إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات رياضية / سيدني، وتاريخ الدورات الأولمبية، قديمها وحديثها




من آثار موقع الألعاب
أول سباق في العدو
ملصق للإعلان
هتلر يتلقى التحية
هتلر يفتتح الدورة الأولمبية
مجموعة طوابع أولمبية
محمد علي كلاي
أحد عروض الفنون
إيقاد المشعل الأولمبي
إيقاد الشعلة الأولمبية
مقر اللجنة الأولمبية
الأمير فيصل بن فهد
الملعب الأولمبي في سيدني
الوجه الأمامي لميدالية دورة موسكو
الوجه الأمامي لميدالية دورة سيدني
الوجه الأمامي لعملة دورة مونتريال
الوجه الأمامي لعملة دورة سيؤول
الوجه الخلفي لميدالية دورة موسكو
الوجه الخلفي لميدالية دورة سيدني
الوجه الخلفي لعملة دورة سيؤول
المدن التي استضافت الأولمبياد
البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان
اليوناني ديميتريوس فيكيلاس
اليوناني سبيريدون لويس
الشعلة الأولمبية 1936
السعودي هادي صوعان
السعودي خالد العيد
العلم الأولمبي
العداء كارل لويس
جاك روغ الرئيس الحالي
ختام دورة سيدني
سامارانش الرئيس السابع
شعار دورة ملبورن
شعار دورة مونتريال
شعار دورة لوس أنجلوس
شعار دورة لوس أنجلوس
شعار دورة موسكو
شعار دورة لندن
شعار دورة لندن
شعار دورة هلسنكي
شعار دورة أمستردام
شعار دورة أنفرس
شعار دورة أتلانتا
شعار دورة أثينا
شعار دورة أثينا
شعار دورة ميونيخ
شعار دورة مكسيكو سيتي
شعار دورة استوكهولم
شعار دورة باريس
شعار دورة باريس
شعار دورة برلين
شعار دورة برشلونة
شعار دورة بكين
شعار دورة روما
شعار دورة طوكيو
شعار دورة سانت لويس
شعار دورة سيؤول
شعار دورة سيدني
شعارات اللجان الأولمبية
عملة أولمبية 1988
عملة أولمبية2000





الفصل الثاني

الفصل الثاني

دورات الألعاب الأولمبية الحديثة

تحظى الدورات الأولمبية الحديثة بجماهيرية لا مثيل لها بين شعوب العالم أجمع. ووصفها "كوبرتان" بأنها مهرجان عالمي للشباب. يلتقي فيه شباب العالم في منافسات شريفة تسود فيها الروح الأولمبية، وتجمعهم مائدة واحدة يطلق عليها القرية الأولمبية، فيتنافسون ويتصادقون على الرغم من اختلافهم في اللغة والبيئة مما يدل على أن العالم يستطيع العيش في سلام ومحبة، وأن الخير في النفوس البشرية أقوى من الشر. ويقام المهرجان الأولمبي مرة كل أربع سنوات، وتتجه إليه الأنظار من كل حدب وصوب من شتى أنحاء المعمورة. ويقول المتطرفون في أحلامهم الوردية، إن أكثر هذه الأحلام جموحاً يتصاعد إلى حد تحقيق "الوحدة العالمية" بين أبناء آدم بعد تخطي أصعب الموانع، وهي "القومية" والتعصب الشديد لها.

وكان "كوبرتان" يعتقد بأن الدورات الأولمبية يمكنها أن تفرز السلام العالمي بين شعوب المعمورة. فتسري المحبة والألفة في قلوبهم، وينسون الأحقاد والكراهية التي زرعتها الحروب.

وتعتبر الدورات الأولمبية أهم المسابقات الرياضية العالمية على الإطلاق، فهي الأهم، والأكبر، والأعم، قديماً وحديثاً، انبثقت منها العديد من البطولات العالمية، مثل بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1930م، وبطولة العالم لألعاب القوى عام 1983م.

