إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الأزمة الأفغانية (تاريخيا، وسياسيا، وعسكرياً)

المبحث الخامس

المقاومة الأفغانية

ازداد التقارب بين نظام محمد داود والاتحاد السوفيتي، ثم حزب الشعب الديموقراطي. خاصة بعد ثورة 1973م وقيام الجمهورية الأفغانية. وتقلد الكثير من الشيوعيين مناصب عديدة حساسة، تمكنوا من خلالها إقناع داود بخطورة الإسلاميين، على أمن البلاد واستقرارها، وأن الواجب اعتقالهم. وبالفعل اعتقل داود غلام محمد نيازي، وآخرين من قيادات الأحزاب الإسلامية، في حين استطاع آخرون، مثل برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار وأحمد شاه مسعود، الفرار إلى دول أخرى. ولم تكن موجة الاعتقالات مقصورة على الإسلاميين فقط، بل شملت أيضا بعض القيادات الشيوعية، حيث كان داود يُناور بالمعتقلين حسب الموقف خاصة مع الاتحاد السوفيتي. فإذا كانت العلاقات طيبة أفرج عن الشيوعيين، وإن لم تكن كذلك استمر في اعتقالهم.

أما أهم الأحداث، التي يمكن أن يطلق عليها جوازاً المقاومة، وهي المحاولة الانقلابية، التي حاول الأخوان المسلمون القيام بها. فقد قرر حكمتيار ورباني ومسعود ـ وكانوا قد تولوا مراكز قيادية في أحزاب ـ تحت التأسيس ـ الإطاحة بداود بأن يقوموا بمهاجمة عواصم ولايات بانشير، ولگر، وقندهار، وبدخشان، وكذلك كابل، وذلك يوم 22 (تموز) يوليه 1975م، إلاّ أنهم فشلوا في تنفيذ الخطة، حيث إنهم لم يتمكنوا من الحصول على أي دعم من الجيش الأفغاني، على الرغم من أن خطتهم بنيت على أساس أن مجموعات عسكرية معارضة لنظام داود سوف تقوم بمساعدتهم.

بعد فشل الانقلاب، عاد قادته إلى باكستان بعد قتل معظمهم، وسجن بعضهم الآخر، إضافة إلى إعدام ثلاثة منهم، وإدخال 69 منهم السجن. وقد أحدث هذا الانقلاب انقساماً داخلياً في صفوف الأخوان. وكان من آثار هذا الانقلاب الفاشل قرار داود بإعادة النظر في الخطوط الرئيسة لسياسة أفغانستان الخارجية، لتحقيق نوعٍ من التوازن، بين الشيوعيين وغيرهم. لذا قلّص الوجود الشيوعي في الحكومة مع استبدال بعضٍ منهم بشخصيات مستقلة، خاصة المخلصة له.

لكن مهمة داود بتنقية الإدارة الحكومية من الشيوعيين، لم تكن سهلة. فالشيوعيون كانوا متمركزين في الوظائف العليا في الوزارات، وفي المراكز المختلفة المهيمنة على مقدرات الدولة. لذا كان من الصعب تغييرهم وذلك لقوة نفوذهم، إلاّ أن داود لم يستسلم للوضع القائم وأصر على تنفيذ مخططه. فأقال فايز أحمد وزير الداخلية، وعين عبدالقادر النورستاني بدلا منه، وكذلك عبدالكريم الطائر محل عبدالحميد موهانات، وزيراً للاتصالات، وعزيز الله واصف وزيراً للزراعة بدلاً منه جلياني بختيار، وعُيّن هؤلاء الوزراء للعمل كسفراء لأفغانستان بالخارج. هذه التغيرات جعلت الشيوعيين يشعرون بالقلق، وعدم الاطمئنان على مواقعهم. ومن ثم كان واجباً عليهم سرعة التحرك، فكانت ثورة (نيسان) أبريل 1978م، ولكن هل يمكن اعتبار محاولة الانقلاب الفاشل، الذي قام به الأخوان المسلمون في (تموز) يوليه 1975م، أو حتى الثورة الشيوعية في (نيسان) أبريل 1978م، هما بداية المقاومة المسلحة، بالقطع لا، إنما يمكن القول: إن المقاومة الإسلامية للنظام الشيوعي هي بداية المقاومة الفعلية. ومهما كان أسلوب المقاومة في التعامل مع النظام الشيوعي، فمن الواضح أنه يمكن اعتبارها حركة شعبية، انبثقت تلقائيا من بين مختلف الفئات الأفغانية ذوي الدوافع المتعددة، حيث يلاحظ أنها تتمتع بقوى بشرية، ولكن ينقصها السّلاح والتنظيم. فكما هو معروف عن حركات التحرر المختلفة، أن المهمة الرئيسة لطلائع الثوار، غالبا، ما تكون لكسب الدعم من قطاع من الشعب، من أجل بناء المنظمة السياسية القادرة على إدارة البلاد، وهذا ما لم يحدث بالنسبة للثورة الأفغانية، حيث لم يتم توحيد كلمة المجاهدين حتى الآن، بل إن الجهاد تحول إلى حرب أهلية بين فصائل المجاهدين أنفسهم، في أعقاب جلاء الاتحاد السوفيتي عن أفغانستان.

