إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر الإسرائيلية





مهام القوات الإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة القدس
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الضربة الجوية الإسرائيلية

معارك الاستيلاء على الجولان
الضربات البرية الرئيسية
العمليات على الجبهة الأردنية



المبحث الثاني

المبحث الثاني

تصاعد الأزمة

المواجهات السياسية والعسكرية بين العرب وإسرائيل

في أعقاب جولة خريف عام 1956، فقد حدد مجلس الحرب الإسرائيلي، الهدف السياسي للجولة القادمة، ضد العرب ليكون "تثبيت أركان دولة إسرائيل على الصعيد العالمي والإطار المحلي كخطوة مرحلية في الطريق المرسوم لإنشاء دولة إسرائيل الكبرى".

وكان هذا يشكل هدفاً سياسياً مركباً تنبثق منه عدة أهداف سياسية عسكرية تتبلور في الآتي:

1.  إيقاع نكسة عنيفة بالطفرة العربية التقدمية التي توهج نشاطها خلال تلك المرحلة.

2.  إيقاع هزيمة عسكرية ساحقة بكل القوات المسلحة العربية المتاخمة لإسرائيل، تفقدها الثقة في النفس، وثقة الشعوب العربية في فعاليتها. كما توفر لإسرائيل مرحلة هدوء نسبي تالية، تستغلها في تنمية قدرات الدولة بمعدل عال، ودون معوقات.

3.  قلب نظم الحكم التقدمية في الدول المهزومة.

4.  تمييع مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في المجال الدولي والمحلي.

5.  تحقيق مكاسب إقليمية بإقامة عاصمة إسرائيل الكبرى في القدس، وتعديل بعض أجزاء الحدود بما توفر لإسرائيل أمناً قومياً أفضل، وتأمين الملاحة في خليج العقبة وقناة السويس[1].

6.  فرض الحل السياسي الملائم لمشكلة فلسطين، من وجهة نظر إسرائيل.

أولاً: الموقف العالمي من الأزمة

عندما بدأت القوات المصرية التحرك إلى سيناء في منتصف مايو 1967، أعلنت إسرائيل تعبئة قوات الاحتياط بعد ذلك بأربعة أيام، مما أدى إلى إصابة الاقتصاد الإسرائيلي بشلل جزئي، وخلق جو من القلق بين الشعب الإسرائيلي. وبمجرد أن أعقب "عبدالناصر" تحركه العسكري بإعلان إغلاق مضيق تيران يوم 22 مايو. أصبح واضحاً أن إسرائيل لا تستطيع السكوت على هذا العمل العدواني.

لذلك بدأت جولة مستمرة من المشاورات داخل البلاد، ومن الاجتماعات الدبلوماسية في عواصم العالم من أجل رفع الحصار، وإزالة التهديد العسكري المصري. وواصل السفراء الإسرائيليون حث الدول المحبة للسلام على العمل لتحقيق هذا الهدف، ولكن اتضح لإسرائيل بصورة متزايدة وبمرور الوقت أنها لا تستطيع أن تنتظر خطوات فعالة من جانب العالم.

وكما تبين في النهاية، فإن "عبدالناصر" كان حكمه صائباً تماماً فيما يتعلق بالموقف الذي سوف تتخذه الدول الكبرى. فقد أيده الاتحاد السوفيتي في جميع تصرفاته، بل وشجعه على المضي فيها، وظل ممثلو روسيا يقدمون لمصر تقارير كاذبة عن حشود القوات الإسرائيلية المزعومة على الحدود السورية، بل إنهم وعدوا بمساعدة العرب عن طريق إرسال قوة عسكرية في حالة نشوب حرب.

وقد توقع الكثيرون في العالم، أن إسرائيل على وشك التدمير، ولكن لم يتخذ أي إجراء دولي.. وقد حاولت الدول الكبرى وضع قوات بحرية لتحقيق الضمانات المكفولة لإسرائيل منذ عام 1957، ولكن لم تتكون أي قوة لهذا الغرض ولم يتخذ أي إجراء إيجابي سوى اقتراحات ومشروعات قرار..

