقي في سبتمبر 1998، وصدور قرار قمة منظمة الوحدة الأفريقية، بشأن العقوبات الدولية، في اجتماعها في عاصمة بوركينا فاسو في يونيه 1998، وما تلا هذا الإعلان من زيارات ومباحثات للرؤساء الأفارقة مع الرئيس القذافي، في مدينة سرت، إضافة إلى زيارات الأطراف غير الحكومية والشعبية.

3. حالة العلاقات الدولية و الإقليمية، وما تتسم به من سيولة وتغير بعد انتهاء الحرب الباردة، و ما صاحبها من انفجار في النزاعات الداخلية المسلحة وفي صِراعات الحدود السياسة، في القارة الأفريقية.

4. انعقاد قمة منظمة الوحدة الأفريقية في الجزائر، خلال شهر يوليه 1999، ولرغبة السياسة الليبية في حضورها المؤتمر، وقد أحدثت إنجازاً إيجابياً في أهم قضايا القارة، وهى: حفظ السلام وتطويق النزاعات المسلحة، وتنسيق السلم والأمن في مناطق الجوار الجغرافي والإقليمي، وهو ما يتيح لها الفرصة الكاملة للتجاوب مع منظمة الوحدة الأفريقية، ولإعلانها الصادر عام 1998، والداعم للموقف الليبي.

وإذا كان "تجمع دول الساحل والصحراء"، قد بدأت نواته بست دول، هي: ليبيا وتشاد، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، والسودان، فقد ازداد عدد الدول الأعضاء، لتصل إلى ست عشرة دولة، بانضمام كل من: جيبوتي، وأفريقيا الوسطي، وجامبيا وإريتريا، والكونغو الديموقراطية، والسنغال، ومصر، وتونس، والمغرب، ونيجيريا، بحلول عام2000 . (أُنظر خريطة تجمع دول الساحل والصحراء)

ثانياً: معاهدة إنشاء "تجمع دول الساحل والصحراء"

    تنقسم معاهدة إنشاء "تجمع دول الساحل والصحراء" إلى ديباجة، وإحدى عشرة مادة، وتتضمن المعاهدة الإشارة إلى أن قادة ورؤساء دول كل من: الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، وجمهورية السودان، وجمهورية تشاد، وجمهورية مالي، وجمهورية النيجر، وجمهورية بوركينا فاسو "يأخذون في الاعتبار المصالح المشتركة والروابط الجغرافية والتاريخية والعرقية، التي تجمع شعوبهم، وأنه إدراكا لضخامة وتعقد المشاكل، التي تواجه العالم، بصفة عامة، وأفريقيا بصفة خاصة، واعتزاما منهم على مجابهة العوامل الداخلية والخارجية، للتخلف الاقتصادي وعدم الاستقرار، فقد وصلوا إلى قناعة بأن العمل المشترك، في إطار التكامل، هو أفضل الطرق لاندماج دولهم وشعوبهم؛ وكذلك، للحفاظ على الأمن والاستقرار، في منطقة الساحل والصحراء، وأن تجسيد إرادة التكامل الاقتصادي والثقافي والسياسي والاجتماعي، إنما يتم بما يتوافق مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومعاهدة أبوجا، الموقعة عام 1991، والمنظمات الإقليمية، التي تنتمي إليها الدول الأعضاء، وأنه على ضوء ما سبق فقد تم إقرار إقامة تجمع دول الساحل والصحراء.

    إذاً، فتلك الديباجة تؤكد على أولويته الجزرين، الأفريقي والإسلامي، في النشأة والنشاط، وتؤكد على أهمية الروابط الجغرافية والتاريخية والعرقية التي تجمع شعوب الدول الأعضاء، وأن أساس التجمع والتكامل هو التوافق مع مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية، التي تنتمي إليها هذه الدول.

