إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر الإسرائيلية





مهام القوات الإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة القدس
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الضربة الجوية الإسرائيلية

معارك الاستيلاء على الجولان
الضربات البرية الرئيسية
العمليات على الجبهة الأردنية



المبحث الرابع

المبحث الثالث

بداية تفجر أحداث الجولة الثالثة

في أوائل مايو، أدهشت الحكومة السوفيتية العالم بقصة خيالية (لا تعرف ما إذا كانت لحسابها أو لحساب سورية أو مصر) عن وجود حشود إسرائيلية ضخمة على الحدود السورية. فدعا "أشكول" السفير السوفيتي لزيارة الحدود الشمالية معه حتى يتأكد بنفسه من عدم صحة تلك القصة. لكن السفير رفض فلا شك أنه كان يعرف جيداً أن القصة مختلقة. والحقيقة هي أن بضع عشرات من رجال بوليس الحدود قد وضعوا على الحدود الشمالية بعد الهجمات السورية على كيبوتزات الجليل وذلك لمراقبة المخربين السوريين. وكانت المعلومات الكاذبة التي وصلت إلى القاهرة من المصادر السوفيتية قد ذكرت أن إسرائيل حشدت أحد عشر لواء على الحدود الشمالية. وقد أبلغ سكرتير عام الأمم المتحدة مجلس الأمن في 19 مايو أن التقارير التي بعث بها مراقبو الأمم المتحدة ليس بها ما يشير إلى وجود تلك الحشود الإسرائيلية المزعومة على الحدود السورية. وواضح أن "عبدالناصر" كان بحاجة إلى مثل تلك التقارير المختلقة من أجل مخططاته العدوانية ضد إسرائيل. في نفس الوقت كان الروس مهتمين بالضغط على الوضع السوري لمصالحهم الخاصة فلم يكن هناك أي نية لديهم لإنكار ادعاءاتهم وقد كان الاتحاد السوفيتي مهتما بتقوية ودعم النظام الحاكم في سورية والذي منح السوفيت مزايا كبيرة له في منطقة الشرق الأوسط وقد كان تأثيرها على مصر لتهديد إسرائيل من الجنوب يحقق بذلك تقوية الأمن السوري وبالتالي دعم النظام الحاكم في دمشق. وبدأت مصر في تلقي معلومات "بعد أحداث 7 إبريل" من مصادر سورية وسوفيتية، بأن إسرائيل تحشد قواتها بالقرب من الحدود السورية، وترمي إلى غزو سورية، والاستيلاء على دمشق، والإطاحة بنظام حكمها اليساري.

وكان أمام "عبدالناصر" إما أن يدير ظهره لمطالب سورية، حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بمركزه كزعيم للعالم العربي. وإما أن يعتبر نفسه ملزماً بالاستجابة لندائها والقيام بعمل مناسب واختار "عبدالناصر" الطريق الثاني، وأعلن في خطاب له في عيد العمال أول مايو 1967، أنه سوف يضع تحت تصرف سورية، كل الطائرات والطيارين اللازمين للدفاع عنها.

وزاد الروس الموقف الملتهب اشتعالاً. ففي 12 مايو 1967. نقل ضابط مخابرات من السفارة السوفيتية بالقاهرة للمخابرات الحربية المصرية "تأكيداً" للتقرير السوري الذي أفاد أن إسرائيل تحشد قواتها على الحدود السورية. وفي اليوم التالي كرر الرئيس السوفيتي "نيكولاي بودجورني" هذا الادعاء في حديثه مع "أنور السادات"، الذي كان يزور موسكو في ذلك الوقت. وأضاف "بودجورني"، أن هدف إسرائيل هو غزو سورية، وأن الاتحاد السوفيتي سوف يساعد سورية ومصر في حربهما ضد إسرائيل. وأن على مصر أن تستعد لهذا العدوان. وقال: "يجب ألا نؤخذ على غرة، فستكون الأيام القادمة حاسمة". وتحدث وزير الخارجية السوفيتي بلهجة مماثلة إلى الضيف المصري، وأضاف تفصيلات جديدة، بأن إسرائيل قد تهاجم سورية في الفترة ما بين 16، 22 مايو. وبادر "السادات بإبلاغ عبدالناصر" بما سمعه في موسكو.

