إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / مشكلة دارفور، وتداعياتها المحلية والإقليمية والعالمية






مناطق اللاجئين
إقليم دارفور
حدود إقليم دارفور



تحديث بحث مشكلة دارفور وتداعياتها المحلية والإقليمية والعالمية

المبحث الثامن عشر

تطورات المفاوضات بشأن الأوضاع في دارفور (2009 ـ 2012)

أولاً مفاوضات الدوحة بشأن تسوية الصراع في دارفور 2009

دعما لعملية السلام في دارفور، أتاحت الدوحة منبراً للتفاوض، بين الحكومة والحركات المتمردة، منذ عام 2007. وبدعم دولي وبتركيز للجهود الإقليمية والدولية، لإحلال السلام في دارفور، نشأ المنبر بمبادرة من دولة قطر، ثم دعم من قبل الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وأصبحت له قيادة مشتركة من قبل الحكومة القطرية والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. فقد ظل منبر الدوحة مكاناً مقبولاً ومتفقاً عليه، لإجراء مفاوضات بين الحكومة والحركات المتمردة في دارفور؛ ولكن واجهته عقبات عديدة طوال عام 2010، مثال لذلك: التنافس بين الجهات الإقليمية الفاعلة، ومحددات عملية الوساطة، والانقسامات المستمرة في صفوف الحركات المتمردة ما عرقل عملية السلام، الأمر الذي يستدعي مضاعفة الجهود لتعويض المكاسب والفرص الضائعة، ولجعل عملية السلام أكثر شمولاً.

ويمكن في هذا الشأن الإشارة إلى ما يلي:

1. جهود اللجنة الوزارية العربية الأفريقية، حول السلام في دارفور

ناشدت هذه اللجنة برئاسة دولة قطر، الأطراف السودانية كافة بالتجاوب مع الجهود المبذولة، لعقد مباحثات سلام في أقرب وقت ممكن، وتحمل مسؤولياتها من أجل تعزيز فرص تحقيق السلام الأهلي بالسودان ككل، وفتح الطريق أمام جهود إعادة البناء والاعمار. وأكدت اللجنة في بيان أصدرته في ختام اجتماعها، الذي عقدته بالدوحة في 23 نوفمبر 2009 برئاسة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، على دعم الجهود الحثيثة، التي تقوم بها دولة قطر والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي؛ لإطلاق محادثات السلام في أقرب الآجال بالعاصمة القطرية الدوحة، ومطالبة جميع الأطراف بالتجاوب مع هذه الجهود.

وقررت اللجنة الوزارية تكليف وفد من دولة قطر، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، بالتوجه إلى نيويورك، للعمل بالتنسيق مع الدول العربية والأفريقية الأعضاء بمجلس الأمن، لحشد التأييد الدولي والإقليمي اللازمين لدعم أهداف اللجنة، وتعزيز فرص تحقيق السلام. ودعت اللجنة مجلس الأمن مجدداً إلى إعمال المادة 16 من نظام روما الأساسي، لتأجيل الإجراءات الخاصة بجميع الإحالات المرفوعة إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن دارفور، بما يسمح بتعزيز فرص تحقيق السلام والعدالة، ويهيئ أفضل الظروف لإطلاق مباحثات السلام، وتسوية أزمة دارفور بشكل شامل في اقرب الآجال.

وحث بيان اللجنة الوزارية على توثيق وتنسيق الجهود الإقليمية والدولية، لتشجيع بعض الحركات المترددة في الانضمام إلى مساعي السلام، على التجاوب الإيجابي مع هذه المساعي، صوناً لمصلحة الوطن واستقراره ووحدة أراضيه، ولسرعة تهيئة المناخ المناسب لمعالجة الأزمة الإنسانية، التي يعاني منها أهل دارفور، ووضع حد لأثارها المختلفة.

رحب البيان بمبادرة أهل السودان، والمواقف الايجابية التي أبدتها بعض الحركات المسلحة والفصائل بدارفور، تجاوباً مع مساعي السلام المبذولة من قبل اللجنة، وتقدير الدور الإيجابي والنشط لممثلي ومكونات المجتمع المدني بدارفور، الرامية إلى تسهيل عقد مباحثات سلام، وطي صفحة العنف والتناحر، والمساعدة على رتق النسيج الاجتماعي لدارفور، والتأكيد على الأهمية الكبرى لدفع سبل الحوار الدارفوري / الدارفوري. وأكدت اللجنة الوزارية العربية الأفريقية حول السلام بدارفور، متابعة الجهود المبذولة من الحكومة السودانية لمعالجة أزمة دارفور، وتشجيعها على مواصلة الاضطلاع بهذه الجهود، وفقاً لتعهداتها وتفاهماتها مع الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.

كما أكدت على أهمية الاتساق بين جهود تحقيق السلام وتحقيق العدالة، وضرورة إبلاء الأهمية المطلقة لتحقيق السلام بين الأطراف السودانية المعنية بأزمة دارفور. وأشادت اللجنة بالجهود والتجارب المقدرة السابقة المبذولة من كل من ليبيا، برعاية العقيد معمر القذافي، ونيجيريا، من أجل مباحثات سلام بين حكومة السودان والحركات المسلحة بدارفور وحل الأزمة؛ مؤكدة على ضرورة الاستفادة من هذه التجارب والبناء عليها، في محادثات الدوحة القادمة.

2. وثيقة التفاهم بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة

تضمنت وثيقة التفاهم بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة، أنه برعاية كل من دولة قطر والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لدارفور، عُقد اجتماع خلال الفترة من 10 - 17 فبراير 2009م في الدوحة عاصمة دولة قطر، بين وفد من حكومة الوحدة الوطنية في السودان ووفد من حركة العدل والمساواة السودانية، من أجل إيجاد تسوية سلمية متفاوض عليها لإنهاء الصراع السوداني في دارفور. وقد ثمن الطرفان دور دولة قطر كبلدٍ مضيف، واتفقا على الدوحة كمقر لانعقاد المحادثات بينهما، وكذلك رعاية الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، والوساطة التي تضطلع بها حكومة دولة قطر، والسيد جبريل باسولي، الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

أقر الطرفان بالدعم البناء للعملية السلمية من قبل دول الجوار والمجتمع الدولي، وأعلنا نيتهما في العمل على وضع حد للصراع الدائر بينهما، من خلال إعطاء العملية السلمية الأولوية الإستراتيجية على ما سواها لتسوية الصراع في دارفور، والموافقة على اتباع نهج شامل يخاطب جذور المشكلة ويحقق السلام الدائم في البلاد. وكذلك الموافقة على اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بإيجاد بيئة مواتية، تساعد على التوصل إلى تسوية دائمة للصراع، والتعهد بالاستمرار في محادثات السلام، وإبقاء ممثليهما في الدوحة من أجل إعداد اتفاق إطاري للمحادثات النهائية.

3. توقيع وثيقة التفاهم بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة في الدوحة

في 17 فبراير 2009، تم التوقيع على اتفاق حسن نوايا وبناء ثقة، بين حكومة جمهورية السودان وحركة العدل والمساواة لتسوية مشكلة دارفور، برعاية الحكومة القطرية. كما شهد التوقيع الدكتور نافع علي نافع، مساعد الرئيس السوداني، والدكتور خليل ابراهيم محمد، رئيس حركة العدل والمساواة السودانية . وقد وقع الاتفاق عن حكومة الوحدة الوطنية السودانية الدكتور أمين حسن عمر، وزير الدولة للثقافة؛ فيما وقعه عن حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم المستشار الاقتصادي لرئيس الحركة. كما وقع الاتفاق وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية جبريل باسولي، الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

حضر التوقيع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وسفراء دول جوار السودان. ويؤسس هذا الاتفاق ن لمفاوضات لاحقة تطال ملف دارفور وقضايا أخرى خلافية. وتم التوصل لاتفاق حسن النوايا، بعد تجاوز الإشكالات المتعلقة بتبادل الأسرى بين الحكومة السودانية والمعارضين المسلحين. ومن المقرر أن تدخل المرحلة الثانية من الاتفاق حيز التنفيذ على الفور، حيث سيظل ممثلو الأطراف في الدوحة لاستكمال المشاورات، للتوصل إلى سلام في الإقليم.