ولقد كان مندوب الاتحاد السوفيتي والدول العربية في الأمم المتحدة، يواصلون جهودهم لإعاقة أي مجهود يمكن أن يقوم به الغرب للتدخل واعتراض الخطط العربية. وابتكروا طرق لتقليل خطورة الموقف والسماح للخطط العربية بالتقدم في طريقها. أما الحكومة الإسرائيلية بقيادة "ليفي أشكول" فقد بذلت جهوداً كبيرة لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، ولكن كل تلك الجهود لم تثمر عن شيء.

1. الموقف الفرنسي

لم تكن فرنسا تريد الحرب، ولكن الرئيس "شارل ديجول" ساعد "عبدالناصر" على أن يحاول كسب ما يريده بدون حرب فقد أجل تسليم الأسلحة التي كانت إسرائيل قد طلبتها من فرنسا ودفعت ثمنها. وبرر "ديجول" هذا التأجيل لممثلي إسرائيل بأنه عمل يهدف إلى "منع إسرائيل من أن تكون قادرة على البدء بالحرب". وجاء هذا القرار الفرنسي في وقت كانت فيه مصر تتلقى كميات غير محدودة من الأسلحة من الاتحاد السوفيتي. وتمثل موقف "ديجول" في أنه ينبغي على إسرائيل أن تذعن أو ترضخ للحصار المفروض على المضايق. بل أنه مضى إلى أبعد من ذلك، فأصر على أنه يجب على الدول الكبرى الأربع، أن تدرس من جديد بقية المطالب العربية، مثل عودة اللاجئين، وحقوق الفلسطينيين. وعندما نصح "ديجول" "المتغطرس" إسرائيل. بأن تعهد إليه برعاية شؤونها (نظراً لأن فرنسا واحدة من الدول الكبرى)، فإنه لم يحجم عن أن يؤكد أن فترة التعاون الفرنسي/ الإسرائيلي التي ازدهرت في عام 1956، قد انتهت، وأن فرنسا مهتمة الآن بتدعيم العلاقات الطيبة مع الدول العربية.

كما رفضت فرنسا أن توقع على إعلان حرية الملاحة الذي اقترحته الولايات المتحدة، وبهذا فقد كان هناك تغيراً مفاجئاً في السياسة الفرنسية تجاه إسرائيل.. فقد اختفى التعاطف المعهود من الحكومة الفرنسية بعد توجه سياستها تجاه العرب.. حيث إنه ـ ولمدة أعوام تورط فيها الفرنسيون في حرب الجزائر والتي ثار أهلها ضد الفرنسيين ـ بدأت العلاقات العربية/ الفرنسية تزدهر، بعد أن كانت متجهة إلى إسرائيل في مقابل العرب. وأعلن "ديجول"، أن مصالح فرنسا تنصب على كسب التعاون مع العرب وتنمية العلاقات مع الدول العربية خاصة في المجالين التجاري والعسكري. وبذلك وفي ساعة الأزمة أدارت فرنسا ـ وهي التي كانت حليفاً لإسرائيل ـ ظهرها لها، وبدون أي حكمة تحذير أو إنذار.

2. الموقف البريطاني

بالرغم من حسن نوايا بريطانيا في الجهود التي بذلتها، فإن تلك الجهود لم تسفر عن شيء. وكان رئيس وزرائها "هارولد ولسون"، الذي كان موجوداً في واشنطن في ذلك الوقت، قد أعلن تأييده الكامل لاقتراح الرئيس "جونسون" بتشكيل قوة عمل بحرية. ولكن هذه المبادرة فشلت، وحاول "جورج براون" وزير خارجيته أن يساعد في تنفيذ المبادرة. وغالباً ما كان يتصرف على مسؤوليته عندما كان رفاقه في مجلس الوزراء يعارضون مقترحاته، ولكنه فشل أيضاً.

