إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الفصل الرابع

الفصل الرابع

تطور الأزمة الأفغانية

الأزمة الأفغانية هي واحدة من اعقد الأزمات التي يشهدها العالم حالياً، وتؤثر في العديد من القوي التي تحاول أن تجد سبيلاً إلى الخروج منها على المدى المنظور؛ بل إن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، كقائدة للنظام العالمي، تضطر إلى طرح تنازلات عديدة في محاولة للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر.

من المفارقات في هذه لأزمة أن الشعب الأفغاني نفسه لا يعرف السبب الحقيقي لاندلاع الحرب علي أرضه. وطبقاً لاستطلاع للرأي جرى في العديد من الأقاليم التي تقع علي أرضها المعارك، سواء في الجنوب أو الشمال، فإن 92% من السكان ليست لديهم أي معلومات عما حدث في 11 سبتمبر 2001؛ ذلك  أن نسبة 42% منهم لم يدركوا ما معنى الديموقراطية، و40% من سكان إقليمي قندهار وهلمند يرون أن القوات الأجنبية جاءت لاحتلال بلادهم وتدمير الإسلام.

معنى ذلك أن الإدارة الأمريكية، بالتنسيق مع الحكومة الأفغانية، لم تبذل الجهد السياسي الكافي من أجل إقناع الناس بما يحدث علي أرض أفغانستان، ولم يحشدوا الرأي العام لإعادة بناء أفغانستان، بأسلوب يجاري ما يحدث في العالم.

أولاً: توصيف الأزمة الأفغانية

يمكن وضع العديد من التوصيفات لهذه الأزمة .. أهمها:

1. أنها أزمة نشأت نتيجة تسرع النظام العالمي الجديد في إنزال عقاب رادع ضد دولة، دون تحديد مكان الفاعل الحقيقي الذي يجب التصدي له، (قيادات القاعدة وطالبان)؛ فأوقع العقاب على الشعب البائس في أفغانستان بينما تمكن الفاعل الرئيسي من الهرب ليزاول النشاط نفسه، ويقوي بأسه في إدارة أمور الإرهاب.

2. أنها ردود فعل للصدام بين الحضارات، في مجال الفجوة الحضارية بين الشمال والجنوب، لاستعادة الرجل الأبيض (الممثل للغرب) الأسطورة القديمة، التي تحكي أنه يضحي من أجل الإنسان الملون، ويحاول تقويم سلوكه، والارتقاء به في سبيل الحضارة، ومن ثم تورط الرجل الأبيض، وازدادت معيشة الرجل الملون سوءاً"

3. أنها ردود فعل لانتهاء الحرب الباردة، نتيجة للتوجه نحو البحث عن العدو المفترض للغرب، بعد أن انتهت أسطورة الشيوعية بتفكك الاتحاد السوفيتي، ونجح استبدال الإسلام بالشيوعية، كعدو رئيسي للنظام الرأسمالي الغربي، ولذلك ساءت العلاقات بين الدول الإسلامية والغرب. وانعكس ذلك على النظام العالمي حيث يحاول الرئيس أوباما حالياً استعادة الثقة إلى حالتها الطبيعية، وسوف يستغرق ذلك بعض الوقت، طبقاً لتصريحاته الأخيرة في إندونيسيا

4. أنها التطور الطبيعي للصدام بين الإرهاب وبين القوي العظمي، التي تأثرت بأحداث الإرهاب، وقررت الرد بأسلوب يتنافي مع التطور في المجال الحضاري، والذي يجب أن يستهدف الإرهاب، لا أن يستهدف دولة وشعباً مقهوراً.

5. أن الأزمة بدأت على عجل، ومن خلال استعراض القوة للتأثر الآني. وكان يمكن إيجاد حلول مبكرة لها باستهداف الإرهاب نفسه، فيما كانت هناك نوايا في ذلك؛ ولكن الأهداف غير المعلنة للولايات المتحدة الأمريكية، هي التي أوصلت الأزمة إلى هذا الحد.

6. وأخيراً، فإن هذه الأزمة تتصف بأنها أزمة إقليمية، عقائدية، أثنية، أديرت بالسلاح دون سياسات واضحة، واستغلتها أطراف في تحقيق أهدافها، واتسمت إدارتها بعدم الشفافية في جوانبها المختلفة.

ومن كل ما سبق حققت إفرازات الأزمة الآتي:

أ. وجود دولة فاشلة هي أفغانستان، سوف تعاني عدم الاستقرار لمدة طويلة على الرغم من موقعها في أحد أهم المناطق الحساسة غربي آسيا، وملامستها لحدود الشرق الأوسط.

