إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الأزمة الأفغانية (تاريخيا، وسياسيا، وعسكرياً)

المبحث الثامن

المرحلة الثانية للحرب في أفغانستان منذ نهاية حكم نجيب الله

اتسمت هذه المرحلة بصراع الأخوة المجاهدين، وتسابقهم على الاستيلاء على السلطة، على عكس المتوقع. فالشعور السّائد بالفخر نتيجة انتصار المجاهدين على النظام الشيوعي، والفرحة التي عمت العالم الإسلامي بهذا النصر، لم تلبث أن خبت جذوتها. فمازالت المشاكل والصراعات بين المجاهدين تسيطر على الموقف. هذه المشاكل جمّدت الحلول السّلمية، وزادت من الصراعات المسلحة بين فصائل المجاهدين. وهكذا، تحول حلفاء الأمس إلى أعداء اليوم، يتقاتلون بشراسة. وكان قلب الدين حكمتيار مصمماً على تولى السلطة، دون باقي المجاهدين، وتمركزت قواته جنوبي كابل، في محاولة لمنع أي قوات من الاستيلاء عليها، وأصبح الموقف معلقاً.

وأصيب الرأي العام ـ المحلي والإقليمي والعالمي ـ بخيبة أمل عميقة، فقد كانت النظرة إلى المجاهدين، نظرة تقدير وإعزاز وإجلال، لأبطال لا يبغون في قتالهم إلاّ مرضاة الله وحرية بلدهم، لا طمعاً في سلطة.

ولا شك أن المجاهدين استفادوا، من تجربة الثورة الإسلامية في إيران. فقد تجنبوا سفك دماء أعدائهم خاصة المتعاونين مع حكومة نجيب الله، بإصدارهم قانون العفو العام عن جميع الجرائم. وقد جاء على لسان مسؤول أفغاني: "إن من أخطأ في حق الله فأمره إلى الله، أما من أخطأ في حق الشعب، فلتُرفع دعواه أمام محاكم سيتم إنشاؤها لهذا الغرض". وهذا العفو العام يفتح صفحة جديدة، خالية من ممارسات الانتقام من السلطة القديمة. على الرغم من جديتها وسماحتها، واعتقدت فصائل المجاهدين أن الوقت قد حان، لقطف ثمار الجهاد ـ وهي المناصب السياسية ـ لأنهم الذين جاهدوا وعانوا من ويلات الحرب. واختلف الأخوة، أيهم أحق بدخول كابل حاملاً راية النصر. وأصبح القصف العشوائي بالصواريخ على كابل، يتم بصورة تلقائية. فلا أحد يعلم على من تُطلق هذه القذائف!

ولكن، هل يمكن إيجاد مبرر لهذا الصراع، هل المشاكل العرقية والطائفية والمذهبية والاقتصادية والإدارية وغيرها هي السبب؟ كما تدعي بعض قيادات الفصائل؟

وهل محنة القتال هي التي حجبت هذه المشاكل عن الساحة، وأرجأت البحث فيها إلى ما بعد تحقيق النصر؟

وهل استبدل المجاهدون عدوهم السوفيتي، بأخر مسلم، من وطنهم؟

كان تعدد فصائل المجاهدين، وعدم خضوعهم لنظام عسكري موحد، أمراً يُشعل نار الجهاد ويحسب له، إلاّ أنه أصبح يحسب عليهم بعد انتهاء الحرب، وجلاء الاتحاد السوفيتي، وسقوط نظام نجيب الله. بدأ المجاهدون البحث عن المشاكل، بدلاً من البحث عن وسيلة لإدارة بلادهم بأسلوب ديموقراطي، فضلوا الحرب الأهلية، وأصبح كل قائد منهم هو الأحق في تسلم السلطة، ونسوا مشكلة اللاجئين، الذين بلغوا حوالي خمسة ملايين، ما بين باكستان وإيران، ودول أخرى. ونسوا كيف يعيش هؤلاء اللاجئين، في المعسكرات والشتاء القارس، ونقص الرعاية الطبية والتعليم. كل هذا، ولم يتحرك هؤلاء القادة لإظهار الوجه المشرق للنصر، بأن يوحدوا كلمتهم من أجل شعبهم.

وأصبح الموقف العسكري يتلخص في أن قوات أحمد شاه مسعود، تتمركز شمالي العاصمة كابل، في حين قوات قلب الدين حكمتيار تتمركز في الجنوب، وكل منهما يقف حائلاً دون احتلال الآخر للعاصمة. أما عن الحكومة المؤقتة التي تشكلت في (شباط) فبراير 1988م، فغير قادرة على حكم البلاد.

ومن ثم، أصبح لزاماً التوصل إلى نظام يتولى مهام السلطة، ويكون قادراً على رأب الصدع، والبدء في إعادة إعمار الدولة، فكانت المفاوضات في بيشاور. وبدأت باكستان التوسط لدى فصائل المجاهدين، حيث بذل نواز شريف ـ رئيس وزراء باكستان في هذه الفترة ـ جهداً كبيراً من أجل إيجاد التسوية المناسبة، التي أسفرت عن اتفاقية الرابع والعشرين من (نيسان) أبريل 1992م. وبهذه الاتفاقية، تكون الحكومة المؤقتة قد انتهي دورها، حين حلّ محلها التشكيل الجديد الآتي:

1. صبغة الله مجددي ـ رئيساً للدولة لمدة شهرين، ورئيساً لمجلس شورى الجهاد[1]. وقد تم اختيار مجددي لأنه لا يملك حزباً سياسياً، أو قاعدة سياسية قوية تدعمه. فالجبهة الوطنية لتحرير أفغانستان، التي يتزعمها مجددي، من أصغر وأضعف الحركات الأفغانية. ويدل هذا الاختيار على أن قادة الجهاد يفتقدون الثقة المتبادلة، وأن كلاً منهم ينتظر الوقت المناسب للقضاء على الآخر.

