إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مشكلة دارفور، وتداعياتها المحلية والإقليمية والعالمية






مناطق اللاجئين
إقليم دارفور
حدود إقليم دارفور



تحديث بحث مشكلة دارفور وتداعياتها المحلية والإقليمية والعالمية

المبحث السادس عشر

المواقف الوطنية من تطورات الأوضاع في دارفور (2009 ـ 2012)

أولاً. سياسات وممارسات الحكومة السودانية تجاه دارفور:

1. التطورات اللاحقة لاتفاق سلام دارفور، أبوجا مايو 2006:

تتابع التطورات في أعقاب التوقيع على اتفاق السلام الخاص بدارفور، وهو ما يتطلب استمرار الاهتمام والمتابعة، طالما لم تُقر تسوية نهائية، تحظى بقبول جميع القوى داخل الإقليم، ومن جانب الحكومة السودانية.

أ. تطورات تنفيذ اتفاق أبوجا للسلام في دارفور:

ما تجدر الإشارة إليه في الوقت الراهن، أن أزمة دارفور ومستقبل ذلك الإقليم ما يزال معقداً ومتوتراً، حيث زاد معدل العنف والقتال بعد اتفاقية أبوجا، بين الحكومة وجناح مني أركو مناوي، أحد أكبر فصائل حركة تحرير السودان المنشق من الفصيل الآخر الذي يقوده المحامي عبدالواحد محمد نور. وما زاد في التعقيد الحصار الذي لازم قادة البلاد من القرار الأممي الرقم "1706" ومآلاته، التي وصلت إليه حتى أصبحت الآمال في تنفيذ اتفاقية السلام وتحقيق تسوية حقيقية، لأزمة إقليم دارفور بين الحكومة والفصائل المعارضة لأبوجا، وفي عقد المؤتمر الدارفوري - الدارفوري المدرج في اتفاقية أبوجا، تواجه بصعوبات عديدة، منها:

(1) أن التفاوض في أبوجا كان بين الحكومة وثلاثة فصائل:

الأولى. مجموعة مني أركو مناوي، التي وقعت مع الحكومة.

الثانية. حركة تحرير السودان بقيادة المحامي عبدالواحد نور.

الثالثة. حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور خليل إبراهيم، وهما الفصيلان اللذان لم يوقعا مع الحكومة في أبوجا، وما يزالان يعارضان الحكومة عسكريا وسياسيا.

(2) تنامي الانقسامات وتزايد عدد الفصائل داخل إقليم دارفور، الأمر الذي يزيد من الضغوط والصعوبات في مجال تطبيق اتفاق أبوجا.

(3) أن هناك تنظيماً جديداً تشكل بعد اتفاقية أبوجا، يضم جناحي تنظيم التحالف الفيدرالي وحركة العدل والمساواة الأم «الرئيسية»، ومجموعة صلاح جوك، ومجموعة ضباط شرق دارفور وكردفان وبعض المجموعات الأخرى. كما أن هناك مجموعات صغيرة منتشرة في الإقليم ومنفلتة أمنياً ومستقلة عن الحركات الأم وهي يمكن استقطابها حكوميا أو بواسطة الحركات المسلحة الأخرى.

(4) يضاف إلى ذلك أن حركة الخلاص، التي تعد أهم الفصائل في تلك المجموعات، والتي أسندت القيادة فيها إلى الدكتور خليل إبراهيم، الذي كان يرأس حركة العدل والمساواة، والذي عمل على الاندماج بحركته الجديدة كلياً في حركته الأم العدل والمساواة أو التخلي عنها، إلا أن الحركة سارعت إلى إبعاده عن رئاستها وأصبحت مستقلة باسم العدل والمساواة.

إن مثل تلك الصعوبات ليس من اليسير التعامل معها، على الرغم من الجهود المتواصلة وعلى الأصعدة المختلفة، سواء تعلق الأمر بالمحاولات والمبادرات الداخلية(مبادرة أهل السودان)، أو بالمنظمات الدولية(الأمم المتحدة)، أو الإقليمية (الاتحاد الأفريقي، جامعة الدول العربية)، أو الدول الفاعلة دولياً(الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وغيرها)، وإقليمياً(مصر، ليبيا، تشاد، قطر وغيرها).

ب. دور الحكومة السودانية في رعاية تنفيذ اتفاق أبوجا للسلام في دارفور:

ترى الحكومة السودانية أنها وافقت ووقعت على اتفاق أبوجا، وأنها مستعدة للالتزام بكل ما ورد في هذا الاتفاق؛ ولكن الأمر يظل مرتهناً بسياسات وممارسات الجماعات المتمردة في دارفور ، والقوى والتنظيمات السياسية الوطنية، التي تدعمها في الداخل والخارج، وكذلك الدول والمنظمات ذات الصلة بهذا الشأن. وأن المعوقات الرئيسية تكمن فيما تقوم به.

