إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الأزمة الأفغانية (تاريخيا، وسياسيا، وعسكرياً)

مبحث تمهيدي

أولاً: أبعاد الأزمة

حتى يمكن التعرف على أبعاد القضية الأفغانية بشموليتها، فإن البداية لابد أن تكون من خلال قراءة لتاريخ أفغانستان، في الفترة من حكم حبيب الله (1901 ـ 1919م)، وما بعدها حتى الاحتلال السوفيتي (1979م)، خاصة فترات الحكام الذين أقاموا علاقات قوية مع الاتحاد السوفيتي. فنجد أن أمان الله قد تولى الحكم (1919 ـ 1929م)، وأدخل العديد من الإصلاحات، التي استوجبت منه الاتجاه إلى الاتحاد السوفيتي، من أجل دعم مشروعاته الطموحة لتحقيق استقلال بلاده، فكانت الحرب بينه وبين إنجلترا في 6 (أيار) مايو 1919م، التي انتهت بالدخول في مفاوضات الاستقلال، واعترفت إنجلترا في اتفاقية "روالبندي" باستقلال أفغانستان، وبذلك حقق أمان الله حلم عمره، باستقلال بلاده.

في الفترة ما بين (1929 ـ 1933م)، تولى الحكم محمد نادر شاه، وهي فترة قصيرة إلاّ أنه حقق خلالها قدراً كبيراً من استقرار البلاد وأمنها. ولكنه اغتيل عام 1933م، وتولى ابنه محمد ظاهر شاه بعده الحكم. وتُعد فترة حكم ظاهر شاه، أطول فترة حكم يتولاه ملك، حيث استمرت إلى عام 1973م. وكانت أهم الفترات، تلك التي تولى فيها رئاسة الوزارة ابن عمه محمد داود (1953 ـ 1963م)، واتسمت بتطور العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، لأن محمد داود كانت له رؤية مستقبلية طموحة لأفغانستان لكن أسلوبه في إدارة البلاد كان يتسم بالديكتاتورية، وتقليص مساحة الديموقراطية الممنوحة للشعب. واضطر الملك ظاهر شاه أن يقيل محمد داود، لاختلافهما في أسلوب حكم البلاد، وعين بدلاً منه محمد يوسف رئيساً للوزراء. وكانت مهمته الرئيسية وضع دستور جديد للبلاد. وتجلت في دستور عام 1964م، إرادة الملك ظاهر شاه في منح بعض الحريات العامة. وكانت هذه الحريات هي بداية تكوين الحزب الشيوعي، الذي كان له دور كبير في الانقلاب، الذي قاده محمد داود عام 1973م. وبذلك تم القضاء على الملكية، وتحولت أفغانستان إلى جمهورية، وعيّن محمد داود أول رئيس لها. وكان الفضل الكبير للشيوعيين، في نجاح هذا الانقلاب، فكانت مكافأة داود لهم أن أشركهم في الحكم، بعدد كبير من الوزراء والمناصب الرسمية، مما أتاح لهم فرصة السيطرة على أجهزة الدولة ومرافقها.

وفي (نيسان) أبريل 1978م، ثار حزب الشعب الديموقراطي على محمد داود، وقتله، ثم تولى محمد تراقي مقاليد الحكم، ومعه بابراك كارميل، وحفيظ الله أمين. وتوالت الخلافات بين الثلاثة، إلى أن استطاع أمين التخلص من منافسيه الاثنين، وتولى الحكم في ظل اضطرابات كثيرة جراء أسلوبه التعسفي ضد معارضيه. وفي 27 (كانون الأول) ديسمبر 1979، احتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان عسكرياً، وتولى كارمل رئاسة الدولة، ومعها ميراث من التوترات والقلاقل. حاول كارميل، بمعاونة الاتحاد السوفيتي، القضاء على الجهاد الإسلامي ولكنه فشل وتحولت أفغانستان إلى ميدان قتال، تصارعت فيه القوات السوفيتية ومعها القوات الحكومية، ضد فصائل الجهاد المختلفة.