2. برهان الدين رباني ـ يتبادل الرئاسة مع مجددي، حيث يتسلم مهام رئاسة الدولة بعد شهرين، إضافة إلى توليه رئيساً لمجلس شورى القيادة[2].

3. وقد تم إسناد رئاسة الحكومة إلى الحزب الإسلامي، بزعامة قلب الدين حكمتيار،ـ على أن يقوم بترشيح أحد أعوانه لرئاسة الحكومة، وقد رشح حكمتيار لهذا المنصب أحد قادته العسكريين ويدعي عبد الصبور فريد، ويبلغ من العمر 41 عاماً، وهو طاجيكي من مقاطعة باروان.

4. أحمد شاه مسعود، وزيراً للدفاع.

وقد نصت الاتفاقية في أهم بنودها، أنه بنهاية الستة أشهر، يعقد المجلس الموسع (مجلس شورى الجهاد) اجتماعاً لتعيين رئيس للدولة، لمرحلة انتقالية مدتها 18 شهراً، من أهم واجباته، وضع دستور جديد للبلاد، مع تأمين إجراء انتخابات عامة بنهاية فترة ولايته.

وقد رفض التوقيع على هذه الاتفاقية كلاً من الحزب الإسلامي، وحزب الوحدات الشيعي، إلاّ أنه لم يعترض نهائياً ممثل حكمتيار، كما أن بعض الأحزاب المعتدلة أبدت اعتراضاً، تحت دعوى أن هذه الاتفاقية تؤكد هيمنة الأحزاب الأصولية، المدعومة من باكستان والدول العربية.

ولم يشكل توقيع هذه الاتفاقية عامل ردع لقوات الحزب الإسلامي. ففي ليلة توقيع الاتفاقية، كانت قوات حكمتيار تشن هجوماً على كابل، فكان رد فعل مجددي هو إنشاء مجلس للحفاظ على أمن كابل. هذا المجلس تكون من القادة العسكريين للأحزاب الستة، تحت قيادة أحمد شاه بصفته وزيراً للدفاع. وقد اعتمد حكمتيار في محاولة غزو كابل على أعوانه الموجودين داخل كابل ـ من ضمن تيار حزب خلق ـ إضافة إلى الانهيار العسكري للقوات الحكومية، إلاّ أن الجنرال دوستم، بالتعاون مع قوات أحمد شاه مسعود، ومشاركة القادة العسكريين لمجلس أمن كابل، تمكنوا من إرغام قوات الحزب الإسلامي على الانسحاب وإخلاء كابل. وفي مساء 26 من (نيسان) أبريل 1992م، تم طمأنه سكان كابل بأن القوات، التي تحارب هي قوات موالية للحكومة الانتقالية، التي تم تشكيلها في بيشاور يوم 24 (نيسان) أبريل 1992م. وهكذا، وجد حكمتيار نفسه معزولاً في جنوب وشرق كابل، حيث اضطر للتسليم بهزيمته.

لم يجد صبغة الله مجددي، رئيس الدولة ـ إزاء الموقف المتدهور في كابل ـ بُداً من الانتقال من بيشاور إلى كابل، حيث كانت هذه الخطوة بالنسبة له أمنية، يسعى لتحقيقها مهما كانت المخاطر. وبالفعل أعد وفداً يرافقه، إلاّ أن المسؤولين في باكستان ألغوا رحلته الجوية لأسباب أمنية.

ولمّا تأكد لمجددي صعوبة استعمال الطيران في الوصول إلى كابل، لم يجد إلا الطريق البرى، الذي يبلغ طوله حوالي 280 كم، عبر ممر خيبر وجلال آباد. فكان أن استقر رأيه ورأي مرافقيه على هذه الوسيلة. وتحرك موكب الحكومة الإسلامية، وسط مشاعر البهجة وفرحة النصر، حيث وصل بسلام إلى كابل.

جرى الاحتفال بانتقال السلطة في التاسع والعشرين من (نيسان) أبريل 1992م، وتحولت "الجمهورية الديموقراطية الأفغانية"، إلى "دولة أفغانستان الإسلامية". وكان أهم قرارات مجددي حل حزب الوطن، كما أعلن إلغاء دستور الدولة الشيوعي.

وتقاسم كابل كل من تحالف قوات أحمد شاه مسعود، ومعها ميلشيات الجنرال عبد الرشيد دوستم. وعلى الجانب الآخر، قوات حكمتيار، الذي حاول إظهار نفسه كزعيم مسلم وباشتوني، يعمل من أجل مصلحة أفغانستان. إلاّ أن هذه المحاولات لم تبرر موقفه المعارض، حيث أصبح مُداناً من قبل المواطنين الأفغان، إضافة إلى أن قواته لا تستطيع مواجهة قوات التحالف، بل الواضح أن قوات دوستم بإمكانياتها قادرة على هزيمته. ولكن قرار مسعود، وزير الدفاع، بمنع وقوع أي عمليات عسكرية في كابل، أجّل هذه الهزيمة.