وقد طار "براون" إلى موسكو في الرابع والعشرين من مايو، وقدم مقترحات المبادرة إلى الزعماء السوفييت، ولكن "كوسيجين" رفضها بطريقة فظة، ذكرته بفشل الإنجليز والفرنسيين في حرب السويس عام 1956.. وسأله "كوسيجين": "هل تريدون سويساً أخرى؟". كما رفض الروس مقترحين آخرين قدمهما براون، وهما: أن يتعاون الاتحاد السوفيتي مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، في إعادة قوات الطوارئ الدولية إلى المواقع العازلة، وأن تضغط روسيا على مصر لكي تنسحب قواتها من شرم الشيخ. ثم عاد وزير الخارجية البريطاني إلى لندن وهو يشعر بخيبة أمل شديدة، بعد يومين من المحادثات العقيمة في موسكو.

3. إسرائيل وعلاقاتها مع كل من القوتين العظمتين (الاتحاد السوفييتي ـ والولايات المتحدة )

أ. إسرائيل والاتحاد السوفيتي

كانت إسرائيل تعلم جيداً، موقف الاتحاد السوفيتي، في رفضه إدانة أية دولة عربية. وكان هذا الموقف، نابعاً من أن الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد إسرائيل بشدة، أي أن "الفيتو" السوفيتي ليس من قبيل كراهيته لإسرائيل أو إدانتها، بقدر ما هو موقف مبدئي يتخذه كقوة كبرى تنافس قوة كبرى أخرى. وبرغم ذلك، فإن إسرائيل لم تتوانى لحظة واحدة في محاولة التقرب من الاتحاد السوفيتي، واستمالة سياسته نحوها.

ويقول "ديفيد بن جوريون" في كتابه "إسرائيل.. تاريخ شخصي" عن علاقة إسرائيل مع الاتحاد السوفيتي: "لم يكن كل عضو من أعضاء الحكومة الإسرائيلية مستعداً لرؤية تلك الحقيقة البغيضة ـ يقصد الاتحاد السوفيتي.

أما "إسرائيل جاليلي" وزير الإعلام فقال في مقال نشرته له إحدى جرائد حزب التحالف قائلاً: "إن الظروف مواتية لتحسين العلاقات مع الاتحاد السوفيتي، وذلك كهدف له أهمية حيوية بالنسبة لإسرائيل"[2].

وأثير خلال تلك الفترة في إسرائيل (على مستوى مجلس الوزراء، والمؤسسة العسكرية) ضرورة بذل جهد مع الاتحاد السوفيتي، مهما بدا أن هذا الجهد محاولة يائسة. وكان هناك معارضين لهذا الجهد مثل "الجنرال وايزمان" الذي قال: "إننا لسنا بحاجة إلى إرضاء طرف من الأطراف الدولية لكي نشن الحرب. إننا لم نجد الشجاعة عام 1948 لدخول الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل. وكانت تلك مأساة يجب تداركها. وإجهاضاً لحق تاريخي لابد من تصحيحه. ولا تحتاج إسرائيل لا إلى غدر، ولا إلى إذن لكي تصحح خطأ وقعت فيه". وربما كان هذا الرأي متسقا مع رأي رئيس الوزراء "ليفي أشكول" الذي حدد رأيه: "وإن كانت حسابات موقف الاتحاد السوفيتي من المعركة القادمة في الشرق الأوسط واقعة في مسؤولية الولايات المتحدة وتحت ضمانها. فإن إسرائيل مع ذلك لا ينبغي أن تتخلى عن الجبهة السوفيتية بالكامل، وخصوصاً، وأن الحرب ومضاعفاتها قضية، لا يمكن حساب المجهول فيها بنسبة 100%".