في أعقاب ثورة (نيسان) أبريل 1978م، اتحد الأفغانيون في انتفاضة تلقائية، ضد حكومة النظام الشيوعي التي حلت محل جمهورية محمد داود. ونمت المقاومة بثبات وقوة، وكانت البداية في نوريستان، وهي منطقة معروفة بتمسكها باستقلالها الوطني. ثم انتشرت المقاومة من ذلك إلى منطقتي هزرجات وطاجيك شمالي هندوكاش، ثم إقليم حيرات على حدود إيران. على الرغم من أن الانتفاضة كانت تفتقر إلى الهدف، بخلاف ما هو معلن، وهو القضاء على النظام الشيوعي بتوابعه، وخاصة تدخل الحكومة في الشؤون المحلية للأقاليم، مع الرغبة الأكيدة من الثوار في حماية العادات التقليدية والقيم الدينية. وهكذا اتحد الثوار في تلقائية، ودون أي تنسيق قيادي. إلاّ أن الحكومة، تمكنت في شهر (آذار) مارس 1979م، من إحباط الانتفاضة في حيرات، حيث نسفت مخيمات الثوار في غزنه وقندهار وجاردز. ولكن الأحزاب الإسلامية المتمركزة في بيشاور بقيت، وكانت تحظى بدعم من الأفغان أنفسهم، وواصلت الانتفاضة انتشارها لتصل إلى معظم البلاد. إضافة إلى الجزء الكبير من الجنود الأفغان الذين تركوا الخدمة انضموا إلى المقاومة حينما تبين لهم مدى بشاعة أساليب القمع، التي يمارسها النظام الشيوعي، تحت رئاسة حفيظ الله أمين ومن بعده بابراك كارمل.

وهكذا تمكنت المقاومة الأفغانية من السيطرة على معظم الأقاليم الأفغانية، بينما تسيطر قوات الحكومة الأفغانية، بمعاونة الجنود السوفييت، على المدن والطرق الرئيسية، في السهول الشمالية الغربية، وفي المنطقة شبه الصحراوية في الجنوب الغربي، إضافة إلى سلسلة من المواقع الإستراتيجية، على طول الحدود الباكستانية. وقد بدأ الاتحاد السوفيتي في لتحصين مواقعه، وتجهيز وسائل المواصلات لهذه المواقع، حتى يسهل تأمينها إدارياً وفنياً.