مع التسليم جدلاً بتوافر النوايا الحسنة لدى كل الأطراف، سواء الوطنية منها، أو الدولية والإقليمية، الساعية لوضع حد لازمة دارفور، إلا أن الانحراف عن الهدف الرئيسي الرامي لدفع الأطراف المختلفة للالتزام باتفاق أبوجا، بوصفه أساساً مناسباً لوضع التسوية للأزمة موضع التحقيق الفعلي، والاستسلام للمناورات والمبادرات في ظل افتقاد الجدية والفعالية للتحركات الجارية على الأصعدة المختلفة وفي أكثر من عاصمة، للبحث عن مخرج لأزمة دارفور، يدفع لإثارة العديد من التساؤلات حول واقع ومستقبل تلك الأزمة، ومنها: هل يمكن أن يؤدي هذا التزاحم في المناورات والمبادرات إلى تحقيق تسوية فعلية؟!

يبدو أن الحاضر الماثل هو في الواقع يؤكد أن هذه التحركات والمبادرات المزدحمة، لا تعدو إلا أن تكون سبباً في إعادة إنتاج هذه الأزمة في صور مختلفة، ما يجعلها عصية على تسوية مناسبة، خصوصاً في ظل تضارب أجندة الوسطاء، وتقاطع مصالحهم.

ويزيد الأمر تعقيداً أن الحكومة السودانية، المفترض أنها صاحبة هذا الشأن، تقاعست عن تقديم مبادرات لتسويات وطنية مناسبة ومرضية، وخصوصاً أمام عدم قبول، أو عدم التزام، الحركات والتنظيمات المناوئة لها بطرح أبوجا. وباتت تلك الحكومة على قناعة بإمكانية انتظار الحلول الخارجية، التي لن تكون بلا ثمن باهظ، وربما كانت حساباتها تقوم على أن القبول بهذا الوضع يعطي انطباعاً  وتأكيداً على مرونتها، كما أنه يعطيها مساحة من الوقت، عسى أن يكون ذلك منجياً لها من العواقب.

إن الدور الذي ينبغي أن تضطلع به الحكومة السودانية في الوقت الراهن، هو على درجة كبيرة من الأهمية، ويتطلب منها التحرك الدائم فيما يتعلق بأزمات السودان عامة، وأزمة دارفور بأعلى درجات المسؤولية. وهو الأمر الذي يتطلب تركيز الاهتمام على تصورات جديدة للتعامل مع أزمة دارفور، وفقاً للمعطيات التالية:

(1) على المستوى السياسي والإداري: ضرورة أن تكون هناك مشاركة حقيقية من جانب المواطنين في دارفور، في عملية صنع واتخاذ القرارات والسياسات، والمشاركة في السلطة، وفي العملية السياسية داخل البلاد.

(2) على المستوى الاقتصادي: ضرورة التوظيف المناسب للموارد الاقتصادية، وتعظيم العائد منها في إقليم دارفور، على اعتبار أن العامل الاقتصادي يعد أحد العوامل المهمة والرئيسية للتغلب على العديد من المشكلات، التي يعاني منها الإقليم، سواء المتعلقة بالقدرة الاستخراجية أو التوزيعية كما يقترن العمل على المستوى الاقتصادي بضرورة تشجيع الاستثمار وتنويع الموارد ومصادر العمل لعامة المواطنين، وفقا لخطة تنموية شاملة لجميع مناطق الإقليم، وتشجيع الصناعات الصغيرة، التي تعتمد على الموارد المحلية المتوافرة في الإقليم، والاعتماد بقدر المستطاع على الإمكانيات الذاتية لرأس المال الوطني، وتيسير التسويق للخارج.

 كما أنه من الضروري تركيز الاهتمام على تنمية وإعمار دارفور، والبدء بإعطاء الأولوية لمشروعات البنية الأساسية، من حيث إقامة وتحسين أداء المرافق الأساسية، كالكهرباء والمياه الصحية ومجاري الصرف الصحي، وتمهيد الطرق، وإقامة شبكة تليفونية، وغيرها. وكذلك استكمال المشروعات التنموية، التي توقفت بسبب الصراع في الإقليم.

(3) على المستوى الاجتماعي: إن إقليم دارفور، الذي عُرف منذ القدم بالتماسك الاجتماعي والتمازج الإثني، والاستقرار النسبي، وذلك لتمسكه والتزامه بالقيم الدينية والعادات والتقاليد الراسخة، التي تقوم على مبادئ التسامح والتعايش السلمي والمؤاخاة، بحاجة ماسة لإعادة التأكيد على أهمية تلك القيم والمبادئ والرجوع إليها والتمسك بها وإحيائها بل وتعظيمها، عن طريق السياسات والممارسات الحكومية، ومن خلال المؤسسات السودانية المتنوعة، سواء الإعلامية أو الدينية أو التعليمية، وغيرها من المؤسسات ذات الصلة بهذا الأمر.