إن الهدف النهائي للمفاوضات، التي استمر إجراؤها في الدوحة، هو إعداد اتفاق سياسي شامل يخاطب الشواغل المختلفة لأصحاب الشأن في دارفور، بما في ذلك الأطراف المتحاربة المسلحة، للتوقيع على الاتفاق السياسي الشامل، والمشاركة في مبادرة شاملة لتسوية النزاع، تعالج أسباب الصراع وعواقبه. وينبغي أن يشتمل الاتفاق السياسي الشامل على وقف لإطلاق النار، ومعالجة الترتيبات الأمنية، والمصالحة، واقتسام السلطة والثروة، إضافة إلى الشواغل الأخرى، التي تحددها مجتمعات دارفور، من خلال منبر دارفور للتشاور.

وينبغي التمسك بهذا الاتفاق من جانب المؤسسات الداخلية والجهات غير الحكومية في دارفور؛ وأن يُدعم من المجتمع الدولي، ويحمي المخربين من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيرهما من المؤسسات. وينبغي للشركاء التمسك بأهمية المفاوضات في تحديد القضايا التي يتعين حلها، وتطوير الأفكار، بشأن البرامج والعمليات للقيام بذلك، وان تتم مخاطبة شواغل جميع الأطراف المعنية بشكل حاسم ومنصف.

ثانياً. مفاوضات الدوحة بشأن تسوية الصراع في دارفور 2010

عقد الوفد الحكومي السوداني وحركة التحرير والعدالة جلسة مشتركة بالدوحة، لحسم النقاط الخلافية بملف الثروة، بعد أن قدمت الوساطة المشتركة ورقتها التوافقية للأطراف حول الملف؛ فيما عقدت لجنة التعويضات وعودة النازحين أولى جلساتها، توطئة لفتح التفاوض بين الطرفين بملف النازحين واللاجئين.

وأشار المتحدث باسم حركة التحرير للعدالة، إلى أن الحركة قدمت رؤيتها حول ملف السلطة، بعد التشاور حوله مع بعض الخبراء من الخارج، نافياً أن تكون الحركة قد تقدمت بمقترح للوساطة خارج إطار الورقة الخاصة بالملف، تطالب فيه بعدد من الوزراء ونواب البرلمان والمستشارين، وموضحاً أن ملف السلطة لم يفتح بعد؛ وأن المشاركة في السلطة تأتي بعد حوار تقدم الأطراف رؤيتها حوله. وأوضح أن النقاط الخلافية حول ملف الثروة ليست مستعصية على الطرفين، إلا إنها تحتاج إلى جهد من الأطراف من خلال الورش والاجتماعات المشتركة، خارج طاولة التفاوض لتقريب وجهات النظر؛ مضيفاً أن الورقة التوافقية التي تسلمتها الأطراف من الوساطة المشتركة، من شأنها أن تسهم في حل الخلاف حول الملف.

1. ملف السلطة في مفاوضات الدوحة 2010   

بدأت أطراف التفاوض بالدوحة بجلسة افتتاحية حول الملف الخاص بملف السلطة، حضرها الوفد الحكومي السوداني وحركة التحرير للعدالة. وقدمت من خلالها المنهجية التفاوضية للملف، ، وكان وفدا التفاوض قد قدما رؤيتهما الكلية حول الملف، وعلى أساس أن التفاصيل تجيء من خلال الحوار بين الجانبين، للوصول إلى صيغة مشتركة حول مشاركة أهل دارفور في السلطة، وأنسب الخيارات لتولي المناصب. وكانت الأطراف التفاوضية تتحرك باتجاه دراسة ورقة توافقية حول آليات وقف إطلاق النار، والدعم اللوجستي غير العسكري، توطئة لتقديمها للوساطة؛ بجانب طرح الورقة التوافقية حول ملف التعويضات وعودة النازحين، للدخول في مناقشة الملف بصورة رسمية بحضور ممثلي النازحين واللاجئين كمراقبين.

2. ملف الثروة في مفاوضات الدوحة 2010  

برزت خلافات بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة في اجتماعات الدوحة، حول قضايا الأراضي والثروة، وتتمثل في المسائل البترولية والإيرادات المالية، الأمر الذي دفع الوساطة لعقد اجتماع لتقريب وجهات النظر. واتهمت الحركة الحكومة بعدم الجدية. وفي الأثناء، سلمت الوساطة المشتركة، الوفد الحكومي وحركة التحرير والعدالة، الورقة التوافقية حول آليات وقف إطلاق النار، والدعم اللوجستي غير العسكري.

أعلن الوفد الحكومي للمفاوضات موافقته علي مقترح أعدته اليوناميد، بتكليف من وساطة منبر الدوحة، حول اتفاق نهائي للترتيبات الأمنية؛ بينما أخضعت الحركة الملف للتشاور مع الخبراء. وكشف مسؤول ملف الثروة، أن النقاط الخلافية بعض منها تم تجاوزها، بيد أن بعض القضايا التي اعترضت عليها الحكومة، تتمثل في المسائل البترولية. وتري الحركة ضرورة منح أهل دارفور نصيب البترول من منطقة شارف، وأن يكون التوزيع بأثر رجعي، بإعادة الإيرادات لأهل دارفور؛ بجانب أن الحركة وضعت تصوراً لإنتاج البترول المتوقع. وتتمثل القضايا الخلافية في الثروة في الآتي :

أ. المبالغ المالية التي يفترض أن تدفعها الحكومة لصندوق إعمار دارفور.

ب. التمييز الإيجابي للإيرادات القومية.

ج. الإعفاءات الجمركية والضريبية للشركات العاملة بدارفور.

د. إعادة إنشاء مفوضية الإيرادات بالقانون.

هـ.أن يكون لإقليم دارفور الحق في الاستدانة من الخارج، بضمان بنك السودان.

اتهم مسؤول ملف الثروة في حركة التحرير والعدالة الحكومة، بعدم الجدية لحسم نقاط الخلاف. وقال إن الحكومة بعيدة كل البعد ولا تريد دفع استحقاقات الفدرالية السياسية، وتوقع أن تعقد الوساطة جلسة مشتركة لهذا الأمر.

3. الترتيبات الأمنية في مفاوضات الدوحة 2010

أعلن الوفد الحكومي موافقته على مقترح أعدته بعثة اليوناميد، بتكليف من وساطة ومنبر الدوحة حول اتفاق ترتيبات أمنية نهائية. وقال الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي إن المقترح الذي تقدمت به بعثة اليوناميد، يصلح أن يكون أساساً للتفاوض في محور الترتيبات الأمنية، مشيراً إلى أن وفد حركة التحرير والعدالة لم يسلم رده على مقترح الوساطة في هذا الصدد، ومشيراً إلى أن النقاش ينصب في مسألة التحقق حتى يتثني للآلية تقديم الدعم، وفق هذه المعلومات المتحقق حولها في بند الترتيبات الأمنية.

وقد سلمت الوساطة المشتركة، الوفد الحكومي وحركة التحرير للعدالة الورقة التوافقية، حول آليات وقف إطلاق النار، والدعم اللوجستي غير العسكري.

4. النقاط الخلافية بالأراضي والحواكير في مفاوضات الدوحة 2010

قطعت مصادر مطلعة، من منبر التفاوض بالدوحة، باكتمال الورقة التوفيقية بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة، حول ملف الثروة عقب الفراغ من إعدادها بواسطة الوساطة، وحسم النقاط الخلافية بين الطرفين في الملف بجلسة مشتركة. وأرجعت المصادر تأجيل الجلسة المشتركة بسبب إجراء المزيد من المشاورات والترتيبات من قبل الوساطة مع الوفدين. وأكدت على أن حسم النقاط الخلافية بملف الثروة، مرتبط بالتداول حول ملف السلطة.

ثالثاً. مفاوضات الدوحة 14 يوليه 2011

احتوت "وثيقة الدوحة" لسلام دارفور، التي وقعتها الحكومة وحركة التحرير والعدالة في العاصمة القطرية الدوحة في 14 يوليه 2011، على سبعة فصول، هي: "حقوق الإنسان والحريات الأساسية- تقاسم السلطة والوضع الإداري لدارفور- تقاسم الثروة والموارد القومية- التعويضات وعودة النازحين واللاجئين - العدالة المصالحة- وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية – آليات الحوار والتشاور الداخلي وطرائق التنفيذ.