والملاحظ أن المقاومة الأفغانية، حددت إستراتيجيتها في الكفاح المسلح فقط. فلم تلجأ إلى العمل السياسي، على التوازي مع العمل العسكري، أسوة بحركات التحرير المختلفة، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. بل اقتصر هدفها على الإطاحة بالنظام الشيوعي، والقضاء على رموزه. وكان الواجب عليها تجهيز كوادر سياسية، مثل لجان فردية منتخبة، مع تكثيف البرامج لتأهيل عناصر الشعب المختلفة، من أجل استلام إدارة البلاد، فيما لو تم القضاء على النظام الشيوعي. وقد ظهر واضحاً أن المجاهدين الأفغان لا يملكون أي إستراتيجية، أو خطة تنظيمية، تستطيع أن توحد الحركة الثورية المتشعبة. ومع أن بعض المجاهدين لديهم معلومات دقيقة عن العدو، إلاّ أن التنسيق بين الجماعات المختلفة من أجل توحيد أسلوب المقاومة، وتنظيم العمل العسكري، لم يكن واضحاً. وقد بلغت فصائل المجاهدين، الذين كانوا يعملون من بيشاور، سبع فصائل، وهي التي كانت تدعم بواسطة باكستان، وتتم السيطرة عليها بواسطة جهاز المخابرات الباكستاني. أما على الحدود الغربية، التي تسيطر عليهم إيران، فكانت الفصائل التي تعتنق مذهب الشيعة، ذات نشاط عسكري محدودٍ، لأن إيران كانت في حرب مع العراق مما استنزف جزءاً كبيراً من مواردها. إضافة إلى أنها لم تكن ترغب في إثارة المشاكل مع الاتحاد السوفيتي. وهكذا كانت قدرات المجاهدين المتمركزين في إيران كانت محدودة، إلاّ أنها تعاظمت بانتهاء الحرب العراقية الإيرانية. ويبدو أن زعماء المجاهدين لم يكونوا مكترثين بالأهداف السياسية ـ التي لا تقل أهمية عن الأهداف العسكرية ـ خاصة في معظم الحروب الثورية.

اعتمد الاتحاد السوفيتي - عندما قرر غزو أفغانستان - تعتمد على إدراك خصومه، بما فيهم الدول الكبرى، أنه القوة التي لا تهزم، لذا، فإن المقاومة الأفغانية نالت الكثير من الأعجاب لما أبدته من قدرة على مقاومة الآلة العسكرية السوفيتية، بل إن أفغانستان تُعد الدولة الوحيدة - من بين سائر الدول، التي اجتاحها الاتحاد السوفيتي - والتي رفضت الاعتراف بهذا الاحتلال، بل قاومت هذه القوة، حتى خروج آخر جندي سوفيتي يوم 15 (شباط) فبراير 1989 م. ولكن ما هي الأهداف السياسية؟ فكما هو معروف فإنّ حرب العصابات، أو حرب الفدائيين، قديمة قدم التاريخ، وهي تكتيكياً تعتمد على المفاجأة والمبادأة بالنسبة للعدو، وترفض القتال في معارك، تعتمد على المواجهة، نظراً لقلة إمكانياتها من ناحية المعدات، علاوة على أن أغلب المجاهدين ضعاف المستوى القتالي بالنسبة للجيوش النظامية، سواء الأفغانية أو السوفيتية. أما الهدف السياسي بالنسبة للحركات الثورية، فكما هو معروف أنها تعتبر وسيلة للتحرر والثورة، سواء على المستعمر أو على النظم التي لا ترضى عنها الشعوب مثل الثورة الفرنسية، وثورة لينين عام 1917م. وفي العصر الحديث، أطلق ماوتسي تونج اسم الحرب الثورية على حرب العصابات – التي بدأ بها ثورته ـ حيث أكد أن هذه الثورة كانت هي الوسيلة العسكرية للإطاحة بالنظم السياسية الفاسدة.

وانطلاقاً من هذه الرؤية التحليلية لواقع الثورات المختلفة، فيمكن اعتبار المقاومة الأفغانية سجينة، بسبب ضعفها تجاه الاتحاد السوفيتي ونظام الحكم الأفغاني. ومن المستحيل أن يتوصل الثوار إلى انتصار دون دعم دولي. وهذا ما حدث بالفعل، حيث بدأت دولاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، وباكستان، في تنفيذ مخطط شامل لدعم الثورة الأفغانية، في مواجهة نظام الحكم الشيوعي، والاتحاد السوفيتي.