وفي إسرائيل لم يكن هناك أي توتر فقد تنبأ "اسحاق رابين" رئيس أركان قوات الدفاع حينئذ بفترة طويلة من الهدوء في إسرائيل وكان ذلك في مقابلة صحفية. وقد تم الاحتفال بالعيد التاسع عشر للاستقلال يوم 15 مايو بشعور مريح ( ومن المفارقات أن إعلان إسرائيل أنها سوف تقيم عرضاً متواضعاً يوم عيد الاستقلال الموافق 15 مايو، وذلك لأسباب اقتصادية، فقد اعتبره السوريون والروس دليلاً جديداً على أن معظم قوات إسرائيل وأسلحتها مشغولة في مجال آخر، هو الاستعداد لغزو سورية).

في نفس الوقت قرر الرئيس "جمال عبدالناصر" القيام باستعراض للقوة، وذلك بإرسال فرقتين إلى سيناء لانضمام إلى الفرقة الموجودة هناك بالفعل، وكان هذا العمل، الذي علم به رئيس الأركان الإسرائيلي في المساء، هو أول خطوة عسكرية تقوم بها مصر. وكان إيذانا ببدء موكب الجيوش المتجهة إلى حرب الأيام الستة. وقد قال "محمد حسنين هيكل" الصحفي والصديق المقرب "لعبدالناصر"، أن قرار "عبدالناصر" ذو دافع مزدوج: أن يظهر لسورية أن مصر مستعدة للقتال إلى جانبها.. وأن يرغم إسرائيل على نقل قواتها من الحدود السورية إلى الجنوب لمواجهة التهديد المصري. ساعتها أصيب العالم العربي بهيستريا وأصبح "عبدالناصر" في قمة شعبيته مرة أخرى وذلك بعد دفع حكومة عربية بتدعيم من آخرين إلى حماس الحرب الوشيكة.

أولاً: سحب قوات حفظ السلام وتأثيره على الموقف

أما الحدث الذي فجر أحداث يونيه فكان انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من قطاع غزة وخليج شرم الشيخ. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وافقت منذ أكثر من عشر سنوات ـ في 5 نوفمبر سنة 1956ـ على وضع كتائب من قوات الأمم المتحدة في قطاع غزة وشرم الشيخ. وكان الغرض من وجود بعض الكتائب في قطاع غزة هو ضمان توقف أعمال التخريب والقتل على أيدي الفدائيين، أما الهدف من وجود البعض الآخر من الكتائب في شرم الشيخ فهو ضمان حرية الملاحة الإسرائيلية في مضايق إيلات. وكانت هذه هي شروط إسرائيل للانسحاب من قطاع غزة وشرم الشيخ بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء. وكانت قوات الطوارئ الدولية تتكون من 978 جندياً هندياً، 795 كندياً، 579 يوغسلافياً، 530 سويدياً، 430 برازيلياً، 61 نرويجياً، دانمركيين.

وكان داج همرشولد قد ذكر في 5 أغسطس 1957 أنه قد توصل إلى اتفاق مع "عبدالناصر" مؤداه أنه "لن تترك القوات الدولية مواقعها إلا بعد انتهاء مهمتها. وفي حالة طلب مصر جلاء تلك القوات فإن المسألة تطرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة لدراستها. فإذا تبين للجمعية العامة أن مهمة القوات الدولية قد انتهت، فإنها ترحل. أما إذا تبين أن مهمتها لم تتحقق بعد، وطلبت مصر رغم ذلك جلاء تلك القوات، فإن ذلك يعد انتهاكا للاتفاق مع الأمم المتحدة".