    ومع أن هذه المعاهدة، المُنشئة للتجمع، أشارت في ديباجتها، إلى توافق أحكامها مع أحكام كل من مواثيق الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكذلك مع أحكام معاهدة أبوجا، الموقعة عام 1991، إلاّ أن شكل العلاقة القانوني، بين التجمع بوصفه تنظيماً دولياً إقليمياً، وبين منظمة الأمم المتحدة، منظمة دولية عالمية، غير واضحة بشكل كاف، كذلك فإن ثمة غموضاً يكتنف مستقبل التجمع، بعد دخول الاتفاق الخاص بإنشاء الاتحاد الأفريقي حيز النفاذ.

    ثم تنتقل المعاهدة، المنشئة لتجمع دول الساحل والصحراء، إلى توضيح الهدف الرئيسي، الذي من أجله أُقيم هذا الاتحاد الاقتصادي، والإستراتيجية، التي يستند عليها في تنفيذ المخططات التنموية، في إطار متكامل مع مخططات التنمية الوطنية للدول الأعضاء. وكذلك إزالة كافة العوائق، التي تحول دون وحدة الدول الأعضاء، وتشجيع التجارة الخارجية، وزيادة وسائل النقل والاتصالات، وغيره من الأهداف، التي يُرجى تحقيقها على أساس المبادئ الموضوعة والمحددة في تلك المعاهدة، ومنها: ضرورة التزام الدول الأعضاء بوضع ميثاق للأمن، من أجل ضمان السلام والاستقرار، مع التزام تلك الدول تقديم المساعدات إلى بعضها، في حالة الضرورة، والتعاون في جميع المجالات، بروح التضامن والأخوة.

    كما تتناول المعاهدة المنشئة لتجمع دول الساحل والصحراء، المؤسسات التي تُسيّر أعماله، فتشير إلى خمسة أجهزة، هي: مجلس الرئاسة، والمجلس التنفيذي، والأمانة العامة، ومصرف التنمية، والمجلس الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. وتمثل هذه المؤسسات تلك التي في غالبية المنظمات الدولية والإقليمية. كما يتناول الميثاق بعض الجوانب الأخرى المتعلقة به، وبتفسيره، وتطبيقه، وتعديله، ونظام العضوية وعوارضها، وغيرها من الأحكام الانتقالية، التي تجري وفقاً لها التعامل التنظيمي، والوظيفي، في نطاق التجمع، باعتباره منظمة إقليمية فرعية، وفي نطاق الدول الأعضاء، ومع العالم الخارجي. وكذلك تضمنت المعاهدة، المؤسسة لتجمع دول الساحل والصحراء، الكيفية التي يمكن بموجبها، تعديل أحكامها، ومنها أن لكل دولة عضو أن تقدم إلى مجلس الرئاسة اقتراحات، تهدف إلى التعديل قبل ثلاثة أشهر، على الأقل، من انعقاد القمة. وتدخل هذه التعديلات حيز التنفيذ، إذا وافقت عليها القمة، بعد المصادقة عليها من جميع الدول الأعضاء حسب الإجراءات الدستورية لكل دولة.

    وعلى الرغم من أن معاهدة الإنشاء، جاءت متوافقة في معظم نصوصها، مع مواثيق المنظمات الدولية، إلاّ أنها لم تتوافق مع مثل تلك المنظمات في بعض المسائل، مثل الإجراءات الجزائية والعقابية، التي يمكن أن تطبق على الدولة، إذا خرجت عن النصوص والالتزامات الواردة في المعاهدة. كما يلاحظ عدم وجود جهاز قضائي، أو آلية لفض وتسوية النزاعات، فيما بين الدول الأعضاء. وكذلك، يُلاحظ عدم وجود آلية ترعى الهدف الأمني، الذي صدر ملحق خاص به، وعُدّ مكملاً للمعاهدة المنشئة.