وقد وجدت الوثيقة تأييداً إقليمياً ودولياً واسعاً، من مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، وتحقق ذلك بفضل نجاح دولة قطر والوساطة المشتركة.

وفقاً لوثيقة الدوحة للسلام في دارفور، وطبقاً لما ورد في ديباجتها المتضمنة التأكيد على التنوع الثقافي والعرقي، الذي يعد أساس التلاحم الوطني للشعب السوداني، وكذلك ضرورة تعزيز وحماية حقوق الإنسان والعدالة والمساءلة والمصالحة في السودان، وبخاصة في دارفور، وإدانة جميع أنواع العنف، التي تمارس ضد المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان، وبخاصة المرتكبة ضد النساء والأطفال، والتشديد على حتمية الامتناع عن ارتكاب أعمال العنف، وانتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، فقد تم التركيز على المحاور الآتية

1. حقوق الإنسان والحريات الأساسية

أشارت الوثيقة إلى أن أطرافها يقرون بأهمية تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لمواطني دارفور؛ وضرورة أن تستوف جميع الأطراف الالتزامات المنوطة بها، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي؛ وأن تكفل تهيئة بيئة مواتية للممارسة الفعلية للحقوق المدنية والسياسية؛ فضلاً عن التمتع الكامل وعلى قدم المساواة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبأن تكون المواطنة هي أساس تساوي جميع السودانيين في الحقوق والواجبات المدنية والسياسية.

2. تقاسم السلطة والوضع الإداري لدارفور

أشارت الوثيقة إلى أن لتقاسم السلطة أهمية كبيرة لوحدة البلد وأمنه واستقراره. ويمثل تداول السلطة، والنقل السلمي للصلاحيات التنفيذية والتشريعية بالسبل الديمقراطية، من خلال انتخابات حرة ونزيهة، بوصفها ضمانات للاستقرار، أساس الحكم الديمقراطي في السودان. وأن الانتخابات على جميع مستويات الحكم في السودان، تكون بالتصويت الحر والمباشر الذي يخضع للمراقبة من جانب مراقبين وطنيين ودوليين؛ فالمواطنة أساس الحقوق والواجبات المدنية والسياسية من دون تمييز بين الأشخاص، على أساس العرق أو القبيلة أو الدين أو نوع الجنس أو الأصل.

أن يقوم نظام حكم اتحادي تُخول فيه السلطات بشكل فعال، وتوزع المسؤوليات توزيعاً واضحاً لكفالة المشاركة العادلة والمتكافئة لمواطني السودان، بصفة عامة، ومواطني دارفور، بصفة خاصة، تُكفل مشاركة مواطني دارفور على جميع مستويات الحكم، وفي جميع مؤسسات الدولة، من خلال معايير عادلة لتقاسم السلطة.

أن تتخذ  كافة الحركات التدابير الضرورية لتحويل نفسها إلى أحزاب سياسية، وفقاً للترتيبات القانونية القائمة؛ وبأن تشارك الحركات على مختلف مستويات الحكم وفقا لهذه الوثيقة، مع وجوب احترام تقاسم السلطة، وفقاً لبدأ التناسب، وبأن تشارك دارفور مشاركةً كاملةً في كافة أشكال السلطة السياسية في حكومة السودان القومية؛ وبأن يكون تمثيل مواطني دارفور على المستوى القومي بما يعكس التناسب السكاني لمواطني دارفور مقارناً بإجمالي سكان السودان بعد انفصال الجنوب.

3. تقاسم الثروة والموارد القومية

أشارت الوثيقة إلى أن يتضمن مبدأ تقاسم الثروة ضرورة إرساء اقتصاد يكفل التخفيف من حدة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدالة توزيع الثروة والموارد، بما يكفل مستويات معيشية متوازنة ولائقة لجميع المواطنين السودانيين، في ظل وجود فيدرالية مالية وقسمة عادلة للثروة في السودان، حتى يتاح لجميع مستويات الحكم أن تؤدي مسؤولياتها وواجباتها القانونية والدستورية، تجاه شعب السودان؛ وأنه لجميع أجزاء السودان الحق في التنمية العادلة والمتوازنة، مع الإقرار بالحاجة الماسة لتعمير مناطق دارفور، التي تأثرت بالنزاع المسلح، وإيلاء عناية خاصة للنازحين من خلال تهيئة بيئة مواتية تمكنهم من العودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية، أو المناطق التي يختارونها، وأن تكون لجميع مواطني السودان حقوق متساوية في:

أ. التحرر من الجوع، والحصول على المياه الصالحة للشرب، وكذلك الحصول على التعليم الجيد؛ والحصول على الخدمات الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى.

ب. ضرورة توافر سبل العيش المستدامة، والسبل الكافية للاستفادة من المرافق العامة والبنى التحتية؛ مع ضرورة مراجعة التدابير الإدارية التي تؤثر على سبل العيش.

ج. الاستفادة من التنمية وفرص العمل؛ وحرية الوصول إلى الأسواق.

د. حماية الممتلكات، والعمل على إعادة الممتلكات المفقودة إلى المتأثرين بالنزاع أو التعويض عنها .

هـ.تعزيز وحماية التراث الثقافي.

و. تقييم شامل للاحتياجات بوصفه أولوية قصوى تحتاج إلى تنفيذ عاجل.

صياغة برنامج من أجل التحقيق السريع للتنمية، لإلحاق دارفور ببقية أجزاء الدولة والمساعدة في تقديم التمويل والخبرة اللازمين، والإسهام في تلبية الاحتياجات المبينة لتحقيق هذا الغرض، وضرورة إنشاء صندوق خاص لتنمية دارفور وإعادة إعمارها. وضمان مشاركة المواطنين من خلال مستويات الحكم المختلفة والمنظمات غير الحكومية، في إعداد وتنفيذ السياسات الاجتماعية الضرورية لإنتاج وتوزيع الثروة، وفي اتخاذ القرارات بشأن إدارة الموارد وتنميتها؛ وضمان التمثيل المنصف والعادل في جميع المؤسسات الحكومية القومية، التي تعمل على إنتاج الثروة وتوزيعها، مع وجوب أن تهدف السياسات الاقتصادية والاجتماعية القومية إلى تحقيق الأهداف الآتية:

أ. إنتاج الثروة وتوزيعها العادل عبر جميع أنحاء السودان، بما يتماشى مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي والنمو المستدام، وتنفيذ مبادئ التنمية المستدامة. والعمل من أجل معالجة التدهور البيئي.

ب. ضمان تحصيل الضرائب واستخدامها بشكل عادل لفائدة السكان قاطبة.

ج. لا مركزية عملية صنع القرار في مجالات التنمية، وتقديم الخدمات وممارسة الحكم.

د. توافر فرص الوصول السليم والآمن والمفتوح إلى الأسواق والسلع والخدمات، من أجل تهيئة المناخ الملائم للاستثمار الأجنبي .

هـ.الاعتراف بالتنوع الاجتماعي والثقافي، وتعزيز الرعاية الاجتماعية والاستقرار.

ز. وتتضمن الوثيقة أيضا ضرورة تُوجيه السياسات الاقتصادية القومية والإقليمية لتشجيع الصادرات من دارفور إلى الأسواق الوطنية؛ وكذلك لزيادة فرص النفاذ للأسواق المالية الدولية.، ويلتزم بنك السودان بوضع سياسات وأساليب مالية مبتكرة لتشجيع المؤسسات المالية والبنوك التجارية والبنوك الحكومية المتخصصة (البنك الزراعي، بنك التنمية الصناعية وغيرها) لتوسيع أنشطتها في دارفور).