تخللت فترة حكم مجددي بعض المناورات السياسية من كل الأطراف، التي يمكن تلخيصها في الآتي:

1. محاولة رباني إضعاف موقف أحمد شاه مسعود، وهو القائد الذي وقف بجواره في جميع مراحل الجهاد، وذلك من أجل مكسب شخصي له، لكي يتمكن من إعادة ترشيح نفسه.

2. محاولة التقارب بين مجددي وأحمد شاه مسعود، بمنحه خمسة مقاعد داخل مجلس الجهاد، مثل باقي الأحزاب الأخرى، وذلك من أجل تقوية ـ أي مجددي ـ موقفه كزعيم قوي، ولإضعاف رباني والمنافسين له. وبالنسبة لمسعود، فبهذه المقاعد الخمسة، يمكنه إيجاد مركز سياسي له، إضافة إلى مركزه العسكري.

3. الشرعية على الحركة الوطنية الإسلامية، التي يتزعمها دوستم. وكان مجددي قد زار الجنرال دوستم، ومنحه جنرال أربعة نجوم. وهذه الزيارة وهذا المنح، أكدا على شرعية الحركة الوطنية، إلاّ أنها أثارت غضب واستهجان خصوم مجددي، خاصة أحمد شاه مسعود، لأن الجنرال دوستم أصبح منافساً قوياً له، خاصة في الأقاليم السبعة، التي تمكّن من بسط نفوذه على خمسه منها.

4. الخلافات الكثيرة، التي حدثت من أجل تعيين وزير لوزارة الأمن الوطني. فقد نصح عددّ من المستشارين مجددي بعدم التعيين في هذه الوزارة، أحداً من رجال مسعود، لأن ذلك يعنى سيطرة الأصوليين على البلاد عبر وزارة الدفاع، التي يرأسها مسعود، والداخلية التي يرأسها أحمد شاه. وأخيراً، وزارة الأمن الوطني، التي كان قد وعد بها الجنرال يحيى نوروز. وقد قابلت الجنرال نوروز بعض العقبات في توليه المنصب، حيث كان يواجه بمعارضة من رجال مسعود وأحمد شاه. وفي هذه الفترة كان حزب الوحدات الشيعي، قد أنضم للأحزاب الموقّعة على اتفاقية بيشاور، فما كان من مجددي، وتحقيقاً لنوع من التوازن في السلطة، إلاّ أن أصدر قراره بتعيين الجنرال خطى الداد حضرت، وزيراً للأمن الوطني، إلاّ أن هذا التعيين واجه مقاومة شديدة من أحمد شاه، وزير الداخلية، وكان الواجب على مسعود، وهو رئيس مجلس الأمن الوطني، أن يساعد الجنرال خطى في توليه مهام منصبه، إلاّ أنه لم يفعل ذلك، وترك الأمور تسير من سيئ إلى أسوء، حتى قاربت إلى المواجهة المسلحة بين الوزيرين. وفي السادس والعشرين من (حزيران) يونيه 1992م، وقبل يومين من انتهاء مدة ولاية مجددي، استطاع الجنرال خطي الداد حضرة، السيطرة على مبنى وزارة الأمن الوطني.

5. المناورات السياسية، التي كان يقوم بها برهان الدين ربانى، فأثناء الصراع المسلح بين قوات التحالف (شاه مسعود ودوستم)، وقوات حكمتيار، كان رباني يستقبل الأخير، ومعه خمسة ممثلين للحزب الإسلامي في مجلس شورى الجهاد، وذلك رغم عدم توقيعه على اتفاقية بيشاور، إلاّ أن الواضح أن رباني كان يسعى لأبعاد أحمد شاه مسعود عن الساحة السياسية، وذلك من أجل تمديد فترة رئاسته عن الفترة المقررة في اتفاقية بيشاور.

وعلى الرغم من الهدوء النسبي الذي ساد فترة حكم مجددي، إلاّ أن القلق كان يسيطر على المواطنين. فأعوان رباني ـ وهم كثيرون ـ يخشون ألا يتنازل مجددي عن الحكم، نزولاً عن رغبة جماهير كثيرة لاستيائها من تولي رباني الحكم. إضافة إلى احتمال مساعدة شاه مسعود لمجددي لاستمرار احتفاظه بالحكم. وقد تلاحظ أنه فيما عدا الجمعية الإسلامية بزعامة رباني، فإن العديد من الأحزاب والتنظيمات كانت ترغب في استمرار مجددي في الحكم، لقناعتهم بأنه الوحيد القادر على تنفيذ المهام الديموقراطية المكلف بها.

ولكن مجددي لم يكن راغباً في الاستمرار في مهامه، على الرغم من الإلحاح الذي شهده. وقرر أن يسلم الحكم إلى برهان الدين رباني لفترة انتقالية أخرى، ولكن من خلال مجلس القيادة، الذي بدوره سوف يُسلمّ المهام إلى الرئيس الجديد.

وهكذا، أثبت مجددي أنه رجل غير متعطش للسلطة، وإنما وضع مصلحة أفغانستان نصب عينيه، واحترم اتفاقية بيشاور.