وعموماً، فقد نجحت إسرائيل في خلال عام 1967، وقبل بداية المعركة بفترة مناسبة من استقطاب الاتحاد السوفيتي "إلى درجة ما".. وهذا ما أشار إليه بيان "آبا إيبان" وزير الخارجية في الكنيست في فبراير 1967، والذي قال فيه: "لقد تحقق   نجاح كبير في علاقات إسرائيل مع الاتحاد السوفيتي، ومع الكتلة الشرقية كلها، وخصوصاً في المجال الثقافي".

ويدل على ذلك أيضاً، الزيارة التي قام بها "إيجال آلون" نائب رئيس الوزراء، ووزير العمل، ومنسق لجنة الأمن الخاصة في مجلس الوزراء الإسرائيلي.. إلى الاتحاد السوفيتي في مايو 1967.. ولقائه مع عدد كبير من القيادات السوفيتية، واتصالاته الواسعة بأعداد كبيرة من "الرافضين" اليهود والمتصلين والمتأثرين بهم.

ب. إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية

تكشف وثيقة البيت الأبيض بتاريخ أول يونيه 1964.. عبارة وردت على لسان الرئيس "جونسون": "إنه وراء إسرائيل بالكامل "Foursquara"، في جميع المسائل المتصلة بمصالحها الأمنية الحيوية، كما هو تماماً في جنوب شرق آسيا. وسوف نكون دائماً حيث تكون هناك حاجة منهم إلينا!!".

كما تكشف وثيقة أخرى عن وجود "شيء ما مشترك" بين أهداف إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، نختمها بوثيقة محررة بتاريخ 16 مايو 1967. موضوعها: "مصلحة الرئيس الشخصية في الشرق الأوسط". تقول بعض فقرات الوثيقة: "أن الرئيس لديه أكثر من اهتمام عادي بضبط الأمور في الشرق الأوسط لسببين خاصين:

الأول: نحن مشغولون في فيتنام، وبالتالي فلابد أن نعفيه من العبء السياسي وأيضاً الإنساني.. بتوريط القوات الأمريكية في الشرق الأوسط أيضاً.

الثاني: أن فكرة حرب التحرير الوطنية هي "تكنيك" جديد وفد إلى الشرق الأوسط وتركز على حدود إسرائيل، وأيضاً في جنوب الجزيرة العربية (اليمن). وعندما شغل الرئيس "جونسون" نفسه بمواجهة مشكلة فيتنام، فقد بين أيضاً أنه لن يسمح بانتشار هذا النوع من العدوان في مناطق أخرى. وهكذا فإننا لا نستطيع أن نتصدى لإرهاب حركات التحرير في فيتنام ونعجز عن فعل شيء في الشرق الأوسط.!!".

كان الدعم الأمريكي، لا يتوقف عند حدود معينة، وهذا ما أعلنه الرئيس "جونسون" في منتصف مايو 1967 حين قال: "إن إسرائيل لابد أن تطمئن إلى أن الأسطول السادس قريب منها باستمرار". وقد أدى ذلك إلى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي علنياً: "أن إسرائيل تعتبر أن الأسطول السادس الأمريكي بمثابة احتياطي إستراتيجي لها".

كما أعطى الرئيس "جونسون" تعليماته "بإطلاق العنان لإسرائيل Unleash Israel" وقد قام "جيمس أنجلتون" رئيس قسم العمليات الخاصة بالمخابرات المركزية الأمريكية بتنفيذ تلك التعليمات على الوجه الأكمل، حيث قام بتسريب شحنات من اليورانيوم لصالح البرنامج النووي الإسرائيلي، وكان وراء إنجاح برنامج "الصواريخ" الإسرائيلي.