(4) على المستوى الأمني: ثمة حاجة إلى نبذ العنف والسعي للحل السلمي، والعمل بأقصى الجهد في دعم مجهودات الإغاثة لأهل الإقليم والنازحين منه. وكذلك ضرورة تكاتف الجهود الحكومية والشعبية لإعادة حفظ الأمن في كافة أنحاء الإقليم، وبث الطمأنينة في نفوس النازحين واللاجئين وتشجيعهم على العودة إلى ديارهم، وبسط هيبة الدولة، وتأكيد سيادة النظام والقانون، وتحقيق العدالة، ومواجهة ظاهرة النهب المسلح، وغيرها من المشكلات التي تؤدي إلى حالة عدم الاستقرار بالإقليم.

وإذا كانت المشكلات في دارفور يمكن أن تستمر لفترة طويلة، قبل إجراء تسويات حقيقية وواقعية لها، خاصة مع الأخذ في الحسبان تعاطف الدول المتربصة بالسودان، مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مع أبناء شمال دارفور، لدعم المواجهات المسلحة وانتشار الانفلات الأمني، بإضعاف الحكومة المركزية والإبقاء على حالة التفرق والعداء بين العناصر العربية والأفريقية.

وكان لزاماً على الحكومة أن تتحرك باتجاه بقية الأحزاب السودانية الأخرى المعارضة والمتحالفة، للاتفاق حول الحد الأدنى من الوفاق الوطني لمعالجة تلك المشكلات، في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. وأن تُعطي أولويات لمصالح الوطن العليا والمصالحة الوطنية، بين جميع أبناء الشعب السوداني ممثلا في تنظيماته السياسية والمدنية، حتى لا تتعاظم التوترات، وحتى لا تعم مظاهر السخط والاستياء، التي تسود الساحة السودانية، وحتى لا تتراكم الأزمات سياسيا وأمنياً، وتزداد معها المخاوف والمخاطر المستقبلية.

ج. دور حركات المعارضة المسلحة والقوى السياسية في التعامل مع اتفاق أبوجا لسلام دارفور  

لحركات المعارضة المسلحة في التعامل مع الاتفاق، دور مهم لا ينبغي أن تتقاعس عن القيام به، لصالح إقليم دارفور، بصفة خاصة، والدولة السودانية، بصفة عامة. وفي هذا الشأن ينبغي على تلك الحركات أن تسعى إلى توحيد رؤاها وسياساتها، وأن تؤكد على المؤتمر الدارفوري، الذي يجمع كل الطوائف والأفكار والقبائل الدارفورية، الأفريقية منها والعربية، والمقاتلة منها والمعارضة، أو المتحالفة مع الحكومة.

وينبغي أن يسبق كل ذلك اجتماع متكامل لكل تلك الحركات المسلحة، ثم الاجتماع مع قوى دارفور الأخرى، للخروج برؤى موضوعية وبتصورات وبتوصيات واضحة ومتفق عليها وملزمة للجميع، للتفاوض مع الحكومة بشأنها فيما بعد. كما يجب الالتقاء مع كل الأطراف الموقعة على سلام أبوجا، بما فيها حركة مني أركو مناوي.

يضاف إلى ذلك أن البلاد، وإن كانت تمر بظروف صعبة ومعقدة، فهي تحتاج بالضرورة القصوى أن تسرع الحكومة إلى الوفاق الوطني، وأن تعمل على التفاف جميع الأحزاب السياسية للوصول إلى قرارات مصيرية وسيادية، في شأن الوطن السوداني الواحد، مما يجعل ذلك الوفاق أمراً مدعوما ومرهوناً سياسياً وجهوياً وقبلياً ودينياً، تحت غطاء السودان الموحد متعدد الأعراق والأديان والثقافات.

وعلى الأحزاب السياسية المعارضة أن تحاول وسعها لتقريب وجهات النظر مع الحكومة، بتقارب يقوم على أسس الاحترام المتبادل، وضرورة توافر الحد الأدنى من الوفاق والرؤى المشتركة في مواجهة المشكلات، وتغليب المصالح العليا للدولة السودانية، في إطار ضرورة تقديم الجميع لتضحيات من أجل سودان مستقر وآمن، خصوصاً في هذه المرحلة المصيرية.

2. التطورات المتعلقة بعملية حفظ السلام في دارفور.

أ. مستجدات عملية حفظ السلام في دارفور:

عندما صدر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1706 في أغسطس عام 2006، بتحويل قوات الاتحاد الأفريقي في دارفور إلى قوات أممية، قاومت الحكومة السودانية القرار بقوة ورفضته، إلى أن استُبدل بعد عام بقرار آخر (القرار 1769)، الذي يقضي بنشر ما عرف بـ"القوات الهجين، أو العملية المختلطة" (المسماة يوناميدUNAMID، أو البعثة الأممية الأفريقية في دارفور)، في بعثة عُدت الولاية عليها مشاركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وتشكيل القوات فيها أفريقي خالص، إلا إذا استدعت الضرورة استجلاب خبرات أجنبية بموافقة الأطراف المعنية.