وفي الخامس عشر من (شباط) فبراير1989م، اكتمل جلاء آخر جندي سوفييتي من أفغانستان، إلاّ أن الصراع المسلح لم ينته، بل تحول إلى حرب أهلية، أطرافها فصائل المجاهدين أنفسهم. وجرى توقيع أكثر من اتفاقية بين المجاهدين، من أجل وضع حد للحرب الأهلية، إلاّ أنها جميعها فشلت. حاولت الأمم المتحدة إقناع فصائل الجهاد بأهمية وضع حد لهذه الحرب، بعد أن عمّ الخراب والدمار أفغانستان بالكامل. وأصبح إعادة الإعمار أمراً في غاية الصعوبة، خاصة أن موارد البلاد محدودة، ولا تستطيع الاعتماد على مشروع عالمي، إلاّ بعد الاستقرار التام. واستمر الوضع المتدهور، وتشكلت أكثر من حكومة، إلى أن ظهرت حركة الطالبان، التي استولت على ثلاثة عشر إقليماً، من أصل 29 إقليماً أفغانياً. إلاّ أن وضعها أمام المحافل الدولية، لا يزال معلقاً. وقد تباعد المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة، عن القضية الأفغانية، لاستمرار النزاع المسلح بين الفصائل المختلفة.

ثانياً: جغرافية أفغانستان

تقع أفغانستان في آسيا الوسطى، ويبلغ عدد سكانها حوالي 22 مليون نسمة. يحدها الاتحاد الروسي من الشمال (طاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمنستان)، وإيران من الغرب، وباكستان من الشرق والجنوب، والصين من الشمال الشرقي. وعلى الرغم من أنها دولة حبيسة، إذ لا توجد لها شواطئ، إلاّ أنها يُمكن أن تُستخدم من قبل الاتحاد الروسي، كمعبر إلى المياه الدافئة في المحيط الهندي الذي يُعد الوصول إليه أحد أهدافه الإستراتيجية طويلة المدى، منذ الحكم القيصري.

ويعتمد الاقتصاد الأفغاني، بشكل أساسي، على الزراعة وتربية الماشية، إضافة إلى الموارد الطبيعية، مثل الغاز الطبيعي، والنفط، والحديد، والنحاس، والفحم، واليورانيوم، والأحجار الكريمة، التي لم تُستخرج بعد، بسبب قلة الاستثمارات في هذا المجال.

ويشكل الفلاحون 85% من السكان، ويعيشون في حالة فقر بسبب النظام الإقطاعي، ونمو قوة الإقطاعيين. وتدل الإحصائيات أن أفغانستان من أفقر 20 دولة في العالم. وتبلغ نسبة الأمية في أفغانستان حوالي 97%، مما أدى إلى تدني المستوى الثقافي والوعي السياسي.

1. مظاهر السطح

تعتبر جبال هند كوش أهم مانع طبيعي في أفغانستان، وهي سلسلة جبال تمتد كحائط صخري، على شكل قوس يصعب اجتيازه، ويمنح البلاد حدوداً طبيعية لا يمكن اختراقها. ويتراوح ارتفاع هذه السلسلة الجبلية من 3900 م حتى 6300م.

ويخترق ممر واكان شرقاً، هذه السلسلة الجبلية، ثم تتجه غرباً نحو الحدود الإيرانية حيث تتوزع إلى اتجاهات مختلفة، أحدها يتجه نحو الشمال الغربي حيث يصل ارتفاعه إلى أربعة آلاف متر، والأخرى تتجه نحو الجنوب الغربي حتى تلتحم بالمرتفعات الجنوبية. على طول الحدود الشرقية توجد مجموعة أخرى من الجبال، تحتجز الرياح القادمة من المحيط الهندي مسببة الجفاف لمناطق شاسعة من البلاد.

وترجع أهمية جبال هند وكوش، إلى أنها تقسّم أفغانستان إلى ثلاثة أقاليم:

أ.الأقاليم الشمالية: وهي منطقة السهول والتلال الخصبة، وتنحدر تدريجياً نحو نهر أمو دريا.