أولاًَ: ولاية برهان الدين رباني

تولى برهان الدين رباني الرئاسة في الثامن والعشرين من (حزيران) يونيه 1992م، وذلك بناء على اتفاق بيشاور، لفترة انتقالية، المفروض أن مدتها أربعة شهور، أي تنتهي في الثامن والعشرين من (تشرين الأول) أكتوبر 1992م. إلاّ أن رباني، ومنذ البداية، تناسى اتفاقية بيشاور، وأخذ يعمل جاهداً على تثبيت أركانه في الحكم، بأن وزّع المناصب والمراكز الحكومية على مساعديه، على الرغم من أن الاتفاقية تنص على خلاف ذلك. واتبع شاه مسعود، وإسماعيل خان، أسلوب الاستئثار بالمناصب نفسها. أما الأحزاب الأخرى، فلم تحظ بأي من هذه المناصب، الأمر الذي اضطرها إلى الانضمام إلى المعارضة. وهكذا كانت البداية في غير صالح فترة حكم رباني.

1. العمليات الحربية خلال فترة حكم رباني

تعددت العمليات الحربية خلال فترة حكم برهان الدين رباني، مما يؤكد على عدم استقرار الوضع، وضعف الحكومة الانتقالية، وعدم إمكانية السيطرة على القوات المتحاربة، لأن بنود اتفاقية بيشاور لا تنفذ. وطالما أن القوات الموجودة في كابل، أو المدن الأخرى، تحمل سلاحاً، فلا يمكن الوصول إلى حل. وهذا ما حدث بالفعل. فالجميع ينتمون طائفياً إلى قادتهم، يأتمرون بأوامرهم وليس بأوامر الحكومة، والوزارات هيكلية ليس لها سلطة على أحد، حتى وزير الدفاع غير قادر على سحب الأسلحة من الفصائل المختلفة. لذا، سيظل الوضع كما هو لحين توفر الثقة بين المجاهدين، على أن تكون البداية إقامة جيش وطني لأفغانستان، مع نزع سلاح جميع الأطراف. وقد حدثت بعض العمليات العسكرية فيما بين الفصائل، نوجزها في الآتي:

أ. على الرغم من المواجهات العسكرية المتعددة والتي كان أهمها الهجوم الذي شنته قوات حكمتيار، في الفترة من العاشر من (آب) أغسطس 1992م، حتى الثالث والعشرين من الشهر نفسه، مستهدفة الاستيلاء على كابل، وإجلاء ميليشيات دوستم ونزع أسلحتهم، لكن الخاسر لم يكن دوستم وقواته، إنما مدينة كابل.

ب. في التاسع من (كانون الأول) ديسمبر 1992م، وقعت معركة بين قوات كل من شاه مسعود والجنرال دوستم. فالأول وزير الدفاع ورئيس لجنة أمن كابل، والثاني قائد ميليشيات التحالف، فكيف يتم القتال بين متحالفين؟ وكيف يمكن لوزير الدفاع السيطرة على قوات لا تأتمر بأوامره؟ كل هذا يحدث في وجود وزارة مركزية، برئاسة مندوب من الحزب الإسلامي بزعامة حكمتيار. كانت بداية القتال محاولة نزع سلاح قوات الدفاع عن المطار ـ وهي قوات دوستم ـ التي رفضت. تصاعد الخلاف إلى حد الصراع المسلح، الذي نتج عنه خسائر في الأرواح. كان رد دوستم على محاولة مسعود، قصف مبنى وزارة الدفاع بالمدفعية والصواريخ. وتظهر أهمية هذه العملية في تبادل مواقع التحالف، بين شاه مسعود وحكمتيار. فقد أصبح أصدقاء الأمس، وهم دوستم ومسعود، أعداء اليوم، واستبدل دوستم بمسعود حكمتيار، وبهذا التحالف الجديد، أصبح شاه مسعود في موقف حرج، مما اضطره للسعي للتخلص من دوستم ومن حزب الوحدات أيضاً، والتمركز غرب كابل.

ج. في التاسع عشر من (كانون الثاني) يناير 1993م، شن التحالف الحكومي (مسعود وسياف والجنرال بابا يان) هجوماً على قوات الحزب الإسلامي، من أجل إبعادهم عن المواقع التي يحتلونها، حتى يمكن فك الحصار المضروب على جنوب كابل. وبالفعل تمكنت قوات مسعود من إبعاد قوات الوحدات المدّعمة من حكمتيار، ومن ثم تمكنوا من الاستيلاء على حي الأفشر، الذي تقطنه غالبية شيعية. (أُنظر خريطة مناطق توزيع القوات المتحاربة)

د. وتبقى معركة في غاية الأهمية، هي محاولة تصفية الجنرال دوستم. فكما هو معروف فإن ميليشيات عبدالرشيد دوستم، كانت ضمن تنظيم القوات الحكومية الأفغانية الشيوعية، ثم بانهيار النظام بعد جلاء القوات السوفيتية، وقبل الإطاحة بحكم نجيب الله، شكل دوستم ائتلافاً مع أحمد شاه مسعود، الذي حاول التخلص منه أكثر من مرة ولكنه فشل، إلاّ أنه لم ييأس.

