إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الأزمة الأفغانية (تاريخياً.. وسياسياً.. وعسكرياً)





توزيع القبائل

مناطق توزيع القوات المتحاربة
التقسيمات الإدارية



الفصل الرابع

المبحث الثاني عشر

تطور الإستراتيجيات العسكرية في أفغانستان وسيناريوهات المستقبل

على مدى 9 سنوات من الحرب في أفغانستان، حدث الكثير من التطورات في المجال السياسي والعسكري، سواء على الجانب الأمريكي ـ حلف شمال الأطلسي، أو على جانب الحكومة الأفغانية، أو من جانب طالبان والقاعدة (كاتجاه مضاد). وقد سجلت هذه الحرب تاريخاً بأنها أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ثاني أطول حرب تشتعل على أرض أفغانستان في التاريخ المعاصر، بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان (1979 – 1989).

وهي الحرب التي استهدفت الإرهاب، ولكن لم يتسن لها تحقيق هذا الهدف على نحو كامل كما أنها الحرب التي أحدثت أزمة للعديد من الأطراف، وفي مقدمتهم النظام العالمي الجديد، دون رؤية محددة للخروج منها. وهي كذلك الحرب التي أتفق الحزبان الأمريكيان الرئيسيان على أنها حرب ضرورية للقضاء على الإرهاب، وإظهار قوة الولايات المتحدة الأمريكية.

إن مراحل تطور السياسات والإستراتيجيات المطبقة في أفغانستان، تساير مراحل الحرب على الإرهاب. فقد بدأت مراحلها الأولي منذ عام 2001، وحتى عام 2004 من أجل السيطرة على ربوع أفغانستان، ولم يتحقق هذا الهدف تماماً على الرغم من استخدام الولايات المتحدة أقصى درجات العنف في الحرب؛ ولكنها تمكنت فقط من تأمين بعض المدن، بينما ظلت مساحات واسعة خارج المدن، دون سيطرة الحكومة، أو القوات الأمريكية.

بدأت المرحلة الثانية عام 2004 بإشراك حلف شمال الأطلسي، تحت مظلة عملية أمن أفغانستان "إيساف" "Esaf"، وانتُخبت حكومة وطنية لتدعم الشق السياسي في الحرب على الإرهاب وإدارة الدولة، حيث انتُخب الرئيس حامد كرزاي "Karajay" وهو من قبيلة البشتون على اعتبار أن له توجهات وسطية وطنية، وقدرة على تحمل الأعباء السياسية، ولديه الإلمام بنظام طالبان وأسلوب التعامل معه.

ثم جاءت المرحلة الثالثة عام 2009، مع بداية تولي الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" "Obama" السلطة، والذي تحددت توجهاته بأن الحرب في أفغانستان ضرورية، ولابد أن تصل لأهدافها في القضاء على الإرهاب، وفي الوقت نفسه إيجاد حلول لانسحاب القوات الأمريكية منتصرة" من أفغانستان، من أجل وقف نزيف الخسائر البشرية والاقتصادية الأمريكية.

أولاً: أسباب تطور السياسات والإستراتيجيات العسكرية

تعود الأسباب الحقيقية لهذا التطور إلى الآتي:

1. على المستوى الأمريكي ـ الغربي

أ. أدت الحرب على الإرهاب إلى بعثرة القوات الأمريكية على مساحات واسعة من العالم، خاصة منطقة الشرق الأوسط، وما حولها، ومن خلالها استنزفت الجهود الأمريكية في المجالين الاقتصادي والعسكري، وبما أدي إلى تصاعد المطالب لدي الشعب الأمريكي بإيقاف هذا النزيف، وإيجاد مخرج لمجمل الأزمات، وبما لا يؤثر سلباً على صورة الولايات المتحدة كقائدة للنظام العالمي. ولم تقف هذه المطالب على الشعب الأمريكي وحده، بل امتدت إلى شعوب الدول المشاركة في عملية أمن أفغانستان، بالكامل.

ب. كانت تجربة تسليم الإدارة العراقية مسؤولية الأمن في بلادها، والنجاح في تدريب عناصر الأمن، نموذجاً رأت الإدارة الأمريكية إمكانية تطبيقه في أفغانستان، دون إجراء مقارنة حقيقية بين مسرحي العمليات، والاختلاف الكبير بين الشعبين العراقي والأفغاني.

ج. أن امتداد مجال العمليات العسكرية إلى داخل باكستان، ثم صعود إيران كطرف داعم لطالبان، وصعوبة وصول الإمدادات للقوات الأجنبية داخل أفغانستان، شكل ضغوطا على الإدارة الأمريكية، التي رأت عدم استمرار هذه الحرب إلى مالا نهاية، ولابد من الوصول إلى حلول مقبولة لكل الأطراف.

د. أدركت الإدارة الأمريكية أن هزيمة طالبان وإجبارها على قبول الشروط السياسية الأمريكية، أمر يصعب تحقيقه على المدى القريب أو المتوسط. وقدرت إمكان مشاركة طالبان في نظام الحكم الأفغاني، على نمط مشاركة البعثيين القدامى في العراق في العملية السياسية. لذلك رأت ضرورة تحويل طالبان إلى تنظيم سياسي، وليس إلى نظام مناوئ أو إسلامي سلفي، على أن يبقي تنظيم القاعدة هو العدو الذي يجب القضاء عليه.

هـ. تضاؤل الثقة الأمريكية في الحكومة الأفغانية بقيادة كرزاي، مع صعوبة وجود البديل المناسب القادر على فرض السيطرة في ربوع البلاد. وقد أعلنت الإدارة الأمريكية غضبها الشديد على هذه الإدارة، وطالبتها بالسيطرة على الفساد، واتخاذ الإجراءات الكفيلة باستقرار أفغانستان.

و. أدى استمرار الحرب إلى مضاعفة حجم القوات الأمريكية والغربية العاملة في أفغانستان، علماً بأن هذه الزيادة تتطلب زيادة حجم الدعم العسكري، والتوسع في استخدام عمليات القوات الجوية، إلى جانب تكثيف عمليات نقل الإمدادات،وما إلى ذلك من مهام أخرى.