واستمرت فترة التوقف للدورات الأولمبية نحو 1502عام.إلى أن ظهر النبيل الفرنسي "كوبرتان" الذي قاده علم التاريخ الذي تخصص فيه، بجانب التربية البدنية وعلم النفس إلى عشق التراث الأولمبي، وما يحمله من معانٍ إنسانية وأهدافٍ نبيلة، فدفعه ذلك العشق للنهوض بالدورات الأولمبية من جديد، فظل يكافح ويناضل إلى أن حالفه الحظ في المؤتمر الحاسم للدورات الأولمبية عام 1894م

وسلَّط هذا الفصل الأضواء على الدورات الأولمبية الحديثة. وكذلك المحاولات التي سبقت البارون الفرنسي كوبرتان لإقامة دورات أولمبية في أثينا مهد الدورات الأولمبية القديمة، وإلحاح الفكرة الأولمبية وسيطرتها على البارون وجهاده من أجل النهوض بها من جديد. والمؤتمر الحاسم للدورات الأولمبية وتأسيس أول لجنة أولمبية دولية حديثة، وأول لجنة للإشراف على دورة أثينا أولى الدورات الأولمبية الحديثة، والعقبات الاقتصادية التي واجهت الدورة الأولى والتغلب عليها عن طريق التبرعات، ومحاولة ملك اليونان "جورج الأول"، تثبيت الدورات الأولمبية في أثينا عاصمة اليونان بإيعاز من أثرياء اليونان وأصدقاء "زاباس"، الذين ساهموا في تكاليف الدورة الأولمبية، وإصرار البارون على جعلها عالمية.

أولاً: بعض العوامل التي سلطت الضوء على الدورات الأولمبية.

في أوائل القرن الثامن الميلادي: لفت العلامة الفرنسي "برنار دي منفوكون". الانتباه، إلى البحث في الأطلال الأولمبية، ثم تلاه الألماني "فنكلمان"، الذي نظم بعثة للتنقيب في وادي أولمبيا، ولكن الموت عاجله وهو في طريقه إلى اليونان. وفي عام 1829م، أوفدت الحكومة الفرنسية حملة لليونان، لمعاونتها في حرب التحرير. فنقب بعض أفرادها في وادي أولمبيا. وفي عام 1852م قاد العلامة الألماني أستاذ التاريخ القديم "أرنست كورتيوس"، حملة قوية للتنقيب في أولمبيا، واستطاع أن يقنع تلميذه، القيصر "فريدريش الثالث"، بتنفيذ مشروعه. فأقر البرلمان الألماني الاعتمادات اللازمة. ونجحت البعثة الألمانية (1875ـ 1879م)، في الكشف عن ساحة "الإلتيس" الشهيرة بكاملها، وظهرت أيضاً أطلال معبد الإله "زيوس"، وكان أعظم اكتشاف، هو تمثال "هرميس"، الذي صنعه المثال الشهير "براكستليس"، ووصفه الرحالة "باوزنيوس" في رحلته. كما عثرت البعثة على الكثير من التماثيل.

وفي عام 1829م، استقلت اليونان، وبعد الاستقلال بدأت الحكومة اليونانية، التنقيب في وادي أولمبيا. وبُثت الحياة من جديد في الدورات الأولمبية.

ثانياً: بعض المحاولات التي سبقت البارون الفرنسي في النهوض بالدورات.

1. ألعاب "دينلوك الأولمبية المحلية"، في إنجلترا عام 1850م، ومؤسسها هو الدكتور بيني بروك".

2. الألعاب الأولمبية التي نظمها اليوناني "إيفانجليوس زاباس" Evangelius Zappas عام 1859م.

3. الألعاب الأولمبية الثانية في أثينا باليونان عام 1870م، ونظمهما أصدقاء زاباس.

4. الألعاب الأولمبية الثالثة في أثينا باليونان عام 1875م.

5. الألعاب الأولمبية الرابعة في أثينا باليونان عام 1888م.