وفي مارس 1960 قابل رئيس الوزراء الإسرائيلي "داج همرشولد" في نيويورك. وكانت قد راجت في ذلك الوقت شائعات بأن قوات الطوارئ الدولية على وشك الجلاء عن شرم الشيخ. وقد قال رئيس الوزراء لـ"همرشولد" أن تلك الشائعات قد أثارت قلق الحكومة الإسرائيلية بسبب الخطر الذي ينجم عن إغلاق مضايق إيلات مرة أخرى في وجه السفن الإسرائيلية مع ما في ذلك من انتهاك للتعهدات التي قطعتها الدول البحرية في شهري فبراير ومارس 1957 في الجمعية العامة، وأن من حق إسرائيل، وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أن تستخدم القوة للدفاع عن حريتها في الملاحة الدولية. وقد أكد "همرشولد" في ذلك الوقت لرئيس الوزراء أن تلك الشائعات لا أساس لها من الصحة وأن قوة الطوارئ لن تجلو عن شرم الشيخ أو قطاع غزة دون موافقة الجمعية العامة. إلا أن خليفة "همرشولد ـ أوثانت" ـ لم يلتزم لسبب ما بتلك التعهدات بخصوص قوات الطوارئ.

ثانياً: الحشود المصرية في سيناء

ازداد الوضع تدهوراً على الحدود السورية. وواصلت القوات الخاصة عملياتها ضد المستعمرات اليهودية في الجليل، وبدأ الدكتاتور المصري يحشد قواته في صحراء سيناء. وقد بدأ تدفق القوات إلى سيناء في منتصف مايو سنة 1967 بحجة أن سورية تتعرض لخطر هجوم إسرائيلي. وكما سبق الإشارة، فإن الحكومة الإسرائيلية أكدت للأمم المتحدة أن الروايات القائلة بوجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية مختلقة كما أن "أوثانت" نفسه قرر في تقريره إلى مجلس الأمن في 19 مايو أن مراقبي الأمم المتحدة أكدوا عدم وجود حشود إسرائيلية عسكرية أو تحركات للقوات على طول الحدود الشمالية. ومع ذلك استمر تدفق القوات المصرية إلى سيناء بمعدلات متزايدة.

ولقد كان بسيناء قبل 14 مايو أقل من فرقتي مشاة وكمية صغيرة من الأسلحة، لكن بحلول 21 مايو كانت هناك أربع فرق. وزادت قوة المدفعية المصرية والقوات الجوية بنوع خاص. وفي السادس عشر من مايو أخبر رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري الجنرال "أ.ح ريكي" القائد الهندي لقوات الطوارئ الدولية في سيناء وقطاع غزة بما يلي: "لقد أصدرت الأوامر إلى القوات المسلحة للجمهورية العربية المتحدة بأن تكون مستعدة للعمل ضد إسرائيل في اللحظة التي تقوم فيه إسرائيل بأي عمل من أعمال العدوان ضد إي بلد عربي. وعلى ضوء تلك الأوامر حشدنا قواتنا على حدودنا الشرقية في سيناء. ونحن نطلب إبعاد قوات الأمم المتحدة فوراً ضماناً لسلامة أفرادها في نقاط المراقبة على طول حدودنا".

وهكذا أصبحت مشكلة قوات الطوارئ في يد السكرتير العام للأمم المتحدة ولسبب ما رأى "أوثانت" ضرورة إبلاغ "عبدالناصر" أن أي طلب للإبعاد المؤقت لقوات الطوارئ سيعامل مثل طلب إبعادها التام عن غزة وسيناء وسرعان ما قبل "عبدالناصر" ذلك الإيضاح. وعليه أصدر "أوثانت" أمر إلى قائد القوات الدولية في سيناء وغزة بإجلاء القوات.

ثالثاً: انسحاب قوات الطوارئ الدولية

كانت الأوامر قد صدرت أصلاً إلى الجنرال الهندي لتجميع قواته الموجودة في غزة في مكان داخلي بالقطاع ولم يقل أحد شيئاً في ذلك الوقت حول إبعاد القوات الدولية عن شرم الشيخ. وأبلغ "أوثانت" الوفد المصري بالأمم المتحدة ـ بعد أن تلقى صورة من برقية رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري إلى الجنرال "ريكي" في السادس عشر من مايو ـ أن الانسحاب الجزئي للقوات الدولية أمر غير مقبول وأن على "عبدالناصر" أن يختار بين بقائها حيث هي أو انسحابها كاملاً. وقد اختار "عبدالناصر" البديل الثاني. وفي التاسع عشر من مايو قام الجنرال "ريكي" بإبلاغ السلطات الإسرائيلية أن قوات الطوارئ الدولية ستتوقف عن مباشرة مهمتها اعتباراً من الساعة الرابعة من مساء ذلك اليوم.

