إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الأزمة الأفغانية (تاريخيا، وسياسيا، وعسكرياً)

المبحث الثالث

التداعيات على دول الجوار الإقليمي

تُعد أفغانستان دولة حبيسة بالمفهوم الجغرافي، أي لا تطل على بحار أو محيطات تربطها مباشرة بالعالم الخارجي. وقد كان لهذا الموقع آثار كبيرة على علاقة أفغانستان بدول الجوار، حيث من المهم أن تكون هذه العلاقات على مستوى من الوفاق، يمكّنها من تحقيق مصالحها الحيوية.

يحد أفغانستان ست دول، (طاجيكستان وتركمنستان وأوزبكستان شمالاً، والصين من الشرق، وباكستان جنوباً)، وإيران غرباً؛ باكستان وإيران دولتان يجمعهما الدين الإسلامي، ويبعدهما عن بعضهما أنظمة الحكم المختلفة والمذاهب المتعددة.

أولاً: باكستان

كانت الأوضاع السياسة الداخلية في باكستان ـ خلال فترة التدخل السوفيتي في أفغانستان ـ من أبرز العوامل، التي أثرت على حجم الدعم الأمريكي (عسكري ـ اقتصادي) لباكستان، خاصة حينما تتعارض توجهات السياسة الباكستانية مع خط الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى الرغم من الاختلاف بين وجهتي النظر الأمريكية والباكستانية، حول قيمة المعونة ونوعية الدعم العسكري، إلاّ أن العرض الأمريكي ـ على الرغم من قلته ـ كان موضع نقد شديد من جانب المعارضين لحكومة الرئيس ضياء الحق. من منطلق إمكانية استخدام هذه الأسلحة في القضاء على ثوار أقاليم بلوخستان ـ المتاخم لأفغانستان ـ الذي يتطلع إلى تحقيق الحكم الذاتي('نزيرة الأفندي، ` باكستان وأحداث أفغانستان`، السياسة الدولية، العدد الرقم 60، أبريل 1980، ص 68.'). ولا شك في تأثير التوتر السياسي، في منطقة الحدود المشتركة التي تشكل أضعف الحلقات، حيث يكون من السهل انهيارها. لذا فإن باكستان، دائماً ما تكون حريصة على حدودها، خشية تكرار مأساة بنجلاديش، التي تركت مرارة وحسرة في النفوس. وتصر المعارضة الباكستانية أن مشاكل الحدود لن تحل، إلاّ بزيادة مساحة الديموقراطية، والعمل بالقوانين المدنية، وإلغاء قوانين الطوارئ. إضافة إلى السماح للأحزاب، بممارسة نشاطها السياسي. إن فكر المعارضة يركز على أهمية التعرف على مطالب رجال القبائل والثوار في إقليم بلوخستان، وحجتهم في ذلك، أنه كيف يتاح لدولة ما أن تخوض معركة التنمية والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، إذا كان شعبها في صراع داخلي مستمر ويعاني من وسائل، القمع العديدة. ولقد عبّر مواطنو إقليم بلوخستان عن شعورهم السلبي تجاه الخطر السوفيتي القابع على حدودهم بقولهم('نزيرة الأفندي، ` باكستان وأحداث أفغانستان`، ص 69.').

"… إنه ليس ثمة ما يفقده مواطنو بلوخستان من جراء الغزو السوفيتي، فقد عوملوا لسنوات طويلة كمواطنين من الدرجة الثانية، يعانون من الإهمال الاجتماعي والاقتصادي، ومن ثَمّ لا تكفي العودة إلى الحياة الديموقراطية، وإنما يجب أن يحصل أهالي هذا الإقليم على حقوقهم في إطار الاتحاد الفيدرالي. وحينئذ سيكون الأمر أكثر صعوبة أمام الاتحاد السوفيتي، إذا فكر في عبور الحدود الباكستانية، إذ سيجابه بحرب عصابات".

وإذا انتقلنا إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية، نجد إنها من أهم العوامل. فالتوتر السياسي، الذي يسود البلاد، يمكن أن يقمع أو يواجه بأسلوب أو آخر، أما ثورة الفقراء أو الجياع، كما يطلق عليها، فإنه من الصعب السيطرة عليها لأنها تشبه القنبلة الزمنية القابلة للانفجار في أي لحظة.

وتُعد باكستان من دول العالم الثالث الفقيرة، وإن كان حجم إنفاقها العسكري، خاصة على السلاح النووي، يُعدُّ أكبر من مواردها، لكنها تُسوِّغ ذلك بحجم المشاكل التي يمكن أن تواجهها من الهند. لذا، فإنها تعتنق إستراتيجية عسكرية، تؤكد على أن أمنها القومي مهدد طالما أن الهند تمتلك القدرة النووية، ومن ثم فإنه لزام عليها أن تمتلك هذا السلاح النووي، مهما كانت تكلفته أو عواقب هذا التملك. وقد كانت باكستان تعتمد على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، إلا أنها قطعت عنها عام 1979م، كوسيلة ضغط للتخلي عن صناعة قنبلة نووية إسلامية، مما دفعها إلى التوجه إلى مصادر الاقتراض المختلفة، ذات أسعار الفائدة المرتفعة.

هذه الأسباب أجبرت ضياء الحق، إلى المطالبة بمزيد من المساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن دول أخرى صديقة، إلا أنه دائماً ما تفرض الدول المُقرضة شروطاً وقيوداً عديدة.

لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، ممارسة كل أنواع الضغوط المادية والأدبية، من أجل تخلي باكستان عن برنامجها النووي. فالضغوط المادية، كانت من خلال قطع المعونات الاقتصادية والعسكرية، أما الأدبية فقد حاولت الضغط على الدول التي تقوم بالتعاون مع باكستان في المجال النووي.

وعلى الرغم من العقبات، التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية في طريق باكستان، وأدت إلى تدني العلاقة بينهما، إلى درجة قطع المساعدة الاقتصادية في أبريل 1979م، وكانت تقدر بـ 45 مليون دولار، إلا أن التدخل السوفيتي في أفغانستان، أحدث تغييراً حاداً في العلاقة. وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة رسم سياستها الخارجية تجاه باكستان، بما يحقق أهدافها في تحجيم المد الشيوعي لدول أخرى.

1. تطور العلاقات الباكستانية ـ الأفغانية

تؤكد الأحداث أن بداية التقارب بين أفغانستان والاتحاد السوفيتي، كان بسبب المشاكل الحدودية مع باكستان. فالمعروف أنه بنهاية القرن التاسع عشر، ومع تزايد ضغط الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية بخصوص ترسيم الحدود بين الهند وأفغانستان، تنازلت أفغانستان عن بعض الأراضي (حالياً مناطق البلاشستان الباكستانية). وبعد إعادة تقسيم الهند عام 1947م، وانفصال باكستان، طالبت أفغانستان باستعادة الأراضي، التي تم التنازل عنها تحت الضغوط المختلفة، مدعية أن الاتفاقيات والمعاهدات، التي أبرمت من أجل الحدود، قد تم توقيعها تحت ضغوط استعمارية من أجل ترسيم الحدود مع الهند، وليس باكستان.

وتدهورت العلاقات الباكستانية الأفغانية، نتيجة عدم استجابة باكستان لطلبات أفغانستان، الأمر الذي دفعها إلى طلب الدعم العسكري من الاتحاد السوفيتي لحل هذه المشكلة.

بدأت العلاقات بين البلدين في التحسن، فور تولي محمد داود الحكم عام 1973م. وكانت بداية التحسن ما قدمه بوتو من معونات إنسانية لمواجهة الزلزال، الذي حدث في أفغانستان عام 1975م. وفي 20 (آب) أغسطس عام 1976م، زار محمد داود باكستان، من أجل دعم العلاقات الثنائية.