وحتى تكتمل صورة المقاومة الأفغانية، لابد من التعرف على أهداف وقيم المحاربين المشتركين في المقاومة، حيث تلاحظ مدى الارتباط بطابع مجتمعهم التقليدي، التي تعتمد على الولاءات القديمة للعائلة والقبيلة. أي إنهم ينبذون، تبعاً لذلك الولاء التقليدي، جميع أشكال التنظيم، كما ينبذون تشكيل حركة تحرير بمعناها الحديث. وهم يخلطون بين التكتيك والإستراتيجية، ويعتبرون الانضباط والتنظيم شكلاً من أشكال الرفاهية، ويقاومون بازدراء أي عمل من الأعمال خلاف القتال، بل يرددون بأنه عمل حقير لا يليق بالمحارب، أما بالنسبة للتعصب الديني، فهو، وإن كان له تأثير واضح على العمل القتالي، إلاّ أن تأثيره سلبي على العمل الاجتماعي، ذلك أن من أهم أسباب تردي الحالة الاجتماعية هذا التعصب من بعض أفراد المقاومة. فكما هو معروف فإن أفغانستان تعتبر من أفقر عشرين دولة على مستوى العالم، إضافة إلى انتشار الأُمية، وضعف الرعاية الصحية العلمية، وتدني مستوى التعليم.

ويبقى سؤال أخير، سوف يحدد منهج العمل التحرري سواء أثناء الاحتلال أو بعد الجلاء، لأنه ـ كما هو معلوم ـ أن الشدائد خير وسيلة للتضامن والوحدة والترابط، في مواجهة الهدف الكبير، وهو جلاء القوات السوفيتية والقضاء على النظام الشيوعي. إلاّ أنه سرعان ما تطفو على السطح أهداف فرعية، يصعب تحقيقها لتعارضها مع المصلحة القومية، والسؤال يتعلق بموقف المقاومة الأفغانية ـ أي الفصائل المختلفة ـ من القومية الأفغانية، فهل الخطر السوفيتي هو الذي يولد العاطفة القومية، لهذا المجتمع القبلي؟ وأن إحساس القومية سينهار بزوال هذا الخطر، حيث تتعرض المقاومة للانقسامات القبلية والدينية واللغوية مرة أخرى؟ فكما هو معروف فإن انقسامات الشعب الأفغاني تندرج، تحت الفئات الثلاث الآتية:

أولاً: اللغوية

بين أولئك الذين ينطقون باللغة البوشتونية ولغة الأردية. فتستخدم فرق المقاومة المتمركزة في بيشاور اللغة البوشتونية، أما فرق المقاومة المتمركزة في إيران فتستخدم اللغة الأردية.

ثانياً: الدينية

ويغلب عليها السنة وهي في حدود 85% من السكان، أما الشيعة فنحو حوالي 10%، والباقي بعض الديانات غير المسلمة.

ثالثاً: العرقية

بين الباشتون، والطاجيك، والأوزبك، وغيرها.

وفي بعض الحالات، تتداخل هذه الفئات. فالصراع بين الباشتونين والهازارا كان دائماً دينياً وكذلك عرقياً، إلاّ أن فترة الجهاد جمعت الطوائف ببعضها، مثل الهازارا والنوريستانيين، حيث تعاونا مع الباشتونين.

وفي شمالي أفغانستان واصل الطاجيك القتال، بالتعاون مع حزب الجمعية الإسلامية الأفغانية، تحت زعامة برهان الدين رباني، انطلاقاً من بيشاور. وفي القسم الأكبر من المناطق الريفية، اتحد المجاهدون الأفغان، على اختلاف ولاءاتهم القبلية، ضد النظام الشيوعي وقوى الاحتلال السوفيتي.

رابعاً: عناصر المقاومة الأفغانية (أُنظر جدول أهم الأحزاب والجماعات الأفغانية المشاركة في الجهاد ضد الروس)

وحتى يمكن التعرف على أسلوب الكفاح المسلح، ضد قوات الحكومة والقوات السوفيتية، لابد من استعراض عناصر المقاومة الأفغانية، وأماكن تمركزها، وأسلوب دعمها، والمسؤول عن تنظيم هذا الدعم، وأسلوب تدريب هذه الأفراد.