ب.الأقاليم الجنوبية: حيث أقاليم الهضاب العالية والصحاري.

ج.الأقاليم، الوسطى: تتميز بجبالها الشامخة ووديانها الضيقة الطبقات العميقة.

وتعتبر أفغانستان بلاد الجبال العالية، ما عدا مساحة صغيرة منها هي التي على طول نهر أمو داريا في الشمال، ودلتا نهر هليمند، في الجنوب الغربي، أما القسم الأكبر من البلاد، فهو هضاب عالية يبلغ ارتفاعها حتى 4000م؛ أما الصحارى فتقع في الجنوب الشرقي.

2. الأنهار

أفغانستان من البلاد القليلة المياه، فأنهارها صغيرة بشكل عام، ولا يوجد بحيرات كبيرة. وتنبع أنهار أفغانستان من الجبال الوسطى، حيث تتوزع على مختلف أنحاء البلاد، إلاّ أن أغلب الأنهار تصب في البحيرات، أو تجف في المناطق الرملية. وأهم الأنهار هي:

أ. نهر هيلمند، وهو أطول أنهار أفغانستان، وطوله 1600 كم، ويتجه نحو الجنوب ليختفي في منطقة هامون سابيري، في بحيرة داخلية تقع على الحدود مع إيران.

ب. نهر أمو داريا، وهو نهر مشترك مع الاتحاد الروسي، ويمتد لمسافة 1000 كم على الحدود الأفغانية السوفيتية، حيث يشكل حدا طبيعياً فاصلاً بين البلدين.

وإضافة إلى هذين النهرين، توجد بعض الأنهار الثانوية، مثل نهر كابل، ونهر هاريدود.

3. السكان (أنظر شكل توزيع القبائل)

يسكن أفغانستان حوالي 24.250.000 نسمة، خليط من شعوب ذات أصول عرقية مختلفة. وقد وصفها المؤرخون بأنها "موزاييك شعوب"، وينقسم شعبها من الناحية العرقية، إلى الأنواع الآتية:

النوع الأول: هندو أوروبي، (ويشمل هذا النوع شعوب الباشتون، والطاجيك، والنوريستان، والبلوش).

النوع الثاني: تركو مغولي، (يشمل جماعات الهزارا، والتركمان، والأوزبك، والأيك، والقرقيز).

النوع الثالث: وهناك مجموعة ثالثة تعرف "بالبراهوز"، وتشمل جزءاً ضئيلاً من السكان.

أ. الباشتون (الباتان)

هم السكان الأصليون لأفغانستان. ويشكلون حوالي 58.7% من إجمالي السكان، أي حوالي 12 مليون نسمة، منهم 8 ملايين في أفغانستان، و4 ملايين في باكستان. ويعيش الباشتون في جنوبي البلاد وشرقها وشمالها. وفي باكستان يتمركزون في شمالها الغربي. ويعتقد الباشتون أنهم و"بتان باكستان" من جد واحد، وأن القبائل هناك نزحت من أفغانستان إلى باكستان، أي أنهم شعب واحد، وهو ما أوجد المشكلة الحدودية بين البلدين. وينقسم الباشتون في أفغانستان، إلى اتحادات قبلية أهمها: الدورياني والقلذائي. أما في باكستان، فيتمركز الباتان فيما يعرف بمقاطعة الحدود الشمالية الشرقية (كوتيا)، بين جبال ســليمان ونهر الهندوس.

وأغلب السكان من الباشتون نصف الرُّحَّل، ولكن تنقلاتهم محدودة، ومرتبطة بزراعتهم في أعماق الوديان. ويتنقل الباتان والباشتون بين باكستان وأفغانستان عبر الحدود، التي يبلغ طولها 1400كم، بلا تصاريح. ويرى الباتان أنفسهم حماة ممر خيبر. وينقسم السكان إلى قبائل، وتُعد القبيلة أساس المجتمع الأفغاني، فهي التي تؤمن له حقوقه، من استخدام لأرض القبيلة؛ وكذلك التحدث بمجلس القبيلة، وأكثر المنازعات بين هذه القبائل تحل عن طريق رؤساء القبائل. ورجال الباتان مشهورون بتمسكهم بالدين الإسلامي، والمحافظة على التقاليد، وعدم ظهور النساء إلاّ وهن محجبات. وهم محاربون يحملون السلاح دائماً، ويشبهون رجال القبائل اليمنية.