ثالثاً: أهداف "تجمع دول الساحل والصحراء" ومبادئه

    على الرغم من وجود بعض الملامح العامة، التي تميز واقع الدول الأعضاء في هذا التجمع، قياساً على غيرها من الدول الأخرى، إلاّ أن المعاهدة، المنشئة للتجمع، وكذلك الملاحق المرفقة بها، وقد أُبرمت لاحقاً عليها، قد أخذت بما جرى عليه العمل في قانون المنظمات الدولية، من حيث تحديد الأهداف عموما، ومنها يلي:

1. إقامة اتحاد اقتصادي شامل، يستند على إستراتيجية تُنفذ من خلال مخطط تنموي متكامل مع مخططات التنمية الوطنية للدول الأعضاء، وتشمل الاستثمار في الميادين الزراعية والصناعية والاجتماعية والثقافية وميدان الطاقة، متطلعة بكل ثقة إلى المستقبل النقدي لهذا التجمع.

2. إزالة كافة العوائق، التي تحول دون وحدة الدول الأعضاء، من طريق اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان الأتي:

أ. تسهيل تحرك الأشخاص، ورؤوس الأموال، ومصالح مواطني الدول الأعضاء.

ب. حرية الإقامة والعمل والتملك، وممارسة النشاط الاقتصادي.

ج. حرية تنقل البضائع والسلع، ذات المنشأ الوطني، والخدمات.

3. تشجيع التجارة الخارجية، من طريق رسم وتنفيذ سياسة الاستثمار، في الدول الأعضاء.

4. زيادة وسائل النقل والاتصالات الأرضية والجوية والبحرية، بين الدول الأعضاء، من طريق تنفيذ مشاريع مشتركة.

5. موافقة الدول الأعضاء، على إعطاء مواطني الدول الأعضاء الأخرى، الحقوق والامتيازات والواجبات نفسها، المعترف بها لمواطنيها، وفقا لدستور كل دولة.

6. تنسيق النظم التعليمية، في مختلف مستويات التعليم، والتنسيق في المجالات الثقافية والعلمية والتقنية.

    وعلى ذلك، يُلاحظ وجود هدف سياسي وأمنى، من وراء إقامة هذا التجمع، ويتضح ذلك من مضمون الميثاق الأمني، الذي صدر لاحقاً للمعاهدة ومكملا لها (أنظر ملحق مشروع ميثاق الأمن لمنطقة دول الساحل والصحراء (س.ص)).

    إذن فالهدف الأساسي للتجمع، كما هو واضح من المعاهدة المنشئة له، هو إقامة اتحاد اقتصادي شامل، ومخطط تنموي متكامل، وإزالة العوائق أمام حركة الأشخاص، ورأس المال، وحريات الإقامة والعمل والتملك، وتدفق التجارة والخدمات، وتشجيع وسائل النقل والاتصالات، مع موافقة دول التجمع على إعطاء مواطني الدول الأعضاء الحقوق والامتيازات والواجبات نفسها، المعترف بها لمواطنيها. وقد أنشئت لتحقيق هذا الهدف الاقتصادي مؤسسات، مثل: المصرف الأفريقي للتنمية، والمجلس الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وصندوق التضامن، وشركة طيران مشتركة. وبالتدقيق والتحليل لهذا الهدف الأساسي، فإنه يعبر عن قاعدتين أساسيتين: السعي إلى النجاح، وثانيهما: العمل على إزالة الصعوبات والمشكلات، التي يمكن أن تواجه هذا التجمع في الحاضر والمستقبل. كما أن هناك تيارين متنافسين، داخل التجمع، يرى أحدهما التمسك والالتزام بمفهوم وأساليب التكامل الاقتصادي، تمهيداً لبناء الجماعة الاقتصادية الأفريقية (معاهدة أبوجا 1991)، ومن أنصار هذا التيار جمهورية مصر العربية، التي ارتأت ضرورة التأكيد على موضوعات زيادة الإنتاج، وتوسيع حجم التجارة البينية، وتحديث البنية الأساسية وغيرها.