إنّ أربع من بين فصائل المقاومة السبع، التي كان دائماً ما يطلق عليها تحالف الأربعة، والمتمركزة في بيشاور، هي تجمعات إسلامية، عارضت بشدة النظام الأفغاني، منذ سقوط الملك ظاهر شاه عام 1973م، وهي:

1. الحزب الإسلامي الأفغاني، بقيادة قلب الدين حكمتيار، وقد أسسه عام 1973م، وهو حزب سياسي عسكري يتمتع بنفوذ كبير في مناطق الحدود مع باكستان وشرق أفغانستان، وهو حزب ينتمي إلي أقوام البشتون وتعتبر مدينة كورنا حصنه المنيع ويتميز بالانسجام ودقة التنظيم.

2. الحزب الإسلامي، بقيادة مولوي محمد يونس خالص، بعد انشقاقه عن الحزب الإسلامي، وله نفوذ كبير في مناطق ننگرهار وپيكتا وانضم إليه عدد كبير من علماء الدين وعدد كبير من البشتون.

3. الجمعية الإسلامية الأفغانية، بقيادة برهان الدين رباني، وكان لها نشاط سياسي قبل الحكم الشيوعي، وشكلت أول جماعة جهادية، ورباني أستاذ سابق في جامعة كابل، تلقى تعليمه في الأزهر الشريف، واستطاع بمعاونة زميله عبدالرحيم نيازي تأسيس هذه الجمعية، وانضم إليه قومه من محافظة بدخشان، واستطاع أن يمد نفوذه بين الطاجيك والفرس، واختار أحمد شاه مسعود لقيادة الجناح العسكري للجمعية، والجمعية الإسلامية من أكثر الجماعات اعتدالا.

4. الاتحاد الإسلامي للمجاهدين الأفغان، بقيادة عبد رب الرسول سياف، الذي تلقي تعليمه في الأزهر الشريف، وعمل أستاذا في جامعة كابل، وسجن في عهد داود خان، واشترك هذا الاتحاد في المقاومة أربعة عشر عاماً، وهو يشبه في تنظيمه جماعة الإخوان المسلمين، وينتمي إلي البشتون.

وبجانب هذه الأحزاب الإسلامية، كان هناك ثلاثة أحزاب أخرى وهي:

أ. حركة الثورة الإسلامية الأفغانية، بقيادة مولوي محمد بني محمدي عام 1978م، وهو من علماء الدين، وتنتمي الحركة إلي البشتون، ولها نفوذ في المنطقة الغربية والوسطي وبين التركمان في الشمال، وتميل إلي الجبهة الوطنية والجبهة الإسلامية.

ب. الجبهة الوطنية لتحرير أفغانستان، بقيادة صبغة الله مجددي، أسسها عام 1978م وهو أستاذ سابق للفلسفة بجامعة كابل، وكان معاديا للشيوعية، وله نشاط كبير في جمعية العلماء المحمدية، وسجن في عهد داود خان، وتنتمي هذه الجبهة إلي البشتون ولها نفوذ بينهم وبخاصة قبائل الجنوب وعشائر الشمال.

ج. الجبهة الإسلامية الوطنية (المحاذ الوطني الأفغاني)، بقيادة سيد أحمد پير جيلاني وينتمي إلي البشتون، وله نفوذ في جنوب وغرب أفغانستان.

أما أحزاب الشيعة فهي ضعيفة، مقارنة بالأحزاب السنية، التي سيطرت عليها باكستان، ومنها حزب الوحدة، وحركة نصر، وحركة الشورى والاتفاق، وحرس الجهاد، والحركة الإسلامية، وحزب الله.