ب. الطاجيك

ويشكل الطاجيك حوالي 28.7% من سكان أفغانستان، و يمتد وجودهم إلى طاجيكستان، ويقال إن هذا العنصر نتيجة اختلاط العرب بالفرس، وأغلبهم مزارعون على درجة عالية من المهارة، ومنهم حرفيون، ويتمركزون في شمال شرق أفغانستان، وتتوزع مجموعات منهم في مختلف المناطق. والمقيمون منهم يقطنون السهول، أما نصف الرحل فيقطنون الوديان العالية، وهم غير مقسمين إلى قبائل، كما هو الحال لبقية الأفغان. ويقطن جزء منهم في منطقة ممر واكان، ويعيشون عيشة بدائية.

ج. الهازارا

يشكل هؤلاء مجموعة عرقية متميزة، ويحتلون كل القسم الأوسط من القوس الجبلي، بالقرب مـن كابل. ويقال إن أصول الهازارا جاء نتيجة للتعايش بين العناصر المنغولية ـ التي تسربت إلى هذه الجبال أثناء الغزوات المنغولية ـ مع شعب له أصول إيرانية، كان يعيش على الزراعة في هذه المنطقة. وقد استطاع امتصاص الغزاة المنغوليين ثقافياً وعرقياً ولغوياً. ويحافظ هذا الشعب على أصوله الشيعية. وبسبب قلة المساحة، التي يقطنها الهازارا ووعورتها، وازدياد الكثافة السكانية، فالكثير منهم يهاجرون على نطاق واسع إلى مختلف أنحاء البلاد. لذلك، يمكن رؤيتهم في كل مدن أفغانستان، كعمال وتجار صـغار وهم يتكلمون اللغة الفارسية بلهجة الدري.

د. النورستاني

ظلوا وثنيين حتى القرن التاسع عشر، ثم انضموا لأفغانستان، واعتنقوا الإسلام في عهد عبدالرحمن خان، ومن ثّم أطلق عليهم النورستاني، أي من ينتسبون إلي بلاد النور. وهم يتمركزون شمال شرقي كابل، ويُعدون أكثر الأقسام العرقية استقراراً وتقدماً.

وفي الشمال من سلسله جبال الهندوكوش، يغلب الجنس التركي على السكان، وأكثر الفروع عدداً هم الأوزبك. ويمتد وجودهم إلى أوزبكستان ويبلغ تعدادهم 15% من عدد السّكان، وأغلبيتهم تعمل بالزراعة. وهم مستقرون، يقطنون الواحات، التي تروى من سفوح الجبال. والقسم الأكبر منهم من بقايا الطاجيك، الذين أصبحوا أتراكاً بمرور الزمن، في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ويوجد أيضا التركمان (حوالي 200 ألف شخص)، في الشمال الغربي على حدود تركمنستان، وينحدرون مباشرة من الفاتحين الأتراك في القرون الوسطى. وهناك، أيضاً القرقيز حول ممر واكان (12000 نسمة)، في أقصى الشــمال الشرقي للبلاد.

إضافة إلى ما سبق، توجد مجموعات من التركمان والأوزبك في شمال البلاد، ترجع أصولهم إلى وسط آسيا، ويتحدثون اللغة التركية. وهم من المسلمين السنة، وينتمون بقوة للأوزبك والتركمان بالاتحاد الروسي، ويمتزجون بشكل واضح مع الطاجيك والهازارا، في مناطق التماس بين القبائل المختلفة. ويوجد في الجنوب، والجنوب الشرقي، حوالي 20 ألف من البلوش، يتحدثون البلوشي، وهي لغة تنتمي إلى الفارسية، والأغلبية منهم يعيشون في بلوشستان الباكستانية والإيرانية.

