إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الأزمة الأفغانية (تاريخيا، وسياسيا، وعسكرياً)

المبحث السادس

دور الأحزاب في تعميق الشعور بالقومية

إنّ أفغانستان تقترب بسرعة من الانهيار الكامل، حيث لا توجد أي مقومات لنهضة الدولة! فالتنمية الاجتماعية والاقتصادية أصبحتا بعيدتي المنال، والبنية الأساسية، التي أُنشأت منذ عصر أمان الله، حتى بداية الاحتلال السوفيتي في ديسمبر 1979، قد دمرت نتيجة العمليات الحربية، حتى إن المعونات، التي تصل إلى الشعب الأفغاني واللاجئين لم تعد تكفي. وهذا يؤكد على أن الثوار الإسلاميين، لا يمكنهم تقديم أي شيء لأفغانستان الدولة. وتبقى القومية الأفغانية ـ حتى الآن ـ حركة ضعيفة واهية، لأن الولاءات الأفغانية هي دينية وعرقية وقبلية، ومن الصعوبة بمكان، إقامة نظام حكم مركزي يستطيع القيام بمهام الدولة المركزية، من أجل إحكام السّيطرة على الأقاليم الأفغانية، حتى يُمكن البدء في مشروعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ولمّا كانت موسكو مقتنعة ـ حسب رؤيتها الماركسية القاصرة ـ أن المد الثوري لن يعود إلى الوراء، وأن حكومة كابل الاشتراكية هي الحكومة الشرعية، وأنه بمرور الوقت ستضعف قوى المعارضة، ويمكن القضاء عليها تدريجيا، إلاّ أن ما جرى كان عكس ذلك. فخسائر الحرب زادت لدى القوات الحكومية والقوات السوفيتية، ولكن بسبب ندرة المثقفين الأفغان، الذين يعملوا في هذا المجال، وقلة وسائل الإعلام، لم يستطع المجاهدون نقل الصورة الحقيقية، لِما يحدث للرأي العام العالمي. هذه الصورة لا بد وأن تشمل نشاط أعمال القتال بين الأطراف المتصارعة. إضافة إلى انقسام المقاومة، الذي كان له أثر سلبيٌ كبير، حيث ساعد الاتحاد السوفيتي على تقليص البعد السياسي للاحتلال، أمام المنظمات الدولية.

وعلى الرغم من هذه الانقسامات، وقلة التنظيم، إذ لا توجد قيادة عسكرية مشتركة، لتنظيم التعاون بين قوات الجهاد، إلاّ أنها نجحت في مقاومة الجيش السوفيتي بإمكانياته الكبيرة، ومعه قوات حكومة كابل، ومنعته من السيطرة الكاملة على أفغانستان. ذلك أن أجزاءً كثيرة من البلاد، كانت تحت سيطرة المجاهدين، مما اضطر القوات الحكومية إلى توقيع أكثر من هدنة عسكرية. وبالنظر إلى نتائج العمليات العسكرية، التي كانت بين قوات نظامية مدربة، وقوات قليلة تسليحها محدود وليس من المتوقع لها إحراز نصر جوهري يؤدي إلى جلاء القوات السوفيتية عن أفغانستان، يؤكد المراقبون العسكريون على أن الاستنزاف المادي، نتيجةً لهذه الحرب، هو الذي دفع الاتحاد السوفيتي إلى الانسحاب. وكذلك الإستراتيجية الجديدة، التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية، حين قررت تقديم المساعدات للمجاهدين الأفغان. وقد تلاحظ، أن اهتمام واشنطن المفاجئ بأفغانستان، لم يلق قبولاً مطلقاً لدى المجاهدين، الذين يصرخون دائماً بأنهم لا يرغبون في أن يكونوا أداة للانتقام من السوفييت، وأن إرسال الأموال والأسلحة لن يشتري لواشنطن ولاء الأفغانيين.

والمعروف أن علماء الدين، قبل ثورة  أبريل 1978م، لم يشكلوا قوة تذكر، وإنما كانوا شكلاً من أشكال المعارضة السياسية، في مواجهة أنظمة الحكم وخاصة حكم محمد داود، خلافاً للشيوعيين، الذين كانت لهم مؤسسات مركزية. ولكن يجب عدم إغفال ما يحظى به علماء الدين من تقدير شعبي واحترام، بصرف النظر عن مركزهم الاجتماعي والسياسي المعتمدَيْن على تعاونهم مع الحكام.