في أواخر عهد محمد داود، كانت العناصر الشيوعية قد بدأت في التغلغل داخل نظام الحكم، وأحكمت سيطرتها على معظم الإدارة الحكومية في أفغانستان. وبدأت في فتح أبواب المعتقلات أمام الإسلاميين، الأمر الذي دفع بأعداد كبيرة من المضطهدين إلى اللجوء إلى باكستان، في محاولة للتخلص من عذاب نظام الحكم في أفغانستان.

في (نيسان) أبريل 1978م، ومع وصول النظام الشيوعي إلى الحكم، شعرت باكستان بالخطر الأحمر القادم إليها من اتجاه أفغانستان. وتولدت لديها قناعة، خاصة مع تدفق الأعداد الكبيرة من المهاجرين إلى بلادها، ومع ازدياد أعداد الخبراء السوفييت والمعدات العسكرية المتجهة إلى أفغانستان، بأن احتمالات التدخل المباشر للسوفيت في أفغانستان أصبحت وشيكة.

في 19 (أيلول) سبتمبر 1978م، عقد لقاء بين ضياء الحق ونور محمد تراقي، في باجنام بالقرب من كابل، بهدف تحسين العلاقات بينهما، والتأكد من حسن نوايا النظام الثوري في أفغانستان. واعتباراً من تاريخ توقيع اتفاقية التعاون والصداقة، بين الأفغان والسوفيت في الخامس من (كانون الأول) ديسمبر 1978م، وحتى الاحتلال السوفيتي لأفغانستان عام 1979م. كانت باكستان تستشعر بخطورة الموقف حيث وجدت نفسها محاصرة بين دولتين حليفتين للاتحاد السوفيتي (الهند وأفغانستان) بل إحداهما محتلة بالكامل.

وأكثر ما خشيت منه باكستان، هو محاولة الاتحاد السوفيتي تعقب المجاهدين داخل أراضيها بحجة ضرب معسكراتهم وخطوط إمدادهم، ذلك أن إقليم بيشاور وهو معقل للاجئين الأفغان، ومركز تجمع المجاهدين، لا يبعد كثيراً عن حدود أفغانستان. يضاف إلى ذلك تخوفها من احتمال قيام الهند بعمليات عسكرية بحجة الرد على تحرشات باكستان في إقليم كشمير.

هذه الظروف الصعبة والحرجة، التي تدل كل التحليلات على أنها لم تكن في صالح باكستان، كانت على العكس، سبباً رئيساً في تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت في وضع برنامج اقتصادي ـ عسكري من أجل دعم القدرة القتالية للمجاهدين عن طريق باكستان، والتي كانت جميع المعونات لابد وأن تمر على جهاز الاستخبارات الباكستاني ـ المسؤول عن المجاهدين ـ وهو الذي يقوم بتوزيعها على فصائل المجاهدين المختلفة.

لذا، وبحكم الموقع الإستراتيجي لباكستان، قررت الولايات المتحدة الأمريكية إعادة المساعدات لها اعتباراً من عام 1980م، مع مضاعفته. ولم يكن الطابع الاقتصادي هو الوحيد للمعونة، بل أضيف إليه المعونة العسكرية. فقد أعلن كارتر في تصريح له بتاريخ 4 (كانون الثاني) يناير 1980م، عن نيته في إمداد باكستان بمعدات عسكرية ومواد غذائية ومساعدات تمكنها من الدفاع عن أمنها وعن استقلالها في مواجهة التهديدات المتعددة، وأضاف زبينجينو بريجنسكى مستشار الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لاستعمال القوة المسلحة لحماية باكستان تنفيذاً لبروتوكول منظمة حلف جنوب شرق آسيا والموقع عام 1954م. وهكذا، تمكن ضياء الحق من وضع باكستان على خريطة المساعدات الأمريكية، بل أعاد باكستان إلى مكانة الحليف الصامد في مواجهة ابتلاع دولته خاصة إذا ما حاول الروس اتباع أسلوب حق المتابعة للمجاهدين داخل باكستان نفسها، من أجل القضاء على قواعدهم في بيشاور.

2. وظيفة جهاز المخابرات الباكستاني

اعتمدت القيادة السياسية في باكستان على جهاز المخابرات، في التعامل مع المجاهدين الأفغان، حيث أصبح مسؤولا عن التصرف في كل المسائل السياسية والعسكرية خاصة. في حين اقتصرت أعمال مكتب غوث اللاجئين الأفغان، على ترتيب أمور اللاجئين الذين اضطروا لاجتياز الحدود الأفغانية الباكستانية، واللجوء إلى باكستان. وتأتي المساعدات لأفغانستان من المصادر الآتية:

أ. منظمات الأمم المتحدة، مثل منظمة الغذاء العالمية ووكالة غوث اللاجئين.

ب. بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، (مثل فرنسا وبريطانيا)، وبعض دول الخليج.

ج. المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية والأفراد.

وبصورة عامة، فقد كانت باكستان ـ ممثلة في جهاز المخابرات ـ تستقطع الكثير من هذه المساعدات كمصاريف إدارية، مما أثار الأفغان على هذه التصرفات.

وهكذا، كان لجهاز المخابرات مشاركة كبيرة وبالغة الأهمية، في توزيع المساعدات الموجهة للمجاهدين الأفغان كافة، بفصائلهم المتعددة. ولم تكن مهمة جهاز المخابرات قاصرة على توزيع المعونات، بل كُلف بمهام كثيرة، مثل تدريب المجاهدين في باكستان، وتخطيط عمليات القتال للمجاهدين داخل أفغانستان.

وقد اقتنع الجنرال عبدالرحمن أختر (رئيس جهاز المخابرات الباكستاني)، بعد دراسة متأنية ومتعمقة لأفغانستان والشعب الأفغاني، أن هذا الشعب يتمسك باستقلاله بقوة يصعب زحزحته عنها. ومن ثم تولدت لدى الجنرال عبدالرحمن إمكانية تكوين جيشٍ مؤهل من الأفغان، لخوض حرباً للعصابات، في مواجهة الجيش السوفيتي، إذا تمت قيادته بذكاء، وتدريبه تدريباً جيداً. واستطاع أختر إقناع ضياء الحق بهذه النتائج، فما كان من الأخير إلاّ أن أصدر أوامره لمخازن الأسلحة الباكستانية ـ ودون انتظار للإمدادات الأجنبية ـ بأن تفتح أبوابها للمجاهدين لكي يسلحوا أنفسهم، لحين وصول الإمدادات الأمريكية. وكانت الدفعات الأولى من الأسلحة الباكستانية دون المستوى، ومن أنواع بريطانية قديمة الصنع، وتشمل البنادق والألغام وبعض القنابل، حيث تم توزيعها على المجاهدين، خاصة الموجودين على الحدود، من أجل السيطرة على طرق الإمداد. وقد شدد عبدالرحمن أختر على أهمية العاصمة كابل، لذا كان تركيزه على المواقع المحيطة بكابل، التي يحتلها المجاهدون.

وقد حظي جهاز المخابرات بتقدير جميع فصائل المجاهدين، بل يمكن القول إن له الفضل في تأسيس تحالف الفصائل السّبعة للمجاهدين. فقد كان عبدالرحمن أختر يشترك في اجتماعاتهم، وله رأي في مناقشاتهم المصيرية. لذا فإن قادة المجاهدين كان يأمنون لرأيه، لثقتهم التامة بأن طموحه الوحيد هو في انتصار الجهاد.