هـ. القبلية

بسبب هذه الأوضاع والظروف المعيشية الصعبة، تكونت كيانات قبلية لا مركزية، في إطار من القانون الاجتماعي القبلي، الذي يقاوم أي تدخل خارجي. فإذا نشب خلاف داخل القبيلة، يُحتكم إلى الجيرجا المحلية، التي تتكون من قضاة جرى اختيارهم من طبقة أصحاب الأملاك والقادة المحليين، على أن يؤخذ رأي علماء الدين للتأكد من تطابق رأي المجلس مع الشريعة الإسلامية، إلاّ أنه رأي استشاري غير ملزم، إذ في حالة التعارض بين رأي المجلس وعلماء الدين، يتم ترجيح الأول على الثاني.

واتصالاً لدور الجيرجا على المستوى المحلي، أصبح الشعب الأفغاني عندما تواجهه أزمة على مستوى الدولة، أو حالة طارئة، يدعو إلى ما يسمى لويا جيرجا، وهو المجلس الوطني، الذي يضم أعضاء منتخبين من القبائل والولايات المختلفة، وأعضاء معينين هم زعماء القبائل، وزعماء دينين من ذوي النفوذ، ووزراء، وقضاة من المحكمة العليا، ومثقفين، وممثلين عن المرأة والأقليات. ويترأس الملك الجيرجا، وفي حالة غيابه يطلق عليه "مجلس ممثلي الشعب". وبذلك يُعد الجيرجا نظاماً تقليدياً، يتقيد بالأعراف والتقاليد الاجتماعية، التي تسمح بإمكانية إدخال تعديلات، إذا اقتضت الظروف ذلك. وهو بذلك يختلف عن نظام الشورى الذي جاء به المجاهدون.

وقد شُكل المجلس الوطني تسع مرات، كان آخرها في عامي (1979، 1981م)، بعد القضاء على النظام الملكي، ونفي الملك ظاهر شاه. وعقدت الجلسة الأولى عام (1979م) في بيشاور، والثانية عام (1981م) في كويتا. وكان الهدف من الاجتماع اختيار زعيم يتمتع بشعبيه في أفغانستان، يتولى مسؤولية توحيد الشعب الأفغاني، من أجل قيادته لتحرير البلاد من الاحتلال السوفيتي.

والملاحظ، أن أفغانستان تتعدد فيها القبائل، في إطار حدود شبه سياسية، لا تصل بينهما علامات واضحة، خاصة على حدود الدولة، حيث لمعظم هذه القبائل امتداد في دول الجوار (باكستان، إيران، طاجيكستان، أوزبكستان، تركمنستان).

وفيما يتعلق بالمواطن الأفغاني، فأبرز سماته الاستقلالية، في حياته الاجتماعية، وحرية الرأي والتعبير في دائرة الانتماء المحلية، وهي القبيلة. ومن ثم فهو يرفض الديكتاتورية، وإذا ما حدث، ولجأ إليها أحد زعماء القبــائل، فيعد هذا خروجاً عن التقــاليد. وقد نـجد في محصـلة هذه السـمات، تفسـيراً لاستمرار كل حزب من أحزاب المقاومة في السيطرة على موارده، سواء العسكرية أو المدنية.

4. طبوغرافية الأرض

تُسبب طبوغرافية الأرض الأفغانية أثاراً سلبية، على وحدة الدولة وتماسكها. فالطبيعة الجبلية المنتشرة في أنحاء البلاد، إضافة إلى سلسلة جبال الهندوكوش، التي تقسم الدولة، تؤدي دوراّ مهماً في تحديد سماتها، وشكل العلاقة بين السلطة والشعب. فالشعب الأفغاني يتوزع في آسيا (عرقياً، مذهبياً، جغرافياً) يكاد كل منها يشكل مجتمعاً قائماً بذاته، ومتبايناً نسبياً في خصائصه، ومنها درجة الحرية الاجتماعية. ويمكن القول: إن كل تجمع أو كيان يحاول الحصول على إدارة ذاتية تقارب الحكم الذاتي، هذه الذاتية في إدارة شؤونهم لابد وأن يكون لها آثارها السلبية على حساب الإدارة المركزية للــدولة الأفغانــية.