وعقب ممانعة طويلة واشتراطات كثيرة، قبلت الحكومة السودانية نشر تلك القوات. وقد نشرت الفعل في مطلع عام 2008، رفُع علم الأمم المتحدة على مواقع البعثة في دارفور. واستطاعت هذه القوات تخفيف حدة الصراع وحماية المدنيين. وفي أبريل 2009 أشار رئيس البعثة "رودولف أدادا" إلى أن عدد الوفيات بالقتل في دارفور قد انخفضت إلى معدل يقل عن 150 قتيلاً في الشهر، وأن ثلث القتلى الذين قضوا خلال العام (وعددهم ألفان) كانوا من المدنيين، وأن ثلثاً آخر كانوا قتلى النزاعات القبلية، بين القبائل العربية في جنوب دارفور؛ بينما كان بقية القتلى من أفراد الحكومة والحركات المتمردة، إضافة إلى بضعة عشر قتيلاً من قوات اليوناميد.

رفض الأمين العام للأمم المتحدة التجديد لرئيس البعثة – أدادا- لعام آخر، وجدد له لستة أشهر فقط، ما أجبره على الاستقالة من منصبه. وقد وجهت الأمم المتحدة فوجهت انتقادات مبطنة للبعثة، حين طالبتها في قرار مجلس الأمن الصادر آخر شهر يوليه 2009، باستخدام كل قوتها وصلاحياتها لتنفيذ مهامها، ما يعني أن الأمم المتحدة تعتقد أن البعثة تراخت في تأدية المهام المنوطة بها، وهي حماية المدنيين.

وكان الانتقاد موجهاً كذلك، على ما يبدو، إلى ما رأته الأمم المتحدة علاقة ودية أكثر من اللازم، بين رئيس البعثة والحكومة السودانية. وكأن مجلس الأمن (والقوى الكبرى التي صاغت القرار) تطالب قوات اليوناميد بأن تدخل في مواجهة سياسية (وربما عسكرية) مع الحكومة السودانية، من "أجل حماية المدنيين"، مما تعتقده من بطش هذه الحكومة. وعلى الرغم من أن اليوناميد نفسها قد أخبرت مجلس الأمن أن مثل هذا العنف المفترض ضد المدنيين من قبل الحكومة، أو القوات الموالية لها، لم يعد مشكلة.

وفي ضوء إحصائيات الأمم المتحدة، فإن عدد القتلى في كل دارفور خلال شهر يونيه 2008 بلغ ستة عشر قتيلاً، غالبيتهم قضوا في جرائم قتل ذات طبيعة جنائية. إن قرار إبعاد أدادا يكشف عن صراع تزداد حدته، بين المركب الأفريقي والأممي في البعثة. فقد رضخت الأمم المتحدة على مضض لإصرار الحكومة السودانية على أن تظل هوية البعثة إفريقية، تحت قناعها الأممي؛ ولكنها ظلت تعمل بدأب وإصرار على تهميش البعد الأفريقي فيها. وقد كان هذا الصراع يُخفي أيضاً صراعاً آخر بين الأفارقة أنفسهم. ذلك أن تغيير مهمة القوات الأفريقية إلى أممية، لم يحدث إلا بعد اعتراف الأفارقة على أنفسهم بالفشل على مستوى القمة، تحت ضغوط غربية قوية.

كان بعض القادة الأفارقة يطالبون باستمرار البعثة تحت هويتها الأفريقية وزيادة الدعم لها؛ ولكن في النهاية رضخت الغالبية، وقبلت الاعتراف بفشل البعثة الأفريقية، ما مهد الطريق لاستبدالها بما سمي "البعثة الهجين". وفيما يتعلق بإبعاد أدادا، يُعد أعربت بعض الدول الأفريقية الأهم عن استيائها؛ لأنها لم تستشر حول قرار إبعاده ، مع أن هذا يُعد من أهم مقتضيات الشراكة التي تقوم عليها البعثة. وهذا بدوره دفع الأمم المتحدة إلى استنفار مستشاريها القانونيين لإثبات أن الاتحاد الأفريقي لا يملك أي صلاحيات، في تحديد قيادة البعثة؛ لأنها بعثة أممية خالصة صدرت بقرار دولي تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

احتدم الخلاف داخل البعثة، أيضاً، بين شخصيات مهمة فيها، خاصة بين قيادة البعثة، ممثلة في رودولف أدادا، والوسيط المشترك "جبريل باسولي"، وكان قد عُيّن في أغسطس 2009، بعد استقالة الوسيطين السابقين: "يان إلياسون" عن الأمم المتحدة، و"سالم أحمد سالم" عن الاتحاد الأفريقي. وتقرر أن يكون هناك وسيطاً واحداً يمثل الطرفين. وقد بادر باسولي قيادة البعثة بالعداء، متهماً إياها بأنها لم تزوده بأي معلومات أو تحليلات تفيده في مهمته.