تعاون أحمد شاه مسعود مع إسماعيل خان، بالتخطيط للقضاء على دوستم. وكانت الخطة تتلخص في إخراجه من مزار شريف، عن طريق القصف الجوى المركز على المدينة. إلاّ أن الخطة اكتشفها عملاء دوستم، فكان قراره إجهاض هجوم قوات شاه مسعود.

وفي أول (كانون الثاني) يناير 1994م، شن دوستم ضربة إحباط، بالتعاون مع قوات حكمتيار، وهاجم القصر الرئاسي. وأصدر رباني بياناً اتهم فيه حكمتيار ودوستم والشيوعيين السابقين، بمحاولة القيام بانقلاب من أجل الإطاحة بنظامه. ولم تتخذ الأحزاب الأخرى موقفاً سلبياً في هذه المرة، بل شكّلت "مجلس التنسيق الأعلى" لإحداث تغيير في إدارة البلاد سياسياً. وقد تشكّل المجلس من الأحزاب الآتية:

(1) حزب الوحدة الإسلامي الأفغاني.

(2) الحزب الإسلامي الأفغاني.

(3) الجبهة الوطنية لإنقاذ أفغانستان.

(4) حزب جيبشم (دوستم).

وظل الوضع العسكري على ما عليه، حيث شكل نهر كابل خطة الفصل بين القوات المتصارعة. فتمركزت قوات أحمد مسعود عند الضفة اليسرى واحتلت قوات "مجلس التنسيق الأعلى" الضفة اليمنى.

2. الخيار السّياسي لإنهاء الحرب الأهلية

تنص اتفاقية بيشاور على أن يُشكِّل رباني، خلال فترة حكمه الانتقالية ـ أربعة أشهر ـ مجلساً تمثيلياً، يعهد إليه تعيين رئيس جديد لمدة ثمانية عشر شهراً. إلاّ أنّ رباني لم يُنفّذ هذه التوصية حيث أدعى أنه بسبب هجوم قوات الحزب الإسلامي (حكمتيار) في (آب) أغسطس، لم يتمكن ـ إزاء الحالة المتردية للبلاد ـ من جمع المجلس المسؤول عن تعيين الرئيس الجديد. وقد كانت هذه الادعاءات من أسباب تخوف فصائل المجاهدين، وعدم ثقتهم في حسن نية رباني. وكانت الشواهد تؤكد على أنه لن يُسلمّ السلطة، وأن هدفه الرئيسي هو الاستمرار في الحكم.

وبالفعل اتخذ رباني، ومعه أحمد شاه مسعود، من الإجراءات ما يمكنّه من ذلك. فقد أغدق كثيراً من المساعدات على أحزاب الائتلاف الحكومي، التي كانت تعانى من قلة الموارد المالية. لذا، فإن الصورة كانت واضحة، خاصة أمام عبدالرشيد دوستم، وقلب الدين حكمتيار، اللذان أبديا معارضة قوية تجاه تجديد مدة ولاية رباني.

وحتى يتمكن رباني من تنفيذ مخططه، شكّل لجنة تكون مهمتها تنظيم مجلس الشورى. وحتى يجري تشكيل هذا المجلس، اتفق رباني مع بعض رؤساء الأحزاب، مثل مولوى محمدي وسياف، لتجديد ولايته لمدة 45 يوماً، حتى يتمكن من تنفيذ مهمة عقد مجلس الشورى. إلاّ أن معظم الأحزاب اعترضت على أُسلوب تعيين أعضاء مجلس الشورى، لعدم قانونيته.

وفي التاسع والعشرون من (كانون الأول) ديسمبر 1992م، انعقد المجلس وسط جو مملوء بالغيوم والشك، حيث كان لدى معظم الأحزاب، شعور قوى بأن رباني يحاول تمديد مدة رئاسته من خلال هذا المجلس، الذي لا يتمتع بشعبية. وبالفعل قاطع هذا المجلس خمسة أحزاب من تسعة أحزاب. واقترع المجلس على تجديد ولاية رباني لمدة سنتين ـ حيث كان هو المرشح الوحيد ـ فحصل على 94% من إجمالي الأصوات. وبذلك تأكدت شكوك الأحزاب الأفغانية، في أن رباني لا يريد تسليم السّلطة. وزادت حدة المعارضة لعدم شرعية انتخاب رباني، حيث اتضح للجميع عدم احترامه لاتفاقية بيشاور، في أعقاب الهجوم، الذي شنته قوات حكومة رباني، في التاسع عشر من (كانون الثاني) يناير 1993م.

ثانياً: مبادرة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود

وإزاء الموقف المتدهور، طرح الملك فهد مبادرته يوم الثاني والعشرين من شهر يناير 1993م، وتضمنت البنود الثلاثة الآتية:

1. إيقاف إطلاق النار فوراً، دون شروط مسبقة من أي طرف.

2. إعلان تمسك الأطراف بوحدة أفغانستان، مع عدم تشجيع أي خطوة على التقسيم.

3. إجراء انتخابات عامة، خلال عام من تاريخ توقيع الاتفاقية.