ثالثاً: البارون الفرنسي كوبرتان والدّورات الأولمبية

كان النبيل الفرنسي "كوبرتان"، مولعاً بالرياضة منذ صغره، وكانت الرياضة المدرسية في فرنسا غير قادرة على إدخال البهجة في نفوس اللاعبين والمشاهدين، إذ كانت ألعاباً فردية تفتقر إلى الحماس والمتعة، مثل رمي الكرة على الحائط.

ولما قرأ كتاباً مترجماً عن الإنجليزية، تحت اسم "السنوات الدراسية لتوم بروان"، ويتحدث فيه عن مدرس التربية الرياضية "توماس ارنولد"، أحد دعاة الرياضة في إنجلترا الذي كان يحظى بحب كبير من التلاميذ، وكانت المحبة والألفة والتفاهم تسود بينهم. وكان الكتاب يحوي صوراً لألعاب جماعية يمارسها تلاميذ المدارس الإنجليزية، وتبدو السعادة على محياهم، أثرَّت شخصية المعلم "توماس ارنولد " (1795م ـ 1842م) في التربية الإنجليزية، وأثرت أيضاً في البارون الفرنسي كوبرتان، فاتخذه مثلاً أعلى.

وكان "كوبرتان" يعاني في شبابه مما لحق بفرنسا من مهانة خلال الحرب (الفرنسية ـ البروسية) عام 1870م، وأرجع سبب ذلك إلى الحالة البدنية والمعنوية المزرية للشباب الفرنسي.

وفي عام 1887م، بدأ كفاح النبيل الفرنسي من أجل تكوين جيل جديد من الشباب الفرنسي قادرٍ على مواجهة الصعاب والتحديات، وكتب يقول: "منذ القرون الوسطى تسود الأفكار التي تحتقر الجسد، ويعتبر ذلك خطأً فادحاً، وفي النهاية لا ينقسم الإنسان إلى قسمين: إنما إلى ثلاثة أقسام: الجسد، والنفس، والطبع. لقد عرف الأقدمون ذلك، إنما نسيه آباؤنا، أما نحن فنتعلم ذلك بصعوبة". يقول كوبرتان: "إن على الشبيبة تقوية النفس عن طريق تدريب الجسد". وأسس كوبرتان "رابطة التربية البدنية"، وكتب يقول: إن تلاميذنا لا يلعبون لأننا لم نوجد لهم الألعاب الشيقة".

وفي عام 1889م، أوفدته الحكومة الفرنسية إلى بريطانيا لدراسة التربية البدنية، والتقي هناك مع "د. بيني بروك"، الذي أسس ألعاب دينوك الأولمبية المحلية عام 1850م. وبعد ذلك التقى البارون بعالم الآثار "آرنست كورتيوس"، الذي قدم الكثير من المقترحات، وكشف عن آثار أولمبية، فوق جدران المعابد اليونانية. وعاد من إنجلترا، بعدما تخصص في التربية، وعلم النفس، والتاريخ. واهتمَّ بالرياضة البدنية اهتماماً كبيراً، وسعى إلى توسيع العلاقات الرياضية بين الدول، فسعى إلى تحقيق أول لقاء على الصعيد الدولي بين فرنسا وإنجلترا في كرة القدم عام 1891م. وترك هذا اللقاء انطباعاً بأهمية الرياضة في التقارب والتعارف بين الشعوب. وهكذا تبلورت وتطورت الأفكار البارونية وخرجت من المحلية الضيقة إلى العالمية الرحبة.

رابعاً: المؤتمر الحاسم للدورات الأولمبية.

كل المحاولات الجادة التي سبقت البارون الفرنسي، كانت مقدمات جيدة لإزاحة تراكمات السنين عن الدورات الأولمبية وإعادتها من جديد.

ويعتبر يوم الجمعة: 25 نوفمبر عام 1892م، يوم احتفال الاتحاد الرياضي الفرنسي بعيده الخامس، بداية الانطلاقة الحقيقية للبارون الفرنسي "كوبرتان" من أجل النهوض بالدورات الأولمبية من جديد.