رابعاً: إسرائيل لا تنفعل أمام المشكلة

وقد تصادف في ذلك اليوم أن وصل الرئيس "شازار" رئيس إسرائيل إلى كندا للاشتراك في احتفالاتها بالذكرى المئوية لاتحادها الكنفيدرالي. وقال عند وصوله ضمن أشياء أخرى: "أن أبلغ دليل على أن الانفعال لا يسيطر على إسرائيل رغم اهتمامها العميق بالحشود العدائية للقوات المصرية هو إتمام زيارتي لكندا في موعدها المقرر لتمثيل إسرائيل في الاحتفال بالذكرى المئوية لكندا. نحن لا ننوي أن نستفز أو نهاجم أيا من جيراننا. أما إذا كانت مصر تنوي استفزازنا أو إذا كانت سياسة سورية تستهدف مواصلة العمل العدواني ضد أراضينا، فسوف ندافع بلا شك عن أراضينا كما ينبغي".

وفي 19 مايو أبلغ "أوثانت" الجمعية العامة أن قوات الطوارئ الدولية قد انسحبت من سيناء وقطاع غزة. وشعر الوفد الكندي بالاستياء من التصرف المتعجل للسكرتير العام خاصة وأن ذلك الوفد كان قد ساهم بدور كبير في تشكيل تلك القوات الدولية كما أن تلك القوات كانت تضم عدداً كبيراً من الكنديين. لكن عبدالناصر حقق ما أراد من حرية العمل. فقد أعلن بعد أن احتلت القوات المصرية مواقع في شرم الشيخ، أنه لن يسمح بأي حال من الأحوال للسفن التي ترفع العلم الإسرائيلي بالمرور عبر خليج العقبة وأنه سيمنع مرور السفن الأجنبية التي تحمل مواداً إستراتيجية إلى أو من إسرائيل. وذهب "عبدالناصر" إلى أبعد من ذلك حين قال: "هؤلاء اليهود يهددون بالحرب، ونحن نقول لهم: تعالوا فمصر مستعدة!" كان "عبدالناصر" يعلم جيداً أن إغلاق المضايق يعني إعلان الحرب على إسرائيل وهذا ما قصده.

خامساً: 21 مايو في القاهرة: اجتماع اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكي العربي

قام جمال عبد الناصر بخطوته الحاسمة نحو الحرب. فقد اجتمعت اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكي العربي ـ الحزب السياسي الوحيد في مصر ـ في منزل "عبدالناصر" يوم 21 مايو. وتقرر فرض حصار على ميناء إيلات الإسرائيلي، وذلك بمنع جميع السفن الإسرائيلية، وجميع السفن الأجنبية التي تحمل "مواد إستراتيجية" إلى إسرائيل من المرور في مضيق تيران ـ وفي اليوم التالي، أعلن الرئيس "عبدالناصر"، أثناء زيارته لقاعدة أبو صوير الجوية: "أن خليج العقبة، مغلق بالنسبة للإسرائيليين". وبدأ فرض الحصار في اليوم نفسه، وهو الثاني والعشرين من مايو. فقد أوقفت سفينتان ألمانيتان عند مضيق تيران، وتم تفتيشهما، ولم يسمح لهما بمواصلة رحلتهما إلا بعد التأكد من أنهما متجهتان إلى ميناء العقبة الأردني وليس إلى إسرائيل.

واجتمع "عبد الناصر"، مع السفير السوفيتي مساء اليوم نفسه، بعد إعلانه إغلاق المضيق. وسأله السفير عما إذا كان يرغب في أن تكرر روسيا تحذيرها لإسرائيل: بأنه إذا هاجمت أية دولة عربية، فسوف يرسل الاتحاد السوفيتي قواته لمساعدة الدول العربية المشتركة في القتال. ورد "عبدالناصر": بأنه من الأفضل إرسال هذا التحذير إلى الولايات المتحدة.