    بينما رأى التيار الثاني، ومن أنصاره جمهورية السودان، في التجمع وسيلة لبناء تحالفٍ سياسي ووضع مخطط سياسي إستراتيجي، لتفعيل العمل الثوري للقارة الأفريقية. وقد حدث اختلاف في مثل تلك الرؤى، وانقسمت أراء الدول الأعضاء في الانحياز إلى أي من التيارين. ووفقاً لمفهوم الحلول الوسط، صدر "بيان الخرطوم" بالرؤى والمواقف السياسية، بينما جرى تخصيص قرارات دول التجمع، بشأن أهداف وأساليب التكامل الاقتصادي، طبقاً لما ورد بمعاهدة التأسيس.

    أما عن مبادئ هذا التجمع، فإن المعاهدة تتضمن مجموعة من المبادئ المرشدة، التي تسير على منوالها كل الدول الأعضاء، ومؤسسات هذا التجمع وأجهزته. وهى في سبيلها إلى تحقيق أهدافه. ومن تلك المبادئ ما يلي:

1. تلتزم الدول الأعضاء بمنع استخدام أراضيها في أي نشاط، ضد سيادة ووحده أراضي أي دولة عضو في التجمع. ويعد هذا المبدأ قاعدة أساسية للاستقرار، يجب أن تقوم عليه العلاقات بين الأعضاء، حتى يمكن إتاحة المجال والبيئة المناسبة للنشاط وللتكامل الاقتصادي. ومن ثم، كان التأكيد على ضرورة الالتزام بهذا المبدأ، يعنى ضمناً التحرك نحو نشر الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة المستهدفة، كمقدمة للتوجهات والسياسيات الاقتصادية.

2. تلتزم الدول الأعضاء في التجمع، بوضع ميثاق للأمن، من أجل ضمان السّلام والاستقرار، وهما الشرطان الضروريان لتحقيق أهداف التجمع. وقد جاء هذا المبدأ مكملاً للمبدأ السّابق، وهو يتمثل في إعادة التأكيد على ضرورة الأمن، من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة المستهدفة بالنشاط والتكامل الاقتصادي، بل عُدّ عنصري السلام والاستقرار، شرطان لازمان لتحقيق الأهداف المنشودة، وهو ما يعنى ضمنياً انتفاء الأهداف، إذا لم يتوافر هذان الشرطان. ولذلك كان هناك حرص من جانب المؤسسين للتجمع، أن يقنّن ذلك، من خلال الميثاق الأمني.

3. تلتزم الدول الأعضاء بضمان الأمن على حدودها، وأن تمتنع كل دولة عن التدخل في الشؤون الداخلية، أو الاعتداء، على دولة عضو في التجمع. وهذا المبدأ يعزز المبدأين السابقين، حيث التأكيد على ضرورة التزام الدول الأعضاء بضمان الأمن، كمسؤولية فردية لكل دولة عضو على حدود إقليمها. ولا يقتصر الأمر على ذلك، ولكن يتلازم معه ضرورة امتناع كل دولة عضو أيضا -في سبيل تحقيق هذا الأمن ـ على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، بإثارة الفتن وإحداث القلاقل، أو أن تعتدي على دولة عضو أخرى في التجمع، بأي صورة من صور العدوان، لما في كل ذلك من إخلال بقاعدة الأمن والسلام والاستقرار.

4. تلتزم الدول الأعضاء في التجمع بتقديم المساعدات لبعضها، في حالة الضرورة، كما تلتزم بالتعاون في جميع المجالات، بحكم روح التضامن والأخوة. وجاء هذا المبدأ متناسبا مع الظروف والمشكلات الصعبة، التي تمر بها الدول الأعضاء؛ فلكل دولة عضو مشكلاتها، التي تتنوع وتتباين باختلاف ظروفها، وهو الأمر الذي يتطلب تكاتف تلك الدول معاً، في مواجهة الأزمات والمشكلات، من خلال الالتزام الجماعي لتقديم المساعدات. ويُعد هذا المبدأ على درجة من الأهمية، في بث روح التضامن والأخوة، لمنع تراجع أو انهيار دولة عضو خلال الأزمات والشدائد، التي تمر بها. إلا أن معاناة جميع الدول الأعضاء، من العديد من المشكلات والأزمات المزمنة، كالصراعات والحروب الأهلية والانقلابات العسكرية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، يجعل من الصعوبة على الدول الأعضاء كلها، الاستمرار في الالتزام الحقيقي بهذا المبدأ، على الأقل في الوقت الحاضر، وفي المستقبل المنظور.