ويُعد الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، والجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني، أكثر الأحزاب نشاطاً وتأثيراً على حركة الجهاد الأفغاني. ولدى كل منهما الإمكانيات، التي تؤهله للتأثير في اتخاذ القرار، إلاّ أنهما لم يستفيدا من قوتهما في توحيد الكلمة، من أجل مصلحة الشعب الأفغاني، خاصة بعد جلاء الاتحاد السوفيتي، وانهيار نظام نجيب الله. وقد حدث العكس، حين اشتدت حدة الخلاف، خاصة بين أحمد شاه مسعود وحكمتيار. (أُنظر جدول جماعات أفغانية مهمة أخرى)

وكانت بداية تحرك أحزاب الجهاد من باكستان، حين اختارت مدينة بيشاور[1] الحدودية، مركزاً لتحركاتها. ومع الغزو السوفيتي، تحول الوضع ـ الذي كان يبدو أنه صراع محلي ـ إلى صراع دولي. فقد كان الاحتلال السوفيتي سبباً في هروب عدد كبير من المواطنين الأفغان، بلغ عام 1984، حوالي ثلاثة ملايين ونصف لاجئ في باكستان، ومليونين في إيران، أي ما يساوى ثلث تعداد سكان أفغانستان.

وتعرضت أحزاب الجهاد، التي تشكلت بين عامي (1978، 1980م) إلى صعوبات عدة. فإضافة إلى واجب الجهاد، فهي تقوم بواجبات إدارية، سواء في باكستان أو في أفغانستان، خاصة في المواقع الخاضعة لسيطرتها.فمثلاً من واجباتها الإشراف على معسكرات اللاجئين، التي تبلغ حوالي 350 مخيماً، إضافة إلى الإسهام في إنشاء دور للعلم والمستوصفات. وللقيام بهذه الأعباء الإدارية، كان عليها تشكيل التنظيمات الخاصة بتلك المهام، مثل اللجان العسكرية والسياسية والإدارية والطبية والثقافية… الخ، من اللجان التي تحتاجها لتسيير الأمور الإدارية اللازمة للكفاح المسلح. كان من أهم اللجان لجنه اللاجئين، وهي المكلفة بإصدار بطاقات للاجئين. هذه البطاقات كانت تمنح للأفراد الذين ينتمون إلى أحد الأحزاب السبعة فقط، لذا فان المخابرات الباكستانية ـ والمسؤولة عن توزيع المعونات ـ لم تكن تعترف إلاّ بهذه الأحزاب السبعة فقط، ومن ثم أمكنها السيطرة على اللاجئين الأفغان، وأحكمت قبضتها عليهم. ومن هنا تحولت بيشاور إلى قاعدة إدارية لنشاط أحزاب الجهات، إضافة إلى كونها قاعدة للأنشطة السياسية والدبلوماسية المكثفة.

وعلى الرغم من الاختلافات داخل صفوف المقاومة الأفغانية، وافتقارها إلى الموارد المالية والعسكرية، إلاّ أن مواقفها الإسلامية، أعطتها الشّرعية لصد الغزو السوفيتي، وزيادة عدد المنتمين إليها. وفي البداية أعتقد المحللون الإستراتيجيون، أن الاتحاد السوفيتي لن يسمح بتصعيد الحرب على حدوده الجنوبية، خصوصاً إذا أصبح الجهاد[2]، عاملاً أساسياً. فالكثير من الأفغان يؤمنون بأن حربهم عقائدية ضد الإلحاد، وهذا ما قوّى من عزيمتهم. وعلى الرغم من تعاظم خطر المجاهدين، إلاّ أن السوفييت يرفضون أن تصبح أفغانستان هي فيتنام الاتحاد السوفيتي، مما قد يضطرهم على الأقدام نحو الحل النهائي لهذه القضية، إما بالدخول في معركة فاصلة مع المجاهدين، أو باللجوء إلى الحل الدبلوماسي.

إنّ سلوك الحزب الإسلامي، الذي يتزعمه قلب الدين حكمتيار، جديرة بالدراسة، لكونها شاذة وصارمة. فالتعذيب والاغتيال شائعا الاستخدام في التعامل مع الذين يعارضون الخط السياسي للحزب، والداعي إلى ثورة إسلامية، وطالما أن التوجه السياسي لهذا الحزب هو الثورة الإسلامية، فلابد أن الحزب يملك مشروعا سياسيا مستقبليا يسعى إلى تحقيقه.