ومن تلك اللحظة، انعكست الصورة تماماً، ذلك أن حشد القوات والتهديد بالحرب لم يكن من إسرائيل ضد سورية، بل كان من مصر ضد إسرائيل، وصدمت إسرائيل صدمة شديدة، ووقعت في حيرة، فلم تكن حكومتها، ولا شعبها يتوقعان هذا التصرف، ولم تكن إسرائيل تريد خوض هذا الحرب .. وفي الوقت نفسه، لم تكن في مقدورها أن تروض نفسها على إغلاق خليج العقبة، الأمر الذي ينهي إيلات كميناء إسرائيلي.. كما لم يكن في مقدورها أن تتجاهل الجيش المصري المتقدم نحو حدودها.

سادساً: 22 مايو في إسرائيل جلسة الكنيست الإسرائيلي لبحث الأزمة وإعلان التعبئة الجزئية في إسرائيل

يوم الاثنين 22 مايو، تحدث رئيس الوزراء في الكنيست عن الموقف السياسي فأعلن أن القوات المصرية المعادية تدفقت إلى سيناء في 15 مايو، وأن القاهرة فسرت ذلك على أنه رد على حشود عسكرية إسرائيلية للهجوم على سورية. وقد كذبت إسرائيل تلك المعلومات الخاطفة وأيد مراقبو الأمم المتحدة ذلك التكذيب. ثم أضاف قائلاً: "زاد عدد القوات المسلحة المصرية في سيناء من 35 ألفاً إلى ثمانين ألفاً. كما زاد عدد قوات المدفعية والطائرات. ويتعين على الدول الكبرى أن تمارس كل نفوذها لمنع خطر اندلاع الحرب في الشرق الأوسط نظراً لأن التوتر في تزايد.

وتقع مسؤولية خاصة على الاتحاد السوفيتي الذي له نفوذ في دمشق والقاهرة ولم يعترض صراحة على سياسة حكومة دمشق تجاه إسرائيل. وبوسعي أن أقول العكس: فموسكو تبحث عن حجج أن الاتحاد السوفيتي يتعين عليه أن يطبق دون تمييز سياسته الرامية إلى اللجوء للطرق السلمية وعدم استخدام العنف في حل المشاكل الأمر الذي يساعد على إقرار السلام.

لقد بلغت الحشود المصرية في سيناء حداً من شأنه زيادة التوتر في هذه المنطقة وإثارة القلق في العالم. وينبغي إعادة الوضع على جانبي الحدود إلى حالته السابقة. وعلى ضوء ما أعلنه سكرتير الأمم المتحدة، يجب على جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وبخاصة الدول الكبرى، أن تدين أعمال التخريب التي ترتكب ضد دولة عضو بالأمم المتحدة وتطلب وقفها باعتبارها انتهاكا للاتفاقيات الدولية وميثاق الأمم المتحدة. يجب أن يكون للنفوذ الدولي وزنه وأثره في المحافظة على الهدوء الذي ساد الحدود المصرية الإسرائيلية منذ سنة 1957 عن طريق احترام الحقوق الدولية الحيوية لجميع الدول بما في ذلك إسرائيل.

أعضاء الكنيست المحترمون: كان تحرك القوات المصرية إلى سيناء يفسر في بداية الأمر في عواصم العالم على أنه مجرد استعراض للعضلات وليس له أية دلالة عسكرية. لكننا نحن الذين تهدد حدودنا نشعر أن علينا أن نتخذ كل الإجراءات الضرورية لمواجهة أي احتمال. وأريد من هذا المنبر أن أقول مرة أخرى للدول العربية، وخاصة مصر وسورية، أننا لا ننوي العدوان. نحن لا نريد الاعتداء على أمنهم أو أراضيهم أو حقوقهم القانونية. ولقد أصدرت أمري، نظراً للحشود المصرية على الحدود وجلاء قوات الطوارئ الدولية، باستدعاء محدود للاحتياط وتم ذلك فعلاً وفقاً للخطة الموضوعة.