ز. ازدياد حجم القوات الأمريكية- الغربية في أفغانستان (2001 – 2010)

ازداد حجم القوات جذرياً في كل مرحلة من المراحل، وطبقاً لمتطلبات الإستراتيجيات المطبقة في كل مرحلة كالآتي:

(1) بلغ حجم القوات الأمريكية ـ البريطانية، وقوات التحالف في المرحلة الأولى من الحرب حوالي 60 ألف مقاتل، يدعمهم حوالي 20 ألف مقاتل من القوات الأفغانية التي تنتمي إلى المناطق الشمالية، ومن قبائل الأوزبك والطاجيك والهزارة، وهم الذين وقعت عليهم أعباء الحرب البرية بالوكالة عن القوات الأمريكية، ثم وقعت عليهم أعباء تأمين المنطقة الشمالية من أفغانستان، ومنع وصول طالبان إليها.

(2) وصل حجم القوات الغربية في المرحلة الثانية إلى حوالي 100 ألف مقاتل، منهم 60 ألف مقاتل من القوات الأمريكية، والباقي من قوات حلف شمال الأطلسي. واضطرت القيادة الأمريكية إلى الاستعانة بشركات الأمن من جنسيات مختلفة، ومتعاقدين عسكريين ومدنين لأعمال الخدمات، وتأمين المنشات والحراسات للأهداف الحيوية والأرتال، بلغ تعدادها ما بين 60-80 ألف فرد. وذلك نظراً لأن تكاليف هذه العناصر أقل من تكاليف القوات العسكرية، إلى جانب أن مهامهم لا ترتقي إلى أعمال القتال المحترفة.

(3) في المرحلة الثالثة حدثت طفرة كبيرة في إعداد القوات، التي يمكنها تحقيق أمن واستقرار مناسبين على الأراضي الأفغانية، حيث قرر الرئيس أوباما زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان لتصل إلى حوالي 100 ألف مقاتل، وطالب دول الحلف أن يصل عدد قواتها إلى  50 ألف مقاتل ليصل إجمالي القوات العسكرية إلى 150 ألف مقاتل، ويصل عناصر الأمن إلى حوالي 100 ألف. كما وضعت خطة للوصول بحجم القوات العسكرية الأفغانية إلى حوالي 270 ألف مقاتل حتى عام 2012، وهو الحجم الذي يتناسب مع تولي الحكومة الأفغانية سلطات الأمن في بلادها.

2. على مستوى الحكومة الأفغانية

أ. كان واضحاً من الوهلة الأولى، أنه عندما تولت حكومة الرئيس كرزاي الحكم عام 2004، لم يكن ثمة أي مقومات لدولة يمكن السيطرة من خلالها على الأمور، وإدارة شؤون الدولة.

ب. استمر تدخل القيادة الأمريكية في شؤون الدولة لفترة طويلة، ومن ثم، ضلت حدود المسؤولية طريقها، ولم يتحدد، من هو صاحب القرار الحقيقي، ومن هو المنفذ والمتابع للتنفيذ.

ج. مع توزيع المسؤولية، ساد الفساد، خاصة مع التوسع في إنشاء الشركات أو الأطقم الأمنية. وأصبح كل ذي سلطة يتحكم في أمور صلاحياته. وأدي كل ذلك إلى انتشار الرشوة على الرغم من الفقر الشديد الذي يعاني منه الشعب. وأصبح كل فرد يبحث عن وظائف في جهات أمنية تجلب له الرشاوى، أو ينضم إلى طالبان ليضمن مرتباً ثابتاً.

د. تعد أجهزة الحكومة متورطة بشكل كامل في الفساد بكل مجالاته. وقد كُشف مؤخراً أن الرئيس كرازاي نفسه يقبل "تبرعات" من إيران.

هـ. تقف الحكومة عاجزة عن إعداد قوات الأمن، وعن إيجاد السبل في فرض السيطرة على البلاد، أو التصدي لزراعة وتجارة المخدرات، والأهم من كل ذلك، هو عجزها في التصدي لمقاتلي نظام طالبان، وتترك ذلك للقوات الأمريكية، التي تحرص على مشاركة قوات أفغانية بغرض التدريب على المواجهة.

و. اتجهت الحكومة الأفغانية إلى محاولات للتفاهم مع طالبان، بهدف تسييس النظام الطالباني وإمكان مشاركته في الحكم، علما بأن ذلك يثير قبائل الشمال، التي ترفض تلك المصالحة، وتهدد بحمل السلاح في مواجهة الحكومة الأفغانية لو توصلت إلى اتفاق في ذلك من دون موافقة هذه القبائل

مع احتدام الأزمة، بدأت الحكومة الأفغانية تضيق بالضغوط الأمريكية عليها، بل يبدو أن الحكومة ـ في محاولة لاستقطاب طالبان ـ تحاول الوقوف ضد الوجود الأجنبي على أرض أفغانستان. وقد طالب الرئيس كرزاي واشنطن بتقليص عملياتها العسكرية في أفغانستان، وأن تُنهي القوات الأمريكية الغارات الليلية، التي رأى أنها تحرض الشعب على الانضمام إلى التمرد الذي تتزعمه طالبان. ويصل الرئيس كرزاي إلى خلاصة القول بأن الوقت قد حان لخفض العمليات العسكرية وعدد الجنود الأجانب في أفغانستان، والحد من التدخل في الحياة اليومية للأفغان".

وفي السياق نفسه يذكر المرشح السابق لرئاسة الجمهورية الأفغانية، عبدالله عبدالله، العديد من الحقائق التي تمس الداخل الأفغاني، وتساعد على تصاعد الأزمة، وهي أن صمود طالبان ليس بسبب شعبيتها؛ ولكن بسبب تصاعد الغضب الشعبي لسياسة الحكومة، وتجاوزات الوجود الأجنبي على أرض أفغانستان.

ويذكر، أيضاً، التغير الواضح في سياسة الرئيس كرزاي، وأنه في السنوات الخمس الأولى استخدم الوجود الأجنبي ضد الشعب، وفي السنوات الخمس الأخيرة بدأ يستعدى الشعب ضد الوجود الأجنبي بحجة الكرامة والسيادة، وأنه في اللحظة التي ستنسحب فيها القوات الأجنبية ستعلن عن نهاية حكم كرزاي نفسه.