ثانياً. التحديات والتهديدات التي تواجه تسوية الصراع في دارفور، وتأثيرها على الأمن القومي العربي 

واجهت عملية تسوية الصراع في دارفور العديد من التحديات والتهديدات، التي تركت تأثيراتها على الأمن القومي العربي، ومنها:

1. أن العالم شهد منذ تسعينيات القرن الماضي مجموعه من التغيرات الدولية والإقليمية، التي كان لها الأثر الواضح في شكل وطبيعة النظام الدولي، عامة، وفى الوطن العربي، بشكل خاص. وكان من أبرزها وعلى المستوى السياسي انهيار الاتحاد السوفيتي، وتفكك المعسكر الاشتراكي، وتعاظم الطموح الأمريكي، المتمثل في قيادة وتزعم النظام الدولي الجديد، وتصدع النظام الإقليمي العربي، والذي ظهر بديلا عنه الإستراتيجية الغربية، وخاصة الأمريكية والإسرائيلية التي بدأت تتبنى مفهوم الشرق الأوسط، كمفهوم أمنى واقتصادي وسياسي، والشراكة الأوربية المتوسطية، ومجموعة من التحالفات الأمنية العسكرية، التي انعكست سلباً على واقع الأمن القومي العربي، وشملت التحالف الأمريكي ـ الخليجي، والتحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي، والتحالف الأمريكي والإسرائيلي ـ الإثيوبي، وغيرها، إضافة إلى أحداث ما يسمى بالربيع العربي.

2. كان لغياب الإستراتيجية العربية الدفاعية المشتركة/ الموحدة من ناحية، وتنامي تبعية دول المنطقة العربية للدول الفاعلة داخل النظام الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة، من ناحية أخرى، وميل العديد منها للقيام بالدور الريادي الإقليمي، من ناحية ثالثة، الأثر البالغ في تقسيم العالم العربي إلى وحدات إقليمية أصغر، ما ساعد على توفير المناخ المناسب لإيران لتضغط على الجناح الشرقي للمنطقة العربية. كما تحاول تركيا، بعد فترة إهمال طويلة، الضغط على الشمال الشرقي للمنطقة العربية، لصناعة عمق استراتيجي لها، كما تُعقد إسرائيل خريطة الصراع على العمق الدفاعي والإستراتيجي، بتعميق الخلافات والصراعات، وتفريغ المنطقة العربية من إمكانات التنمية، من ناحية، ومحاولة تحطيم الآلة العسكرية للقوى المتنامية، من ناحية ثانية، وصناعة عمق أمنى لها بزيادة المناطق شبة الحاجزة وقت السلم، ونقل ساحة المعارك إلى أراضى الجيران وقت الحرب، ومراقبة الصراع على العمق العربي، من ناحية ثالثة.

إن ما جعل مفهوم الأمن القومي العربي يراوح بين الأماني القومية، صعبة التحقيق ، وتعاظم الأحداث، التي تثبتت عدم وجود هذا المفهوم على أرض الواقع، وخاصة في 2 أغسطس عام 1990 حين أقدمت إحدى الدول العربية باحتلال دولة عربية أخرى، لينهار احد أعمدة نظرية الأمن القومي العربي، وهو افتراض أن التهديدات تأتى من الخارج؛ ثم جاءت الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003، لتكشف عجز الدول العربية عن بلورة تصور أمنى وإقليمي متكامل. ولا يخفى أن الأحداث في كل من الصومال، حيث تعاني تلك الدولة الواقعة في أقصى جنوب الوطن العربي.

وثمة تحديات خارجية تتمثل في التحدي الأثيوبي والأمريكي المستمر، ومشكلات الحدود، والعديد من التحديات الداخلية والخارجية، التي أفضت إلى انهيار الدولة الصومالية منذ يناير 1991، ونشوب الحرب الأهلية، ما أدى إلى تدخل الأمم المتحدة، بواسطة قوات متعددة الجنسيات، في الفترة من 1992 إلى 1994 ، ولا تزال المساعي العربية والأفريقية تبذل من أجل الحفاظ على وحدة الدولة الصومالية وسلامة شعبها واستقلالها، وما تزال الصومال تشكل إحدى بؤر الصراع، التي يعانى منها الوطن العربي، وإحدى نقاط الضعف في نظام الأمن القومي العربي.

وكذلك اليمن وسورية ليسا أحسن حالاً حتى الوقت الحاضر، وكذلك السودان، سواء فيما يتعلق بانفصال الجنوب السوداني، أو الأوضاع الأمنية المتردية في دارفور وما نجم عنها من تداعيات خطيرة، تهدد من جديد الأمن القومي السوداني والسلامة الإقليمية للدولة السودانية؛ كل ذلك يؤكد أنه لا يوجد نظام أمني حقيقي يجمع بين دول المنطقة العربية، وأن ما هو قائم في واقع الأمر، مجرد تسمية أو حلم الأمن القومي العربي.

3. تبنت إسرائيل في سياستها تجاه العالم العربي إستراتيجية المحاصرة، أي تطويق السياسة العربية، وهو ما يعرف بسياسة شد الأطراف Peripheral Doctrine ثم بترها، كما حدث في السودان، والتي انتهت بظهور دولة جنوب السودان في 9 يوليه 2011، بناءً على رغبة دولية قوية لفصل جنوب السودان. فقد تلاقت جميع المصالح الأمريكية والإسرائيلية وحتى الإفريقية بدول الجوار في إثيوبيا وكينيا وأوغندا، حيث دعموا جميعا قوات التمرد بقيادة جون قرنق ومن بعده سلفا كير، بهدف الوجود الفعلي على أرض جنوب السودان، التي ترى إسرائيل والولايات المتحدة فيها أفضل وسيلة للسيطرة على العمق الإفريقي.

هذا ما يحدث، أيضاً، في إقليم دارفور، كمحاولة لاستمرار عملية التجزئة والتفتيت للدولة السودانية وإحكام سيطرتها عليها، من خلال علاقات واتفاقيات مشتركة ومتميزة، وهو الأمر الذي يمثل تهديداً شاملاً للأمن القومي العربي عامة، ولمنظومة الأمن المصري السوداني، خاصة، وبشكل مباشر؛ إضافة إلى الحصول على النفط السوداني من الجنوب والغرب والاستثمار فيه. وكما حدث في التعاون الإسرائيلي الأثيوبي، والذي يهدف أيضاً إلى تحقيق نظرية الأمن الإسرائيلي من طريق تطويق الدول العربية، وخاصة مصر، وحرمانها من أي نفوذ في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه.

وقد حصلت إسرائيل على كثير من الامتيازات العسكرية والإستراتيجية في إثيوبيا من قبل، وإريتريا من بعد. فقد وجدت في جزر دهلك بالبحر الأحمر، وغيرها من المواقع الإستراتيجية المهمة. كما حصلوا على اتفاق تعاون عسكري تتمتع فيه إسرائيل بخصوصية التدخل العسكري المباشر، في حالة تهديد الملاحة في البحر الأحمر، أو وجود مخاطر أخرى تهدد مصالحها التجارية، خاصة في قناة السويس. كما تمكنت إسرائيل من بناء قاعدة عسكرية في شمال إثيوبيا تحمل طابع السرية، وذلك لردع أي تحرك مصري سوداني معاد لإثيوبيا، بصورة مفاجئة.

كما أصبحت المنطقة في حوض النيل على هيئة قوس حماية، من شرم الشيخ إلى جنوب مصر. ووضع السد العالي كهدف عسكري، إضافة إلى القواعد المصرية المنتشرة على جانبي السد العالي، وذلك الإجراء يدخل المنطقة ضمن دائرة المراقبة في وقت السلم، بما فيها شمال السودان، وذلك منذ بداية الستينيات، وعلى كافة المستويات من التعاون. فقد سمحت إثيوبيا عام 1960 بعبور خبراء إسرائيليين لمتمردي جنوب السودان، وإقامة اتصالات معهم. واستطاعت إسرائيل بذلك تجنيد أثيوبيا ضد مصر في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، وحتى في منظمة الوحدة الإفريقية من قبل، وفي الاتحاد الأفريقي في الوقت الراهن.

4. يشكل التكالب والتنافس الدولي والإقليمي، ولاسيما الإيراني والإسرائيلي من خلال محاولة اختراق النظم الأمنية والإقليمية الخاصة بالقرن الأفريقي وذلك بمفهومه الجيوـ سياسي، بوصفه مجالاً وبوابة للممرات البحرية الكبرى، التي تطل عليها المنطقة العربية، وهى المحيط الهندي والبحر الأحمر، ومن ثم قناة السويس البحرية. ومثلما تفعل إسرائيل، نتيجة ارتباط القرن الأفريقي بالصراع العربي - الصهيوني، ومحاولتها منذ البداية أن يكون لها منفذ بحري على البحر الأحمر.