وفي عام 1893م، عقد مؤتمر لبحث "الهواية والاحتراف" في باريس، وحضره العديد من مندوبي الدول الأوروبية وأمريكا، ووجد فيه "كوبرتان" ضالته المنشودة، في النهوض بالدورات الأولمبية من جديد، والانطلاق بها نحو العالمية. وسعى للحصول على دعم الدول من أجل إقامة الدورات الأولمبية. فحصل على موافقة بعض المشاركين، واعتراض آخرين.

وفي يوم: 23يونية عام 1894م، أقيم المؤتمر الذي دعا إليه "كوبرتان"، لدراسة ما أسماه "بالمومياء الداخلية"، تحاشياً لذكر الاسم الصريح للدورات الأولمبية، وعقد المؤتمر في القاعة الكبرى بجامعة السربون في باريس، تحت اسم "المؤتمر الرياضي الدولي الأول في باريس" وحضره العديد من مندوبي الدول الأوروبية والأمريكية (79مندوباً). يمثلون 13دولة. وكان الهدف المحدد للمؤتمر، هو دراسة مبادئ الهواية. ولكن "كوبرتان" فاجأ الحضور بوجود فقرة ثامنة من جدول الأعمال متصلة بإقامة الدورات الأولمبية، وعند إلقائها كان الإرهاق قد بدأ على الجميع، فحصل البارون الفرنسي على الموافقة بالإجماع على إحياء الدورات الأولمبية القديمة من جديد، بإجماع المشاركين في المؤتمر، وتشكلت أول لجنة أولمبية دولية، برئاسة اليوناني "فيكيلاس"، مندوب اليونان في المؤتمر، طبقاً للوائح التي وضعها المؤسس الفرنسي البارون "كوبرتان"، وسعى البارون بعد ذلك للحصول على موافقة الكنيسة، على هذا التجديد للمظاهر الوثنية، فتمت الموافقة عليها من قبل "البابا بيوس العاشر". وتقرر في البداية أن تستضيف مدينة المؤسس كوبرتان، أول دورة أولمبية حديثة عام 1900م.

ولكن اليوناني "ديمتروس فيكيلاس"، الذي كان من ضمن الحضور في المؤتمر، ممثلاً لنادي الجمباز اليوناني، استطاع إقناع الحضور بأحقية اليونان في استضافة أول دورة أولمبية حديثة، فتم تعديل موعد إقامة أول دورة أولمبية حديثة إلى عام 1896م، لتقام في مدينة "أثينا" عاصمة اليونان تكريماً لليونان مهد الألعاب الأولمبية القديمة، على أن تقام الدورة الثانية في مدينة "باريس" عاصمة فرنسا، مهد البارون الفرنسي كوبرتان، في موعدها نفسه عام 1900م. وخرجت الفكرة للنور. وأجريت مراسم التأسيس في باريس. واعتمد هذا اليوم تحت اسم "اليوم الأولمبي العالمي".

خامساً: تأسيس أول لجنة أولمبية دولية.

تأسست اللجنة الأولمبية الدولية يوم 23يونية 1894م في مدينة باريس، بعدما قرر المشاركون في المؤتمر، أن تتكون اللجنة الأولمبية الدولية من مندوبي الدول المشاركة في المؤتمر، وكان عددها ثلاث عشرة دولة. وأن يكون رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، التي من أهم مسؤولياتها الإشراف على تنظيم الدورات الأولمبية، من المدينة التي عهد إليها تنظيم الدورة الأولمبية؛ لعدم وجود مقر ثابت للجنة الأولمبية الدولية. وأُسْندت مهمة تشكيل أول لجنة أولمبية دولية إلى المؤسس الفرنسي البارون "كوبرتان"، وبعد ذلك طلب البارون الفرنسي من اليوناني "ديمتريوس فيكيلاس"، مندوب نادي الجمباز في المؤتمر النهوض، لتولى رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية حسب لوائح اللجنة. وتم تنصيب "فيكلاس" مندوب اليونان، أول رئيس للجنة الأولمبية الدولية وتكونت أول لجنة أولمبية دولية من أربعة عشر عضواً: اليوناني المسيو "فيكيلاس"، والبارون الفرنسي "كوبرتان"، والفرنسي "كالو"، والروسي " الجنرال "بوتوفسكي"، والكولونيل السويدي "بارك"، والأستاذ الأمريكي "سلون"، والبوهيمي المسيو "جيري جوث"، والمجري المسيو "فرانك كيميني"، والبريطاني المسيو "هيربرت"، والبريطاني اللورد "أمفيل"، والأرجنتيني الأستاذ " زوبيور"، والنيوزيلاندي المسيو "أ. كف"، والإيطالي الكونت "لوتشسي"، والبلجيكي الكونت "ماكس دي بوسيس".