في أول يونيه أوفد الرئيس "جونسون" مبعوثاً خاصاً "روبرت أندرسون" إلى القاهرة ليبلغ "عبدالناصر": أن الولايات المتحدة لن تشترك في إرسال قوة بحرية دولية تعبر المضيق. وأن الرئيس الأمريكي ملتزم بأمن إسرائيل وتطورها بما فيه حق إسرائيل في التمتع بحرية الملاحة، ولذلك، فإنه يجب إيجاد حل وسط وتجنب نشوب حرب. وكان رد "عبدالناصر" على تلك المبادرة: انه يوافق على اقتراح "يوثانت" الذي يقضي أن تؤجل مصر تنفيذ حصارها لمدة أسبوعين، تمتنع إسرائيل خلالهما عن إرسال سفن تمر عبر المضيق وتبذل أثناءها الجهود بهدف التوصل إلى حل يوافق عليه الطرفان. لقد كانت أهم نتيجة لزيارة "أندرسون"، هي أن "عبدالناصر" ازداد اقتناعاً، بأن الدول الكبرى تعارض الحرب، وحتى لو نشبت، فإن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سوف يشتركان معاً ـ كما حدث عام 1956 ـ في وقفها على الفور.

كان هناك التزام أمريكي من أجل دعم إسرائيل في الحرب ضد العرب، وهذا ما دلت عليه التقارير التي أرسلها الجنرال "مائير آميت" "رئيس الموساد"، والذي كلفه "جنرالات إسرائيل بالسفر إلى واشنطن يوم 28 مايو 1967.

جاء في التقرير الأول الذي أرسله "آميت" إلى إسرائيل:

(1) "في نهاية أول يوم من محاولتي لاستطلاع الموقف في واشنطن فهمت، مما سمعت من تلميحات وحقائق متناثرة. أن مشروع القوة البحرية الدولية (التي تتولى فتح مضيق إيلات بالقوة) يواجه مصاعب سياسية ليس من السهل حلها في أيام قليلة.

(2) تولد لدي انطباع قوي، بأنه إذا بدأت إسرائيل، فتصرفت بمفردها، فإن الولايات المتحدة، لن تتأخر طويلاً في اللحاق لها إذا اقتضى الأمر.

(3) ومهما كان ما تفعله إسرائيل، فإنها تستطيع أن تعتمد في كل الأحوال على التأييد السياسي الأمريكي.

(4) إن تدخلاً عسكرياً يقوم به الاتحاد السوفيتي، أصبح في رأي من قابلتهم أمراً مستبعداً. وإذا حدث فإن الولايات المتحدة سوف تكون على استعداد لتحمل مسؤولية مواجهته".

وبعودة "آميت" إلى إسرائيل، فإنه قدم تقريره، الذي يحوي بعض النقاط التي اتفق عليها مع المسؤولين الأمريكيين، بشأن ما يمكن أن يكون عليه موقف الولايات المتحدة إذا ما قامت إسرائيل بأخذ الأمور في يدها.. وكانت أهم نقاط التقرير هي:

(1) إن "جونسون" سوف يسعده أن تأخذ إسرائيل زمام الأمر في يدها، وتبدأ بالخطوة الأولى.

(2) أن كثيرين يتساءلون في واشنطن (وأولهم أنجلتون)، ما الذي تنتظره إسرائيل أكثر مما حصلت عليه؟.. وكان "أنجلتون" قد أخطر "آميت"، بأن وكالة المخابرات الأمريكية جاهزة لشحن ثلاثة أسراب من طائرات "سكاي هوك" اشترتها الوكالة من ميزانيتها وحصلت على أولوية باستلامها بتصريح استثنائي من وزير الدفاع "ماكنمارا" وأنها ـ طبقا لتفاهم سابق.. جاهزة باثنين وسبعين طياراً متطوعاً، جرى تدريبهم على المستوى اللازم للعمليات.

(3) أضاف "آميت"، أن الوكالة رتبت لإسرائيل سربين من طائرات "ميراج" تم تسليمها منذ أيام عن طريق هولندا، مع 62 دبابة "ليوبارد" المانية.

(4) أوضح "آميت"، أن كل ما طلبته إسرائيل من ذخائر نقل إليها فعلاً خلال الأسبوعين السابقين على طائرات أمريكية، طارت مباشرة من قواعدها في ألمانيا الغربية.