أدت تصريحات الرئيس كرزاي بشأن الوجود الأمريكي- الغربي في أفغانستان، إلى ردود فعل عنيفة، سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو حلف شمال الأطلسي. فقد أعلن سكرتير عام الحلف أن تصريحات الرئيس كرزاي غير مقبولة، وأن قوات الحلف ستستمر في قتال طالبان إلى أن تقتنع بضرورة إيقاف طالبان عملياتها الخارجة عن القانون ضد قوات الحلف والشعب الأفغاني، وإجبارها على التوجه صوب الحلول السياسية، والاندماج في الحياة العامة الأفغانية.

وقد جاء رد المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان وباكستان، معلناً أن القوات المنتشرة في أفغانستان تعمل الآن على تسليم جميع المهام الأمنية إلى القوات الأفغانية، مع حلول منتصف عام 2011، وتستمر حتى عام 2014، ليتم خلال هذه الفترة سحب القوات الأمريكية تدريجياً.

وأكد المبعوث الأمريكي على أهمية ما تقوم به القوات الأمريكية والدولية في أفغانستان، من أجل تحقيق السلام والاستقرار. وذكر بالنص " أن الظروف الحالية التي تثير قلق الرئيس كرزاي هي إجراءات ضرورية، من أجل حماية حكومته وشعبه، ويرجو أن يتم أي تغيير بدقة وعناية وعلى نحو متوازن، وأن يخضع للمراجعة بشكل مستمر".

وتوضح تصريحات الرئيس كرزاي والتصريحات المضادة لها، أن هناك انقساماً واضحاً في رؤية حل الأزمة الأفغانية، ما بين النظام الدولي، والنظام في أفغانستان، وهو ما سوف يؤدي بدوره إلى تعقيد الأزمة، وبناء سيناريوهات جديدة لها، قد يكون الإطاحة بالحكومة الأفغانية واحداً منها.

3. على مستوى نظام طالبان

أ. نجح نظام طالبان في الإفلات من الحملة الأمريكية الموجهة لتدميره. وكان للطبيعة الجبلية، ولتغلغل هذا النظام في قبائل البشتون، الفضل في استمرار وجوده والبعد به عن التدمير.

ب. نجح هذا النظام في استقطاب حلفاء أقوياء قادرين على إمداده بالسلاح والمال، سواء من خلال طالبان باكستان، أو بعض العناصر الإيرانية، التي تدعمه للحرب بالوكالة عنها في مواجهة القوات الأمريكية.

ج. نجح النظام، أيضاً، في تدبر مصادر اقتصادية، خاصة من خلال السيطرة على تجارة المخدرات، التي تدر عائداً كبيراً. ومن خلال ذلك العائد يجند الشباب الفقير، مستغلاً العقيدة الإسلامية التي تقول بقتال "الكفار"، المتمثل هنا في قوات الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي.

د. يجد نظام طالبان أن أقدامه تحقق ثباتاً في أرجاء أفغانستان، بعد أن حقق سيطرة شبه كاملة على القطاعات الجنوبية والشرقية من أفغانستان، والتي فشلت القوات الأمريكية في استعادة السيطرة الكاملة عليها.

وفي السياق نفسه، فهو يتابع بجدية كاملة توجه الحكومة الأفغانية في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة، يمكن من خلالها إيقاف الحرب في أفغانستان، والتي تمكنه بعدها من القفز على السلطة. كما يتابع التوجهات الأمريكية في إيجاد مخرج لوجودها في أفغانستان. ويتحمل الضربات الأمريكية، ويرد عليها قدر استطاعته. ومن هذين العاملين، تتصاعد قدرة طالبان، وتتفتح أمامها السبل مستقبلاً لاستعادة حكم أفغانستان مرة أخري.. وهو الشيء نفسه الذي تعمل الإدارة الأمريكية ألف حساب لعدم حدوثه.

كانت ردود فعل طالبان بشأن تحديد عام 2014 للانسحاب الكامل للقوات الأجنبية، هي أن الولايات المتحدة وحلفاءها يشعرون بالهزيمة ويحاولون الهروب.

ثانياً: الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، لإيجاد حلول للأزمة الأفغانية

بصعود الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة الرئيس باراك أوباما إلى الحكم، كان لابد من تغيير إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أفغانستان، بهدف الخروج من المأزق السياسي والأمني، الذي يؤثر تأثيراً مباشراً على النظام العالمي الجديد. وكان الهدف الإستراتيجي الأمريكي يتحدد في ثلاثة مجالات، هي:

1. الانسحاب الأمريكي المشرف من أفغانستان، على اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية حققت أهدافها في الحرب على الإرهاب، وتحويل أفغانستان إلى دولة مستقرة ويحكمها نظام ديموقراطي.

2. إعادة بناء الدولة الأفغانية على أسس سليمة، واستكمال كافة جوانبها الهيكلية والقانونية والدستورية والأمنية، بحيث تصبح الحكومة الأفغانية قادرة على الاضطلاع بمهامها الوطنية.

3. إيجاد حلول مناسبة للأزمات في المنطقة، وبما يؤدي إلى استقرار إحدى أهم المناطق في جنوب شرق آسيا، والتي تؤثر على المصالح الأمريكية عبر العالم.

تضمنت الورقة البيضاء لتقرير مجموعة السياسة الأمريكية متعددة الوكالات، حول السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان وباكستان، والتي صدرت عن البيت الأبيض في 27 مارس 2009، وعرفت إعلاميا " بالإستراتيجية الأمريكية تجاه أفغانستان وباكستان، وأجريت تعديلات عليها في 1 ديسمبر 2009، وصدرت بعدها تحت عنوان " الطريق نحو الأمام في أفغانستان وباكستان"، وهي نفسها التي عرفت إعلامياً " بالإستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان".

تضمنت هذه الوثيقة 15 بنداً للتعامل مع الأوضاع الراهنة في باكستان، منها سبل المحافظة على امن القوات الأمريكية واستخدام الضربات وتخفيف حجم الأضرار بالشعب الأفغاني، وتجنيبه ويلات الحرب وتشجيع جهود الحكومة الأفغانية على دمج المتمردين القابلين للتصالح وسرعة بناء الهياكل التنظيمية للدولة الأفغانية، وبناء قوات الأمن لتحمل مسؤوليتها في الدولة، ودعم جهود الحكومة في القضاء على الفساد، وفصل طالبان باكستان عن طالبان أفغانستان، واستمرار مطاردة قادة القاعدة وقادة طالبان وغيرها.