ومما يؤكد قوة جهاز المخابرات، لدى الدول المانحة للمعونات، وللمجاهدين المستفيدين من المنح والمعونات، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أرادت السيطرة على مراكز تدريب المجاهدين، مع توزيع الأسلحة الممنوحة لهم بوساطتها مباشرة على فصائل المجاهدين، خاصة الحديثة منها مثل الصاروخ المضاد للطائرات ستينجر، بصفة أنهم الموردون وأن هذا حقهم ولكن الجنرال أختر اعترض على هذا الأسلوب ورفضه، مؤكداً على أن التدريب والتسليح لابد أن يتم بمعرفته. وهكذا تم تدريب ضباط باكستانيون على استخدام السلاح، ثم تولوا تدريب الأفغان على تلك الأسلحة.

إضافة إلى ذلك، ومن أجل إحكام السيطرة على فصائل المجاهدين السبعة، فإن جميع المعونات كانت تسلم إلى قادة الفصائل، وليس للأفراد. لذا لابد أن ينتمي الأفراد إلى فصائل، حتى يتمكنوا من الحصول على المعونات، خاصة الغذائية والطبية وغيرهما، حيث لم يكن يسمح بإعطاء أي معونة للأفراد مباشرة.

ولكن بجلاء الاتحاد السوفيتي، أعادت الولايات المتحدة الأمريكية والدول المانحة، حساباتها في المعونات التي تمنح، حيث بدأ الكونجرس الأمريكي في إثارة بعض النقاط، التي تؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية، وهي:

(1) البرنامج النووي الباكستاني.

(2) ديموقراطية النظام الحاكم في باكستان.

(3) التطرف الإسلامي وأسلوب توزيع المساعدات، من خلال المخابرات الباكستانية.

وبدءاً من عام 1990م، وبعد أن اكتمل انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، لم يجدد الكونجرس الصلاحيات التي أعطاها للرئيس الأمريكي في منح باكستان "شهادة حسن سير وسلوك"، من أجل استثنائها من تطبيق نص القانون المعدل لسمينجتون[1] حول المساعدات الأمريكية للدول الأجنبية والقانون المعدل لبرسلر[2]. هذه القوانين التي لا تطبق على إسرائيل كانت تستثنى باكستان من التقيد بها، لمواقفها من القضية الأفغانية، إضافة إلى احتمالات التهديد السوفيتي لها.

حقق جهاز المخابرات الباكستاني العديد من الفوائد، إضافة إلى الخبرة المكتسبة من الانفتاح على الأسلوب الأمريكي في مجال المخابرات، الذي تأكد بالتعاون الوثيق فيما بينه وبين جهاز المخابرات الأمريكية CIA، حتى إنه في جولة تفتيشية، قام بها إلى باكستان ويليام كيزي رئيس الجهاز المركزي للمخابرات الأمريكية، أبدى ارتياحاً لنشاط جهاز المخابرات الباكستاني. هذه الخبرة كان لها تأثير كبير في تحسين أسلوب أداء الجهاز في كشمير. إضافة إلى ذلك، فلا شك، أنّ استمرار الاحتلال السوفيتي لأفغانستان والدور الباكستاني في هذه القضية، قد منحها عشر سنوات استُخدمت من أجل الاستمرار في تطوير برنامجها النووي، دون أي اعتراض من الكونجرس الأمريكي.

تسلمت بينظير بوتو الحكم بعد انتخابات ديموقراطية تمت في شهر (تشرين الثاني) نوفمبر 1988م، في أعقاب وفاة ضياء الحق في (آب) أغسطس 1988م، في حادث طائرة وكان برفقته السفير الأمريكي أرنولد رافابيل، والجنرال عبدالرحمن أختر

كان حزب الشعب الباكستاني يُظهر الكثير من العداء للمجاهدين الأفغان، وكان ذلك نابعاً من عدائه لضياء الحق نفسه لتعاطفه مع القضية الأفغانية. ومن أهم الموضوعات التي كان يتطرق إليها حزب الشعب الباكستاني، هو وجود 4 ملايين لاجئ أفغاني على أرض باكستان، حيث اعتبرهم أساس المشاكل، ولكن في الوقت نفسه، لم تكن بينظير بوتو تستطيع إغفال أن جزءاً كبيراً من هؤلاء اللاجئين مسلحون، ويمتلكون مستودعات أسلحة وذخيرة. لذا لم يكن من الحكمة التعامل مع مثل هؤلاء اللاجئين، إلاّ بالوسائل السلمية وباتفاقات متعددة الأطراف حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، دون إحداث أي مشاكل جانبية.

تقربت عائلة بوتو ـ خلال منفاها في كابل ـ من النظام الماركسي هناك، وبما أنها كانت يسارية المذهب، فإنها كانت أقرب إلى النظام الشيوعي، منها إلى نظام ضياء الحق العدو اللدود لنظام كابل.

وعلى الرغم من مظاهر العداء للمجاهدين، إلاّ أنها فور توليها الحكم، تغيرت مواقفها من منطلق حسها السياسي، حيث اتضح لها أن أي تغيير جذري في سياسة باكستان تجاه أفغانستان، سوف يقود البلاد إلى وضع مأساوي لا تستطيع تدارك نتائجه، بسبب العدد الكبير من اللاجئين الأفغان المسلمين، الذين يستمدون جزءاً كبيراً من قوتهم من المساعدات الأجنبية. أي إنهم أصبحوا واقعاً لابد من الحكمة في معالجته، للوصول إلى أسلوب لعودتهم إلي بلادهم دون مشاكل.

إضافة إلى أنه لا يجب إغفال أن بينظير بوتو، قد وصلت إلى الحكم بعد أن وعدت المؤسسة العسكرية في باكستان بالاّ تمس التوجهات السياسية الكبرى لباكستان، مثل البرنامج النووي، والعلاقات مع الهند ومشكلة كشمير، وأخيراً العلاقات الأفغانية الباكستانية. ولم تكن بينظير تستطيع إغفال قوة الجماعة الإسلامية الباكستانية، وبعض الأحزاب الإسلامية الأخرى المساندة للمقاومة الأفغانية، الذين لا يقبلون بوجود سيدة على رأس النظام في باكستان. لذا كان عليها ألاّ تستفزهم.

وكان على بينظير بوتو أن تأخذ حذرها، حيث يتضح مما سبق أن الكثير يتربص بها؛ ومن ثم، كانت تصريحاتها تؤكد على أنها لن تُغير من سياستها حيال التوجهات الكبرى للسياسة الخارجية الباكستانية، خاصة تجاه الموضوعات الأربعة المذكورة سابقاً.

ومن أجل طمأنة الرأي العام العالمي فيما يتعلق بموقفها من أفغانستان، أعلنت في أكثر من تصريح لها، أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية مواصلة دعمها لباكستان، خاصة بعد أن أصبحت دولة ديموقراطية. فليس من المناسب أن تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من جنوب آسيا وتترك الساحة للاتحاد السوفيتي، الذي كان قد وصل إلى حالة من الإنهاك، أوصلته إلى حتمية الجلاء عن أفغانستان.

وفي العاشر من (كانون الأول) ديسمبر 1988م، عقدت بينظير بوتو اجتماعاً موسعاً ضم عدداً كبيراً من المسؤولين الكبار، على رأسهم غلام إسحق خان، ووزير الخارجية شهيزاد يعقوب خان، وبعض القادة العسكريين، وذلك من أجل تقييم سياسة باكستان تجاه القضية الأفغانية، إضافة إلى محاولة الحد من صلاحيات جهاز المخابرات الباكستاني الذي تحول في ظل نظام ضياء الحق، إلى دولة داخل الدولة. وكان يوجد داخل هذا الجهاز خلية أفغانستان، التي تشكل المركز العصبي الأساسي. فقد كانت الخدمة داخل هذه الخلية توفر المركز الأدبي والمادي، علاوة على أنها كانت سمع وبصر ضياء الحق. إذا، لابد أن تكون البداية بالقضاء على هذه الخلية، وكان الحل الذي طرح على بينظير، من أجل إعادة الأمور إلى أوضاعها الطبيعية، هو إضعاف جهاز المخابرات وتحجيمه حتى يتحول من جهاز سياسي عسكري، إلى جهاز عسكري فقط، لا دخل له بالسياسة الخارجية لباكستان. وإذا ما تم النجاح في هذه الخطوة، فإن الجيش الباكستاني سوف يبتعد تدريجياً عن السياسة، متحولا إلى هدفه الرئيس وهو حماية حدود الدولة. وهكذا، توصلت إلى فكر جديد، وهو البعد بالقوات المسلحة عن الخيار العسكري، مؤيدة الخيار السياسي، والذي كانت بينظير تفضله، لأنها كانت دائماً تردد أن الخيار العسكري سيئ لأن إراقة الدماء سيئة. لذا، من الأفضل التوجه إلى الخيار السلمي، وإيجاد حل سياسي.