وتشكلت أول لجنة من سبعة أعضاء للإشراف على دورة أثينا وهم:

1. اليوناني فيكلاس رئيس اللجنة الأولمبية الدولية.

2. الفرنسي البارون كوبرتان أمين اللجنة.

3. الروسي الجنرال بوتوفسكي.

4. الأسوجي الجنرال فكتور بالك.

5. المجري فرانسو كيمينيي.

6. التشيكوسلوفاكي جيري تموت جاركوفسكي.

7. الألماني الدكتور جيبها ردت.

وفي عام 1896م، قدم فيكيلاس استقالته من رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية، بعد انتهاء دورة أثينا مباشرة، حسب اللوائح المنظمة، وتولى قيادتها البارون "كوبرتان"؛ لأن مدينته هي المنظمة للدورة القادمة.

سادساً: الانطلاقة الأولى للدورات الأولمبية الحديثة.

رحبت اليونان باستضافة الدورة الأولمبية الأولى، لأنها جزء من التراث اليوناني القديم، ولكن الموارد المالية اللازمة لمنشآت الدورة الأولمبية كانت عقبة كبيرة؛ لأن اليونان كانت تمر بظروف اقتصادية في غاية الصعوبة. لكن الدورة الأولمبية كانت في غاية الأهمية لليونان، لإحياء التراث الحضاري القديم. ولكن الأب الروحي للدورات، الذي اشتهر بكفاحه الطويل من أجل إعادة الدورات الأولمبية للنور من جديد، سعى إلى تكوين لجنة أولمبية وطنية في اليونان؛ لتساعد في حل المشكلات التي تواجه قيام الدورة، واختار لعضويتها كبار الشخصيات اليونانية ولرئاستها ملك اليونان "جورج الأول"، لكي تستمد قوتها ومصداقيتها من القائمين عليها، وسلطت صحيفة "اكروبوليس" الأضواء على الاجتماع الذي عقد بين رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد يوم: 25/10/1894م، لدراسة موازنة الدورة الأولمبية، ولكن النتائج كانت غير مشجعة، وقالت صحيفة "ايفيميريس": "لن تقام الألعاب في أثينا، اللجنة وجدتها مكلفة، ولن يكون هناك دعم رسمي، لصعوبات مالية جمة". وأدت هذه المقالة إلى هجوم نقدي عنيف، وكتب "سبيريدون باغانيليس" في صحيفة "هيستيا " مقالاً دعا فيه الملك والبرلمان إلى مواجهة الحكومة واللجنة الأولمبية الوطنية، وطالب بالتحقيق في كيفية إنفاق الملايين التي تجنى من الضرائب، وشدد على الحافز التاريخي لتنظيم الدورة الأولمبية الأولى. وكان البارون الفرنسي وقتها في اليونان. وقام البارون بجهود خارقة من أجل إقامة الدورة، وفي الوقت نفسه كان يهيئ فرنسا لتنظيم الدورة، إذا فشلت اليونان في تنظيمها.