والملاحظ أن بعض الأحزاب الإسلامية، قد تبنت هذا المفهوم لكونها الوحيدة، التي تملك تنظيما سياسيا، إضافة إلى مشروعها الاجتماعي.

ويُعدّ حكمتيار من أكثر زعماء المقاومة ذكاءً وطموحاً، ولحركته خلايا مهمة في كابل، وفي عدة أقاليم شمال شرقي أفغانستان، من بينهما قندز وكونا وننگرهار. وهذه الخلايا هي، التي أعطت الصلابة والاستمرارية للحزب، حتى بعد جلاء الاتحاد السوفيتي عن أفغانستان، وبداية الحرب الأهلية مع الفصائل المختلفة.

أما حزب الجمعية الإسلامية الأفغانية بقيادة رباني، فهو أقل تعصباً من حركة حكمتيار، ولكنه ليس أقل حزماً في أصوليته، وهو أقوى وجوداً في الأقاليم الشمالية في بدخشان وتافار. وفي مناطق الطاجيك. وينتمي الثوار في الأقاليم الواقعة في الجنوب، إلى الجمعية الإسلامية، التي حافظت على وادي بنجشير، ضد الهجمات السوفيتية المتكررة. وأما الحزب الإسلامي، الذي يتزعمه يونس خالص، فهو حركة محلية تتمركز في إقليم ننگرهار، وتنتشر في باكنيا. ويُعد يونس خالص هو الزعيم الثائر، الذي يشارك في القتال بنفسه.

وأما الجماعات الثلاث الأكثر اعتدالا، فيمثلهما جيلاني ومجددي، وهما ينتميان إلى عائلتين بارزتين من الزعماء المسلمين، الأمر الذي أتاح لهما تأثيراً روحياً على الشعب الأفغاني. فوالد جيلاني هاجر من بغداد إلى كابل، حيث كان مفضلاً عند الملك أمان الله، وكان يعتقد أنه من سلالة النبي محمد عليه السلام، مما أضفى عليه هالة انتقلت إلى ولده سيد. أما صبغة الله مجددي، فقد استلم قيادة الجبهة الوطنية لتحرير أفغانستان من عمه هزرات مجددي، وهو أيضا شخصية دينية محترمة، اغتالها حزب خلق.

وتُعد حركتا جيلاني ومجددي، جبهتين وطنيتين نشأتا على أساس قبلي، ولم يحظيا بالقدر الكافي من المعونات الأجنبية. لذا، فإن قدراتهما القتالية والتنظيمية محدودة، مما أثر على شعبيتهما على مستوى الأقاليم المختلفة، وهذا ظاهر في طبيعة الأفراد المنتمين إلى الجماعتين. فيلاحظ أنهما تعتمدان على التحالف القبلي، بين مجموعات البشتون الريفية في جنوب أفغانستان، حيث لا تحارب أي وحدة منهما خارج المنطقة. وعلى الرغم من قلة الدعم المسموح به لهما، فإن قدرتهما القتالية فاعلة ومؤثرة على العدو. وتميل الجماعتان إلى المحافظة على الشؤون الدينية، لكنهما ليس بالقدر المماثل للحزب الإسلامي برئاسة حكمتيار، ولكن يحسب لهما أنهما أكثر انفتاحا على أفكار المحدثين والوطنين.

أما الحركة الأخيرة، حركة الانقلاب الإسلامي، بقيادة محمد بني محمدي، التي تتألف من الملالى، فتُعد أوسع منظمة ثورية. وهي من حيث التعريف حركة دينية، لها جذور في كل من شمالي البلاد وجنوبيها، وترتكز أقوى قواعدها في أقاليم لگر وغزنه وبجلان وقندز وكابل وقندهار، وتمتد حتى غربي أفغانستان. لكن أهم نقاط الضعف لدى محمدي، الذي كان نائباً برلمانياً عن إقليم لگر، أنه لا يمتلك المقدرة على قيادة حركة واسعة أو ضبط تنظيمها، كما أن المجموعات الفرعية كثيراً ما تهدد بالقضاء على الحركة، لتشكيل حركة مقاومة جديدة.