(5) كان رأيه الأخير الذي توصل إليه: "أن إسرائيل لديها كل ما تحتاج إليه، وتستطيع أن تبدأ، وتستطيع أن تنتصر. وأنه بحجم الانتصار الذي ستحققه إسرائيل، بحجم ما تستطيع أن تضمن من تأييد "جونسون". وإذا كان في مقدورها أن تقوم بإحراز انتصار يغطي مساحة واسعة من الاهتمام الأمريكي، وبحيث يؤثر على الموقف في فيتنام. فإن إسرائيل تستطيع أن تضمن "جونسون" معها إلى النهاية مهما كان من شأن أهدافها المستقلة (يقصد أهداف إسرائيل في الضفة الغربية).

(6) أن الروس ليسوا في وضع يسمح لهم بالتدخل ضد إسرائيل. وإذا تدخلوا بما هو أكثر من البيانات والإنذارات، فإن الموقف كله سوف يختلف. وحينئذ يصبح موقف الرئيس الأمريكي مبرراً دستورياً ودولياً في أي إجراء يتخذه.

(7) وأخيراً كانت هناك قضية سياسية تتعلق بالإجراءات وهي أنه إذاً انعقد مجلس الأمن لبحث الموقف في الشرق الأوسط في أعقاب عمل تقوم به إسرائيل فإن الولايات المتحدة ملتزمة بما يلي:

(أ) عدم السماح بأي اتهام يوجه لإسرائيل، بأنها البادئة بالعدوان (معنى ذلك أنها تعد باستخدام حق الفيتو).

(ب) أن أي قرار يصدر عن مجلس الأمن بوقف إطلاق النار بعد نشوب أية عمليات. لا يجب أن ينص ـ كما هي العادة ـ على عودة القوات إلى الخطوط التي كانت عندها قبل بدء العمليات.

(ج) أن الولايات المتحدة، لا يجب أن تدخل في مشاورات أو اتفاقات أو تنسيق للمواقف، مع أي طرف من الأطراف، لا في نطاق الأمم المتحدة أو خارجه، بدون علم وقبول وموافقة إسرائيل.

(8) أضاف "مائير آميت"، أن الرئيس الأمريكي مصمم على أن يفهم "ناصر" هذه المرة، ما لم يفهمه عام 1956، وهي أن على العرب أن يتوجهوا هذه المرة إلى الولايات المتحدة، وليس الاتحاد السوفيتي[3].

ثانياً: معاهدة الدفاع المصري/ الأردني"30 مايو 1967"

مع تصاعد الأزمة، بدأ "الملك حسين" بخطوة رئيسية في اتجاه التحالف مع مصر وسورية، وضم قواته إليهما.. وبذلك جعل من الهجوم العربي المقترح ضد إسرائيل أمراً واقعاً. وقد كان "الملك حسين" على علاقة سيئة بعبدالناصر. ولديه الأسباب الوجيهة التي تبرر ذلك. إذ أن "عبدالناصر" ظل سنوات طوال يحاول الإطاحة به علانية.

والحقيقة أن "الملك حسين" قام بمجازفة عندما قرر السفر إلى القاهرة بطريق الجو يوم 30 مايو 1967، دون أن يحصل على موافقة مسبقة من "عبدالناصر" لاستقباله فربما اعتقل فور وصوله. ولكنه لم يعتقل. وبعد وصوله بساعات قليلة، كان يوقع معاهدة دفاع تربطه بمصر وسورية. وبانضمام "الملك حسين" إلى المعاهدة[4]، لم يكن هناك سوى معنى واحد هو الحرب. فلو لم يكن "الملك حسين" يخشى أن تهاجم الجيوش العربية الأخرى إسرائيل، وتنتصر عليها، ويصبح هو في موقف ضعيف لتخلفه عن الاشتراك معها، لما قام مطلقاً بربط مصيره بمصيرها.

وعند عودة "الملك حسين" إلى عمان، أدلى بحديث إلى مراسل جريدة الحياة اللبنانية قال فيه: "أن معاهدة الدفاع التي وقعها في القاهرة تعد حدثاً تاريخياً. فهي وثيقة تجسد قرار عمل قومي".