ب. تحفز النظم السابقة التي أدارت الحرب في محاولة للقضاء عليها، وهما طالبان والقاعدة، إلى القفز للسيطرة على أفغانستان وأجزاء من باكستان، فيما لو تحقق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وسوف تعود أفغانستان إلى وضع أسوأ بكثير، مما كانت عليه في السابق.

ج. تورط القوة العالمية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية) في الأزمة ومعها حلف شمال الأطلسي، بما أثر على صورة النظام العالمي.

د. زعزعة الاستقرار في باكستان وفي شبه القارة الهندية ودول آسيا الوسطي، وبما يعكس آثاره على استقرار العالم أجمع، خاصة مع امتلاك الهند وباكستان للأسلحة النووية.

هـ. انتشار الإرهاب وليس القضاء عليه، وتوجهه إلى بناء أفكار وإستراتيجيات جديدة يهدد بها العالم.

و. عدم وضوح أو تحديد سقف زمني لانتهاء الأزمة، ما يعني استمرارها لفترات قادمة، وعلى بالرغم من إعلان قمة حلف شمال الأطلسي، التي عقدت في برشلونة (19 – 20 نوفمبر 2010) عن اكتمال تسليم السلطة الأمنية للحكومة الأفغانية نهاية عام 2014، والبدء في تخفيف القوات الأجنبية بدءاً من عام 2011.

وفي السياق نفسه، فإن طرفي الصراع الداخلي في أفغانستان متصادمان تماماً، سياسياً واجتماعياً.

أ. فالحكومة أضعف من أن تقدم للشعب مشروعاً متكاملاً للنهوض بالدولة، بل غرقت في الفساد، وحشدت حولها ـ داخل العاصمة ـ كل أجهزة الأمن والجيش، التي تم تدريبها من أجل حمايتها وحماية العاصمة.

ب. في المقابل، فإن طالبان غيرت من إستراتيجيتها السابقة، ووضعت برامج تحقق لها القفز علي الحكم في مرحلة مستقبلية، ونظمت وسائل الإعلام التي تنشر أفكارها وتحرض علي المقاومة، واستغلت سيطرتها شبه الكاملة علي المناطق الشيعية في حشد رأي البسطاء لصالحها، وتستغل أيضاً تجاوزات قوات حلف شمال الأطلسي في الحرب الدائرة، لتشدد من كراهية الأهالي للقوات الأجنبية والحكومة، في آن واحد.

يزيد علي ذلك، أن انتماء معظم قادة طالبان إلي قبائل البشتون، التي تمثل حوالي 50% من تعداد الشعب الأفغاني، يزيد من تعقيد الموقف في عدم الامتثال للحكومة التي أيدت التدخل الأجنبي، على الرغم من أن الرئيس حميد كرزاي ينتمي أيضاً إلى هذه القبيلة نفسها.

ثانياً: تطور الأزمة الأفغانية

بدأت الأزمة بأحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، التي قررت شن الحرب على أفغانستان التي تأوي تنظيم القاعدة الذي خطط ونفذ الهجوم. ويمثل تاريخ 7 أكتوبر 2010 ذكري مرور 9 سنوات على هذه الحرب، التي وصفت بأنها حرب على الإرهاب واستهدفت أفغانستان كمرحلة أولي، ولم تتوقف نيرانها للحظة واحدة. كما تصاعدت فيها الخسائر بشدة على الجانبين، سواء الأفغاني، أو قوات حلف شمال الأطلسي. وتحمل الاقتصاد الأمريكي نفقات هذه الحرب، بما يعادل ـ في المتوسط ـ 100 مليار دولاراً سنوياً. كما تحملت الخزانة الأمريكية نفقات كل جندي يشارك في هذه الحرب، بمعدل مليون دولاراً سنوياً.

واستمرت هذه الحرب دون سقف زمني لإنهائها، أو وصول أحد الطرفين على نصر حاسم فيها، أو قدرة أي طرف على فرض إراداته على الطرف الآخر. وتحولت الحرب في أفغانستان إلى أزمة متصاعدة، أمتد تأثيرها إلى مناطق عديدة من العالم، سواء في آسيا أو الشرق الأوسط، أو مناطق دول حلف شمال الأطلسي المشاركة في هذه الحرب.

إن أخطر ما في الأزمة الأفغانية، أنها تتشابك مع أزمات أخري في المنطقة، بعضها تاريخي مثل الأزمات في منطقة شبه القارة الهندية، أو حديث مثل الأزمة في العراق، أو تصاعد أزمة تخصيب اليورانيوم في إيران، أو اقتصادي مثل الأزمة المالية العالمية؛ بمعني أن الأزمة الأفغانية لم تُعد أزمة أحادية يمكن حلها بسهولة، بل دخلت في دائرة أزمات متشابكة، كل منها يؤثر على الأخرى ومن ثم ازدادت تعقيداً.