وأخيراً فإني أدعو دول المنطقة بأن تحترم كل منها سيادة ووحدة أراضي والحقوق الدولية للدول الأخرى. إن دولة إسرائيل، الواثقة من قدرتها على الدفاع عن نفسها والقوية بقوتها وروحها، تعبر في هذا الوقت عن استعدادها للانضمام لأي جهود من شأنها تعزيز الهدوء وترقية قضية السلام في منطقتنا.

اقترح بن جوريون (رافي) إحالة مناقشة بيان رئيس الوزراء إلى لجنة الشؤون الخارجية والأمن نظراً لأن بعض الأمور لا تحتاج لإيضاح علني ولا يمكن نشرها على الملأ تجنباً للإضرار بالدولة. وقد غادر رئيس الوزراء الاجتماع لمدة قصيرة ليتيح الفرصة للأحزاب للتشاور فيما إذا كان ذلك النقاش يجب إجراؤه في الكنيست أو لجنة الشؤون الخارجية والأمن وأسفر التشاور عن قرار ببحث الأزمة حالاً في الكنيست.

وكان "مناحم بيجن" (جحال) أول المتحدثين فقال: "أنه يتفق مع الرأي القائل بأن الوضع الحالي فيه أمور لا ينبغي الإفصاح عنها علناً، لكن هناك أموراً أخرى يجب أن تعلن من فوق منبر الكنيست ليسمعها العالم أجمع وخاصة العدو. لقد تردى الأمن في الأيام الأخيرة ولن يمر هذا الوضع بسرعة. ويجب أن يعرف شعبنا ذلك وهو الذي صمد أمام اختبارات كثيرة. إن بلادنا لا تريد سفكا للدماء، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي، تحت أي ظروف، على سفك الدم اليهودي في أرض آبائه أو على تعريض سيادتنا الوطنية للخطر، أو على الأعمال العدوانية، والتسلل وبث الألغام. إنها أمام هذا العدوان، سوف تمارس حقها الكامل في الدفاع الشرعي عن نفسها وهو الحق الذي يكفله القانون الدولي العام. ولقد أصدرت مصر في الأسبوع الماضي بيانين: أحدهما يقول بأنها أرسلت قواتها صوب إسرائيل، والثاني يقول بأن مصر ستدخل الحرب ضدنا إذا هاجمت إسرائيل سورية. وأود بكل احترام أن أقول أن ما قاله رئيس الوزراء اليوم من أن ما نتعرض له من الخارج مجرد استعراض للقوة ليس صحيحاً.  هذه الفكرة جاءت من عندنا. من مصادر حكومية ولن أخوض فيما إذا كان ذلك مصدره نصيحة من الخارج أو أن التفسيرات الخارجية جاءت نتيجة للفكرة الإسرائيلية. إن مصادر حكومية حاولت في الحقيقة تفسير نوايا العدو على أنها مجرد استعراض للقوة وبذلك أبرأت الحكومة تلك النوايا من آثامها الخطيرة. فمن الحقائق المعروفة جيداً أن مصر لا زالت في حالة حرب مع إسرائيل. وعندما تقوم هذه الدولة بإرسال جيوشها ودباباتها وطائراتها ومدافعها نحو حدودنا فذلك تهديد واضح وصريح بالعدوان. ورغم كل ذلك تتحدث الحكومة الإسرائيلية عن مظاهرات واستعراض للقوة".