إن طبوغرافية الأرض على هذا النحو، سوف يكون لها دور رئيس، في الأخذ بنظام اللامركزية في الحكم، بل وربما تشجع على إقامة اتحاد فيدرالي بين الأقاليم المختلفة[1]، في إطار توازن القوى بين سلطة مركزية في كابل، وسلطات محلية في الأقاليم. (أُنظر خريطة التقسيمات الإدارية في أفغانستان)

ومن ناحية أخرى، فسلسلة الجبال هذه، يمكن أن تؤدي إلى تقسيم البلاد، بين جنوب فقير في موارد الطبيعة وتقطنه قبائل الباشتون، وشمال غني تقطنه طوائف عرقية أخرى، وبخاصة أن الشمال يحظى بأهداف إستراتيجية (ممر خيبر، وممر سالانج، ووادي بنجشير)، والذي يسيطر على هذه الأهداف يتحكم في المنطقة. ونظراً لهذه الطبيعة الجبلية، فإن أعمال القتال يغلب عليها حرب العصابات، حيث يصعب على الجيوش النظامية تحقيق نصر حاسم، إضافة إلى أن الأخطار، التي يتعرض لها المواطنون تجبرهم على حمل السلاح الشخصي بصفة دائمة، مع اعتزازهم به، ورفضهم أن ينزع تحت أي ظروف، وهذه هي سمات التنظيم القبلي، الذي من خلاله تتم سيطرة الدولة.

5. المدن الرئيسية

من الملاحظ أن جميع مدن أفغانستان تقع على أطراف الدولة، ولا يوجد في وسطها تجمع سكاني كبير. وهذه المدن ذات تاريخ، فقد كان بعضها عواصم كبيرة، ولا تزال آثار هذه العواصم القوية موجودة، تدل على عظمة الدولة، التي كانت تتمركز فيها. ومن أهم العواصم القديمة، مدينة غزنة، التي كانت عاصمة للغزنونيين، وبلخ عاصمة تيمورلنك، وكلتا المدينتين أصبحتا قريتين صغيرتين، بعد أن فقدتا الأهمية السياسية والتجارية. ونظراً لكثرة الغزوات، التي تعرضت لها أفغانستان، خاصة المنغولية بقيادة جنكيزخان ومن بعده تيمورلنك، فقد جلبت تلك الغزوات الدمار والخراب للمدن الأفغانية، وهو دمار مازالت آثاره باقية حتى الآن. وتتمثل أهم هذه المدن في الآتي:

أ. كابل

وهي عاصمة البلاد، وتُعد المدينة الرئيسية الأولى، وتقع جنوب جبال الهندوكوش، كملتقى للطرق التجارية، التي تربط دول الجوار بعضها ببعض. وأيضاً تربطهم بالدول العربية، من خلال باكستان وإيران. وهي مقر الحكومة المركزية، ويبلغ تعدادها حوالي 500 ألف نسمة. وقد أقيمت على طرفي نهر كابل، الذي يخترق شوارعها. وتقع المدينة القديمة جنوب النهر وشوارعها ضيقة، أما الأحياء التي تقع شمال النهر، فأحياء عصرية، ومساكنها على شكل فيلات، كل منها له حديقته الخاصة.

وتمثل كابل المركز الاقتصادي والثقافي لأفغانستان، وتقع فيها كل البنوك وأغلب المراكز التجارية والصناعية، التي تمتد شرقي المدينة. ولا يوجد طابع خاص يميز المدينة، سوى النهر الذي يخترق المدينة القديمة، وفوقه شيدت حوالي ستة جسور.