وهكذا، كانت البداية إلغاء خلية أفغانستان من جهاز المخابرات. وكانت بينظير مقتنعة أن النجاح في هذا الأمر، يحدد مستقبلها السياسي، ويؤكد على مصداقية حكوماتها. وبالفعل تم إلغاء خلية أفغانستان، إضافة إلى تغيير رئيس جهاز المخابرات الجنرال حميد غول. وفي (أيار) مايو 1989م، عينت بينظير بوتو الجنرال شمس الرحمن كالو، رئيسا لجهاز المخابرات، وهو ضابط متقاعد. وكان الغرض من هذا التغيير هو تقليص دور هذا الجهاز، والبعد به عن الصراعات الداخلية داخل الجيش.

كانت رؤية بينظير بوتو لحل الصراع، هي توقف باكستان عن دعم الأحزاب، بعضها تجاه بعض. وقررت أن تساعد الشعب الأفغاني من خلال حكومة انتقالية تمثل هذا الشعب، لأن هذا سوف يكون الطريق الوحيد للسلام. ولذا، قامت بإعادة التوازن في منح المساعدات للمقاومة، على الرغم من تأكدها من العلاقات المعنوية بين الأحزاب (الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار، والجمعية الإسلامية بقيادة رباني، والاتحاد الإسلامي بقيادة سياف، والحزب الإسلامي بقيادة خالص) وجهاز المخابرات، إلا أنها كانت دائما تعلن عن وجوب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، لأن هذه العلاقات سوف تحمل أخطاراً على العلاقات المستقبلية، بين باكستان وأفغانستان.

ثانيا: جمهورية الصين الشعبية

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أصبحت آسيا مشكلة القرن، حيث أضحت مسرحا للحروب الإقليمية والصراعات المحلية والدولية، التي كان أهمها الحرب الكورية، وحرب فيتنام، ثم الثورة الإيرانية، وأخيرا الغزو السوفيتي لأفغانستان. وعلى الرغم من أن الحدود الصينية الأفغانية، لا تزيد عن 17 كم، إلاّ أن الاحتلال السوفيتي أثار موجة من الغضب لدى القيادة الصينية، خاصة أن العلاقات مع الاتحاد السوفيتي كانت تمر بمراحل حرجة.

وحتى يمكن التعرف على موقف الصين من احتلال أفغانستان، يجدر الإشارة إلى تاريخ العلاقات الصينية السوفيتية. فالمعروف أن الاتحاد السوفيتي أسهم بدور كبير في نجاح الثورة الصينية، وتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949م. وقدم ـ خلال السنوات العشر الأولى ـ مساعدات اقتصادية وعسكرية وفنية كثيرة، شكّلت البنية الأساسية والدعامة الرئيسة للاقتصاد الصيني وللعسكرية الصينية. وكانت الفترة بين (1953 ـ 1956م)، هي فترة التعاون والتناغم بين العملاقين الشيوعيين، إلا أنه في أواخر الخمسينات بدأت العلاقة بين البلدين في التدهور في أعقاب انعقاد المؤتمر الشيوعي العشرين عام 1956م. وكان من أهم أسباب الخلاف نظرة الزعيمين، خروشوف وماوتسي تونج، إلى المصالح الوطنية لبلادهم. ففي الوقت الذي يصمم فيه ماوتسي على تطوير الصين، لتصبح على مستوى القوتين العظميين، يرفض القادة السوفييت ذلك، خاصة ما يخص الأسلحة النووية، والتقدم التكنولوجي في مجال التصنيع الحربي، خوفاً من استخدام الصين لهذه الأسلحة ضد جاراتها، مما يعرض العالم إلى حرب نووية.

وكانت البداية الفعلية للفجوة في العلاقات، حين أعلنت الصين أنها الوريث الشرعي للشيوعية العالمية. فكان رد فعل موسكو المفاجئ هو، إلغاء الاتفاقيات الخاصة بإنتاج الأسلحة النووية في الصين، وإنهاء المشاريع الاقتصادية، وسحب الخبراء، بينما كانت الصين تعاني من كوارث طبيعية، لم تشهد مثلها من قبل.

ثم جاء التقارب الصيني ـ الياباني، من خلال معاهدة صداقة تم توقيعها بينهما عام 1978م. وكان من أهم بنودها، البند الخاص بالقضاء على الهيمنة السوفيتية في الشرق الأوسط. وقد حاولت موسكو منع اليابان من هذا التقارب، ولكنها فشلت. كما فشلت في إنشاء نظام للأمن الجماعي الآسيوي، هدفه عزل الصين.

وفي (كانون الثاني) يناير عام 1979م، زار نائب رئيس الوزراء الصيني واشنطن، حيث تمكن من الحصول من الرئيس كارتر، على قرار بمنح الصين حق الدولة ذات الأولوية في التجارة، بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وفي أعقاب ذلك زار هارولد براون، وزير الدفاع الأمريكي، بكين، من أجل دعم التعاون الإستراتيجي بين الدولتين.

وهكذا تأكد لموسكو مدى خطورة جمهورية الصين، خاصة بعد تطور العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم فإن أحد أهداف التدخل السوفيتي في أفغانستان واحتلالها بالكامل، هو إنشاء منطقة عازلة بين الصين وكل مدن باكستان وأفغانستان، خاصة بعد توقيع اتفاق روسي ـ أفغاني في (تشرين الثاني) نوفمبر 1980م، يضم ممر واكان " Wakhan Corridor" إلى الاتحاد السوفيتي.

تمكن الاتحاد السوفيتي من تنفيذ مخططه، بعزل الصين جغرافيا عن أفغانستان وباكستان. وبذلك منعت المساعدات الصينية من الوصول للثوار الأفغان عن طريق باكستان، مع ازدياد نفوذ موسكو على الهند، خاصة ما يتعلق بمشكلة كشمير. لذا كان من الأهمية أن تتصدى الصين لعملية الغزو السوفيتي لأفغانستان، من خلال المحاور الآتية:

1. معارضة الهيمنة السوفيتية

تولدت لدى الصين القناعة، بأن أحد الأهداف الرئيسة لغزو أفغانستان هو محاصرتها ـ أي الصين ـ بسلسلة من التحالفات الصديقة لموسكو. و هذه التحالفات تقف عقبة أمام تحقيق الصين، لأهم أهدافها في مجال السياسة الخارجية، وهو القيام بدور قيادي في آسيا، حيث يؤهلها لهذا الدور موقعها الجغرافي ومساحتها وتعداد سكانها، إضافة إلى تراثها الثقافي وقوتها الشاملة. لذا، فإن الخطأ الذي وقع فيه الاتحاد السوفيتي، أعطى الفرصة للصين لتؤكد للعالم، أن زعماء الكرملين الحاليين لا يختلفون كثيرا عن القياصرة الروس في القرن التاسع عشر، حيث تجمعهم سمة واحدة، هي التوسع في الاستيلاء على أراضى دول الجوار. ففي عصر ضعف الصين قبل الثورة، استولت روسية القيصرية على خمسة أقاليم صينية، من خلال أربع معاهدات غير متكافئة. وحذّرت الصين دول العالم الثالث، من توجه الاتحاد السوفيتي، ومدى خطورته على دول الجوار. في أعقاب ذلك، أُوقفت مفاوضات التطبيع بين موسكو وبكين، التي كانت قد بدأت في الثالث من (نيسان) أبريل 1979م، بعد إلغاء معاهدة الصداقة والتعاون (الموقعة في الرابع عشر من (شباط) فبراير 1950م)، وذلك من أجل إيجاد أسلوب جديد للعلاقات الثنائية بينهما، بعد أن قررت الصين عدم تجديد المعاهدة. إضافة إلى ذلك، أوقفت الصين، أيضا مفاوضاتها التطبيعية مع فيتنام، حيث أعلنت في 29 (كانون الثاني) يناير 1980م، أن هان بينالونج، ممثلها في المفاوضات الصينية ـ الفيتنامية، لن يتمكن من حضور جلسات المفاوضات. وكانت قد أصدرت في 23 (كانون الثاني) يناير 1980م، بياناً تدعو فيه إلى مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية في موسكو، احتجاجاً على الغزو السوفيتي لأفغانستان.

لم يتوقف هجوم الصين عند هذا الحد، بل اتهمت زعماء الكرملين بإخفائهم الحقائق عن الشعب السوفيتي، حيث ظلت موسكو صامته عن الإدلاء بأي تصريحات حول حملة الجيش السوفيتي على أفغانستان، إلى أن صرحت من خلال صحيفة "البرافدا" أن عدداً من العسكريين قد أرسل إلى أفغانستان، بناء على طلب الحكومة الشرعية في أفغانستان، للمساعدة في دعم نظام الحكم الشيوعي في كابل.

وكان التقارب، الذي تم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى أوروبا واليابان ودول العالم الثالث، يسعى إلى الحد من الهيمنة الروسية وتطلعاتها للتوسع، بما سيغيره هذا التحالف من توازن القوى.

2. دعم العلاقات الصينية ـ الباكستانية

يقول الرئيس الباكستاني ضياء الحق، في أحد أحاديثه الصحفية:

"…إنني لا أنحاز لا إلى الشرق ولا إلى الغرب، وإنني سأظل وفيا للركيزة القوية، وهي الصين، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. ففي الوقت، الذي تخلت فيه عنا بلاد كثيرة، وقفت الصين إلى جانبنا وساعدتنا اقتصادياً، إنه يمكننا الاعتماد على الصين، وللصين أن تتأكد بأننا حلفاء مخلصون لها، فهذا التحالف مع الصين هو الذي أسميه بالحل الثالث …".

هذه هي رؤية رئيس دولة باكستان، والحقيقة أن أقوى علاقة بين دولتين تختلفان أيديولوجيا، هي العلاقة بين الصين وباكستان. ففي عام 1962م، وفي أعقاب اشتباكات الحدود بين الهند والصين، حيث قدمت الولايات المتحدة الأمريكية الدعم العسكري للهند، في مواجهة الصين، كان التقارب يزداد بين باكستان والصين. والواقع أن السياسة الخارجية لباكستان، محكومة دائما بتوازن القوى في المنطقة، حيث تكون الصين وباكستان دائماً في جانب، والهند في الجانب الآخر. فالولايات المتحدة الأمريكية كانت تساعد الهند في الخمسينات والستينات، وتغير هذا الوضع في السبعينات واستُبدلت بالولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد السوفيتي. وبتقارب الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية، تبلور توازن قوى جديد. فالولايات المتحدة الأمريكية والصين وباكستان، يشكلون محوراً في مواجهة الاتحاد السوفيتي والهند وفيتنام. وباحتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، وفي إطار العلاقات الصينية الباكستانية، زار وزير الخارجية الصيني إسلام أباد، وتعهدبتقديم المساعدات العسكرية لباكستان. بل إنه حذر دول المنطقة من الإمبريالية السوفيتية الجديدة. وعلى الرغم من تأكيد الصين على استقلال باكستان، إلا أن الأخيرة أصبحت في وضع إستراتيجي لا تحسد عليه، بين فكي الهند جنوباً والاتحاد السوفيتي، الذي يحتل أفغانستان، شمالاً. وبذلك ازدادت مخاوف باكستان، من أن تستغل الهند هذا الوضع، في إجبار باكستان على التحلل من التحالف الصيني الباكستاني بأي شكل.

3. معاونة المجاهدين الأفغان

على الرغم من أن الحدود السوفيتية الصينية تبلغ حوالي 1500 ميل، أي لا تقارن بالحدود الصينية الأفغانية التي تبلغ 17 كم، في منطقة صغيرة تسمى إقليم باداخشان، إلاّ أن بكين تدعي أن ما حدث في أفغانستان، هو من قبيل التهديد المباشر لها. فاستدعت السفير السوفيتي في بكين، وسلمته مذكرة احتجاج رسمية، مطالبة إياه إبلاغ بلاده ضرورة أن توقف غزوها المسلح لأفغانستان، وأن تسحب كل قواتها العسكرية، لأن ما يحدث يثير قلق الشعب الصيني، ويُعد تدخلا في الشؤون الداخلية لأفغانستان.

هكذا كانت الرؤية الصينية للغزو السوفيتي لأفغانستان، حيث بادرت بإرسال مساعدات عسكرية للمجاهدين الأفغان لمقاومة الاحتلال، وذلك عن طريق باكستان، على الرغم من سيطرة الاتحاد السوفيتي على ممر واكان. أما البُعد الآخر للمساعدة الصينية لأفغانستان، فيأتي من الموقف الصعب لباكستان فيما لو تُركت بمفردها في مواجهة الاحتلال السوفيتي شمالاً، والهند جنوباً. فالعلاقات دائماً متوترة بين باكستان والهند، وحروبهما الثلاث لا تُنسى، إضافة إلى الأفكار الهندية التي ترددها الهند دائماً، عن رغبتها في إعادة باكستان إلى الوطن الأم، وهو الهند. لذا، فإن الصين، وهي الحليف الرئيس لباكستان، تريد إنهاء الاحتلال السوفيتي، لتخفيف الضغط على باكستان.

4. دعم المصالح الأمريكية ـ الصينية

ويدرس زعماء الكرملين ـ غالباً ـ دراسة وافية قبل اتخاذهم أي قرار إستراتيجي، خاصة ما يتعلق بالمصالح الحيوية، لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، إلا أن موسكو لم تكن تدرك أن قرارها الخاص بغزو أفغانستان، سيعرضها لهذا الكم الكبير من التداعيات، بل إنه عجّل من إجراءات لم تكن تتخذ، أو على الأقل كان سيتم إرجاء تنفيذها إلى مراحل قادمة، مثل التقارب الصيني الأمريكي. فنجد في أول (كانون الثاني) يناير 1979م، تم تطبيع العلاقات بين واشنطن وبكين، حيث تحول مكتب الاتصال بين الدولتين إلى سفارتين. واستمرت العلاقات الثنائية في التطور حتى بلغت ذروتها بزيارة هاورلد براون، وزير الدفاع الأمريكي، للصين، وما صاحب ذلك من معانِ كثيرة أهمها:

أ. تنمية العلاقات العسكرية بين العملاقين الأمريكي والصيني، أو كما تصفه موسكو "الاتحاد بين النسر والتنين "، حيث وصلت المفاوضات إلى حد، تقديم أسلحة أمريكية متطورة إلى الصين، ودراسة إمكانية إقامة تحالف بينهما، الأمر الذي أحدث قلقا لكل من الاتحاد السوفيتي والهند، لاعتقاد الأخيرة أن الصين يمكن أن تستخدم هذه الأسلحة، في تعديل الحدود المشتركة بينهما.