حرصت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة أن تتضمن مسألتين مهمتين، هما:

الأولي: تأكيد الأهداف المركزية للولايات المتحدة الأمريكية، وهي تعطيل وتفكيك وإلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة وحلفائها المتطرفين، وحرمان القاعدة من الحصول على الملاذ الآمن؛ مع تقليص قدرة نظام طالبان على الإطاحة بالحكومة الأفغانية، أو السيطرة على الأراضي الأفغانية.

الثانية: فتح مجال لتسييس حركة طالبان، وتجنب إطلاق توصيفات من قبيل " المتطرفة" أو "الإرهابية" على حركة طالبان، واقتصار هذا التوصيف على تنظيم القاعدة بوصفها مجموعة من المتطرفين الذين شوهوا ودنسوا الإسلام، أحد أعظم العقائد في العالم. أما طالبان، فقد حددت الوثيقة توصيفها بأنها "حركة متحجرة وقمعية وراديكالية استولت على البلاد، بعد أن خربتها سنوات الاحتلال السوفييتي والحرب الأهلية"، ويمكن تقويمها للاندماج في الحياة السياسية الأفغانية.

ثالثاً: إدارة العمليات العسكرية لتحقيق أهداف الإستراتيجية الأمريكية

في التقدير العسكري لتحقيق الإستراتجية الأمريكية، التي أقرها الرئيس أوباما في نهاية ديسمبر 2009، كان معروفاً لدي العسكريين، أنه لا يمكن تحقيق سلام داخلي أفغاني، طالما كان هناك توازناً في القوي بين طالبان، والحكومة الأفغانية. وكان لابد من وجود طرف منتصر يفرض إرادته على الآخر، وهذا الطرف، من وجهة النظر الأمريكية، هو الحكومة الأفغانية تدعمها قوات حلف شمال الأطلسي؛ لذلك فقد تم التخطيط العسكري لشن ضربات ضد المناطق ذات الوجود الكثيف لطالبان، من أجل إخضاعها للإرادة الأفغانية. وحرصت القوات الأمريكية على إشراك قوات أفغانية معها في تلك الحملات.

وضماناً لتحقيق أهداف الإستراتيجية، صدق الرئيس أوباما على مطالب القادة العسكريين بزيادة القوات الأمريكية في أفغانستان بدفع 30 ألف مقاتل لتعزيز القوات الموجودة فعل،اً إلى جانب مطالبة دول حلف شمال الأطلسي بدعم قواتها في أفغانستان، لتصل إلى إجمالي 50 ألف مقاتل. وقد نفذت الولايات المتحدة دفع القوات المحددة، كما نفذت بعض دول الحلف زيادة قواتها المشاركة في الحرب في أفغانستان، ليصبح إجمالي القوات في حدود 150 ألف مقاتل إلى جانب حوالي 100 ألف فرد أمني من جنسيات مختلفة.

1. العملية العسكرية الأولى: العملية "خنجر"، يوليه 2009

أ. هدف العملية: تقليص قدرة طالبان على التدخل في العملية الانتخابية، التي كان مقرراً لها 20 أغسطس 2009، من خلال شن عملية عسكرية في مناطق الجنوب، لتحقيق أمن مناسب لإجراء الانتخابات في هذه المنطقة.

ب. القوات الأجنبية ـ الأفغانية المشاركة: حوالي 4000 جندي أمريكي من قوات المارينز ـ حوالي 350 جنديا بريطانياً ـ 650 جندياً أفغانياً، مع مشاركة واسعة للقوات الجوية الأمريكية، وعناصر الاستخبارات.

ج. مسار الحرب ونتائجها: نجحت بدايات العملية في السيطرة على أجزاء من مناطق الجنوب؛ ولكن سرعان ما حشدت طالبان قواتها، وشنت هجوماً مضاداً مباغتا في هلمند أطلقت عليه "الشبكة الحديدية". واستخدمت فيه أساليب حرب جديدة، بأن أخلت المناطق التي سيطرت عليها القوات الأجنبية من سكانها، حتى لا يكونوا رهينة في أيدي هذه القوات، ثم أحكمت حصارها بنصب الكمائن وتنفيذ الإغارات على القوات الأجنبية، وتنفيذ العديد من العمليات الانتحارية، ما أدي إلى سقوط أعداد كبيرة من القوات الأجنبية قتلي وجرحي. وأعلنت طالبان عن قوتها وتصميمها في اعتلاء السلطة، من خلال تلك العملية.

2. العملية العسكرية الثانية: العملية "مشترك" فبراير 2010

أ. هدف العملية: هدفت العملية إلى تقليص قدرة نظام طالبان وسيطرته على مناطق الجنوب الشرقية، التي تمثل خطورة على الأوضاع في أفغانستان. وكان تم التركيز في هذه العملية على منطقة "مرجه" في إقليم هلمند، التي تسيطر عليه طالبان، وتشتهر بزراعة المخدرات وتصنيع الهيروين.

بدأت هذه العملية في 13 فبراير 2010، وبعد الإقرار النهائي لإستراتيجية الرئيس أوباما لتحقيق الاستقرار في ربوع أفغانستان. كما بدأت بعد استكمال وصول قوات الدعم الأمريكية ـ الأطلسية إلى أفغانستان.

ب. القوات الأجنبية ـ الأفغانية المشاركة: بُنيت خطة هذه العملية استناداً على الخبرات السابقة من عملية "الخنجر"، لذلك شارك في التنفيذ 15 ألف جندي، من بينهم 2500 جندي أفغاني، مع التوسع في استخدام القوات الجوية ووسائل الإبرار الجوي.

ج. مسار العملية ونتائجها: استخدمت كلتا القوتين المتضادين أساليب خاصة بها في تنفيذ العملية:

(1) القوات الأمريكية ـ الأفغانية: توخت الحذر التام في تنفيذ العملية حتى لا تزيد الخسائر في القوات المهاجمة، مع التوسع في تنفيذ الضربات الميدانية، واستخدام وسائل العمليات النفسية من أجل إجبار عناصر طلبان على التسليم، مع محاولة تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.