وواصل "بيجين" كلامه فقال: "لقد قالت مصر أنه إذا هاجمت إسرائيل سورية فستعلن مصر الحرب علينا. وهذا تهديد واضح بالعدوان، ذلك أن إسرائيل لم تهاجم سورية بل إن سورية، على العكس، هي التي تقوم بأعمال عدوانية مستمرة ضد إسرائيل سواء بشكل مباشر أم غير مباشر. لذلك يجب استخدام كلمات واضحة اليوم في مخاطبة العالم والعدو بنوع خاص حتى يمكن تفادي تدهور الموقف أكثر من ذلك وتجنب أعمال العدوان التي يمكن أن تتطور لحرب شاملة. سيدي رئيس الوزراء، كان ينبغي لك أن تكون أكثر صراحة اليوم. كما أن الحملة السياسية التي تشنها هذه الحكومة يجب أن تكون عاجلة وأكثر إصراراً وأن تتضمن المطالبة بإعادة تلك القوات المحتشدة الآن على حدود إسرائيل إلى قواعدها السابقة. إن قوات الطوارئ الدولية في مصر وقطاع غزة قد سحبت ولم تعد قائمة. كما أن حرية الملاحة من إيلات وإليها شرط ضروري ولا ينبغي القول أكثر من ذلك. وأخيراً فإن العدو في الجنوب يهدد بالحرب إذا مارسنا حقنا المشروع في الدفاع عن النفس ضد العدوان من العدو في الشمال. ولذلك يجب أن نعلن بوضوح أن التهديد بالعدوان من الجنوب لن يجعل إسرائيل تذعن للعدوان من الشمال".

وتحدث كثيرون آخرون، لكن المناقشات لم تنته إلا في اليوم التالي. وأحاط رئيس الوزراء الكنيست علماً بأن رئيس جمهورية مصر أعلن صباح اليوم عن نيته بشأن إغلاق الممر المائي الدولي الذي يربط خليج إيلات بالبحر الأحمر أمام السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي والسفن الأجنبية الأخرى التي تحمل مواداً لها طابع استراتيجي. إن أي تدخل ضد حرية الملاحة في الخليج والمضايق لهو انتهاك خطير لحرية الملاحة الدولية وعدوان على حقوق سيادة الدول الأخرى، وعمل عدواني ضد إسرائيل. كما أن اللحظات التي تنتظرنا لهي لحظات مصيرية بالنسبة لإسرائيل والعالم. وسوف تؤيد حكومة إسرائيل السياسة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أول مارس 1957. وقال رئيس الوزراء: "سوف أدلي بمعلومات أكثر عن الموقف في لجنة الشؤون الخارجية والأمن حيث ستظل المناقشات دائرة". لقد تلقت حكومتنا ـ بعد إعلان إغلاق مضايق إيلات أمام الملاحة الإسرائيلية طلباً من الرئيس الأمريكي ليندون ب. جونسون بالامتناع عن أي عمل لمدة 48 ساعة. وقد ووفق بأغلبية 89 صوتاً ضد أربعة أصوات على إعداد ملخص عن المناقشات ومواصلتها في لجنة الشؤون الخارجية والأمن.

سابعاً: اجتماع لجنة الدفاع الوزارية وإعلان التعبئة الكاملة للاحتياط

كانت لجنة الدفاع الوزارية قد انعقدت يوم 23 مايو 1967، حيث قدم رئيس الوزراء ملخصاً للموقف وقال: "لقد دعينا إلى اجتماع عاجل لأن هناك مشكلة تتطلب قراراً سريعاً. فقد طلبت الولايات المتحدة منا أن ننتظر لمدة 48 ساعة، بعد إعلان "عبدالناصر" في الليلة الماضية إغلاق مضيق تيران ـ قبل إرسال سفينة إسرائيلية في رحلة تجريبية عبر خليج العقبة".

واقترح "ايبان" أن تطلب من الولايات المتحدة إرسال مدمرة أمريكية تصاحب هذه السفينة، لأن ذلك سيكون اختباراً لموقف الولايات المتحدة. وقيل لنا أن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل أنه إذا كنا نريد أن نشركها في تحمل المسؤولية، فعلينا أن نستشيرها قبل اتخاذ أي خطوة.

أما "موشي ديان" فقد ذكر: "أنه ينبغي أن نشن هجوماً عسكرياً ضد مصر بعد انتهاء الثماني وأربعين ساعة، يهدف إلى إيقاع خسائر فادحة في قواتها المسلحة. وسوف يكون من الأفضل لو تم اختيار ساحة للمعركة تكون قريبة من حدود إسرائيل، حيث يتعين أن ندخل في حسابنا احتمال دخول الدول العربية كلها الحرب ضدنا"[1].