ولكن السياسة الداخلية، التي انتهجها حفيظ الله أمين، وفّرت فرصة كبيرة للتجمع الإسلامي في مواجهة الخطر الشيوعي، حيث رفعوا شعاراً "الإسلام في خطر". ثم بدأوا في تكوين المؤسسات القيادية بدعم من الدول الإسلامية، وخاصة الجامعة الإسلامية في باكستان.

وأهم إنجازات المقاومة الأفغانية هي:

1. منع القوات السوفيتية من السيطرة الكاملة على أفغانستان.

2. إيجاد روابط إسلامية قوية بين فصائل المجاهدين المختلفة، التي كانت التعددية العنصرية تحول دون تحقيقها.

3. ظهور زعامات جديدة في ميدان القتال، بدلاً من الزعامات التقليدية للأحزاب السياسية الموجودة في أفغانستان. فقد بدا واضحاً أن تلك القيادات فشلت في الوصول إلى حلول فيما بينها، كما أنها فشلت في إجراء مفاوضات على المستوى الدولي، من أجل تحقيق مصالح الشعب الأفغاني.

4. نجحت المقاومة في الحصول على كميات كبيرة من السّلاح السوفيتي، الذي استولت عليه خلال العمليات؛ إضافة إلى ما سلمته القوات الحكومية. هذه الأسلحة أصبحت مصدراً غير متجددٍ، مما كان له تأثير كبير في تطوير أساليب القتال بين المجاهدين، وبين قوات النظام. إضافة إلى ما حصلت عليه من الولايات المتحدة الأمريكية.

ومهما كانت دوافع المقاومة الأفغانية، فإن المحور الرئيسي للجهاد كان هو الإسلام، الذي يشكل العروة الوثقى لدى الأفغان، فبينما لم توفر القومية الأساس للمقاومة، فإن الدين الإسلامي هو الذي أسس الركيزة الرئيسة للمقاومة، وخاصة أن التدخل جاء من دولة تهدف إلى التأثير على العقيدة الإسلامية. وقد نتج عن تعرض أفغانستان للغزو العقائدي من الاتحاد السوفيتي، عن طريق حزب الشعب الديموقراطي، أن ظهر نزاع جاء حول ماهية المجتمع الإسلامي الجديد، الذي ينادى به الحزب، هل هو مجتمع علماني يدين بالإسلام، أم هو مجتمع ماركسي يمارس شعائر الإسلام، وكيف يكون ذلك؟ فالإسلام لا يتجزأ، فهو عقيدة متكاملة، لذا فإن المجاهدين رفضوا بشدة مزج الإسلام بالاشتراكية. فكان هذا الرفض هو منهج المجاهدين، في رفض أي حكومة انتقالية يشارك فيها حزب الشعب الديموقراطي، الذي سُمّي بعد ذلك الحزب الوطني، للإيحاء بأن الشيوعية انتهت بجلاء القوات السوفيتية عن أفغانستان.

إن موسكو تعمل على جعل أفغانستان دولة علمانية تعتنق الشيوعية، وذلك بهدف أن تكون منطقة عازلة لمنع الثورة الإيرانية الإسلامية، من التأثير على الجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا. إضافة إلى أنها لا ترغب في تحويل أفغانستان إلى دولة إسلامية لأن ذلك سيشكل حزاماً من الدول الإسلامية المترابطة الممتدة من تركيا إلى إيران وإلى باكستان، ثم إلى أفغانستان، حيث سيكون هذا التجمع عاملاً مشجعاً لسكان الجمهوريات الإسلامية ـ جنوب الاتحاد السوفيتي ـ للحصول على الاستقلال. بل من الممكن أن يؤدى إلى ثورات عرقية ودينية انفصالية، خاصة أن الأجيال الجديدة في الجمهوريات السوفيتية الإسلامية، بدأت تبحث عن تاريخها، وبدأ يتولد لديها حنين إلى جذورها الإسلامية، وإلى نمط آخر للحياة بعيداً عن النمط الشيوعي، الذي قضى على هويتهم وعلى روحهم الإسلامية.

وقد اعترف قادة الحزب الشيوعي بأثر العقيدة الإسلامية على الاضطرابات، التي تحدث، وأرجعوا ذلك إلى تأثير الثورة الإسلامية في إيران، إضافة إلى تعرض الجمهوريات الإسلامية السوفيتية للاضطهاد الذاتي وكبت الحريات الدينية، علاوة على تدني مستوى المعيشة والخدمات، مقارنة بالجمهوريات الأخرى.