وبعد ضغوط باكستانية وإيرانية، إضافة إلى الوساطة السعودية، أمكن التوصل إلى توقيع اتفاقية إسلام آباد، في السابع من (آذار) مارس 1993م. وتضمنت الاتفاقية استمرار برهان الدين رباني رئيساً لأفغانستان، لمدة ثمانية عشر شهراً، على أن يصبح حكمتيار رئيساً للوزراء، مع إلغاء وزارة الدفاع واستبدالها بمجلس للدفاع، وإجراء انتخابات حرة يمكن أن تشرف عليها منظمة دولية لانتخاب مجلس تشريعي في ظرف 6 ـ 8 شهور، تكون مهمته الأساسية وضع دستور جديد للبلاد.

ولم تكن مسألة إلغاء وزارة الدفاع، وإقصاء شاه مسعود عنها بالأمر الهين، خاصة أن دوافع رباني الذاتية، من أجل تقليص قوة مسعود، هي التي دفعته لهذا الإجراء، الذي قوبل بمعارضة شديدة من شاه مسعود. ولكنه رضخ في آخر الأمر، حتى لا يُقال إنه السبب في الحرب الأهلية القائمة في أفغانستان. وعلى الرغم من ذلك، احتفظ مسعود بالسلطة، حيث صمم على تعيين أحد مخلصيه، وهو يونس قانوني، رئيساً لمجلس الدفاع المقترح تشكيله. أما فيما يخص البند الخاص بضرورة جلاء الميليشيات المسلحة الشيوعية عن كابل، مع سحب الأسلحة الثقيلة، وإبعادها بشكل يحقق الأمن للعاصمة، فلم يُنفّذ هذا البند على الرغم من محاولات حكمتيار المتكررة، حتى إنه برر طلبه هذا بأنه لا يُمكنه تولي الحكومة، والعاصمة بها هذا الكم من القوات.

والملاحظ أن هذه الاتفاقية قد نجحت ـ ولو على الورق ـ في الجمع بين ربانى رئيساً للدولة وحكمتيار رئيساً للوزراء. بمجرد وصول هؤلاء القادة إلى كابل حتى تفجرت المشاكل مرة أخرى مما اضطرهم للعودة إلى مناطق نفوذهم في الأقاليم وذلك لاستئناف العمليات العسكرية من جديد.

وهكذا فشلت اتفاقية إسلام آباد في إيجاد حل لخلافات السلطة. في أعقاب ذلك حاول مجلس جلال آباد ـ وهو برلمان مصغر تحت قيادة حجى قادرـ أن ينهج أسلوباً محايداً بين أطراف النزاع، وقد حاول كل من الطرفين المتصارعين استمالته إلى جانبه، ولكنهم فشلوا حيث استمر قادر متبعاً أسلوبه الحيادي. نجح هذا المجلس في توقيع اتفاقية بين الأطراف في الثامن عشر من شهر مايو 1993م. وكانت أهم بنودها تنص على الآتي:

1. تشكيل حكومة من ثمانية عشر وزيراً يمثل كل حزب وزيران.

2. تلغى وزارتي الدفاع والداخلية وتشكل لجنة لإدارة كل وزارة على أن يتولى رباني لجنة الدفاع وحكمتيار لجنة الداخلية.

3. تشكيل مجلس أعلى من ثلاثين عضواً يضم زعماء الأحزاب التسعة عدا حزب جيشم (عبدالرشيد دوستم) إضافة إلى واحد وعشرين عضواً من الأعيان وتكون مهمة المجلس الإشراف على أداء الحكومة.

إضافة إلى تشكيل عدة لجان من أهم مهامها مراقبة وقف إطلاق النار وتنظيم وصول المواد الغذائية إلى كابل، وجمع الأسلحة الثقيلة وتسليمها إلى مخازن لجنة الدفاع.

ولكن ومثل باقي الاتفاقيات، لم تستطع الحكومة أو اللجان تنفيذ المهام المكلفة بها، حيث رفض أحمد شاه مسعود السماح لبعض الجنود التابعين لحكمتيار بالدخول إلى مبنى الرئاسة إلاّ في حدود مائتا جندي ومعهم أسلحة صغيرة للحراسة الشخصية. هذا التصرف أثار استياء الحزب الإسلامي، ورفض حكمتيار هذه الإجراءات.

ثالثاً: جهود الأمم المتحدة في حل الأزمة الأفغانية

إزاء الفشل المتكرر لقادة الجهاد، كان لزاماً على الأمم المتحدة القيام بدور حيوي وفاعل من أجل وضع حد للصراعات الداخلية التي تدور في أفغانستان، بالرغم من اقتناع الدول الكبرى أن الحروب الأهلية تعتبر مشاكل داخلية يجب على الدولة أن تتصدى لها بمعرفتها وبإمكانياتها الذاتية، إلاّ أنه نظراً للموقف المتدهور وتدخل بعض الدول.

ومع تصاعد القتال وزيادة حدته، وأثر ذلك على حالة الفوضى والخراب التي شملت أقاليم أفغانستان بالكامل، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 (كانون الأول) ديسمبر 1993م، القرار الرقم (48/208)، بإيفاد لجنة من الأمم المتحدة لاستطلاع آراء قادة البلاد لإيجاد أفضل الطرق التي يمكن للأمم المتحدة من خلالها المساعدة في المضي في عملية التقارب بين الفصائل المتصارعة.