وقد اتهمت شخصيات نافذة في البعثة باسولي بأنه 'الحلقة الأضعف' في العملية الأممية؛ لأنه لا يمتلك رؤية للتحرك، وقد اكتفى بمحاولات ضعيفة للتواصل مع الحركات، بغرض توحيدها. وهي محاولات لم تثمر شيئاً.[1]

أخذ الصراع داخل البعثة يتنامى، بين من يدافعون عن هوية البعثة الأفريقية واستقلالها، وبين المسارعين إلى ممالأة القوى الغربية. ذلك أن مصدر التهديد الأكبر في دارفور ليس جيشاً نظامياً، بل ميليشيات قبلية متعددة. ولا تحتاج القوات الحكومية إلى الدخول في أي صدام مع القوات الأممية في دارفور، إذا تطور الأمر إلى مواجهة، بل يكفي أن تسحب قوات الشرطة، التي تحرس مقار القوات وتتركها لمصيرها، حتى تتحول مهمتها هناك إلى مهمة مستحيلة. الأزمة التي تواجهها دارفور حالياً هي فوضى السلاح، وتعدد وتكاثر الميليشيات، وهي مشكلة لا تحسم بقوة السلاح. كما يثبت فشل الحكومة في ذلك، والمطلوب حل سياسي يزيل أسباب الصراع والنزاع.

من كانوا وراء قرار مجلس الأمن، الذي يدعو القوات إلى "استخدام كامل إمكانياتها وصلاحياتها" لا يدركون خطورة هذا الأمر؛ فالقوات الأممية قد أرسلت إلى هناك لإيقاف الحرب، وليس لاستمرارها. والواقع يشير إلى أن هذه البعثة لم تستعمل قدراتها وإمكانياتها العسكرية في المواجهة مع أي طرف، حتى الجهات التي تهاجمها. ولو أنها دخلت في مواجهة عسكرية مع الحكومة، أو أي ميليشيات، لكانت واجهت إشكالية البعثات الأممية والإقليمية في الصومال، واضطرت للرحيل سريعاً.

إن هذه البعثة لم تصبح قادرة على العمل في دارفور، إلا لأن سلطة الحكومة في مناطق عملها قائمة ونافذة، ما يتيح توفير الأمن لها؛ فهي تعتمد على سلطة الحكومة وتعاونها لبقائها، ولو سُحب ذلك التعاون لكان الأمر مختلفاً تماماً.

إن الأزمة الداخلية التي تعيشها قوات اليوناميد، ستلقي بتأثيراتها على عمل هذه القوات في دارفور. فقد كسبت القوى الموالية للغرب جولة في هذا الصراع، وهي تسعى لتطهير البعثة من بقية جيوب الممانعة الأفريقية، ثم التحرك لتنفيذ أجندة متشددة قد تفجر الصراع في دارفور مجدداً. كما أنها ستجعل من الصعب تحقيق أي تقدم في عملية السلام. ذلك أن السياسات المتشددة، التي تبناها مجلس الأمن، وتلك التي تمارسها قيادة البعثة الحالية، ستشجع الحركات الرافضة للسلام للتشدد في مطالبهم ومواقفهم، استناداً وتطلعاً إلى تحرك أممي جاد قد يحسم الأمور لصالحها.

لا يخفى أن ثمة ضرورة حقيقية إلى الإدارة الجيدة والتوظيف المناسب لبعثة حفظ السلام في دارفور ومهامها، وذلك بناءً على قاعدة أن أعضاء بعثات حفظ السلام هم في مهمة إنسانية، وهي رسالة وليست وظيفة، وأن طبيعة مهمتهم مؤقتة في البلد المعني، وعليهم احترام سيادة ذلك البلد وتقاليد أهله، وتذكر أنهم عامل مساعد لإحلال السلام، وليسوا الأطراف الأساسيين فيه.  

ب. مستجدات التفاوض الإقليمي ـ الدولي بشأن سلام دارفور:

لعل المفارقة الكبرى حول ما يجري في مجال محاولات إيجاد مخرج من المأزق الدارفوري، أن التحركات التي ينشط فيها مبعوثون ووسطاء دوليون وإقليميون، تجري في إطار ما يسمى بتوحيد الفصائل الدارفورية؛ استعداداً وتهيئة لجولة تفاوض يفترض أن تكون حاسمة. وأن الشرط الأساسي لإكسابها هذه الصفة الحاسمة هو جمع شتات المفاوضين، من نحل وملل الحركات المسلحة حول مائدة التفاوض. وتبرز المفارقة من أن طريقة التعامل الدولي والإقليمي مع هذه الحركات، والتي تتركز حول ضرورة «توحيدها»، تأتي من أطراف خارجية مطلوب منها أن تتخذ موقفاً مشتركاً لدعم مسار موحد لتسوية، قبل أن تقنع الحركات المتشرذمة بذلك.

وفي الحقيقة فإن انقسام الحركات الدارفورية صنعته أجندة الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية المتعارضة المصالح، بأكثر مما هو نتاج وجود اختلافات موضوعية حول الرؤى، أو مواقف متباينة حقيقية داخل هذه الفصائل المنقسمة على نفسها.

أما مسألة أهمية توحيد المسار التفاوضي، ليست اكتشافاً جديداً؛ فقد اعترف المجتمع الدولي بأن تعدد المنابر التفاوضية كان سبباً مباشراً في عرقلة جهود التسوية؛ ولذلك جرى الاتفاق على صيغة جديدة لوسيط مشترك بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، يمثلها البوركيني "جبريل باسولي"، بديلاً لصيغة الوساطة الثانية، التي نشط فيها لحين السويدي "يان فرالسن"، والتنزاني "سالم أحمد سالم"، واصطدمت محاولاتهما الحثيثة بالمصالح المتضاربة والأجندات المتقاطعة لأصحاب المبادرات.