ويجمع المراقبون على أن الغزو السوفيتي لأفغانستان، من أخطر العوامل المؤدية لزيادة روح التمرد. ففي بداية الغزو، أشرك السوفييت فرق من القوات المسلحة السوفيتية، تنتمي عناصرها البشرية إلى الجمهوريات الإسلامية المجاورة لأفغانستان، ظناً منهم أن هذا التصرف سوف يُحَسِّن من شكل الغزو، لدى الشعب الأفغاني ولدى القوات السوفيتية، حيث إن العلاقات الدينية المشتركة يُسَهِّل من مهمة الغزو. لكن النتيجة كانت عكس المتوقع، حيث وجدت القوات السوفيتية في مواجهتها شعب يكاد يكون أعزل، إلاّ من أسلحة قليلة لا تستطيع مواجهة القوة السوفيتية. ولم تجد "إمبريالية أمريكية أو صينية"، فتأكد لها كذب أجهزة الإعلام السوفيتية، وادعاؤها الباطل على شعب أفغانستان المُسالم، إضافة إلى إنهم فوجئوا بمقاومة عنيفة، أدت إلى القضاء على كثير من الجنود السوفيتيين. وبتطور العمليات العسكرية غير المتكافئة، تلاحظ أن عدداً كبيراً من جنود النظام الحاكم والجنود السوفييت، بعد أن تعرفوا على طبيعة الدين الإسلامي، هربوا وانضموا إلى صفوف المجاهدين، بما لديهم من أسلحة ومعدات. وبدأت تنتشر البنادق الآلية (الكلاشنكوف) الروسية الصنع، علاوة على ما يتم الاستيلاء عليه كغنائم من الجيش الحكومي الأفغاني. وتوالى هروب العديد من أفراد الجيش الأفغاني بأسلحتهم ومعداتهم، على الرغم من محاولات السوفييت الحيلولة دون وصول الأسلحة الحديثة إلى المجاهدين، بل إن موسكو حاولت وضع قيود كثيرة لمنع وصول الأسلحة للمجاهدين، ولكنهما فشلت.

ولم تقتصر عمليات الفرار على أفراد الجيش الأفغاني فقط، بل إن الجيش السوفيتي عرف الظاهرة نفسها، فالعناصر المسلمة تعاطفت مع المجاهدين، وبدلاً من محاربتهم لكونهم من أعداء الثورة، انضموا إلى صفوفهم. وهكذا، اضطرت هيئة الأركان السوفيتية، ابتداء من شهر فبراير 1980م، إلى سحب الأفراد القادمين من الجمهوريات الإسلامية حتى تمّ في 15 فبراير 1989م، جلاء آخر جندي سوفيتي عن أفغانستان.

أولاً: الإمداد بالأسلحة والمعدات

يقول برهان الدين رباني:

"…لقد بدأنا جهادنا المسلح من باكستان بمسدسات وأسلحة خفيفة، عبارة عن بنادق قديمة من نوع (لي انفيلد) الإنجليزية الصنع، التي استخدمت في الحرب العالمية الأولى …".

تُعد الأسلحة والمعدات والأفراد، من أهم الركائز لإنشاء أي قوة مسلحة. فبالنسبة للأفراد فإن المجاهدين الأفغان لا ينقصهم هذا العنصر، بل يوجد فيه وفرة، نتيجة لانضمام ما يقرب من 80 ألف جندي مدرب من الجيش الأفغاني الحكومي والفارين من خدمة النظام الشيوعي. ولكن ما السبب الرئيس في تسرب هؤلاء الأفراد وانضمامهم إلى المجاهدين، على الرغم من الظروف الميسرة لهؤلاء الجنود؟ فرواتبهم مرتفعة مقارنة لباقي وظائف الدولة. والجواب أن هؤلاء الجنود افتقدوا الحافز على القتال، إضافة إلى المستوى التدريبي السيئ. وبصرف النظر عن كونهم ضمن قوات الجيش الأفغاني الحكومي، التابع للنظام الشيوعي، فهذا لم يغير كثيراً من عقيدتهم الإسلامية، بدليل كثرة عدد الفارين من الخدمة، والمنضمين إلى المجاهدين.

