إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الأزمة الأفغانية (تاريخيا، وسياسيا، وعسكرياً)

المبحث العاشر

التطور في الأزمة منذ التدخل الأمريكي

استمرت الولايات المتحدة في دعم المجاهدين من طريق باكستان، ويلاحظ أن حكومة الرئيس ريجان، ومن بعده بوش الأب، استمرتا في إمداد الثوار بالسلاح على الرغم من انسحاب الجيش السوفيتي.

ولكن الحكومة الأمريكية قررت، في عام 1992، عدم تقديم أي مساعدات للمجاهدين الأفغان، وظهر ذلك في مشروع الميزانية لعام 1992 نفسه، وذلك تفادياً لقيام نظام إسلامي في أفغانستان، على غرار الحالة الإيرانية ما يهدد مصالحها الإستراتيجية.

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عقب أحداث 11 سبتمبر أن هدفها من غزو أفغانستان هو القضاء على نظام حركة طالبان الداعم لتنظيم القاعدة وإسقاطه.

كما أنشأ الجيش الأمريكي والقوات الأفغانية الموالية للحكومة الانتقالية قاعدة عسكرية جديدة في ولاية بكتيا بجنوب شرق أفغانستان، على طول الحدود مع باكستان، وأطلق عليها اسم "لورا"، وتستخدم في الهجوم على عناصر طالبان، وتنظيم القاعدة، كما تقترب من المناطق التي تقطنها قبائل البشتون، الرافضة للوجود العسكري الأمريكي، والداعمة لحركة طالبان، والمتطوعين الأجانب في تنظيم القاعدة.

انتقدت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير نشرته في عددها الصادر في 7 مارس 2004، القوات الأمريكية في أفغانستان، مؤكدة أنها تنتهك القانون، حيث إنها تغير بالمروحيات المقاتلة على المناطق السكنية، التي لا يوجد بها نزاع عسكري، ما يسفر عن سقوط كثير من الضحايا المدنيين.

كما تقوم الولايات المتحدة بإتباع سياسة مساندة الطرفين (الحكومة والفصائل المسلحة)، ما يؤدي لمزيد من تدهور الأوضاع الأمنية وزعزعة الاستقرار.

ويدور كثير من التساؤلات حول المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة بعد إطاحتها بنظام حكم حركة طالبان، وتداعياتها على الوضع الداخلي

أولاً: الوضع الأمني

1. نص اتفاق بون (ديسمبر 2001) الذي وقعته الفصائل الأفغانية على إعادة بناء أفغانستان على أساس الوحدة الوطنية، وسيطرة الحكومة المركزية على مختلف الأقاليم، ولم يتحقق هذا.

2. أغدقت الولايات المتحدة الوعود قبل غزوها لأفغانستان، وأعلنت أن هدفها هو بناء دولة ديموقراطية حديثة، ولم يتحقق أي من هذه الوعود حتى الآن.

3. فشل اتفاقية بون في تحقيق أهدافها، حيث لم تستطع الحكومة المركزية فرض سيطرتها على الأقاليم المختلفة، ما يعني دويلات داخل الدولة، كما يعني مزيداً من التدهور الأمني.

ثانياً: إصدار الدستور الجديد

في 4 يناير صدق مجلس الأعيان على الدستور الأفغاني الجديد، والذي يعد مكسباً بكل المقاييس، وجاء هذا الدستور بعد سلسلة من الإجراءات، بدأت في أكتوبر 2002 بتشكيل لجنة من 9 أعضاء لوضع مسودة الدستور.

وفي مايو 2003 تشكلت لجنة تدقيق الدستور، وتكونت من 35 عضواً يمثلون مختلف الطبقات والعرقيات لتدقيق المسودة.

نصت مادته الأولى على أن أفغانستان جمهورية إسلامية، ودين الدولة هو الإسلام، وأن اللغتين الرسميتين هما لغتي البشتون والفارسية، وأن النظام السياسي للدولة، هو النظام الرئاسي، وأن يتكون البرلمان من مجلسي الشعب والأعيان.

ثالثاً: الانتخابات الرئاسية

تمثل الانتخابات الرئاسية الأولى، منذ سقوط نظام طالبان عام 2001، تحدياً كبيراً للشعب الأفغاني. فرغم تأجيلها مرتين في يونيه وسبتمبر؛ بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وتصعيد الهجمات التي تشنها طالبان وتنظيم القاعدة على الحكومة الانتقالية وقوات التحالف، فقد تقرر إجراء الانتخابات الرئاسية الأولى بعد عامين من حكم الرئيس المعين، حامد قرضاي، وذلك في شهر أكتوبر 2004، على أن تتبعها انتخابات برلمانية في أبريل 2005.

وتواجه الانتخابات الأفغانية ضغوطاً وعقبات كثيرة، منها عدم الاستقرار، ويعزى هذا إلى الحروب التي استمرت 23 عاماً، بدأت مع الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 حتى خروجه بعد 10 سنوات، ثم فترة الصراعات الداخلية بين الفصائل، حتى وصول طالبان للحكم 1996.