أما عناصر المجتمع الدولي نفسها، فهي تعمل على تقويض فكرة توحيد المسار التفاوضي، بإعادة الترويج لمزيد من المفاوضات في أكثر من دولة، تحت حجة العمل على توحيد صف الحركات المسلحة، وتحول الوسيط الدولي الأفريقي المشترك "جبريل باسولي"، المفترض أنه الممسك بزمام جهود التسوية، إلى منسق فقط لمفاوضات جانبية متعددة في أكثر من عاصمة في المنطقة، في وقت أحاط فيه الجمود، بمسار التفاوض الرئيسي.

من المرات المعدودة التي جرى فيها الاتفاق على منبر تفاوضي موحد، حظي بدعم دولي وأفريقي وعربي، كانت تلك المحاولة التي انضمت فيها الجامعة العربية للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وبرعاية دولة قطر في الدوحة؛ ولكن سرعان ما تبين أن ذلك التوافق كان شكلياً، على الأقل، للجانب العربي. ويبدو أن مصر لم تُخفِ أصلاً عدم ارتياحها لدور قطري في هذا الشأن، وإن كان ذلك يحدث تحت مظلة دولية وإقليمية.

كما أن الدوحة ظنت لوهلة أن الدعم الدولي، الذي يجده منبرها التفاوضي، يمكن أن تتجاوز به الدور المصري؛ ولكن على ما يبدو فالقاهرة لم تكن بمفردها في تحفظها إزاء التحرك القطري؛ فليبيا التي ترى نفسها اللاعب الأساسي في ملف دارفور، لم تكن هي الأخرى متوافقة مع هذا الطرح. بيد أن الفرق أن الدوحة اهتمت بخطب ود طرابلس وكسبها إلى جانبها، في حين تغاضت تماماً عن التعاطي مع القاهرة، وهو ما كشف عنه بوضوح لقاء القاهرة الرباعي خلال أغسطس 2009، الذي غابت عنه قطر. ولم يكن ثمة مبرر لعدم حضورها، سوى تأكيد حالة التنافر بين الطرفين بهذا الشأن.

وهذا يعني، بوضوح، أن الطريق ليس معبداً تماماً أمام مسار الدوحة التفاوضي، ما يطرح تساؤلا حول إمكانية أن تسفر تلك المفاوضات عن حلٍ في ظل هذه المعطيات المعقدة. وعلى الرغم من محاولات المسؤولين نفي أن تكون التحركات ذات الصلة، تهدف إلى خلق آليات، أو مسارات تفاوض بديلة عن منبر الدوحة، إلاّ أنها لا تعدو أن تكون محاولة يائسة للتخفيف من تأثير الصراع غير المستتر؛ فالحكومة السودانية أصبحت بين شقي الرحى في السباق بين الدوحة والقاهرة، ولا تعرف كيف ترضي الطرفين في الوقت نفسه. ويزداد الأمر تعقيداً بعد دخول طرابلس على الخط، في محاولة للجمع بين الحكومة وحركة العدل والمساواة.

إن التأكيد في هذا الطرح على الدور المحوري لتضارب الأجندات الخارجية، في تعقيد فرص التسوية لأزمة دارفور، بل وتأخير تحقيقها، لا يأت من فراغ؛ بل تسنده وقائع ومعطيات ماثلة. كما أنه لا يهدف إلى إعفاء الأطراف السودانية من المسؤولية عما آلت إليه الأحوال؛ فالحكومة يبدو أنها عاجزة عن القيام  بمسؤوليتها في البحث عن تسوية وطنية لهذه الأزمة، وباتت تعتمد على للتحركات والحلول الخارجية، كما هو ظاهر من قبولها غير المشروط بكل المبادرات الخارجية، في محاولة لإثبات المرونة والتجاوب.

إذا كان التأثير الخارجي على الوضع في دارفور هو أمر واقعي، إلا أن ذلك لم يكن كافياً ولا حتمياً، للارتكان على المبادرات الخارجية، وهي سياسة لم تفض إلا إلى المزيد من التعقيدات والصعوبات، من جانب الأطراف الخارجية، وإهدار الوقت في انتظار تسويات يبدو أنها غير ممكنة، خصوصاً وأن الذي يأتي بها أطراف متضاربة الأهداف والمصالح؛ بل أسهمت في خلق قناعة راسخة بأن التسوية لن تأتِ إلا من الخارج، في وقت لم تغادر مبادرات الحكومة الوطنية لتسوية الأزمة مرحلة الشعارات السياسية والمهرجانات والمؤتمرات الخطابية، ولم تتحول إلى برامج فعالة قادرة، على تغيير الواقع.