وساعدت زيارة "حسين" والمعاهدة التي وقعت على انقشاع بقية السحابة التي كانت تعكر صفو الشعوب العربية. فقد أعلن "حسين" أنه يتطلع إلى مزيد من التعاون مع مصر والدول العربية الأخرى في المشرق والمغرب. حتى يمكننا أن نسير في الطريق الصحيح المؤدي إلى محو عارنا وتحرير فلسطين، وتم تعيين اللواء المصري عبدالمنعم رياض قائداً للجبهة الشرقية، والقوات الأردنية.

واكتملت الحلقة حول إسرائيل، يوم الرابع من يونيه، بإبرام معاهدة الدفاع المشترك بين مصر والعراق. وإبلاغ "عبدالناصر" "لحسين"، أن المعاهدة أصبحت تضم مصر والأردن والعراق. وفي اليوم التالي وصلت طائرات مصرية إلى الأردن، كما وصلت كتيبتان مصريتان، وبدأت أيضاً قوة عراقية في دخول الأردن، كان يتقدمها لواء ميكانيكي وكتيبة مدرعة.

وفي ضوء زيارة "حسين" للقاهرة، والمعاهدة ـ ووضع قوات الأردن تحت القيادة المصرية، لم يكن في مقدور إسرائيل أن تظل سلبية. وكان السؤال المطروح، هل نظل ننتظر حتى تهاجمنا الجيوش العربية، أم سنقوم بتوجيه الضربة الأولى؟.


 



[1] واستطراداً لما سبق، يكون من خطأ الرأي، الظن، بأن خطة الجولة الثالثة الإسرائيلية /العربية، كانت وليدة تصاعد الأزمة السياسية العسكرية في صيف 1967، إذ أن الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك، أن خيوط هذه الخطة بدأ نسيجها غداة حرب العدوان الثلاثي في خريف 1956، وأن تحديد موعد الجولة ليكون صيف 1967 جاء بعد إحكام الاستعداد لتنفيذ الخطة، وتوفر الظروف المناسبة، وتهيئة الرأي العام لتقبلها، مع تصويرها أمام التفكير السطحي لرجل الشارع، كما لو كانت مبادأة عدوانية سياسية عربية

[2] ولا يختلف اثنان على صواب النصف الثاني من تلك العبارة. فلقد حرصت إسرائيل دائما على إقامة علاقات ودية مع الاتحاد السوفيتي شأن حرصها مع جميع الدول الأخرى. فنحن لم ننس الموقف الذي اتخذته هذه الدولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 مايو 1947 عندما كان أندريه جروميكو أول مندوب يطالب بحق الشعب اليهودي في إقامة دولة يهودية على أرض إسرائيل. يضاف إلى ذلك، أنه بعد صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء دولة يهودية بأغلبية أكثر من ثلثي الأصوات وجدت الدولتان العظميان نفسهما متفقتين على شيء وذلك لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. كما كان الاتحاد السوفيتي فعلا الدولة الوحيدة التي قاومت كل محاولات وزارة الخارجية الأمريكية لإبطال ذلك القرار. كما ظل الاتحاد السوفيتي، ولمدة سنة كاملة حتى انتهت حرب الاستقلال يرفض إصدار أية محاولة من جانب برنادوت أو الآخرين للانتقاص من فكرة الدولة اليهودية الفتية وحقوقها. ولم يغير السوفييت سياستهم ويتحولون كحماة للدول العربية، التي أعلنت عن عزمها صراحة على القضاء على إسرائيل، إلا بعد زوال الحكم البريطاني تماما عن المنطقة. ولقد انكشف هذا العداء السوفيتي بشكل سافر في الشهور الأولى من عام 1967 عندما حشد الزعيم المصري قواته على حدود إسرائيل لتحقيق هدف طالما جاهر به سنوات عديدة: "القضاء على إسرائيل".والحقيقة، أن إسرائيل لم تدر بصرها عن الاتحاد السوفيتي في أي وقت من الأوقات ولم تكن تريد بابا واحدا مغلقا في وجهها في تلك الفترة الحساسة. وكانت إستراتيجية إسرائيل في التعامل مع الاتحاد السوفيتي، تتم بأسلوب التسرب إلى العمق. فكل المشاركين في دائرة صنع القرار الإسرائيلي، أو القريبين منه (من بن جوريون، إلى أشكول، إلى رابين، وعشرات غيرهم) من أصول سوفيتية، أو متصلة مع الروس بنسب.. رغم كل ما كانوا يدعون به من عذاب لحق بالشعب اليهودي بتأثير العداء الكامن ضد السامية في روسيا. وكان لسياسة التغلغل الإسرائيلي داخل المجتمع الروسي، عواقبها، وضد صالح الاتحاد السوفيتي نفسه، حتى جاء وقت أصبح فيه تعبير "المنشق" هو مرادف لتعبير "يهودي".. وقد استغلت المخابرات الأمريكية ذلك في الحصول على كثير من المعلومات عن الاتحاد السوفيتي عن طريق الاتصال "بالمنشقين". كانت دوائر صنع القرار في إسرائيل تتفهم صميم المجتمع الروسي، وتتفهم كيف تنفده