ب. يعزز التعاون بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من أمن دول أوروبا، لأنه يتحتم على الاتحاد السوفيتي في مواجهة تطور الصين العسكري، أن يخصص جزءاً كبيراً من قواته العسكرية في اتجاه الحدود الصينية، حيث يقدر الخبراء أن هذا القدر قد يصل إلى 25% من القوة العسكرية السوفيتية، أي إن حجم الإنفاق العسكري على هذه القوة سوف يعادل 25% مما ينفق على القوات المسلحة السوفيتية، مما يشكل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة. ولهذا تعتبر واشنطن أن هذا التقارب، مهما كلفها من جهد ونفقة، لن يساوي ما يتكلفه الاتحاد السوفيتي. وهذه كانت الإستراتيجية الأمريكية، في استنزاف قدرات الاتحاد السوفيتي.

ج. تنسيق مواقف الدولتين تجاه باكستان، خاصة أن العلاقات الأمريكية الباكستانية غير ثابتة، وتتصف بالتقارب والتباعد. ففي عام 1965م، وعندما نشبت الحرب الهندية الباكستانية بسبب مشكلة كشمير، فرضت واشنطن حظرها على مبيعات السلاح إلى باكستان، وفي الوقت نفسه، أرسلت السلاح إلى الهند، من أجل مقاومة احتمالات تهديد الصين لها. وعندما تحسنت العلاقات الهندية السوفيتية في السبعينات، وبدأ التعاون العسكري بينهما، أمدت الولايات المتحدة الأمريكية باكستان بالأسلحة، إلاّ أنها توقفت مع بداية البرنامج النووي الباكستاني.

ومن ثم، وفي مواجهة الغزو السوفيتي لأفغانستان، ناقش براون عند زيارته للصين موضوع إمداد الصين باكستان بالأسلحة المطلوبة، لنقلها إلى أفغانستان. وعقب ذلك زار زبيجينو بريجنسكي، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، إسلام أباد حيث أكد للمسؤولين في باكستان، التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن باكستان من خلال برنامج اقتصادي ـ عسكري، يشترك فيه كل من الصين وألمانيا الغربية وبريطانيا والسعودية، مقداره مليارا دولار.

د. إن التقارب الأمريكي الصيني يخفف من درجة التوتر، بين كوريا الشمالية والجنوبية، ويقلل من احتمالات صراع مسلح بينهما.

وهكذا يتضح أن ما أقلق الصين من الغزو الروسي لأفغانستان، محاولات الهيمنة المتكررة التي يحاول السوفييت فرضها على دول العالم الثالث خاصة الدول التي لها ميول ماركسية. وعلى الرغم من النظام الشيوعي للحكومة الأفغانية ـ أي أنها تتطابق مع الصين ـ إلا أن الصين كانت دائماً تصفها بالحكومة العميلة للاتحاد السوفيتي.

ثالثاً: إيران

منذ بدأ نجم الخميني في الظهور، كمحرك للثورة الإيرانية ضد الشاه، بدأت كل من موسكو وواشنطن في إعادة حساباتهما من أجل توظيف هذه الظاهرة الجديدة، ظاهرة الثورة الإسلامية، التي أُطلق عليها كثير من الأسماء. وبدأت كلتا القوتين العظميين محاولاتهما من أجل الاستفادة من هذا التيار، في خدمة مصالحهما.

حاولت واشنطن أن تستغل نجاح الثورة الإسلامية، وسيطرة الخميني على الحكم، في توظيف العداوة التقليدية بين الإسلام والماركسية، حيث أوجدت نوعاً من التنافر الأيديولوجي على الحدود الجنوبية للاتحاد السوفيتي، يحقق بأقل تكلفة ما فشلت فيه الأحلاف. وكان هذا الاستغلال من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، له أثر كبير في قرار بريجينيف بالتدخل في أفغانستان في (كانون الأول) ديسمبر 1979م، فقد أجمع معظم المحللين الإستراتيجيين، على أن أهم مسوغات القيادة السياسة السوفيتية من هذا التدخل، هو الحيلولة دون امتداد التأثير الثوري الإسلامي ـ على النمط الإيراني ـ إلى أفغانستان. فقد كانت البيئة الداخلية في أفغانستان جاهزة لمثل هذه الثورة الإسلامية، لولا اختلاف المذهب. فالمسلمون في إيران شيعة خلاف مسلمي أفغانستان السُّنة. هذا الخلاف المذهبي، لا شك، له تأثير على توقيت استقبال المد الثوري الإسلامي، علاوة على سرعة تدراك السّوفييت لهذه المعطيات. فكان إسراعهم بغزو أفغانستان، إلاّ أنهم لابد وأن يكونوا أكثر حذراً في التعامل مع الوضع الجديد، لأن هذه الثورة تحدث على حدودهم الجنوبية، وفي مواجهة ثلاث ولايات (طاجيكستان، أوزبكستان، تركمنستان)، وهي ولايات إسلامية. ومن ثم فإن قرارهم بالتدخل العسكري في أفغانستان، لم يكن إلاّ للحد من انتشار الفكر الديني الثوري، في المناطق المتاخمة لحدودهم الجنوبية.

1. إيران والتدخل السوفيتي في أفغانستان

يمكن القول إن موقف النظام الثوري في إيران من التدخل السوفيتي، كان له ثلاثة توجهات، هي:

أ. إدانة التدخل السوفيتي.

ب. الدعم الحذر للمجاهدين الأفغان.

ج. عدم الاستجابة لدعوة حكومة كابل، لتطبيع العلاقات بين البلدين.

وعلى الرغم من موقف الاتحاد السوفيتي ـ في الأمم المتحدة ـ الذي أحبط المحاولات العديدة للولايات المتحدة الأمريكية، لاستصدار قرار إدانة من مجلس الأمن، توطئة لتوقيع عقوبات اقتصادية على إيران، إلا أنها وفور تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، سارعت بالتنديد بهذا الغزو بل إِنها طالبت الرئيس بريجنيف، من خلال دول صديقة، سحب القوات السوفيتية فوراً، ودون شروط. وكان أبو الحسن بني صدر، هو أول مسؤول إيراني يعلن عن اعتزام بلاده مقاطعة دورة الألعاب الأوليمبية في موسكو، متعللا باستحالة الذهاب إلى دورة ألعاب تقام في دولة يغزو جيشها دولة إسلامية، دون أي مبرر. أما آية الله الخميني، فقد أبلغ الرئيس بريجينيف بضرورة عدم استخدام القوة ضد البلاد الإسلامية، إذا رغب في أن يكون للاتحاد السوفيتي علاقات طيبة بإيران، مشيراً بذلك لأفغانستان. وأعرب الخميني في برقيته للرئيس بريجينيف، رداً على برقية الأخير بمناسبة العيد الأول للثورة، عن أمله في إقامة سلام دولي، عن طريق الاستقلال الوطني، وعدم التدخل، واحترام السيادة ووحدة الأراضي لبلدان المنطقة. ذلك أن أي عدوان على دول العالم الثالث عموماً، والبلاد الإسلامية خاصة، مخالف لمبادئ الصداقة بين الدول.

وعلى الرغم من كثرة التصريحات والبيانات، التي تعلن عن تأييد إيران للثوار، الذين يقاتلون القوات السوفيتية وقوات حكومة كابل، إلا أن الموقف الرسمي لحكومة إيران لم يفصح عن ذلك صراحة، حيث انحصر التأييد في البيانات المعنوية، ولا شيء خلاف ذلك. ففي أول (كانون الثاني) يناير 1980م، بثت إذاعة طهران أنباء عن تنديد الطلاب، الذين يحتلون السفارة الأمريكية بطهران، بالتدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان، واصفين هذا التدخل بأنه "إمبريالية شرقية"، وأنه على الحكومة السوفيتية المتعطشة للدماء أن تعرف، أن قمع الأمة الأفغانية الإسلامية لن يفيدها، بل إنه سيوقعها في مستنقع، مثلما حدث للولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام. ثم توالت بعد ذلك العديد من زيارات قادة الثوار الأفغان، مثل الشيخ محمد قندهاري واجتماعه مع آية الله محمد شيرازي. وفي تصريح لآية الله حسين نوري ـ المبعوث الخاص للإمام الخميني ـ في الهند أعلن:

"…أن إيران لا تقبل النشاط السوفيتي في أفغانستان، وأننا نؤيد معنوياً الشعب الأفغاني، وسوف نساعده مادياً بمجرد أن يكون بمقدورنا …".