وبعد مناقشات طويلة، وافق أغلب الحاضرين على الاستجابة للطلب الأمريكي، وتم الاتفاق أيضاً على إعلان التعبئة الكاملة لقوات الاحتياط.

ثامناً: جولة وزير الخارجية الإسرائيلي في الخارج

اقترح "آبا إيبان" وزير الخارجية أن يسافر إلى واشنطن لمقابلة الرئيس "جونسون"، لكن رئيس الوزراء عارض ذلك الاقتراح وأيدته "جولدا مائير" في تلك المعارضة. ومع ذلك، فعندما وصلت معلومات من سفير إسرائيل في باريس بأن الرئيس "شارل ديجول" مستعد هو الآخر للالتقاء بأي مسؤول إسرائيلي، تقرر أن يقوم "ايبان" بتلك الرحلة.

وفي اجتماع باريس يوم 23 مايو دامت المقابلة بين ايبان وديجول نصف ساعة. حضرها "مسيو موريس كوف دي مورفيل" وزير الخارجية الفرنسية، و"والتر ايتان" سفير إسرائيل. واتسم التقرير الذي قدمه "آبا إيبان" بالتفاؤل. كما كان "ايتان" متفائلاً أيضاً. وفي نفس الوقت بعث السفير الإسرائيلي ببريطانيا تقريراً مؤداه أن رئيس الوزراء البريطاني "هارولد ويلسون" مستعد لمقابلة "ايبان" الذي طار في اليوم نفسه إلى لندن. وقد قال له "ويلسون" أن بريطانيا سوف تؤيد إسرائيل في قضية حرية الملاحة إذا أثير الموضوع في الأمم المتحدة، أو في عملية دولية تشترك فيها الولايات المتحدة.

وفي اليوم الذي وصل فيه "ايبان" إلى واشنطون (24 مايو) سافر الرئيس "جونسون" إلى كندا ولم يقابله "ايبان" إلا في 26 مايو. وفي هذا اللقاء أبدى الرئيس "جونسون" تعاطفه ومودته بالنسبة لإسرائيل إلا أنه أوضح أن أي عمل من جانب الولايات المتحدة لضمان حرية الملاحة في مضايق إيلات يحتاج لموافقة مجلس الشيوخ. وكان محور الاتصال مع أمريكا يهدف إلى تقديم ضمان أمريكي لإسرائيل ضد أي هجوم من جانب الجيوش المصرية، وليس مساندة أمريكا لإسرائيل عندما تقوم بضربة لكسر الحصار المصري.

وفي إسرائيل تزايد الشعور بعدم الثقة بالحكومة، وازداد القلق حتى بين صفوف القوات المسلحة نفسها. وطالب الكثيرون بإدخال تغييرات في الحكومة وخاصة في وزارة الدفاع ومنصب رئيس الوزراء. بل أن بعض الأعضاء الرئيسيين لأكبر حزب (الماباي) فقدوا الثقة برئيس الوزراء وطالبوا بإبعاده. لكن الشخصيات القيادية الرئيسية ـ "جولدا مائير"، "زالمان آران"، شاؤل أفجور"، وآخرون ـ أيدت أشكول وعارضت أي تغيير في وضعه.


 



[1] مع حشد القوات المصرية في سيناء، فقد كان رأي معظم القادة الإسرائيليين، هو أن إسرائيل سوف تضطر إلى الرد عن طريق القيام بعمل عسكري، وأن الخطوة المباشرة لهذا العمل يجب ألا يكون الاستيلاء على المضيق عن طريق احتلال شرم الشيخ، بل من خلال حمل العدو على الدخول في معركة وهزيمته هزيمة منكرة في موقع مناسب لإسرائيل، وبعد ذلك يتم توسيع نطاق العمليات جنوبا لتصل إلى المضيق. وقد اجتمعت القيادة العامة في تل أبيب يوم 23 مايو، وقررت `مؤقتا` أن يكون الهجوم بعد انقضاء 72 ساعة على إغلاق عبدالناصر لمضيق تيران، وصدور التصريح لشن غارات جوية على المطارات المصرية والاستيلاء على قطاع غزة (ولكن ذلك لم يتحقق)