والتقى البارون مع ولي العهد الذي قَبِل أن يكون رئيساً فخرياً للجنة المنظمة. وبذل كل من "كوبرتان" و"فيكيلاس" جهداً عظيماً في الخارج، للحصول على دعم بعض الدول الأوروبية. وركز "كوبرتان" من خلال مقالاته على إنها "فكرة للسلام تفتح آفاقاً جديدة"، وخدمة انطلاقة نهضةٍ جديدةٍ للفن، والأدب، والفلسفة، والعلوم، وهي فرصة لتحقيق روح السلام والصداقة بين الشعوب".

وكادت الأمور أن تتوقف، لولا مجيء اليوناني "فيكيلاس" رئيس اللجنة الأولمبية من فرنسا، الذي تحدث للصحافة اليونانية عن أهداف وأسباب تنظيم الدورة في "أثنيا". وختم حديثه الصحفي لصحيفة "أثينيان" قائلاً: "ستقام هنا الآن، وإلاّ لن تبصر النور أبداً، وعلى اليونان أن تقدم شيئاً يُظْهر الفكرة الأولمبية، التي تجسَّدت في القرون الماضية".

ونشرت كل الصحف اليونانية حديثه، وكتبت صحيفة "هيستيا": "الفرصة مهمة للمقارنة بين الماضي والحاضر، "فيكيلاس" و"دي كوبرتان" رجلان شغوفان بالشعب اليوناني، وبالأرض اليونانية وحضارتها، من باريس نطقا بالحق، وعلينا نحن أن نظهر تفوقنا وكفاءتنا. فهب الشعب اليوناني لمساندة "فيكيلاس"، فتألفت لجنة جديدة، عهد بمنصب أمانة السر فيها إلى الصحفي "تيميلون"، وكانت دعوة لوضع الخلافات جانباً "إكراماً للفكرة السامية، فالأمة تقرر مصير مثل هذه الخطوة الوطنية.. والأمة تبارك وتؤيد ذلك"… في: 10/01/1895م. استقال رئيس الحكومة "تريكوبيس"، وتسلم رئاسة الحكومة من بعده "نيكولاوس ديلينانيس" الذي عاش في فرنسا، ومؤمن بالفكرة الأولمبية، وبعد ثلاثة أيام من تولى "نيكولاوس ديلينانيس" رئاسة الحكومة اليونانية، أخذ الملك "جورج الأول" الأمر رسمياً على عاتقه، وأعلن بدء التحضيرات للدورة الأولمبية الأولى. ونهض الجميع بقوة وعزيمة، فسعوا إلى جمع المال من أثرياء اليونان، واختاروا الشخصيات المؤثرة المسؤولة، ليكونوا الرسل للأثرياء، فأرسلوا عمدة أثينا "فيليمون" إلى الثري اليوناني "جورجيوس أفيروف" تاجر القطن المقيم في مدينة الإسكندرية، وكان "أفيروف" عند حسن الظن، فقدم تبرعاً سخياً لإعادة بناء ملعب "باناثنيايكون" الذي بناه "ليكورغو" عام 350ق.م، وهب الشعب اليوناني للمساندة، وتبرع طالب بعشرة دراخم من مصروفه لمدة ستة شهور، وتبرع شاعر بـ 7 قصائد احتفالاً بإحياء الدورات الأولمبية من جديد. وتخطت كل من اللجنة الأولمبية الدولية برئاسة "ديمتريوس فيكيلاس" ونائبه "كوبرتان"، واللجنة المنظمة كل العقبات. وكان للصحافة الدور الكبير والفعال في إقامة أولى دورات العصر الحديث.

وفي يوم الإثنين: 6 أبريل 1896م، انطلق العصر الأولمبي الحديث، في الساعة الثالثة بعد الظهر. بعد أن ارتدى الملك "جورج الأول" ملك اليونان، زي أميرال الأسطول الحربي، وأعلن عن افتتاح "دورة أثينا" الدورة الأولى في العهد الحديث، بقوله :"إنني أعلن افتتاح أولى ألعاب الأولمبياد في عصرنا الحديث" وأثنى في كلمته على جهود البارون الفرنسي "كوبرتان". (انظر صورة أول سباق في العدو).