ولكن التأييد الإيراني لأفغانستان لم يتعد الحديث المعنوي والشّعارات، ربما، لأن الثورة الإيرانية حديثة العهد بالعلاقات الدولية؛ ومن ثم فهي تتحسس خطاها قبل التورط في أفعال قد تسبب حرجا لها. وفيما يختص بتطبيع العلاقات مع نظام الحكم في كابل، فقد لوحظ أن الحكم الشيوعي في كابل، كان حريصا على دعم علاقته بدول الجوار خاصة الدول الإسلامية، مدّعياً أنه نظام إسلامي يحترم العقيدة الإسلامية، إلاّ أنه يستعين ببعض النظم الشيوعية من أجل رفاهية أفغانستان. وفور احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، ومن أجل طمأنة إيران أن الوضع لم يتغير، وأن الوجود السّوفيتي ليس إلاّ من أجل دعم النظام الأفغاني، في مواجهة الإمبريالية الغربية. أرسل بابراك كارمل أكثر من رسالة إلى آية الله الخميني، مؤكداً على أن حكومة كابل الجديدة ترغب في إقامة علاقات ودية، على أساس الأخوة الإسلامية، مشيراً إلى أنه ليس هناك سبب للخلاف بين شعبي أفغانستان وإيران المسلمين. أبدى بابراك كارمل استعداده لإرسال وفود حسن نية، لتعزيز العلاقات بين البلدين، مؤكدا على أن أفغانستان لا يمكن أن تُستخدم أبداً كقاعدة عمل ضد الثورة الإيرانية، بل إنه لن يسمح أبداً في أن يستغل الاتحاد السوفيتي وجوده في أفغانستان لزعزعة الثورة الإسلامية في إيران، وكان نظام الحكم الأفغاني، يحاول ـ دائماً ـ أن يوفق بين ثورة (نيسان) أبريل 1978م، والثورة الإيرانية، مؤكدا على أن الإمبريالية تطلع إلى خنق الثورة في أفغانستان وإيران، في محاولة لعزل الشعوب الحرة المسلمة في بلديهما، عن سائر العالم الإسلامي والبلدان النامية. وبذلك يحاول إغفال الأيديولوجية الماركسية، التي ينادي بها. بل إنه يغفل الاحتلال السوفيتي لأرض أفغانستان، وكأن هذا الوجود ـ كما يدعي ـ ليس إلاّ من أجل تدعيم ثورة (نيسان) أبريل 1978م، حيث جاء التدخل الروسي بناء على طلب الحكومة الشرعية، التي يرأسها.

على أن المحاولات الأفغانية، لا يبدو أنها نجحت في التقرب من النظام الإيراني لأن الخميني لم يرد على الرسائل المتكررة، التي بعث بها كارمل. أما الحزب الشيوعي الإيراني، فقد تعاطف مع النظام الأفغاني الجديد، حيث صرح الأمين العام للحزب، في أكثر من لقاء، أن مسألة التدخل السوفيتي في أفغانستان هي مسألة داخلية، تمت بناء على طلب الحكومة الشرعية لأفغانستان.

2. الثورة الإيرانية وأثرها على أفغانستان

لا شك أن للثورة الإيرانية آثاراً على تطور الأوضاع الإقليمية حولها. وكانت البداية بالنسبة للحركة الثورية في أفغانستان، مع بداية إنشاء الجماعات الدينية لمواجهة المد الشيوعي، الذي بدأ مع نظام محمد داود. ولمّا كانت ثورة إيران موجهة ضد نظام استبدادي ـ مرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية ـ وهو نظام الشاه، لذا بدت هذه الثورة وكأنها تستمد قوتها من النظام الشيوعي، ومن ثم فإن عليها أن تدعم النظام اليساري في كابل، وفي الوقت نفسه، وبما أنها ثورة إسلامية، فحق عليها دعم المجاهدين الأفغان، في مواجهة النظام اليساري. وهكذا فإن كلاً من حكومة كابل والمجاهدين رحب بالثورة الإيرانية، اعتقاداً منها أن الثورة تدعمها. وعلى الرغم من أن كابل كانت من أوائل الدول، التي اعترفت بالنظام الجديد في إيران، حيث أعلن نور الدين تراقي تأييده للثورة في 26 (تشرين الأول) أكتوبر 1979م ـ وقبل الغزو السوفيتي ـ أعلن حفيظ الله أمين أن بلاده تسعى للسلام الدائم مع باكستان. ومن ناحية أخرى، فإن حركة المجاهدين الأفغان، لم تكن تسبب إزعاعاً لنظام الحكم في كابل. ولكن ما أن تحقق الانتصار للثورة الإيرانية الإسلامية في (شباط) فبراير 1979م، حتى تصاعدت عمليات الثوار في أفغانستان. وكانت البداية الاستيلاء على بعض الثكنات العسكرية في مدينة هيرات، القريبة من الحدود الإيرانية، مما أدى إلى صدام شديد مع قوات الحكومة الأفغانية. ومن ثم تدفق عدد كبير من اللاجئين إلى باكستان، وهكذا تصاعدت حدة التوتر، ولم تستطيع حكومة كابل السيطرة على المجاهدين، على الرغم من المساعدات التي كان يرسلها الاتحاد السوفيتي. لذلك تأكد للسوفييت أن أثر الثورة الإسلامية في إيران لابد وأن يمتد إلى أفغانستان. وقد عبر عن وجهة النظر هذه بوضوح أبو الحسن بني صدر، الرئيس الإيراني آنذاك، قائلاً:

"… إن أحد الأسباب المباشرة للتدخل السوفيتي في أفغانستان، هو الخوف من الثورة الإسلامية في إيران، خاصة على الجمهوريات الإسلامية السوفيتية المتاخمة لحدود إيران وأفغانستان، التي يبلغ تعدادها 50 مليون مسلم …".

3. التدخل السوفيتي وأثره على إيران

للتعرف على مدى تأثير الغزو السوفيتي على إيران، تجدر الإشارة إلى ما قاله الرئيس كارتر في خطابه يوم 23 يناير 1980، عن "حالة الاتحاد" أمام الكونجرس الأمريكي:

"… إن إيران جزء من الخليج، الذي يشكل منطقة حيوية لا تتردد الولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع عنها بكل الوسائل، بما في ذلك القوة العسكرية …".

وأضاف، أيضاً، في المجال نفسه:

"… إن من بين أهداف التحرك الأمريكي، ضرورة إقناع القادة الإيرانيين بأن الخطر الحقيقي على أمنهم يَكْمُن في الشّمال، من القوات السوفيتية في أفغانستان. وأن الخصام الإيراني معنا غير المبرر، يعوق استجابتهم لذلك الخطر الأكبر …".

ازدادت حدود إيران مع الاتحاد السوفيتي وأصبح الخطر مضاعفاً، حيث برزت الأسئلة سواء لدى الزعماء الإيرانيين أو لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ما هو أثر هذا الغزو على الثورة الإيرانية، خاصة وأن السوفيت يقابلون هذا المد الثوري الإسلامي بتحفظ وخشية على أقاليمهم، التي تعتنق وتدين بالإسلام؟ لقد تزامن التدخل السوفيتي مع قضية الرهائن الأمريكيين داخل سفارتهم بطهران، إلاّ أن القيادة السياسية الأمريكية وضعت قضية الرهائن جانباً وبدأت في إعادة تقييم سياستها الخارجية حيث ظهر لها مدى الخطر على مصالحها الحيوية في بترول الخليج.