ولعل النتائج العملية لما سمي "بمبادرة أهل السودان"، مع كل الزخم الذي رافقها، يدلل على مدى العجز الداخلي، وحالة الاستسلام  للمبادرات الخارجية، على الرغم من حالة العجز والإخفاقات المصاحبة لها.

إن المسؤولية في هذه الأزمة الوطنية لا تقع على الحكومة وحدها، بل تتقاسم معها المسؤولية، بقسط كبير، الفصائل المتشرذمة والمتمردة في دارفور. لقد كان أغلب الظن، بادئ الأمر، أن الناشطين من أبنائها أطلقوا ثورة مسلحة من الهامش، ضد المركز المسيطر من أجل قضية تهدف إلى إنهاء التهميش، وتحقيق شراكة عادلة في السلطة والثروة والتنمية، وهي غايات كفيلة بأن يتوحد حولها أبناء الإقليم، من أجل الأهداف والمصالح الحقيقية.

لكن سرعان ما اتضح وجود تباينات كبيرة في خدمة المصالح العليا، سواء للإقليم ذاته، أو للدولة السودانية. ومع صحة أن لدارفور قضية تستوجب التناول والتعامل معها، بأقصى درجات الموضوعية، وأنها في الواقع انعكاس لأزمة السلطة السياسية في السودان كله، وليس في هذا الإقليم وحده، وهو ما يتطلب تناولاً وتعاملاً كلياً لأزمة الحكم في البلاد، وليس حلولاً جزئية، على غرار ما حدث في نيفاشا، التي أثبتت عدم نجاعتها.

إن سلوك الحركات المتمردة اثبت أنهم لا يختلفون كثيراً عمن ثاروا ضدهم؛ فالصراع على الامتيازات والبحث عن مغانم السلطة والثروة، هو الذي قاد لتلك السلسلة من الانقسامات العبثية في أوساط الفصائل المسلحة، وأصبح بعضها يلعن بعضاً، وضاع ما كان يسمى "بقضية دارفور"، تحت وطأة هذه الانقسامات. ولم يعد أحد يعرف على وجه التحديد ما هي قضية دارفور المراد تسويتها، ليحل محلها البحث عن مقاعد للتفاوض لهذا العدد الكبير من الأطراف المزعومة.

وقد أثبتت هذه الانقسامات العبثية أن المشكلة لا تتعلق بصراع بين الهامش والمركز، كما يزعمون؛ بل تتعلق بأزمة الطبقة السياسية السودانية، التي تديرها عقلية واحدة، وإن اختلفت مسمياتها ومستوياتها السياسية، والتي أنتجت أزمات السودان وحالة التيه، التي يعيشها منذ عقود.

ويبدو وجود قاسم مشترك بين كل من الحكومة السودانية والفصائل المتمردة عليها؛ ذلك أنها جميعاً لا ترى أفقاً لحل وطني، وتتفق جميعها على جعل مصير البلاد ومستقبلها مرتهناً بإرادات وبأجندات خارجية. وهذا العدد من الحركات المتمسحة بأزمة دارفور، ليست في الواقع سوى صدى لأطراف خارجية، تبحث لها عن أذرع محلية لتمرير أجنداتها.

ولا يُنكر أن الوازع الوطني يقتضي أن تملك القوى الوطنية، سواء الحاكمة منها أو المعارضة، القدرة على تسوية أزماتها بمبادرات قومية؛ ولكن افتقاد هذا الوازع الوطني ظلت تعاني منه كل القوى والتنظيمات، على اختلاف أطيافها السياسية، من أقصى اليمين إلى أدنى اليسار وما بينهما؛ ولذلك لا يبدو أن هناك من يبدي انزعاجاً أو استغراباً؛ لأن البلاد تحولت إلى "سلة مبادرات أجنبية"، وأصبح التعامل مع هذا الوضع أشبه بوصاية خارجية مفروضة، بل أصبح هذا الوضع في حكم الأمور العادية.

لذلك لا يوجد من يرفض أن تقوم الأطراف الخارجية بدور، ويبدو أن هناك تسليماً بذلك حتى ولو كان هذا الأمر على حساب الأهداف والمصالح العليا للدولة السودانية. في حين تقتضي الموضوعية والحدود الدنيا من الوطنية / القومية، إلى وجوب أن يكون الدور المطلوب ايجابياً، وان يصب في خانة تسوية أزمة دارفور لا تأجيجها، والحيلولة دون إضاعة الوقت والجهد، في مزيد من المناورات والمبادرات الخارجية.

وفي إطار التناول والتعامل مع المبادرات، تُعد المبادرة التي تمخض عنها الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب في الثامن من سبتمبر 2008، والقاضية بتشكيل لجنة وزارية من ست دول لترتيب ورعاية السلام في دارفور، قد زادت مبادرات التسوية لأكثر من سبع وثلاثين مبادرة خارجية. ومع كل مبادرة جديدة يظل الأمل معقوداً على إيجاد تسوية حقيقية ودائمة لأزمة دارفور. وتشكل هذه المبادرة أول محاولة للجامعة العربية في الولوج للمشكل الدارفوري، منذ اندلاع الأزمة.