ب. قندهار

تقع جنوب غربي كابل، بالقرب من الحدود الباكستانية، ولها أهمية تاريخية وتجارية، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 150 ألف نسمة؛ والمسافة بينها وبين كابل حوالي 500 كم. ولقندهار مكانة كبيرة لدى الأفغان، إنها أكثر بلدان أفغانستان ثورية، فهي بلد تاريخي معروف، فهي معروفة بأنها بلد يصنع الثورات، ولعل جميع الثورات التي نشبت في أفغانستان ضد السلطات الغاشمة الأجنبية، التي تحكم البلاد، بدأت من قندهار.

ج. هرات

وبعد مدينة قندهار تأتي مدينة هرات، وتعدادها حوالي 10 آلاف نسمة، وتُعد المدينة الثالثة في أفغانستان. وهي مدينة عريقة، تقع غرب أفغانستان وهي مركز ثقافي وتجاري للمنطقة الغربية، وهمزة وصل بين أفغانستان وكل من إيران والاتحاد الروسي.

د. مزار شريف

وفي شمال جبال الهندوكوش، توجد مدينة مزار شريف، وهي مدينة بلخ القديمة، عاصمة تيمورلنك، ولا تزال آثاره موجودة في مدينة بلخ، ويقدس السّكان ذكراه. وكانت مزار شريف رمزاً للمقاومة الإسلامية ضد الغزو في عصر القياصرة. ولقربها من الاتحاد السوفيتي (سابقاً)، أنشئت قنصلية سوفيتية بها.

وإضافة إلى ما سبق، توجد عدة مدن صغيرة، أهمها غزنه التاريخية، عاصمة السلطان محمود الغزنوي[2]، ثم مدينة جلال أباد.

6. اللغات واللهجات

أ. لغة الباشتو

وهي اللغة الأفغانية الرسمية، ويتكلم بها حوالي 12 مليون أفغاني، منهم 8 مليون في أفغانستان، والباقي في باكستان. وهي ذات لهجات متعددة، أهمها لهجتان رئيستان: المجموعة الجنوبية، وتتكلم بها القبائل الأفغانية، التي تعيش في شرق أفغانستان وشمالها، أما الثانية وتسمى الباختو ـ باستبدال الشين بالخاء ـ وتتكلم بها قبائل باكستان. ويظهر على لغة الباشتو التأثيرات الهندية، كما أنها تحتوي على عدد كبير من الكلمات العربية والفارسية، وظهرت في القرن الثامن عشر، مع ظهور ملامح الدولة الأفغانية. وفي عام 1936م، أصبحت اللغة الوطنية.

ب. لغة الدري الفارسية

وهي امتداد للغة الفارسية الإيرانية، ويستخدمها ثلث السكان تقريباً (الطاجيك، والهازارا، وشعوب أخرى)، وتُعد اللغة الرسمية الثانية. أما اللغات الأخرى، فهي لغة النورستاني، ثم لغة البلوش، وعدد آخر من اللغات ذات الأصول الهندية.



[1] تتكون أفغانستان من 29 إقليماً هي: پغلان، بدخشان، بلخ، كابل، بادغيس، باميان، شاخانسور، غزنه، الغور، فرح، فارياب، هلمند، هرات، قندهار، كبيسه، كتوز-ارگون، كونا، كنوز، لغمان، لگر، ننگرهر، باختيا، باروان، جوزجان، سمنگان، تخر، اورزگان، وردك، زابل.

[2] سمي السلطان المجاهد لكثرة غزواته ولقبه الخليفة بيمين الدولة، وكان لديه جيش كبير، وقد ازدهرت غزنة في زمنه وأصبحت مركزاً ثقافياً، وقد توفي عام 1030م. تاركاً إمبراطورية مترامية ضمت خوارزم، وخراسان، وأصفهان، وكرمان...، وبعـد وفـاته اختلف أولاده السبعة مما أضعف الدولة أمام أعدائها وبخاصة السلاجقة، والغوريون، وأخيراً اضطر آخر ملوكهم خسروه شاه لترك مدينة غزنة متوجهاً إلى البنجاب، واتخذ لاهور عاصمة له.