في 24 (كانون الثاني) يناير، و23 (آذار) مارس 1994م، أصدر مجلس الأمن بيانين عن الأوضاع في أفغانستان ودعم فيهما إلى ضرورة وقف القتال وتأييد البعثة الخاصة التي تم تشكيلها بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة. وبناء على قرار الجمعية العامة الرقم (48/208). تشكلت البعثة الخاصة برئاسة محمود المستيري وهو تونسي الجنسية وكان يعمل دبلوماسياً لفترة طويلة، قام المستيري بزيارة كل من باكستان والاتحاد السوفيتي وتركيا وإيران والسعودية لإجراء مشاورات مع قادة هذه الدول حول الأزمة الأفغانية، إلاّ أن الزيارة فشلت. ومع ذلك فإن الأمين العام أشار في تقريره إلى مجلس الأمن إلى عدة خطوات للعمل بها من أجل إحلال السلام، وهذه الخطوات تتلخص في الآتي:

1. وجود فعلي للأمم المتحدة في أفغانستان، وذلك بإنشاء بعثة مساعي حميدة لتسهيل تنفيذ القرارات الخاصة بإحلال السلام والعمل على مراقبة وصول المواد الغذائية والمساعدات الطبية للمواطنين الأفغان.

2. إيقاف فوري لإطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في مختلف أنحاء البلاد.

3. تشكيل سلطة انتقالية يمكنها تهيئة البلاد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

هذه التوصيات، ظاهرها مثالي، ولكن كيف يمكن تنفيذها، فمثل هذه التوصيات أوصت بها أكثر من اتفاقية، وكلها تدور في هذا المجال؛ مثل اتفاقية إسلام آباد واتفاقية جلال آباد إلاّ أنها لم تنفذ، وبالمثل فإن مصير هذه التوصيات سوف تكون مثل سابقيها.

يوافق يوم الثامن والعشرون من (حزيران) يونيه 1994م، يوم انتهاء ولاية برهان الدين رباني والتي بدأت في الثامن والعشرين من (حزيران) يونيه 1992م، إلاّ أنه أصدر بيانا يؤكد فيه أيضاً على عدم استقرار الأوضاع في البلاد وأنه لا مجال لتسليم السلطة الآن في ظل هذه الأوضاع.

وهكذا، وبمساعدة أحمد شاه مسعود وحليفه سياف، تمكن رباني من مد فترة ولايته لمدة ستة أشهر أخرى وحتى الثامن والعشرين من شهر (كانون الأول) ديسمبر 1994م. كان رد فعل المعارضة المكونة من مجلس التنسيق الأعلى ومعها بعض الأحزاب التي لا تعادي رباني بشكل مباشر مثل حزب أحمد جيلاني ويونس خالص ومحمد بني محمد هو عدم الموافقة على مثل هذا التمديد، وطالبته بتنفيذ توصيات اتفاقية جلال أباد الموقعة في (أيار) مايو 1993م، والخاصة بنقل السلطة إلى مجلس مكون من القادة التسعة عدا عبد الرشيد دوستم، ولكن رباني رفض تنفيذ هذه التوصية وأصر على أنه لن يسلم السلطة إلى نهاية (كانون الأول) ديسمبر 1994م.

وكان تصميم رباني على تولي السلطة يؤكده في ذلك أحمد شاه مسعود هي العقبة الرئيسة أمام مبعوث الأمم المتحدة في التوصل إلى حل للأزمة، لأن الحل لابد وأن يمر من خلال تغيير السلطة. إزاء هذا الموقف الصريح من المبعوث، تعرض إلى هجوم عنيف من قبل التحالف الحكومي ومؤيديه واتهموه بالتدخل في شؤون أفغانستان الداخلية، كما أعلنت الحكومة عن رفضها للدور الذي يقوم به حينما أعلن صراحة أن الطريق الوحيد للحل النهائي لابد وأن يكون من خلال استقالة كلا من برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار من منصبيهما كرئيسين لأفغانستان وكرئيس للحكومة على أن يتبع ذلك اجتماع مجلس موسع يكون قادراً على تعيين حكومة انتقالية تتولى تنفيذ توصيات الأمم المتحدة.

وتعددت المحاولات من أجل التوصل إلى صيغة ترضى جميع الأطراف ولكن بقيت الأزمة كما هي فبعد مرحلة طويلة من الصراع المسلح، لم تستطع إحدى الفصائل المتصارعة من تحقيق نصر حاسم على القوى الأخرى، ومن ثمّ السيطرة الكاملة على أفغانستان. فتحالف الزعيم الطاجيكى برهان الدين رباني وقائده أحمد شاه مسعود، في مواجهة تحالف الزعيم البشتونى قلب الدين حكمتيار وحليفه الأوزبكي عبد الرشيد دوستم قد وصلا إلى مرحلة من الإنهاك والضعف يمكن أن تؤدي إلى انفراج على طريق الحل النهائي للأزمة، وخاصة وأن خطوط الإمداد الخارجية قد تقطعت تقريبا ولم يبق منها إلا القليل. إلاّ أن ظهور مصالح حيوية لبعض الدول أدت إلى تكثيف الجهود من أجل حشد التحالفات والمناورات بها من أجل الفوز بنصيب من ثروات أفغانستان وبذلك تحول الصراع الأفغاني من مجرد كونه صراعا أيديولوجيا بين الإسلام والشيوعية أو عرقيا خالصا أو طائفيا إلى صراع مصالح لأن المتغيرات الجديدة التي حدثت أثبتت ذلك، فحكمتيار تحالف مع عميل النظام الشيوعي دوستم، ومن قبله تحالف شاه مسعود الطاجيكي مع دوستم أيضا من أجل القضاء على حكمتيار، ثم انضم حزب الوحدة الشيعي إلى تحالف الحكومة تحت ولاية رباني. إلاّ أن الأسلوب الذي تتبعه هذه الفصائل، وهو الأسلوب العسكري، لن يوصل أيا منهم لانتزاع السلطة وإقامة نظام حكم مركزي، لماذا؟ لأنه وحتى الآن لم يتمكن أي طرف من الأطراف المحلية المتصارعة من طرح رؤية أو برنامج شامل (اجتماعي وسياسي واقتصادي وعسكري وأمني)، لمستقبل الحكم في أفغانستان، برنامج يحقق الاستقرار والأمن ويحظى بقبول جميع الأطراف، فمن الثابت أنه تم القضاء على معظم الكوادر السياسية، سواء عن طريق النظام الشيوعي الحاكم أو في العمليات الحربية في مرحلة المقاومة الأفغانية (عقب جلاء القوات السوفيتية) ثم أخيرا في مرحلة الحرب الأهلية، إضافة إلى هروبهم إلى باكستان وإيران ولبعض الدول الأخرى، هذا التفريغ البشرى كان السبب الرئيس للتخبط الذي يحدث لقادة الجهاد في أفغانستان.