وكانت مسابقة الماراثون، آخر مسابقة أقيمت في الدورة، وهي المسافة نفسها التي قطعها الجندي "فيليبيدس" ليزف بشرى النصر على الفرس لأهل المدينة، ويسمى السباق باسم مدينة يونانيةـ وفاز بالسباق أول بطل يوناني في العصر الحديث "سبيريدون لويس" وتحول من فقير مغمور إلى ثري مشهور. (انظر صورة اليوناني سبيريدون لويس).

ولقد اختار البارون الفرنسي سباق الماراثون، للتذكير ببطولة الجندي. "فيليبيدس"، الذي قضى نحبه بعد أن أعلن نبأ النصر لأهل المدينة عام 490ق.م، وكان سباق الماراثون خير ختام للدورة بالنسبة لليونان؛ لأن المتسابقين اليونان لم يحققوا أي بطولة في المنافسات التي سبقت الماراثون ـ وشهد ملعب "باناثينايكون". أول افتتاح للدورات الأولمبية الحديثة. وفي الحفل الساهر الذي أقيم بمناسبة اختتام دورة "أثينا"، قال ملك اليونان في كلمته الترحيبية: "أرجو أن يوافق الحضور، على أن تصبح أرض اليونان، مهد إقامة الألعاب الأولمبية الحديثة، كما كانت من ذي قبل. كل أربع سنوات مرة، في مدينة أثينا التاريخية"، وكان ذلك بإيعاز من أثرياء اليونان وأصدقاء "زاباس". ولكن "كوبرتان" أصر على أن يحفظ للدورات الأولمبية صفتها الدولية. وأقرت اللجنة الأولمبية الدولية، في اجتماعها في مدينة "لوهافر" الفرنسية، عقب انتهاء الدورة الأولي.. "تدويل" الدورات الأولمبية.. أي إقامتها في مدن مختلفة من دول العالم.. وأن تتضمن مسابقتها ثلاثة فروع، هي:

1. الألعاب القديمة، التي كانت تقام في مصر القديمة وإمبراطورية روما.

2. الألعاب التي كانت تقام في عصر الفروسية.

3. ألعاب العصر الحديث.

سابعاً: انطلاق الدّورات الأولمبية نحو العالمية.

من المعروف أن النبيل "بيير دي كوبرتان"، فرنسي الجنسية والمنشأ، ورغم ذلك لم يجعل الدورات الأولمبية، شأناً فرنسياً خاصاً، وإنما انطلق بها إلى رحاب العالمية الفسيح فصارت الدورات الأولمبية عالمية على الرغم من أن فرنسا في ذلك الوقت أحوج ما تكون إلى مثل هذه الرياضة التي تبث في الشباب روح القوة والاعتماد على النفس ومواجهة الصعاب وتحملها.. هل السبب يكمن في تجاهل الحكومة الفرنسية؟ التي لم تساند كفاحه من أجل بث الروح من جديد في الدورات الأولمبية؟ أم يكمن السبب في طرح كوبرتان أفكاره عن إحياء الألعاب الأولمبية بين تلاميذه، خلال حلقة دراسية بجامعة السربون عام1892 م، وطالب بإحياء هذه الألعاب، باعتبارها وسيلة تقارب بين الشعوب، لتعزيز السّلام والصداقة، وتنمية قدرات اللاعبين الهواة، وقوبلت الفكرة باستحسان من التلاميذ على الرغم من عدم إدراكهم الكامل للفكرة، أما الكبار فقد سخروا منه، وجعلوه غير قادر على التعبير عنها صراحة مخافة أن يوصم بالجنون.. أم يرجع السبب لتفاعل الدورات وانسجامها مع روح كوبرتان، وإيمانه بها إيماناً شديداً ومآلته على نفسه، ألاّ تنغلق على نفسها وأن تتجاوز هذه القيود الضيقة، وتنطلق مسيرتها نحو العالمية، وقد كان لها ما أراد بحكم صدقه وإيمانه.