وعلى الرغم من تعدد المبادرات والمبعوثين، كان مأخذ على الجامعة العربية غيابها عن القضية، وأنها اختصرت جل مساهماتها في تقديم بعض الدعم لمعالجة الجوانب الإنسانية في الإقليم، وكان أقصاه مبلغ 250 مليون دولار في مؤتمر شبكات المنظمات العربية لدعم الجهود الإنسانية بدارفور عام2007 الذي عقد بالخرطوم. وتتطلع الجامعة العربية إلى أن يعينها حل أزمة دارفور في إحداث اختراق في ملف المحكمة الجنائية الدولية، بالتنسيق مع الإتحاد الإفريقي لإقناع مجلس الأمن الدولي، بإصدار قرار بتأجيل إجراءات المحكمة الجنائية، وبإعطاء القضاء السوداني فرصة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في دارفور.

وتواجه المبادرة العربية بغير القليل من العقبات، وإن بدت الحكومة أكثر المتحمسين لها. فقد رحب وزير الدولة بالخارجية "على كرتي" بالمبادرة، وأبان استعداد الحكومة لدفع جهودها «وأعتبرها من أهم قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب، مشيرا إلى أن عمل هذه اللجنة هو ضمن حزم الحل المتوافق عليها بين السودان والجامعة العربية، باعتبار أن هذه الحزمة تحتاج إلى حل شامل يجمعها؛ وهو السلام عبر المفاوضات».

ومع أن اللجنة السداسية لم تفصح بعد عن خارطتها لحل الأزمة، تبقي العقبات التي واجهت الوسطاء الإقليميين والدوليين تنتظرها، دون أن يطرأ عليها جديد، وأقله توحيد الحركات المسلحة، أو على الأقل توحيد موقفها التفاوضي، وهي عقبة ستكون أولى المحطات لاختراق جدار الأزمة.

إن اللجنة العربية لن تجد صعوبة في إقناع الحكومة بالتخلي عن مواقفها السابقة، الخاصة بعدم تجاوز أبوجا، وإقناعها ببعض التنازلات لتحقيق قسمة سلطة وثروة مرضية لأهل دارفور، بعد أن بدت الحكومة أكثر استعدادا لذلك. كما تحتاج اللجنة العربية لتفاهمات مع تشاد، التي ترتبط بصلات وثيقة مع بعض الحركات، وتشهد علاقاتها مع الخرطوم توتراً، يتطور كثيراً إلى مرحلة الكيد المشترك. وعلى اللجنة العربية إقناع الحركات المسلحة فإنها جادة ومحايدة.

ثانياً: سياسات وممارسات حركات وتنظيمات المعارضة السودانية، تجاه دارفور:

اتخذ الصراع في دارفور أبعاداً جديدة، تمثل تحدياً، وكذلك، فرصة لإحلال السلام، عبر جهد منسق وعمل متطور. ولا يستند هذا الجهد على المفاوضات فقط، بل أيضاً على المشاورات، التي سوف تتضمن عمل المجتمع الدارفوري، وتساعد في التوصل إلى سلام شامل ومستدام. وقد تعقد الوضع في دارفور بسبب الانقسامات بين الحركات المتمردة، الأمر الذي انعكس في تقسيم المجتمع المدني بشكل مواز.

قد حال تعنت الحركات المتزايد وانقساماتها المتكررة، إلى جانب تصلب المواقف العامة بين جميع الأطراف الفاعلة المدنية والمسلحة في دارفور، حال دون توصل الفصائل المتمردة إلى الاتفاق على موقف موحد لمطالبهم. وفي ظل هذه المعطيات، واصلت الجماعات المتمردة، وغيرها من الفصائل، التنافس فيما بينها لإبراز مواقفها المتشددة تجاه الحكومة؛ ما عقد عملية التفاوض مع الحكومة.

وبشكل عام، حدث تغير في نمط العنف في دارفور، إذ تحول التمرد إلى وتيرة منخفضة الحدة، يتلاشى في كثير من الأحيان إلى نشاط إجرامي؛ لكن تبقى جيوب ينعدم فيها الأمن نتيجة لقطع الطرق،ورفض الفصائل المتمردة الالتزام بوقف إطلاق النار. وقد شهد شهر مايو 2010 ارتفاعا عابرا في وتيرة العنف نتيجة لانهيار اتفاقات وقف إطلاق النار بين حركة العدل والمساواة والحكومة. في ضوء ذلك، فمن الواضح أن توقيع اتفاقات مع حركات التمرد المسلحة لا يعد وحده كافياً، لحل المشاكل الأمنية؛ لذلك أصبح من الضروري ألاّ يقتصر الاهتمام فقط على محاولات استرضاء الفصائل المتمردة المنقسمة، بل الاعتماد على نهج جديد للتعامل مع جذور أسباب انعدام الأمن.



[1] يُفسر الدعم القوي، الذي جاء في قرار مجلس الأمن لجبريل باسولي مقابل الطعن في قيادة البعثة، بأن هذا يعود لقرب باسولي من فرنسا، ومحاولته التقرب من الولايات المتحدة وبريطانيا.