(2) عناصر طالبان: آثرت العناصر الرئيسية من طلبان عدم المواجهة في المراحل الأولى من المعركة، والانسحاب إلى مناطق بعيدة آمنة، على أن تعود بعد أن تنتهي القوات الأمريكية- الأفغانية من عمليتها، وتحسم السيطرة على إقليم مرجه، مع تنفيذ عمليات الحصار والكمائن والعمليات الانتحارية، ضد القوات الأجنبية في محيط مرجه الخارجي.

(3) استغرقت العملية حوالي أربعة أسابيع، أعلنت القيادة الأمريكية بعدها السيطرة على إقليم مرجه؛ إلا أنه بعد أيام قليلة عادت عناصر طالبان إليها. ومن خلال هذه العملية تبين صعوبة إيقاع هزيمة حاسمة بطالبان، حيث تسود منطقة مرجه فوضي أمنية، وتتعرض دوريات القوات الأمريكية الأفغانية المشتركة لهجمات وكمائن من عناصر طالبان. بمعني أن العملية تُعد فاشلة.

3. العملية العسكرية الثالثة: "ضربة التنين" يونيه 2010 في منطقة قندهار

أ. هدف العملية: استكمال سيطرة قوات حلف شمال الأطلسي والقوات الأفغانية على مناطق الجنوب الأفغاني، وبسط سيطرة الحكومة الأفغانية على الأمن في تلك المناطق، كهدف رئيسي يسمح بتحقيق الإستراتيجية الأمريكية لسحب القوات اعتبارا من منتصف عام 2011.

ب. القوات المشاركة في العملية: حشدت القيادة الأمريكية لهذه العملية حوالي 40 ألف مقاتل أمريكي- بريطاني- أفغاني، بهدف تحقيق حسمٍ كاملٍ، وتقليص سيطرة طالبان على تلك المناطق.

ج. مسار العملية ونتائجها: أستخدم كلا الطرفين الخبرات الأساسية من المعارك السابقة، إضافة إلى المتغيرات على الساحة العالمية والإقليمية كالآتي:

(1) القوات الأمريكية ـ الأفغانية: الإصرار على تحقيق النجاح، تنفيذا لما يقع عليها من ضغوط من الإدارة الأمريكية، إذ أن الجنرال باتريوس، قائد القيادة المركزية، والجنرال ماكريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، هما اللذان وضعا الإستراتيجية التي صدق عليها الرئيس أوباما وأعلنها أمام العالم.

في السياق نفس كان التصدي للأساليب القتالية، التي أتبعها مقاتلو طالبان في العملية" مشترك"، بالانسحاب إلى مناطق أمنه، ثم العودة بعد انسحاب القوات الأمريكية، وذلك بتشديد الضربات الجوية على طرق انسحاب قوات طالبان، واصطيادها أثناء تحركاتها الخارجية، إلى جانب توجيه ضربات ميدانية كثيفة خاصة ليلاً، ضد المناطق المحتمل وجود عناصر من طالبان بها، دون النظر إلى ما يحدث من خسائر في المدنيين (على الرغم من تكرار الدعاية بمراعاة عدم إيقاع أي أضرار بالمدنيين)، وفي الوقت نفسه عمدت القوات الأمريكية إلى تدمير مئات المباني الخالية من السكان، تخوفاً من كونها مصائد مفخخة تركتها عناصر طالبان لاصطياد الجنود الأمريكيين، إلى جانب منع مقاتلي طالبان من العودة إلى هذه المساكن بعد انتهاء العملية. وهذا الهدم آثار القيادات الأفغانية، بما فيهم الرئيس كرزاي، الذي أعلن عن غضبه من توسيع القوات الأمريكية للعمليات، التي تصيب الأفغان بخسائر فادحة.

ويذكر أيضاً أن الرئيس الأفغاني، أبدى اهتماماً بهذه العملية قبل أن تبدأ، وأجرى تحركين سياسيين مهمين في هذا المجال، هما:

(أ) الأول: عقد مؤتمر للسلام في 2 يونيه 2010 بمشاركة زعماء القبائل (جيرجا)( وهو لفظ يطلق على زعماء قبائل البشتون)، يهدف إلى إقناع مقاتلي طالبان بإلقاء السلاح، وبطرح خطة تتضمن عفواً عاماً عن مقاتلي طالبان، الذين ينبذون العنف والتمرد، ويقبلون بدستور البلاد، وإغرائهم بالحصول على وظائف ومشروعات تنمية في المناطق التي يقيمون بها.. كما تتضمن مخاطبة الولايات المتحدة الأمريكية برفع عدداً من مسؤولي طالبان من القائمة السوداء، وأن يُمنح عدد من قيادات طالبان حق اللجوء إلى دول إسلامية صديقة.

(ب) الثاني: تدبير الرئيس كرزاي لقاء مع زعماء القبائل في قندهار في 13 يونيه، للحصول على دعم حوالي 300 من زعماء المنطقة لتأييد العملية، وعدم التعرض للقوات الأفغانية، ومنع إيواء عناصر من طالبان. وقد جرى هذا اللقاء بحضور الجنرال ماكريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، والذي قال في المؤتمر لزعماء القبائل: "لا تقتلوا رجال وأطفال وطنكم، لا تقتلوا الأبرياء، وباعدوا أنفسكم عن القاعدة والإرهابيين"

(2) عناصر طالبان: كان الإعلان عن انسحاب القوات الأمريكية في منتصف عام 2011، يمثل حافزاً لقيادات طالبان على المقاومة والمحافظة على كوادرها، وتجنيد أعضاء جدد للانضمام إليها، لإدراكها بإمكان استعادة وضعها في تولي حكم أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأمريكية. واستخدمت طالبان الأساليب السابقة نفسها في الانسحاب من مناطق القتال الرئيسية، مع ترك عناصر للمقاومة وتنظيم الكمائن والأعمال الانتحارية، وهو ما عرض الكثير من عناصرها للقصف الأمريكي أثناء عمليات الانسحاب، من خلال غارات ليلية عنيفة أدت إلى خسائر كبيرة في عائلات هؤلاء المقاتلين.