تعمل إسرائيل جاهدة لتحول دون أن يكون البحر الأحمر بحيرة عربية، وهذا ما يفسر علاقاتها الوطيدة مع أثيوبيا وإريتريا. وهي تسعى لتعزيز نفوذها وتمديد مجالها الحيوي في العمق الأفريقي. كما استفادت من الوجود العسكري والاستخباراتي الأمريكي والغربي في المنطقة، بعد أحداث 11 سبتمبر. كما يتبدى في قيامها بغارة جوية على أهداف في شرق السودان، أوائل عام 2009، وكذلك خلال شهر نوفمبر 2012.

وقد كشفت تطورات الأحداث وتصاعدها في دارفور، عن تورط إسرائيل وضلوعها في دعم حركات التمرد بها، من خلال تدريب المتمردين ومدهم بالأسلحة، وإغراق دارفور بالسلاح، حتى أصبحت دارفور مستورداً للسلاح الإسرائيلي في أفريقيا خلال الأعوام القليلة الماضية، وهو ما يشير إلى الأهمية التي توليها إسرائيل لملف دارفور، وأنه أصبح يمثل مرتكزاً رئيسياً على أجندة الإستراتيجية الإسرائيلية حيال السودان.

ومما لاشك فيه أن تزايد النشاطات الإيرانية في منطقة القرن الأفريقي، تلقى بظلالها وانعكاساتها السلبية على الأمن القومي العربي ككل، وتهدد نظم الأمن الوطنية لبعض الدول العربية. كما تلعب دوراً خفياً في الصومال، يزيد من تعقيدات استمرارية المعضلة الصومالية. وعلى الرغم من التباين المذهبي، حيث الطابع السني للجماعات الصومالية، إلا أن إيران، ومثلما فعلت في السابق في أفغانستان، لا تتردد في التعاون تكتيكياً، مع أي تنظيمات سنية أصولية.

من نافلة القول، إن كافة محاولات التكالب والتنافس الدولي، وتجليات خطورة الاختراق للقارة الأفريقية، ترتبط بمحاولات استعمارية جديدة لإعادة صياغة حدود العالمين العربي والأفريقي، من خلال عمليات فك وتركيب جيوستراتيجية، الأمر الذي يؤدى إلى خلق كيانات جديدة مصطنعة، تنال من مقومات وأسس النظم الإقليمية السائدة.

5. لا يخفى أن إسرائيل لها أحلام قديمة ومتجددة، في الحصول على حصة من مياه النيل لري صحراء النقب، ومن ثم الحرص على تكثيف وجودها في كافة دول المنبع الأفريقية، مثل أثيوبيا وأريتريا وأوغندا وكينيا والكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي. ولعل الأزمة المثارة بين دول المنبع وضد مصر والسودان، منذ اجتماع الإسكندرية في يوليو 2009، والتي حالت دون توقيع الاتفاقية الإطارية في حوض النيل، تعزى بدرجة كبيرة إلى السياسات والسلوكيات والممارسات الإسرائيلية الخفية، حيث تستخدم آليات سياستها الخارجية، وأدوات دبلوماسيتها وقوتها الناعمة، لزيادة نفوذها في منطقة دول حوض النيل، بما يمكنها من محاصرة الأمن القومي لكل من مصر والسودان في المنطقة.

تكفى الإشارة بهذا الخصوص، إلى أنه  في العام  2009، قدمت إسرائيل إلى كل من الكونغو الديمقراطية ورواندا (من دول المنبع) دراسات تفصيلية لبناء ثلاثة سدود، كجزء من برنامج متكامل تهدف إسرائيل من خلاله إلى التمهيد لمجموعة كبيرة من المشروعات المائية في هذه الدول، ولاسيما رواندا، حيث يتوجه الاهتمام الإسرائيلي، بوجه خاص، إلى نهر كاجيرا، الذي يمثل حدود رواندا مع بوروندي في الشمال الشرقي لإقامة أكثر من سد عليه. وبجانب هذه المشاريع، تقدم شركات إسرائيلية منذ نحو عقد دعما فنيا وتكنولوجيا لهاتين الدولتين، في مجالي الري والزراعة.

أما في أوغندا، فلا تزال إسرائيل تُفعل اتفاقية وقعتها مع هذا البلد في مارس 2000، خلال زيارة وفد من وزارة الزراعة الإسرائيلية، برئاسة مدير الري بالوزارة في ذلك الحين، "موشي دون جولين". وتنص الاتفاقية على تنفيذ مشاريع ري في عشر مقاطعات متضررة من الجفاف، وإيفاد بعثة أوغندية إلى إسرائيل، لاستكمال دراسة المشاريع التي يقع معظمها في مقاطعات شمال أوغندا، بالقرب من الحدود الأوغندية المشتركة مع السودان وكينيا. وتستخدم المياه المتدفقة من بحيرة فيكتوريا لإقامة هذه المشاريع، وهو ما يؤدي إلى نقص المياه الواردة إلى النيل الأبيض، أحد أهم الروافد المغذية لنهر النيل في مصر.

أبدت إسرائيل، بشكل خاص، اهتمامها بإقامة مشاريع للري في مقاطعة كاراموجا الأوغندية قرب السودان، بهدف زراعة 247 ألف هكتار من الأراضي الأوغندية، عبر استغلال 2.5 مليار متر مكعب سنويا. وأما إثيوبيا، فقد عقد اجتماع مطلع العام 2009 في تل أبيب، بين أعضاء بالكنيست ووزراء إسرائيليين وإثيوبيين، اتُفق خلاله على إقامة مشاريع مشتركة عند منابع نهر النيل، وتتضمن إقامة أربعة سدود على النيل لحجز المياه وتوليد الكهرباء، وضبط حركة المياه في اتجاه السودان ومصر. وكان من المتوقع أن تُستكمل خلال الفترة ما بين شهري يونيو وأكتوبر، في فصل الأمطار بالهضبة الإثيوبية، بعد أن تكلفت شركة صينية بتنفيذها.

6. إذا كان القطن قد شكل محور السياسة الاستعمارية، بعد احتلال السودان وتوقيع اتفاقية يناير 1899م؛ فإن البترول ضمن عوامل أخرى سوف يشكل القوة الدافعة للسياسة الأمريكية في السودان في الفترة القادمة؛ ذلك أن الحزام البترولي الممتد من غينيا إلى انجولا في القارة الأفريقية، يمثل 15% من إيرادات أمريكا البترولية. كما أن اهتمام أمريكا بالبترول السوداني والتشادي والليبي ركن أساسي في الإستراتيجية الأمريكية، في حالة عدم استقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. وكُشف أن القطاع الأمريكي الخاص يستثمر حوالي 3.7 بليون دولار من البترول التشادي، حفاظاً على أسواق جديدة يمكن الاستفادة منها في حالة الوصول إلي مرحلة الذروة في تناقص العرض والطلب بعد عشرين عاماً. وقد أشار البعض في هذا الشأن إلى الآتي:

أ. أصبحت منطقة خليج غينيا (نيجيريا، غينيا الاستوائية، تشاد، الكاميرون، الجابون، انجولا) منطقة اهتمام حيوي لأمريكا، ويقدر إنتاج البترول بهذه المنطقة  بأكثر من 4.5 مليون برميل يومياً.

ب. يقدر ما تستورده أمريكا في الوقت الحاضر من بترول أفريقيا جنوب الصحراء بحوالي 16% من جملة وارداتها، وهي كمية تساوي ما تستورده أمريكا من السعودية. وطبقاً للتقديرات المقدمة من مجلس الأمن القومي الأمريكي فسوف تصل تلك النسبة إلى 25% مع عام 2015م. أي أكثر من واردات الولايات المتحدة البترولية من كافة دول الخليج العربية. وفي خطط وزارة الطاقة الأمريكية استثمار 10 بليون دولار في صناعة البترول الأفريقية عام 2003م (يدخل ضمن هذا الرقم استثماراتهم في السودان).