[3] ولا شك أن نتائج زيارة "آميت" أحدثت تغيرا هائلا في القرار الإسرائيلي ووجهته تجاه قرار الحرب، وأقنعت أشكول بأنه حصل على كل الضمانات السياسية والعسكرية، التي كان يتردد بسببها من قبل. ولكن كانت هناك ثغرة وحيدة في التفاهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تتعلق بالأردن، والذي كانت سياسته منحازة للولايات المتحدة، وكان الرئيس جونسون قد أعطى وعودا للملك حسين بأن إسرائيل لن تتعرض له.. ولكن هذا الموقف سرعان ما تبدد نتيجة التغيرات التي شهدتها الأيام الأخيرة قبل المعركة

[4] الثلاثية كانت المعاهدة بين مصر والأردن فقط، وكان في نفس الوقت هناك اتفاقية دفاع أخرى بين مصر وسورية، وقعت في نوفمبر 1966 ولا شأن لها بالأردن

[5] ترجع أسباب الهجوم على قرية السموع إلى النشاط الفدائي المنطلق من الأردن، وفي الثاني عشر من نوفمبر 1966، مرت مفرزة إسرائيلية كانت تقوم بداورية على الحدود الإسرائيلية / الأردنية جنوب جبل الجليل فوق لغم، مما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، وجرح ستة آخرين. وردت إسرائيل بعمل انتقامي في اليوم التالي، فعبرت وحدة إسرائيلية الحدود، واشتبكت مع القوات الأردنية، ودخلت قرية السموع التي كان الفدائيون يتخذونها كقاعدة لهم. ودمرت عشرة منازل بعد إخلائها من سكانها، وقامت طائرة ميراج إسرائيلية بإسقاط طائرة أردنية من طراز "هنتر" وبلغت خسائر الأردن الأخرى عشرين قتيلا، منهم 14 جنديا وستة مدنيين، وخمسة وثلاثين جريحا.

[6] القوات المصرية كانت موجودة بالفعل باليمن وكانت لا توجد أي نية لمصر لمهاجمة المملكة العربية السعودية أو أي دولة أخرى بل بدأ التفكير المصري في الانسحاب من اليمن عام 1966

[7] لا تمثل هذه العبارة، أي نوع من الحقيقة حيث كانت القوات المصرية في اليمن وقتها، تمثل حوالي 40% من حجم القوات المسلحة المصرية

[8] سبق تلك الأحداث يوم 5 مارس 1967، إصابة جرار إسرائيلي في مستعمرة "شامير" بلغم زرعه السوريون في المنطقة، وقد أصيب المزارع إصابات بالغة، وحدث تبادل للنيران بين الطرفين