إن الواقع السياسي الذي تفرضه الأزمة الآن، يؤكد على أن الحلول التي تعرض سواء بواسطة المنظمات الدولية أو الوسطاء تدور حول إيقاف إطلاق النار والتوصل إلى حكومة انتقالية، ولكن هذه الوساطات لم تفرز برنامج تنموي من أجل الوصل بأفغانستان إلى مصاف الدول التي لها الحق في العيش في مستوى مقبول من الحياة، وهذا يؤكد على أن الدول الكبرى لا تبغي مصلحة دول العالم الثالث، بل دائما تسعى إلى الزج بهذه الدول في صراعات محلية وإقليمية من أجل إحكام قيد التبعية عليها وحتى إذا ظهر بريق أو شعاع أمل في أن تتولى هذه الدول أمورها، سارعت في نشر المعوقات في طريقها.

نتيجة لاستمرار القتال في العاصمة كابل، وفي العديد من الأقاليم الأفغانية ومع تفاقم معاناة الشعب الأفغاني أصدر مجلس الأمن في 20 (تشرين الثاني) 1994م، بيانا أشار فيه إلى أن الصراع المتواصل في أفغانستان من شأنه أن يهدد الاستقرار والأمن في المنطقة وأن يفرز موجة أخرى من اللاجئين والمشردين، ويضعف من الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، ومن ثم فان المجلس يدعو جميع الأطراف إلى إنهاء العمليات القتالية وبدء عملية المصالحة السياسية، كما يدعو جميع الدول والتي لها دور في الأزمة الأفغانية إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لتعزيز السلم في أفغانستان من خلال وقف تدفق الأسلحة إلى جميع الأطراف مع احترام سيادة أفغانستان وسلامتها الإقليمية والامتناع الكامل عن التدخل في الشؤون الداخلية لها واحترام حقوق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره، هذا هو الدور الذي قامت به الأمم المتحدة وهو عبارة عن بيانات ومبعوثين، وكأن القضية ليست قضية شعب عانى من ويلات استعمار سوفيتي ثم حرب أهلية نتيجة دعم من الدول الكبرى للأطراف المتصارعة مما أدت إلى الخراب والدمار الذي تعيشه أفغانستان الآن.

واستكمالاً لمسلسل البيانات، صدر بيان آخر بتاريخ الخامس عشر من (شباط) فبراير 1996م، أعرب فيه مجلس الأمن عن استيائه العميق لاستمرار القتال المسلح الذي جلب الموت والدمار على المواطنين الأفغان، والذي من شأنه تهديد السلام والأمن في المنطقة، وأن الحصار المضروب حول كابل يحول دون تسليم المواد الغذائية وأصناف الإعاشة المختلفة. انتهي البيان إلى تأكيد قلق المجلس إزاء استمرار الصراع في أفغانستان مما يوفر تربة خصبة للإرهاب وتجارة المخدرات وعمليات نقل الأسلحة، وهي عمليات تزعزع الاستقرار في المنطقة بأكملها وفي المناطق المجاورة.

انتهت هذه المرحلة، بلا أي تقدم تجاه حل الأزمة سياسياً، و إنما السمة الغالبة في هذه المرحلة هي تبادل التحالفات بين الفصائل المتصارعة وتناوب الانتصارات والهزائم، وهكذا تظل الأزمة قائمة تختلف تحالفاتها وطبيعة علاقات القوى بين الفصائل بلا أي تقدم تجاه حلّ يرضى جميع الأطراف ويوفر أمن واستقرار أفغانستان.



[1] تم إنشاء "مجلس شورى الجهاد"، وهو مكون من 51 عضواً 30 من العسكريين، 10 من رجال الدين، 10 من السياسيين حيث يشكل برلماناً مصغراً يُمثل فيه كل حزب بخمسة أعضاء، ويتولى رئاسته صبغة الله مجددي لمدة 6 أشهر.

[2] ويضم هذا المجلس زعماء الأحزاب، وحددت مدته أيضاً ستة أشهر.