ومن ثم بدأ المسؤولون الأمريكيون في التصريحات، التي كانت تدور أغلبها على أن هذا التدخل السوفيتي في أفغانستان، يؤثر بشكل مباشر على المصالح الحيوية الأمريكية، إلا أن هذا الموقف الأمريكي، الذي يتسم بالتقارب من طهران، لم يُقابل بما كان متوقعاً، حيث ظلت الأخيرة على موقفها المتشدد من الولايات المتحدة الأمريكية. غير أنه لا يمكن إغفال حالة القلق، التي تنتاب إيران، وخوفها من احتمالات تدخل سوفيتي مباشر في إيران، عن طريق قواتها المسلحة، أو بشكل غير مباشر، عن طريق تشجيع الأقليات في كردستان وبلوخستان. ففي تصريح لآيه الله حسين نوري ـ مبعوث الزعيم الخميني إلى الهند ـ حذّر من أن رد الثورة الإيرانية سيكون غاية في الحزم، إذا حاول رجال العصابات في بلوخستان ـ والذين يدربهم السوفييت ـ من التسلل إلى إيران. واتهم أبو الحسن بني صدر موسكو بالسعي إلى تقسيم إيران، والاندفاع نحو المحيط الهندي حيث قال:

"… إن الاتحاد السوفيتي ينظر إلى إيران كمجموعة من الكيانات المنفصلة، وفي رأيهم أن الأتراك أقلية، وأن البلوخ والفرس والعرب أقليات أيضاً، في حين أننا نبني معاً منذ قرون، ولنا مصالح مشتركة …".

كانت هذه ردود الفعل الإيرانية الرسمية، على غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، إلا أن زعماء الكرملين حاولوا التخفيف من حدتها. حيث نفت وكالة ناسا السوفيتية الأنباء الأمريكية، عن تحركات أو تحرشات روسية على الحدود الإيرانية! إضافة إلى رسالة الرئيس بريجينيف لآية الله الخميني، التي حيا فيها الثورة الإسلامية في إيران المعادية للإمبريالية، متمنياً أن تستمر العلاقات بين بلديهما على مبادئ الصداقة وحسن الجوار والمساواة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

4. التأثير العقائدي للثورة الإيرانية الإسلامية على أفغانستان

أَثار انتصار الثورة الإسلامية في إيران الكثير من المخاوف، لدى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. وأيد الإعلام الغربي مقولات كثيرة وظالمة عن الإسلام، وعن الخطر الناجم عن انتشاره، وعن "الحرب المقدسة" على الغرب، وعن "الجهاد". واتهم بعض المسؤولين الأمريكيين الثورة بأنها كارثة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم نسبوا إليها الكثير من المظالم ابتداء من "انتهاك قواعد التعامل الدولي"، وتهديد "مصادر البترول"، ومحاولة "خنق الاقتصاد الغربي"، و" زعزعة الاستقرار والأمن في آسيا "، والكثير من هذه الاتهامات. إلا أنه فجأة وباحتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، حَدَث تحول كبير في لغة الإعلام بالغرب، واستبدل بالتهديد الناتج عن المد الإسلامي، التهديد الناتج عن الأيديولوجية الماركسية، وتوصل خبراء السياسة الخارجية إلى أسلوب للتعامل مع الفكرين الإسلامي والشّيوعي ألاَ وهو استغلال موجة المد الإسلامي الثوري، التي جاءت مع الثورة الإيرانية، في احتواء الزحف الشيوعي، وذلك توظيفاً للخصومة بين الإسلام والشيوعية، ثم محاولة التأثير على مسلمي جمهوريات أسيا الوسطى السوفيتية، الذي يبلغ عددهم حوالي 60 مليوناً، بحيث يصبح السوفييت في موقف دفاعي. وهكذا يمكن توظيف المد الإسلامي، في تهديد الأمن القومي السوفيتي في أحد ركائزه الأساسية.

والملاحظ عقب ذلك، أن الولايات المتحدة الأمريكية أحدثت تغييراً جذرياً في سياستها الخارجية، حيث تبنت سياسة جديدة ترتكز على تفتيت قوى الخصم وإنهاكه، من خلال صراعات تكون هي الطرف غير المباشر فيها. فعلى مستوى القضيتين الإيرانية والأفغانية، ظهر للولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي، أنّ الدفع بالعالم الإسلامي اقتصادياً وعسكرياً، وانتقاد علاقاته مع المعسكر الشرقي، يجعله يبقى وحيداً، فيلجأ مضطراً إلى المعسكر الغربي. هذه هي المصيدة الجديدة، التي تروج لها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال سياستها الخارجية. لقد مضى تسعة أعوام على رحيل آخر جندي سوفيتي ولا تزال المشكلة الأفغانية معلقة، وصراع الأخوة مازال مستمراً.

5. السياسة الخارجية الإيرانية تجاه أفغانستان

تحاول الحكومة الإيرانية تأييد سياسة متوازنة، بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. فعلى الرغم من إظهارها لأقصى درجات العداء للولايات المتحدة الأمريكية، بسبب موقفها من الثورة، خاصة أثناء حكم الشاه، فهي تطور علاقتها بالاتحاد السوفيتي لدرجة اتهامها بالانحياز للسوفييت، والدليل على هذه السياسة المتوازنة موقفها من التدخل السوفيتي في أفغانستان وإدانتها له بل ومطالبتها الاتحاد السوفيتي بالانسحاب الفوري غير المشروط. هذا الخط الذي تنتهجه إيران في سياستها الخارجية أكد عليه بنى صدر، أثناء حملة ترشيحه للرئاسة قائلاً:

"… إن تعريف الاستقلال هو أن يكون استقلالاً عن القوتين العظميين في آن واحد… إن ما نحتاج إليه هو جبهة موحدة من جميع الشعوب المضطهدة من الدول الكبرى …".

وفي محاولات التقرب العديدة للاتحاد السوفيتي من إيران، رفض الخميني عرضاً سوفيتياً لدعم إيران عسكرياً، في مواجهاً حصار محتمل من الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا تُثْبت إيران يوماً بعد يوم موقفها الحيادي من القوتين العظميين، بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك في رغبتها في أن تشارك الدول الإسلامية ودول العالم الثالث، في توجه يحدد سياسة اقتصادية على ضوء مصالحها واحتياجاتها، بعيداً عن الانحياز للدول الكبرى.

إن تأثير التدخل السوفيتي في أفغانستان على دول الجوار (الصين، باكستان، إيران) أصبح واضحاً، حيث أيدت الصين سياسة هجومية على الاتحاد السوفيتي، تُبنى على محاور ثلاثة، هي: رفض الهيمنة السوفيتية، والتحالف مع باكستان في مواجهة الاتحاد السوفيتي والهند من خلال معونات عسكرية، ودعم المجاهدين الأفغان. أما باكستان فقد اتجهت إلى توثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي، لدعم المجاهدين الأفغان. ولا تزال إيران، وعلى الرغم من تعاطفها الواضح مع فصائل المجاهدين، ذات دور هامشي، وستظل محور التنافس في المستقبل.



[1] قانون أُصدر عام 1977، حول المساعدات الأمريكية للدول الأجنبية، يحجب كل مساعدة عن الدول، التي توسع برامجها النووية المدنية أو العسكرية، وترفض تفتيش خبراء وكالة الطاقة النووية.

[2] قانون معدل أضاف على قانون سيمنجتون فقرة تتعلق بتغذية البلوتوينوم.