        ويلاحظ أن إشارة معاهدة التجمع لهذه المبادئ، إنما تستهدف حث الدول الأعضاء على وضع ميثاق للأمن، يضمن السلام والاستقرار. ولذلك، رُكزّ على الالتزام بمنع استخدام الأراضي للدول الأعضاء، للقيام بأي نشاط يؤثر على السيادة والوحدة الإقليمية لدولة أخرى. وفي الاجتماع الثاني لرئاسة التجمع في نجامينا، عاصمة تشاد، خلال فبراير 2000، جرى التوقيع على ميثاق الأمن، الذي تضمن التأكيد على ما سبق من مبادئ، كما تضمن نصوصاً أخرى تتعلق بحرية الحركة والانتقال، على مستوى الأفراد والممتلكات، ومحاربة الإرهاب، وتعزيز الأمن والاستقرار (أُنظر ملحق حرية مرور الأشخاص والممتلكات، وقرار المجلس التنفيذي بشأن حرية تنقل الأفراد والممتلكات، داخل "تجمع دول الساحل والصحراء"). ولكن لم يتضح من نصوص المعاهدة أي إشارة، إلى إقامة آلية خاصة بفض المنازعات وحفظ الأمن، على الرغم من أن كلاً من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "ايكواس"، والجماعة التنموية لدول الجنوب الأفريقي "سادك" لديها آلية خاصة بفض المنازعات وحفظ السلام، وأن لهاتين الآليتين علاقات مع التصور الأوروبي والأمريكي، لحفظ السلام الأفريقي.

رابعاً: العلاقات الخارجية التي يتم وضعها في الاعتبار عند التأسيس

    يعد تجمع دول الساحل والصحراء واحداً من منظومة العلاقات، في إطار المنظمات الدولية، التي تشمل المنظمة العالمية والمنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية، وغيرها من المنظمات والهيئات ذات الصلة بالتعاون والتكامل الاقتصادي، على المستويين الدولي والإقليمي. ومن ثم، فإن هذا التجمع لم ينشأ بمعزل عن مثل تلك المنظمات، وليس بعيداً عن منظومة علاقاتها، وإنما هو جزء منها. فقد تأسس التجمع في ظل التنظيم الدولي، ووفقاً لأهدافه ومبادئه، حتى وإن كان يعمل في نطاق محدد داخل القارة الأفريقية.وبغض النظر عن كونه منظمة شبه إقليمية، على أساس أنه يخدم عدداً معيناً من الدول الأفريقية، في بعض المناطق المحددة من القارة الأفريقية، فإن تلك المنظمة تسعى للتوافق، وتحقيق أهداف، كل من الأمم المتحدة، باعتبارها المنظمة العالمية، التي يندرج تحت مظلتها ما عداها من منظمات إقليمية وشبه إقليمية، ومنظمة الوحدة الأفريقية "الاتحاد الأفريقي"، باعتبارها المنظمة القارية الأفريقي، وكذلك الجماعة الاقتصادية لأفريقيا، المنبثقة عن منظمة الوحدة الأفريقية من قبل، في إطار من التنسيق والتعاون المشترك والمتكامل، لتحقيق الأهداف والمصالح المتنوعة لجميع الدول الأعضاء، خصوصاً ما يتعلق منها بالمجالات الاقتصادية.