وهكذا، تلاحظ تقلص عدد أفراد الجيش الأفغاني، ولم يعد من الممكن الاعتماد عليهم بصورة قاطعة. فالفارون منهم يسلمون أنفسهم بسلاحهم، حتى وصل الأمر إلى أن بعض الوحدات سلموا أنفسهم للمجاهدين بمعداتهم وأسلحتهم. وبذلك ازدادت مخاوف القوات السوفيتية، من تسرب أسرار المعدات إلى باكستان، ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك كانت حريصة ودقيقة في إمداد الجيش الأفغاني بالأسلحة المتطورة، وعلى الرغم من ذلك تسرب الكثير من الأسلحة، خاصة المضادة للطائرات والدبابات.

وكانت بداية إمداد المجاهدين بالأسلحة الحديثة بانتظام، هو ما يتم الاستيلاء عليه من غنائم عملياتهم ضد الجيش الأفغاني. فقد استولوا على كميات غير قليلة من القاذف الصاروخي المضاد للدبابات الفردي (أر بي جي)، وكان له دور كبير في إيقاف عمليات الدبابات والعربات المدرعة. وبدءًا من عام 1980، استطاع المجاهدون الاستيلاء على الكثير من الأسلحة، مثل الرشاش المضاد للطائرات عيار 12.7مم والقاذف الصاروخي عيار 122 مم، ولم يكن لدى المجاهدين الخبرة الكافية لاستخدام مثل هذه المعدات، فتم إنشاء مراكز تدريب. وكانت تلك هي الخطوة التنظيمية الأولى من أجل تأهيل وتدريب الأفراد. ومع تطور العمليات الحربية، حيث بدأت الدبابات والطائرات بأنواعها المختلفة الاشتراك في المعارك، كان من الأهمية التأكيد على استمرارية الإمداد بالأسلحة. وبالفعل، بدأت بوادر انتظام عملية الإمداد، من خلال بعض الدول المعارضة للاحتلال السوفيتي. وبحكم خبرة القتال، التي نتجت عن انضمام بعض عناصر الجيش الأفغاني إلى المجاهدين، أصبح الإمداد بالأسلحة يتم بناء على احتياجات فعلية لمواجهة أساليب قتال الجيش السوفيتي، ومن ثم تطور أسلوب الإمداد وأخذ صورة أكثر استمرارية وانتظاماً، وتشكلت لجان لاختيار الأصناف المناسبة للعمليات.

قامت باكستان بدور كبير في السماح بإمداد المجاهدين بالأسلحة، خاصة تلك التي تصل من الخارج كمعونات، لأن باكستان كانت تصمم على أن جميع المعونات، لابد أن تمر من خلالها. وعلى الرغم من خطورة عملية الإمداد، خاصة عملية تأمين وصول الأسلحة إلى المجاهدين، لأن الجيش السوفيتي كان يسيطر، إلى حد ما، على جميع الطرق والممرات المؤدية إلى مواقع المجاهدين، ومن ثم فإن باكستان وجدت نفسها في موقف صعب أمام هذه القضية. فإن السماح بوصول الأسلحة إلى المجاهدين عبر أراضيها ـ علاوة على أن نشاط المجاهدين دائماً ما يبدأ من أراضيها ـ يمكن أن يعرضها إلى احتمال استخدام الاتحاد السوفيتي حق الملاحقة للمجاهدين، أي القضاء عليهم بضربة إجهاض داخل الأراضي الباكستانية نفسها، إضافة إلى احتمالات مواجهة عسكرية مباشرة بين الاتحاد السوفيتي وباكستان، أو بالوكالة عن طريق الهند، لأنه، كما هو معروف، فإن العلاقات الهندية الباكستانية ليست على ما يرام، بسبب مشكلة كشمير. ولكن في الوقت نفسه لم يكن الاتحاد السوفيتي يريد أن يفتح أكثر من جبهة في اتجاه واحد. فآثر إرسال إنذار إلى باكستان في صورة تدمير مخزن الذخيرة الرئيس للجيش الباكستاني، بمعسكر قريب من إسلام آباد، في شهر أبريل 1988م. وعلى الرغم من أن عملية التفجير كانت بعد توقيع الجلاء في 15 فبراير 1988م، إلاّ أنه يقال إن من ضمن الأسلحة التي تم تفجيرها حوالي 100 صاروخ مضاد للطائرات، من نوع (ستينجر) الأمريكي الصنع.