وثاني هذه العقبات هي المناورات السرية بين المرشحين، وعقد الاتفاقات فيما بينهم، وخاصة ما ذكرته فصائل المجاهدين من أن الرئيس قرضاي توصل إلى اتفاق معهم لتقاسم السلطة، علماً بأن هذه الفصائل تعارض نظام الرئيس قرضاي، الذي يحظى بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، كما أنهم يتحدونه في تنفيذ ما هو مدرج بأجندته الانتخابية من نزع أسلحتهم.

ويتهمونه باستغلال منصبه وسلطاته الرئاسية، إضافة إلى ما يتمتع به من تأييد من الولايات المتحدة، وسوف يخوض قرضاي الانتخابات أمام 17 مرشحاً آخرين، بينما يواجه بصعوبة في حشد تأييد قبائل البشتون، بسبب ميلها الشديد لحركة طالبان.

ويخوض قرضاي الانتخابات، ومعه أحمد ضياء مسعود، شقيق شاه مسعود، وكريم خليل نائبين له، طبقاً للدستور الجديد.ويفهم من زيارته لإسلام آباد أنه كان يسعى للحصول على التأييد من اللاجئين الأفغان، الذين يبلغ عددهم نحو 3.5 مليون لاجئ.

وفي هذه الانتخابات لا يمكن إغفال التأثير الإقليمي لكل من إيران وباكستان، اللتين تأويان أعداداً كبيرة من اللاجئين تصل إلى 1.2 مليون لاجئ في إيران فقط. وجدير بالذكر أن الرئيس قرضاي لجأ إلى دعوة حركة طالبان للاشتراك في الانتخابات، وذلك في إطار سعي حكومته للتفاوض معها، وإحلال السلام، وهذه الدعوة رفضتها الحركة.

رابعاً: محاولة القضاء على حركة طالبان

ترى الولايات المتحدة أن هناك تطابقاً في الأهداف بين نظام طالبان وتنظيم القاعدة، ودليلها على ذلك أن حركة طالبان تقبل وجود تنظيم القاعدة على الأراضي الأفغانية، وتسمح لهذا التنظيم بالقيام بالأعمال الإرهابية، ومِنْ ثَمّ فإنها تصنف طالبان ضمن المنظمات الإرهابية الواجب القضاء عليها، طبقاً لمبدأ حق الدفاع الشرعي، وعلى ذلك عدت إدارة الرئيس بوش نفسها في مهمة إنقاذ؛ ما يعني مشروعية الحرب على أفغانستان.

خامساً: الأهداف الأمريكية للحملة على أفغانستان

إن الأهداف المعلنة تتلخص في إلقاء القبض على زعيم تنظيم القاعدة وضرب قواعده، والقضاء على طالبان، وعلى ما تسميه بالإرهاب، وقام صناع القرار بالإعداد لغزو على أفغانستان بحشود ضخمة، تتجاوز متطلبات الحملة على طالبان وقواعد القاعدة.

1. حجم القوات الأمريكية المشاركة

زاد عدد المقاتلات عن 500 طائرة مقاتلة، وأربع مجموعات من حاملات الطائرات، يدعمها أكثر من 150 سفينة حربية، بينها 10 بوارج ومدمرات مسلحة بصواريخ كروز، ويبلغ عدد الجنود حوالي 250 ألف رجل.

2. حجم قوات طالبان

لا يتجاوز حجم قوات طالبان 50 ألف فرد، وقد يصل بعد التعبئة إلى 200 ألف،  ولا يزيد عدد الدبابات والعربات المدرعة الروسية الصنع من طرازات مختلفة، عن 200 دبابة وعربة مدرعة، إضافة إلى 1500 قطعة مدفعية، وما يزيد عن 10 طائرات، و100 قطعة صواريخ مضادة للطائرات، وحوالي 200 صاروخ مضاد للدبابات.

3. حجم قوات القاعدة

لا يزيد حجم قوات القاعدة عن 500 – 800 فرد مسلح بأسلحة خفيفة، لا ينظمون في تشكيلات أو وحدات عسكرية، لأنهم منتشرون داخل أفراد الشعب. أما معسكراتهم التي تبلغ 21 معسكراً فهي خالية من المقاتلين، لانتقالهم إلى مواقع تبادلية محصنه بالجبال.

أما الأهداف.غير المعلنة فهي لصالح صانع القرار الأمريكي، وتتمثل في:

1. الإطاحة بحكم طالبان وإقامة نظام موالٍ لأمريكا.

2. خدمة المخططات الأمريكية بالمنطقة.

3. استخدام هذا الحشد لتهديد دول عربية وإسلامية أخرى.

4. القضاء على مزارع الأفيون في أفغانستان.