هذه الحركات السبع، خلافا للتجمعات الموجودة في إيران، يوجد جوارها تجمعات أكثر، إلاّ أن أسلوب توزيع المعونات يجبر الشعب الأفغاني على الانضمام فقط إلى الأحزاب السبعة، التي ذُكرت، حتى يتمكنوا من الحصول على الدعم.

خامساً: حركة طالبان

ظهرت حركة طالبان في أكتوبر عام 1994، حركة شبابية من طلاب العلم بالمعاهد الدينية، واستطاعت تجميع حوالي ثلاثة آلاف مقاتل خلال 4 سنوات، وبدأت من قندهار بزعامة الملا محمد عمر، وهو أحد قادة مولوي محمد بن محمدي.

وأظهر أعضاء الحركة كراهيتهم للأحزاب الأفغانية الموجودة على الساحة لعدم صدقيتها. ويلاحظ أن لباكستان دور حيوي في دعم الحركة، ويمكن القول إن أغلب عناصر الحركة كانوا ضمن تنظيمات المجاهدين، وبعضهم شارك في مقاومة الجيش السوفيتي.

استطاعت الطالبان أن تشكل قوة عسكرية مسلحة من خلال الدعم العسكري والمالي الخارجي والداخلي، وبتعاظم قوة الحركة عمدت إلى التحرك نحو كابل، واستولت عليها في فبراير 1995، إلا أنهم هُزموا في منتصف مارس من العام نفسه.

وفي عام 1996 استطاعت الطالبان الاستيلاء على مدينة كابل مرة أخرى، ثم معظم الأقاليم الأفغانية، وقامت بتشكيل حكومة جديدة. وعلى الرغم من الانتصارات العسكرية التي حققتها الحركة، إلا أنها بدأت تواجه انقسامات وصراعات داخلية.

استطاعت حركة طالبان إعادة تحالفاتها السياسية، وبناء قدراتها التنظيمية والقتالية. فقد تحالفت مع قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي في نوفمبر عام 2003، بعد أن كان أحد الأعداء التقليديين لها، ما يعني مزيداً من الدعم المالي والعسكري للحركة.

كما عين الملا عمر زعيم حركة طالبان، في يونيه 2003، مجلساً من عشرة أعضاء من بينهم وزير الدفاع السابق، وعدد من القيادات العسكرية السابقة في جيش حركة طالبان، وأوكل إلى هذا المجلس مهمة طرد القوات الأمريكية، مع تصعيد العمليات العسكرية، واستخدام أسلحة أكثر تقنية، ونقل مسرح العمليات من جنوب أفغانستان إلى شماله ما يعني زيادة تغلغل نفوذ الحركة.

وطبقاً للقرار 1386 في 20 ديسمبر 2001، أرسلت الأمم المتحدة قوة أمنية دولية متعددة الجنسيات عرفت باسم "إيساف"، لمدة ستة شهور، قابله للتجديد؛ بمهمة مساعدة السلطات الأفغانية في حماية الأمن في العاصمة كابول وضواحيها. وقد تعرضت هذه القوة لهجمات شديدة من قبل طالبان والقاعدة وتنظيمات المقاومة الأفغانية، ما أثر على كفاءتها وأدى إلى اختيار حلف شمال الأطلسي في أغسطس 2003، لقيادة قوات حفظ السلام في كابول، ووصل عدد قوات الحلف إلى 5500 جندي من دول الحلف التسع عشرة.



[1] مدينة بيشاور: كان قد فقدها الأفغان عام 1843، نتيجة تحالف إنجلترا مع السيخ.

[2] أعادت أفغانستان الصفات الإسلامية إلى التداول، حيث أطلق اسم ` المهاجرون ` على الأفراد، الذين غادروا ديارهم هرباً من بطش السوفييت. أما حملة السلاح من أجل مقاومة القوات الأفغانية والسوفيتية، فقد أطلق عليهم ` المجاهدون`، كما أُطلق على أهالي باكستان وإيران ` الأنصار`.