ج. الشركات العاملة على الساحل الأفريقي المطل على الأطلنطي (من جنوب الصحراء إلى جنوب أفريقيا)، هي شركات البترول الأمريكية العملاقة، مثل أكسون، موبيل، وشيفرون، تكساكو؛ تقوم بالأعمال الفنية اللازمة لتحديد المناطق التي يجري فيه التنقيب عن البترول. أما أكبر المشروعات التي يجري تمويلها حالياً في أفريقيا، فهو خط أنابيب يضخ البترول مابين تشاد والكاميرون وقد أنفق عليه 3700 مليون دولار.

د. تشير التقارير المتخصصة إلى أن منطقة السدود بجنوب السودان غنية باحتياطيات بترولية ضخمة؛ ولعل هذا يفسر تكالب الولايات المتحدة المتعاظم على بترول السودان.

هـ. إن ثروات السودان النفطية هي وراء اهتمام أمريكا بالاستقرار في السودان. وعقب اكتشاف البترول بدأت أمريكا تولى اهتماماً أكبر بالسودان، بغرض السيطرة على الموارد النفطية والتي ترى أحقيتها فيه، وربما السبب أن شركة شيفرون الأمريكية كانت أول من اكتشفته. ومارست أمريكا ضغوطاً على حكومة الخرطوم، لإبرام اتفاق السلام مع الحركة الشعبية.

تسعى أمريكا إلى التدخل في السودان كما حدث في العراق ولكن من دون حرب أو احتلال عسكري سافر؛ وإضافة للبترول، هنالك موارد السودان الأخرى مثل المساحات الصالحة للزراعة، والثروة الحيوانية التي تشكل 40% من مساهمات القطاع الزراعي، و20% من حجم الإنتاج المحلي الإجمالي.

مما سبق يتضح مدى أهمية البترول، كعامل جديد في الصراع السياسي والإقليمي والدولي حول موارد السودان، في ظل ما يسمى بالعولمة، أو الرأسمالية المعاصرة؛ فالسودان إضافة إلى ثروته النفطية يذخر بثروات زراعية وحيوانية ومعدنية، فضلاً عن موقعه المهم جعله هدفاً للتدخل الأمريكي في شؤونه، والصراع للسيطرة على هذه الثروات في إطار المشروع الأمريكي حول "الشرق الأوسط الكبير".

ثالثاً. السيناريوهات المستقبلية للأزمة، وكيفية مواجهة آثارها

1. السيناريوهات المستقبلية للأزمة في دارفور

 

 

ما لا شك فيه أن ما يعرقل فعلاً عملية تسوية فعالة لأزمة دارفور، وعبر محاولات متعددة الأشكال ظلت مستمرة منذ عام 2004، ليس عدم توحد الموقف التفاوضي للفصائل الدارفورية فحسب، بل كثرت المبادرات والتحركات الخارجية لأطراف أجندتها ومصالحها متضاربة بالضرورة. صحيح أن كل هذه المبادرات تأتي تحت لافتة مساعدة السودان، لإنهاء هذه المحنة؛ لكن التجربة أثبتت أن المسألة لم تكن أصلاً إيجاد حل لأزمة دارفور، بل اتخاذ تلك المبادرات ذريعة لإدارة صراع إرادات بين هذه الأطراف، للتأثير على مستقبل الوضع في السودان كله، وليس فقط في دارفور. ويلاحظ أن اتفاقية السلام الشامل حاولت عبر تسوية نيفاشا تشكيل ورسم خريطة جديدة للسودان، لم تكن مرضية لأطراف كثيرة، على الرغم من الترحيب المعلن الذي حظيت به من الجميع، لا لشيء سوى أن تلك التسوية كانت برعاية ومباركة أمريكية، وليس هناك دائما من هو مستعد لإغضاب واشنطن؛ ولذلك فإن أزمة دارفور أتاحت فرصة لتأكيد أن تسوية نيفاشا لم تضع السطر الأخير في تحديد مستقبل السودان، وأن المجال مفتوح لاستدراك استحقاقاتها.

بعد أن أحال مجلس الأمن قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، استناداً على نص المادة 13من النظام الأساسي للمحكمة، وبدأ المدعي العام إجراءات التحقيق، على الرغم من حملات التعاطف الرسمي مع الرئيس السوداني، والتي عبر عنها وفد جامعة الدول العربية، وعلى الرغم من محاولات رأب الصدع بين الأطراف السودانية، وآخرها مؤتمر المصالحة الذي تبنى مذكرة تفاهم بين الحكومة السودانية وحزب العدالة والمساواة برعاية قطرية؛ إلا أن المدعي العام "أوكامبو" يؤكد من حين لآخر عن اعتزام المحكمة إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير. وهذا يعني أن السودان سيكون أمام عدة خيارات، منها:

2. فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، يمكن الإشارة إلى السيناريوهات المستقبلية التالية

(أ) إيقاف مجلس الأمن النظر في قضية دارفور لمدة عام

وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإنه من سلطات مجلس الأمن إيقاف النظر في قضية دارفور لمدة عام، وإن كان هذا الخيار يتطلب حشداً دبلوماسياً عربياً وأفريقياً مشتركاً، تتولاه كل من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، لإقناع مجلس الأمن بإصدار قرار بوقف متابعة إجراءات المحاكمة بحق البشير، وفقاً للمادة 16 من نظام المحكمة الجنائية الدولية.

(ب) رفض مجلس الأمن لأية مناشدات أو مطالبات، بتجميد تنفيذ القرار

ثمة احتمال بأن لا يتراجع مجلس الأمن عن توجهاته وسياساته وقراراته، ذات الصلة بالمحكمة الجنائية الدولية؛ بل وهناك إمكانية لتوظيف الوضع الراهن، نحو اتخاذ المزيد من ممارسة الضغوط، وفرض مزيد من العقوبات (على نمط السيناريو العراقي)، وإن كان هذا السيناريو لا تساعد الظروف والمتغيرات والمستجدات الدولية على إعادة إنتاجه في السودان، خصوصا في ظل إخفاقات التحالف الدولي، في كل من العراق وأفغانستان وحتى الصومال. 

(ج) رفض النظام الحاكم تنفيذ مذكرة التوقيف، وتبني خيار المواجهة

قد يعمد الرئيس السوداني والحكومة إلى رفض تنفيذ المذكرة، لأسباب عديدة؛ منها أن المحكمة غير مختصة في النظر بقضية دارفور، كون السودان ليس دولة عضو في المحكمة، (علما أن التدقيق في نص المادة 19 يشير إلى أن تحديد الاختصاص يعود بالمطلق للمحكمة)، أو لسبب أن القضاء السوداني قد سبق وان نظر بالجرائم التي ارتكبت في دارفور، ومن ثم لا يحق للمحكمة الجنائية الدولية النظر بالقضية، استناداً إلى المادة 17 من نظام المحكمة الجنائية الدولية.

لكن المحكمة إذا لم تكن على قناعة بذلك، أو كانت مسيسة، فإنها ستدعي أن القضاء السوداني لم يكن نزيها، عند مقاضاة المتهمين بجرائم دارفور وفقا لنص المادة 19؛ ولكن المبدأ القانوني هو أن المحكمة لا تأخذ بالدفوع المثارة خارج المحكمة، لهذا فإن هذه الحجج لن تؤثر على سير المحاكمة، خاصة وأن القضية أحيلت بقرار من مجلس الأمن تحت البند السابع، الذي يجيز لمجلس الأمن استخدام القوة المشار إليها في المادة 41 و42 من ميثاق الأمم المتحدة. وهنا يصبح السودان في وضع مواجهة مع ما يسمى بالمجتمع الدولي.

وربما تلجأ الحكومة السودانية إلى ذلك، إذا فشلت كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية لتأجيل صدور قرار بشأن الرئيس البشير، حيث ستعمد الخرطوم إلى رفض تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية. وتراهن الحكومة في ذلك على الرأي العام العالمي المتعاطف مع مشكلة دارفور، وتسعى إلى تأكيد أن هذا القرار هو أحد الأسباب، التي تمنع وضع حد للكارثة الإنسانية هناك.

كما أنها قد تتخذ إجراءات بطرد المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في دارفور، وهي أكثر من 80 منظمة (وهو ما حدث بالفعل للعديد من تلك المنظمات)، إضافة إلى احتمال استهداف 27 ألف جندي يمثلون القوات الدولية الموجودة حاليا بدارفور، أو على الأقل تتخلى الحكومة السودانية عن التزاماتها تجاههم، والتي يجيز.