(3) استخدمت القوات الأمريكية الحذر الشديد في بداية العملية، نتيجة لوعورة طبوغرافية الأراضي التي تجري فيها المعارك؛ ولهذا فإن المعارك استمرت بطيئة، حيث أقر وزير الدفاع الأمريكي، أن الهجوم الذي تشنه القوات الدولية على متمردي طالبان أفغانستان، يواجه صعوبات كثيرة، وخسائر عديدة في الأرواح؛ ولكنه على الرغم من كل شيء، يحرز تقدماً، وأنه واثق من قدرة القوات الأمريكية على تحقيق النصر.

(4) يعد شهر يونيه أكثر شهر في عدد الخسائر في القوات الأمريكية، إذ بلغ عددهم 100 قتيلٍ، وتستمر العمليات في إقليمي قندها وهيلمند حتى نهاية عام 2010.

رابعاً: التطور في الإستراتيجية الأمريكية كإفراز للعمليات الثلاث

تضمنت الإستراتيجية الأمريكية فقرة رئيسية، وهي المراجعة النهائية لهذه الإستراتيجية في نهاية ديسمبر 2010. وهناك العديد من المتغيرات التي أدت إلى تغيرات جذرية في هذه الإستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بتحديد توقيت الانسحاب من أفغانستان بحلول منتصف عام 2011، والذي تعدل في قمة حلف شمال الأطلسي ليكون نهاية عام 2014، مع بدء الانسحاب التدريجي وتسليم مسؤولية الأمن للحكومة الأفغانية اعتبارا من عام 2011. وأهم هذه المتغيرات الآتي:

1. المجال السياسي

أ. إصرار الرئيس الأمريكي أوباما على أن يحافظ على وعوده بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، والذي حدد موعداً له منتصف عام 2011. ولكنه أدرك أن هذا الموعد لا يمكن تحقيقه، ومن ثم شرع في تحديد توقيت جديد يتناسب مع واقع الأحداث.

ب. اشتداد المعارضة على قرارات الرئيس أوباما في الداخل الأمريكي، خاصة بعد حصول الجمهوريين على الغالبية في مجلس النواب، وتقليص الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، الأمر الذي أدي إلى محاولة الحزب الجمهوري إفشال خطط الرئيس أوباما، وعدم تمكينه من الفوز بفترة رئاسية ثانية وهو ما سوف يزيد من تحرك الرئيس في مواجهة الجمهوريين، ومن ثم إصدار قرارات تاريخية من أجل إنهاء الأزمة في أفغانستان، حتى لا تؤثر على الانتخابات القادمة.

وكان أهم ما يواجه الرئيس أوباما من قبل أعضاء الكونجرس، من الحزب الجمهوري، وأعضاء آخرين من الحزب الديمقراطي، أن هذا الانسحاب السريع سوف يؤدي إلى ضياع جهود سنين طويلة امتزجت بدماء الأمريكيين، وسوف تغلق مدارس الفتيات في أفغانستان وتهدر كرامة المرأة، وستتسع مجالات الإرهاب، وتعود طالبان والقاعدة للسيطرة على البلاد، وتعود الأزمة إلى المربع الأول.

ج. الضغوط من دول حلف شمال الأطلسي، التي تتكبد قواتها خسائر في أفغانستان، وتريد شعوبها سحب قواتها المشاركة في هذه الحرب.

د. يقين الإدارة الأمريكية أن الحكومة الأفغانية الحالية أضعف من أن تقود حلولاً، أو تسيطر على البلاد. كما أن طالبان تشكل قطاعاً مهماً من الشعب يجب مشاركته في الحكم؛ ولكن بشروط أمريكية وبعد تقليص قدرته وإقناعه بأن الاندماج في السياسة أفضل من تبني حركات التمرد المسلحة. وهذا يتطلب وقتاً.

هـ. أن المسألة الأفغانية، مرتبطة بما يحدث في شبه القارة الهندية والقوقاز، ولا بد من حلول مشتركة ومتفق عليها في هذا المجال.

2. المجال العسكري

أ. أثبتت أزمة تغيير القيادة العسكرية الأمريكية، التي تقود حلف شمال الأطلسي في أفغانستان في نهاية يونيه 2010، أن هناك فجوة ثقة ما بين الإدارة الأمريكية وقيادتها العسكرية في أفغانستان، وهي التي أدت إلى التصريحات ـ غير المسؤولة ـ التي أطلقها الجنرال ماكر يستال وبعض أفراد قيادته ونشرت إعلاميا، وحملت تجريحات للعديد من الشخصيات الرئيسية في الإدارة الأمريكية، بما فيها الرئيس أوباما.

وهذه التصريحات جعلت الرئيس أوباما يعلن قراره "بقبول استقالة الجنرال ماكريستال"، وتعيين الجنرال باتريوس قائد القيادة المركزية الأمريكية مكانه. ويؤكد أوباما أن قراره ليس ناتجاً عن إهانة شخصية، ولكنه ينصب في مجال الأمن القومي الأمريكي، والحرص على وحدة الصف بين القيادتين السياسية والعسكرية، مشدداً على الالتزام الشديد لسلسة القيادة العسكرية، والسيطرة المدنية لتلك السلسلة".

ب. شدد الرئيس أوباما،  في الوقت نفسه، على أن الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان ستستمر كما هي، والتغيير هو في الأشخاص فقط، وأن الجنرال باتريوس هو أحد واضعي هذه الإستراتيجية، وهو متابع لمجريات الأحداث في أفغانستان.

ج. للمحافظة على الأوضاع العسكرية في أفغانستان ـ خاصة مع طلب الرئيس كرزاي استمرار قيادة الجنرال ماكر يستال، الذي نجح في تحقيق تنسيق مناسب مع الإدارة الأفغانية ـ اتصل الرئيس أوباما برئيس الوزراء البريطاني، لتعيين الليفتنانت جنرال نيك باركر، قائد القوات البريطانية في أفغانستان ونائب قائد قوات حلف شمال الأطلسي، قائداً لقوات الحلف، لحين تصديق الكونجرس على تعيين الجنرال باتريوس.

وكان رئيس الوزراء البريطاني، عزل مارشال الجو السير جوك ستيروب، رئيس أركان القوات المسلحة البريطانية، من منصبه في منتصف يونيه 2010، وذلك في إطار مراجعة الإستراتيجية البريطانية في أفغانستان، وعدم اتخاذه الإجراءات في تسريع العمليات العسكرية، بما أدى إلى الفشل الذي أحاط بالدور البريطاني في أفغانستان، وزيادة أعداد القتلى والمصابين من القوات البريطانية نتيجة للعبوات الناسفة.