في عام 1986م، أمدت الولايات المتحدة الأمريكية ـ وتنفيذاً لإستراتيجية إنهاك القوات السوفيتية ـ المجاهدين بأسلحة قادرة على التعامل مع الطائرات المقاتلة الحديثة. فكان قرار الإدارة الأمريكية بضرورة إمدادهم بالصاروخ ستينجر المضاد للطائرات، وهو أحدث صاروخ في الترسانة الأمريكية. وقد تم الإمداد به عن طريق المخابرات الباكستانية، حيث كانت تقوم بتدريب الأفراد على الاستخدام. وفي الوقت نفسه أمدتهم إنجلترا بصواريخ (بلو ـ بايب)، مضاد للطائرات أيضاً[1]. هذه النوعية من الأسلحة المتطور المضاد للطائرات أحدثت ردود فعل كبيرة للقوات السوفيتية، سواء في خسائر المعدات والأفراد، أو في أساليب القتال، خاصة أسلوب استخدام القوات الجوية.

ومع استمرار القتال، وتطور الحرب واستمراريتها، حيث استغرقت عشرة أعوام، بدأ المجاهدون ينظّمون أنفسهم، ويطوّرون من قدراتهم بالتدريب. فالسلاح دون تدريب وحسن استخدام، لا يعني سوى المزيد من الخسائر. لذا، انتظم التدريب في مراكز تخصصية، يقودها ويديرها الأفغان أنفسهم، خاصة الضباط الذين تركوا الخدمة مع الجيش الحكومي، وانضموا إلى المجاهدين. والجدير بالذكر أن كلاً من حزب الاتحاد الإسلامي، وحزب الجمعية الإسلامية، أنشأَ كلياتٍ عسكرية، يتولى التعليم والتدريب فيها ضباط محترفون.

وقد تطورت قدرات المجاهدين، ونجحوا في إنزال أكبر الخسائر بالقوات السوفيتية والقوات الأفغانية الحكومية. وهكذا أثبتوا للعالم وللقوى العظمى بالذات أن استخدام القوة في الصراعات الإقليمية، لا تحسم دائماً لمصلحة الأقوى عسكرياً، مهما اسُتخدم فيها من أسلحة متطورة؛ وأن حسابات القوة يجب أن تضع في اعتبارها الشعوب الصغيرة وقدرتها على التضحية، في سبيل مبدأ أو عقيدة، فالشعب الأفغاني ضحى بحوالي مليون شهيد، وعانى من تشريد حوالي 3.5 مليون لاجئ، وتحمل تدمير بلده، ومع ذلك لم يستسلم وصمم على جلاء الاتحاد السوفيتي، وعلى إسقاط النظام السوفيتي، وتحقق له ما أراد.

ثانياً: القوى السياسية الفاعلة

تعكس القوى السياسية المتنافسة على الساحة الأفغانية الانقسام والتعدد العرقي حيث تسيطر الأحزاب السياسية على أقاليم أفغانستان التي تبلع تسعة وعشرين إقليماً. هذه الأقاليم أصبحت مقسمة تبعاً لقوة الحزب الحاكم ولنظامه الخاص في الحكم وفي إدارة شؤون الإقليم (من تعليم ـ صحة ـ ضرائب ....). إلا أن هذه السيطرة ليست مستديمة وإنما هي تتغير تبعاً للتحالفات التي تتم فيما بينهم، وهذه القوى هي:

1. الطالبان ويسيطرون على 13 إقليماً وينتمون إلى البشتون.

2. حزب جبشم، عبدالرشيد دوستم يسيطر على 5 أقاليم في الشمال وهو من الأوزبك وله روابط قوية مع جمهورية أوزباكستان المجاورة.

3. الجمعية الإسلامية، برهان الدين رباني وهو الرئيس الأفغاني السابق وهو طاجيكي ويسيطر الحزب على 5 أقاليم.

4. حزب الوحدة، ويرأسه كريم خليل وهو يسيطر على محافظتي وسط أفغانستان وتوجهه شيعي.

5. الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار رئيس الوزراء الأسبق في حكومة رباني وهو بشتوني ويسيطر الحزب على إقليم واحد.



[1] تؤكد التقارير الغربية على أن مجموع الصواريخ ستينجر وبلو ـ بايب التي أرسلت إلى المجاهدين منذ بدء تسليمها في أيلول سبتمبر 1986، وحتى آب أغسطس 1987، قد بلغت حوالي 800 صاروخ من نوع ستينجر، و350 صاروخ من نوع بلو ـ بايب، وتؤكد بعض المصادر الموثوق فيها أن حوالي 25% من هذه الكمية فقدت في باكستان