يضاف إلى ذلك أن الواقع الديموجرافي والطبوغرافي في أفغانستان يفرض نفسه بشدة على الأزمة؛ فالمجتمع الأفغاني مجتمع قبلي تلعب فيه الإثنيات والعادات والمصالح القبلية دوراً رئيسياً. وهو مجتمع لا تقتصر حدوده داخل أفغانستان، بل تمتد أعراقه إلى البلدان المجاورة، خاصة باكستان ودول آسيا الوسطي، وبما يؤدي إلى إقليمية الأزمة دون اقتصارها على دولة أفغانستان وحدها.

وفي هذا السياق، فإن المستوي الثقافي والحضاري للدولة منخفض جداً، وقد تمكنت السلفية من الانتشار، كما تمكنت القيادات الدينية العنصرية من فرض سيطرتها على قطاعات عريضة من الشعب، فضلاً عن تفشي الفساد نتيجة غياب الوعي، وعدم معرفة الشعب حقوقه وواجباته.

وعندما شنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على أفغانستان، لم تضع في تقديراتها طبيعة مسرح العمليات الذي ستخوض فيه حربها، ولم تحلله بالصورة الصحيحة. واعتمدت على قوتها في تحقيق النصر، ولم تضع سيناريوهات ما بعد النصر في الحسبان. ولذلك، حدث للقوات الأمريكية ـ تقريباً ـ سيناريو الأحداث نفسه التي سبق لبريطانيا العظمى وللإتحاد السوفييتي مجابهتها، عندما تدخلوا عسكرياً في أفغانستان.

وتصاعد الموقف جعل الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بتورط دائم ومتصاعد لوجود قواتها في أفغانستان، مع ازدياد خسائرها البشرية، والتي بدأت بحوالي 12 قتيلاً عام 2001، لتصبح أكثر من 430 قتيلاً في عام 2010، وليتخطي إجمالي الخسائر البشرية في القوات الأمريكية في أفغانستان 1380 قتيلاً، ولقوات حلف الناتو 2200 قتيلاً، بما فيهم القتلى الأمريكيون. (اُنظر ملحق إجمالي الخسائر التي تحملتها القوات الأجنبية في أفغانستان)

ومن هنا بدأ تحول الشعب الأمريكي ـ في غالبيته ـ ضد الحرب، وبدأ يتساءل: ما القضية السياسية والأخلاقية، التي تسببت في وقوع ضحايا من الشباب الأمريكي المشارك في هذه الحرب، إلى جانب آلاف المصابين، سواء بإصابات عضوية نتيجة الحرب ذاتها، أو إصابات نفسية نتيجة للأهوال التي عايشها المقاتلون في مسرح عمليات جبلي وظروف طبيعية لم يتعود عليها المقاتل الأمريكي بأي حال من الأحوال.

في السياق نفسه، فإن استمرار الحرب، ودخولها العام العاشر، أعاد للذاكرة صورة قاتمة لا تريد الولايات المتحدة أن تتعرض لمثلها، وهي ما حدث للاتحاد السوفييتي (السابق) عندما غزا أفغانستان عام 1979، ثم اضطر إلى الانسحاب منها مقهوراً عام 1989، دون أن يحقق أي انتصار يذكر. فقد سجل التاريخ فقط بدء عملية الغزو، ثم تاريخ الانسحاب، الذي خلف وراءه خسائر ضخمة، سواء للقوات السوفيتية أو البنية الأساسية في أفغانستان.

ومن ثم ازداد شعور المواطن الأمريكي، وشعور مواطني الدول المشاركة في التحالف، سواء دول حلف شمال الأطلسي، أو الدول الأخرى، بما تمثله هذه الحرب من أعباء، خاصة في ضوء انتشار الإرهاب الذي انتقل إلى مناطق أخري، ولم يقتصر على أفغانستان؛ وكذلك من عدم اليقين في نجاح قوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، من تحقيق استقرار الموقف في أفغانستان، قبل تحقيق الإستراتيجية الأمريكية في الانسحاب.

وبات الموقف مثيراً للقلق ليس لدى الدول التي تخوض الحرب فقط، بل على مستوي العالم كله الذي يعاني من ظاهرة الإرهاب؛ ذلك أن الحرب على الإرهاب لم تحقق أهدافها التي أعلنتها الإدارة الأمريكية عام 2001، بل إن الإرهاب زاد انتشاره، وتحولت أفغانستان إلى دولة فاشلة تماماً، وتحتاج إلى جهود هائلة من أجل استعادة عافيتها، فضلاً عن المصير المجهول لهذه الدولة لو صدقت الولايات المتحدة الأمريكية في وعدها بالانسحاب عام 2014، وتسليم إدارة الأمن إلى الحكومة الأفغانية.