د. ربما يكون التغيير الوحيد في الإستراتيجية، التي قاد تنفيذها الجنرال باتريوس بعد توليه مسؤولية القيادة أوائل يوليه 2010، هو تشديد الضربات العسكرية ضد طالبان، والتوسع في مجالات تدمير المساكن، التي يتركها أصحابها ويستغلها مقاتلو طالبان في عمليات الكماشة والتفخيخ، إلى جانب جعل هذا التدمير عقابا لمن يترك مسكنه بوصفه من أفراد طالبان الذين يهربون من المعارك، ثم يعودون بعد انتهائها ليمارسوا نشاطهم؛ كذلك التوسع في الضربات الانتقائية لاصطياد قادة طالبان، دون النظر إلى الدروع البشرية التي يحتمون بها.

هـ. وفي السياق نفسه، فإن الجنرال باتريوس- نتيجة لخبراته المستمدة من حرب العراق، فهو صاحب نظرية ضرورة تقليص قدرات طالبان العسكرية إلى أدني حد ممكن، وإشعارها بالهزيمة لكي تقتنع بأن استمرار مقاومتها لا طائل منه، وبما يؤدي إلى إخضاعها للحكومة الأفغانية.

و. أثبت مسار الأزمة أن أي انسحاب أمريكي مفاجئ أو سريع، يعني اشتعال حرب أهلية قد تؤدي إلى سيطرة طالبان على الحكم، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2001، وبما يعني هزيمة سياسية لأمريكا.

3. المجال الاقتصادي

أ. يطفو برنامج الرئيس أوباما للإصلاح الاقتصادي على السطح، خاصة مع انتهاء النصف الأول من فترة رئاسته الأولى، واستعداده لإقناع الشعب الأمريكي بمزايا إدارته في مجال تخطي الأزمات، التي تسببت فيها الإدارة السابقة، وأهمها المجال الاقتصادي، الذي يؤثر على عامة الشعب. وأهم خطوات الإصلاح الاقتصادي هي خفض الإنفاق العسكري الناتج عن استمرار الحروب، التي تخوضها الولايات المتحدة خارج أراضيها.

ب. تأتي الاكتشافات الأمريكية لثروات تعدينية ضخمة في أفغانستان، تقدر قيمتها بأكثر من تريليون دولاراً من الحديد والنحاس والذهب والليثيوم وغيرها، متغيراً مستقبلياً مهماً لابد من معالجته بأسلوب سياسي دقيق، ذلك أن هذه الاكتشافات، يوجد معظمها في المنطقة الجنوبية والشرقية التي تسيطر عليها طالبان، بما سيؤدي إلى تدخلات جديدة لتوسيع مجالات الصراع، وليس تقييدها، نظراً للآتي:

(1) استغلال هذه الثروات ستتدخل عبره القبائل، طبقاً لأوضاعها الجغرافية، وتحاول الاستفادة منها، وبما يشكل نزاعات تتطلب سيطرة الحكومة التي تفتقر إلى وجود وزارة للبيئة، أو حتى أي إجراءات لحماية البيئة الطبيعية.

(2) أن الصين التي تحاول امتداد نفوذها الإقليمي، والتي حصلت من قبل على أتفاق للتنقيب عن معدن النحاس في أفغانستان، سوف تعمل على التغلغل في السيطرة على التعدين، وبما يؤدي إلى صراعات دولية.

(3) أن الولايات المتحدة الأمريكية تهدف في هذا المجال إلى تعويض بعض خسائرها في أفغانستان، بإعطاء الفرصة لشركاتها لتولي مسؤولية تلك المهام، وهو أمر اقتصادي سياسي يتطلب حماية عسكرية مناسبة، تتحدد من خلال إستراتيجية ما بعد الانسحاب من أفغانستان.

(4) أن حركة طالبان المتغلغلة في المناطق الشرقية والجنوبية، سوف يكون لها صوت عالٍ، ومقاومة عنيفة لاستغلال هذه الثروات؛ ومن هنا يمكن توجيه إستراتيجيتها نحو سيناريو "تقسيم أفغانستان".

خامساً: ملامح الإستراتيجية المطورة لإيجاد حلول للأزمة الأفغانية

جاءت أهم ملامح الإستراتيجية المطورة في اجتماع قادة حلف شمال الأطلسي، المنعقد في لشبونة (البرتغال) في 20 نوفمبر 2010، من خلال مقترح للرئيس أوباما بتوقيع خطة تقضي بتسليم المسؤولية الأمنية في أفغانستان إلى الحكومة الأفغانية بحلول عام 2014، على أن تكون بشكل تدريجي اعتباراً من عام 2011، لتسليم الأقاليم التي يسودها نوع من الاستقرار. ويعد هذا التوقيت هو أول توقيت معلن ونهائي يتفق عليه قادة الحلف، ويستعاض عنه بالجدول الأمريكي للانسحاب في يوليه 2011 والذي لم يحدد موعداً نهائياً لإتمام نقل المهام الأمنية إلى الأفغان.

أعباء تنفيذ هذه الإستراتيجية

1. تُلقي هذه الإستراتيجية أعباء جديدة على إدارة الرئيس أوباما، فيما بين تنفيذ وعوده للشعب الأمريكي، والضغوط الملقاة عليه داخلياً وخارجياً وعسكرياً، واقتصاديا، وبما يتطلب سيناريوهات وخطط عمل دقيقة من الإدارة الأمريكية، بالتنسيق مع دول الحلف والحكومة الأفغانية.

2. ستصبح هذه الخطة دليلاً لمراجعة حكومات دول حلف شمال الأطلسي لتحديد مواعيد سحب قواتها من أفغانستان، إلى جانب بذل جهود أكبر من اجل تدريب ورفع كفاءة القوات العسكرية والأمنية الأفغانية، التي ستتحمل مسؤولية الأمن بعد الانسحاب، ذلك أن حلف شمال الأطلسي سوف يكلف قياداته تدريب العناصر الأفغانية، ورفع كفاءتها في هذا المجال.