يعد مستقبل أفغانستان بعد تدمير حركة طالبان من أكبر الهواجس التي تقلق الإدارة الأمريكية في إدارتها للحرب الحالية، لارتباط ذلك بتحقيق أهدافها الإستراتيجية، ومع افتراض تحقيق ذلك بالقوة العسكرية، فإنه لن يوفر الاستقرار الذي تنشده.

من أبرز المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة وهي تحاول معالجة مشكلة ما بعد طالبان، الاختلافات العرقية والقبلية والطائفية وارتباط ذلك بالدول المحيطة بأفغانستان، وكذلك الهوية السياسية والأيدلوجية للزعامة الأفغانية المطروحة على الساحة، وعلى هذا لجأت الولايات المتحدة إلى ترتيب لقاء بين ممثلي المعارضة، وبين الملك السابق ظاهر شاه أملا في عودته، حيث إنه يمثل الشرعية للنظام، ولكن عودة الملك ظاهر شاه رغم الجهد الأمريكي تعترضها عقبات عديدة داخلياً وخارجياً، وإذا كانت المحادثات التي تمت بين الملك وممثلي المعارضة في روما خلال مايو 2006 تحت إشراف عدد من رجال الكونجرس الأمريكي، توصلت إلى اتفاق بإنشاء مجلس أعلى للوحدة الوطنية يتكون من 120 من الزعماء التقليديين في البلاد، على أن يتولى المجلس انتخاب رئيس البلاد، وتشكيل حكومة وطنية.

ويمكن تفصيل العقبات التي تعترض الخيار الأمريكي كالآتي:

1. عقبات داخلية

تتمثل في التوازنات العرقية والطائفية حيث إنها تلعب دوراً لا يمكن الاستهانة به في تشكيل أي حكومة وحدة وطنية.

حتى إذا وافق الأفغان على عودته نتيجة للضغوط الأمريكية، فإن الملك سيواجه بخلافات كبيرة مع قوات التحالف الشمالي المعارض، الذي يضم خليطاً من الطاجيك والهزارة والأوزبك، ويرأسه برهان الدين رباني الذي لا يزال ينظر إليه من الناحية الرسمية رئيساً لأفغانستان وذلك منذ توليه المنصب عام 1992، بعد ستة أشهر من سقوط النظام الشيوعي.

إن مسألة تولي ظاهر شاه مقاليد السلطة أمر مشكوك فيه بعد 28 عاماً قضاها في إيطاليا، جعلته غريباً عن المجتمع الأفغاني بعكس معظم القوى السياسية في أفغانستان، التي لا تزال متمسكة بأصولها الإسلامية، فضلاً عن أن شكل الحكومة وتوزيع الوزارات ستعترضه عقبات، إذ يجب تمثيل البشتون في الإدارة الجديدة، وهذا سيلاقي معارضة شديدة من تحالف الشمال، ما يهدد باندلاع حرب أهلية.

2. عقبات خارجية

ويقصد بها موقف دول الجوار مثل باكستان الرافضة لعودته، بسبب اتصالاته مع الهند، ولسوء علاقته بها خلال فترة حكمه.

أما إيران فبرغم التباين في مواقفها مع الولايات المتحدة، إلا أنهما تشتركان في رؤية مستقبلية لأفغانستان، وتعد المشكلة الأفغانية الموضوع الوحيد الذي تجري بشأنه محادثات بين الجانب الأمريكي والإيراني منذ سنوات، في إطار مجموعة (6+2) وتعني الدول الست المحاذية لأفغانستان، إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا.

وتلتقي المصالح الإيرانية ـ الأمريكية في القضاء على طالبان وإعادة الاستقرار، وتأخذ واشنطن على إيران دعمها لقلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي، وفي المقابل تبدي طهران مخاوفها من استمرار الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان والذي يمثل تهديداً لجناح إيران الشرقي.

ربما يعتقد الأمريكيون أن بإمكانهم لملمة الأطراف الأفغانية بعد انهيار طالبان، وهذا احتمال بعيد فإلحاق الهزيمة بطالبان يدخل الولايات المتحدة في أزمة جديدة، ستمتد إلى باكستان وبلدان آسيا الوسطى، وسيصبح استئناف الحرب الأهلية في أفغانستان مرة أخرى أمراً مرجحاً.

وبالرغم من رفض التحالف الشمالي لوجود طالبان في أي حكومة مستقبلاً، إلا أن موافقة الولايات المتحدة الأمريكية وباكستان محتملة على إشراك بعض المعتدلين من طالبان في الحكومة.

إن ما تحتاجه أفغانستان فعلياً هو قوة دولية تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، لإعادة إرساء نوع من النظام، وأن تكون هذه القوة مدعومة من قِبل الدول الإسلامية، وقادرة على استعادة السيطرة على الطرق وإمدادات الغذاء والاتصالات، وتمهد لإقامة حكومة من التكنوقراط، وهذا يفرض على الولايات المتحدة الأمريكية، ألا تسلح القوى المعارضة لطالبان بما يتعدى حاجاتها.