لكن في ظل تعقيدات الشراكة السياسية في الداخل السوداني، فإن المواجهة تحتاج بصورة دائمة إلى تجديد الشرعية، وإعادة ترتيب المشهد السياسي، بإدخال فاعلين جدد وإخراج آخرين.

د. تسليم الرئيس عمر البشير نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية

هذه الخطوة يرفضها النظام الحاكم السوداني في الوقت الراهن؛ ومن ثم، فلن يقدم عليها الرئيس البشير إلا بعد أن تقدم له ضمانات بمحاكمة عادلة غير مسيسة، وضمان حقوق الدفاع له أمام المحكمة. وحتى إن تحققت تلك الضمانات فلن يكون هذا الخيار إلا بعد أن يدرك الرئيس السوداني أن جميع أبواب الحلول المرضية أصبحت مغلقة. وأن هذا التسليم سيجنب السودان ويلات الحصار والدمار، الذي يمكن أن يلحق به كما لحق العراق سابقاً، فيما لو تعنت السودان برفض تنفيذ مذكرة التوقيف.

هـ. تسليم إحدى الدول الرئيس عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية

وربما تتبنى إحدى الدول في المحيطين الإقليمي أو الدولي، عملية تشجيع تسليم الرئيس عمر البشير نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية، مقابل تخفيض العقوبة، وذلك من منطلق أن القوانين ليست جامدة، بل يبقى في طياتها روح الإنسانية التي تحاول أن تخفف من جمود القوانين؛ ولهذا أوجدت المحكمة نظام تخفيف العقوبة، وفقاً للمادة 110من نظام المحكمة الجنائية. وعلى ذلك يمكن لعدة دول أن تشير للرئيس السوداني بتسليم نفسه للمحكمة، مقابل أن تعمل هذه الدول بتسوية مع المحكمة كي ينال قسطاً من تخفيف العقوبة. أو أن تسلمه إحدى تلك الدول إلى المحكمة الجنائية الدولية، خلال إحدى زياراته للعالم الخارجي.

و. دخول السودان في مساومات لتقديم تنازلات دولية

وربما أيضا تكون المساومة هي الخيار الأخير، الذي يمكن أن يلجأ إليه المؤتمر الوطني السوداني، بأن يقدم بعض التنازلات الأساسية، مقابل تجميد ملاحقة الرئيس السوداني؛ ولكن هامش المساومات بالنسبة للمؤتمر الوطني والرئيس البشير يظل محدوداً. ويبدو أن مساحة التنازلات، التي يمكن أن يقدمها الحزب الحاكم للقوى الدولية، مقابل عدم إحالة البشير إلى المحكمة الدولية محدودة. لذلك يرى البعض أن التنازل المطلوب من الحكومة السودانية والرئيس البشير بصورة أساسية، ضمن سلسلة من التنازلات الأخرى، قد يكون الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، كشرط أساسي في تسوية مشكلات السودان.

ز. الانقلاب من الداخل

في ظل الأوضاع التي يمر بها السودان، قد يحدث انقلاب عسكري مدعوم من القوى الخارجية، أو حتى من قوى الداخل، يطيح بالرئيس البشير. كما أنه في حالة توقيف الرئيس البشير، فإنه سيتحول إلى عبء ثقيل وضريبة باهظة التكاليف على الحزب الحاكم، ومن ثم فإن "عملية رحيله" تبقى خياراً مناسباً؛ ولكن مشكلة هذا الخيار تكمن فيمن يخلف البشير. وقد يكون هناك عدد من الأسماء، وعلى رأسها نائب الرئيس علي عثمان طه، بوصفه المرشح الأوفر حظا لخلافة الرئيس. وهناك أسماء أخرى كنافع علي نافع مستشار الرئيس والعضو البارز في حزب المؤتمر الوطني، وغيرهم.

لكن تقريراً نشرته شبكة الأنباء الإنسانية، التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يقلل من قيمة هذا الخيار، إذ يرى أن ليس لدى أي من هؤلاء الدعم الكافي، وجميعهم يمكن أيضا أن يحاكموا من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لتورطهم في النزاع في دارفور. ومن ثم فما فائدة الانقلاب أو التخلص من الرئيس، إذا كانت العديد من القيادات على قائمة الاتهام"؟. حيث تشمل هذه القائمة 50 آخرين من قيادات عسكرية وسياسية في الحكومة السودانية، والحركات المتمردة في دارفور.

ح. تشكيل حكومة قومية بديلة

ثمة خيار آخر يرى بعض الدارسين أنه يهدف إلى مساعدة الحزب الحاكم في احتواء الأزمة بأقل تكاليف ممكنة، بما يحول دون قطع روابط القرار السياسي في تجاذب قوى الداخل والخارج، وهو أن المخرج من الأزمة المتوقعة يتمثل في تشكيل حكومة قومية من كل الأحزاب السياسية، حتى يتوحد السودانيون خلف إرادة سياسية واحدة، وعندها يمكن لهذه الحكومة الجامعة أن تتعامل مع المحكمة الجنائية، وفق منظور أهل السودان لحل مشكلة بلادهم في دارفور. وطبقا لهذا الخيار، لن يتمكن السودان من تجاوز أزمته وفقا لهذا التصور من غير سند عربي، يحمي السودان من الانهيار ويحفظ عمق الأمن القومي العربي، في إفريقيا وعلى شواطئ البحر الأحمر.

2. فيما يتعلق بأزمة دارفور، يمكن الإشارة إلى السيناريوهات المستقبلية الآتية:

أ. استمرار وتعاظم تعقيدات أزمة دارفور

في ظل تنامي الحركات المتمردة، وتزايد مطالبات كل منها، سواء في التمثيل كأطراف في المفاوضات، أو في المشاركة في مغانم السلطة والثروة، فيما يتعلق بدارفور، فإن ذلك سيزيد من صعوبة وتعقيد إمكانية التوصل إلى تسوية حقيقية ترضي الجميع؛ ومن ثم يعني بقاء أي من الحركات خارج نطاق التسوية ، مزيداً من فرص بقاء الأزمة دون حل فعلي.

ب. فرض تسوية من الخارج

وفقاً لنموذج نيفاشا، فهناك إمكانية لتكرار هذا السيناريو فيما يتعلق بدارفور، وتكون الدول المرشحة لاستضافة المفاوضات تشاد أو ليبيا أو نيجيريا، وبرعاية الولايات المتحدة، وبدعم من المملكة المتحدة وفرنسا. وربما يكون هذا السيناريو الأقرب إلى التطبيق؛ حيث يبقى أي سيناريو مرتبط بالقوة الملزمة لوضع أية تسوية موضع التنفيذ الفعلي. وبغض النظر عن مضامين التسوية، أو مواقف أطراف الأزمة منها، وخصوصا الحكومة السودانية.

ج. استمرار إنتاج المبادرات الداخلية / القومية والخارجية (الإقليمية والدولية)

إن استمرار الإعلان عن مبادرات جديدة، أو معدلة، من جانب القوى والدول والمنظمات الفاعلة المختلفة، سواء كان الهدف منها إطالة أمد الأزمة، أو لمنع تسوية حقيقية، طالما كان هذا الأمر يخدم أهداف ومصالح دول أو أطراف معينة.

2. كيفية مواجهة الأزمة وآثارها

أ. الحيلولة دون تبسيط الأزمة في دارفور

اقترحت الحكومة إيجاد حل سلمي للوضع، من خلال جهود تركز على خمسة عناصر رئيسية، هي: الأمن، والتنمية، وإعادة التوطين، والمصالحات والمفاوضات. فالعملية السياسية الشاملة يجب أن تسعى إلى معالجة أسباب الصراع، بما في ذلك التنمية، والتدهور البيئي، وتدفق الأسلحة، والمطالب السياسية، مثل التوزيع الشامل والعادل للثروة والسلطة. وستتناول العملية السلمية أيضا مظاهر الصراع المتمثلة في انعدام الأمن، والنزوح، والانقسامات في صفوف مجتمع دارفور وحركات التمرد. وسيتم التعاون في هذا الشأن مع الشركاء ومواطني دارفور.