3. سيحقق امتداد أمد وجود القوات الأجنبية على أرض أفغانستان حل العديد من المشاكل، وأهمها إضعاف قدرة طالبان على استمرارها كجبهة معارضه وتحويلها إلى منظمة سياسية وليست عسكرية، إلى جانب القضاء على عناصر القاعدة في أفغانستان، والذي يقدر عدد أفرادها بأقل من 200 عنصر، وتتولى "قوة المهمات رقم 373 الأمريكية"، المتخصصة في مطاردة الأشخاص المطلوبين، تحقيق تلك المهمة.

4. أهمية استقرار الوضع السياسي في أفغانستان خلال هذه الفترة، بتولي حكومة وطنية تلتزم الشفافية والقضاء على  الفساد، ولها القدرة على السيطرة على أركان البلاد، والتعامل مع القوي الدولية بتنسيق كامل.

5. أن تتكاتف الأطراف في بناء أفغانستان، جديدة تعتمد على مواردها الطبيعية الضخمة، مع الامتناع عن زراعة المخدرات وتصنيعها والاتجار فيها.

سادساً: السيناريوهات المحتملة للخروج من الأزمة

1. السيناريو الأول: تحقيق نجاح مناسب في مجال الإستراتيجية

أ. وهو ما يعني استقرار للأوضاع بصورة ملحوظة، والقضاء على الدرجات القصوى من الفساد، وتوجه طالبان إلى الاندماج في الحياة السياسية، وذلك باستغلال المدى الزمني حتى عام 2014.

ب. يتطلب تحقيق هذا السيناريو جهوداً ضخمة من الأطراف كافة، لتحقيق هذه الإستراتيجية، التي يجب أن تترجم إلى مهام محددة بتوقيتات لكل طرف من الأطراف. كما تتطلب تدخل الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة في العملية، التي تهدف إلى بناء أفغانستان جديدة.

ج. تتطلب حلولاً جذرية لقضايا المنطقة المحيطة بأفغانستان، خاصة الأوضاع في باكستان والنزاع الهندي ـ الباكستاني، والتدخلات الإيرانية، وغير ذلك.

د. تتطلب التنسيق مع صندوق النقد الدولي، والدول الناشئة في آسيا، والدول ذات القدرة الاقتصادية العالمية، في توجيه استثماراتها نحو أفغانستان.

هـ. وأخيراً، تتطلب المصالحة الأفغانية – الأفغانية، وتوحد الشعب نحو هدف واحد، والقضاء تدريجياً على النظام القبلي، والتفهم الحقيقي للدين الإسلامي، الذي يدعو إلى التصدي للإرهاب، وليس إشاعته.

القدرة على تنفيذ هذا السيناريو:

أ. تعد قدرة محدودة تقع معظم أعبائها على الولايات المتحدة الأمريكية.

ب. في حالة تحقيق جزء منها، فسوف يتطلب ذلك إعادة النظر في التوقيت النهائي للانسحاب، طبقاً للمتغيرات خلال السنوات الأربع القادمة.

ج. يتطلب التنفيذ- خاصة في مراحله الأولي- مضاعفة الجهود العسكرية للقضاء على القدرة القتالية لطالبان، والقضاء على القاعدة.

2. السيناريو الثاني: تقسيم أفغانستان

أ. وهو سيناريو ستلعب فيه القبلية دوراً رئيسياً، خاصة من قبيلة البشتون، التي ينتمي إليها معظم قادة طالبان.

ب. احتمالات هذا السيناريو تنبع من عدم القدرة على القضاء على طالبان، واستمرار سيطرتها على مناطق الجنوب والشرق، إلى جانب تصاعد التحالف بين طالبان باكستان ونظرائها في أفغانستان، وذلك من منطلق المقاومة حتى يتحقق الانسحاب الأجنبي، وتستعيد طالبان الحكم في أفغانستان، وتحقق طالبان باكستان السيطرة على المنطقة الشمالية الغربية وتستقطعها من دولة باكستان.

ج. هذا السيناريو يتطلب جهوداً عسكرية وسياسية أمريكية، بالتنسيق مع الحكومة الأفغانية لتقليص وجود المقاتلين من طالبان في مناطق الجنوب والشرق، وتكثيف الوجود الأمني الأفغاني في هذه المناطق، وعدم التفكير في تقليل عدد القوات الأمريكية في أفغانستان في الوقت الحالي، لحين إتمام المهام القتالية.

د. في السياق نفسه، قد يصبح هذا السيناريو أحد الحلول الرئيسية للخروج من التورط الأمريكي - الغربي في حالة استمرار الأزمة في أفغانستان، وعدم القدرة على إيجاد حلول مناسبة تؤدي إلى الخروج الأمريكي- الغربي من أفغانستان "منتصراً"

3. السيناريو الثالث: الحلول بالقدرة العسكرية

أ. وهو يعني النصر بالحرب وإعادة بناء أفغانستان ونظام حكمها، من خلال القوة العسكرية؛ وهو ما يتطلب إجرائين في وقت واحد، وهما: تصعيد العمليات العسكرية بشدة، وبناء قوات عسكرية أفغانية موالية للغرب، من أجل تسليمها السلطة في مرحلة قادمة، بعد التأكد من ولائها.

ب. تبني فكرة هذا السيناريو، انطلاقاً من أن الحرب في أفغانستان لم تحقق أهدافها حتى الآن، وأن الحل من طريق القدرة العسكرية سوف يؤتي ثماره سريعاً، خاصة بعد أن عايشت جيوش حلف شمال الأطلسي الوضع في أفغانستان، وتعرفت على نقاط الضعف والقوة .

ج. تنبع هذه الفكرة، أيضا،ً من خلال توجيه الضربات الانتقائية عالية الشدة، كذلك القتل الانتقائي لقادة طالبان والقاعدة، وعزل القيادات الحالية الأفغانية، وتنصيب قيادات عسكرية لفرض النظام والاستقرار.

د. تتوازن هذه الإستراتيجية مع خطط أخري للعمليات النفسية، ولاستقطاب قيادات وقبائل من أجل إنجاحها.

وفي النهاية، فإن الأزمة الأفغانية، شديدة التعقيد، وتتطلب تعاوناً دولياً ضخما من أجل إنهائها، كما تتطلب تنازلات من الإدارة الأمريكية، فضلاً عن توقف دول الجوار الأفغاني عن التدخل فيها.