    وتبدو العلاقة، بين "تجمع دول الساحل والصحراء" والمنظمات الدولية والإقليمية، الوثيقة الارتباط بالتجمع على النحو الآتي:

1. علاقة تجمع "دول الساحل والصحراء" بالأمم المتحدة

    تؤدي المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية دوراً كبيراً في ميدان التنظيم الدولي، وعلى مستوى المجتمع العالمي المعاصر. وهذا لدور أكد عليه ميثاق الأمم المتحدة، خصوصاً في الفصل الثامن منه، الخاص بالمنظمات الإقليمية، باعتبارها من ضروريات تحقيق السلم والأمن الدوليين، كل في منطقتها. فهذه المنظمات تعبر عن تضامن وثيق بين دولها الأعضاء، وهو تضامن تظهر فاعليته عند وضع قواعد قانونية خاصة، تحكم العلاقات بين تلك الدول، وتعكس المعطيات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، المرتبطة بواقعها. فمن هذا المنطلق، فإن المنظمات شبه الإقليمية، مثل "تجمع دول الساحل والصحراء" التي تعبر عن تضامن اجتماعي - اقتصادي، لمجموعة من الدول متجاورة جغرافياً، وتسير على سياسة حسن الجوار، ومنع الأعمال العدوانية، وتعترف بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، تكون أقدر من غيرها على الوقاية من حدوث المنازعات، وإيجاد التسويات السلمية، عند حدوث مثل هذه المنازعات. وقد اعترف ميثاق الأمم المتحدة بمثل هذه المنظمات الإقليمية، وأهمية دوره. وكان تفسيره لذلك ينصب على ما يلي:

أ. إعطاء النظم الإقليمية دوراً محدداً، في الدفاع عن السلم والأمن الدولي، نظراً لاحتوائها على الخصائص اللازمة لتسوية المنازعات الإقليمية.

ب. إن الجماعة الإقليمية ينبغي أن تتعاون، لتسوية مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة.

        على ذلك فإن أوجه التعاون، بين الأمم المتحدة، كمنظمة عالمية، و"تجمع دول الساحل والصحراء"، كمنظمة شبه إقليمية، إنما تدخل في إطار التعاون الأساسي، بين منظمة الوحدة الأفريقية "الاتحاد الأفريقي"، باعتبارها المنظمة القارية، على المستوى الإقليمي الأفريقي. ويلاحظ أن ميثاق "تجمع دول الساحل والصحراء"، كان واضحاً عندما أُقر في صدر معاهدة إنشائه، أن إصرار قادة ورؤساء "تجمع دول الساحل والصحراء"، على تجسيد إرادة التكامل الاقتصادي والثقافي والسياسي والاجتماعي، إنما يتم بما يتوافق مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة. ويتضح من هذه الإشارة أن التجمع عازم على تدعيم علاقته بالمنظمة العالمية، وإن كان الوقت لم يُتح بعد لرصد علاقات محددة، أو ممارسات فعلية،ن يرجع وذلك، بدرجة أساسية، إلى حداثة إنشاء هذا التجمع .

2. العلاقة بين "تجمع دول الساحل والصحراء" ومنظمة الوحدة الأفريقية "الاتحاد الأفريقي"

تعد "منظمة الوحدة الأفريقية"، ومن بعدها، "الاتحاد الأفريقي"، المنظمة القارية، التي ترعى أهداف ومصالح الدول الأفريقية الأعضاء فيها، في مختلف المجالات. ويلاحظ أن المنظمة القارية الأفريقية حرصت، منذ تأسيسها، على تشجيع إقامة منظمات شبه إقليمية، ترعى النشاط والتعاون والتكامل الاقتصادي، بين جماعات الدول الأفريقية، كيفما يكون الحال. وأكدت على هذا المعنى أيضاً، اتفاقية تأسيس "الجماعة الاقتصادية الأفريقية"، الموقعة في أبوجا بنيجريا عام 1991، على أساس أن أي تجمع، أو تكتل اقتصادي، بين أية مجموعة من الدول الأفريقية، إنما هو بمثابة لبنة أساسية في الصرح الاقتصادي الأفريقي، بشكل عام، على أساس أن "الإقليمية" تتمشى مع "القارية" الأفريقية، وأنها مكملة لها. ولم يكتفِ بهذه العلاقة بينهما، التي أوضحها قرار مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية، الصادر في أغسطس 1963، عندما انعقد هذا المجلس في أول دورة عادية له، وإنما وضع ذلك المجلس قواعد عامة، لإخضاع المنظمات شبه الإقليمية إلى منظمة الوحدة الأفريقية. ومن هذه القواعد ما يلي:

أ. وجوب أن تقوم التجمعات الإقليمية الأفريقية على حقائق جغرافية، وعلى عناصر اقتصادية واجتماعية وثقافية مشتركة، بين دول تتعاون في إطار تلك المنظمات الإقليمية.

ب. وجوب أن تُعلن المنظمات شبه الإقليمية الأفريقية، التي ستقام بين الدول الأفريقية، رسمياً، خضوعها لمبادئ وأهداف ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية.

ج. على المنظمات شبه الإقليمية الأفريقية الجديدة، أن تودع نسخة من نظامها الأساسي، لدى الأمانة العامة لمنظمة الوحدة الأفريقية.

    وعلى ضوء ذلك، يتضح أن علاقة منظمة الوحدة الأفريقية، بالمنظمات شبه الإقليمية الأفريقية، تحث على مزيد من التداخل والترابط بين مختلف أنواع تلك المنظمات، لما يترتب على ذلك من فوائد ومصالح متنوعة، إضافة إلى منع التخبط والارتباك والفوضى، في المشروعات التنموية والتكاملية على مستوى القارة الأفريقية، وبين دولها، خصوصاً في المجال الاقتصادي.

    وتجدر الإشارة إلى أن "تجمع دول الساحل والصحراء"، باعتباره أحد تلك المنظمات الأفريقية شبه الإقليمية الحديثة التأسيس، قد أقر بتبعيته للمنظمة القارية الأفريقية، وذلك عندما تضمنت ديباجة معاهدة إنشائه الإشارة إلى توافق أهداف ومبادئ التجمع، مع أحكام ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية ومعاهدة أبوجا الموقعة عام 1991.

3. علاقة "تجمع دول الساحل والصحراء" بالمنظمات شبه الإقليمية

    يلاحظ أن العديد من الدول الأفريقية الأعضاء في تجمع دول الساحل والصحراء، هم أعضاء، كذلك، في منظمات شبه إقليمية أخرى. فهناك دول أعضاء في اتحاد دول المغرب العربي "الاتحاد المغربي"، ودول أعضاء في السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقية "الكوميسا"، و دول أعضاء في "منظمة الإيجاد"، التي ترعى التعاون بين دول القرن الأفريقي. كما أن هناك دولاً أعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "ايكواس"، وأيضاً دول أعضاء في منظمة دول وسط أفريقيا وغيرها، إضافة إلى وجود دول أعضاء في جامعة الدول العربية، باعتبارها منظمة إقليمية " أفريقية - آسيوية". وهناك دول أعضاء في الجماعة الفرانكفونية، وكذلك في منطقة الفرانك الأفريقي، ودول أخرى أعضاء في الجماعة الأنجلوفونية. وعلى الرغم من عدم وجود نصوص تمنع الدول الأعضاء في المنظمات شبه الإقليمية، عن الدخول في منظمات شبه إقليمية جديدة، فإن على كل دولة، أن تدرس مدى جدوى تعدد العضوية في مثل تلك المنظمات شبه الإقليمية، ومدى فاعليتها اقتصادياً، وهل هي غير قادرة على اتخاذ قرارات وتوصيات توضع موضع التنفيذ الفعلي، أم أنها غير قادرة على تحقيق أهداف ومصالح محددة خاصة بها؟ حتى تكون هناك جدوى تعود على الدول المشتركة في أكثر من منظمة شبه إقليمية.

 



[1] انفجار طائرة ركاب أمريكية فوق لوكيربي واتهام ليبيا بالتورط في تدميرها.