وقد ظل الاستفتاء على تقرير المصير في الجنوب، يُنظر إليه كأنه قضية منفصلة عن باقي أقاليم السودان، إلا أنه سوف تكون له آثاره على دارفور، ويمكن أن يؤثر على عملية السلام فيها. فقد تكون دارفور مصدراً للتوتر بين الشمال والجنوب. وعلى نحو مماثل، فان استمرار التوتر في العلاقات بين الشمال والجنوب سوف يعقد، على الأرجح، التوصل إلى حل للوضع في دارفور.

ب. اتخاذ التدابير الأمنية الضرورية للتعامل مع الأزمة في دارفور

تمثل التدابير الأمنية المسؤولية الأساسية لأي حكومة، وهي الوظيفة المحددة للدولة ذات السيادة. لتطبيق القانون والنظام ورد الحقوق وتحقيق العدل بين المواطنين. ويتوجب على الحكومة السودانية في هذا الشأن أن تتخذ إجراءات استباقية وحاسمة لتوفير الأمن لكل المواطنين في دارفور، أن تسعى في سبيل ذلك إلى التعاون مع الشركاء الدوليين، بقيادة بعثة اليوناميد وبما يتسق مع ولايتهم.

ولمخاطبة الأسباب الجذرية المختلفة لعدم توفر الأمن في دارفور، يستدعي ذلك أيضا إكمال إعداد إستراتيجية أمنية شاملة وتفصيلية، تحقق الاستقرار، والسلام المعزز وإعادة الإعمار، بالتعاون مع الإدارات المحلية المنتخبة مؤخراً، وبالتشاور التام مع جميع أصحاب الشأن في دارفور. وكذلك تحديد تدابير وقائية لمكافحة انعدام الأمن وتطبيقها لتحقيق الاستقرار في الإقليم. العمل على التوصل إلى تدابير أمنية مع دول الجوار شبيهة بالاتفاقية الأمنية بين السودان وتشاد، لوقف تدفق السلاح وتقييد حركة المجوعات المسلحة، بما يضمن انعدام مصادر جديدة لعدم الاستقرار.

وكذلك شروع الحكومة في عملية نزع سلاح متزامنة من كل المجموعات المسلحة، في سياق إستراتيجيتها الشاملة لبناء السلام، وحماية المدنيين مع إيلاء اهتمام خاص بالنازحين. وينبغي أن يكون ذلك بالشراكة والتعاون مع العمليات الحالية، التي تضطلع بها اليوناميد. على أن تعمل الحكومة على حماية جميع المناطق في دارفور من المجموعات المسلحة، وذلك عبر تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية للدولة، وحماية النازحين، وتقوية آليات مراقبة الحدود وتفعيلها. كما تعمل على التفاوض حول اتفاقيات وقف إطلاق نار مع المتمردين المتجاوبين ، وإكمال عملية إدماج قوات الحركات الموقعة على اتفاقية أبوجا، وإعلانات الالتزام في القوات المسلحة.

ج. السعي الجاد لتحقيق المصالحة والعدالة

تحتاج عمليات المصالحات والعدالة في دارفور إلى دعم وتعزيز، يجنب العودة للصراع في المستقبل. وسيكون منبر مشاورات دارفور المنبر الأمثل للتعاطي مع قضايا العدالة والمصالحات. ويجب أن تكون قيادة هذه العملية من قبل مجتمعات دارفور، مع مخاطبة جذور الصراع، ومسألة استمرار انعدام الثقة، وتزايد الانقسامات في أوساط السكان. وأن تعمل الحكومة على تكوين منابر جديدة للمصالحات، مع تقوية الآليات الموجودة مع الأخذ في الاعتبار الوسائل التقليدية، والتي أسهمت تاريخيا في حل الصراع.

إضافة إلى ذلك، ستعمل الحكومة على تفعيل دور المسؤولين المحليين المنتخبين مؤخراً، لتقوية وتعزيز آليات المصالحات وحل الصراع. وستعمل الحكومة على إنفاذ مشاريع تعويض عادل للمجتمعات المتأثرة بالصراع في دارفور، مع توظيف الموارد المتاحة والمخصصة للتعويضات وزيادتها، إذا دعت الضرورة. وتقر الحكومة بأهمية البعد النفسي والعملي في موضوع العدالة،وتظل ملتزمة بدعم عمل المدعي العام الخاص المعين لدارفور، والمحاكم الوطنية ذات الصلة للقيام بمسؤولياتها في حياد.

د. التحرك الفعلي من جهود الإغاثة إلى جهود التنمية

أصبحت الإغاثة في دارفور ضرورية من واقع طوارئ النزوح الكبير. وتمثل الإغاثة، حسب التعريف، إجراء مؤقتا وليس مظهرا دائما للحياة في دارفور؛ لذلك فهي أولوية قصوى للحكومة لإعادة توجيه الجهود الإنسانية في اتجاه الـتأهيل والتحول، من الاعتماد على الإغاثة إلى التنمية واعتماد أهل دارفور على الذات. وتظل الحكومة ملتزمة بالمبادئ الدولية المعترف بها في مجال العمل الإنساني، والوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات الموقعة. وتؤكد أن الاحتياجات الإنسانية الكاملة لأهل دارفور ينبغي أن توفر بسد الفجوات، وتسهيل دخول مجموعات العمل الإنساني إلى المناطق الآمنة في دارفور. وأن تعزز العلاقة بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية العاملة في دارفور، من خلال النوايا الحسنة، والتعاون الفاعل، والجهود المشتركة لمساعدة أهل دارفور، مع حماية كرامتهم واعتمادهم على ذاتهم.

من أجل ذلك، فإن العودة الطوعية والآمنة والمنظمة للنازحين في دارفور إلى مساكنهم، ستُعد المؤشر النهائي للحل الناجح للصراع. ويمثل تنظيم هذه العودة إحدى أولويات الحكومة. ولتحقيق ذلك يجب على الحكومة أن تبذل جهوداً مشتركة مع اليوناميد والشركاء الآخرين لتوفير الأمن والخدمات الأساسية للنازحين واللاجئين في مناطق سكنهم الأصلية، حتى تكون العودة المتوقعة آمنة ومستديمة. بالمقابل، فإن جهود العودة الطوعية ستمكن أصحاب الشأن من تدشين مشاريع تنمية مناسبة، لتوفير سبل العيش وضمان الاحتياجات الضرورية للرعاة والنازحين واللاجئين.

هـ.التخطيط والتنظيم والتنفيذ لتقديم الخدمات الإنسانية الأساسية

يمثل التخطيط لتقديم الخدمات الأساسية، المحرك الأساس للتنمية في دارفور، بمعالجة التدهور البيئي وتهيئة المناخ بخطط طويلة المدى، ومعالجة النقص التاريخي في البنيات الأساسية. إن التنمية الحقيقية لن تتحقق إلا مع السلام، ويتوجب على الحكومة وضع الخطط المناسبة لتهيئة المناخ لضمان توافر موارد من مصادر محلية وعالمية، والاستمرار في تنفيذ المشروعات والتعهدات السابقة، أو قيام مشروعات جديدة في المناطق الآمنة في دارفور. فضلاً عن تهيئة الخدمات الملائمة للرعاة والرحل، و إبلاء اهتمام خاص بإيجاد بيئة تساعد على عودة النازحين واللاجئين.

و. الإبقاء والحفاظة على مساعي وجهود صنع وبناء السلام في دارفور

ينبغي أن تتحرك العديد من القوى الوطنية والإقليمية والدولية، من أجل وضع نهاية لأزمة دارفور، وأن يتواكب مع ذلك أيضا ضرورة الإبقاء والحفاظ على مساعي وجهود صنع وبناء السلام في دارفور، وتوظيف واستثمار طاقات وقدرات تلك القوى لتحقيق تلك الغاية.

في هذا المجال يظهر بشكل جلي الدور المهم للمنظمات الدولية والإقليمية، التي ينبغي أن تستمر تحركاتها وجهودها في الإبقاء على قوة الدفع اللازمة، لتحفيز وتشجيع تلك القوى ومختلف الأطراف على التفاعل الإيجابي والمؤثر في عملية إيجاد تسوية فعلية للصراع في دارفور، وفي عملية إعادة البناء المتعلقة بها. وفي هذا الشأن تتداخل وتترابط مساعي وجهود كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي والجامعة العربية وغيرها.